الاثنين 14 أكتوبر 2024 الموافق 10 ربيع ثاني 1446 هـ

الوفاء بالعهد في الإسلام ونقيضها عند الغلاة

26 ذو القعدة 1438 هـ


عدد الزيارات : 24492
موقع على بصيرة

 


جعل الله سبحانه وتعالى للمجتمع السليم قواعدَ يقوم عليها، إنْ تعاهدها المرء بالرعاية صلح أمره وارتفع شأنه، وإن أهملها تداعى البنيان وعمَّ الخراب، ومن تلك الأسس العظيمة التي أمر بها الإسلام ورسخها في نفوس أبنائه (الوفاء بالعهود والمواثيق)، لأن الوفاء منهج إيماني صريح، يؤكد مبدأ الصدق والثقة بين الناس، وبغيابه ستمدُّ الخيانة رأسها، وسيعمُّ الغشُّ والغدر، وستنتشر العداوات بين الناس انتشارَ النار في جمر الغضا.

 

والعهد في اللغة:

كل ما عُوهِدَ اللَّهُ عليه، وكلُّ ما بين العبادِ من المواثِيقِ، فهو عَهْدٌ. والعَهْدُ: الوصية، ومنه الحديث: (تمَسَّكوا بعهد ابن أُمِّ عَبْدٍ) أَي ما يوصيكم به ويأْمرُكم، ويقال: عهِد إِلي في كذا أَي أَوصاني، ومنه قوله عز وجل: {أَلم أَعْهَدْ إِليكم يا بني آدم}، يعني الوصيةَ والأَمرانظر لسان العرب مادة ع هـ د.

وقال ابن فارس: "(عَهِدَ) العين والهاء والدال أصلُ هذا الباب عندنا دالٌّ على معنىً واحد، قد أومأ إليه الخليل. قال: أصله الاحتفاظُ بالشَّيء وإحداثُ العهدِ به. والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فُروع الباب. فمن ذلك قولهم عَهِد الرجل يَعْهَدُ عَهْداً، وهو من الوصيَّة. وإنّما سمِّيت بذلك لأنَّ العهدَ مما ينبغي الاحتفاظُ به. ومنه اشتقاق العَهد الذي يُكتَب للوُلاة من الوصيّة، وجمعه عُهود. والعَهْد: المَوْثِق، وجمعه عُهود. ومن الباب العَهْدُ الذي معناه الالتقاء والإلمام، يقال: هو قريبُ العهد به، وذلك أنّ إلمامَهُ به احتفاظٌ به وإقبال"مقاييس اللغة: 4-181.

 

العهد في الاصطلاح:

حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال، هذا أصله، ثم استعمل في الموثق الذي تلزم مراعاته، وهو المرادالتعريفات للجرجاني، ص 117.

 

الفرق بين العهد والوعد:

الواو والعين والدال: كلمةٌ صحيحةٌ تدلُّ على تَرجِيَةٍ بِقَوْل. يقال: وَعَدْتُه أعِدُهُ وَعْداً. ويكون ذلك بخيرٍ وشَرٍّ. فأمّا الوَعِيدُ فلا يكون إلاّ بشَرّمقاييس اللغة لابن فارس 6 / 129.

قال الحطاب في (تحرير الكلام في مسائل الالتزام): "وأما العِدة فليس فيها إلزام الشخص نفسه شيئًا الآن، وإنما هي كما قال ابن عرفة: إخبار عن إنشاء المخبر معروفا في المستقبل"تحرير الكلام في مسائل الالتزام ص153.

وقال أبو هلال العسكري: "والفرق بين الوعد والعهد أن العهد ما كان من الوعد مقروناً بشرط، نحو: إن فعلت كذا فعلتُ كذا.الفروق في اللغة 421أما الوعد فيكون بلا شرط أو ميثاق".

أما الوفاء في اللغة فهو ضد الغَدْر، يقال: وَفَى بعهده وأَوْفَى بمعنى.انظر لسان العرب، مادة (و ف ي)وقال ابن فارس: "(وفي) الواو والفاء والحرف المعتلّ: كلمةٌ تدلُّ على إكمالٍ وإتمام. منه الوَفاء: إتمام العَهْد وإكمال الشَّرط. ووَفَى: أوْفَى، فهو وفِيٌّ. ويقولون: أوْفَيْتُكَ الشَّيءَ، إذا قَضَيْتَه إيّاهُ وافياً. وتوفَّيْتُ الشَّيءَ واستَوْفَيْته، [إذا أخذتَه كُلّه] حتَّى لم تتركْ منه شيئاً. ومنه يقال للميِّت: تَوفَّاه الله"مقاييس اللغة، 6 / 133.

 

والوفاء في الاصطلاح:

قال الجرجاني رحمه الله: "الوفاء: هو ملازمة طريق المواساة ومحافظة عهود الخلطاء"لتعريفات: 252..

وقال الجاحظ رحمه الله: "هو الصبر على ما يبذله الإنسان من نفسه ويرهن به لسانه، والخروج مما يضمنه وإن كان مجحفاً به، فليس يعد وفياً من لم تلحقه بوفائه أذية وإن قلّت، وكلما أضر به الدخول تحت ما حكم به على نفسه كان أبلغ في الوفاء"تهذيب الأخلاق: 24.

 

  • الوفاء بالعهد خلق عظيم:

إن المسلم صاحب رسالة، يسعى جهده إلى نشرها في أرجاء المعمورة، ومن كان حاله كذلك، فلا يتنكر للعهود والمواثيق، ويمتنع عن أداء ما قطعه على نفسه، فهذا النقض والتنكر يعود على الدعوة والرسالة بالضرر، ولئن كان المسلم مطالباً بهذا الخلق، فإن المجاهد مطلوب منه الوفاء بالعهد بشكل أكبر، ذلك أن نوازع القوة تراوده أكثر من غيره، والأمر الآخر: أن تأثيره على الرأي العام أوسع، لا سيما وأن الأضواء مسلّطة عليه.

والوفاء بالعهود والمواثيق من القيم الأخلاقية والإنسانية العظيمة التي يحملها المسلمون عامة والمجاهدون خاصة، وبها يشتد ساعد المجتمع وتقوى ركيزته ويتأصل التعاون بين أفراده، وهو خصلة من خصال الأنبياء والصالحين، وصفة من صفات المسلم، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}[المؤمنون:8] 

وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين الوفاء بالعهد والإيمان فجعلهما متلازمين، قال أنس: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له)حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان، عن أنس -رضي الله عنه-، وصححه الألبانيّ..

والوفاء بالعهد صفة نبينا صلّى الله عليه وسلّم، بشهادة من كان معادياً له، فحين لقي هرقل أبا سفيان، سأل هرقل أبا سفيان عن محمد صلى الله عليه وسلم عدداً من الأسئلة، فكان مما سأله فيه قوله: "فهل يغدر؟ قال لا"صحيح البخاري: 2941، وصحيح مسلم: 1773.

والوفاء بالعهد من سمات أهل العقل والصلاح والإيمان، وأمر من المولى سبحانه، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[الإسراء: 34].

 

  • الوفاء بالعهد مع غير المسلمين: 

سطّر المسلمون في تاريخهم أروع الأمثلة في الوفاء بالعهود حتى مع المشركين، بل اشتهر هذا الخلق بين جيوش المسلمين حتى أصبح سمة لهم وكان سبباً في دخول الناس إلى دين الله أفواجاً، وفتح الكثير من البلدان لما رأوا من وفائهم بعهدهمانظر حكم الاعتداء على من أعطي له الأمان وما جزاء ذلك؟  http://islamicsham.org/fatawa/762 وحكم سداد دين الكافر المحارب: http://islamicsham.org/fatawa/508.13..

فالوفاء خلق عام، يلتزم به المسلم مع المسلمين وغيرهم، وفي أهل الذمة جاء الحديث، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)صحيح البخاري: 3166.

فمن الوفاء مع غير المسلمين، حديث حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ، قَالَ: "مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلَّا أَنِّي خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي حُسَيْلٌ، قَالَ: فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ، قَالُوا: إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا، فَقُلْنَا: مَا نُرِيدُهُ، مَا نُرِيدُ إِلَّا الْمَدِينَةَ، فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَا نُقَاتِلُ مَعَهُ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: «انْصَرِفَا، نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللهَ عَلَيْهِمْ"صحيح مسلم: 1787. فلم يشترك حذيفة رضي الله عنه في المعركة لأنه أعطى العهد ألا يقاتلهم على الرغم من أنهم مشركون مقاتلون ومحاربون، فوفى بذلك، بل وأمر بالوفاء.

ومن ذلك ما جاء في صلح الحديبية، وموضع الشاهد أن النبي عليه الصلاة والسلام اتفق مع قريش أنه من جاءه مسلماً يرده إلى قريش، وعند كتابة العهد ووقت كتابة الصلح قبل أن ينفضوا جاء أبو جندل ابن سهيل ابن عمرو وهو مفاوض قريش الذي كان يوقع العقد مع النبي عليه الصلاة والسلام، أبو جندل كان مسلماً وقد عذِّب عذاباً شديداً وجاء وهو مصفد بالأغلال والقيود يريد أن يأتي إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى الصحابة ويكون معهم ويرجع معهم، فقال سهيل بن عمرو: يا محمد قد لجّت القضية بيننا - يعني انتهى الاتفاق، ولم يكونوا قد كتبوا، اتفقوا ولم يكتبوا-  فردّه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في شدة من الغيظ أن أخاهم المسلم المضطهد المعذب يُرد إلى المشركين لكن النبي صلى الله عليه وسلم أصرّ على أن يفي بالوعد، وفي بعض الروايات ألفاظ عجيبة في هذا الحديث منها أنه جاء أبو جندل يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إليّ، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إنّا لم نقض الكتاب بعد" فقال سهيل بن عمرو: فو الله إذا لا أصالحك على شيء أبداً، فقال النبي: "فأجزه لي" –يعني اترك هذا وننفذ الاتفاقية بعده-، قال: ما أنا بموجزه لك، قال: "بلى فافعل"، قال: ما أنا بفاعل، فردّه النبي صلى الله عليه وسلمإمتاع الأسماع للمقريزي: 9/12.

 

  • حرمة الغدر ونقض العهود:

والغدر ضدُّ الوفاء بالعهد. يقال: غَدَرَه وبه، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرك الشيء. ومن ذلك الغَدْر: وهو تَـرْك الوفاءِ بالعهدانظر لسان العرب مادة غ د ر.وكثيرًا ما يكون في العهود والمواثيق والغالب أنه في المعنويات. وقال الجاحظ: "هو الرُّجوع عمَّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به"تهذيب الأخلاق ص: 30.

وهو صفة مذمومة، منبوذ صاحبها في الدنيا مكروه من الناس، ويوم القيامة مأخوذ بعذاب من الله عز وجل عقابًا على جريمته، وهي صفة تدل ضعف في النفس وانهزام، وخصلة من خصال النفاق، لا يوصف بها إلا شرار الناس، المنسلخين عن إنسانيتهم، المتنكرين لفطرتهم، المنحرفين عن جادة الصواب.

وقد عدّ الإمام ابن حجر الغدر ضمن الكبائرالزواجر عن اقتراف الكبائر 1-182، وإلى مثل هذا ذهب الإمام الذّهبيّ، فعدَّ الغدر كبيرة من الكبائر حيث قال: "الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد"الكبائر 168..

وإن كل عهد أبرمه الإنسان واجب عليه أداؤه، لأن نقض العهود من صفات المنافقين، ففي الحديث عن عبد الله ابن عمرو، أَن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ)صحيح البخاري: 34، صحيح مسلم: 58..

وإخلاف العهود والمواثيق مما رتب الله عليه الوعيد الشديد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)صحيح البخاري: 2227..

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الْغَادِرَ يَنصِبُ اللهُ لَهُ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: أَلَا هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ)صحيح البخاري: 6178، صحيح مسلم: 1735.

 

  • الغدر من صفات الخوارج والغلاة:

اشتهر الخوارج والغلاة طوال فترة تاريخهم بالغدر، فصارت صفة ملاصقة لهم يعرفون بها، فعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: سألتُ أبي عن هذه الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}[الكهف: 103، 104]: أهم  الحرورية؟  قال: لا، هم أهل الكتاب اليهود والنصارى، أما اليهود، فكذَّبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأما النصارى، فكفَروا بالجنة، وقالوا: ليس فيها طعام ولا شراب، ولكن الحرورية {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[البقرة: 27]صحيح البخاري (4728)، وانظر: فتح الباري 8/425، وتفسير الطبري للآية.

وقد قدّر الله سبحانه وتعالى أن تُبتلى الأمة الإسلامية بالغادرين من الخوارج والغلاة وأصحاب المناهج المنحرفة، فلا تمرّ حقبة من الزمن إلا وتكتوي بنارهم وتطعن بخناجرهم، وهي منذ فجر الدعوة الأولى لا تزال تجاهدهم وترد كيد خيانتهم، وتقدم قوافل الشهداء في سبيل الله.

وإذا ما نظرنا في واقع الثورة السورية وقلّبنا أحوال جهادها ومجاهديها وجدنا أمثلة متجددة عن الوفاء بالعهود والمواثيق وتحمّل المشاق في سبيل ذلك، وفي المقابل نجد جماعاتٍ دخيلةً تسمت بالمجاهدين، إلا أنها كانت ورقة رابحةً بيد النصيرية أعداءِ الجهاد، وعقبةً أمام طريق المجاهدين الصادقين، ومن ذلك تنظيم الدولة (داعش) التي عرَف غدرَها القاصي والداني، وذاق مرارة خيانتها الشعب السوري كبيره وصغيره، فمنذ تأسيس ما يسمى بـ (دولة الإسلام في العراق والشام) وصفُّ الجهاد الشامي مشتّت، والبلاد متفرّقة مقسّمة، فهي تنام على غدرهم وتستيقظ على مكائدهم، وإنّ الشواهد على غدر هذه الطغمة ومن سار على نهجها من تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام أكثر من أن تُحصى وتُعَدّ، فسجلاتها حافلة وتاريخها بعيد.

 

• التفريط بعهد بيان العلم والحق:

وأول العهود التي فرط بها الخوارج والغلاة هو العهد الذي أخذه الله على أهل العلم ببيان العلم وعدم كتمانه، والدلالة والإرشاد إلى طريق الخير والتحذير من الشر، فقلبوا الحق باطلا والباطل حقًا، وحرّفوا النصوص وأنزلوها غير منزلها، وأسقطوا جميع أهل العلم المخالفين لهم، واتهموهم بكتمان العلم، والجهل بأحكام الجهاد، قال أبو حمزة المهاجر في (اللقاء الصوتي الثاني): «أيّها العلماء عيبٌ عليكم أن يذكّركم المجاهدون فأنتم من تذكّرونهم، عيبٌ عليكم أن يعرّفوكم واجبكم فأنتم من تعلّمونهم».

وقال العدناني في كلمة (إنّ دولة الإسلام باقية): «فيا علماءنا، لقد علمتم والله أننا على حق فإلى متى تكتمون علمكم؟ أما فقهتم قول ربكم عز وجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَال}؟... فإلى متى تهادنون الطواغيت وتسكتون؟ وإلى متى تخافون المطاردة وتهابون السجون؟ وحتامَ تسلمون لليهود والصليبيين البلاد والعباد؟».

 كما أسقطوا روايات الطائفة المنصورة عليهم، وعدّوا أنفسهم مجاهدين على الحق وأنهم مهديون بهداية الله ومصيبون في معتقداتهم واجتهاداتهم، وحكموا على غيرهم بالكفر والضلال. قال أبو عمـر البـغدادي في كلمة (وَعدُ الله): «لأنني أحسبُ أنَّ الذين يقاتلون المحتل في دولة العراق الإسلامية هم أولياءُ الله في أرضه، القائمون بفرض الزمان على قلةٍ وخذلان، المتبعون لشريعة الرحمن...».

وقال في كلمة (سيهزم الجمع ويولون الدبر): «وأشهدُ بالله.. فلم تر عيني مثلهم، ولا سمعتُ كخبرهم، إلا خبرَ الرعيلِ الأولِ».

وقال العدناني في كلمة (الرائد لا يكذب أهله): «وأما أنتم يا جنود الدولة الإسلامية... امضوا في ثبات ويقين، فإنكم والله على الحق المبين».

وقال في كلمة (إنّ دولة الإسلام باقية): «إننا باقون بإذن الله إلى قيام الساعة وليقاتلنّ آخرنا الدجال».

وقال أبو حمزة المهاجر في كلمته (إن الحكم إلا لله): «فو الله لن نستريح من جهادنا إلا تحت أشجار الزيتون في رومية بعد أن ننسف البيت الأنجس المسمى بالبيت الأبيض».

وادعوا أيضا أنه لا مشروعية لأي تنظيم غيرهم، قال أبو عمر البغدادي في كلمة (قل إني على بينة من ربي) زمن (الدولة الإسلامية) في العراق: «كل جماعة أو شخص يعقد اتفاقية مع المحتل الغازي فإنها لا تلزمنا في شيء، بل هي باطلة مردودة، وعليه نحذر المحتل من عقد أي اتفاقات سرية أو علنية بغير إذن دولة الإسلام»انظر كتاب شبهات تنظيم الدولة والرد عليها، ص 311 وما بعدها..

 

• غدر تنظيمات الغلاة فيما بينها:

وقد وصل الأمر بالتنظيمات المتطرفة إلى أن تغدر فيما بينها، ومن ذلك ما حصل عند إعلان ما يسمى بدولة العراق الإسلامية، فقد تم الإعلان عن المشروع دون إعلام باقي الجماعات مع أنهم شركاء في مشاريع أخرى:

قال أبو حمزة المهاجر في كلمة (إن الحكم إلا لله) بتاريخ 10-11-2006م:

"أقول للشيخ المفضال والبطل المغوار الهاشمي القرشي الحسيني النسب أمير المؤمنين أبي عمر البغدادي: بايعتك على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله وأن نقول الحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم، معلناً ذوبان كل التشكيلات التي أسسناها بما فيها مجلس شورى المجاهدين، وبالنيابة عن إخواني في المجلس تحت سلطة دولة العراق الإسلامية!" انتهى.

مع ما جاء في شهادة أبي سليمان العتيبي القاضي الأول في (دولة العراق الإسلامية):

"... وفي حقيقة الأمر يظنّ النّاسُ أنّ قيامَ (الدّولة) كان بعد مبايعة جماعات مجلس شورى المجاهدين لتنظيم القاعدة، ثم مبايعة شيوخ العشائر بحلف المطيّبين، وليس الأمر كذلك ألبتة، وإنّما بايع رؤوس هذه الجماعات كسرايا الجهاد، وسرايا الغرباء، وجيش أهل السنة، وكتائب الأهوال، وجيش الطائفة المنصورة... وهم أناسٌ لا علاقة لهم بالجهاد الحقيقي في السّاحة، بل منهم مَن لم يحمل السّلاح في حياته كلّها، ومنهم مَن ليس له أتباعٌ أصلًا، وإنّما هي أسماءٌ مجرّدة، فبايعوا واشترطوا إمّا بلسان الحال أو المقال أن يتولّوا مناصب في هذه الدّولة التي ستُعلن، ووقع الأمرُ كما أرادوا.

وأنا أشهد بالله العظيم على ذلك بحكم قربي مِن أبي حمزة المهاجر، ولم يتدخل شيوخُ العشائر المعروفون كما يصرحّ كثيرًا أبوحمزة" انتهىانظر مقال: (قطف الثمرة) فكرة تلخص مسيرة الجماعات "الجهادية" (1) للدكتور عماد الدين خيتي http://www.alabasirah.com/node/331.

وكذلك اتضح منهج الغدر فيما بين التنظيمات المتطرفة بعد الخلافات الحادة بين جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، وإصدار القاعدة بيانًا صادرًا عن القيادة العامة للتنظيم بقيادة أيمن الظواهري، ينفي قيام علاقة القاعدة بتنظيم الدولة داعش، وجاء رد داعش على لسان ناطقها أبي محمد العدناني وأكد عدم مبايعة داعش للقاعدة. وقد شن العدناني هجوما عنيفا على تنظيم القاعدة واتهم الظواهري بأنه من خلال شهادته الأخيرة لبس على الناس وأجهد نفسه في إثبات أمر لم يثبته، ويقصد بذلك بيعة داعش للقاعدة.

وقد توجه العدناني إلى الظواهري قائلا: "لو قدر الله لكم أن تطؤوا أرض الدولة الإسلامية لما وسعكم إلا أن تبايعوها، وتكونوا جنودا لأميرها القرشي حفيد الحسين، كما أنتم اليوم جنود تحت سلطان الملا عمر، فلا يصح لإمارة أو دولة أن تبايع تنظيمًا"للاستزادة انظر مقال: حول إمارة جبهة النصرة(5): القيادة السياسية لجبهة النصرة http://syrianoor.net/revto/17046.

 

• الغدر بالمجاهدين:

دخل تنظيم القاعدة إلى سورية باسم (جبهة النصرة لأهل الشام)، معلناً أنه جاء للنصرة والمعونة والمساهمة في إسقاط النظام، ولم يمض وقت طويل حتى سقط هذا الشعار، وبانت حقيقته بعد عمليات السطو على الفصائل وفرض الهيمنة على الشعب السوري، وكذلك ادعى تنظيم داعش المولود من رحم القاعدة، أنه يريد خدمة المسلمين ونصرتهم، ثم سامهم سوء العذاب بتشدده وتسلطه وغدره، فأدى ذلك إلى الانقسامات في الثورة وعزلها محليا ودوليا، إضافة إلى إضعافها داخليا.

وتاريخ (جبهة النصرة- فتح الشام) في الاعتداء على الفصائل والغدر بهم وإشعال الفتن وبث الخلافات فيما بين الثوار واضح للعيان، فقد نجحت بتفكيك قرابة العشرات من الفصائل الثورية وتهجير الآلاف من المقاتلين، عدا عن خسارة أضعافهم ممن وجدوا أن وجود النصرة يمنعهم من العمل أو يشوه صورة الثورة ، إضافة إلى خسارة الملايين من الحاضنة الشعبية وأضعافهم في العالم العربي.

ومن صور غدر داعش قتلها خيرة المجاهدين على أرض الشام والعراق، فعلى الرغم من أنها أعطت المجاهدين عهدًا بالنصرة والمعاونة إلا أنها ظلّت تقتلهم خفيةً وعلنًا، ففي تشرين الثاني من عام 2013م نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان وشبكة (سي إن إن) خبر مقتل (محمد مروش أبو عبد الله الحلبي) المجاهد في حركة أحرار الشام على يد تنظيم داعش ذبحًا بالسكين وهو في المشفى على إثر إصابة على إحدى جبهات مدينة حلب، وكانت حجة الغلاة أنه رافضي، وكان ردّهم بعد أيام أنه خطأ فردي.

وقد اعتمدت (داعش) سياسة التقية والخديعة من أجل الوصول إلى مآربها، بل إنها استخدمتها في سبيل الوصول إلى الغدر، ففي (الراعي) شمال حلب-شباط 2014 جاء وفد يضم أحد شرعيي جماعة البغدادي وممثلين عن لواء (محمد الفاتح) إلى المجاهدين في لواء التوحيد، وحين سألوه عن هويته أجابهم: شرعي مبتعث من الدولة الإسلامية للصلح والتفاوض. ففرح به المجاهدون وأدخلوه ومن معه إلى غرفة القادة، ثم ما لبث أن فجّر حزامه الناسف داخل الغرفة، مما أدى إلى استشهاد عدد منذ المجاهدين، من بينهم قائد غرفة عمليات التوحيد والقائد العسكري للواء، وإصابة عدد من الأشخاص، من بينهم ممثل لواء (محمد الفاتح) الذي جاء لحضور الصلح. 

وفي نفس الشهر من عام 2014م نقلت وكالات الأنباء منها (أ ف ب) و (رويترز) خبر تفجير انتحاري يستهدف حركة أحرار الشام في حلب، وهنا  تغدر (داعش) بخيرة المجاهدين، عن طريق خمسة من أفرادها هاجموا مقرًا لأحرار الشام في حلب وفجّروا أنفسهم داخل المقر، ما أسفر عن مقتل "أبو خالد السوري" وأربعة قادة آخرين، هم (مثقال حمامة) قائد كتيبة المهام الخاصة بلواء تحرير الشام، و(أبو أحمد العكوبراني) القائد الميداني في كتيبة (فرسان السنة)، و(إبراهيم خليل غرلي) و(فايز سكرية)، الذين كانوا مجتمعين تمهيداً لإعلان فصيل إسلامي موحد. 

وبعد تحرير مدينة إدلب عام 2015م دخل النظام السوري في مرحلة الضعف والتخبط، وباتت حصونه على وشك السقوط، وبدأ المجاهدون يعدّون العدّة لمعركتين كبيرتين، إلا أن (داعش) استغلّت انشغال المجاهدين بالعدو فصالت عليهم، ليرتّب النظام أوراقه ويدخل الساحة بعد استراحة طويلة.

وفي مدينة مارع في 7 نيسان 2015 استهدفت عصابة البغدادي مقر (قوة رد المظالم) بسيارة مفخخة، وكان ذلك وقت صلاة المغرب، ما أدى إلى سقوط 13 قتيلًا، بعضهم قيادات في (الجبهة الشامية) و(جيش المجاهدين) و(جبهة النصرة) و(حركة أحرار الشام)، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي الشهر الأول من عام 2016م استهدف صهريج مفخخ المقرَّ الرئيسيّ لحركة (أحرار الشام الإسلامية) في مدينة حلب، ما أدى إلى تدمير المقرّ بشكل كامل وقتل ما يقرب من 20 بينهم 3 قيادات. بحسب بلدي نيوز وشبكة سوريا مباشر والمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وكما امتدت يد الإجرام والغلو والتطرف إلى أهل العلم وقادات الجهاد في مساجدهم وجبهاتهم وصلت أيديهم السوداء إلى سجون الروافض لتفتك بخيرة أهل السنة، فقتلت في سجون العراق أكثر من خمسين شخصاً أغلبهم من أهل العلم والجهاد، منهم الشيخ أبو مصطفى المعروف بـ (قناص بغداد) الذي أبلى بلاء حسنا في الحرب على الرافضة والأمريكيين، قتلته يد الغدر خنقاً وهو في سجن المطار في بغداد بعد أن قامت جموع الروافض بتعذيبهمركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945.

وتأتي حادثة مدينة الكرمة في العراق شاهدة على غدر هذا التنظيم بالمجاهدين وتعاونه مع الرافضة، فقد رصدت مجموعة مرابطة من جيش المجاهدين في منطقة البوعبيد الواقعة على ذراع دجلة، رصدت حشوداً وتحركات للجيش العراقي وميليشيات الرافضة، فقامت بالإبلاغ من أجل استنفار الفصائل وأبناء العشائر، وإذا بمجموعة من تنظيم داعش يطالبون المجاهدين بالانسحاب من المنطقة بدعوى أنها تحت حمايتهم ولا يسمحون لأحد بالعمل فيها، وطمأنوا الجميع بأن المكان محمي، والطرق المؤدية إليه مفخخة، ولا يمكن اجتيازه، فما كان من المجاهدين إلا حسن الظن بهم وترك المنطقة لهم، وكانت المفاجئة التفاف الميليشيات وعبورها من الطريق الذي يفترض بأنه محمي ومراقب ومزروع بالعبوات الناسفة، فقامت دبابات العدو بالتقدم وقصف تجمعات المجاهدين، مما أدى إلى سيطرة الجيش والميليشيات على المنطقة، حتى عاد المجاهدون وأبناء العشائر ليستعيدوها في اليوم الثاني. 

وقد بلغت وقاحة أهل الغلو حداً كبيراً عندما طلبوا من المجاهدين مرة ثانية بالخروج من المنطقة بدعوى أنها تحت حمايتهم!نفس المصدر السابق.

وتعتبر (هيئة تحرير الشام) التي شكلت هذا العام امتداداً لفكر تنظيم القاعدة، وذلك من خلال قصر الحق والجهاد عليها فقط، ووصف نفسها بالطائفة المنصورة وإلغاء الفصائل الثورية وتشويها صورتها، ومن خلال مواقفها وردود أفعالها على ما يجري في الساحة السورية، فقد اعتمدت نهج داعش والقاعدة، فبدأت منذ الأيام الأولى على تشكيلها بالغدر بالمجاهدين والتضييق عليهم، فعلى الرغم من التطمينات التي أطلقها أبو جابر الشيخ ومن يدعون استقلالهم، كعبد الله المحسيني للفصائل الثورية بأن تعدي جبهة فتح الشام - جبهة النصرة على بقية الفصائل سيتوقف مع التشكيل الجديد، إلا أن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح، حيث ما لبثت مجموعات تابعة للتشكيل الجديد (هيئة تحرير الشام) مهاجمة معهد شرعي في بلدة آفس بريف إدلب بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2017. 

ثم قامت مجموعة أخرى في اليوم التالي بالهجوم على مقرات حركة أحرار الشام في مدينة دارة عزّة بريف حلب الغربي، وسيطرت على مبنى المحكمة في المدينة وعلى عدة مواقع للحركة.

وقد وصل الأمر إلى قيام هيئة تحرير الشام وصل إلى الاعتداء على بعض مقرات الحركة في ريفي حلب وإدلب، ومن هذه المقرات:

سلب معمل النسيج (العلبي) في ريف حلب الغربي من حركة أحرار لشام بالقوة العسكرية بتاريخ 25 شباط/ فبراير 2017.

سلب ورشة للتصنيع العسكري بالقرب من سراقب بريف إدلب الشمالي، بتاريخ 2 آذار /مارس 2017، والتي استعادتها حركة أحرار الشام الإسلامية في وقت لاحق.

الاستيلاء على حاجز شلخ على طريق حلب/إدلب، بتاريخ 2 آذار /مارس 2017.

سلب ورشة تصنيع سلقين بريف إدلب، وقد شكلت لجنة شرعية للبت في أمرها!

سلب معمل الغزل بمدينة إدلب بتاريخ 4 آذار /مارس 2017.

سلب مقر عسكري لأحرار الشام في بلدة زردنا بتاريخ 5 آذار/ مارس 2017.

سلب حاجز عسكري في كفر يحمول بريف إدلب الشمالي، استعادته الحركة لاحقاً بالقوة.

سلب معسكر المسطومة من حركة أحرار الشام بتاريخ 6 آذار /مارس 2017، ووقع على إثرها قتلى وجرحى من الطرفينانظر نشير إلى مادة (هيئة تحرير الشام) وجه جديد للقاعدة يطعن الثورة السورية التي هي قيد المناقشة..

 

• الغدر بالعلماء:

ولم يسلمِ العلماء من يد الغدر فطالتهم، إذ كانت لهم مواقف قويّة في وجه الغلاة وأصحاب المناهج المنحرفة، ومن أولئك العلماء الشيخ (جلال بايرلي) الذي قُتل في تشرين الثاني 2013، وهو عضو في الهيئة الشرعية بريف اللاذقية، قُتل على يد (داعش) حيث كان متوجّهًا إلى أحد مقراتها في سبيل احتواء الخلاف الناشب مع كتائب معارضة في بلدة ربيعة، كما أفادت وكالة سمارت للأخبار وموقع عكس السير وغيرهما.

ومنهم الشيخ (بشار خالد الكامل النعيمي) نائب رئيس محكمة (دار العدل) في حوران، إذ سقط شهيدًا في 2-9-2015م إثر إطلاقٍ ناري من قبل عناصر تنظيم (داعش)، كما أفادت شبكة يقين الإعلامية وإعلاميو حوران المستقلين.

وفي أيار عام 2015م نقل موقع (كلنا شركاء وعنب بلدي) خبر استهداف انتحاري من عصابة البغدادي الشيخ (أبو ثابت رياض الخرقي) وهو قيادي في فصيل (فيلق الرحمن) وأحد أعضاء مجلس شوراه، وأحد علماء الحديث، وأحد مدرسي المعاهد الشرعية، وكان يشغل منصب رئيس الهيئة الشرعية في دمشق وريفها، وعضو المجلس الإسلامي السوري، فأصيب إصابات بليغة نقل على إثرها إلى المشفى، ثم استشهد بعد ذلك متأثرًا بجراحه.

أما مدينة الفلوجة التي عانت كثيراً من قوات الاحتلال فقد عانت ضعفين من عصابات البغدادي التي قامت باغتيال رجال العلم وأئمة المساجد، منهم الشيخ الحافظ لكتاب الله أبو بكر الجنابي أحد قيادات الجيش الإسلامي، وقد كان مطلوباً للقوات الرافضية فقامت داعش بقتله وتقديم خدمة كبيرة لها.

وكذلك قتلهم مفتي الفلوجة الشيخ حمزة العيساوي والشيخ خالد الجميلي والشيخ محمد خليل العلواني وغيرهم 

ومن العلماء الدعاة الذين قتلتهم داعش في مدينة الرمادي العراقية مفتي الأنبار الشيخ عبد العليم السعدي، إذ قتلوه غدرا بعد أن دخلوا منزله بحجة طلبهم لفتوى شرعية، وبعد أن أكرمهم الشيخ واستضافهم في منزله اغتالته أيديهم الآثمة، وكذلك اغتالوا الشيخ خالد سليمان مدير الوقف السني في الأنبارمركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945.

 

• الغدر بالكوادر الطبية:

وكذلك امتدت اليد الغادرة إلى الأطباء، ففي الشهر الأول من عام 2014م، اعتقلت (داعش) الدكتور (أبو ريان) وهو مدير سابق لمعبر تل أبيض في الرقة وقيادي في حركة أحرار الشام وقتلته تحت التعذيب، ومثلت بجثته وشوهتها، وقد نقلت الخبر عدة وسائل إعلام والمرصد السوري.

 

• الغدر بعموم المسلمين:

ولقد بلغ الغدر والإخلال بالعهود والتنكر للمسلمين المستضعفين مبلغًا عظيمًا عند (داعش)، فشاركت بعمليات الحصار التي يفرضها النظام السوري على البلدات والمدن المحاصرة، ومن ذلك مشاركتها بحصار القلمون بإغلاق شريان الإمداد الوحيد من الشمال حين قطعت على الثوار وأهاليهم الطريق باستيلائها على العقيربات، وكانت تصادر كلّ ما يُرسل إلى القلمون من الشمال من الغذاء والدواء، أما السلاح فقد صادرت عتادًا ﻷلف وثلاثمئة مقاتل، مع السلاح الثقيل والدبابات دفعة واحدة، فأدى ذلك إلى سقوط القلمون.

وإذا ما انتقلنا إلى جبهة حلب، فقد كانت حلب بين فكي كماشة النظام و(داعش)، فكلما باشر المجاهدون فيها عملاً ضد النظام وأحرزوا تقدما تحركت (داعش) على الفور وطعنت المجاهدين في خاصرتهم، فيضطر المجاهدون إلى إيقاف العمل، ويعودون لردّ صيال (داعش) عن المسلمين.

ومن صور غدر التنظيم بعموم المسلمين تجرؤه على قتلهم بدم بارد بعد ادعائه أنه جاء من أجل حمايتهم وتحقيق مصالحهم وإرجاع عزتهم، فقتل بتفجيراته العبثية الألاف من المسلمين، غير آبه بالنساء والأطفال، ومن تلك الجرائم الدموية استهداف جامع (أم القرى) في الغزالية في بغداد بحزام ناسف في رمضان 1433هـ، فقتل العشرات من المسلمين بحجة وجود عضو من أعضاء الحزب الإسلامي!

وكذلك تفجيرهم مسجد في الحيانية وتسببهم بمقتل ما لا يقل عن 100 من المصلين والمارين بالقرب من المسجد الذي تدمّر بالكامل وقتل إمامه الشيخ محمد المرعاويمركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945.

ومن صور غدرهم بالمسلمين عامة هو حصارهم مدينة الكرمة العراقية التي كانت تؤوي مقاتلين من جيش المجاهدين فقاموا بقصفها وفاوضوا أهلها على أن يسلموا أنفسهم وأسلحتهم مقابل فك الحصار وإيقاف القصف فما كان من القرية إلا أن تقبل، ولكن داعش غدرت بهم ونقضت العهد فقامت باعتقال 500 من رجالهم، ثم ساقوهم إلى الفلوجة وجابوا بهم الشوارع كأنهم أسرى من الميليشيات الرافضية.

ومن العهود التي نقضها التنظيم وفرّط بها عدمُ أداء العقود المالية والديون، على الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحذر من الدين ويرغب في قضائه، وكان يمتنع من الصلاة على من عليه دين حتى يضمن أحد القضاء عليه، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَها يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ)رواه البخاري.

إضافة إلى نقض العهد مع الزوجة، فكثير من عناصر الخوارج أقدموا على الزواج من أهل البلد الذي دخلوا إليه، ثم تركوا زوجاتهم خلفهم وأخلوا بالعقود، فلابد للزوجين من الالتزام بالشروط المتفق عليها، إضافة إلى وجوب أداء حقوق الزوجة، فإنها من الشروط المهمة يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)رواه البخاري ومسلم

وقد ساعد عناصر التنظيم على التهرب من دفع الاستحقاقات والقيام بالالتزامات الأسماء الوهمية التي يكنون بها، وتنقلهم السريع من منطقة إلى أخرى.

 

• الغدر بنصارى الموصل والرقة:

بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينتي الرقة والموصل أبدى تساهلا مع نصارى المدينة وأعطاهم الأمان وأشعرهم بالاطمئنان، فعاد عدد كبير منهم إلى منازلهم، بعد أن لاحظوا وضع النصارى الذين لم يخرجوا.

وبعد بسط السيطرة وامتداد الشر وتحكمه وتعزيز قبضة التنظيم وجد أتباع البغدادي بابا جديدا يضخ لهم المال ويغررون به أتباعهم ومؤيديهم، فطلبوا-متناسين العهود-من نصارى الموصل الدخول في الإسلام -بعد أن قدموا صورة لا تمت إلى الإسلام بصلة-، أو دفع الجزية لقاء حمايتهم، مع العلم أنهم غير قادرين على حماية أحد من النصارى والمسلمين، بل إنهم كانوا سببًا في شقاء سكان البلاد التي دخلوها وقتلهم وتشريدهم.

وقد أعلن رئيس ديوان أوقاف النصارى في العراق رعد كجه جي أن 10 آلاف نصراني على الأقل، فضلوا مغادرة مدينة الموصل على دفع الجزية لتنظيم داعش.

قال المهلب -رحمه الله-: "الغدر حرام بالمؤمنين وبأهل الذمة، وفاعله مستحق لاسم النفاق وللعنة الله والملائكة والناس أجمعين"شرح صحيح البخاري لابن بطال5/362.

ومهما يكن قدر الغدر والخيانة إلا أنه يبقى قبيحًا تشمئز منه النفوس المجبولة على الفطرة والوفاء، وكما قال الإمام الذهبي: "الخيانة قَبيحة في كلِّ شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس مَن خانك في فَلْسٍ كمَن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم"كتاب الكبائر:149..


اقرأ أيضاً : العدل خلق عظيم لا يعرفه الغلاة


 

1 - انظر لسان العرب مادة ع هـ د
2 - مقاييس اللغة: 4-181
3 - التعريفات للجرجاني، ص 117
4 - مقاييس اللغة لابن فارس 6 / 129
5 - تحرير الكلام في مسائل الالتزام ص153
6 - الفروق في اللغة 421
7 - انظر لسان العرب، مادة (و ف ي)
8 - مقاييس اللغة، 6 / 133
9 - لتعريفات: 252.
10 - تهذيب الأخلاق: 24
11 - حديث صحيح رواه أحمد وابن حبان، عن أنس -رضي الله عنه-، وصححه الألبانيّ.
12 - صحيح البخاري: 2941، وصحيح مسلم: 1773
13 - انظر حكم الاعتداء على من أعطي له الأمان وما جزاء ذلك؟  http://islamicsham.org/fatawa/762 وحكم سداد دين الكافر المحارب: http://islamicsham.org/fatawa/508.13.
14 - صحيح البخاري: 3166
15 - صحيح مسلم: 1787
16 - إمتاع الأسماع للمقريزي: 9/12
17 - انظر لسان العرب مادة غ د ر
18 - تهذيب الأخلاق ص: 30
19 - الزواجر عن اقتراف الكبائر 1-182
20 - الكبائر 168.
21 - صحيح البخاري: 34، صحيح مسلم: 58.
22 - صحيح البخاري: 2227.
23 - صحيح البخاري: 6178، صحيح مسلم: 1735
24 - صحيح البخاري (4728)، وانظر: فتح الباري 8/425، وتفسير الطبري للآية
25 - انظر كتاب شبهات تنظيم الدولة والرد عليها، ص 311 وما بعدها.
26 - انظر مقال: (قطف الثمرة) فكرة تلخص مسيرة الجماعات "الجهادية" (1) للدكتور عماد الدين خيتي http://www.alabasirah.com/node/331
27 - للاستزادة انظر مقال: حول إمارة جبهة النصرة(5): القيادة السياسية لجبهة النصرة http://syrianoor.net/revto/17046
28 - مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945
29 - نفس المصدر السابق
30 - انظر نشير إلى مادة (هيئة تحرير الشام) وجه جديد للقاعدة يطعن الثورة السورية التي هي قيد المناقشة.
31 - مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945.
32 - مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتجية: http://www.umayya.org/publications-ar/reports-ar-ar/7945
33 - رواه البخاري
34 - رواه البخاري ومسلم
35 - شرح صحيح البخاري لابن بطال5/362
36 - كتاب الكبائر:149.

إضافة تعليق جديد