نحو مقاربة نموذجية لمواجهة خطاب الغلو والتطرّف في السياق السوري
امتلكت الحالة السورية بعدًا مركزيّا على المستوى الإقليمي والعالمي في صعود الغلو والتطرّف ونموّه بحكم الأحداث المتسارعة التي عصفت بالبلاد بعد قيام الثورة السورية الشعبية التي أصرّ النظام السوري على مواجهتها باعتبارها "تنظيمات إسلامية متطرّفة" منذ يومها الأول.
وبعد اشتداد الصراع المسلّح ظهرت مختلف التيارات المتطرّفة بقوّة، وأبرزها تنظيم "داعش" الذي استطاع السيطرة على ما يقارب 50% من مساحة سوريا في فترة من الفترات، مع قيامه بالاستفادة من ثروات سورية النفطية والزراعية المختلفة، إضافة إلى تنامي ظهور التنظيمات المتطرّفة الأخرى الأقل شأنًا من "داعش"، ثم ما لبث أن انحسر تنظيم "داعش" عن مناطقه السابقة، تحت تأثير جهود مواجهته من مختلف الأطراف، ومنها تجارب فصائل المعارضة السورية، وأدّى ذلك المشهد إلى عواقب مختلفة ومتنوعة.
إبّان ذلك، تحوّلت بعض الفصائل السورية المتأثرة بفكرة "الجهاد العالمي" العابر للحدود نحو رؤىً وطنية معتدلة نسبيًا وتدريجيًا، وفي ذات الوقت، بقيت محافظة إدلب والشمال السوري كمعقل أخير لفصائل المعارضة مع عدد من الفصائل والتنظيمات المتطرفة.
ويبدو من الأهمّية بمكان حشد كلّ الطاقات والخبرات السابقة لإنقاذ الشمال السوري من التأثير التدميري (الذاتي أو بوصفه ذريعة للتدخل العسكري) لفصائل الغلو على المدى القريب العاجل، إضافة إلى بحث سبل الاستفادة من الخبرات والدروس السابقة وصولًا إلى أفضل
الاستراتيجيات العملية في الخطابات السياسية والشرعية ضدّ الغلو والتطرف.
وفي هذا السياق: أقام مركز الحوار السوري، وبالتعاون مع مؤسسة قرطبة بجنيف ندوة حوارية ضمّت عددًا من الفاعلين السياسيين والشرعيين السوريين، حيث تم استعراض تجارب بعض أهم فصائل وهيئات المعارضة السورية في خطاباتها الفكرية والشرعية والسياسية ضدّ فكر الغلوّ والتطرّف، بهدف الاستفادة من تلك التجارب في رسم معالم طريق للوصول إلى مقاربة نموذجية في توجيه الخطاب ضدّ ذلك الفكر، وبهدف الوصول إلى توصيات تؤسّس لمقاربة متكاملة لمواجهة خطاب الغلوّ والتطرّف، من خلال فهم دورة حياة ظاهرة الغلو ونموّها والعوامل التي تسهم في تشكيل البيئات الحاضنة لها، واستعراض دور الخطاب الشرعي، وأثر تشكيل المرجعية الشرعية الموحّدة على نمو الغلو، بما في ذلك المقترحات الممكنة لتعزيز شرعية وتأثير المرجعية الشرعية الموحّدة وتفعيلها، إضافة إلى تحليل العوامل التي أدّت إلى تحوّلات بعض الفصائل
المتأثرة بـ "السلفية الجهادية" نحو الاعتدال النسبي.
وقد تم في الندوة استعراض ثلاث أوراق متنوّعة:
- الورقة الأولى بعنوان: دور المرجعية العلمية في مكافحة الغلو.
- الورقة الثانية بعنوان: معايير لتمييز جماعات المعارضة السورية المسلّحة المتطرّفة عن المعتدلة (موجّهة لصنّاع القرار).
- الورقة الثالثة بعنوان: قراءة في بعض تجارب فصائل المعارضة مع تنظيمات الغلوّ والتطرّف.
وقد أتيحت فرصة الحوار والمداولات بعد استعراض كلّ ورقة بين الحاضرين للندوة، والذين تنوّعوا بين ممثلين عن بعض فصائل المعارضة التي خاضت تجارب المواجهة المسلّحة والفكرية مع الغلو، ومتخصّصين من المرجعيات الشرعية التي واجهت خطاب الغلو، إضافة إلى عدد من الباحثين سياسيًا واجتماعيًا، وبعض ناشطي المعارضة السياسيين، ليتم بعدها التوافق على مجموعة من التوصيات العملية.
وقد أعدّ "مركز الحوار السوري" تقريرًا موضوعيًا ليضع القارئ الكريم في أجواء الندوة والنقاشات التي دارت فيها، وبهدف إيضاح السياق العام الذي أقيمت فيه الفعالية من خلال توضيح الأسباب التي دفعت إليها، وبيان أهميتها، والهدف منها، وتم وضعه هنا إلى جانب الأوراق والتوصيات لتشكيل صورة كاملة عن الندوة وسياقها ونتائجها.
إضافة تعليق جديد