الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادي اول 1446 هـ

منهج وتأصيل

حقيقة "جبهة النصرة" أو "هيئة تحرير الشام"

14 ربيع اول 1439 هـ


عدد الزيارات : 7106
موقع على بصيرة

 

بين الحين والآخر تُبتلى الأمّة بمجموعة تشقّ صفها، وتلوث فكرها، وتطعن في علمائها، وتلبّس على الناس أمر دينهم، ومما ابتليت به الأمة في العصر الحاضر: جماعات الغلو بمسمياتها المختلفة، والتي تبلورت أفكارها وتجمّعت كوادرها في تنظيم القاعدة، والذين انتقلوا بإفسادهم من بلد إلى بلد حتى استقر بهم الأمر في سوريا، فأفسدوا على أهل الشام ثورتهم، وذاق أهل سورية منهم الويلات والنكبات.

وقد كان آخر بلايا هذا التنظيم ما قامت وتقوم به تلك الجماعة المنبثقة عنه، والتي تسمّت بمسمّيات كثيرة كان أوّلها جبهة النصرة، وآخرها حتى الآن: هيئة تحرير الشامعلى طريقة جماعات الغلو المعاصر: فإنّ هذه الجماعات تغيّر اسمها كل فترة من الزمن؛ في محاولة لتلميع صورتها وتضخيم حجمها، أو لتغطي على ما مضى من سوء صنيعها؛ فكلما تلوثت بالإجرام انتقلت للعمل تحت اسم آخر تخدع بها عامة الناس. وهكذا فعلت جبهة النصرة، فقد بدأت باسم (جبهة النصرة)، ثم أضافت إلى اسمها الانتماء لتنظيم القاعدة:  (جبهة النصرة - تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، ثم شكّلت تحالف (جيش الفتح) في الشمال وصارت تتحرك تحت مظلته، ثم تسمّت باسم (جبهة فتح الشام)، ثم (هيئة تحرير الشام) اسمها الحالي. ، حتى وصفها البعض بالخوارج، ووصفها البعض الآخر بالبغاة -وبينهما فرق في الجوهر، واختلاف في الأحكام- ورماها البعض بالعمالة التي تفوح منها رائحة الحكم بالردة، والبعض ما يزال يراها جماعة جهادية لها أخطاء! فأصبح من المهمّ والملحّ بيان حقيقتها الشرعية، وبان علاقتها بـ "داعش" وأوجه الاتفاق والاختلاف بينهما.

وفي هذا المقال سنبحث في حكم هذه الجماعة، ونبيّن التوصيف الشرعي لها، بناء على ما ظهر لنا من عقائدها وأفعالها.

 

  • المطلب الأول: افتراق الأمة:

لقد أصاب هذه الأمّة ما أصاب الأمم قبلها من التفرق والانقسام، وهذا قَدَرٌ أخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وقوعه، فقال صلى الله عليه وسلم: (افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً)أخرجه أبو داود برقم (4596)، كتاب السنة، باب شرح السنة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (203)..

وهذا القول منه -صلى الله عليه وسلم- من باب الخبر، فالافتراق واقع لا محالة، وقد وقع، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحاديث إلى أصول بعض الفرق كالخوارج والقدرية والمعتزلة -وإن لم يسمّهم باسمهم الذي عُرفوا به فيما بعد- وحذّر منها، وبيّن صفاتها.

وأمام هذا الانقسام الذي لا بدّ منه، يجب على المسلم أن يتبيّن سبيل الباطل ليتجنبه ويحذر منه.

 

  • المطلب الثاني: نقطة الافتراق:

يبدأ ظهور الفرقة بشبهة أو فكرة واحدة يمكن اعتبارها الفكرة الأم للفرقة أو النواة المكونة لها، ثم مع مرور الزمن وتتابع الأحداث: تتطور الأفكار وتَقَعّد، لتصبح منظومة فكرية، تمثّل مذهبًا أو تيارًا، وربما انقسم الفكر الواحد أيضًا إلى أفكار أخرى، لتتشكّل من هذه الفرقة فرقًا كثيرة، وربما متنازعة فيما بينها.

وإذا أردنا أن نعلم ارتباط شخص أو جماعة معاصرة بفرقة سابقة فعلينا أن نبحث عن (الفكرة الأم) لتلك الفرقة، وننظر في مدى تحققها لدى هذا الشخص أو هذه الجماعة، فإن وجدت عنده فهو من هذا الفرقة وإن لم توجد فيه كل صفات أو أفكار تلك الفرقة السابقة التي تولّدت عنها وتطورت مع تطورها، إذ يكفي أن يكون عنده الأصل ليُنسب إليها.

وفي المقابل: لو وُجدت لدى شخص أو جماعة صفات إحدى الفِرَق، ولم تتحقق فيه الفكرة الأصل، فلا ينسب إليها، بل يقال: عنده ميول لكذا، أو تلوثٌ بكذا، لكن لا يوصف بها.

ونحن هنا يهمّنا الحديث عن الخوراج وبيان أصلهم الأصيل وفكرتهم الأم، لأنّهم محل القياس في بحثنا.

 

  • المطلب الثالث: أصل الخوارج:

أصل الخوارج الأصيل: هو التكفير بغير وجه صحيح«التكفير بغير وجه صحيح» هو التكفير بغير مُكفّر، أو بمكفّر لكن من غير تحقق للشروط أو انتفاء للموانع.، ويلزم عن هذا الأصل أصل آخر ملازم له، وهو: استباحة دم من كفّروه. فكلّ من كَفَّر بغير دليل صحيح وقاتل من كفّره فهو خارجي.

قال ابن تيمية: "والخوارج هم أوّل من كفّر المسلمين: يُكفّرون بالذنوب، ويكفّرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلّون دمه وماله"مجموع الفتاوى 3/279.. وقال ابن قدامة في معرض تقسيمه للخارجين على الإمام وحكمهم: "الثالث: الخوارج الذين يكفّرون بالذنب، ويكفّرون عثمان وعليًا وطلحة والزبير، وكثيرًا من الصحابة، ويستحلّون دماء المسلمين وأموالهم، إلا من خرج معهم". فواضح وصريح من كلام ابن تيمية وابن قدامة أن أصلهم هو التكفير بغير سبب صحيح، وقتال من كفّروه.

وقال عبد القاهر البغدادي: "وقد اختلفوا فيما يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها، فذكر الكعبي في مقالاته: أنّ الذي يجمع الخوارج على افتراق مذاهبها إكفار علي وعثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضي بتحكيم الحكمين، والإكفار بارتكاب الذنوب، ووجوب الخروج على الإمام الجائر. وقال شيخنا أبو الحسن: الذي يجمعها إكفار علي وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوّب الحكمين أو أحدهما، ووجوب الخروج على السلطان الجائر، ولم يرضَ ما حكاه الكعبي من إجماعهم على تكفير مرتكبي الذنوب"الفرق بين الفِرق  55..

والملاحظ أن الجامع بين كلام الكعبي وأبي الحسن هو اتفاق الخوارج على تكفير بعض الصحابة، وهو تكفير بغير مكفّر صحيح، لذلك: فإن التعبير الأدقّ والجامع هو التكفير بغير مكفّر صحيح، وهو معنى كلام ابن تيمية السابق.

وقولهم: الخروج على الإمام الجائر ربما لا حظوا فيه مَنْ خرجوا على علي رضي الله عنه، وإلا فهم يخرجون ويقتلون كل من كفّروه، كما قال ابن تيمية في كلامه السابق.

وأما باقي الصفات فهذه صفات إضافية، قد توجد لدى بعض فرق الخوارج، وقد تتخلف، وقد يستجد ما هو أشدّ منها، كما هو حال الخوارج المعاصرين، ولذا صار الخوارج فرقًا نتيجة هذا التعدد والتطور الفكري، ويبقى الأصل: (الفكرة الأم) وهو التكفير بغير وجه صحيح واستباحة دم من كفروه هو علّة ومناط تسميتهم بالخوارجينظر فتوى هيئة الشام الإسلامية: هل تنظيم الدولة الإسلامية من الخوارج، (http://islamicsham.org/fatawa/1945) وفيها: وتسميتهم بـ "الخوارج" إنما هي لخروجهم عن أحكام الدين ومفارقتهم جماعة المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.  قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "سُموا بذلك لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين". وقال النووي في "شرح مسلم": "وسموا خوارج؛ لخروجهم على الجماعة، وقيل: لخروجهم عن طريق الجماعة، وقيل: لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا)"..

ولمزيد قناعة بما قررناه: لنتأمل حال الخوارج الأُوَل، وهم الذين كانوا في عهد علي رضي الله عنه، وهؤلاء خوارج بالاتفاق، ما الفكرة التي خرجوا وانشقّوا بها عن صفّ الأمة؟ إنها تكفير علي -رضي الله عنه- وقتاله، وسبب قتالهم له: كُفْرُه حسب زعمهم. وهؤلاء ليس عندهم من صفات الخوارج الذين جاؤوا من بعدهم إلا الشيء اليسير، فقد تفرّق الخوارج إلى فِرَقِ كثيرة، منهم مَنْ ردّ السنّة، ومنهم من أنكر حديث الآحاد، أو أنكر رؤية الله يوم القيامة، أو أنكر حدّ الرجم، وغير ذلك!

الخلاصة: أنّ كلّ من كفّر بغير حق، واستباح الدم بذلك، وفارق جماعة المسلمين بفكره ومعتقده فهو خارجي، وقد تجتمع فيه الصفات الأخرى فيكون خارجيًّا صِرْفًا، وقد يجتمع فيه بعضها، وقد لا يوجد فيه إلا الأصل، وهو كافٍ لتسميته بهذا الاسم وتطبيق أحكام الخوارج عليه.

ومن كفّر ولم يقتل فهو خارجي حقيقة، أي فيه أصل الخوارج، لكن هل يأخذ حكم الخوارج، أي يعامل معاملتهم من حيث قتله واستئصاله؟ خلاف بين العلماءانظر المغني لابن قدامة 8/530..

ومن خرج بسلاحه ولم يكفّر فليس بخارجي، فقد يكون من البغاة، أو قطّاع الطرق، أو غير ذلك.

 

  • المطلب الرابع: حقيقة "جبهة النصرة":

تنظيم "جبهة النصرة" تنظيم خارجي، يتحقق فيه أصل الخوارج، وهو التكفير بغير سبب صحيح واستحلال دم من كفّروه. ويدلّ لذلك أدلّة كثير من أهمّها:

  1. أنّ "جبهة النصرة" تابعة لتنظيم القاعدة، وقد أعلنت انتماءها إليه عندما غيّرت اسمها إلى: "جبهة النصرة - تنظيم القاعدة في بلاد الشام". وهذا الأمر معلوم للقاصي والدانيينظر مقال: (هيئة تحرير الشام) وجه جديد للقاعدة يطعن الثورة السورية، من إعداد موقع على بصيرة، http://alabasirah.com/node/671 ، ومعلوم أنّ "تنظيم القاعدة" قد دخله الغلو، واجتمعت فيه معظم عقائد وأفكار التنظيمات السابقة له، كجماعات (الجهاد) المصرية، و(الجيا) الجزائرية، ونحوها، لتتبلور هذه الأفكار وتشكّل مجموعة من الأسس التي يقوم عليها التنظيم، من أهمّها:
  • ادّعاء أنهم الجماعة الحق التي يجب اتباعها، فهم الطائفة المنصورة التي ستكون فيهم الخلافة ويخرج فيهم المهدي!
  • تكفير جميع حكومات الدول الإسلامية، والعاملين فيها ولاسيما قطاعات الجيش والأمن والشرطة، والحكم على جميع البلاد الإسلامية أنّها بلاد كفر وردّة بما فيها مكّة والمدينة، وإسقاط جميع علماء المسلمين باعتبار أنهم سدنة الشرك وأنصار الطواغيت.
  • قتال من يرفض مشروعهم أو يقف أمامه أو يسير في خطٍ منافس لهينظر مقال: هل هيئة تحرير الشام من الخوارج؟ د. عمادالدين خيتي http://alabasirah.com/node/635

وأحد الأدلّة على تبنّي "جبهة النصرة" لفكر "القاعدة" فيما يتعلق بتكفير الحكومات الإسلامية: تصريح الناطق الرسمي للنصرة ومدير معاهدها الشرعية: "أبو فراس السوري - رضوان محمود النموس" في مقاله: "مفلسون" بكفر الأنظمة، ومنها النظام التركي وأردوغان.

  1. أنّ "جبهة النصرة" لا تختلف عن "داعش" التي أجمع العلماء على خارجيتها.

ففضلًا عن أنّهما ولدا من رحم القاعدة، فإنّهما يحملان الأفكار نفسها، وقد أقرّ الجولاني نفسه بأن الخلافات بينهم هي "خلافات في البيت الواحد"، وبين "إخوة المنهج".

  1. ثبوت تكفير قيادات "جبهة النصرة" لغيرهم، سواء كانوا من الفصائل المجاهدة على أرض الشام أو السياسيين، أو غيرهم.

وكانت جبهة النصرة ممثّلة بكيانها الجديد (فتح الشام) قد ادّعت في ردّها على بيان المجلس الإسلامي السوري الذي وصفها فيه بأنها "تبع للمشروع القاعدي التكفيري"، وامتداد لداعش تلك "النبتة الخبيثة الخارجيّة"، ادّعت أنها لم تكفّر أحدًا من الفصائل ولم تدع لقتالهم أو الاعتداء على ممتلكاتهم! وأنها قاتلت من قاتلت بسبب فسادهم! وزعمت أنّ بيان المجلس الإسلامي متسرّعينظر: بيان بشأن جبهة النصرة (فتح الشام) http://sy-sic.com/?p=3948 .. وبما أنّهم أقرّوا -من خلال بيانهم- بالأصل في الحكم على شخص أو كيان أنّه خارجي وهو "التكفير بغير مكفّر واستباحة الدم"، فلم يبق سوى إثبات تكفيرهم للآخرين بغير مكفّر، وإثبات أنّهم إنّما قاتلوهم لأنّهم مرتدين، وبهذا يتبيّن كذبهم في دعواهم التي ادّعوها.

والأدلة على تكفيرهم للآخرين أكثر من أن تُحصى، لكنّنا نقتصر هنا على أهم ما صدر عن قادتهم السياسيين والعسكريين والشرعيين، فمن ذلك:

  • تكفيرهم لفصائل الجيش الحرّ التي استأصلوها، ومن ذلك:
    • شهادة الدكتور "أيمن هاروش" أنّه سمع تصريح "عبدالرحيم عطّون" يقول بردّة "جمال معروف" و"حزم".
    • وشهادة الدكتور "حذيفة عزّام" أنّهم قاتلوهم قتال ردّة، واستعدّ لمباهلة "الجولاني" على ذلك.

 

  • تصريح "الجولاني" بكفر وردّة الائتلاف وهيئة الأركان، وتكفير أعيان من فيهما، كما جاء في تسجيل صوتي له في رثاء "أبي خالد السوري".

يضاف إلى ذلك شهادة الدكتور "أيمن هاروش" أنّه سمع من "الجولاني" تكفير أعيان مَن في الائتلاف وهيئة الأركان حين تدخّل لإطلاق سراح "جميل عفيسي" ابن العقيد "هيثم".

وتكفيرُ أعيان مَنْ في الائتلاف والأركان منتشر بين الجنود، ويعلم كل مَن له معرفة بالنصرة أنّ هذه الأفكار تُغرس في جنودها غرسًا، ويُلَقّنونها تلقينًا بمحاضنهم التربوية، وليس لهم أن يقولوها من تلقاء أنفسهم.

 

  • كلام "أبي فراس السوري" في مقاله "النذير العريان" وغيره، والذي صرّح تارة وألمح أخرى إلى تكفير "الأحرار" والفصائل السورية وقياداتها، ووصف فيها ميثاقَ الشرف الثوري بالضلال.

ولما ردّ أبو عبد الله الشامي "عبد الرحيم عطّون" على مقاله "النذير العريان" بما يوضّح عدم موافقته لأبي فراس السوري فيما قاله، ردّ أبو فراس بأنّه أطلع أبا عبدالله الشامي على مقاله قبل نشره، وأنه أُعجب به! وفي هذا تكذيب صريح للشامي في ردّه!

والحق: أنّ "النموس" صادق وصريح في تكفيره لبعض الفصائل وقياداتها، وأنّه لا يمارس التقية والباطنية التي يجيدها غيره في النصرة.

 

  • كلام "بلال خريسات" وهو أمني النصرة في فترة ما، حيث وصف جيش الإسلام بجيش الردّة والعمالة، وعندما برّر ذلك في ردّه على من انتقده، علّل حكمه بكونهم مشاركين في مؤتمر الرياض وموقعين عليه، وهذا يعني أنّ كل من شارك في مؤتمر الرياض مرتد كافر عنده، وهو موافق لرأي أبي فراس السوري في هذا الأمر، فهذا تكفير لكل المشاركين. و

وكان الجولاني قد وصف من دخل الرياض بالخيانة، وهي تؤدي للتكفير الذي صرح به قومهللعلم: فإنّ الأحرار كانت مشاركة في مؤتمر الرياض ووقعت كغيرها، وكان أميرها يومها "أبا جابر"، الذي مدح مؤتمر الرياض، وقد تولّى "أبو جابر" فيما بعد إمارة "الهيئة" دون أن يعلن توبته من هذه المشاركة! فكيف يبايعون مرتدًا خائنًا؟.

 

  • لم يزل "المقدسي" و"أبو قتادة الفلسطيني" من المقدَّمين والمبرزين عند جبهة النصرة وإلى وقت قريب جدًا، وأبو قتادة هو من أفتى للـ "جيا"الجيا: اختصار لاسم: "الجماعة الإسلامية المسلّحة"، في الجزائر.وشرعن قتلها وجرائمها وتكفيرها، ولا يخفى كلامهما في تكفير الحكومات والبرلمانات. والمقدسي يقول بكفر من ترشّح لها.

إنّ كلّ ما سبق هو من تكفير الأعيان الذي لا يجوز البتّة، إلا بعد قيام الحجّة وتحقّق الشروط وانتفاء الموانع، كما قال ابن تيمية رحمه الله: "فتكفير المعيّن من هؤلاء الجهّال وأمثالهم -بحيث يُحكم عليه بأنّه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبيّن بها أنّهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنّها كفر. وهكذا الكلام في تكفير جميع المعيّنين، مع أنّ بعض هذه البدعة أشدّ من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحدٍ أن يكفّر أحدًا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجّة وتبين له المحجّة. ومَن ثبت إيمانُه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة"مجموع الفتاوى 12/501..

وقال رحمه الله: "وحقيقة الأمر أنّهم [أي الذين غلطوا في التكفير] أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأوّلين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع: كلّما رأوهم قالوا مَنْ قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أنّ هذا اللفظ شاملٌ لكلّ مَنْ قاله، ولم يتدبّروا أنّ التكفير له شروط وموانع قد تنتقي في حقّ المعيّن، وأنّ تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعيّن، إلا إذا وُجِدت الشروط وانتفت الموانع"مجموع الفتاوى 12/488..

بل إنّ الطرف الآخر الذي كفّره قادة "النصرة" طلب النزول لحكم الشرع في القضايا الـمُختلف فيها، وكان مستعدًا للمناظرة، ولكنّ النصرة رفضت وأبت، وتابعت تكفيرها وقتلها وعدوانها، وشهادات الذين سَعَوا بين الطرفين تثبت هذا الأمر، من ذلك شهادة الدكتور "أيمن هاروش" حيث يقول: "وإني أشهد أمام الله وأمام الناس أنّ الفصائل التي اعتدت "النصرة" عليها قبلت بمحكمة شرعية، ووافقت على القضاة الذين تقبل بهم النصرة، ولكنّ النصرة رفضت وتابعت إجرامها". 

فهذا هو التكفير للمعين بغير سبب صحيح، ورفض إقامة الحجة عليه بالمناظرة، والإقدام على قتاله وسفك دمه دون خضوع لحكم الشرع، لهو خارجية صلعاء، خرجت وخارجية ابن ملجم من رحم واحد.

أما باقي صفات الخوارج: فمَنْ تتبّع حال "النصرة" وقبلها "داعش" يجد أنّهم اتصفوا بصفات لم تكن موجودة في الخوارج الأول، كالغدر في العهد ونكث الميثاق:

كما فعلوا مع "أبي عبد الله الخولي": اعتقلوه بعد أن أعطوه الأمان.

وكما فعلوا مع "حزم" حلب: قاتلوها بعد أن اتفقوا على تحييدها.

وكما فعلوا مع "أحرار الشام" مؤخّرًا.

وكما فعلوا في معرّة النعمان حيث اقتحموها مؤخّرًا في أحداث الأحرار، بعد أن وقّعوا مع الأهالي اتفاقًا يقضي بخروج العسكريين منها وعدم اقتحامها البتة.

وكما نقض "الجولاني" اتفاقه وعهده مع الذين سعَوا في الصلح بينه وبين الفصائل الأخرى، فقد قَبِلَ الاندماج الذي يشمل "جيش الإسلام" و"الشامية"، وقَبِلَ بالتحكيم في قضية الفرقة (13)، وقَبِلَ بتأسيس محكمة مستقلة لكل الفصائل، ثم نكث وكذب في ذلك كله، بحسب شهادة "الدكتور أيمن هاروش" والذي كان ضمن المشايخ الذين اتفقوا مع الجولاني على الأمور المذكورة.

وكذلك نكث تعهّده بوقف البغي على "الأحرار" وأنه لن يقدم على أي عمل إلا بفتوى من المجلس الشرعي للهيئة، لكنه تجاوز "اللجنة الشرعية" وظهر تسريب صوتي ينتقص فيه من أعضاء اللجنة، مما أدى إلى استقالة عضوي اللجنة: "عبدالله المحيسني" و"مصلح العلياني"ينظر: تعليق على استقالة المحيسني والعلياني من هيئة تحرير الشام: http://alabasirah.com/node/652.

 وكالكذب الذي يطفو على بياناتهم وخطاباتهم ولا يعلمه إلا من عايشهم وعاين واقعهم، فهم كالباطنية الذين يسرّون خلاف ما يعلنون، فعقيدة "أبي فراس" و"بلال خريشات" هي عقيدة جلّ القوم كما أكّد هذا "صالح الحموي" وهو أخبرُ الناسِ بهم، ولكنّهم لا يصرّحون بها.

لقد تحقق في القوم أصلُ الخوارج، وهو التكفير بغير سبب صحيح وقتال من كفّروه، وزادوا عليه بباطنية خبيثة، وغدر وكذب مشين، ولهذا لا يجوز لعاقل -فضلًا عن مؤمن- أن يدافع أو يركن لهم، فضلًا عن أن يبقى في صفوفهم.

 

  • المطلب الخامس: شبهات وردود:

قد يثير البعضُ حول هذا الكلام شبهات يلبّس بهم على الناس ليمنع وصول الحق لهم، ولسنا نعني بذلك الشبهات التي يستدل بها البعض للثناء على القوم، كالقول بأنهم مجاهدون يقاتلون النظام، وأن منهم مهاجرون، إضافة لتعرضهم للقصف الأمريكي ...الخ، فهذه الشبهات قد ردّ عليها الكثير من الأفاضل، فانحراف الفكر لا يراه إلا أهل العلم، والانحراف في منحى الخوارج تدقّ رؤيته، ولا يراه إلا المتمكّن من المناهج والقريب من القوم.

ولا يُنكر أنّ بيان ضلال هؤلاء واقناع الناس به أمر عسير وشاق إلا على من فهم أصول الفرق وتلقّى العلم من مشاربه الصحيحة، لأنّ ظاهر القوم يفتن ويخدع: لسانٌ لا يتكلم إلا بالقرآن والسنة، ويزعم نصرة الإسلام وتحكيم الشريعة، ويقدم صاحبه روحه في سبيل ذلك، فكيف سيقتنع العوام -بل بعض أهل العلم- بضلال مَنْ هذا حاله؟

لقد كان ابن ملجم قاتل علي -رضي الله عنه- حافظًا للقرآن، زاهدًا، "وقيل إنّ عمر كتب إلى عمرو بن العاص: أنْ قرّب دار عبد الرحمن بن ملجم من المسجد ليُعلّمَ الناسَ القرآن والفقه، فوُسّعَ له"لسان الميزان 3/440 – سير أعلام النبلاء 2/539!! ومع ذلك قتل عليًا وهو يقول: "الحكم لله لا لك يا علي ولا لأصحابك" !! ولما قاتلهم عليٌ أقبلوا وهم يقولون: "لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَى الْجَنَّةِ، قَالَ أَبُو أَيُّوبَ [الأنصاري]: وَطَعَنْتُ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ بِالرُّمْحِ فَأَنْفَذْتُهُ مِنْ ظَهْرِهِ وَقُلْتُ لَهُ: أَبْشِرْ يَا عَدُوَّ اللَّهِ بِالنَّارِ، فَقَالَ: سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا"البداية والنهاية 7/320.!!

فتأمل مدى إيمانهم بفكرتهم، وتأمل مأخذ الضلال فيها، تجد مصداق ما ذكرناه من أنّ إقناع الخصم بضلالهم ليس سهلًا، وسبحان الله كانت دعوى تحكيم الشريعة بوابة الخوارج الأوائل وبوابة هؤلاء، والتغني بالجنة والشهادة شعارهما.

لهذا كله نرى حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على بيان صفات الخوارج، حتى لا ينخدع الناس بهم، بأحاديث بلغت العشرات، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ، وَيَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)متفق عليه: البخاري برقم (5058) ومسلم برقم (1064).، وفي رواية (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ)متفق عليه: البخاري برقم (3611) ومسلم برقم (1066).ووصف ظهورهم بالقرن (كلّما خرج منهم قَرْنٌ قُطِعَ)رواه أحمد برقم (6871) وابن ماجه برقم (174).، بما يشعر بالصلابة والقوة.

 

ومن أهم الشبه التي يثيرها البعض على الحكم الذي ذكرناه على هؤلاء القوم ما يلي:

 

  1. أن ما اعتمدت عليه النصرة في التكفير سبب صحيح!!

والجواب على ذلك:

أن نقول لهم: هذا بظنّكم، كما كان كُفْر علي والصحابة صحيحًا بظنّ الخوارج يومها.

فما اعتمدت عليه النصرة من التكفير بسبب حضور المؤتمرات كالرياض والأستانة، والدخول في تكتلات عسكرية تتلقى دعمها من الغرب كالأركان والموم، وتأسيس كيانات سياسية مدنية ديمقراطية كالإئتلاف ونحوه، والدخول في مؤسسات الأمم المتحدة، كلها مناطات غير صحيحة، وأوهام قدّموها على أنها حقائق، ولا يهم ما يأتون به من دليل، فما من عاقل وإلا وله دليله، فأهل البدع كلهم يستدلّون على بدعهم بالقرآن والسنة، ولكن الذي يهم: صحة الاستدلال وصمود الحجة أمام الحجة في ساحة المناظرة.

وأما سَوْق الحجج أمام أتباعهم وعبر القنوات الإعلامية وغيرها، وتقديمها على أنّها مسلّمات كالنصوص القطعية، فهذا هو شأن الخوارج ومنهج أهل البدع.

وقد ألقى "عطون" يومًا محاضرة في حلب، وقال بكفر الديمقراطية مطلقًا وكفر من قال بها، فتصدّى له شرعي "الزنكي" يومها وعارض هذا الإطلاق، وأجبر "عطون" على التراجع، والقول بأنّ هناك حالات لمن يأخذ بالديمقراطية ليست من الكفر! فهذه مداخلة عرضية واحدة تهاوت فيها حجة أكابر شرعيي القوم، فكيف لو تقابلت باقي الحجج في ميدان علمي؟ ولكنهم يرفضون ذلك، بل ويطبقون آثار التكفير من قتالٍ وسفك دمٍ ومصادرة مالٍ وملاحقة منتسب واغتيال بناء على هذه الظنون، فإن لم تكن هذه الخارجية فما هي الخارجية إذن؟

 

  1. أنّ هذا الحكم سياسي:

أي إن هذا الحكم لم يصدر عن قناعة، ولم يقله قائلُهُ ديانةً، وإنما هو حكم من يريد أن يحقق به مكاسب سياسية، ليرضي بعض الجهات الدولية، وليستطيع من خلاله العبور لأحكام فقهية كالاستعانة بالتحالف عليهم، التي لا يستطيع الوصول لها بغير الحكم بخارجية النصرة.

والجواب من وجوه:

  • هذه شنشنة نعرفها من أخزم، فما أسرع القوم في إسقاط مخالفهم ورشقه بالتهم والافتراءات لنصرة عقيدتهم، فلا يوجد أفجر ولا أكذب ولا أسلط لسانًا من غلاة عصرنا، ومع ذلك نقول هذا اتهام للنوايا، وتسوّر على القلوب التي لا يعلم ما فيها إلا الله.
  • مَنْ تكلم جاء بأدلة، فردّوا دليله وفندوا حجته! والهروب من مواجهة الحجة إلى الطعن في النوايا سبيلُ أهل الباطل، فأعداء الرسل لما عجزوا عن مقارعة حجج الرسل كالوا لهم التهم والافتراءات.
  • التحالف الدولي لا يحتاج لفتاوى، ولا يحتاج لمن يتزلف له ليضرب الغلاة، فعند الغلاة من الحماقة ما يجعلهم يقدمون للتحالف الذرائع الكافية لضربهم.
  • كم استبيحت فصائل بمثل هذه التهمة، وآخرها ما اتهموا به الفصائل التي ذهبت للأستانة بأنّها وقّعت على قتالها! مع أنّ الصحيح عكس ذلك، فقد كانت الفصائل المشاركة في هذه الاجتماعات تدافع عنهم وترفض قتالهم!

 

  1. لماذا التناقض والاضطراب؟ فتارة تقولون بغاة، وتارة خوارج، وقبل كنتم تقولون مجاهدون، وربما غدًا تقولون طائفة ردّة!!

والجواب عن ذلك:

أنّ الحكم على المعيّن يتدرج بحسب ما يظهر من حال المعيّن، فالأصل في المسلم الإسلام، ولا يعدل عنه إلا بيقين، فمن جاء مظهرًا إسلامه وغيرته على أهل سوريا ويجاهد النظام ويقارعه، ولا يتدخل في حياة الناس، ولا يظهر منه فكر يخالف منهج أهل السنة، نقول عنه مجاهد، وهذا كان حال النصرة في أول دخولها، وقد خرج الشعب في 2012 بمظاهرات تأييد لها، يوم أرادت أمريكا تصنيفها في قائمة الإرهاب!

ثمّ لما انحرفت بندقيتها وتوجّهت للفصائل والمجاهدين بالعدوان بلا حق، قلنا هذا بغي، وتعالوا لشرع الله تعالى، فلما رفضوا التحاكم وأبوا مع أنّ خصومهم كلهم قبلوا، قلنا هؤلاء بُغَاة يجب ردّ صيالهم وبغيهم حتى يفيؤوا.

فلما ظهر منهم التكفير وصرّحوا به تارة، وواروه خلف عبارات التخوين والتمييع تارة أخرى، قلنا هذه خارجية صلعاء.

وهكذا سارت "داعش" في الثورة، وتدرّج حكم العلماء فيها، والبعض اليوم يرى أنّ "داعش" ظاهرت النظام في قتالها للفصائل وقطع طرق الإمداد، فأصبح يقول: طائفة زندقة وقعت في ردّة. فالتدرّج ليس تخبّطًا ولا تناقضًا، وإنّما هو تغيير للحكم بحسب ما يظهر من العلل، ولا يُلام من أحسن الظن بهم بداية، فالمؤمن طيب القلب، وكما قال ابن عمر: من خدعنا بالله انخدعنا له.

 

  1. لم يوافق على هذا كل أهل العلم.

والجواب عن ذلك:

أنه لا ضير في هذا، فالحكم على المعين مظنّة خلاف بين أهل العلم، لاختلاف ظهور العلّة لكل واحد، ولاختلاف درجة الظهور عندهم أيضًا، وفي التاريخ الإسلامي مَن اختلف العلماء في تكفيره، ولم يعب أحدهم على الآخر، ولا اعتبر قول أحدهم مبطلًا للآخر. وهذه داعش التي فاقت الأولين والآخرين في الإجرام والتكفير، ما يزال البعض يجادل عنها ولا يرى خارجيتها! فاختلاف أهل العلم في الحكم على جماعة أو فرد ليس دليل بطلان قول أحدهم.

نعم في مرحلة الترجيح يركن لأحدهما دون الآخر، ويكون القول الراجح لمن هو أقرب للمعيّن والجماعة، ولمن عاصرهم ودخل معهم وسمع ورأى، فلا يقدم على قوله وحكمه قولُ وحكمُ من هو بعيد عنهم، وربما في بلد آخر لم يصله منهم إلا السماع، لأن الحاكم بالخارجية مُثبتٌ، والحاكم بعدمها نافي، وقول المثبتِ مقدّمٌ على قول النافي، لأنّه علم، ومن عَلِمَ حُجّةٌ على من لم يعلم كما قالوا.

على أنّ من قال بخارجية النصرة ليس قلة من حيث الكم والكيف، وحسبك بالمجلس الإسلامي السوري الذي يضمّ خيرة علماء سوريا، وهيئاتها وروابطها، وجلّ مشايخه في الداخل ولهم تواصل به، لا كما يروّجون بأنهم في الخارج ظنًا أنّ المجلس هو اثنين أو ثلاثة من المشاهير المقيمين في تركيا.

 

  1. لماذا تصرّون على تسميتها بالنصرة، وقد صارت هيئة ودخلها غيرها، فهل كل الهيئة خوارج؟

والجواب عن ذلك:

لا يهم الاسم فهو تغيير مظهر، والعبرة بالحقائق والمضامين، فالنصرة هي "جبهة فتح الشام" أميرًا وجنودًا.

ولما تشكّلت "هيئة تحرير الشام" ودخل مع النصرة غيرُها، كان من الواضح أنّ الذين دخلوا من الجماعات أو الأفراد لن يكون لهم من القول شيء، فسيبقى القرار للجولاني، وهذا ما أكّدته الأحداث، فالهيئة تشكلت لمنع البغي وتطويق همجية الجولاني، لكنّ الذي حصل أنّ البغي استمر، ولم يلتزم الجولاني وأكابر مجرميه بكل اتفاقات وبنود الهيئة، فبقي التخوين والقتل والبغي، بل زادت حدته وشراسته، ولم يردّ حقًا لمظلوم من الفصائل، ولم يخرج الخولي ولا غيره، ولم يرجع مطاردًا، فالمظالم كما هي بل أشد، فلا معنى لدخول غير النصرة معها، والحكم على الطائفة لا يكون باستقراء واستقصاء كل فرد فيها، بل بالحكم على سياستها وتصرفاتها.

 

  • خاتمة

إنّ ما ظهر لنا من حال جبهة النصرة وما ندين لله به، أنها من الخوارج فكرًا وسلوكًا، وأسوأ منهم خُلُقًا وفعالًا، والهيئة هي جبهة النصرة.

ولا يحلّ لمن يخشى الله -تعالى- أن يبقى في هذا الكيان المجرم، ومن كان فيه ممن لا يوافق على إجرامهم فأقل ما فيه أنّه يكثّر سواد أهل الباطل ويسكت عن إجرامهم وظلمهم.

 

1 - على طريقة جماعات الغلو المعاصر: فإنّ هذه الجماعات تغيّر اسمها كل فترة من الزمن؛ في محاولة لتلميع صورتها وتضخيم حجمها، أو لتغطي على ما مضى من سوء صنيعها؛ فكلما تلوثت بالإجرام انتقلت للعمل تحت اسم آخر تخدع بها عامة الناس. وهكذا فعلت جبهة النصرة، فقد بدأت باسم (جبهة النصرة)، ثم أضافت إلى اسمها الانتماء لتنظيم القاعدة:  (جبهة النصرة - تنظيم القاعدة في بلاد الشام)، ثم شكّلت تحالف (جيش الفتح) في الشمال وصارت تتحرك تحت مظلته، ثم تسمّت باسم (جبهة فتح الشام)، ثم (هيئة تحرير الشام) اسمها الحالي. 
2 - أخرجه أبو داود برقم (4596)، كتاب السنة، باب شرح السنة، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (203).
3 - «التكفير بغير وجه صحيح» هو التكفير بغير مُكفّر، أو بمكفّر لكن من غير تحقق للشروط أو انتفاء للموانع.
4 - مجموع الفتاوى 3/279.
5 - الفرق بين الفِرق  55.
6 - نظر فتوى هيئة الشام الإسلامية: هل تنظيم الدولة الإسلامية من الخوارج، (http://islamicsham.org/fatawa/1945) وفيها: وتسميتهم بـ "الخوارج" إنما هي لخروجهم عن أحكام الدين ومفارقتهم جماعة المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) متفق عليه.  قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "سُموا بذلك لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين". وقال النووي في "شرح مسلم": "وسموا خوارج؛ لخروجهم على الجماعة، وقيل: لخروجهم عن طريق الجماعة، وقيل: لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا)".
7 - انظر المغني لابن قدامة 8/530.
8 - ينظر مقال: (هيئة تحرير الشام) وجه جديد للقاعدة يطعن الثورة السورية، من إعداد موقع على بصيرة، http://alabasirah.com/node/671 
9 - ينظر مقال: هل هيئة تحرير الشام من الخوارج؟ د. عمادالدين خيتي http://alabasirah.com/node/635
10 - ينظر: بيان بشأن جبهة النصرة (فتح الشام) http://sy-sic.com/?p=3948 .
11 - للعلم: فإنّ الأحرار كانت مشاركة في مؤتمر الرياض ووقعت كغيرها، وكان أميرها يومها "أبا جابر"، الذي مدح مؤتمر الرياض، وقد تولّى "أبو جابر" فيما بعد إمارة "الهيئة" دون أن يعلن توبته من هذه المشاركة! فكيف يبايعون مرتدًا خائنًا؟
12 - الجيا: اختصار لاسم: "الجماعة الإسلامية المسلّحة"، في الجزائر.
13 - مجموع الفتاوى 12/501.
14 - مجموع الفتاوى 12/488.
15 - ينظر: تعليق على استقالة المحيسني والعلياني من هيئة تحرير الشام: http://alabasirah.com/node/652
16 - لسان الميزان 3/440 – سير أعلام النبلاء 2/539
17 - البداية والنهاية 7/320.
18 - متفق عليه: البخاري برقم (5058) ومسلم برقم (1064).
19 - متفق عليه: البخاري برقم (3611) ومسلم برقم (1066).
20 - رواه أحمد برقم (6871) وابن ماجه برقم (174).

إضافة تعليق جديد