الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادي اول 1446 هـ

منهج وتأصيل

أحكام وفوائد من قصّة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

17 ذو الحجة 1438 هـ


عدد الزيارات : 23221
موقع على بصيرة

 


لتحميل البحث كاملاً بجودة عالية.. اضغط هنا


ارتبط اسم حاطب بن أبي بلتعة -رضي الله عنه-حَاطِب بن أبي بَلْتَعَة -واسم أبي بلتعة: عمرو- اللّخْمي المكّي، وكنيته أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو محمّد، حليفُ بني أسد بن عَبْد العزى. من مشاهير المهاجرين، شهِد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهِد بيعة الرضوان، وكان فارسًا راميًا.  بعثه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بكتاب إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فكلّمه المقوقس واستحسن كلامه، وقال له: "أنت حكيم جاء من عند حكيم"، وبعث معه بهدية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرسل معه من يوصله إلى مأمنه. توفي بالمدينة سنة ثلاثين، وهو ابن خمس وستين أو سبعين سنة، وصلّى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه. ينظر: الطبقات الكبري لابن سعد (3/84)، و والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر (1/312)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (1/ 659)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (3/365)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (2/4).بغزوة فتح مكة، وذلك لأنّه أرسل إلى المشركين في مكة يخبرهم بعزم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على غزوهم، وهذا العمل يعدّ تجسّسًا لصالح المشركين، ونشرَ أخبارٍ عسكرية تضرّ بالمسلمين، فضلًا عمّا فيه من خصوصية إفشاء سرِّ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، كما أن فيه موالاةً للمشركين.

وهذا العمل في الظاهر مخالفٌ لمقتضى الإيمان بالله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، ونصرةِ الإسلام والمسلمين، لذا فقد عدّه الصحابة -رضي الله عنهم- من النفاق، وطلب عمر -رضي الله عنه- من النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يأذن له بقتله.

لكنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سأل حاطبًا -رضي الله عنه- عن السبب الذي دفعه للقيام بهذا الفعل، فأخبره أنه لم يفعل ذلك ردّة عن الدين، وإنما فعله لمصلحة دنيوية، فصدّقه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وقَبِلَ قوله ولم يكفّره. ولسابقته في الإسلام والجهاد لم يعاقبه وعفا عنه ونهى عن قتله.

 

غير أن فئة من المعاصرين الذين يحكمون على كلٍّ من وقع في موالاة الكفار بالكفر الأكبر المخرج من الملّة، يستدلّون على مذهبهم هذا بحديث حاطب، ويرون أنه -رضي الله عنه- قد وقع في الكفر الأكبر المخرج من الملة، بدليل أن الله سبحانه قد سمّى عمله موالاة، وعمر -رضي الله عنه- نعته بالنفاق ولم ينكر عليه الرسول -صلى الله عليه وسلّم- ذلك، لكنّهم يزعمون أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم لم يكفّره لأحد أمرين:

  • إما لأنه شهد بدرًا.

  • أو لأنه كان متأولًا، وهذا التأوّل يجعلونه خاصًا بحاطب؛ لأنّ الله -تعالى- أطلع نبيه -صلى الله عليه وسلم- على صدق حاطب فصدّقه؛ ولا سبيل إلى معرفة حال المتأوّل بعد حاطب، لأنّ الوحي قد انقطع! وعليه فكلّ من وقع في موالاة الكفار فهو كافر.

والذي عليه الأئمة الأعلام كالشافعي وغيره، وجمهور علماء المسلمين من السابقين واللاحقين أنّ فعل حاطب محتمل للكفر ومحتمل لما هو دون الكفر، وليس كفرًا في ذاته بإطلاق، وأنّ المعتبر في ذلك هو قولُه نفسُه في ذلك؛ فحيث نفى موالاة المشركين على دينهم قُبل منه.

وبيّنوا أن شهوده بدرًا ليس مانعًا من تكفيره لو كان الفعل كفرًا؛ لأنّ الكفر محبط للعمل، ولكنَّ النبي -صلى الله عليه وسلّم- عفا عنه ولم يعاقبه على تجسسه لسابقته تلك.

وبيّنوا كذلك أنّ هذا الأمر ليس خاصًّا بحاطب رضي الله عنه؛ إذ لا دليل على الخصوصية. 

لذا فإن فقه ما في حديث حاطب -رضي الله عنه- من الفوائد والأحكام، ومعرفة أقوال أهل العلم -الراسخين في العلم- فيها: أمرٌ غاية في الأهمية، ويقي من انحرافات الغلاة الذين يكفّرون بمطلق الموالاة، بل ويسارعون في تكفير المسلمين بأدنى تهمة، ويستبيحون دماءهم وأموالهم دون سؤال أو تثبّت، ولا يقبلون منهم أي عذر، مخالفين في ذلك هدي النبيّ محمد -صلّى الله عليه وسلّم- الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

 

♦ قصّة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه:

عندما نقضت قريشٌ الصلحَ الذي أبرمته مع النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديبية: عزم النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- على معاقبتها، وأمر أصحابه بالتجهّز للغزو، وأخفى وجهته، حتى يفاجئ قريشًا، فيتحقق له النصر بأقل الخسائر، ودعا الله تعالى قائلًا: (اللهمَّ عمِّ عَليهم خَبَرَنا حتى نأخُذَهم بغتةً)رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (1052)..

وفي هذه الأثناء قدمت إلى المدينة امرأة مشركة من قريش اسمها سارة، وكانت مولاةً لرجل من بني هاشم، تطلب المساعدة إثر حاجة شديدة ألمّت بها، فحثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أقاربه على إعطائها، فأعطوها مالًا وثيابًا وجملًا تركبه، فخرجت عائدة إلى مكة. عندئذ اغتنم حاطب -رضي الله عنه- عودتها وحمّلها رسالة إلى أهل مكّة مقابل مبلغ من المال دفعه لها، وكتب في الرسالة يخبر قريشًا بعزم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على الغزو، وأن وجهته قد تكون مكّةقال الصالحي في كتابه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"، (5/209-210): "ذكر السهيلي- رحمه الله- تعالى- إنه قد قيل أنه كان في كتاب حاطب: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد توجّه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسّيل، وأُقسمُ بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله- تعالى- ناصره ووليّه. وفي تفسير ابن سلام أنه كان فيه: أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد نفر فإمّا إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. وذكر ابن عقبة أن فيه: أن رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت، أن يكون لي يد بكتابي إليكم". ينظر أيضًا: سيرة ابن هشام (2/398)، وتفسير ابن زمنين (4/376)، وتفسير الثعلبي (9/291)، وتفسير البغوي (5/69)، وتفسير القرطبي: (18/51)، و عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (14/255).، والذي دفع حاطبًا -رضي الله عنه- لفعل ذلك أنه لم يكن قُرشيًا، وإنما كان حليفًا لقريش، وكان له أهلٌ وأموالٌ في مكّة، فأراد بهذا العمل أن يصنع معروفًا لقريش، فيكافؤوه عليه بحماية أقاربه وأمواله حين يغزوهم المسلمون.

لكنّ الله تعالى أخبر نبيّه -صلّى الله عليه وسلّم- بما قام به حاطب، فأرسل عددًا من فرسان أصحابة يأتوه بالرسالة قبل أن تصل لقريش.

عن عليّ رضي الله عنه قال: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ)رواه البخاري برقم: (3007). (رَوْضَةَ خَاخٍ) اسم مكان بين مكة والمدينة. (وَمَعَهَا كِتَابٌ) أي رسالة. (ظَعِينَةً) المرأة التي تكون في الهودج، والهودج مَحْمَل له قُبّة يوضع على الجمل لتركب فيه النساء. (تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا) تعدو بسرعة. (أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ) هذا تهديد بنزع ثيابها عنها حتى يجدوا الكتاب. (عِقَاصِهَا) ضفيرة شعرها. (يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي يخبرهم في رسالته أن النبي صلى الله عليه وسلم سيغزو مكّة. (مُلْصَقًا) مضافًا إليهم ولست منهم، وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم. (أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا) نعمة ومنّة عليهم. (لَعَلَّ اللَّهَ) كلمة لعلّ في كلام الله ورسوله تفيد الوقوع. (اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) نظر إليهم وعلم حالهم وما سيكون منهم..

وفي رواية عنه -رضي الله عنه- قال: (بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الغَنَوِيَّ، وَالزُّبَيْرَ بْنَ العَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ المُشْرِكِينَ، مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُشْرِكِينَ ... فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ لِي عِنْدَ القَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَدَقَ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَ: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّةُ، أَوْ: فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ، وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ)رواه البخاري برقم: (3983)..

وفي رواية: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}[الممتحنة: 1])رواه البخاري برقم: (4274)، ومسلم برقم (2494)..  

 

♦ الأحكام والفوائد المستفادة من الحديث:

1. تحريم موالاة كفار والمشركين، وأنها من أعظم الذنوب.

والموالاةُ في اللّغة: مشتقة من القُرْبِ، وتنشأ عنها المحبّة، ويترتب عليها: الموافقة والاتباع والنصرةقال ابن فارس في مقاييس اللغة (6/141): "الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْيَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُرْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْوَلْيُ: الْقُرْبُ. يُقَالُ: تَبَاعَدَ بَعْدَ وَلْيٍ، أَيْ قُرْبٍ. وَجَلَسَ مِمَّا يَلِينِي، أَيْ يُقَارِبُنِي"، وقال ابن تيمية في مجموع الرسائل (2/384): "وأصل الْمُوَالَاة هِيَ الْمحبَّة، كَمَا أَن أصل المعاداة البغض، فَإِن التحابَّ يُوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يُوجب التباعد وَالِاخْتِلَاف". ينظر: التعريفات للجرجاني (1/254)، ولسان العرب لابن منظور (15/406)..

ومن أنواع موالاة الكفار: محبّبتُهم ومودّتهم، والاحتفالُ بأعيادهم، وتركُ معاداتِهم في الدين والبراءةِ منهم، وإعانتُهم على المسلمين، والتّجَسُّسُ على المسلمين لصالحهم، والفرحُ لانتصارهم، وغير ذلك.

 

2. في هذه القصة ردّ على الذين يكفّرون بمطلق الموالاة، فحاطب -رضي الله عنه- قد وقع في موالاة المشركين بإرساله رسالة يفشي فيها سرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وينشر أخباراً عسكرية تضر بالمسلمين، بدليل أن الله -تعالى- سمّى فعله موالاة ومودّة، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ...}، لكن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكفّره بذلك، فدلّ ذلك على أنّ موالاة الكفار ليست كفرًا أكبر بإطلاقينظر: فتوى هل موالاة الكفار كفر بإطلاق؟ المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، http://islamicsham.org/fatawa/1592.

فالموالاة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الموالاةَ التامة الكاملة للكفّار بالرّضى عن دينهم، أو تصحيح مذهبهم، أو حبِّ ظهورِهم وانتصارهم على المسلمين، ونحو ذلك، فهذه كفرٌ صريح.

• قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51]، قال الطبري رحمه الله: "إن الله -تعالى ذِكْره- نهَىَ المؤمنين جميعًا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارًا وحلفاءَ على أهل الإيمان بالله ورسوله وغيرَهم، وأخبر أنّه من اتخذهم نصيرًا وحليفًا ووليًّا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزُّب على الله وعلى رسوله والمؤمنين، وأن الله ورسوله منه بريئان ... فإن من تولاهم ونصرَهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم، فإنه لا يتولى متولٍّ أحدًا إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راضٍ، وإذا رضيه ورضي دينَه فقد عادى ما خالفه وسَخِطه، وصار حكُمه حُكمَه"جامع البيان، (10/398-400)..

وقال الماوردي -رحمه الله- في تفسير {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}: "... موالاتهم في الدين، فإنه منهم في حكم الكفر، وهذا قول ابن عباس"النكت والعيون، (2/46)..

وقال سبحانه: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة: 22]، قال الواحدي رحمه الله: "أخبر الله أنّ إيمان المؤمنين يفسد بمودّة الكفار، وأنّ من كان مؤمنًا لا يوالي من كفر، وإن كان أباه، أو ابنه، أو أخاه، أو واحدًا من عشيرته"التفسير الوسيط، (4/268)..

القسم الثاني: موالاة الكفار لغرض دنيوي من جلبِ نفعٍ أو دفعِ ضررٍ، أو لخصلةِ خيرٍ فيهم،  مع سلامة الاعتقاد: من الإيمان بالله ورسوله والإقرار بأن دين الكفار باطل، فهذه الموالاة محرّمة ومعصية كبيرة، لكنّها ليس بكفر أكبر.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وقد تَحْصُلُ للرّجل مُوادّتهم لرحمٍ أو حاجةٍ فتكون ذنباً يَنقُص به إيمانُه، ولا يكون به كافراً، كما حصل مِن حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي -صلّى الله عليه وسلّم- وأنزل الله فيه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}"مجموع الفتاوى (7/ 522-523)..

وقال ابن عادل الحنبلي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 28]: "موالاة الكافر تنقسم ثلاثة أقسامٍ:

الأول: أن يَرْضَى بكفره، ويُصَوِّبَه، ويواليَه لأجْلِه، فهذا كافر، لأنه راضٍ بالكفر ومُصَوِّبٌ له.

الثاني: المعاشرةُ الجميلةُ بحَسَب الظاهر، وذلك غير ممنوع منه.

الثالث: الموالاة، بمعنى الركون إليهم، والمعونة، والنُّصْرة، إما بسبب القرابة، وإما بسبب المحبة، مع اعتقاد أن دينَه باطل: فهذا منهيٌّ عنه، ولا يوجب الكفر، لأنه -بهذا المعنى- قد يجرّه إلى استحسان طريقِه، والرِّضَى بدينه، وذلك يخرجه عن الإسلام، ولذلك هدّد الله بهذه الآية فقال: {وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ}"اللباب في علوم الكتاب، (5/143)..

ووجه الدلالة من حديث حاطب رضي الله عنه:

 ‌أ. أن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- سأله عن السبب الذي حمله على فعله، وهذا الاستفصال يدلّ على أن من الموالاة ما ليس بكفر، وإلا لما كان للسؤال فائدة.

‌ب. أن حاطبًا نفى عن نفسه أن يكون قد ارتدّ عن الدين، وشهد على نفسه أنه باقٍ على إيمانه بالله ورسولهجاء في روايات الحديث أن حاطبًا -رضي الله عنه- قال للرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اعف عني عفا الله عنك، فو الذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ أسلمت، ولا كذّبتك منذ صدقتك، ولا أبغضتك منذ أحببتك، ولا واليتهم منذ عاديتهم، وقد علمت أنّ كتابي لا ينفعهم ولا يضرك، فاعذرني جعلني الله فداك". ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (4/298)،  وتفسير الثعلبي (9/291)، وتفسير البغوي (5/69).، وأنه إنما فعل ما فعل ليحمي أهله وماله في مكّة، وقد صدّقه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في هذا، ونفى عنه صفة النفاق التي اتُّهِم بها، ونهى أصحابه أن يعودوا لوصفه بالنفاقِ أو خيانةِ الله ورسوله: (صَدَقَ، وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا). فدلّ على أن الموالاة تحتمل أن تكون كفرًا مخرجًا من الإسلام، وتحمل أن لا تكون كذلك، وقد حملها النبي -صلى الله عليه وسلّم- على غير الكفر.

قال أبو بكر الجصاص رحمه الله: "ما فعله حاطبٌ لا يوجب الرِدّة، وذلك لأنه ظنّ أنّ ذلك جائز له ليدفع به عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقيّة، ويستبيح إظهار كلمة الكفر، ومثل هذا الظنّ إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار، ولو كان ذلك يوجب الإكفار لاستتابه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا لم يستتبه وصدّقه على ما قال عُلِم أنه ما كان مرتدًا. وإنّما قال عمر ائذن لي فأضرب عنقه لأنّه ظنّ أنه فعله عن غير تأويل"أحكام القرآن، (5/325-326)..

و "قيل للشافعي: أفرأيت إن قال قائل: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "قد صدق"، إنما تركه لمعرفته بصدقه، لا بأنّ فعله كان يحتمل الصدق وغيره.

فيقال له: قد علم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ المنافقين كاذبون، وحقَن دماءهم بالظاهر، فلو كان حكم النبيّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في حاطب بالعلم بصدقه، كان حكمه على المنافقين: القتل بالعلم بكذبهم! ولكنه إنما حكم في كلٍ بالظاهر، وتولى الله -عزَّ وجلَّ- منهم السرائر، ولئلا يكون لحاكم بعده أن يدع حكمًا له مثل ما وصفت من علل أهل الجاهلية، وكل ما حكم به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فهو عام حتى يأتي عنه دلالة على أنه أراد به خاصاً، أو عن جماعة المسلمين الذين لا يمكن فيهم أن يجهلوا له سنة، أو يكون ذلك موجوداً في كتاب الله عزّ وجلّ"تفسير الإمام الشافعي (3/1336)..

ج. أنّ طلب عمر -رضي الله عنه- الإذن بقتله ليس لأنه مرتد، وإنما من باب العقاب والتأديب على التجسس.

قال ابن عرفة رحمه الله: "وهنا ثلاثة أسئلة: ... السؤال الثاني: كيف طلب عمر -رضي الله عنه- أن يضرب عنقه بعد تصديق النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله، والخطابُ بـ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تصديقٌ له أيضًا في أنه مؤمن؟

وجوابه: أنه توهّم أن قتله حدٌّ وأدبٌ، لا أنّه مرتد"تفسير ابن عرفة (4/211).

وقال الجصاص رحمه الله: "فإن قيل: قد أخبر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنه إنما منع عمرَ من قتله لأنه شهد بدرًا، وقال: (ما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)، فجعل العلّة المانعة من قتله كونه من أهل بدر، قيل له: ليس كما ظننتَ، لأنّ كونه من أهل بدرٍ لا يمنع أن يكون كافرًا مستحقًّا للنار إذا كفر. وإنّما معناه: ما يدريك لعل الله قد علم أنّ أهل بدر -وإن أذنبوا- لا يموتون إلا على التوبة، ومن علم الله منه وجودَ التوبة إذا أمهله فغيرُ جائزٍ أنْ يأمرَ بقتله أو يفعل ما يقتطعه به عن التوبة، فيجوز أن يكون مرادُه: أنّ أهل بدرٍ وإن أذنبوا فإن مصيرهم إلى التوبة والإنابة"أحكام القرآن، (5/325-326)..

‌د. ثبت في الحديث أن الله -تعالى- أنزل في حاطب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} وهذه شهادة من الله -تعالى- لحاطب بالإيمان رغم أنه قد فعل ما فعل من تولّي المشركين وموادّتهم. 

وسيأتي المزيد من أقوال أهل العلم الدالة على أن هذا النوع من التولّي ليس بكفر: عند الحديث عن حكم الجاسوس وعقوبته، فإن التجسس للكفار نوع من موالاتهم.

 

3. لا تكفير مع الاحتمال.

وهذه قاعدة مهمّة في مسائل التكفير، ومعناها: أنه إذا قام إنسانٌ بفعلٍ يحتمل الكفر ويحتمل عدمه، فإنه لا يجوز تكفيره به، ويجب التثبّت منه وسؤاله، ويقبل قوله في ذلك.

فهذا الفعل من حاطب -رضي الله عنه- يحتمل أن يكون كفراً وردّة عن الدين وخيانة لله ورسوله، ويحتمل أنه متأول في فعله ولم يكفر، فلما سأله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نفى أن يكون ذلك منه ردّة عن الدين، وأنه باقٍ على إيمانه بالله ورسوله، وأنه إنما فعله ليحمي أهله وماله في مكّة، فقبل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله، وحمل فعله على غير الكفر، ثم عفا عنه. 

قال الشافعي رحمه الله: "في هذا الحديث ... طرحُ الحُكمِ باستعمال الظنون، لأنه لـمّا كان الكتاب يحتمل أن يكون ما قال حاطب، كما قال مِنْ أنّه لم يفعله شاكاً في الإسلام، وأنّه فعله ليمنع أهله، ويحتمل أن يكون زلّة لا رغبة عن الإسلام، واحتمل المعنى الأقبح: أي النفاق: كان القول قوله فيما احتمل فعله، وحكم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيه بأنْ لم يقتله، ولم يستعمل عليه الأغلب. ولا أعلم أحداً أتى في مثل هذا أعظم في الظاهر من هذا، لأن أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مباين في عظمته لجميع الآدميين بعده، فإذا كان من خابر المشركين بأمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ورسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يريد غرَّتهم، فصدَّقه على ما عاب عليه من ذلك غيرَ مستعملٍ عليه الأغلب مما يقع في النفوس، فيكون لذلك مقبولاً، كان مَنْ بعده في أقلّ من حاله، وأولى أن يُقبل منه مثل ما قُبل منه"تفسير الإمام الشافعي (3/1336)، ومعنى الشطر الأخير من كلامه رحمه الله: أن ذنب حاطب أعظم الذنوب؛ لأنه تجسس على النبي صلى الله عليه وسلّم، وكشف أمره الذي حرص على إخفائه، ومع ذلك قبل النبي -صلى الله عليه وسلّم- قوله أنه لم يفعله ردّة عن الدين، فقبول كلام غيره من المسلمين ممن ذنبه أصغر من ذنب حاطب أولى..

وقال الخطّابي رحمه الله: "إذا تعاطى شيئًا من المحظور وادّعى أمراً مما يحتمله التأويل كان القول قوله في ذلك، وإنْ كان غالبُ الظنّ بخلافه، ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب، وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضي الله عنه، استَعملَ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- حُسنَ الظنّ في أمره، وقبل ما ادعاه في قوله؟!"معالم السنن (2/275)..   

وقال الشيخ عليش المالكي: "وسُئل خاتمة المحققين أبو محمد الأمير -رحمه الله تعالى- عمّن شقّ ثوبه وقال: خرج من دينه.

فأجاب: بأنّه يشدّد عليه الأدب، وتلزمُه التوبةُ والاستغفارُ، ولا يحكم عليه بالردّة إلا أن يقصدها، لأنها أمرٌ خطرٌ يستلزم سفك الدم وحرمة الزوجة وغير ذلك من أحكامها، فلا يُحكم مع قيام الاحتمال، لأنّ الخروج عن الدين يَحتمِل الخروج عن كمالهِ بالفسقِ كما ورد: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) ... والله تعالى أعلم"فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، (2/347)..

 

4. لا تكفير مع التأويلالتأويل في اللغة: التفسير، وبيان الكلام بلفظ آخر. وفي الاصطلاح: "صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله، لدليلٍ" ينظر: لسان العرب لابن منظور (11/33)، والتعريفات للجرجاني (1/50)..

والمقصود بالتأويل هنا: الوقوع في الكفر من غير تعمد، إما لعدم فهم الأدلة الشرعية، أو لفهمها على غير وجهها الصحيح.

والتأويل نوع من الجهل الذي يعذر به الإنسان إن كان تأويلًا سائغًا، أو ناشئاً عن اجتهاد له وجهٌ من النظر.  

قال الخطّابي رحمه الله: "إنّ حكمَ المتأول في استباحة المحظورِ عليه: خلافَ حكمِ المتعمّد لاستحلالهِ من غيرِ تأويل"معالم السنن (2/275)..

وحاطب -رضي الله عنه- وقع في موالاة أعداء الله، فمن قال من أهل العلم أنَّ الموالاة كلها كفر: قال إنه وقع في الكفر ولم يكفُر لأنه كان متأوّلاً، فقد كانَ يظُنُّ أن هذا الفعل لا يُخرجُه من الإسلام، لأن قلبه مطمئن بالإيمان، ولأنه ظنّ أن عمله لن يضرّ المسلمين شيئًا، ولأنّه فَعَلَه من غير محبّة المشركين وشركهم. قال ابن حجر رحمه الله: "وعُذرُ حاطبٍ ما ذكرهُ فإنّهُ صنعَ ذلكَ مُتَأوِّلًا أنْ لا ضررَ فيه"فتح الباري (8/634)..

والعذر بالتأويل منهج صحيح دلّ عليه هذا الحديث، وعليه أهل العلم قديمًا وحديثًا:

قال ابن حزم رحمه الله: "من بلغه الأمر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من طريق ثابتة وهو مسلم، فتأوّل في خلافه إياه، أو ردّ ما بلغه بنصٍّ آخر، فما لم تقم عليه الحجة في خطئه في ترك ما ترك وفي الأخذ بما أخذ فهو مأجور معذور، لقصدِه إلى الحق وجهله به. وإن قامت عليه الحجّة في ذلك، فعاند، فكما ذكرنا قبلُ من التكفير أو التفسيق، لا تأويل بعد قيام الحجة"الدرّة فيما يجب اعتقاده، ص (552-553)..

وقال ابن تيمية رحمه الله: "والتكفير هو من الوعيد، فإنّه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلّى الله عليه وسلّم، لكنْ قد يكون الرجل حديثَ عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة، ومثلُ هذا لا يكفر بجحْدِ ما يجحده حتى تقوم عليه الحجّة، وقد يكون الرجل لا يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارضٌ آخرُ أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً"مجموع الفتاوى (3/231)..

وقال ابن أبي العزّ رحمه الله: "الرجلُ يكونُ مؤمنًا باطنًا وظاهرًا، لكنْ تأوّل تأويلًا أخطأ فيه، إمّا مجتهدًا، وإمّا مفرّطًا مذنبًا، فلا يقال: إنّ إيمانَه حَبِطَ لمجرّد ذلك، إلا أن يدلّ على ذلك دليل شرعي، بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة، ولا نقول: لا يكفُرُ، بل العدل هو الوسط"شرح العقيدة الطحاوية (2/435)..

وقال ابن الوزير رحمه الله: "فَقَوله فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة: {وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} يُؤَيّدُ أَنّ المتأولينَ غيرُ كفّارٍ، لِأَنّ صُدُورهمْ لم تَنْشَرِح بالْكفْر قطعًا أَو ظنًّا أَو تجويزًا أَو احْتِمَالًا"إيثار الحق على الخلق (1/395)..

والعلماء متّفقون على أنه لا يعذر بالتأويل من كان تأويله في أصل من أصول الدين الذي لا يقوم الدين إلا به، كتأويل الفلاسفة والباطنية الذين يؤولون الفرائض والأحكام بما يخرجها عن حقيقتها وظاهرها، قال ابن الوزير رحمه الله: "لا خلافَ في كُفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة للجميع، وتستّر باسم التأويل فيما لا يمكن تأويله، كالملاحدةِ في تأويل جميع الأسماء الحسنى، بل جميع القرآنِ والشرائعِ والمعادِ الأخروي من البعث والقيامة والجنة والنار.

وإنما يقع الإشكال في تكفير من قام بأركان الإسلام الخمسة المنصوص على إسلام من قام بها إذا خالفَ المعلومَ ضرورةً للبعضِ أو للأكثرِ، لا المعلوم له، وعلمنا من قرائنِ أحوالهِ أنّه ما قصدَ التكذيب، أو التبس ذلك علينا في حقّه، وأظهر التدين والتصديق بجميع الأنبياء والكتب الربانية، مع الخطأ الفاحش في الاعتقاد ومضادة الأدلة الجلية عقلًا وسمعًا، ولكن لم يبلغ مرتبة الزنادقةالمرجع السابق (1/377)..

وليعلم أنّ "التأويل لا يرفع عقوبة الدنيا مطلقًا، إذ الغرض بالعقوبة دفع فساد الاعتداء"مجموع الفتاوى (22/14). فمن وقع في التأويل وعُذر به لكنّه ارتكب أمرًا يُعاقب عليه فإنه يعاقب، لذلك فقد طلب عمر -رضي الله عنه- الإذن من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في أن يقتل حاطبًا رضي الله عنه، لتجسسه، لكن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-عفا عنه لسابقته في الهجرة والجهاد.

قال ابن تيمية رحمه الله: "وهذا الذي ذكرتُه فيما تركه المسلم من واجب، أو فعله من محرّم بتأويل اجتهاد أو تقليد، واضح عندي، وحاله فيه أحسن من حال الكافر المتأوّل. وهذا لا يمنع أن أقاتلَ الباغي المتأول، وأجلدَ الشاربَ المتأول، ونحو ذلك"المرجع السابق..

 

5. في الحديث بيان حكم الجاسوس وعقوبته:

التجسس جريمة عظيمة، وصورة من صور موالاة أعداء الله، يترتّب عليها كشف عورات المسلمين للكفّار، ومساعدتهم في حربهم على المسلمين، ونصرتهم عليهم، وما يتبع ذلك من القتل والتشريد وانتهاك الأعراض وذهاب الأموال واحتلال الأرض.

وبناء على ذلك: فحكمه يتراوح بين الكُفر المخرِج من الملة، وبين كونه كبيرة من كبائر الذنوب، بحسب الحامل عليه، فإن كان تجسّسه محبّةً للكفّار ولدينهم، ورغبة في ظهورهم وانتصارهم على المسلمين فهو من كفر أكبر مخرج من الملّة، وهو من الموالاة التامة للكفار.

أما إذا كان لغرضٍ شخصيّ أو دنيويّ أو ما أشبه ذلك، مع بقاء الإيمان في القلب وكراهية دين الكفّار فهو كبيرة من كبائر الذنوب.

قال القاضي ابن العربي رحمه الله: "من كثر تطلّعه على عورات المسلمين وينبّه عليهم ويعرّف عدوّهم بأخبارهم، لم يكن بذلك كافرًا إذا كان فَعَله لغرض دنيوي، واعتقاده على ذلك سليم، كما فعل حاطب حين قصد بذلك اتخاذ اليد، ولم ينوِ الردّة عن الدين"أحكام القرآن (4/225)..

وقال ابن بطال رحمه الله في شرحه لحديث حاطب: "وفيه: أن الجاسوس قد يكون مؤمنًا، وليس تجسّسه مما يخرجه من الإيمان"شرح صحيح البخارى (5/ 164)..

وقال النّووي رحمه الله في شرحه لحديث حاطب: "وفيه أنّ الجاسوسَ وغيرَه مِن أصحاب الذّنوب الكبائر لا يكْفُرُون بذلك، وهذا الجنس كبيرةٌ قطعاً، لأنّه يتضمن إيذاء النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو كبيرةٌ بلا شك"شرح صحيح مسلم (16/55)..

وتقدّم كلام أبي بكر الجصاص رحمه الله أنّ "ما فعله حاطبٌ لا يوجب الرِدّة ..."

وهذا القول بعدم تكفير الجاسوس المسلم مطلقًا هو قول الأئمة الأربعة وعامّة الفقهاء المتقدّمينينظر: النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ لابن أبي زيد القيرواني (3/353)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (6/71)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (2/142)، والعدة في شرح العمدة لابن العطار (2/1690)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/345)، والطرق الحكمية لابن القيم ص (94)، وفتح الباري لابن حجر (8/635)، وعمدة القاري لبدر الدين العيني (14/256).، وقد حكى الطحاوي رحمه الله الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمهينظر: فتح الباري لابن حجر (12/310). وإن كان بعض العلماء لم يسلّم بحكاية الإجماع هذه إلا أنه يُستدل بها على ما ذكرنا من أن القول بعدم تكفير الجاسوس بإطلاق هو قول الجمهور.، ومقتضى كلامه أنه غير مرتدّ.

أما عقوبة الجاسوس فهي دائرة بين القتل حدّاً كما هو مذهب المالكية، أو التعزير كما هو مذهب جمهور العلماء.

وسبب اختلاف العلماء في ذلك: هذا الحديث، فمن يرى من العلماء أنّ حكمه التعزير يستدل بأن النبيّ -صلّى الله وعليه وسلّم- لم يقتله، ومن يرى قتله يستدل بأن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أقرَّ عمر على إرادة قتله، ولكنه علّل المنع بأنه من أهل بدر، ولولا ذلك لكان حكمه القتلينظر: فتوى هل يجوز قتل الجاسوس؟ المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، http://islamicsham.org/fatawa/89.

وقال القرطبي رحمه الله: "إذا قلنا لا يكون بذلك كافرًا فهل يُقتل بذلك حدًّا أم لا؟ اختلف الناس فيه، فقال مالك وابن القاسم وأشهب: يجتهد في ذلك الإمام. وقال عبد الملكمُراد عبدالملك بن الماجشون: أن القتل يكون لمن تكرر منه التجسس، بخلاف حاطب فإنه أّخذ من أول مرّة وتاب ولم يتكرر منه التجسس، لذلك لم يقتل.: إذا كانت عادته تلك قُتِل، لأنه جاسوس، وقد قال مالك بقتل الجاسوس، وهو صحيح، لإضراره بالمسلمين وسعيه بالفساد في الأرض ... فإن كان الجاسوس كافرًا فقال الأوزاعي: يكون نقضًا لعهده، وقال أصبغ: الجاسوس الحربي يقتل، والجاسوس المسلم والذمي يعاقبان، إلا إنْ تظاهرا على الإسلام فيقتلان. وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بعين للمشركين اسمه فرات بن حيان، فأمر به أن يقتل، فصاح: يا معشر الأنصار، أُقتل وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله! فأمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم فخلى سبيله. ثم قال: (إنّ منكم من أَكِلُه إلى إيمانه، منهم فرات بن حيان)"تفسير القرطبي (18/51). والحديث الذي ذكره القرطبي رواه أبو داوود (2652)، وأحمد (18965)، والحاكم (2542) وصححه..

وقال ابن حجر رحمه الله: "وقد استدل به من يرى قتله من المالكية لاستئذان عمر في قتله ولم يردّه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك إلا لكونه من أهل بدر، ومنهم من قيّده بأن يتكرر ذلك منه، والمعروف عن مالك: يجتهد فيه الإمام، وقد نقل الطحاوي الإجماع على أن الجاسوس المسلم لا يباح دمه، وقال الشافعية والأكثر: يعزّر، وإن كان من أهل الهيئات يعفى عنه، وكذا قال الأوزاعي وأبو حنيفة: يُوجع عقوبة ويُطال حبسه"فتح الباري (12/310).

وقال ابن القيم رحمه الله في فوائد غزوة فتح مكّة: "وفيها: جواز قتل الجاسوس وإنْ كان مسلمًا، لأنّ عمر -رضي الله عنه- سأل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قتلَ حاطب بن أبي بلتعة لـمّا بعث يُخبِر أهلَ مكّة بالخبر، ولم يقل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يحل قتله، إنه مسلم! بل قال: (وما يدريك لعلّ الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم)، فأجاب بأنّ فيه مانعًا من قتله وهو شهوده بدرًا، وفي الجواب بهذا كالتنبيه على جواز قتل جاسوسٍ ليس له مثل هذا المانع، وهذا مذهب مالك، وأحد الوجهين في مذهب أحمد. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يُقتل، وهو ظاهر مذهب أحمد. والفريقان يحتجّون بقصة حاطب. والصحيح: أن قتله راجع إلى رأي الإمام، فإن رأى في قتله مصلحة للمسلمين قتله، وإن كان استبقاؤه أصلحَ استبقاه، والله أعلم"زاد المعاد في هدي خير العباد (3/371-372)..

 

6. الأحكام المستفادة من هذا الحديث، سواء منها ما يتعلق بالحكم على من فعل مثل فعل حاطب، أو كيفية التعامل معه: عامّة تشمل جميع المسلمين، وليست خاصّة بحاطب رضي الله عنه، بدعوى أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد علم أمره من طريق الوحي، لذلك لم يكفّره ولم يعاقبه! 

قال ابن بطّال رحمه الله: "إنْ ظنّ ظانّ أن صَفحَهُ -صلّى الله عليه وسلّم- إنما كان لما أعلمه الله من صدقه، ولا يجوز لمن بعد الرسول أن يعلم ذلك، فقد ظن خطأ، لأن أحكام الله في عباده إنما تجرى على ما ظهر منهم. وقد أخبر الله نبيه عن المنافقين الذين كانوا بين ظهراني أصحابه مقيمين معتقدين الكفر، وعرفه إياهم بأعيانهم، ثم لم يُبح له قتلهم وسبيهم، إذ كانوا يظهرون الإسلام بألسنتهم، فكذلك الحكم في كل أحد من خلق الله أن يؤخذ بما ظهر لا بما بطن، وقد رُوي مثل ذلك عن الأئمة"شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 163)..

 

7. من كفّر مسلمًا أو رماه بالنفاق على سبيل التأويل: لم تلزمه عقوبة، بشرط أن يكون من أهل العلم والاجتهاد، ويكون تأويله سائغًا. 

قال الخطابي رحمه الله: "وفيه دليل على أن من كفّر مسلمًا أو نفّقه على سبيل التأويل وكان من أهل الاجتهاد لم تلزمه عقوبة. ألا ترى أن عمر -رضي الله عنه- قال: "دعني أضرب عنق هذا المنافق" وهو مؤمن قد صدّقه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فيما ادعاه من ذلك، ثمّ لم يعنف عمرَ فيما قاله، وذلك أنّ عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدين، إذ كان المنافق هو الذي يظهر نصرة الدين في الظاهر ويبطن نصرة الكفار، وكان هذا الصنيع من حاطب شبيهًا بأفعال المنافقين، إلاّ أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد أخبر أنّ الله -تعالى- قد غُفر له ما كان منه من ذلك الصنيع وعفا عنه، فزال عنه اسم النفاق، والله أعلم"معالم السنن (2/275) بتصرف يسير..

وقال ابن القيم رحمه الله: "ولم يؤاخذ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين رمى حاطب بن أبي بلتعة المؤمن البدري بالنفاق، لأجل التأويل، ولم يؤاخذ أسيد بن حضير بقوله لسعدٍ سيّدَ الخزرج: إنك منافق تجادل عن المنافقين، لأجل التأويل، ولم يؤاخذ من قال عن مالك بن الدخشم: ذلك المنافق نرى وجهه وحديثه إلى المنافقين، لأجل التأويل، ولم يؤاخذ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين ضرب صدر أبي هريرة حتى وقع على الأرض وقد ذهب للتبليغ عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأمره، فمنعه عمر وضربه وقال: ارجع، وأقرّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فعله، ولم يؤاخذه، لأجل التأويل"إعلام الموقعين (4/68-69)..

وقال ابن حجر رحمه الله: "تقدّم في باب "من أَكْفَر أخاه بغير تأويل" من كتاب "الأدب"، وفي الباب الذي يليه "من لم يرَ إَكْفَارَ من قال ذلك متأوّلًا" وبيان المراد بذلك، والحاصل أنّ من أَكفَر المسلم نُظِرَ: فإن كان بغير تأويل استحقّ الذمّ، وربّما كان هو الكافر، وإن كان بتأويل نُظِرَ: إن كان غير سائغ استحق الذمّ أيضًا، ولا يصل إلى الكفر بل يُبيّن له وجه خطئه ويزجر بما يليق به ولا يلتحق بالأول عند الجمهور، وإن كان بتأويل سائغ لم يستحق الذمّ، بل تقام عليه الحجة حتى يرجع إلى الصواب. قال العلماء: كلّ متأوّل معذور بتأويله ليس بآثم إذا كان تأويلُه سائغًا في لسان العرب، وكان له وجه في العلم"فتح الباري (12/304)..

وقال برهان الدين البقاعي رحمه الله: "لا شيء على من كفّر مسلمًا بتأويل بلا خلاف نعلمه بين العلماء، والحجة فيه قصة عمر وحاطب رضي الله عنهما، وغير ذلك مما وقع بحضرة النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- في وقائع عدة"مصرع التصوف، ص (56)..

  • ومما يستفاد من الحديث من فوائد:

8. وجوب الرجوع إلى الحق، والتراجع عن الحكم إذا بان خطؤه، فهذه عمر -رضي الله عنه- قد اتّهم حاطبًا بالنفاق، وبيّن وجهة نظره وسبب اتهامه، لكن لما تبيّن له أنه مؤمن تراجع وقال: (اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ).

 

9. دلّ الحديث على جواز العفو عن زلة ذوي الهيئة، وعن العاصيينظر: فتح الباري (12/310).. إذا لم يكن مشهورًا بالمعاصي، فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- عفا عن حاطب لأنه شهد بدراً، وله سابقة في الهجرة والجهاد، بالرغم من أن فعله عظيم. قال ابن بطّال رحمه الله: "قال الطبري: في حديث حاطب بن أبي بلتعة من الفقه: أنّ الإمام إذا ظَهَرَ من رجلٍ من أهلِ الستر على أنه قد كاتب عدوًا من المشركين ينذرهم ببعض ما أسرّه المسلمون فيهم من عزم، ولم يكن الكاتب معروفًا بالسفه والغش للإسلام وأهله، وكان ذلك من فعله هفوة وزلّة، من غير أن يكون لها أخوات، فجائزٌ العفو عنه، كما فعله الرسول بحاطب من عفوه عن جرمه بعدما اطلع عليه من فعله. وهذا نظير الخبر الذى روت عمرة عن عائشة أن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم، إلّا حدّا من حدود الله)"شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 163). وحديث عائشة رواه أبو داوود (4375)، وأحمد (25474) وصححه الألباني والأرنؤوط، ومعناه: "اتركوا عقوبة من لم يعرف بغشيان الشر ... وذلك صيانة لهم وأناة لعلهم يراجعون ما عرفوا به من عدم إتيان الشر" التنوير شرح الجامع الصغير للأمير الصنعاني (3/22).

 

10. أن الإمام هو المكلف بإقامة الحدود والعقوبات: فالنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لم يأذن لعمر أن ينفّذ العقوبة.

 

11. أنه يجوز للوزير أن يشير على السلطان وإن لم يستشرهشرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 164).، وهذا مأخوذ من مبادرة عمر -رضي الله عنه- بإبداء رأيه في حاطب وما فعله.

 

12. "المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يُقطَع له بالجنة: لا يُعصَم من الوقوع في الذنب، لأن حاطبًا دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة، ووقع منه ما وقع"فتح الباري لابن حجر (12/311)..

 

13. "في الحديث الردّ على من كفّر المسلم بارتكاب الذنب، وعلى من جزم بتخليده في النار، وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذّب"فتح الباري لابن حجر (12/310).. وهذه من أهم المسائل التي يقع فيها الغلو، فمن الغلاة من يكفّر بالكبائر، ويرى خلود أصحابها في النار، ومنهم من يرى أن العاصي لابد أن يعاقب في الآخرة.

 

14. "العاصي لا حرمة له"فتح الباري لابن حجر (12/310).، فيجوز فضحه بذنبه، ولذا جاز "هتك ستر الجاسوس"فتح الباري لابن حجر (12/310).، وهذا مستفاد مما فعله عليّ وأصحابه -رضي الله عنهم- مع المرأة التي حملت الرسالة للمشركين. "قال المهلب: في هذا الحديث من الفقه أنّ من عصى الله لا حرمة له، وأنّ المعصية تُبيح حرمته وتُزيل سترته، ألا ترى أن عليًّا والزبير أرادا كشف المرأة لو لم تخرج الكتاب، لأنّ حملها له ضربٌ من التجسس على المسلمين، ومن فعل ذلك فعليه النكال بقدر اجتهاد الإمام مسلمًا كان أو كافرًا"شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 240).

ومستفاد -أيضًا- من إظهار النبيّ صلى الله عليه وسلم لفعل حاطب رضي الله عنه، ومناقشته أمام الصحابة رضي الله عنهم.

 

15. "في الحديث أنّ من وقع منه الخطأ لا ينبغي له أن يجحَدَه، بل يعترف ويعتذر لئلا يجمع بين ذنبين"فتح الباري لابن حجر (12/310).، وهذا مستفاد من مسارعة حاطب -رضي الله عنه- إلى الاعتراف بذنبه دون إنكار.

 

16. من ارتكب جرمًا ثم تاب منه: لا يجوز لأحد أن يُعيّره به، ولا أن يذكره له على سبيل التقريع أو الذمّ. ومن باب أولى من اتُّهِمَ بجرم وبرّئ منه.

يستفاد هذا من قوله صلّى الله عليه وسلّم: (وَلاَ تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا) فقد عفا النبيّ صلى الله عليه وسلم عن حاطب لـمّا علم صدقه، وأمر أصحابه بألّا يقولوا له إلا خيرًا، فمن فعل ذلك وعيّر تائبًا بذنب، أو اتهم بريئًا قد حُكم ببراءته فقد عصى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجاء ببهتان عظيم.

 

17. في الحديث جواز  النظر في كتاب الآخرين، أو الاطلاع على أمورهم الخاصة دون إذنهم إذا كان في ذلك مصلحة ودفع مفسدة.

فهذا الحديث ذكره البخاري -رحمه الله- تحت باب ترجم له بقوله: "باب مَن نظَرَ فى كتابِ مَنْ يحذر على المسلمين، ليستبين أمرُه" يعني جواز ذلك بغير إذنه.

قال ابن حجر رحمه الله: "كأنه يشير إلى أنّ الأثر الوارد في النهي عن النّظر في كتاب الغير: يُخَصّ منه ما يتعين طريقًا إلى دفع مفسدةٍ هي أكثر من مفسدة النظر"فتح الباري لابن حجر (11/47)..  

وقال بدر الدين العيني: "فإن قلت: خرّج أبو داود من حديث ابن عباس: (مَنْ نَظَرَ في كتاب أخيه بغير إذنه، فكأنما ينظر في النار)، قلت: يُخَصّ منه ما يتعيّن طريقًا إلى دفعِ مفسدةٍ هي أكبرُ مِنْ مفسدةِ النّظرِ، على أن هذا حديث ضعيف"عمدة القاري (22/249)..

 

18. "جواز التشديد في استخلاص الحقّ، والتهديدِ بما لا يفعلُهُ الـمُهدِّدُ، تخويفًا لمن يُستَخرجُ منه الحقُّ"فتح الباري لابن حجر (12/310).، وهذا مستفاد من قول علي -رضي الله عنه- للمرأة المشركة: (لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ).

 

19. تحريم النظر إلى النساء الكافرات، وأنّه يحرم كما يحرم النظر إلى المسلمات، قال ابن بطّال رحمه الله: "وقد أجمعوا أن المؤمنات والكافرات فى تحريم الزنا بهن سواء، فكذلك في تحريم النظر إليهن متجردات، فهن سواء فيما أبيح من النظر إليهن في حق الشهادة أو إقامة الحد عليهن، وهذا كلّه من الضرورات التي تبيح المحظورات"شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 240).. وقال ابن حجر: "أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة، ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها عليٌّ بتجريدها"فتح الباري لابن حجر (12/310).

 

20. جواز كشف العورات والنظر إليها عند الضرورة، وتوفر دليل قطعي، لا عن شك أو تهمة، فإن علياً رضي الله عنه هدّد المرأة بتجريد ثيابها أو إخراج الكتاب، وذلك لأنّه كان متيقنًا أن الكتاب معها، لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك، والرسول معصوم عن الخطأ. قال الخطابي: "وفي الحديث من الفقه أيضاً جواز النظر إلى ما ينكشف من النساء، لإقامة حدٍّ، أو إقامة شهادة في إثبات حقّ، إلى ما أشبه ذلك من الأمور"معالم السنن (2/275)..  

21. في الحديث معجزة للنبي صلّى الله عليه وسلّم، حيث أخبر عما فعله حاطب رضي الله عنه، وعن مكان المرأة، وهذا من دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم، قال الطبرى: "وفيه البيان عن بعض أعلام النبوة، وذلك إعلام الله نبيَّنا بخبر المرأة الحاملة كتاب حاطب إلى قريش، ومكانها الذي هي به، وحالها الذي تغلب عليها من الستر، وكلّ ذلك لا يعلم إلا بوحي الله تعالى"شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 164).

1 - حَاطِب بن أبي بَلْتَعَة -واسم أبي بلتعة: عمرو- اللّخْمي المكّي، وكنيته أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو محمّد، حليفُ بني أسد بن عَبْد العزى. من مشاهير المهاجرين، شهِد بدرًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وشهِد بيعة الرضوان، وكان فارسًا راميًا.  بعثه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بكتاب إلى المقوقس صاحب الإسكندرية، فكلّمه المقوقس واستحسن كلامه، وقال له: "أنت حكيم جاء من عند حكيم"، وبعث معه بهدية لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأرسل معه من يوصله إلى مأمنه. توفي بالمدينة سنة ثلاثين، وهو ابن خمس وستين أو سبعين سنة، وصلّى عليه عثمان بن عفان رضي الله عنه. ينظر: الطبقات الكبري لابن سعد (3/84)، و والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر (1/312)، وأسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير (1/ 659)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (3/365)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر (2/4).
2 - رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (1052).
3 - قال الصالحي في كتابه "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد"، (5/209-210): "ذكر السهيلي- رحمه الله- تعالى- إنه قد قيل أنه كان في كتاب حاطب: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد توجّه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسّيل، وأُقسمُ بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله- تعالى- ناصره ووليّه. وفي تفسير ابن سلام أنه كان فيه: أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد نفر فإمّا إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. وذكر ابن عقبة أن فيه: أن رسول الله –صلّى الله عليه وسلّم- قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت، أن يكون لي يد بكتابي إليكم". ينظر أيضًا: سيرة ابن هشام (2/398)، وتفسير ابن زمنين (4/376)، وتفسير الثعلبي (9/291)، وتفسير البغوي (5/69)، وتفسير القرطبي: (18/51)، و عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني (14/255).
4 - رواه البخاري برقم: (3007).
5 - (رَوْضَةَ خَاخٍ) اسم مكان بين مكة والمدينة. (وَمَعَهَا كِتَابٌ) أي رسالة. (ظَعِينَةً) المرأة التي تكون في الهودج، والهودج مَحْمَل له قُبّة يوضع على الجمل لتركب فيه النساء. (تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا) تعدو بسرعة. (أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ) هذا تهديد بنزع ثيابها عنها حتى يجدوا الكتاب. (عِقَاصِهَا) ضفيرة شعرها. (يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي يخبرهم في رسالته أن النبي صلى الله عليه وسلم سيغزو مكّة. (مُلْصَقًا) مضافًا إليهم ولست منهم، وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم. (أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا) نعمة ومنّة عليهم. (لَعَلَّ اللَّهَ) كلمة لعلّ في كلام الله ورسوله تفيد الوقوع. (اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ) نظر إليهم وعلم حالهم وما سيكون منهم.
6 - رواه البخاري برقم: (3983).
7 - رواه البخاري برقم: (4274)، ومسلم برقم (2494).
8 - قال ابن فارس في مقاييس اللغة (6/141): "الْوَاوُ وَاللَّامُ وَالْيَاءُ: أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى قُرْبٍ. مِنْ ذَلِكَ الْوَلْيُ: الْقُرْبُ. يُقَالُ: تَبَاعَدَ بَعْدَ وَلْيٍ، أَيْ قُرْبٍ. وَجَلَسَ مِمَّا يَلِينِي، أَيْ يُقَارِبُنِي"، وقال ابن تيمية في مجموع الرسائل (2/384): "وأصل الْمُوَالَاة هِيَ الْمحبَّة، كَمَا أَن أصل المعاداة البغض، فَإِن التحابَّ يُوجب التقارب والاتفاق، والتباغض يُوجب التباعد وَالِاخْتِلَاف". ينظر: التعريفات للجرجاني (1/254)، ولسان العرب لابن منظور (15/406).
9 - ينظر: فتوى هل موالاة الكفار كفر بإطلاق؟ المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، http://islamicsham.org/fatawa/1592
10 - جامع البيان، (10/398-400).
11 - النكت والعيون، (2/46).
12 - التفسير الوسيط، (4/268)
13 - مجموع الفتاوى (7/ 522-523).
14 - اللباب في علوم الكتاب، (5/143).
15 - جاء في روايات الحديث أن حاطبًا -رضي الله عنه- قال للرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: اعف عني عفا الله عنك، فو الذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ أسلمت، ولا كذّبتك منذ صدقتك، ولا أبغضتك منذ أحببتك، ولا واليتهم منذ عاديتهم، وقد علمت أنّ كتابي لا ينفعهم ولا يضرك، فاعذرني جعلني الله فداك". ينظر: تفسير مقاتل بن سليمان (4/298)،  وتفسير الثعلبي (9/291)، وتفسير البغوي (5/69).
16 - أحكام القرآن، (5/325-326).
17 - تفسير الإمام الشافعي (3/1336).
18 - تفسير ابن عرفة (4/211).
19 - أحكام القرآن، (5/325-326).
20 - تفسير الإمام الشافعي (3/1336)، ومعنى الشطر الأخير من كلامه رحمه الله: أن ذنب حاطب أعظم الذنوب؛ لأنه تجسس على النبي صلى الله عليه وسلّم، وكشف أمره الذي حرص على إخفائه، ومع ذلك قبل النبي -صلى الله عليه وسلّم- قوله أنه لم يفعله ردّة عن الدين، فقبول كلام غيره من المسلمين ممن ذنبه أصغر من ذنب حاطب أولى.
21 - معالم السنن (2/275).
22 - فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك، (2/347)..
23 - التأويل في اللغة: التفسير، وبيان الكلام بلفظ آخر. وفي الاصطلاح: "صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله، لدليلٍ" ينظر: لسان العرب لابن منظور (11/33)، والتعريفات للجرجاني (1/50).
24 - معالم السنن (2/275).
25 - فتح الباري (8/634).
26 - الدرّة فيما يجب اعتقاده، ص (552-553).
27 - مجموع الفتاوى (3/231).
28 - شرح العقيدة الطحاوية (2/435).
29 - إيثار الحق على الخلق (1/395).
30 - المرجع السابق (1/377).
31 - مجموع الفتاوى (22/14).
32 - المرجع السابق.
33 - أحكام القرآن (4/225).
34 - شرح صحيح البخارى (5/ 164).
35 - شرح صحيح مسلم (16/55).
36 - ينظر: النَّوادر والزِّيادات على مَا في المدَوَّنة من غيرها من الأُمهاتِ لابن أبي زيد القيرواني (3/353)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (6/71)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (2/142)، والعدة في شرح العمدة لابن العطار (2/1690)، ومجموع الفتاوى لابن تيمية (28/345)، والطرق الحكمية لابن القيم ص (94)، وفتح الباري لابن حجر (8/635)، وعمدة القاري لبدر الدين العيني (14/256).
37 - ينظر: فتح الباري لابن حجر (12/310). وإن كان بعض العلماء لم يسلّم بحكاية الإجماع هذه إلا أنه يُستدل بها على ما ذكرنا من أن القول بعدم تكفير الجاسوس بإطلاق هو قول الجمهور.
38 - ينظر: فتوى هل يجوز قتل الجاسوس؟ المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية، http://islamicsham.org/fatawa/89
39 - مُراد عبدالملك بن الماجشون: أن القتل يكون لمن تكرر منه التجسس، بخلاف حاطب فإنه أّخذ من أول مرّة وتاب ولم يتكرر منه التجسس، لذلك لم يقتل.
40 - تفسير القرطبي (18/51). والحديث الذي ذكره القرطبي رواه أبو داوود (2652)، وأحمد (18965)، والحاكم (2542) وصححه.
41 - فتح الباري (12/310).
42 - زاد المعاد في هدي خير العباد (3/371-372).
43 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 163).
44 - معالم السنن (2/275) بتصرف يسير.
45 - إعلام الموقعين (4/68-69).
46 - فتح الباري (12/304).
47 - مصرع التصوف، ص (56).
48 - ينظر: فتح الباري (12/310).
49 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 163). وحديث عائشة رواه أبو داوود (4375)، وأحمد (25474) وصححه الألباني والأرنؤوط، ومعناه: "اتركوا عقوبة من لم يعرف بغشيان الشر ... وذلك صيانة لهم وأناة لعلهم يراجعون ما عرفوا به من عدم إتيان الشر" التنوير شرح الجامع الصغير للأمير الصنعاني (3/22).
50 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 164).
51 - فتح الباري لابن حجر (12/311).
52 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
53 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
54 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
55 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 240).
56 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
57 - فتح الباري لابن حجر (11/47).
58 - عمدة القاري (22/249).
59 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
60 - شرح صحيح البخاري لابن بطال (5/ 240).
61 - فتح الباري لابن حجر (12/310).
62 - معالم السنن (2/275).
63 - شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 164).
ملف للتنزيل: 

التعليقات

جسين ابوجعيل (لم يتم التحقق)

جزاكم الله خيرا فعلا قراءنا واستفدنا ;نسال الله ان يفقهنا في الدين وان ين
فع بنا الامة


إضافة تعليق جديد