حرق أسرى الأعداء لا يجوز، وليس سنّة تتّبع
حرق أسرى الأعداء لا يجوز، وليس سنّة تتّبعينظر فتوى المكتب العلمي بهيئة الشام الإسلامية بعنوان: "حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلاً سنة نبوية يمكن اتباعها"، على الرابط التالي: http://alabasirah.com/node/278 ، وفيها: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الأسرى، وكيفية قتل من استحق القتل منهم.
للمرة الثالثة "بعد الطيار الأردني، ثم الأسرى الأربعة المعلّقين بالسلاسل" يقوم تنظيم الدولة بإحراق أسراه أحياء في مشهد استعراضي مثير للاشمئزاز، يكشف مدى إجرامه وتفننه في تشويه أحكام الإسلام وتشريعاته.
فقد أقدم التنظيم منذ أيامالخميس 23/3/ 1438هـ، الموافق: 22/12/2016م.على حرق اثنين من الأسرى الأتراك الذين كان قد أسرهم في شمال سوريةللتفاصيل ينظر: http://alabasirah.com/node/475 ...
وبيان حكم هذا الفعل فيما يلي:
1. ثبوت النهي عن العقوبة بالحرق عن النبي صلى الله عليه وسلم:
جاءت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحة في الزجر والنهي عن عقوبة التحريق بالنار، ومن ذلك:
-
حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعثٍ فقال: (إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهما بالنار)، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج: (إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَنًا وَفُلاَنًا، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا)رواه البخاري (3016)..
-
عن عكرمةَ، أنّ علياً -رضي الله عنه- حرّق قوماً، فبلغ ابنَ عباسٍ -رضي الله عنهما- فقال: لو كنتُ أنا لم أحرّقهم، لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تُعَذّبُوا بِعَذَابِ الله)، ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِيْنَهُ فَاقْتُلُوهُ)رواه البخاري (3017)..
-
حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمررنا بقرية نملٍ قد أُحرقت قال: فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: (إنّهُ لا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ أِنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ)رواه أحمد في المسند (4018)، والنسائي في السنن الكبرى (8560)..
-
حديث عن شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإحْسَانَ على كُلّ شَيءٍ، فإذا قَتَلْتُمْ فَأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذّبْحَ، وليُحِدَّ أحَدُكمْ شَفْرتَه، فَلْيُرِح ذَبِيْحَتَهُ)رواه مسلم (1955).. والحرق ليس مِن الإحسان في القتل.
2. أقوال العلماء في حكم التحريق بالنار:
جمهور العلماء على أنّ العقوبة بالتحريق محرّمة.
قال ابن حجر رحمه الله: "واختلف السلف في التحريق : فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقًا، سواء كان ذلك بسبب كفر، أو في حال مقاتلة، أو كان قصاصًا، وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما"فتح الباري (6/149)..
وقال أبو بكر الأثرم: "لا ينبغي أن تحرّق ذو روح بالنار ... وإنما جاز التحريق في أرض العدو، وفي متاعهم ومنازلهم وكرومهم ونخيلهم يُلتمس بذلك غيظُهم"ناسخ الحديث ومنسوخه ص (242)..
وقال الحازمي رحمه الله: "وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب، فذهبت طائفةٌ إلى منع الإحراق في الحدود، وقالوا: يُقتل بالسيف، وإليه ذهب أهل الكوفة، وإبراهيم، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، ومِن الحجازيين عطاء. وتمسكوا بظاهر هذا الحديث وغيره من الأحاديث، وقالوا: هذا الحديث ظاهر الدلالة في النسخ، وتشيده أحاديث أخرى في الباب ... وقد ذهبت طائفةٌ في حق المرتد إلى مذهب علي رضي الله عنه [يعني الحرق بالنار]. وقالت أيضًا طائفةٌ فيمن قتل رجلاً بالنار وأحرقه بها: إنّ القاتل يحرَّق أيضًا بالنار، وبه قال مالك وأهل المدينة، والشافعي وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، ورُوي معنى ذلك عن: الشعبي، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص(194)، وينظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح، لابن الملقن (18/61)، وعمدة القاري شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني (14/221)..
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وقد حرَّقَ خالدٌ جماعة في الرِّدة، وروي عن طائفة من الصحابة تحريقُ من عَمِل عمل قومِ لوطٍ، ورُوي عن عليٍّ أنَّه أشار على أبي بكر أنْ يقتلَه ثم يحرقه بالنار، واستحسن ذلك إسحاق بن راهويه، لئلا يكون تعذيباً بالنار ... وأكثرُ العلماء على كراهةِ التحريق بالنار حتى للهوام، وقال إبراهيم النَّخعيُّ: تحريقُ العقرب بالنار مُثلةٌ، ونهت أمُ الدرداء عن تحريق البرغوث بالنار، وقال أحمد: لا يُشوى السمكُ في النار وهو حيٌّ"جامع العلوم والحكم (1/446)..
وقال ابن العربي رحمه الله: "قال علماؤنا: يقتل بكلِّ ما قتل إلا في وجهين وصفتين:
أما الوجه الأول: فالمعصية كالخمر واللواط،
وأما الوجه الثاني: فالسّم والنار لا يقتل بهما.
قال علماؤنا: لأنه مِن المثللعل الصواب: مِن الـمُثلة.، ولستُ أقوله، وإنما العلة فيه أنه مِن العذاب. وقد بلغ ابن عباسَ أن عليًا حرّق ناسًا ارتدوا عن الإسلام، فقال ابن عباس: لم أكن لأحرقهم بالنار، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذبوا بعذاب الله)، ولقتلتهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهو الصحيح.
والسمّ نارٌ باطنةٌ نعوذ بالله من النارين، ونسأل الله تعالى الشهادة في سبيله.
... والصحيح من أقوال علمائنا أن المماثلة واجبة، إلا أن تدخل في حدّ التعذيب، فلتترك إلى السيف، وإلى هذا يرجع جميع الأقوال"أحكام القرآن (1/161-163)..
الراجح:
يترجّح -والله أعلم- تحريم القتل والعقوبة بالتحريق بالنار، لما يلي:
-
أن حديثَي البخاري صريحان في النهي، وهما ناسخان للجواز، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- نسخ قولَه الأول بقوله الثاني، فدلّ على أن الإنسان إذا استحق القتل فإنه لا يقتل بالنار.
-
أن عليًا رضي الله عنه -الذي يُستدلّ بفعله- لم يكن يعلم بالنسخ والتّحريم حينما حرّقهم، فلما بلغه كلام ابن عباس رجع إليه، ويدل لذلك ما جاء في رواية الترمذي: "فبلغ ذلك علياً، فقال: صدق ابنُ عباسٍ"سنن الترمذي (1458)، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه البغوي في شرح السنة (2561) وصححه..
وفي رواية أبي داود: "فبلغ ذلك علياً، قال : ويح ابن عباس"أبو داوود (4351)، والدارقطني (3182) وقال: هذا ثابت صحيح، والحاكم (6295) وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.. قال الجعبري رحمه الله: "فلما بلغ عليًا قال: ويح ابن عباس، يَعجَبُ منه كيف سبقه إلى سماع الناسخ، ... وهذا يدل على سماع علي -رضي الله عنه- من النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريق المرتد، فلما بلغه النسخُ رجع، وإلَّا لأنكر عليه"رسوخ الأحبار في منسوخ الأخبار، ص (473)..
وقال الحازمي: "قالوا: واستعجاب عليٍّ مِن كلام ابن عباس يدل على أنه لم يكن قد بلغه النسخ، وحيث بلغه قال به، ولولا ذلك لأنكر على ابن عباس قولَه"الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، ص(194)..
-
أن ما روي عن أبي بكر وخالد بن الوليد رضي الله عنهما ضعيف لا يثبت، قال ابن حجر رحمه الله: "أما الإحراق فروى ابن أبي الدنيا مِن طريق البيهقي، ومِن طريق ابن المنكدر: أنّ خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر أنه وجد رجلًا في بعض نواحي العرب يُنكح كما تنكح المرأة، فجمع أبو بكر الصحابة فسألهم، فكان أشدَّهم في ذلك قولًا عليٌّ، فقال: نرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع رأي الصحابة على ذلك. قلت: وهو ضعيف جدًا ..."الدراية في تخريج أحاديث الهداية، (2/103)..
-
أنّ سائر الأدلة الأخرى لا تقوى على معارضة الحديث الصريح في التحريم، كالاستدلال بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاقب العرنيين بسمل أعينهم بالحديد المحمّى، وبما رُويَ من جواز قذف الأعداء بالنار، قال ابن حجر رحمه الله: "قال ابن المنير وغيره: لا حجة فيما ذُكر للجواز، لأن قصة العرنيين كانت قصاصًا أو منسوخة كما تقدم، وتجويز الصحابي معارَضٌ بمنع صحابي آخر، وقصة الحصون والمراكب مقيدة بالضرورة إلى ذلك إذا تعين طريقًا للظفر بالعدو، ومنهم مَن قيّده بأن لا يكون معهم نساء ولا صبيان كما تقدم، وأما حديث الباب فظاهرُ النهي فيه التحريم، وهو نسخٌ لأمره المتقدم سواء كان بوحي إليه أو باجتهاد منه، وهو محمولٌ على مَن قصد إلى ذلك في شخص بعينه"فتح الباري، (6/151)..
ثم إنّ ما روي عن الصحابة قد وقع الخلاف في بعضه هل كان التحريق قبل القتل أم بعده، قال الخطابي رحمه الله: "وقد اختلف الناس فيما كان مِن علي -كرم الله وجهه- في أمر المرتدين، فروى عكرمة أنه أحرقهم بالنار، وزعم بعضهم أنه لم يحرّقهم بالنار، ولكنه حفر لهم أسراباً ودخن عليهم واستتابهم فلم يتوبوا حتى قتلهم الدخان"معالم السنن (3/292)..
3. أما القصاص بالحرق لمن قتل معصوماً حرقاً فقد اختلف فيه أهل العلم: فمنهم مَن منع ذلك، ومنهم مَن أجازه، لأن القصاص يعني أن يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليهينظر : المصباح المنير (2/505).، وقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجناة مثلما فعلوا، ومِن ذلك ما ورد في حديث أنس رضي الله عنه: (أنّ يهودياً رضَّ رأس جارية بين حجرين، قيلَ: مَن فعل هذا بكِ، أفلان، أفلان؟ حتى سُمي اليهودي، فأومأتْ برأسِها، فأُخذ اليهودي، فاعترف، فأَمر به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فرُضَّ رأسُه بين حجرين)رواه البخاري، (2413)..
قال ابنُ تيمية رحمه الله: "قال كثيرٌ مِن الفقهاء: إذا قتله بتحريق أو تغريق أو خنق أو نحو ذلك فإنه يُفعل به كما فعل، ما لم يكن الفعلُ محرّمًا في نفسه، كتجريع الخمر واللِّواط به. ومنهم من قال: لا قود عليه إلا بالسيف. والأول أشبه بالكتاب والسنة والعدل"مجموع الفتاوى، (28/381)..
4. الخلط في هذه المسألة بين الأسير وغيره:
ما تقدّم من جواز القصاص بالمثل لا يشمل أسير الحرب، فليس في أسير الحرب إلا القتل بالسيف، نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة رحمه الله، فقال: "أما العدو إذا قُدر عليه، فلا يجوز تحريقُه بالنار، بغير خلافٍ نعلمه"المغني (9/286)..
ومما يدل لذلك:
-
أمره صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأسرى ولو كانوا كفّاراً مشركين، كما في حديث عن أبي عَزيز بن عمير ابن أخي مصعب بن عمير قال: (كنتُ في الأسارى يوم بدر, فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: استوصوا بالأسارى خيراً, وكنتُ في نفرٍ مِن الأنصار, فكانوا إذا قدّموا غداءهم أو عشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم)رواه الطبراني في المعجم الكبير (977)، وحسّن إسناده الهيثمي والسيوطي..
-
وحديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ المتقدم (إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة..) . فالأمر بالإحسان يدل على وجوب اختيار أحسن الطرق للقتل، والحرق ليس مِن الإحسان في شيء، بل لعله أشدُّها إيلاماً وتعذيباً.
قال السرخسي "وإن رأى الإمام قتل الأسارى فينبغي له أن لا يعذّبهم بالعطش والجوع، ولكنه يقتلهم قتلاً كريمًا"شرح السير الكبير، (1/1029)..
5. وممّا يتذرّع به تنظيم الدولة في تسويغ ما يفعله بالأسرى مِن التحريق أن بلدانهم تحرّق المسلمين بقصف الطائرات والمدافع وغيرها، وهذه شبهة داحضة، وتلاعب بالألفاظ الشرعية، واستعمالها في غير معانيها، لما يلي:
أ. أنه لا يمكن اعتبار ما يقوم به التنظيم من باب القصاص، لأن القصاص يجب على شخصٍ معيّن قام بجناية على شخص محدّد، ثم طالب بالقصاص أولياء ذلك المقتول، واتفقوا على المطالبة بالقصاص، واستمروا على ذلك حتى تنفيذ القصاص، وكلُّ ذلك غير متحقّق فيما يفعله التنظيم .
بـ. أنّ القصاص لا يكون فيما وقع بسبب الحرب مِن قتل أو تدمير، سواء كان قتالاً بين المسلمين، أو قتالاً بين المسلمين والكفار، والمقبوض عليه من الأعداء يعتبر من الأسرى، فيقتل بالسيف إذا كان مستحقاً للقتل كما سبق.
جـ. أن القصاص إنّما يكون في قتل العمد، الذي يكون بقصد المجني عليه بعينه بما يغلب على الظن قتله، والقصف لا تعيين فيه للرامي ولا للمرمِيّ.
د. أن التحريق الذي جوّز فيه بعض العلماء القصاص هو أن يقصد إحراق الشخص المعيّن بالنار، ولا يمكن اعتبار القصف من هذا القبيل، فالموتُ بالقصف قد يكون ناتجاً عن الحرائق التي يتسبب بها، وقد يكون ناتجاً عن الهدم أو الاختناق أو الخوف أو غيرها.
6. ما تقدّم ذكره من حكم مسألة التحريق إنما هو تناولٌ علميٌّ للمسألة الفقهية، أما تصرفات تنظيم الدولة" فهي خارج نطاق الشرع والعقل والأخلاق:
فقد ثبت أن هذا التنظيم ينتهج نهج الخوارج في أقبح صوره، فهم (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ)، فتصرفاتهم وقتالهم وأعمالهم كلّها بغي وعدوان، لا يقال في شيء منها: وافق الحق أو خالفه، ولا وافق السنّة أو خالفها، فهم لا يبحثون عن الحكم الشرعي ابتداء، ولا يقصدون مراعاته في تصرفاتهم، ولكن بعد القيام بالجريمة أو التصرف المنكر يبدأ منظّروهم وجنودهم بالبحث عن بعض الشبهات التي تسوّغ لهم بعض ما يفعلون.
ثم إنهم على منهاج سلفهم في التفنن بأساليب القتل، فهؤلاء الخوارج الأولون عثروا على عبدالله بن خباب بن الأرتّ مع امرأة له حامل، "فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عبد الله بن خباب بن الأرت, قالوا: عندك حديث تحدثناه عن أبيك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته يقول: إنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّ فِتْنَةً جَائِيَةً, الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ, وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي, فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ فَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ), قال: فقربوه إلى النهرة فضربوا عنقه فرأيت دمه يسيل على الماء كأنه شراك ماء اندفر بالماء حتى توارى عنه, ثم دعوا بسريّة له حبلى، فبقروا عما في بطنها!"رواه ابن أبي شيبة في مصنّفه (37896)..
بل إن هذا التنظيم قد فاق الخوارج الأولين بصنوف الإجرام من نحر، وإحراق، ونسف الرؤوس، وتقطيع الأحياء! مما يدل على شهوة جامحة للإجرام وسفك الدماء والتلذذ بمناظر ضحاياهم وهم يتعذّبون ويتألمون، حتى قال الهالك العدناني: "لدينا جيوش في العراق والشام كالأسود الجياع، شرابهم الدماء، و أنيسهم الأشلاء" !!
وهذه والله- ليست بأخلاق المؤمنين، بل هم أبعد ما يكونون عن الإيمان، فعن عبد اللَّه بن مسعود رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ أعفّ الناسِ قِتلةً: أهلُ الإيمان)رواه ابن ماجه (2681)، وأحمد (3729)، وابن حبان في صحيحه (5994)..
فهذا الذي يقومون به بغي وعدوان، ومحادّة لله ورسوله، وإفساد في الأرض، ويدل على نفوس مريضة، وقلوب قاسية، وطبائع مجرمة.
أسأل الله أن يكف بأسهم، ويستأصل شأفتهم إنه قوي متين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.