العنف والتطرّف .. ودور الدعاة والمربين في مواجهتهما
ما إن تهدأ عاصفة العنف حتى تعود مرة أخرى بلون آخر، أو في مكان آخر، وهي ظاهرة ليست جديدة، فقد نشأت منذ عقود وتنوّعت أسماؤها وأساليبها، وتوزّعت على خارطة العالم الإسلامي.
للدعاة دور مهم في مواجهة العنف وأسبابه
وتكرّرُ هذه الظاهرة وتنوعُها يحمّلُ الدعاةَ إلى الله -عز وجل- مسؤوليةً عظيمةً في حماية مجتمعات المسلمين، واحتضان شبابها، وصرف عاطفتهم وطاقاتهم نحو المجالات الشرعية المنتجة.
ومما ينبغي الاعتناء به في موضوع العنف:
-
الوضوح والحسم في الموقف من تيارات الغلو، فمصلحة حماية الأمة وعقيدتها، وحماية شبابها من الهلاك تحت لواء الغلو أعلى وآكد مما يتوهّمه بعضهم من نكاية الغلاة ببعض أهل الكفر كالغزاة والمحتلين.
-
التنوّع في مداخل التعامل مع الظاهرة، فمِثل هذه الظواهر لا يمكن اختزال التعامل معها في مدخل واحد.
ومن بين مداخل التعامل معها ما يلي:
-
التأصيل الشرعي المقنع بلغة تخاطب المستهدفين المتأثرين بهذا الفكر، وتعنى بالإقناع أكثر من الهجوم والتأنيب.
-
المدخل الإصلاحي الذي يُعنى بإبراز الحلول الإصلاحية والبدائل المقنعة التي تصرف هؤلاء الشباب عن اللجوء للعنف.
-
المدخل البحثي الذي يُعنى بدراسة الظاهرة دراسة علمية، وتفكيكها وفهمها من الداخل بصورة أعمق.
-
المدخل الذي يستهدف صناعة الأفكار والحلول والبدائل الجديدة، فحجم الظاهرة أعقد من أن يُختزل التعامل معها من خلال أدوات محدودة ومكرورة.
-
مدخل يستهدف الحوار المقنع، ويسعى لاستنقاذ من يمكن إنقاذه من المتأثرين بهذا التيار.
-
العناية بالتربية الناضجة التي تنشئ جيلًا يصعب استدراجه للغلو والعنف، وهي تتطلّب الاعتناء بترسيخ الاعتدال في الشخصية والتفكير والمواقف، وتنمية التفكير والنقد والتقويم ليكون الشاب أقدر على فحص ما يواجهه من أفكار وشُبَه وإشكالات، والتخفيف من شحنة العاطفة التي تهيّء أرضية ملائمةً لدعاة الغلوّ، وتعزيز الانتماء لمجتمعات المسلمين والمسؤولية عنها، وعن استقرارها وأمنها، وتعزيز الواقعية والنظرة البعيدة المدى التي توسع من تقبل المشروعات الإصلاحية.
وتعظيمُ شأنِ الدماءِ وخطورةِ الاستهانةِ بتكفيرِ المسلمين، والبناءُ التربوي لن يتحقق بمجرّد تلقين مفردات تجريم الغلو وذمّ التكفير ونحو ذلك. وإن كان بيان الأحكام الشرعية في ذلك مهمًّا فهو يتطلّب بناءَ الشخصية الحصينة، القادرة على الاستعصاء على دعوات الغلو في ذاتها، وعلى نقدها وحماية الآخرين من التأثر بها.
إنّ مسؤولية الدعاة إلى الله عز وجل جسيمة وعظيمة، لا ينبغي أن يصرفهم عنها ارتباط الظاهرة بعوامل ليست من صنعهم، أو تأثّرها بالغلو في الفساد والتغريب، أو توظيف بعض المفسدين هذه الظاهرة للطعن في العمل الدعوي والخيري.
إنّنا مسؤولون عما نستطيع، ومما نستطيعه: التفكير والتحليل، والدراسة، وتطوير المشروعات والأفكار. ومما نستطيعه: تحمّل الأذى الذي يلحقنا من طرفي الغلاة: غلاة التكفير وإراقة الدماء، وغلاة التغريب والعلمنة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.
المصدر: مجلة البيان، العدد 266، شوال 1430هـ.
إضافة تعليق جديد