الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445 هـ

منهج وتأصيل

من مظاهر موالاة الكفار

23 رجب 1439 هـ


عدد الزيارات : 23150
موقع على بصيرة

 

:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد

نستعرض في هذا البحث بعض المسائل العملية المتعلّقة بالبراء من الكفار، والتي وقع فيها الانحراف وكثر فيها الجدل، سواء من قبل الغلاة أو الجفاة.

وهذه المسائل هي:

  1. التشبّه بالكفار وتقليدهم.
  2. تهنئة الكفّار بأعيادهم ومناسباتهم.
  3. الاستعانة بالكفار والتحالف معهم.
  4. مناصرة الكفّار وإعانتهم.
  5. التجسس لصالح الكفار.
  6. تولية الكفّار مناصب في الدولة.

 

أولاً: التشبّه بالكفار وتقليدهم

  1. تعريف التقليد والتشبّه:

 التشبّه لغة: من المشابهة، وهي المماثلة، قال ابن منظور: "الشِّبْهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ: المِثْلُ، وأَشْبَه الشيءُ الشيءَ: مَاثَلَهُ" [1] وتشبّه على وزن تفعّل، ومن معانيها: تكرار الفعل مرة بعد مرة [2]، فتشبّه أي كرّر فعل المشابهة مرّة بعد أخرى، حتى يصير الفعل من هذا التكرار عادة له.

وأمّا اصطلاحًا: فيمكن أن نعرّفه بأنّه "مماثلة الكفار في أعمالهم وأحوالهم"، إذ لم يعرّفه العلماء لظهور معناه واتضاحه، وهذا المعنى الذي عرفناه به، هو ما يدور حوله كلامهم في شرح النصوص التي تنهى عن التشبّه، كحديث "مِنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُم" [3].

والتقليد لغة: مصدر قلَّد، وهو "تعليق شيء على شيء وَلِيَهُ به" [4] ومنه "تقليد البَدَنَة وذلك أن يُعلَّق في عنقها شيء ليُعلم أنّها هدي" [5]، ومنه "التقليد في الدين، وتقليد الولاة الأعمال، وتقليد البُدْنَ: أن يُجعل في عنقها شعارٌ يعلم به أنّها هَدْي" [6].

واصطلاحًا: عرّفه الجرجاني بتعريفين: "التقليد: عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقيقة فيه، من غير نظر وتأمّل في الدليل، كأنّ هذا المتبع جعل قول الغير أو فعله قلادةً في عنقه.

التقليد: عبارةٌ عن قبول قول الغير بلا حجّة ولا دليل"[7]، وهما بمعنى واحد.

ويظهر من التعاريف أنّ التشبّه والتقليد قصور عن الكمال، لأنّ النزعة للتقليد والتشبّه بالآخر أمارة على الشعور بالنقص عند المقلِّد، والإعجاب والرضى والتعظيم لمن يقلده ويتشبه به، وهذا الأمر دونيّة ونقص، ولهذا نهى الإسلام عنه وحرّمه، لأنّ الإسلام ربى أتباعه على العزة، وشريعته كاملة لا نقص فيها، وهذا أصل من أصول التربية والتشريع الإسلامي، ولم يأذن بالتقليد إلا في مجال الاستفادة من الخبرات والتبادل العلمي والمعرفي بين المسلمين وغيرهم، وهذا في الحقيقة ليس من التقليد والتشبّه في شيء.

 

  1. حكم التشبّه:

أكّدت أدلة كثيرة مبدأ مخالفة المشركين وعدم تقليدهم، ومنها:

  • قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}[الجاثية: 18-19]

قال الطبري: "{عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ} يقول: على طريقة وسنّة ومنهاج من أمرنا الذي أمرنا به من قبلك من رسلنا (فاتَّبِعْها) يقول: فاتبع تلك الشريعة التي جعلناها لك {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} يقول: ولا تتبع ما دعاك إليه الجاهلون بالله، الذين لا يعرفون الحقّ من الباطل، فتعمل به، فتهلك إن عملت به" [8].

وقال البيضاوي: " {ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ} طريقة {مِنَ الْأَمْرِ} من أمر الدين، {فَاتَّبِعْها} فاتبع شريعتك الثابتة بالحجج، {وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} آراء الجهال التابعة للشهوات، وهم رؤساء قريش قالوا له ارجع إلى دين آبائك" [9].

لقد أكرمنا الله -تعالى- بشريعة كاملة شاملة، فيها الخير والسعادة لنا في الدنيا والآخرة، فأوجب الله علينا التمسك بها، وأن لا نسير خلف شرائع وتعليمات أهل الجهل والهوى، الذين تسيّرهم شهواتهم ونزواتهم وأهواؤهم، ولئن كانت قريش طلبت من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتّبعها، فنزلت هذه الآية خطابًا وتوجيهًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فالمسلمون اليوم أولى بها، لأنّ الانبهار بأوهام الغرب أخذ بقلب وسمع الكثير منهم، فقلّدوهم من غير دعوة لهم للتقليد.

  • قوله تعالى:{وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً}[النساء: 115].

يحذر الله -تعالى- من ترك سبيل وطريق النبي -صلى الله عليه وسلم- وما عليه المؤمنون من هدي وعمل، والتوجه نحو تعاليم غير المؤمنين واتباعها، وأنّ من فعل هذا تركه الله لما توجّه له حتى يصلى نار جهنم.

يقول ابن كثير: "ومن سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فصار في شقٍّ والشرع في شق، وذلك عن عمد منه بعدما ظهر له الحقّ وتبيّن له واتضح له. وقوله: {ويتبع غير سبيل المؤمنين} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنصّ الشارع، وقد تكون لما أجمعت عليه الأمة المحمدية فيما عُلم اتفاقهم عليه تحقيقًا، فإنّه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لنبيهم صلى الله عليه وسلم " [10].

ويقول ابن تيمية بعد سرده لآيات من القرآن ومنها الآيتان السابقتان: "واعلم: أنّ في كتاب الله من النهي عن مشابهة الأمم الكافرة وقصصهم التي فيها عبرة لنا بترك ما فعلوه كثيرًا، مثل قوله لما ذكر ما فعله بأهل الكتاب من المثلات، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}[الحشر: 2]، وقوله: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: 111]، وأمثال ذلك" [11].

  • قوله صلى الله عليه وسلم : (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ)، قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قَالَ: (فَمَنْ؟[12].

والحديث يخبر فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن زمن يصبح فيه المسلمون يقلّدون الكفار تقليدًا أعمى، وهو إخبار عن تلبّس بصفة مذمومة ومنبوذة.

قال النووي: "والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر" [13].

وقال ابن عبد البر: "وكان -صلى الله عليه وسلم- يحبّ مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفّار، وكان يخاف على أمّته اتّباعهم، ألا ترى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم- على جهة التعبير والتوبيخ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَوْ دَخَلَ جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ)" [14].

ومن الأحاديث التي نهت عن التشبّه بالكفّار:

قوله صلى الله عليه وسلم : (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى[15].

وقوله صلى الله عليه وسلم : (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَلَا خِفَافِهِمْ[16].

هذه الأدلّة وغيرها كثير تحذّر المسلمين من اتباع سبل الكفّار وتقليدهم والتشبّه بهم، ولعلّ من حِكَمِ المنع: أنّ التقليد كما سبقت الإشارة إليه هو ثمرة التعظيم والحبّ من المقلّد لمن يقلده، وهذا الحب والتعظيم من الموالاة التي حرّمها الله على المسلمين، لأنّها تقود المسلم للرضى عن كفر الكافر ونسيان ما انطوى عليه من نَجَس الكفر.

وقد نقل ابن تيمية الاجماع على حرمة التشبّه بالكفار، فقال في معرض ذكره لأخبارٍ عن الصحابة تفيد المخالفة: "وذلك يقتضي إجماع المسلمين على التمييز عن الكفار ظاهرًا، وترك التشبّه بهم ولقد كان أمراء الهدى، مثل العمرين وغيرهما، يبالغون في تحقيق ذلك بما يتم به المقصود" [17].

 

  1. مراتب التشبّه

التشبّه بالكفار وتقليدهم ليس نوعًا واحدًا في الجهة، ولا بمنزلة واحدة في الحكم، بل هو درجات ومراتب، يختلف بحسب نوع العمل أهو من الدين أم من الدنيا؟ وبحسب نية المقلِّد.

ويمكن أن نجعله على المراتب التالية:

 

 1. التشبّه بهم في دينهم:

وذلك عندما يكون الفعل الذي يقلّدهم به من أمور دينهم، أي هو دين عندهم يتقرّبون به إلى آلهتهم، فيحاكي المسلم أفعالهم في هذا الباب، ويقوم بالعمل نفسه، كالاحتفال بعيد الميلاد وعيد القيامة ولبس الصليب، وهي طقوس يؤدّيها النصارى دينًا وعبادة، أو كعيد النيروز، وهو عيد يحتفل به المجوس ديانة، ونحو هذا.

ولكنّ الظاهر وإن كان واحدًا، إلا أن الباطن مختلف، أي الدافع عند المقلِّد للتقليد متعدّد، ولهذا يختلف الحكم باختلاف الدافع.

فقد يقلّدهم في دينهم بدافع الرضى والحب له، فهذه عين المولاة التي تخرجه من الملة.

وقد يقلدهم في دينهم لينال دنيا عندهم، فهذه موالاة محرمة، وكبيرة من الكبائر، لكنها ليست كفرًا مخرجًا من الملة.

وقد يفعل هذا تقيّة ليدفع عن نفسه شرًا متوقعًا منهم، فهذا جائز للضرورة، وتقدّر بقدرها.

 

 2. التشبّه بهم في عاداتهم ومعاشهم

وذلك عندما يكون الأمر الذي يقلدهم به من أمور الدنيا، أي من أمور اللباس والطعام والبناء والعادات والتقاليد في المناسبات وشؤون الحياة والمعاش، ومنه الأعياد التي اخترعوها وليس فيها معنى ديني كعيد الميلاد الشخصي وعيد الزواج وعيد الأم، وهذا النوع لا يفعلونه تعبّدًا ولا دينًا، بل هو من جملة الأعراف والتقاليد الاجتماعية.

والأصل في هذا الباب أنّه محرّم، لأنّه داخل تحت عموم النهي عن التشبّه بالكفار.

كما أنّه يدلّ على الإعجاب بهم وتعظيمهم، وهو منافي لحال المسلم مع الكافر، إذ إنّ الإعجاب والرضا بالظاهر سيسري للرضا والإعجاب بالباطن، أو بعبارة أخرى: من أعجب بدنياهم فسيتولّد عنده من المحبة والرضى بهم ما يجعله لا يكره ولا يمقت دينهم، بل ربما ينزلق للإعجاب به.

وهو دليل على مرض القلب وسفه العقل وانهزامية النفس، فالمرء لا يقلّد في هذه الأمور التي لا يترتّب عليها نفع وليس فيها فائدة، بل هي لمجرد الموافقة والمشابهة، إلا عندما يرى نفسه أدنى من المقلَّد وأقل منه شأنًا، ويرى من نفسه نقصًا عنه، فيكمل نقصه ويسدّ شعوره هذا بالتقليد، وهذا حال المسلمين اليوم: حيث وصلت بهم المهزلة لتقليد الكفار في طريقة قصّ الشعر ولبس الثياب، واستعمال الألفاظ والتحيات الغربية التي ربّما لا يفهمون معناها، ووضع عبارات أجنبية على ملابسهم تحمل في بعضها عبارات كفرية أو منافية للأخلاق.

 

 3. الاستفادة من علومهم

وذلك عندما يكون الفعل الذي يقلّدهم به من العلوم والصناعات والخبرات، فهذا من باب الاستفادة من العلوم والأخذ بالحكمة والنفع حيثما كان، وهذا ليس من باب التشبّه والتقليد الاصطلاحيين في شيء، لأنّه ليس في الأمور الدينية، ولا مدخل للعقائد والأخلاق فيه، بل هو في الأمور الدنيوية المباحة، والتي يشترك فيها المسلم مع غير المسلم. فضلًا عمّا فيه من النفع والخير للمسلمين.

بل إنّ الاستفادة من هذه العلوم والمخترعات والصناعات مطلوبة من المسلم ندبًا في أقل الأحوال، وقد تكون واجبة بحسب أهميتها والحاجة إليها، فعن أنس رضي الله عنه: (أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى كِسْرَى، وَقَيْصَرَ، وَالنَّجَاشِيِّ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا بِخَاتَمٍ، فَصَاغَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاتَمًا حَلْقَتُهُ فِضَّةً، وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) واستفاد من خبرة سلمان -رضي الله عنه- في حفر الخندق، وهي خبرة فارسية. وقد تتابع سلف الأمة على الاستفادة من علوم الأمم الأخرى في ترتيب شؤون الدولة، فالحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها أخذها، بغضّ النظر عن دين قائلها.

وهذا التقسيم هو ما يفهم من عبارات وسياقات النصوص وكلام أهل العلم.

قال الشيخ ابن عثيمين: "الذي يفعله أعداء الله وأعداؤنا -وهم الكفار- ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: عبادات.

القسم الثاني: عادات.

القسم الثالث: صناعات وأعمال.

أما العبادات: فمن المعلوم أنّه لا يجوز لأيّ مسلم أن يتشبّه بهم في عباداتهم، ومن تشبّه بهم في عباداتهم فإنّه على خطر عظيم، فقد يكون ذلك مؤدّيًا إلى كفره، وخروجه من الإسلام.

وأما العادات: كاللباس وغيره، فإنه يحرم أن يتشبّه بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَومٍ فَهُوَ مِنْهُم[18].

وأمّا الصناعات والحِرَف: التي فيها مصالح عامة، فلا حرج أن نتعلّم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبّه، ولكنّه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يُعدّ من قام بها متشبهًا بهم" [19].

 

ثانيًا: تهنئة الكفّار بأعيادهم ومناسباتهم

أعياد المشركين ومناسباتهم قسمان:

  • دينية كعيد الميلاد والقيامة.
  • ودنيوية وهي إمّا عامّة كعيد الاستقلال وعيد المعلّم وعيد الأم، وإما خاصة شخصية كعيد الزواج والنجاح.

 

 1. حكم التهنئة بالمناسبات الدينية:

ما كان له صفة دينية من هذه المناسبات فلا يجوز تهنئة الكفّار به، لأنّه من الموالاة التي تدور بين الحرام والكفر، فالتهنئة دليل الرضى والمحبّة على ما عليه صاحب العيد من المناسبة، وأعيادهم الدينية كلها كفرية، والتهنئة بالكفر دليل رضى به، أمّا إن هنّأهم وهو غير راض ولا مقرّ بالكفر، بل لينال حظًّا من الدنيا، فهو محرّم.

وفي الحديث عن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ[20].

قال ملا القاري معلقًا على الحديث السابق: "قال المظهر: فيه دليل على أنّ تعظيم النيروز والمهرجان وغيرهما -أي: من أعياد الكفار- منهيّ عنه. قال أبو حفص الكبير الحنفي: من أهدى في النيروز بيضة إلى مشرك تعظيمًا لليوم فقد كفر بالله تعالى، وأحبط أعماله.

وقال القاضي أبو المحاسن، الحسن بن منصور الحنفي: من اشترى فيه شيئًا لم يكن يشتريه في غيره، أو أهدى فيه هدية إلى غيره فإن أراد بذلك تعظيم اليوم كما يعظّمه الكفرة فقد كفر، وإن أراد بالشراء التنعّم والتنزّه، وبالإهداء التحابّ جريًا على العادة، لم يكن كفرًا، لكنّه مكروه كراهة التشبّه بالكفرة، حينئذ فيحترز عنه. اهـ" [21].

والكلام السابق يشمل حالة التهنئة وحالة المشاركة أو بالتقليد بالاحتفال، وهي أسوأ من الأولى.

وقال ابن تيمية: "وقد كره جمهور الأئمة -إما كراهة تحريم أو كراهة تنزيه- أكل ما ذبحوه لأعيادهم وقرابينهم إدخالًا له فيما أُهِلّ به لغير الله وما ذبح على النصب، وكذلك نُهوا عن معاونتهم على أعيادهم بإهداءٍ أو مبايعةٍ وقالوا: إنّه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا، ولا يُعارون دابة ولا يعاوَنون على شيء من دينهم، لأنّ ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك. لأنّ الله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ثمّ إنّ المسلم لا يحلّ له أن يعينهم على شرب الخمور بعصرها أو نحو ذلك. فكيف على ما هو من شعائر الكفر؟ وإذا كان لا يحل له أن يعينهم هو فكيف إذا كان هو الفاعل لذلك؟ والله أعلم" [22].

وفي كلام ابن تيمية زيادةُ تحريمِ بيعِهم ما يستعملونه في العيد، وأكلِ ما صنعوه في عيدهم، وهذا أخفّ وأبعد في الدلالة على الرضى بالكفر من التهنئة، فإن حَرُمَتْ هذه فأولى منها التهنئة، فضلًا عن المشاركة.

ونقل محمود السبكي بعضًا من كلام ابن تيمية السابق من غير عزو له نقلَ المقرّ والقائل به، فقال: "لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا، ولا يعارون دابة ولا يُعاونون على شيء من دينهم، لأنّ ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك. اهـ" [23].

ويبدو أنّ العبارة لابن القاسم المالكي، فقد قال ابن الحاج المالكي: "سُئل ابن القاسم عن الركوب في السفن التي يركب فيها النصارى لأعيادهم، فكره ذلك مخافة نزول السخط عليهم لكفرهم الذي اجتمعوا له، قال: وكره ابن القاسم للمسلم أن يُهدي إلى النصراني في عيده مكافأة له، ورآه من تعظيم عيده وعونًا له على مصلحة كفره، ألا ترى أنّه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئًا من مصلحة عيدهم لا لحمًا ولا إدامًا ولا ثوبًا، ولا يُعارون دابّة ولا يُعانون على شيء من دينهم، لأنّ ذلك من التعظيم لشركهم وعونهم على كفرهم، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره، لم أعلم أحدًا اختلف في ذلك انتهى" [24].

وقال أبو حفص الكبير الحنفي رحمه الله: "لو أنّ رجلًا عبد الله -تعالى- خمسين سنة ثم جاء يوم النيروز وأهدى إلى بعض المشركين بيضة يريد تعظيم ذلك اليوم فقد كفر وحبط عمله. وقال صاحب الجامع الأصغر إذا أهدى يوم النيروز إلى مسلم آخر ولم يرد به تعظيم اليوم ولكن على ما اعتاده بعض الناس لا يكفر، ولكن ينبغي له أن لا يفعل ذلك في ذلك اليوم خاصّة، ويفعله قبله أو بعده لكي لا يكون تشبيهًا بأولئك القوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم)، وقال في الجامع الأصغر: رجل اشترى يوم النيروز شيئًا يشتريه الكفرة منه وهو لم يكن يشتريه قبل ذلك: إن أراد به تعظيم ذلك اليوم كما تعظّمه المشركون كفر، وإن أراد الأكل والشرب والتنعّم لا يكفر" [25].

وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي: "ثم رأيت بعض أئمتنا المتأخرين ذكر ما يوافق ما ذكرته فقال: ومن أقبح البدع موافقة المسلمين النصارى في أعيادهم بالتشبّه بأكلهم والهدية لهم وقبول هديتهم فيه، وأكثر الناس اعتناء بذلك المصريون، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم)، بل قال ابن الحاجّ: لا يحل لمسلم أن يبيع نصرانيًا شيئًا من مصلحة عيده لا لحمًا..."[26] وذكر كلام ابن الحاج السابق الذي قاله ابن تيمية والسبكي.

وقال شرف الدين أبو النجا الحنبلي: "ويحرم شهودُ عيد اليهود والنصارى، وبيعُه لهم فيه، ومهاداتهم لعيدهم، ويحرم بيعهم ما يعملونه كنيسة أو تمثالًا ونحوه، وكل ما فيه تخصيص كعيدهم وتمييز لهم، وهو من التشبّه بهم، والتشبّهُ بهم منهي عنه إجماعًا، وتجب عقوبة فاعله" [27].

وقال ابن القيم: "وأمّا التهنئة بشعائر الكفر المختصّة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدّ مقتًا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه.

وكثير ممن لا قَدْرَ للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قُبح ما فعل، فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرّض لمقت الله وسخطه، وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهّال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء تجنّبًا لمقت الله وسقوطهم من عينه، وإن بلي الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشرّ يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك"[28].

فهذه نقولات المذاهب الأربعة على تحريم المشاركة والتهنئة، لما فيها من التشبّه والتعظيم، وقد بَيَّنَتْ بعض هذه النقولات أنّه يكون كفرًا إن ظهر من الفاعل اعتقاد العمل أو الرضى به وتصويبه.

 

 2. حكم التهنئة بالمناسبات الدنيوية

وأما ما كان من أعياد دنيوية عامّة ابتدعوها، كعيد الأم ونحوه، فيحرم التهنئة به لعلتين:

  • التشبّه بالكفار.
  • علّة الابتداع، لأنّ العيد له مدلول ومعنى تعبّدي.

 فالمسلمون لهم عيدان فقط، كما صرّح حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- السابق، وقد بيّن ابن تيمية بكلام طويل هاتين العلّتين في تحريم موافقة الكفار بأعيادهم. [29].

وأما تهنئتهم بالمناسبات الاجتماعية الخاصة كالزواج والنجاح والشفاء، وحضورها معهم فيما ليس فيه معصية، فهي تدخل في باب البرّ والقسط بالكفار الذي أباحته الشريعة مع غير المحاربين، وقد سبق بيان الفرق بين الموالاة والبرّ في البحث السابق من الولاء والبراء. [30].

يقول ابن القيم: "فصلٌ في تهنئتهم بزوجة أو ولد أو قدوم غائب أو عافية أو سلامة من مكروه ونحو ذلك. وقد اختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرّة ومنعها أخرى، والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة ولا فرق بينهما [31]، ولكن ليحذر الوقوع فيما يقع فيه الجهال من الألفاظ التي تدلّ على رضاه بدينه، كما يقول أحدهم: متّعك الله بدينك ... أو يقول له: أعزّك الله أو أكرمك، إلّا أن يقول: أكرمك الله بالإسلام وأعزّك به ونحو ذلك، فهذا في التهنئة بالأمور المشتركة" [32].

ولقد ظهر في الآونة الأخيرة من يشارك الكفار حضور عباداتهم في مناسباتهم الدينية وفي أماكن عباداتهم كالكنائس، بحجّة التسامح الديني! ولئن كانت المشاركة بأعياد الكفار محرّمة، وتكون كفراً مع الرضا والموافقة، فحضور عباداتهم في دورهم أشدّ وأغلظ، بل ظهر من يقرأ تراتيل النصارى الشركية على الإعلام مع القساوسة ليعطي برهانًا على التسامح، وهو يرتدي عمامته وجبّته، ولله المشتكى.

 

 3. التهنئة بالأعياد السياسية الدولية

بناءً على التأصيل السابق: يمكننا أن نبني حكم التهنئة بالمناسبات السياسية، فبعضها ينطوي على معنى كفري كتأسيس حزب كافر كالشيوعي مثلاً، وبعضها ينطوي على معنى محرّم كعيد ثورة ظالمة انتصرت في بلد من البلاد، كثورة 8 من آذار في سوريا، وبعضها ينطوي على معنى مباح كاستقلال دولة كافرة من دولة كافرة، كاستقلال فرنسا من ألمانيا.

ولا بدّ من ملاحظة معنى الضرورة في ظلّ النظام العالمي والتقييد بالأعراف الدولية بين الدول في مثل هذه المناسبات، فالدول في معاملاتها الرسمية تخضع لأعراف وتقاليد دولية يصطلح على تسميتها بالقانون الدولي.

وهذه الأعراف الدولية لا تستطيع الدول أن تخرج عنها، لما يترتّب عليه من الضرر، كالتهنئة بالأعياد الوطنية والمناسبات الدينية الرسمية.

فمثلاً عندما يكون للدولة عيد وطني لا بد لكل سفير فيها أن يرسل تهنئة للحاكم تكون بمنزلة رسالة تؤكّد استمرار العلاقة والصداقة بينهما.

وأحيانًا يضطر رئيس دولة ما أن يهنّئ رئيسًا آخر بمناسبة وطنية أو تسلّمه الحكم أو ما شابه ذلك.

ولا تخلو هذه المناسبات من تلبّس بكفر أو محرّم، فهنا لا بد من مراعاة الضرورة التي تجبر على القيام بهذه التهنئة، فيمكن أن تعتبر هذه الضرورة مانعًا من موانع إنزال الحكم على فاعلها وليست ملغية له، أي لا نقول إنّها جعلت من التهنئة المحرّمة حلالاً، بل أباحت للمسلم الوقوع في المحرم للضرورة، وهذا ما نفهمه مما جاء في كلام ابن القيم السابق: "وإن بُلِيَ الرجل بذلك فتعاطاه دفعًا لشرّ يتوقعه منهم فمشى إليهم ولم يقل إلا خيرًا، ودعا لهم بالتوفيق والتسديد فلا بأس بذلك" [33].

 

ثالثًا: الاستعانة بالكفار والتحالف معهم

 1. الاستعانة بالكفار

الاستعانة بالكفار والانتصار بهم لها حالتان:

الأولى: الاستعانة بالكفار على الكفار: وهي مسألة فقهية مختلف فيها بين أهل العلم على مذهبين [34]:

الأول: أنّه لا يجوز، وهو مذهب المالكية وقول عند الحنابلة، واستدلوا بعموم الآيات التي تنهى عن اتخاذ الكافرين أولياء، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (فَارْجِعْ، فَلَنْ أَسْتَعِيْنَ بِمُشْرِك)[35].

الثاني: أنّه يجوز عند الحاجة، وهو مذهب الجمهور، واستدلوا بفعله صلى الله عليه وسلم واستعانته بالمشركين في جهاده، منها خبر الزهري "أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- استعان بناس من اليهود في حربه فأسهم لهم" [36]، ومنها حديث ابن عباس قال: "استعان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيهود قينقاع فرضخ لهم، ولم يسهم لهم" [37]، وقتال صفوان بن أمية مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حُنين، وكان يومها على الشرك [38].

فالمسألة فقهية مختلف فيها بين أهل العلم، وهي في حقيقتها ليس من باب الموالاة، إذ لا يوجد فيها حب ونصرة للمشركين، بل على العكس فيها استنصار ببعضهم على بعضهم، وليس بعيدًا أن تكون علّة المنع أنّهم لا يُؤتَمنون على أسرار المعركة ودماء المسلمين، وهو معنىً مغاير لمعنى الموالاة، ويقوي هذا التعليل أنّ من أجاز الاستعانة اشترط هذه المعنى، فمثلاً يقول شهاب الدين ابن النقيب: "ويشترط في الكافر أيضًا أن تكون نيّته حسنة للمسلمين تؤمن خيانته".

والثانية: الاستعانة بالكفار على المسلمين البغاة، وفيها رأيان لأهل العلم أيضًا:

مذهب جمهور الفقهاء أنّها محرمة لا تجوز.

وذهب بعض أهل العلم إلى جوازها إذا كانت هناك ضرورة، وكان العلوّ لكلمة المسلمين، قال البهوتي الحنبلي: "ويحرم استعانة عليهم بكافر، لأنّه تسليط له على دماء المسلمين، وقال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}[النساء: 141]، إلا لضرورة كعجز أهل الحقّ عنهم، وكفعلهم بنا إن لم نفعله بهم، فيجوز رميهم بما يعم إتلافه إذا فعلوه بنا لو لم نفعله وكذا الاستعانة بكافر[39].

وقال السرخسي الحنفي: "ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل ظاهرًا" [40].

وليس الغرض هنا في هاتين المسألتين مناقشة الأقوال وترجيح الرأي فيهما، وإنّما الغاية أن نشير إلى أنّهما من القضايا الفقهية الفرعية، وهي من الخلافيات، ولم يقل أحد من السابقين بكفر وردّة من استعان بكافر على مسلم ظالم، بل دارت أقوالهم بين الحرمة والجواز.

فإطلاق القول بردّة وكفر من استعان بالكفار مطلقًا -ولا سيما على الكفار- غلوٌّ وشطط.

 

 2. التحالف مع الكفار

أما الدخول مع الكفار في أحلاف عسكرية وسياسية فهي تعاون، وليست استعانة محضة ولا إعانة محضة، بمعنى أنّ كل واحد أعان واستعان لتحقيق مصلحة مشتركة بينهما.

والدخول في حلف مع الكفار جائز من حيث أصل التحالف، وإنّما يختلف الحكم بحسب ما تحالفوا عليه، فقد عقد النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الكفار عدة تحالفات، منها:

 

  • تحالفه -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود:

فحين قدم المدينة كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- وثيقةً بينه وبين اليهود، ومما جاء في الاتفاق بينهم: "وإنّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وإنّه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإنّ النصر للمظلوم، وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإنّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم، وإنّه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإنّ مردّه إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنّ الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وإنه لا تُجار قريش ولا من نصرها، وإنّ بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وإنّهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنّه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين" [41]. ففي هذه الوثيقة التصريح بالتحالف العسكري، ووجوب النصرة بين الطرفين.

قد يرى البعض أنّ هذه الوثيقة هي عقد اجتماعي بين مواطني الدولة الواحدة، والذي يعرف بالدستور، وأنّها تبيّن علاقة المواطنين غير المسلمين مع المسلمين، وهذا صحيح وهو تأكيد للمعنى الذي نحوم حوله، فهل العقد الاجتماعي -أي الدستور- إلّا نوع من أنواع التحالفات والتفاهمات؟

على أنّ فهم الوثيقة على أنّها تحالف قوى أقرب إلى اعتبارها عقدًا اجتماعيًا، لأنّ مفهوم الدولة المدني الحديث ومناطات العقد الاجتماعي لم تكن واضحة في ذلك العصر، كما هي عليه الآن.

يقول الشيخ سعيد حوّى معلقًا على هذه الجزئية من الوثيقة: "إنّ فقه التحالفات وفقه الجهاد يشكّلان الأساسين النظريين لاندفاعة الحركة الإسلامية، فما لم تدرك الجماعة الإسلامية دقائق هذا الفقه فإنّ حركتها تكون قاصرة أو عاجزة أو مبتورة"[42].

 

  • تحالفه -صلى الله عليه وسلم- مع خزاعة:

في صلح الحديبية بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وقريش، جاء في مضمون الصلح: "من شاء يدخل في عقد محمد وعهده دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة، فقالوا: نحن ندخل في عقد محمد -صلى الله عليه وسلم- وعهده، وتواثبت بنو بكر، فقالوا: نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم" [43].

وخزاعة يومها على الكفر، فهذا تحالف بين المسلمين والكافرين، أو كما يسمى اليوم: دفاع مشترك، وعندما غزت بنو بكر حليفة قريش خزاعةَ، واستنجدت خزاعةُ بالنبي صلى الله عليه وسلم، نقض النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح وقاتل قريشًا وكان فتح مكة، وفي هذا فائدة مهمّة تزيد على جواز التحالف، بل تفيد جواز القتال من أجل الحليف الكافر، لرفع الظلم عنه، ولا شكّ أنّ هذا القتال عرضة لتسيل دماء مسلمة، ويشبه ما أجمع عليه أهل العلم بوجوب القتال والدفاع عن أهل الذمّة لو تعرضوا لغزو، فهذه صورة واضحة من التحالف والقتال لنصرة الحليف الكافر.

 

  • حلف الفضول:

قال عليه الصلاة والسلام: (شَهِدْتُ مَعَ عُمُومَتِي حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَإِنِّي أَنْكُثُهُ[44].

وهو نفسه حلف الفضول الذي قام على نصرة المظلوم، وثناء النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني إقراره، ومحل الاستدلال بقوله: (وإني أنكثه) أي سأبقى موفيًا به، وهذا بعد الإسلام، ويؤكده اللفظ الآخر للحديث (شَهِدْتُ حِلْفًا فِي دَارِ ابْنِ جُدْعَانَ: بَنِي هَاشِمٍ، وَزَهْرَةَ، وَتَيْمٍ، وَأَنَا فِيهِمْ، وَلَوْ دُعِيتُ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ، وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَخِيسَ بِهِ وَإِنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ[45]، فصرّح النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه لو دعي في الإسلام بهذا الحلف لوفى وأجاب.

يقول الدكتور منير الغضبان معلقًا على هذا الحلف: "هدف هذا الحلف هو نصرة المظلوم على الظالم وإيصال حقه له. ومع أنّه لم يقل: ولو أدعى إلى مثله، فلا ضير في ذلك طالما أنّ هدفه نصر المظلومين، ونصر المظلوم هدف أساسي في الإسلام. ونفهم من هذا: أنّ للحركة الإسلامية حرية التحالف مع أي جهة كانت من أجل نصر المظلومين والدفاع عن حقوقهم" [46].

إنّ هذه الآثار تبيّن جواز أصل دخول المسلمين مع الكفار في أحلاف سياسية أو عسكرية، وقد يَستدِلّ من يرى حرمة التحالفات بشكل عام بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً[47].

ويجيب النووي بقوله: "فالمراد به حلف التوارث، والحلف على ما منع الشرع منه، والله أعلم" [48].

وقال ابن حجر: "ويمكن الجمع بأنّ المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالماً، ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها، ومن التوارث ونحو ذلك، والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم، والقيام في أمر الدين، ونحو ذلك من المستحبّات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد، وقد تقدّم حديث ابن عباس في نسخ التوارث بين المتعاقدين، وذكر الداودي أنّهم كانوا يورثون الحليف السدس دائمًا فنسخ ذلك"[49].

أي أنّ التحالف حكمه على الجواز، وإنّما المحظور ما كان من مقتضيات التحالفات في الجاهلية ممّا حرّمه الإسلام.

 

 3. ضوابط التحالف مع الكفار

التحالف مع الكفّار وإن كان جائزًا من حيث الأصل إلّا أنّ له ضوابط، وهي باختصار:

  • أن يحقّق التحالف مصلحة ونفعًا للمسلمين.
  • ألّا يتضمن التحالف محرمًا في الشرع.

فالتحالفات التي تكون فيها الدول المسلمة تابعةً منقادةً، والقرار بيد الدول الكافرة، وليس للدول المسلمة أن تعارض: هي موالاة محرّمة صارخة.

والتحالف الذي يكون فيه ضربٌ للمسلمين كالذي سمي بالتحالف على الإرهاب، وهو على الإسلام في الحقيقة، هو مناصرة وموالاة محرّمة.

وأما تحالفاتُ ملاحقة الجريمة المنظّمة من المخدرات وغسيل الأموال ونحوها فهي جائزة، وكذلك تحالف الدفاع المشترك ضد من يعتدي على الدول.

وإذا نظرنا إلى واقع التحالفات التي دخلها بعض المسلمين اليوم أو بعض فصائل الثورة نجد فيها الغث والسمين، والجائز والمحظور.

فقد دخلت بعض الفصائل في تحالفات جائزة كتحالف الجيش الحر مع تركيا في درع الفرات، وإن كانت لا تخلوا منطقة الدرع من أخطاء ومشاكل، لكنّها ليس ناتجة عن أصل التحالف، وإنّما من فساد وسوء سلوكيات بعض من دخل فيه.

ودخلت في تحالفات محرّمة كتحالف قسد (قوات سورية الديمقراطية) وهو تكتّل يعارض مصلحة السوريين، ويخالف الشرع الحنيف [50].

إنّ التحالف هو نوع من الموالاة باعتبار أنّ كل حليف اتخذ الآخر ناصرًا له وكان هو له ناصرًا، ولكن منها ما هو محرّم ومنها ما هو جائز، كما سبق بيانه.

أمّا إعانة الكافر فهي مسألة مغايرة للاستعانة والتحالف، وسيأتي بيانها في المسألة التالية.

 

رابعًا: مناصرة الكفّار وإعانتهم

إعانة الكافر لها حالتان:

 1. إعانة الكافر على المسلم.

إنّ مناصرة الكفار وإعانتهم في حربهم على المسلمين وهي ما يسميها العلماء بالمظاهرة، موالاة واضحة للكفار، وتأخذ صوراً متعددة، كمشاركتهم في القتال أو مدّهم بالسلاح أو تقديم المال لهم في حربهم.

وقد فسّر كثير من أهل العلم الآيات التي تتحدث عن موالاة الكفار بأنّها تعني مظاهرتهم على المؤمنين، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة:51].

قال الطبري: "إنّ الله -تعالى ذكره- نهَىَ المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، وأخبر أنّه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنّه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأنّ الله ورسوله منه بريئان" [51].

ويقول القرطبي: "{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ} أي يعضدهم على المسلمين {فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} بيّن -تعالى- أنّ حكمه كحكمهم" [52].

وكقوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 28]

يقول الطبري: "لا تتخذوا، أيها المؤمنون الكفارَ ظهرًا وأنصارًا توالونهم على دينهم، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين، وتدلُّونهم على عوراتهم، فإنّه مَنْ يفعل ذلك {فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} يعني بذلك: فقد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر" [53].

ولعلّ الآيات تشمل كل أنواع الموالاة، إلا أنّ تركيز بعض المفسرين على المظاهرة ربّما لأنّها أقوى صور الموالاة وأقبحها وأوضحها في الميل لهم ونصرة ضلالهم.

ولهذا ليس أقبح في موالاة الكفار ممن انضم إلى صفوف جنودهم وراح يقاتل المسلمين، كما يفعل جهلة وسفلة السنّة بالانضمام للحشد الشيعي في العراق، أو الجيش الأسدي في سوريا وتنظيماته الرديفة كالدفاع الوطني ونحوه.

أو ما تقدّمه بعض الدول من دعم مالي لدول الكفر في حربها على المسلمين وقتالها لهم، فهذه الصور كلها موالاة قبيحة ظاهرة، وغالبها ردّة عن دين الله كما أشار الطبري في آخر كلامه السابق.

بل إنّ الله -تعالى- ذمّ من وعد الكفار بالنصرة وهو كاذب في وعده، وسماه منافقًا ووصفه بأنّه أخو الكفار، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[الحشر:11]

فكيف بمن فعل ونفّذ ما وعد به، فهو منهم حقيقةً.

ولهذا شدّد الشيخ أحمد شاكر في فتواه حيث قال: "أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة والكفر الصراح، لا يقبل فيه اعتذار ولا ينفع معه تأوّل، ولا يُنجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء، كلّهم في الكفر والردّة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب واتخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخصلوا من قلوبهم لله، لا للسياسة ولا للناس" [54].

واستعمل الشيخ لفظ التعاون وهو أليق بالنقطة السابقة وهي التحالف مع الكفار، لكن من نظر للواقع الذي قيلت فيه الكلمات وقرأ سياقها يعلم أنّ المقصود هو مظاهرتهم ومساعدتهم على سبيل التبعيّة والخدمة وليس التحالف معهم.

كما أن ظرف وواقع الشيخ يحتم علينا تصور وجهٍ واحدٍ أو صورةٍ واحدةٍ للتعاون، وهي حالة الموافقة والرضى التي بها تتحقق الردّة، وإلا فقد سبق وأن تقرّر معنا أنّ الموالاة المكفّرة ما كانت عن رضا وموافقة لدين ومعتقد الكافر، وأنّ المظاهرة لدنيا أو نحوها معصية، وربما تكون هناك حالات إكراه فيرتفع الإثم.

ويقول ابن تيمية عن جنود التتار: "وغاية ما يوجد من هؤلاء يكون ملحدًا، نصيريًّا أو إسماعيليًّا أو رافضيًّا، وخيارهم يكون جهميًّا اتحاديًّا أو نحوه، فإنّه لا ينضم إليهم طوعًا من المظهرين للإسلام إلا منافق أو زنديق أو فاسق فاجر، ومن أخرجوه معهم مكرهًا فإنه يُبعث على نيّته، ونحن علينا أن نقاتل العسكر جميعَه إذ لا يتميّز المكره من غيره" [55].

فبيّن أنّ من يخرج من التتار قد يكون مكرهًا، فهذا حكمه في القتال كغيره، أما عند ربه فعلى نيّته، مما يعني أنّ العمل ردّة، ولكن إسقاطها على الفاعل يحتاج لنظر.

وقال: "وكلّ من قفز إليهم [يعني التتار] من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم، وفيهم من الردّة عن شرائع الإسلام بقدر ما ارتد عنه من شرائع الإسلام" [56].

ويرى البعض أنّ هذا الكلام من ابن تيمية حكم بردّة من قفز إلى التتار، فيجعل علّة الردّة هو موالاتهم العملية والقتال معهم، ولكنّ النصّ صراحة لا يحتمل هذا الفهم، فهو يعتبر حكم من قفز كحكم التتار في القتال، وهذا لا خلاف فيه، ثم بيّن أنّ فيه من الردّة بقدر ما ارتد عن شرائع الإسلام، فجعل علّة الردة هو تركه لشرائع الإسلام، مما يعني أنّ مجرّد الموالاة ليست هي الردّة، فربّما تحصل مظاهرتهم بدون ترك لشرائع الإسلام.

ولسنا هنا نقلل من خطر موالاة ومظاهرة الكفار، بل هي ضلال قبيح وانحراف كبير، ولكن نؤكّد على أنّ موالاة الكفار بمظاهرتهم ونصرتهم تسير على تقسيمات أنواع المولاة كلها التي سبق تقريرها، فمنها كفر ومنها ما هو دونه.

 

 2. إعانة الكافر على الكافر:

والحالة الثانية وهي إعانة الكافر في قتاله ضدّ كافر آخر، وهي منافية لمقصد القتال والجهاد في الإسلام في علّتين:

  • غاية القتال المشروع لرفع راية الإسلام ودفع ضرر على المسلمين، والذي من أجله أبيح للإنسان أن يزهق روحه ويقدّم دمه، أما هنا فيقاتل ويزهق روحه من أجل كافر.
  • تكثير سواد أهل الباطل وتقوية الكفر.

ولهذا قال أهل العلم بحرمة القتال مع الكافر ضد كافر آخر، وبيّنوا علّة المنع بما ذكرناه.

قال السرخسي الحنفي: "لا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا أهل الشرك مع أهل الشرك، لأنّ الفئتين حزب الشيطان، وحزب الشيطان هم الخاسرون، فلا ينبغي للمسلم أن ينضمّ إلى إحدى الفئتين فيكثّر سوادهم ويقاتل دفعًا عنهم، وهذا لأنّ حكم الشرك هو الظاهر، والمسلم إنما يقاتل لنصرة أهل الحق، لا لإظهار حكم الشرك" [57].

وقال أيضًا: "ولو قال أهل الحرب لأُسراء فيهم قاتلوا معنا عدونا من المشركين، وهم لا يخافونهم على أنفسهم إن لم يفعلوا، فليس ينبغي أن يقاتلوهم معهم، لأنّ في هذا القتال إظهار الشرك، والمقاتل يخاطر بنفسه، فلا رخصة في ذلك إلا على قصد إعزاز الدين، أو الدفع عن نفسه[58].

وقال محمد بن الحسن: "فأنا أكره للمسلمين أن يقاتلوا أهل الشرك مع أهل الشرك[59].

وجاء في المدوّنة: "قال: سمعت مالكًا يقول في الأسارى يكونون في بلاد المشركين فيستعين بهم الملك على أن يقاتلوا معه عدوه ويجاء بهم إلى بلاد المسلمين، قال: قال مالك: لا أرى أن يقاتلوا على هذا، ولا يحلّ لهم أن يسفكوا دماءهم على مثل ذلك، قال مالك: وإنّما يقاتل الناس ليدخلوا في الإسلام من الشرك، فأمّا أن يقاتلوا الكفار ليدخلوهم من الكفر إلى الكفر ويسفكوا دماءهم في ذلك، فهذا مما لا ينبغي، ولا ينبغي لمسلم أن يسفك دمه على هذا[60].

وغاية البهوتي الحنبلي: "(و) يحرم (أن يعينهم) المسلم (على عدوهم إلا خوفًا) من شرّهم، لقوله تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة: 22]"[61].

وقال الطحاوي: "قال أصحابنا لا ينبغي أن يقاتلوا مع أهل الشرك، لأنّ حكم الشرك هو الظاهر وهو قول مالك، وقال الثوري: يقاتلون معهم، وقال الأوزاعي: لا يقاتلون إلّا أن يشترطوا عليهم إن غلبوا أن يردوهم إلى دار الإسلام، وللشافعي قولان " [62].

وفي كلام الطحاوي إشارة إلى وجود قول عند الشافعية بالجواز، وهذا ما قاله ابن حجر الهيتمي الشافعي حين سئل: "هل يجوز قتال المسلمين مع إحدى الطائفتين من الكفار حتى يقتل مثلاً أو يقتل من غير حاجة إلى ذلك أو لا؟ وهل يؤجر؟ لأنّه إما أن يقتل كافرًا، أو يقتله كافرٌ، وهل يعامل به معاملة الشهيد؟"

فكان جوابه على هذه الجزئية من السؤال: "للمسلمين أن يقاتلوا كلاً من الطائفتين، وأن يقاتلوا أحدهما لا بقصد نصرة الطائفة الأخرى، بل بقصد إعلاء كلمة الإسلام وإلحاق النكاية في أعداء الله تعالى" ثم قال: "نعم، يشترط أن يعلم مريد القتال أنّه يبلغ نوع نكاية فيهم، أما لو علم أنّه بمجرد أن يبرز للقتال بادره بالقتل من غير أدنى نكاية فيهم فلا يجوز له قتالهم حينئذ" [63].

وكلام ابن حجر الهيتمي يبيّن أنّه جائز من وجه أنّه يريد قتل المشركين وتحقيق نكاية بهم، لا بقصد نصرة فريق على فريق، وبشرط تحقّق القدرة له على النكاية.

ولعلّ مذهب الجمهور أقوى وأرجح، وهو ما يظهر ترجيحه من الإمام الشافعي نفسه، حيث يقول: "ولو أُسِرَ جماعة من المسلمين فاستعان بهم المشركون على مشركين مثلهم ليقاتلوهم فقد قيل: يقاتلونهم: وقيل: قاتل الزبير وأصحابٌ له ببلاد الحبشة مشركين عن مشركين، ومن قال هذا القول قال: وما يحرم من القتال معهم ودماء الذين يقاتلونهم وأموالهم مباحة بالشرك" ثم قال: "وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إليّ أن لا يقاتلوا" [64].

إنّ ما سبق من كلام أهل العلم في المنع، هو في حالة الاعتدال، وحالة الأصل، ولكن قد يضطرّ المسلم للقتال مع أهل الشرك، أو قد توجد مصلحة له في ذلك، فيباح قتال أهل الشرك مع أهل الشرك، ويمكن أن نحدّد حالات الاستثناء والجواز بالآتي:

  • حالة الإكراه:

 بحيث يُكره المسلمون على الدخول في القتال، وهذا يتصور لو كان المسلمون أسارى أو يقيمون في دار الحرب، وكانوا أمام خيارين إما دخولهم في قتال المشركين وإما أن يقتلوا، فيباح لهم قتال المشركين لسببين أو لعلتين:

- كون دماء المشركين هدر في الأصل.

- إن لم يدخل المسلمون في قتالهم قتلوا يقينًا، وإن دخلوا قتلوا ظنًا، فيدفع اليقين بالمظنون، ويحافظون على أرواحهم.

قال السرخسي: "وإن قالوا [يعني المشركين]: قاتِلوا معنا عدونا من المشركين وإلا قتلناكم فلا بأس بأن يقاتلوا دفعًا لهم، لأنهم يدفعون الآن أشرّ القتل عن أنفسهم، وقتل أولئك المشركين لهم حلال، ولا بأس بالإقدام على ما هو حلال، عند تحقق الضرورة بسبب الإكراه، وربما يجب ذلك كما في تناول الميتة وشرب الخمر" [65].

وسبق كلام البهوتي: "(و) يحرم (أن يعينهم) المسلم (على عدوهم إلا خوفًا) من شرّهم " [66].

وسبق في كلام الشافعي: "وإن لم يستكرهوهم على قتالهم كان أحب إليّ أن لا يقاتلوا" [67].

  • وجود مصلحة للمسلمين:

فإن كان للمسلمين مصلحة في القتال مع المشركين، فيجوز ذلك بقصد تحقيق المصلحة، ومن المصالح التي مثّل لها الفقهاء:

  • الخروج من الأسر، كأن يطلب الكفار من الأسرى المسلمين القتال معهم مقابل إطلاق سراحهم، فلهم ذلك، قال الإمام أحمد في مسائله من رواية أبي داود: "قلت لأحمد: لو نزل عدو بأهل قسطنطينية، فقال الملك للأسراء: اخرجوا فقاتلوا، وأعطيكم كذا وكذا؟ قال: إن قال لهم: أخلي عنكم فلا بأس رجاء أن ينجوا" [68].
  • الخوف على أنفسهم من شرّ الكفار الآخرين، كأن يكون الكفار الآخرون الذين سيقاتلونهم أكثر ضررًا وشرًّا من الكفار الذين سيقاتلون معهم، سواء كان المسلمون أسرى أم لا.

قال محمد بن الحسن "قلت: أرأيت إذا أغار قوم من أهل الشرك على أهل الدار التي هم فيها فقاتلوهم وسبوهم فخاف المسلمون المستأمنون على أنفسهم، أيقاتلون ليدفعوا عن أنفسهم؟ قال: نعم، لا بأس بالقتال في هذه الحال" [69].

وقال السرخسي: "فإذا كانوا يخافون [يعني المسلمين] أولئك الآخرين على أنفسهم فلا بأس بأن يقاتلوهم، لأنّهم يدفعون الآن شرّ القتل عن أنفسهم، فإنّهم يأمنون الذين هم في أيديهم على أنفسهم، ولا يأمنون الآخرين إن وقعوا في أيديهم، فحلّ لهم أن يقاتلوا دفعًا عن أنفسهم" [70].

ويمكن أن نخرّج القتال مع المشركين في هذ النقطة من باب دفع أقوى المفسدتين، بفعل أدناهما.

ويمكن أن نقيس على هذه الحالة حالة انتخاب حاكم كافر مقابل كافر آخر، إن كنّا نظنّ أن من ننتخبه أقل سوءًا على المسلمين، وأكثر نفعًا لم.

ويمكن من خلال ما سبق معرفة حكم من يخدم في جيوش الكفار ويقاتل معهم من أبناء الأقليات المسلمة في دول الكفر، فإن كان مكرهًا أو في قتاله دفع لأقوى المفسدتين فلا حرج.

ويستأنس بما رُوي عن أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (فلم ينشب [أي النجاشي]  أن خرج عليه رجلٌ من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمْتَنا حَزِنّا حُزْنًا قطّ كان أشدّ منه، فَرَقًا من أن يظهر ذلك الملك عليه فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرف، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائرًا فقال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ينظر على من تكون؟ فقال الزبير -رضي الله عنه- وكان من أحدثهم سنًّا: أنا، فنفخوا له قربة فجعلها في صدره، ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من الشقة الأخرى إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، وهزم الله ذلك الملك وقتله وظهر النجاشي عليه، فجاءنا الزبير -رضي الله عنه- فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا فقد أظهر الله النجاشي، فوالله ما فَرِحْنَا بشيء فَرَحَنَا بظهور النجاشي) [71].

قال الطحاوي: "فإن قيل: روي أنّ الزبير قاتل بالحبشة مع النجاشي عدوًا آخر، قيل له النجاشي كان مسلمًا، وأيضًا فلم يذكر فيه قتال، وإنّما ذهب يعرف خبرهم فأخبر المهاجرين" [72].

والمهمّ في هذه الحالة كالذي في قبلها، وهو ما نحوم حوله، من أنّ الخلاف فيها فقهي، والقول بمنعه من باب التحريم وليس من باب الكفر، وأنّ الموالاة في هذه المسألة تسير على مراتب الموالاة التي سبق تقريرها، وهي:

  • كفر إن قصد نصرة كفرهم وعلو رايتهم.
  • محرّمة إن قصد نصرتهم لمال أو جاه.
  • جائزة عند حصول إكراه أو مصلحة للمسلمين.
  • وربما تكون واجبة إن ترتّب عليها دفع مفسدة أكبر من مفسدة بقاء أهل الشرك الذين يناصرونهم، وتحقيق مصلحة للمسلمين أكبر.

 

خامسًا: التجسس لصالح الكفار

ومن صور موالاة الكفار التجسس لصالحهم ونقل خبر المسلمين لهم

 

 1. تعريف الجاسوس:

لم يهتم جلّ العلماء القدامى بتعريف الجاسوس، ربما لوضوح معناه، لكن تكاد أن تجمع عباراتهم على أنّ الجاسوس من ينقل خبر المسلمين للعدو ويطلعهم على عوراتهم.

فقد قال الخرشي المالكي: "هو الذي يطلع على عورات المسلمين وينقل أخبارهم للعدو" [73]،

ويسميه الشافعية الخائن، فقال البجيرمي: "والخائن: من يتجسس بهم ويطلعهم على العورات بالمكاتبة والمراسلة" [74].

وقال ابن قدامة في بيان من لا يصطحبهم الإمام معه للجهاد: "ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار، واطلاعهم على عورات المسلمين، ومكاتبتهم بأخبارهم، ودلالتهم على عوراتهم، أو إيواء جواسيسهم" [75].

وقد انتهى الدكتور راكان الدغمي بعد عرض كلام وعبارات أهل الفقه واللغة والقانون في الجاسوس إلى تعريف له فقال: "الجاسوس: هو الشخص الذي يطلع على عورات المسلمين بطريقة سرية، وينقل أخبارهم للعدو سواء أكان هذا الشخص مسلمًا أم غير مسلم، وسواء أكانت هذه الأخبار عسكرية أم غير عسكرية، في وقت السلم أو في وقت الحرب" [76].

 

 2. هل الجاسوس كافر؟

والجاسوسية مولاة محرّمة بلا خلاف، ولكن هل هي كفر أم لا؟

ومحل الاستدلال هو حديث حاطب -رضي الله عنه- كما في الصحيحين عن علي -رضي الله عنه- قال: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ[77].

وجمهور أهل العلم على أنّ الجاسوس لا يكفر بالتجسس، وإنّما على ما تقرر في حكم الموالاة، فإنّ من والى رضىً بدين الكافر وكرهًا لما عليه المسلمون، وأراد علوّ راية الكفر على الإسلام فهذا الذي يكفر، وأمّا من والى لغرض دنيوي فلا يكفر، وإن كان فعله كبيرة ومعصية عظيمة.

قال القرطبي: "من كثر تطلّعه على عورات المسلمين وينبّه عليهم، ويُعرِّف عدوهم بأخبارهم لم يكن بذلك كافرًا، إذا كان فعله لغرض دنيوي، واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد ولم ينو الردة عن الدين" [78].

وقال الشافعي: "لا يحلّ دم من ثبتت له حرمة الاسلام إلا أن يقتل أو يزنى بعد إحصان أو يكفر كفرًا بيّنًا بعد إيمان، ثم يثبت على الكفر وليس الدلالة على عورة مسلم، ولا تأييد كافر بأن يحذر أنّ المسلمين يريدون منه غرّة ليحذرها، أو يتقدّم في نكاية المسلمين بكفرٍ بَيِّن".

وقال بعدها: "في هذا الحديث مع ما وصفنا لك، طرحُ الحكم باستعمال الظنون، لأنّه لما كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنّه لم يفعله شاكًا في الإسلام، وأنّه فعله ليمنع أهله ويحتمل أن يكون زلّة لا رغبة عن الإسلام. واحتمل المعنى الأقبح: كان القول قوله فيما احتمل فعله"[79].

وقال الجصّاص: "ظاهر ما فعله حاطب لا يوجب الردّة، وذلك لأنّه ظنّ أنّ ذلك جائز له ليدفع به عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقيّة، ويستبيح إظهار كلمة الكفر، ومثل هذا الظن إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار، ولو كان ذلك يوجب الإكفار لاستتابه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما لم يستتبه وصدّقه على ما قال عُلِمَ أنّه ما كان مرتدًا، وإنّما قال عمر: ائذن لي فأضرب عنقه لأنّه ظنّ أنّه فعله عن غير تأويل، فإن قيل: قد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه إنما منع عمر من قتله لأنّه شهد بدرًا، وقال: ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فجعل العلّة المانعة من قتله كونه من أهل بدر، قيل له: ليس كما ظننت، لأنّ كونه من أهل بدر لا يمنع أن يكون كافرًا مستحقًا للنار إذا كفر، وإنّما معناه: ما يدريك لعلّ الله قد علم أنّ أهل بدر وإن أذنبوا لا يموتون إلا على التوبة، ومن علم الله منه وجود التوبة إذا أمهله فغير جائز أن يأمر بقتله أو يفعل ما يقتطعه به عن التوبة، فيجوز أن يكون مراده: أنّ أهل بدر وإن أذنبوا فإنّ مصيرهم إلى التوبة والإنابة" [80].

وفي كلامه رحمه الله تنبيهان:

أولهما: أنّ فعل حاطب ليس كفرًا، والثاني أنّ البدرية لا تمنع من الحكم بالكفر، بل من وقوع عقوبة المعصية.

وقال ابن بطال معلّقًا على حديث حاطب: "وفيه: أنّ الجاسوس قد يكون مؤمنًا، وليس تجسسه مما يخرجه من الإيمان" [81].

وذهب بعض المعاصرين إلى أنّ الجاسوسية ردّة [82]، ومناقشة ما قاله وكتبه تحتاج لبحث مستقلّ، ولكن نشير إلى مستنده الذي ارتكز على عدة نقاط:

الأولى: أنّ الجاسوسية تدخل في موالاة الكفار، وأطال في نقل نصوص العلماء في تفسير موالاة الكفار بصورٍ، منها التجسس، وهذه لا خلاف فيها، وليست محلّ النزاع، فهي من الموالاة، ولكن هل مطلق الموالاة كفر؟ ولقد تقرّر لنا سابقًا أنّ الموالاة درجات وليست كفرًا دائمًا، فلا يُستدل بكلام العلماء باعتبار الجاسوسية من الموالاة على أنّها كفر.

والثانية: أنّه زعم أنّ القول بأن "مظاهرة الكفار على المسلمين لا تكون كفرًا مخرجًا من الملّة إلا إذا اقترنت بمحبّة ظهور دينهم على دين الإسلام" هو قول لبعض المعاصرين! وأنّه ليس من كلام أهل العلم، بل جعله ضربًا من الوهم وليس من العلم والفهم في شيء!

والحقيقة أنّ كلام القرطبي والشافعي والطبري وغيرهم صريح في نفي الكفر عن الجاسوس مطلقًا، بل وكلامُ السلف الذي تقدّم في تحقيق أنّ مطلق الموالاة ليس كفرًا واضحٌ وصريح، فهل هؤلاء على ضرب من الوهم وليس عندهم شيء من العلم والفهم؟

والثالثة: أنّه اعتبر الجاسوسية المعاصرة أكبر من مسألة نقل أخبار، ففيها مشاركة في القتال، كمن يأخذ العدو من الطرق السريّة ليضربوا المسلمين، أو يضع العبوات واللواصق ليُقصف المسلمون، وهذا الكلام فيه حقّ كبير، ولكن إن وافقنا على هذا المعنى فهو انتقال من حكم الجاسوسية إلى حكم المشاركة في القتال مع الكفار وهو ما سبق بحثه في المسألة السابقة، ولا يبنى عليه القول بالتكفير، إلا إن كان الكاتب يرى كفر كل من شارك بقتال المسلمين مع الكفار، وهذا ظاهر مذهبه.

والرابعة: اعتمد على كلام بعض أئمة الدعوة النجدية في تكفير الجاسوس، وكلامهم يستدل عليه لا به.

والخامسة: تكلَّف في تفسير فعل حاطب على أنّه يغاير الجاسوسية المعاصرة بالمعنى والمضمون، فهو مجرّد خبر بقدوم النبي -صلى الله عليه وسلم- لحرب قريش، ولم يكشف أسرار المسلمين، وهذا تعسّف في التأويل، وأهل العلم والسلف -ومنهم الشافعي الذي أطال في الحديث عنها- جعلوا حديث حاطب أصل البحث في مسألة التجسس، وزاد الكاتب في التعسّف أن اعتبر كلام العلماء على فعل حاطب خاصة وليس على أصل التجسس، وهو مغالطة غير صحيحة.

وخلاصة هذه النقطة وما يظهر من صريح كلام أهل العلم، أنّ التجسس من الموالاة، ولكن مطلق التجسس كمطلق الموالاة ليس كفرًا بل هو مراتب ودرجات.

 

 3. عقوبة الجاسوس:

اختلف أهل العلم في عقوبته على ثلاثة مذهب:

الأول: عقوبته القتل، وهو مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب أحمد.

الثاني: يقتل إن تكرر منه التجسس وصار عادة، وهو قول عبد الملك بن الماجشون من المالكية.

والثالث: يعزره الإمام بما يراه، وهو مذهب الجمهور.

قال القرطبي: "إذا قلنا لا يكون بذلك كافرًا فهل يقتل بذلك حدًّا أم لا؟ اختلف الناس فيه، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: يجتهد في ذلك الإمام. وقال عبد الملك: إذا كانت عادته تلك قُتِلَ، لأنه جاسوس، وقد قال مالك بقتل الجاسوس، وهو صحيح لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض. ولعلّ ابن الماجشون إنّما اتخذ التكرار في هذا لأنّ حاطبًا أخذ في أول فعله" [83].

وسبق كلام الشافعي بأنّه لا يقتل، وبيّن بعدها أنّ أمره يعود للإمام بتعزيره [84].

وقال النووي: "وأما الجاسوس المسلم: فقال الشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة وبعض المالكية وجماهير العلماء رحمهم الله تعالى: يعزره الإمام بما يرى من ضرب وحبس ونحوهما، ولا يجوز قتله، وقال مالك رحمه الله تعالى: يجتهد فيه الإمام، ولم يفسر الاجتهاد، وقال القاضي عياض رحمه الله: قال كبار أصحابه: يقتل، قال: واختلفوا في تركه بالتوبة، قال الماجشون: إن عرف بذلك قتل وإلا عزر" [85].

وقال البدر العيني: "وقال الداودي: الجاسوس يقتل، وإنما نفى القتل عن حاطب لما علم النبي -صلى الله عليه وسلم- منه، ولكن مذهب الشافعي وطائفة أنّ الجاسوس المسلم يعزر ولا يجوز قتله، وإن كان ذا هيئة عُفِيَ عنه لهذا الحديث، وعن أبي حنيفة والأوزاعي: يوجع عقوبة ويُطال حبسه، وقال ابن وهب من المالكية: يقتل إلا أن يتوب، وعن بعضهم أنّه يقتل إذا كانت عادته ذلك، وبه قال ابن الماجشون، وقال ابن القاسم: يُضرب عنقه لأنّه لا تعرف توبته، وبه قال سحنون، ومن قال بقتله فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين" [86].

وعرض الآراء وأدلتها ومناقشتها ليس مرادًا للبحث، وإنّما أشرنا إليها لبيان أنّ الحكم بقتله مختلف فيه، بل رأي الجمهور أنّه لا يقتل، فإن كان لا يقتل فالقول بعدم تكفيره أولى.

وخلاصة المسألة: أنّ الجاسوسية موالاة للكفار، ولها مراتب وحالات تدور بين الكفر والحرمة، وليس لونًا واحدًا [87].

 

سادسًا: تولية الكفّار مناصب في الدولة

إنّ استعمال الكفار على شيء من أعمال المسلمين موالاةٌ لهم، ولهذا نهى الله -تعالى- عنها، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}[آل عمران:118].

وبطانة الرجل خاصته ومن يعتمد عليهم ويطّلعون على أسراره، قال الطبري: "وإنما جعل "البطانة" مثلًا لخليل الرجل، فشبّهه بما ولي بطنه من ثيابه، لحلوله منه -في اطِّلاعه على أسراره وما يطويه عن أباعده وكثير من أقاربه- محلَّ ما وَلِيَ جَسده من ثيابه" [88].

ومن كان هذا وصفه فلا بدّ أن يكون أمينًا وثقة، والكافر ليس محلًّا لها، لذلك علّلت الآية المنع بأنّهم لا يقصّرون في أذى المسلمين، وقلوبهم منطوية على حقد وكره للإسلام وأهله، كما قال القرطبي: "ثمّ بين -تعالى- المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا} يقول فسادًا، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنّهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنّهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة" [89].

ومن هذه الآية قال أهل العلم بحُرْمة استعمال أهل الكفر على أعمال المسلمين.

قال السعدي: "وهذا نَهْيٌ من الله -تعالى- للمؤمنين عن موالاة الكافرين بالمحبّة والنصرة والاستعانة بهم على أمر من أمور المسلمين"، ثم قال: "وفي هذه الآية دليل على الابتعاد عن الكفار وعن معاشرتهم وصداقتهم، والميل إليهم والركون إليهم، وأنّه لا يجوز أن يولّى كافر ولاية من ولايات المسلمين، ولا يُستعان به على الأمور التي هي مصالح لعموم المسلمين" [90].

وقال القرطبي: "نهى الله -عزّ وجلّ- المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء، يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أمورهم" [91].

وقال الجصّاص: "فنهى الله -تعالى- المؤمنين أن يتّخذوا أهل الكفر بطانة من دون المؤمنين، وأن يستعينوا بهم في خواصّ أمورهم" ثم قال: "وفي هذه الآية دلالة على أنّه لا تجوز الاستعانة بأهل الذمّة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة" [92].

وقال الكيا الهراسي: "فيه دلالة، على أنّه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمّة في شيء من أمور المسلمين من العمالات والكتابة" [93].

وقال ابن الجوزي: "قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنَّه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة، ولهذا قال أحمد: لا يستعين الإمام بأهل الذِّمة على قتال أهل الحرب، وروي عن عمر أنّه بلغه أنَّ أبا موسى استكتب رجلًا من أهل الذمّة، فكتب إليه يعنفه، وقال: لا تردّوهم إلى العزِّ بعد إذ أذلّهم الله" [94].

وذكر ابن القيم فصلًا في منع استعمال الكفار في ولايات المسلمين وينقل فيه "عن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلت لعمر رضي الله عنه: إنّ لي كاتبًا نصرانيًا، قال: مَالَكَ قاتلك الله؟! أما سمعت الله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة: 51]، ألا اتخذت حنيفًا، قال: قلت: يا أمير المؤمنين، لي كتابته وله دينه، قال: لا أُكرمهم إذ أهانهم الله ولا أُعزّهم إذ أذلهم الله، ولا أُدْنِيْهِم إذ أقصاهم الله.

وكتب إليه بعض عماله يستشيره في استعمال الكفار، فقال: إنّ المال قد كثر، وليس يحصيه إلا هم، فاكتب إلينا بما ترى، فكتب إليه: لا تدخلوهم في دينكم ولا تسلّموهم ما منعهم الله منه، ولا تأمنوهم على أموالكم" [95].

وبهذه الآيات في بيان النهي عن استعمال الكفار في أعمال المسلمين كفاية، وهذا ما عليه مذاهب أهل الفقه.

وحكم من ولّاهم المناصب والأعمال حكم الموالي بشكل عام، فإن ولّاهم حبًا بمعتقدهم وكرهًا بما عليه أهل الإسلام ورغبة في علوّ رايتهم فهو كفر، وإن كان بسبب خبرة وليس موالاة على دين فهي معصية محرّمة.

ومن المؤسف ما يتخبط به بعض من يدعي الفكر والعلم اليوم ويروّج لولاية الكافر حتى في الإمامة العامّة أي رئاسة الدولة، وهي محل إجماع بأنّه لا تكون إلا في مسلم. وفضلًا عن خرقه للإجماع ومخالفته للنصوص تراه يسفّه ويخطّئ من يلتزم بحكم الشرع!

ولو أنّه قال: نحن مضطرون أن نأخذ بالدولة الوطنية والمدنية لعجزنا واستضعافنا، لقلنا نفهم هذا، ولكن أن يقول هذا من الشرع، ولا يشترط في الدولة الإسلامية ولا في الشريعة أن يكون الحاكم مسلمًا فهذا هو الجهل في الدين والافتراء على الله.

 

 


1 - لسان العرب (13/503).
2 - فتح المتعال شرح لامية الأفعال ص (243).
3 - أخرجه أبو داود برقم (4031)، كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة.
4 - مقاييس اللغة (5/19).
5 - مقاييس اللغة (5/19).
6 - لسان العرب (3/367).
7 - التعريفات ص (64).
8 - تفسير الطبري (22/70).
9  - تفسير البيضاوي (5/107).
10 - تفسير ابن كثير (2/413).
11 - اقتضاء الصراط المستقيم (1/103).
12 - أخرجه البخاري برقم (3456)، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل. ومسلم برقم (2669)، كتاب العلم، باب اتباع سنن اليهود والنصارى.
13 - شرح مسلم (16/220).
14 - التمهيد (5/43).
15 - أخرجه مسلم برقم (259)، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة.
16 - أخرجه أبو داود برقم (652)، كتاب الصلاة، باب الصلاة في النعل. 
17 - اقتضاء الصراط المستقيم (1/365).
18 - أخرجه أبو داود برقم (4031)، كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة.
19 - مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (3/40).
20 - أخرجه أبو داد برقم (1134)، كتاب تفريع أبواب الجمعة، باب صلاة العيدين.
21 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/1069).
22 - مجموع الفتاوى (25/332).
23 - المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داوود (6/306).
24 - المدخل لابن الحاج (2/47-48).
25  - ذكره ابن نجيم في البحر الرائق (8/555).
26  - الفتاوى الكبرى لابن حجر (4/238).
27  - الإقناع (2/49).
28  - أحكام أهل الذمة (1/441).
29  - في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم، فليرجع له للاستفادة (2/9 وما بعدها).
30  - ينظر: بحث الولاء والبراء، http://alabasirah.com/node/738
31  - ذكر الجواز في هذه الأمور، قبل هذا الفصل. 
32  - أحكام أهل الذمة (1/441).
33 - أحكام أهل الذمة (1/441).
34 - حاشية ابن عابدين (4/148)، التاج والإكليل لمختصر خليل (4/545)، المغني (9/256)، أوضح المسالك ص (258).
35 - أخرجه مسلم برقم (1817)، كتاب الجهاد، باب كراهة الاستعانة في الغزو بكافر.
36 - أخرجه أبو داود في مراسيله برقم (281)، وسعيد بن منصور في سننه برقم (2790) ومعنى: (فأسهم لهم): أي جعل لهم سهمًا من الغنائم، قال الفيومي: "السَّهْمُ النَّصِيبُ وَالْجَمْعُ أَسْهُمٌ وَسِهَامٌ وَسُهْمَانٌ بِالضَّمِّ، وَأَسْهَمْتُ لَهُ بِالْأَلِفِ أَعْطَيْتُهُ سَهْمًا" المصباح المنير (1/293).
37 - أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (17970) وضعَّفه، والرضخ هو ما يعطيه الإمام من الغنائم للمقاتلين ممن لا يستحقون السهم، قال ابن قدامة: "قال: (ويرضخ للمرأة والعبد) معناه أنّهم يُعطون شيئًا من الغنيمة دون السهم، ولا يسهم لهم سهم كامل، ولا تقدير لما يعطونه، بل ذلك إلى اجتهاد الإمام" المغني ص (9/253).
38 -  أخرجه ابن حبان في صحيحه برقم (4774).
39 -  شرح منتهى الإرادات (3/390).
40 - المبسوط (10/134).
41 - سيرة ابن هشام (1/503)، عيون الأثر (1/228).
42 - الأساس في السنة وفقهها (1/408).
43 - دلائل النبوة للبيهقي (5/6)، السيرة النبوية لابن كثير (3/528).
44 - أخرجه ابن حبان برقم (4373)، كتاب الأيمان، باب ذكر خبر فيه شهود النبي -صلى الله عليه وسلم- حلف المطيبين، وأحمد برقم (1655).
45 - أخرجه الطحاوي برقم (5971) مشكل الآثار (15/221).
46 - التحالف السياسي في الإسلام ص (9).
47 - اخرجه مسلم برقم (2530)، كتاب فضائل الصحابة، باب مؤاخاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه.
48 - شرح مسلم (16/81- 82).
49 - فتح الباري (10/504).
50 - نشرنا في موقع على بصيرة عدّة أبحاث في مسألة التحالفات السياسية والعسكرية، منها:  
حكم القيام بتحالفات مع غير المسلمين في الثورة السورية (دراسة فقهية) http://alabasirah.com/node/445 
وملخّص في حكم التحالف مع غير المسلمين http://alabasirah.com/node/668 
وكتاب: أحكام التحالف السياسي في الفقه الإسلامي http://alabasirah.com/node/669.
51 - تفسير الطبري (10/398).
52 - تفسير القرطبي (6/217).
53 - تفسير الطبري (6/313).
54 - كلمة الحق (130).
55 - مجموع الفتاوى (28/535).
56 - مجموع الفتاوى (28/530).
57 - شرح السير الكبير ص (1515).
58 - شرح السير الكبير ص (1516).
59 - الأصل (7/521).
60 - المدونة (1/518).
61 - كشاف القناع (3/63).
62 - مختصر اختلاف العلماء (3/455).
63 - الفتاوى الفقهية الكبرى (4/222).
64 - الأم (4/256).
65 - شرح السير الكبير ص (1517).
66 - كشاف القناع (3/63).
67 - الأم (4/256).
68 - مسائل الإمام أحمد ص (332).
69 - الأصل (7/521).
70 - شرح السير الكبير ص (1517).
71 - أخرجه البيهقي في السنن برقم (18426)، لكن قال الإمام الشافعي في الأمّ (4/256): "ولا نعلم خبر الزبير يثبت، ولو ثبت كان النجاشي مسلمًا كان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه".
72 - مختصر اختلاف العلماء (3/455).
73 - شرح مختصر خليل (9/493).
74 - حاشية البجيرمي (4/264).
75 - المغني (9/201).
76 - التجسس وأحكامه في الشريعة الإسلامية ص (31)، وهو رسالة علمية في التجسس، قيّمة ونافعة.
77 - أخرجه البخاري برقم (3007)، كتاب الجهاد، باب الجاسوس. ومسلم برقم (2494)، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر.
78 - تفسير القرطبي (18/52).
79 - الأم (4/264).
80 - أحكام القرآن (5/326).
81 - فتح الباري لابن بطال (5/163).
82 - الشيخ أبو يحيى الليبي شرعي القاعدة في كتابه (المعلم في حكم الجاسوس المسلم).
83 - تفسير القرطبي (18/53).
84 - الأم (4/264).
85 - شرح مسلم (12/67).
86 - عمدة القاري شرح البخاري (14/256).
87 - للاستزادة في الموضوع يُنظر: أحكام وفوائد من قصّة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه  http://alabasirah.com/node/650 ، وفتوى:  هل يجوز قتل الجاسوس (العوايني) في سورية أو إيذاء أولاده وزوجته؟ http://islamicsham.org/fatawa/89
88 - تفسير الطبري (7/138).
89 - تفسير القرطبي (4/179).
90 - تفسير السعدي ص (127).
91 - تفسير القرطبي (4/178).
92 - أحكام القرآن (2/324).
93 - أحكام القرآن (2/304).
94 - زاد المسير (1/318).
95 - أحكام أهل الذمة (1/454).

إضافة تعليق جديد