الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445 هـ

بحوث ودراسات

الخلل في فقه التكفير لدى جماعات الغلوّ والتطرف التشخيص والتصويب

28 ربيع ثاني 1440 هـ


عدد الزيارات : 5700
يوسف علي فرحات - نادية حسين الغول

 

مـقـدّمـة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

لا شكّ أنّ مسألة التكفير مسألة خطيرة سيما وأنّها في بعض الحالات تنعت المؤمن بالكفر وترميه بالباطل، وهي من المسائل التي تقتضي الانتباه لها والحذر منها، فلا يصحّ الحكم على أحد سواء جماعات أم أفراد بالكفر إلا إذا حكم الشارع عليه بذلك، فلابد إذن من التثبّت والتريّث قبل إصدار مثل هذا الحكم. ومع أنّ ظاهرة التكفير قديمة إلا أنّ هذا الوباء لا زال يسري في الأمّة، ولا زال يقع في كثير من الأحياء نتيجة لقصورٍ في الفهم، أو لعله إدراك في العلم أو نتيجة للتنطّع والتعنّت أو التعسّف والغلوّ في الدين، فالغلوّ ومجاوزة الحدّ قد يؤدي إلى الانحراف، وهو خلل كبير  يؤدّي في كثير من الأحيان إلى التكفير وما يتبع ذلك من آثار، لذا لا بد من معالجة هذا الأمر من خلال زيادة الوعي والفهم ،حيث إنّ أزمة الفهم تعدّ من أهم أسباب الغلوّ والتطرّف والذي يؤدي بدوره إلى الخلل في فقه التكفير.

 

مشكلة البحث:

إنّ الغلو والتطرف انتشر وتشعب ووقعت فيه العديد من الجماعات، وقد كان سببًا في خلل كبير أدى إلى كيل الاتهامات الباطلة بتكفير بعض الأفراد والجماعات، ويأتي هذا البحث لتسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة.

 

أهمية البحث:

يعالج هذا البحث مسألة مهمة من المسائل المتعلقة بالأمة كافة، وهي الخلل في التكفير لدى جماعات الغلو والتطرف، ويمكن بيان أهميته من خلال النقاط التالية:

  1. إنّ ظاهرة التكفير ظاهرة خطيرة تنعكس سلبًا على الأمة جميعًا.
  2. إنّ التكفير يجب أن يخضع لضوابط وقواعد تحكمه وتحد منه.
  3. إنّ الغلوّ في التكفير له أسبابه التي يجب معرفتها ومعالجتها.

 

أهداف البحث:

يمكن تحديد أهداف البحث في النقاط التالية:

  1. رسم تصور واضح عن التكفير ومدى خطورته.
  2. تسليط الضوء على أسباب الغلوّ في التكفير.
  3. بيان مظاهر الخلل في التكفير لدى جماعات الغلوّ والتطرف.

 

خطة البحث:

يتكون البحث من مقدمة ومبحثين، وخاتمة.

• المبحث الأول: التكفير: مفهومه، وخطورته وأسبابه.

ويشتمل على ثلاثة مطالب :

  • المطلب الأول: تعريف الكفر والتكفير لغة واصطلاحًا.
  • المطلب الثاني: خطورة التكفير والتحذير من فتنته.
  • المطلب الثالث: أسباب الغلوّ في التكفير.

 

• المبحث الثاني: مظاهر الخلل في فقه التكفير لدى جماعات الغلوّ والتطرف.

ويشتمل على سبعة مطالب:

  • المطلب الأول: التكفير بالشبهة.
  • المطلب الثاني: التكفير بلازم القول ومآل الكلام.
  • المطلب الثالث: التكفير بالمختلف عليه، وقاعدة من لم يُكَفِّر الكافر فقد كفر.
  • المطلب الرابع: الغفلة عن موانع تكفير الُمعّين.
  • المطلب الخامس: الخلل في التكفير بقاعدة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة
  • المطلب السادس: الغفلة عن الفرق بين التكفير المطلق، وتكفير الُمعّين.
  • المطلب السابع: الخلل في تكفير الحكام.

 

• الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج والتوصيات


لتحميل البحث بصيغة PDF اضغط هنا


المبحث الأول: التكفير: مفهومه، وخطورته وأسبابه

 • المطلب الأول: تعريف الكفر والتكفير لغة واصطلاحًا

الكفر لغة: التغطية، قال تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾ [الحديد: 20] فَسمِّي الفلاح كافرًا لتغطيته الحب، وسُمِّي الليل كافرًا لتغطيته كل شيء. ومنه الكفَّارات لأنها تكفر الذنوب أي تسترها. وسمي الكافر كافرًا لأنّه يغطي الحق ويستره. وقيل لأنّه يغطّي قلبه بكفرهانظر ابن منظور، لسان العرب، 5/145-147..

والكفر اصطلاحًا: يقول ابن تيمية في ذلك: "الكفر: عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به أو لم يعتقد شيئًا ولم يتكلم"ابن تيمية، المجموع الفتاوى، 20/86.​.

ويقول أيضًا: "إنّما الكفر يكون بتكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما أخبر به، أو الامتناع عن متابعته مع العلم بصدقه، مثل كفر فرعون واليهود ونحوهم"ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، 1/242..

فالكفرُ: اعتقادات، وأقوال، وأفعال سمّاها الشارع كفرًا منافيًا للإيمان بالكلية. فإذا كان الإيمان قولاً وعملاً، فكذا الكفر يكون قولاً وعملاً، وقد يكون الكفر قولاً قلبيًا كالتكذيب، وقد يكون عملاً قلبيًا كالبغض لما جاء به الرسول، وربما كان الكفر قولاً باللسان كالاستهزاء بالله -تعالى- وآياته أو رسوله، وتارة يكون عملاً بالجوارح كالسجود لصنم ونحوه.

يقول ابن القيم مقررًا ذلك: "الكفر ذو أصل وشعب، فكما أنّ شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر، والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان، وتركها من شعب الكفر، والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أنّ الطاعات كلها من شعب الإيمان"ابن القيم، الصلاة وأحكام تاركها، ص: 55..

والمراد بالتكفير في موضوعنا هذا هو: الحكم على الشخص بالخروج من الإسلام. لذا نصّ العلماء على أنّ الكفر حكم شرعي لما يترتب عليه من أحكام، يقول الإمام الغزالي: "الكفر حكم شرعي كالرق والحرية، إذْ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار"الغزالي أبو حامد، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ص: 26..

 

 • المطلب الثاني: خطورة التكفير والتحذير من فتنته

وإذا كان التكفير حكمًا شرعيًا فإنّه لا يكون الحكم على فكرة أو حادثة أو شخص بالكفر إلا من أهل العلم الموثوقين والمعتبرين، ولا يجوز للمسلم الإقدام عليه إلا ببرهان واضح ودليل قاطع، كما يجب عليه الاحتياط في ذلك، وكمال التثبت فيه، وضرورة التريث فيه إلى أبعد مدى كما في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: 94].

هذا وقد تضافرت النصوص من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك كلام العلماء في التحذير من الوقوع في هذا المنزلق الخطير، ومن ذلك:

أ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا)البخاري، صحيح البخاري، 8/26، رقم 6103.. أي باء بالإثم أحدهما، فإن كان صوابًا فالكافر آثم بكفره، وإن كان خطأ فالمكفّر آثم بتكفير من ليس كافرًا.

 

ب- عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ- وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا ليْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)مسلم، صحيح مسلم، 1/79، رقم 61.. أَيْ رَجَعَ عليه، ومنه قَول اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ﴾ [الانشقاق: 14]. أَيْ لن يَرْجِعَ حَيًّا.

 

ج- عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ)البخاري، صحيح البخاري8/26، رقم 6105..

 

وعلى هذا المنهج من الاحتياط والحذر من التكفير سار الرعيل الأول من السلف والخلف.

فقد أخرج أبو يعلى الموصلي في مسنده عَنْ أَبِي سُفْيَانَ -طلحة بن نافع- قَالَ: سئل جَابِر وَهُوَ مُجَاوِرٌ بِمَكَّةَ وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي فِهْرٍ: "هَلْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ مُشْرِكًا؟ قَالَ: معاذ اللَّهِ، فَفَزِعَ لِذَلِكَ. قَالَ: هَلْ كُنْتُمْ تَدْعُونَ أَحَدًا مِنْكُمْ كَافِرًا؟ قَالَ: لَا"الموصلي، مسند أبي يعلى4/207، رقم 2317..

 

ويقول أبو حامد الغزالي: "والذي ينبغي أن يميل المُحَصِّل إليه الاحتراز من التكفير ما وجد إليه سبيلاً. فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بقول لا إله إلا الله، محمد رسول الله خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم"الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص: 135..

وفي الخلاصة من كتب الحنفية "إذَا كان فِي المسألة وجوه تُوجب التكفير ووجه واحد يمنعه فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسنًا للظن بالمسلم"الدمشقي، محمد أمين، حاشية رد المختار 4/ 224.​.

 

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فإنّ الإيجاب والتحريم والثواب والعقاب والتكفير والتفسيق هو إلى الله ورسوله، ليس لأحد في هذا حكم وإنما على الناس إيجاب ما أوجبه الله ورسوله، وتحريم ما حرم الله ورسوله"ابن تيمية، مجموع الفتاوى 5/545.​.

 

ويقول الإمام الطحاويّ: "ولا نكفّر أحدًا من أهل القبلةِ بذنبٍ ما لم يستحلَّه"الطحاوي، متن العقيدة الطحاوية، ص: 60..

 

وعندما يقرر هؤلاء الأعلام وغيرهم خطورة هذه المسألة، فلا يعني تمييعها وإغلاق باب الردة بالحكم بإيمان من ظهر كفره بالدليل والبرهان، فهذا لا يقل انحرافًا وخطرًا عن تكفير مسلم وإخراجه من الملة، ولذا قال الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "وبالجملة فيجب على من نصح نفسه ألا يتكلم في هذه المسألة إلا بعلم وبرهان من الله، وليحذر من إخراج رجل من الإسلام بمجرد فهمه واستحسان عقله، فإن إخراج رجل من الإسلام أو إدخاله من أعظم أمور الدين، وقد استزل الشيطان أكثر الناس في هذه المسألة، فقصَّر بطائفة فحكموا بإسلام من دلت نصوص الكتاب والسنة والإجماع على كفره، وتعدى بآخرين فكفروا من حكم الكتاب والسنة مع الإجماع بأنه مسلم"عبد الرحمن بن محمد، الدرر السنية ،10/374..

 

والذي ينبغي أن نؤصله هنا: أنّ الحكم بالكفر على إنسان ما، حكم جد خطير، لما يترتب عليه من آثار -وهي غاية في الخطر- منها:

  1. أنه لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يُفرَّق بينهما، لأن المسلمة لا يصح أن تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقن.
  2. أنّ أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه، لأنه لا يؤتمن عليهم، ويخشى أن يؤثر عليهم بكفره، وبخاصة أن عودهم طري. وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي كله.
  3. أنّه فقد حق الولاية والنصرة على المجتمع الإسلامي بعد أن مرقَ منه، وخرج عليه بالكفر الصريح، والردة البواح، ولهذا يجب أن يُقاطع، ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع، حتى يفيق لنفسه، ويثوب لرشده.
  4. أنه يجب أن يُحاكم أمام القضاء الإسلامي، لينفذ فيه حكم المرتد، بعد أن يستتيبه ويزيل من ذهنه الشبهات ويقيم عليه الحجة.
  5. أنّه إذا مات لا تجري عليه أحكام المسلمين، فلا يُغسَّل ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يُورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورِّث له.
  6. أنّه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته، والخلود الأبدي في جهنمالقرضاوي، ظاهرة الغلوّ في التكفير، ص: 29-30..

 

 • المطلب الثالث: أسباب الغلوّ في التكفير

وأسباب الغلوّ كثيرة ومتعددة، و تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن زمان إلى آخر، كما أنها تختلف في طبيعتها، من فكرية، واجتماعية، واقتصادية، وأخلاقية.. إلخ. ونورد هنا بعض هذه الأسباب:

 

  • أولاً: ضعف البصيرة وقلّة التفقّه في الدين:

لا ريب أنّ من الأسباب الأساسية لهذا الغلوّ، هو ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وقلة البضاعة في فقهه، والتعمق في معرفة أسراره، والوصول إلى فهم مقاصده، واستشفاف روحه. وهذا ما عبَّر عنه شيخنا العلامة القرضاوي بقوله: "ولا أعني بهذا السبب: الجهل المطلق بالدين، فهذا في العادة لا يفضي إلى غلوّ وتطرّف، بل إلى نقيضه، وهو الانحلال والتسيب، إنما أعني به: نصف العلم، الذي يظن صاحبه به أنه دخل في زمرة العالِمين، وهو يجهل الكثير والكثير، فهو يعرف نتفًا من العلم من هنا وهناك وهنالك، غير متماسكة، ولا مترابطة، يُعنى بما يطفو على السطح، ولا يهتم بما يرسب في الأعماق، وهو لا يربط الجزئيات بالكليات، ولا يردّ المتشابهات إلى المحكمات، ولا يحاكم الظنيات إلى القطعيات، ولا يعرف من فنون التعارض والترجيح ما يستطيع به أن يجمع به بين المختلفات، أو يرجح بين الأدلة والاعتبارات. قال الحسن البصري رحمه الله: "العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلبًا لا تضروا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبًا لا تضروا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا"ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، 1/545.​.

قد يحمل الجهل الإنسان أن يندفع وراء عاطفته، وقد يكون هذا الإنسان غيورًا معظمًا للحرمات، شديد الخوف من الله عز وجل، فإذا رأى إنسانًا يعصي ولو كانت معصية صغيرة، لم يطق أو يتصور أن يكون هذا الشخص مسلمًا أو مغفورًا له أو من أهل الجنة لشدة غيرته فيؤدي به ذلك إلى لون من الغلوّ، أو يكون عنده محبة لرجل صالح مثلاً وأصل المحبة مشروع ولكن هذه المحبة بسبب الجهل زادت وطغت حتى وصلت إلى درجة الغلوّ في هذا الإنسان ورَفْعِهِ فوق منزلته"انظر: القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، ص: 51، وانظر: مقال: سلمان العودة، بعنوان: حقيقة التطرف، مجلة البيان، العدد 67.​.

 

  • ثانيًا: أحوال المجتمع:

يقول الشيخ سلمان العودة: "فمن الخطأ الكبير أن نعتقد أنّ المتطرف شجرة نبتت في الصحراء، لا، بل هو فرع عن شجرة، وهو جزء من مجتمع عاش فيه، ولهذا المجتمع في نفسه وتفكيره وعقله أعظم الأثر، فمثلاً: التطرف في الانحراف يؤدي إلى تطرف مقابل، سواء الانحراف الفكري أو الانحراف العملي، ولذلك فالذين يَجرّون المجتمعات الإسلامية إلى الفساد والانحلال الخلقي هم في الحقيقة من المتسببين في حصول الغلوّ، وإن أعلنوا الحرب عليه وعلى ما يسمونه بالتطرّف إلا أنّهم من أوّل المتسببين فيه، فمظاهر الرذيلة في المدرسة والجامعة والشارع والشاطئ والمتجر والحديقة والشاشة والإذاعة وغير ذلك إذا أقرها المجتمع وسكت عنها فإنّه يجب عليه أن يستعدّ للتعامل مع أنماط كثيرة من الغلوّ، فما بالك إذا كان دور المجتمع بكلّيته هو تشجيع مظاهر الانحراف ودعمها وحمايتها وحراستها وتبنيها، سيكون الأمر ولا شك أخطر، وقُلْ مثل ذلك في الأوضاع الثقافية والإعلامية، فمحاصرة فكرة من الأفكار مثلاً وإغلاق منافذ التعبير والكلام أمامها في مختلف الوسائل الإعلامية هو سبب لأن تتبلور لدى هذه المجموعة فكرة الغلوّ أحيانًا أو على الأقل: فكرة المواجهة والسعي لإثبات الذات. إنك تعجب من دول يرد في دساتيرها أنّ الدين هو الإسلام ثم لا تسمح للتعبير الإسلامي بأي قناة وربما اعتبرت إعلان الأذان في التلفاز نوعًا من الاقتحام الأصولي لأجهزة الإعلام"انظر: المرجع السابق، نفس الصفحة​..

 

  • ثالثًا: الهجوم العلني على الأمة الإسلامية:

إنّ ما يتعرض له العالم الإسلامي اليوم في فلسطين وأفغانستان، والعراق، وسوريا، وبورما من هجمة شرسة على أوطانه، ومقدساته، وما يشن على الأمة الإسلامية من حرب لا تخبو نارها، كل ذلك حرك عاطفة الغيرة عند الكثيرين. فهل يسع مسلمًا يؤمن بالأخوة الإسلامية، ويؤمن بأن المسلمين -وإن اختلفت أوطانهم وألسنتهم- أمة واحدة، يسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، وأنّ من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، أن يرى مآسي أمته في كل مكان، ويرى إخوانه في العقيدة معرضين للإبادة المادية بالتقتيل والتنكيل، ثم يصبح ويمسي قرير العين، ضاحكاً ملء سنّه، نائماً ملء جفنه؟ فأين أخوة الإيمان، ورابطة الإسلام؟

وأهم من ذلك: أنّه لا يجد من حكومات بلاده الإسلامية تجاوباً مع هذه القضايا العادلة، بل يجد الإعراض عنها، أو الوقوف مع خصومها، وتغليب المصلحة الإقليمية الضيقة، أو الاعتبارات العرقية الجاهلية، أو الارتباطات والولاءات للمعسكرات المختلفة، على الولاء لله ولرسوله ولدينه ولأمته ولقضاياهاانظر: القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، ص: 91-92.​.

 

  • رابعًا: استخدام العنف والقوة في مواجهة الصحوة الإسلامية:

لم تسلك كثير من الأنظمة الحاكمة في صراعها مع الصحوة الإسلامية وسائل حضارية، مثل الحوار، أو الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بل عمدت على الانقلاب على إرادة الشعب، ومواجهة الصحوة باستخدام العنف والتعذيب البدني والنفسي، داخل السجون والمعتقلات التي يساق الناس إليها بالسياط، ويعاملون فيها أدنى مما تعامل الحيوانات في الحظائر.

في داخل هذا الأتون المحمي لتعذيب البشر وُلِدَ التطرف، ونبتت فكرة التكفير، وَوَجدت في هذا الجو اللاهب عاملاً مساعدًا على الاستجابة لهاالمرجع السابق، ص: 99-100..

 

  • خامسًا: غياب دور العلماء الربانيين:

وإذا كان العلماء في جملتهم قلّة، فإنّ العلماء الربانيين أقل، ولاسيما في زماننا. وفي المقابل مُني العلم اليوم بجماعة من المتعالمين الذين خدعوا الناس بلباسهم وأشكالهم. لذا فإنّ المتأمل في المؤلفات والكتب والآراء التي يتبناها الغلاة، يجد أنّها صادرة عن هؤلاء المتعالمين، وهكذا نرى أنّ غياب العلماء الربانيين أفسح المجال لكي يتصدى للعلم رؤوس جهال إذا أفتوا ضلوا وأضلواانظر: اللويحق، عبد الرحمن ، مشكلة الغلوّ في الدين في العصر الحاضر ،552-554..

يقول الشيخ القرضاوي: "إنّ بعض الشباب إنما اعتمدوا على الكتب، لفقدانهم الثقة بأكثر المحترفين من رجال العلم، وخاصة المقربين من السلطان منهم، فهم عندهم في موضع الاتهام، لأنّهم يمالؤون الحاكم رغم علمهم بأنّه لا يحكم بما أنزل الله، وهم لم يكتفوا بأن يسكتوا عن أن يقولوا للظالم: يا ظالم، بل قالوا له: ما أعْدَلك وما أعظمك أيها البطل! فليتهم إذ سكتوا عن الحق لم ينطقوا بالباطل! فلا غرو أن وجدوا الأموات أوثق وآمن من الأحياء، فلجئوا إلى كتبهم يأخذون عنها دون وسيط"القرضاوي، مرجع سابق، ص: 73.​.

 

  • سادسًا: شيوع الظلم بشتى صوره وأشكاله:

إنّ ظلم الأفراد، وظلم الشعوب، وظلم الولاة وجورهم، وظلم الناس بعضهم لبعض، مما ينافي أعظم مقاصد الشريعة، وما أمر الله به وأمر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من تحقيق العدل ونفي الظلم، يغذي بصورة كبيرة مظاهر السخط والتذمر والحقد والتشفي في النفوس، مما يحمل الكثيرين، ولا سيما الشباب لسلوك بعض الطرق للتغيير، هي أقرب للثأر والانتقام منها للعلاج.

 

  • سابعًا: الشعور بالفقر والحرمان:

تكاد الدراسات الاجتماعية تجمع على أنّ الأوضاع الاقتصادية السيئة، والشعور بالحرمان تساهم بشكل كبير في دعم التعصب، ورفض الآخرين. والذي يتأمّل في أحوال المجتمعات المسلمة التي تظهر فيها مشكلة الغلوّ وغيرها من مشكلات العنف، يجد التفاوت الظاهر بين الفقر المدقع والثراء الفاحش، ويجد الفروق الطبقية بين أبناء المجتمع الواحد، وذلك نتيجة الكسب الحرام الذي زاد الغني غنىً، والفقير فقرًاانظر: اللويحق، عبد الرحمن، مشكلة الغلوّ في الدين في العصر الحاضر ،2/535-540..

 

المبحث الثاني: مظاهر الخلل في فقه التكفير لدى جماعات الغلوّ والتطرف

 • المطلب الأول: التكفير بالشبهة

التكفير بالشبهة: هو إخراج المكلف من ملة الإسلام بطريق غير يقيني، كالظن وغيره.

إنّ كثيرًا ممن تلبسوا بالغلوّ في التكفير يكفرون بالشبهة، حيث إنّ سبيلهم في ذلك التكفير مع عدم ثبوت البينة ثبوتًا شرعيًا كاملًا.

  • التصويب والتوضيح:

إنّ التكفير عند أهل الحق لا يكون إلا بعد تحقق الناقض وانتفاء المانع وزوال الشبهة وقيام الحجّة، وقد أمرنا الله –تعالى- بذلك، فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [النساء:94]. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:6].

فأهل السنة والجماعة يحكمون على العبد بما ظهر منه وثبت عليه، وشعارهم في ذلك نحن نحكم على الناس بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر.

ولذلك حَكى عددٌ من الأئمة أنّ التكفير لا يكون إلا بقاطع، واشتهرت عبارة كررها الكثير من أهل العلم بلفظها أو معناها، وهي قولهم: "من دخل الإسلام بيقين، لم يخرج منه إلّا بيقين".

"والأدلة في ذلك أكثر من أن تُحصى: أنّ من دخل الإسلام بالشهادتين، فقد ثبت له حكم مُتيقنٌ بأنّه مسلم، نُلغي لهذا اليقين الحكمي دلالة القرائن كلها مهما قويت، ما دامت لم تبلغ القطع الذي لا احتمال معه ولو على ضعف يرفع ذلك الحكم، فهذا هو ما قطعت به الأدلة القطعية من الكتاب والسنة والإجماع ... وهذا الحكم لا علاقة له بقلب المعين وما في صدره، فقد يكون قلبه مُضمرًا النفاق متسترًا بالكفر، لكننا لم نؤمر بالتنقيب عن القلوب، ولا يمكننا ذلك، ولا أمرنا بملاحظة القرائن والشواهد التي تدل على عدم صدقه، بل أمرنا بترك كل ظن أمام يقين حكم إثبات دخوله في الإسلام بظاهر نطقه بالشهادتين، تسليمًا لأمر الله تعالى ورضًا بحكمه، الذي أمرنا بإنزال النطق بالشهادتين منزلة اليقين على غيبها وإن جهلنا هذا الغيب"العوني، الشريف حاتم ،تكفير أهل الشهادتين، موانعه ومناطاته، ص: 27-28..

وقال ابن بطال: "من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يحكم له بالخروج منه إلا بيقين"ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 8/585..

وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أنّ أحدًا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام،  وخالفهم أهل البدع. فالواجب في النظر أن لا يُكفَّر إلا من اتفق الجميع على تكفيره أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة"ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 17/21-22..

وإذا تبين أنّ من دخل الإسلام بيقين، لم يخرج منه إلا بيقين، فإنّ هذا اليقين الذي يدخل فيه هو النطق بالشهادتين، إذ النطقُ بهما يعصمُ الدم والمال، ويوجب لصاحبه حق الإسلام كاملاً.

 

 • المطلب الثاني: التكفير بلازم القول ومآل الكلام:

من مظاهر الخلل في فقه التكفير: التكفير بلازم القول ومآل الكلام. وهو إخراج المكلف من ملة الإسلام بما لم يصرح به واتهامه بنيته.

  • التصويب والتوضيح:

قال الإمام الشاطبي: "الذي كنّا نسمعه من الشيوخ أنّ مذهب المحققين من أهل الأصول: أنّ الكفر بالمآل ليس بكفر في الحال. كيف والكافر ينكر ذلك المآل أشدّ الإنكار ويرمي مخالفه به؟ فلو تبين له وجه لزوم الكفر من مقالته لم يقل بها على حال"الشاطبي، الاعتصام، 2/70..

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية، هل لازم المذهب مذهب أم لا؟ فأجاب: "وأما قول السائل: هل لازم المذهب مذهب أم ليس بمذهب؟ فالصواب: أنّ لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنّه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبًا عليه، بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال غير التزامه اللوازم التي يظهر أنّها من قبل الكفر والمحال"ابن تيمية، مجموع الفتاوى،20/217..

وخلاصة الأمر أنّ الذي عليه أهل العلم أنّ لازم القول ليس بلازم لصاحبه.

وهنا يحسن التنويه: أنّ مآل الكلام أو لازم القول له ثلاث حالات:

  • الحالة الأولى: أن يذكر اللازم للقائل، فيلتزمه فحينها يعد قولاً له.
  • الحالة الثانية: أن يذكر له اللازم فينفي التزامه به، فهذا ليس قولاً له، وإضافته إليه كذب عليه.
  • الحالة الثالثة: أن يكون اللازم مسكوتًا عنه فلا يُلزم به ولا يُنفى عنه، فحكمه التوقف في شأنه، لأنه يحتمل لو ذكر له أن يلتزم به أو يمنع التلازم، ويحتمل لو ذكر فتبين له لزومه وبطلانه أن يرجع عن قوله.

 

 • المطلب الثالث: التكفير بالمختلف عليه، وقاعدة من لم يُكَفِّر الكافر فقد كفر:

التكفير بالمختلف عليه: هو التكفير على أمر في باب العقيدة ليس بمُجمعٍ عليه في جانب من جوانبه المختلف فيها عند أهل العلم المعتبرين.

فمن مظاهر الخلل في فقه التكفير، عند جماعات الغلاة والتكفيريين، أنّهم يكفرون بالمختلف فيه، بل الأدهى والأمر، أنّهم يريدون أن يحملوا غيرهم على هذا القول، فإن لم يوافقوهم بالقول حكموا عليهم بالكفر انطلاقًا من قاعدتهم المبتورة: "من لم يكفر الكافر فهو كافر".

 

  • التصويب والتوضيح:

إنّ قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر) في أصلها صحيحة، ولكنّها مبتورة، والأصل أن يُقال: (من لم يُكفِّر الكافر المجمع على كفره فقد كفر).

فقد غفل هؤلاء عن أنّه ليس من الضروري إذا حكم عالم على إنسان بأنّه كافر أنّه كافر عند غيره من العلماء. ومما يؤكّد ذلك: ما وقع من خلاف بين أهل العلم في الحكم على تارك الصلاة تكاسلًا، حيث من كفَّر تارك الصلاة تكاسلًا لم يكفرِّ من لم يكفرِّه، وكذلك الحكم على بعض الفرق الضالة كالخوارج والمعتزلة وغيرهم، وكذلك الخلاف في الحكم على الحجاج بن يوسف الثقفي حيث كفَّره بعض السلف الصالح -رضي الله عنهم- في الوقت الذي كان هناك فريق كبير من السلف الصالح -رضي الله عنهم- يحكمون للحجاج بن يوسف الثقفي بالإسلام ولا يكفِّرونه، ويصلّون خلفه، كأنس بن مالك وعبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهم- وهذا دليل على أنّهم لا يرون كفره، لأنّ الصلاة خلف الكافر لا تجوز باتفاقانظر: ابن أبي شيبة ، مسألة تكفير بعض السلف، من كتاب الإيمان، ص: 66-67..

وهذه القاعدة: تبين وجهًا من وجوه خلل التكفير، الذي به كُفّرت الشعوب والحكومات، بحجة: من شك في كفر الكافر فهو كافر، أو من لم يكفر الكافر فهو كافر.

 

 • المطلب الرابع: الغفلة عن موانع تكفير المعين

من مظاهر الخلل عند جماعات الغلوّ والتكفير غفلتهم عن موانع التكفير، وهذه مجازفة ورَّطتهم في تكفير كثيرٍ من المسلمين.

  • التصويب والتوضيح:

من رحمةِ الله تعالى بخلقه: التماسه الأعذار لهم، كيف لا وقد خلقهم، وركّب فيهم الضعف والنقص، من الخطأ والنسيان والجهل. وقد جاء في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنْ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ)مسلم، صحيح مسلم، 4/2114، رقم 2760..

ولمـَّا كان الحكم بالكفر يلزم منه لوازم عدّة، ويبنى عليه أحكام كثيرة، ذكر أهل العلم ما يمنع منه، ويقدحُ في الحكم به، وبحثوا في ضوابط كل منها، وجملتها:

 

  • أولَا: الجهل

ومن أدلة العذر بالجهل: قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾ [النساء:115]، وقوله تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيمًا﴾ [النساء:165]، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ [الأنعام:131].

وأما الأحاديث:

  1. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا، قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلْأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ، يَا رَبِّ، أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ)المرجع السابق 4/2017، رقم 2756.​.

قال ابن تيمية رحمه الله: "كثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يُبَلِّغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أنّ من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم"ابن تيمية، مجموع الفتاوى11/407.​.

 

  1. عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ مَرَّ بِشَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ، يُعَلِّقُ الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: 138]، لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْابن حنبل، مسند أحمد36/231، رقم 21900، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. الترمذي، سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب: لتركبن سنن من كان قبلكم، 4/475، رقم 2180، وقال حسن صحيح.​.

 

ومن أقوال أهل العلم في العذر بالجهل:

قال الإمام الشافعي: "لله أسماء وصفات لا يسع أحدًا ردّها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنّه يعذر بالجهل، لأنّ علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية والفكر"ابن حجر، فتح الباري 13/407..

 

ويقول الإمام ابن القيم: "وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل"ابن القيم، طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص: 414.​.

وهكذا تبيّن أنّ العذر بالجهل دلت على وجوبه النصوص الشرعية، وأقوال العلماء، وعدم اعتباره مؤدٍ إلى تكفير أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما جهلوه، وإذا كان الجهل عذرًا في الصدر الأول فهو من باب أولى مما يُعذر به الناس في عصور طغت عليها الجهالة، وعزّ فيها العلماءالسَّقار، التكفير وضوابطه، ص: 69.​.

 

  • ثانيًا: الخطأ

قال الجرجاني في تعريف الخطأ: "هو ما ليس للإنسان فيه قصد، وهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى إذا حصل عن اجتهاد، ويصير شبهة في العقوبة حتى لا يُؤثّم الخاطئ، ولا يؤاخذ بحدٍّ ولا قصاص، ولم يجعل عذرًا في حق العباد حتى وجب عليه ضمان العدوان، ووجبت به الدية، كما إذا رمى شخصًا ظنّه صيدًا أو حربيًا"الجرجاني، التعريفات، ص: 100..

هذا وقد دلّت النصوص من القرآن والسنة على عدم المؤاخذة بالخطأ، ومن ذلك:

  1. قال تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾[الأحزاب:5].

قال محمد الطاهر بن عاشور: "ووقوع جناح في سياق النفي بـ ليس يقتضي العموم، فيفيد تعميم انتفاء الإثم عن العمل الخطأ بناء على قاعدة عدم تخصيص العام بخصوص سببه الذي ورد لأجله، وهو أيضًا معضودٌ بتصرّفات كثيرة في الشريعة"ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، 21/265.​.

 

  1. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ﴾[البقرة: 284]، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا قَالَ: فَأَلْقَى اللهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾[البقرة: 286] "قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ" ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾[البقرة: 286] "قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ" ﴿وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ [البقرة: 286] "قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ"مسلم، صحيح مسلم:1/116، رقم 126..

 

  1. عنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)ابن ماجه، سنن ابن ماجه، 3/199، رقم 2046، وقال عنه ابن كثير في تحفة الطالب اسناده جيد ، وضعفه الالباني في الارواء..

والخطأ ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: خطأ في القول:

وهذا يبيّنه حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي، وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ)مسلم، صحيح مسلم 4/2102، رقم 2747..

فالنبي -صلى الله عليه وسلم- شهد لقائل كلمة الكفر وهي: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" بالخطأ، وذلك لأنّ القائل أراد مدح الله تعالى فوقع في خلاف ذلك من جهة اللفظ، حيث إنّه كان مشرفًا على الموت، فطغى عليه شدّة الفرح لما رأى نجاة نفسه من الهلاك.

 

القسم الثاني: خطأ في الفعل:

مثال ذلك: أن يدوس المسلم بقدمه أو رجله على المصحف الشريف دون قصد منه، أو عدم رؤيته له حال دَوْسه عليه، أو عدم علمه بأنه كتاب الله تعالى.

 

  • ثالثًا: العذر بالتأويل

قد يقع المسلم في الكفر لتأويل خاطئ، أو فهم مغلوط للنصوص، فيقع في الخطأ، وهو لا يقصده. وهذا النوع في الحقيقة فرع عن العذر بالخطأ، لكنّه لفرط أهميته وتميّز بعض صوره عن الخطأ استحقّ أن يفرد بالذكر.

والمخطئ في فهم النصوص المتأول لبعضها على معان خاطئة مجتهد أخطأ في فهم مراد الشارع، فإن كان تأوّله مع بذله الجهد، واستفراغ الوسع، فهذا مجتهد أخطأ في اجتهاده، وهو موعود بالأجر على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)البخاري، صحيح البخاري،9/108،7352..

ولعلّ أهم أدلة عذر السلف لمن أخطأ في التأويل: عُذْرَهم قُدامةَ بن مظعون وأصحابه حين شربوا الخمر مستحلّين شربها، لغلطهم في فهم معنى قوله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: 93]. واعتقادُ جوازِ شربِ الخمرِ كفر، لكن بسبب التأوّل لم يكفرهم عمر -رضي الله عنه- ولا الصحابة، بل بيّنوا لهم معنى الآية، واستتابوهم من استحلالها، وعاقبوهم على شربها "انظر: ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، ص: 316..

ومن أمثلة توقّف السلف وامتناعهم عن تكفير المتأول: توقّف الصحابة في تكفير الخوارج، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنصّ والإجماع لم يُكفّروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحلّ لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضًا، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنّهم جميعًا جُهَّال بحقائق ما يختلفون فيه"ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 3/282-283..

"وهكذا فإنّ الخطأ الذي يسببه التأويل مما لا يُكفَّر به المسلم، لأنّ الحكم بكفره مبني على الجزم بتعمّده جحد ما جحد من الدين، وعدم خطئه، و"قد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ، والظاهر أنّ أهل التأويل أخطأوا، ولا سبيل إلى العلم بتعمّدهم، لأنه منْ عِلْم الباطن الذي لا يعلمه إلا الله تعالى"المرجع السابق، نفس الصفحة..

 

  • رابعًا: الإكراه

ومن الموانع التي تمنع تكفير المسلم إذا ارتكب مكفّرًا: الإكراه، إذ قد يُكرهُ المسلم على أمر هو من الكفر، لكن لا مخرج منه، فهذا مما يَعْذُرِ الله به عباده، فإنّ التكاليف الشرعية منوطة بالاستطاعة، والإكراه أمر خارج عنها، لذا فإنّ الله لم يكلف به عباده رحمة منه وفضلاً.

هذا وقد عرَّف ابن حجر العسقلاني الإكراه بقوله: "هو إلزام الغير بما لا يريده"ابن حجر، فتح الباري، 12/311..

والدليل على الإعذار بالإكراه مقرّر بالكتاب والسنة. فمن القرآن قوله تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[النحل: 106].

ومن الأدلة من السنة النبوية: ما رواه ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)ابن ماجه، سنن ابن ماجه،3/199، رقم 2046. وقال محققوه: صحيح..

قال ابن حجر العسقلاني معلّقًا على الحديث: "وهو حديث جليلٌ، قال بعض العلماء: ينبغي أن يُعدَّ نصفَ الإسلام، لأنّ الفعل إما عن قصد واختيار أو لا، والثاني ما يقع عن خطأ أو نسيان أو إكراه، فهذا القسم معفو عنه باتفاق"ابن حجر، فتح الباري، 5/161..

 

 • المطلب الخامس: الخلل في التكفير بقاعدة إنكار المعلوم من الدين بالضرورة

ومظهر الخلل في فهم هذه القاعدة والتعامل معها: أنّها ربما تفتح بابًا يلج منه التكفيريون، مُؤيّدًا في ظاهره بالقواعد العلمية. فبهذه القاعدة سوف تُكفِّر كل طائفة الطائفة الأخرى، وكل مذهب المذهب المخالف، بزعمهم أنّهم قد أنكروا معلومًا من الدين بالضرورة، وهو في أصدق أحواله وأحسنها: معلوم بالضرورة عند المكفِّرين بكسر الفاء لا عند المكفَّرين بفتح الفاء.

  • التصويب والتوضيح:

إنّ هذه القاعدة: تكون صحيحة إذا روعي فيها: أن يكون المُنكِر يَعرفُ كونها من الدين، فيكون تكفيره بعد التيقّن من معرفته كونها من الدين: إما للتكذيب، أو لاعتقاده عدم وجوب الطاعة عنادًا أو إعراضًا، أو عدم يقين بالشهادتين كالشك، لأنّه لا معنى للإنكار في هذه الحالة إلا ذلك.

وفي زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنكر قدامة بن مظعون -رضي الله عنه، وهو من أهل بدر- التحريمَ المطلقَ لشرب الخمر، فشربها، حتى سَكِرَ، متأولاً آيةً في كتاب الله تعالى، فأقام عمر الحدَّ عليه، ولم يكفّره بإنكاره هذا الأمر المعلوم من الدين بالضرورة، ولا عَذَره في تأوله إعذارًا مطلقًاالنسائي، السنن الكبرى 5/138، رقم 5270..

ومن الصحابة من كان يُنكر قرآنية المعوذتينهو عبد الله بن مسعود. وقد روى الإمام أحمد في المسند بإسناده صححه محققوه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ، "يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ" 35/117، رقم 21187.​، وآخَر منهم كان يضيف في القرآن دعاءين للنبي صلى الله عليه وسلم، ويسمّيهما سورتي الحفد، والخلع، ولعلّها من منسوخ التلاوةانظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن،1/223..

ومن العلماء من أنكر بعض القراءات المتواترة، ومع ذلك لم يكفّرهم أحدٌ بإنكار معلوم من الدين بالضرورة.

وسبب عدم تكفير أهل الشهادتين بإنكار معلوم من الدين بالضرورة: هو أنّ شرط صحّة هذا التقرير أن يكون الذي ينكر المعلوم من الدين بالضرورة ينكره وهو يعلم يقينًا أنّه من الدين، أمّا إذا كان إنكاره ناشئًا عن جهل بسيط (عدم علم)، أو عن جهل مركب (تأوّل)، فهذا لا يَكفُر، ولا يجوز أن يُكـفَّر. ويدل على ذلك حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- في الصحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ، حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ. وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي لَيْلَةٍ، فَلَا يَبقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ، وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ، الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ، يَقُولُونَ: أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَنَحْنُ نَقُولُهَا". فَقَالَ لَهُ صِلَةُ بن زفرصلة بن زفر الكوفي، تابعي كبير ثقة، فضل، يروي عن علي وابن مسعود وعمار، حدث عنه أبو إسحاق وأيوب السختياني.: مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ ثَلَاثًا، كُلَّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ حُذَيْفَةُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: يَا صِلَةُ، تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ، ثَلَاثًا)ابن ماجه، سنن ابن ماجه،5/173، رقم 4049، وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط. وأخرجه الحاكم في المستدرك، 4/587، رقم 8636، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي..

فالحديث يبيّن: أنّه سيأتي زمان على المسلمين لا يعرفون فيه إلا الشهادتين، فلا يعرفون صلاة ولا زكاة وصومًا ولا حجًا، وتنجيهم مع ذلك كله الشهادتان فقط، لعدم علمهم بهذه الأمور المعلومة من الدين بالضرورة عند عموم المسلمين اليوم، فما البال بغير هذه الأمور مما يُتصور تخلّف العلم الضروري به لبعض الأشخاص جهلاً بسيطًا، أو مركبًا.

ولذلك لمـَّا أطلق الإمام القرافي القول بتكفير منكر المعلوم من الدين بالضرورة: تعقّبه ابن الشاط المالكي بقوله: "قلت: هذا كفر إن كان جحده بعد علمه فيكون تكذيبًا، وإلا فهو جهل، وذلك الجهل معصية، لأنّه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب"القرافي، أنوار البروق في أنواء الفروق، 4/116..

وأما حصر إعذار المنكِر للمعلوم من الدين بالضرورة بمن نشأ ببادية بعيدة أو كان حديث عهد بإسلام فهو حصر لا يصدر إلا ممن لم يدرك مأخذ المسألة ولم يفقه أصلها الذي بُنيت عليه أولًا، وهو العذر بالجهل لذات الجهل، وهذا أوّل سبب لتخطئة هذا الحصر، وهو أنّه يجعل أسباب الجهل منحصرة في سببين بلا دليل ولا معنى ولا مراعاةِ واقعٍ مشاهد. ثانيًا: لأنّ العذر إنما هو الجهل نفسه، وليس هو سبب الجهل، فكيفما وجد الجهل الحقيقي فهو سبب للإعذار بعدم التكفيرالشريف حاتم بن عارف العوني،  تكفير أهل الشهادتين، بتصرف ، ص: 74-82..

 

 • المطلب السادس: الغفلة عن الفرق بين التكفير المطلق، وتكفير المعين.

التكفير العام: هو الحكم بالكفر على القول أو الفعل أو الاعتقاد الذي ينافي أصل الإسلام ويناقضه، وعلى فاعليها على سبيل الإطلاق، بدون تحديد أحد بعينه.

أمّا تكفير المعين: فهو الحكم على المعين بالكفر، لإتيانه بأمر يناقض الإسلام بعد استيفاء شروط التكفير فيه، وانتفاء موانعهانظر: المشعبي، منهج ابن تيمية في مسألة التكفير،1/193.​.

  • التصويب والتوضيح:

إن من أسباب الغلوّ في التكفير الجهل بالفرق بين كفر العموم أو المطلق، وكفر الخصوص أو العين. حيث إنّ الغلاة في التكفير لا يعلمون أنّ التكفير العام لا يلزم منه التكفير الخاص، أو كفر النوع لا يلزم منه كفر العين، فعندهم مثلًا: كل من سبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كافر، دون أن يلتفتوا إلى دراسة حالته على وجه الخصوص، فلعله يظهر لهم بعد ذلك بأنّه ليس كافرًا بالله تعالى، لتحقق مانع من موانع التكفير عنده كالإكراه مثلًا.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "إنّ القول قد يكون كفرًا فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر، لكنّ الشخص المعين الذي قاله لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا كما في نصوص الوعيد، فإن الله -سبحانه وتعالى- يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[النساء: 10]، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حقّ، لكنّ الشخص المعين لا يُشهد عليه بالوعيد، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرّم، وقد يُبتلى بمصائب تُكفِّرُ عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع.

وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها: قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهدًا في طلب الحق وأخطأ فإنّ الله يغفر له خطأه كائنًا ما كان سواء كان في المسائل النظرية أو العملية"ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 23/346..

 

 • المطلب السابع: الخلل في تكفير الحكّام

لعل قضية الحكم بغير ما أنزل الله من أهم القضايا التي زلّت بها الأقدام في مسألة التكفير، إذ أدّت بالبعض إلى تكفير كل حاكم بغير ما أنزل الله من غير تفريق بين صنوفه المختلفة، كما ذهب بعضهم: إلى تكفير الحاكم المعيّن منهم دون نظر لما قد يكون عليه من جهل، أو إكراه أو إيمان بحكم الله -عزّ وجلّ- مع وجود بعض الأعذار التي تنقل حكم هذا الفعل من الكفر المخرج عن الملة إلى الكفر غير المخرج من الملة.

  • التصويب والتوضيح:
  • أولاً: ما هو حكم الله تعالى؟

كل ما خاطب الله تعالى به المكلّفين يُسمى حكمًا من أحكام الله تعالى، سواء كان على جهة الوجوب، أو الندب، أو التحريم أو الكراهة.

وهذه الحاكمية الإلهية، لا تعني نفي وجود حاكميةٍ للبشر، فالإنسان حاكم، وله حاكمية الخليفة، وحاكميته هذه هي حكم إلهي، بدونها لا يتحقق حكم الله في الاستخلاف. وقد قال ابن حزم الظاهري في المحلى عبارته الجامعة وكلمته البليغة في تقرير الحاكمية للإنسان المستخلف: "إنَّ من حكم الله تعالى أن يجعل الحكم لغير الله"عمارة، إزالة الشبهات عن معاني المصطلحات، ص: 344.. فإنَّ وجود حاكميات بشرية متعددة في إطار حاكمية الشريعة الإلهية الواحدة، وذلك بتعدد الاجتهادات فيما يرد فيه الاجتهاد: هي إحدى حقائق الشرع الإلهي والفقه الإسلامي في هذا الميدانالمرجع السابق، ص: 339-354..

 

  • ثانيًا: وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى:

إنّ الحكم بما أنزل الله حق لله تعالى، وإنّه من أخصّ خصائص الألوهية التي هي حقّ لله بموجب ربوبيته ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]. وقال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]. لذا فإنّ النكول عن تحكيم شرع الله إلى شرع غيره عبادةٌ للطاغوت، وصورة من صور الشرك بالله العظيم.

وقد جعل الله التحاكم إلى شرعه والانقياد لأمره ميزانًا يستبين فيه الإيمان من النفاق، فحال المنافقين كما قال الله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾[النور: 47 – 50].

وأما المؤمنون فإنّ حالهم مختلف ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51]. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36]انظر: السقار، التكفير وضوابطه،  ص: 103-104.​.

"فهذه الآيات المحكمات من كتاب الله تعالى، واضحة الدلالة على أنّ الإذعان لحكم الله تعالى ورسوله جزء لا يتجزأ من الإيمان، وأنّه لا يُتصور من مؤمن يُدعى إلى حكم الله ورسوله إلا أن يقول: سمعنا وأطعنا. وقد أقسم الله تعالى على نفي الإيمان عن كل من لم يُحكِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع الرضا والقبول والتسليم كل التسليم"القرضاوي، من فقه الدولة، ص: 103..

 

  • ثالثًا: آيات سورة المائدة:

ومن الآيات الواضحات المحكمات التي توجب العمل والإذعان لحكم الله ورسوله، بل إنها دمغت من لم يحكم بما أنزل الله تعالى بالكفر والظلم والفسق: آيات سورة المائدة، والتي عرفت واشتهرت بآيات الحاكمية، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 44، 47].

وهذه الآيات مما تباينت في معناها الأنظار قديمًا وحديثًا، وهي التي تسلّح بها جماعات الغلوّ والتكفير، فأشهروها في وجه الحكام، وأطلقوا من خلالها الحكم بتكفيرهم، في غفلة عن الفهم العميق لهذه الآيات للعلماء الراسخين سلفًا وخلفًا.

وقبل أن أذكر القول الراجح في معناها، أعرض خلاصة مجملة لما ذكره شيخ المفسرين محمد بن جرير الطبري من أقوال السلف في تفسير وتأويل هذه الآيات:

القول الأول: أنّ الآيات الثلاث نزلت كلها في الكافرين.

القول الثاني: نزلت كلها في أهل الكتاب، وهو مروي عن عكرمة تلميذ ابن عباسالطبري، جامع البيان في تأويل آيِ القرآن10/351.. وهو الذي رجّحه الإمام الطبري.

القول الثالث: نزلت كلها في اليهود، وهو مروي عن قتادة بن دعامة.

القول الرابع: "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" يعني اليهود، "فأولئك هم الظالمون" يعني اليهود، "فأولئك هم الفاسقون" للكفار كلها.

القول الخامس: عن عامر الشعبي، قال: "الكافرون"، في المسلمين، و"الظالمون" في اليهود، و"الفاسقون"، في النصارى.

القول السادس: ليس بكفرٍ ينقل عن الملّة، أو ليس كفرًا بالله وملائكته وكتبه ورسله، أو كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وهو مروي عن ابن عباس، وعطاء وطاووسالمرجع السابق، 10/355..

القول السابع: نزلت في أهل الكتاب، وهي مرادٌ بها جميعُ الناس، مسلموهم وكفارهم، فعن إبراهيم النخعي: قال: "نزلت في بني إسرائيل، ورضي لكم بها"المرجع السابق، 10/356..

القول الثامن: من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به فهو كافر، أما "الظلم" و"الفسق"، فهو للمقرِّ به. وهذا مروي عن ابن عباسالمرجع السابق 10/346- 357..

والذي يترجح فهمه من هذه الأقوال:

 

أولاً: أنّ هذه الآيات نزلت في أهل الكتاب، لكنَّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولولا ذلك لتعطّلت أحكام كثيرة. كما أنّ القول: بأنّها خاصة بأهل الكتاب، يتنافى مع عدل الله تعالى، لأن معناه أنّ الله تعالى يكيل بمكيالين، كيل لأهل الكتاب، وكيل للمسلمين، مع أنّ الله تعالى لا يُعامل عباده بالعناوين والأسماء، بل بالإيمان والأعمالانظر: القرضاوي، من فقه الدولة، ص: 105-110.​.

ثانيًا: أمّا ما ذهب إليه ابن عباس: من أنّه كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق، فعلى هذا فالحكم بغير ما أنزل الله منه ما هو كفر عمل، ومنه ما هو كفر اعتقاد.

وخلاصة الأمر في هذه المسألة: أنّ الحكم بغير ما أنزل الله تعالى: ظلم ومعصية، ولا يكون كفرًا إلا إذا نشأ عن معتقد كفري ينقض دلالة الشهادتين، وهذا المعتقد لا يمكن أن نعرفه إلا من قول يدلّ عليه، أو من عمل كفري آخر يدل على أنّ صاحبه غير مسلم.

ومن أمثلة المعتقدات الكُفرية التي يمكن أن ينشأ عنها الحكم بغير ما أنزل الله تعالى:

  1. اعتقاد عدم وجوب طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.

  2. جحود الحكم وردّه مع العلم بأنه بلاغ رسول الله، تكذيبًا له صلى الله عليه وسلم.

  3. جحوده على معنى اعتقاد أنّه حكم باطل ظالم مع علمه أنّه حكم الله تعالى، وهو الاستحلال الكفري هنا أيضًا.

  4. ردّ حكم الله تعالى في كل شيء، حتى في التوحيد، فيكون سبب الحكم بغير ما أنزل الله تعالى: هو الشرك بالله تعالى وعدم اعتقاد انفراده سبحانه بالملك والأمر والحكم.

  5. اعتقاد أنّ الحكم المغاير لحكم الله خير من حكم الله تعالى، أو مثله في الخيرية، لأنّ هذا انتقاص كفري من خصائص الربوبية، حيث ساوى صاحب هذا الاعتقاد بالخالق تعالى خلقًا من خلقه في العلم والحكمة والعدالةانظر: العوني، تكفير أهل الشهادتين، ص: 120-121..

 

وأخيرًا فإنّ من مظاهر الخلل عند جماعات التكفير: أنّهم لا يتصورون للحكم بغير ما أنزل الله تعالى إلا مدلولاً واحدًا، وهو أن يتعلق ذلك بالحاكم أو متولي السلطة. وغفلوا أنّ الانحرافات التي تقع من آحاد الناس والمخالفات الشرعية على اختلافها هي أيضًا حكم بغير ما أنزل الله تعالى.

ولكن هل يدخل هؤلاء بموجب هذه التصرفات والمخالفات في دائرة الردّة والكفر؟

والجواب: إنّ هذه التصرفات والمخالفات إذا اقترن بها برهان قطعي على الإنكار والجحود الاعتقادي، أو السخرية والازدراء، أو اعتقد أنّه ليس من عند الله أو أنّه غير صحيح، فهذا كفر، ويكون صاحبه كافرًا، أمّا إن لم تقترن تصرفاتهم بشيء مما ذكرنا، فهي معصية من المعاصيانظر: البريدي، التحذير من الغلوّ في التكفير، ص: 18-19..

 

الخاتمة: وتتضمن أهم النتائج والتوصيات

  • أولًا: أهم النتائج:
  1. الحكم على الشخص بالخروج من الإسلام، أمر في غاية الخطورة، لما يترتب عليه من آثار كإباحة الدم والحكم بالخلود في النار، لذا أوكل هذا الأمر لأهل العلم الموثوقين والمعتبرين.

  2. أسباب الغلوّ كثيرة ومتعددة، و تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن زمان إلى آخر، كما أنّها تختلف في طبيعتها، من فكرية، واجتماعية، واقتصادية، وأخلاقية.

  3. يُعد ضعف البصيرة بحقيقة الدين، وقلة البضاعة في فقهه، والتعمق في معرفة أسراره، والوصول إلى فهم مقاصده، واستشفاف روحه، من أهم أسباب ظهور الغلوّ في الدين.

  4. إنّ كثيرًا ممن تلبسوا بالغلوّ في التكفير يكفّرون بالشبهة، حيث إنّ سبيلهم في ذلك التكفير مع عدم ثبوت البينة ثبوتًا شرعيًا كاملًا، وأما أهل الحق فالتكفير عندهم لا يكون إلا بعد تحقق الناقض وانتفاء المانع وزوال الشبهة وقيام الحجة.

  5. إنّ لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه كانت إضافته إليه كذبًا عليه بل ذلك يدل على فساد قوله وتناقضه في المقال غير التزامه اللوازم التي يظهر أنّها من قبل الكفر والمحال.

  6. القاعدة التي يرددها التكفيريون وهي: من لم يكفر الكافر فهو كافر، قاعدة خطأ ومبتورة، والأصل أن يُقال: من لم يُكفِّر الكافر المجمع على كفره فقد كفر.

  7. إنّ الخطأ الذي يسببه التأويل مما لا يُكفَّر به المسلم، لأن الحكم بكفره مبني على الجزم بتعمده، وقد تكاثرت الآيات والأحاديث في العفو عن الخطأ.

  8. إنّ تكفير من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، قاعدة تكون صحيحة، إذا روعي فيها: أن يكون المُنكِر يَعرفُ كونها من الدين، فيكون تكفيره بعد التيقن من معرفته كونها من الدين: إما للتكذيب، أو لاعتقاده عدم وجوب الطاعة: عنادًا، أو إعراضًا، أو عدم يقين بالشهادتين كالشك، لأنه لا معنى للإنكار في هذه الحالة إلا ذلك.

  9. إنّ القول قد يكون كفرًا فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال من قال كذا فهو كافر لكن الشخص المعين الذي قاله لا يُحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها.

  10. إنّ قضية الحكم بغير ما أنزل الله من أهم القضايا التي زلت بها الأقدام في مسألة التكفير، إذ أدت بالبعض إلى تكفير كل حاكم بغير ما أنزل الله من غير تفريق بين صنوفه المختلفة، كما ذهب بعضهم: إلى تكفير الحاكم المعين منهم دون نظر لما قد يكون عليه من جهل، أو إكراه أو إيمان بحكم الله عز وجل مع وجود بعض الأعذار التي تنقل حكم هذا الفعل من الكفر المخرج من الملة إلى الكفر غير المخرج من الملة.

 

  • ثانيًا: التوصيات:
  1. الابتعاد عن التنطّع في الدين وتجنّب تكفير الناس بالشبهات وترك الأمر للعلماء الربانيين.

  2. العمل على وحدة الأمة الإسلامية وإعادة توزيع مواردها واستغلال طاقات الشباب لما فيه خير وصلاح الأمة.

  3. نشر الوعي الديني بين الناس وتصحيح مسار بعض الفرق والجماعات وإعادتها للصف الإسلامي الرباني القائم على المنهج الوسطي السليم.

  4. وضع البرامج التي تستثمر أوقات الشباب، وتعصمهم من الانحراف الفكري.

  5. دعوة المؤسسات العلمية للاهتمام بتصحيح المفاهيم الخطأ لبعض نصوص القرآن الكريم والسنّة، والتي سبب حملها على غير المراد منها الغلوّ والتكفير.

  6. دعوة الحكام لإقامة حكم الله سبحانه وتعالى، وتطبيق الشريعة الإسلامية، ولو كان ذلك بالتدرج، وكذلك إقامة العدل في الرعية، لأنه بالعدل يقوم الحكم وتطمئن الرعية. ومن العدل إشراك الرعية في التداول على الحكم، وإحياء سنة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين- في ذلك.

  7. دعوة العلماء للقيام بواجبهم، وبذل المزيد من الجهود لنشر عقيدة أهل السنة والجماعة، ونشر ثقافة الوسطية والاعتدال، ومحاورة الغلاة، وكشف عَوار منهجهم.

  8. دعوة وسائل الإعلام إلى أن تتحمل مسؤولياتها نحو الجيل، وأن تتقي الله سبحانه فيما تنشره، وأن تحذر من عرض وبث كل ما من شأنه أن يستفز مشاعر المسلمين ويُغضبهم.

  9. العمل على نشر فقه المقاصد، ودعوة الجامعات للاهتمام بهذا العلم، وتدريب الطلاب على كيفية التأمل في النصوص، واستنباط الأحكام الشرعية منها، وذلك في ضَوء الكليات العامة للشريعة، فإن معرفة مقاصد الشريعة، ورعايتها لهو من أهم موانع الوقوع في الغلوّ والتشدد.

  10. دعوة  قادة الجماعات الإسلامية ومنظِّريها، للرقابة والمتابعة، على ما يُكتب وينشر في الدوائر الداخلية، فضلاً عن ربط الشباب بالمصادر الأصلية، وتحريرهم من أسر الكتابات التنظيمية الضيقة. كما يجب على هذه القيادات أن يكون لها الدور الأكبر في بناء جسور الثقة والتفاهم والتعاون الدعوي بين هذه الجماعات.

  11. إعادة النظر في كتابات بعض المفكرين، والتي هي عبارة عن تكرار واجترار، وغالبًا لا تُقَدِّمُ جديدًا، بقدر، ما هي سطحية وارتجالية تُدغدغ العواطف، وأحيانًا تساهم في توسيع دائرة الفرقة بين المسلمين. فمطلوب أن تكون الكتابات وما ينشر أكثر واقعية، يرتقي إلى مستوى التحدي الذي تواجهه الأمة الإسلامية، ويعالج أزمة الفهم، ويشيع أدب الاختلاف وفقه الأولويات والموازنات.

 

  • قائمة المصادر والمراجع
  1. ابن أبي العز، محمد بن علاء الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية،ج1، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، ط4، 1391هـ .

  2. ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، كتاب الإيمان، ج1 مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، تحقيق الشيخ الألباني، ط2، 1421هـ-2001م.

  3. ابن القيم ، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، الصلاة وأحكام تاركها،ج1، الناشر: مكتبة الثقافة بالمدينة المنورة.

  4. ابن القيم، محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، طريق الهجرتين وباب السعادتين، ج1، الناشر: دار السلفية، القاهرة، مصر، ط2، 1394ه.

  5. ابن تيمية، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، ج10 ، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ط2، 1411هـ - 1991م .

  6. ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، مجموع الفتاوى، حققه عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1416هـ-1995م .

  7. ابن حنبل، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، مسند أحمد بن حنبل، ج52، المحقق: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، وآخرون، إشراف: د عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط1، 1421 هـ - 2001م .

  8. ابن عابدين محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن عابدين الدمشقي الحنفي، حاشية رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار، ج8،الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1421هـ - 2000م .

  9. ابن عاشور،محمد الطاهر بن محمد الطاهر بن عاشور، ج30، التونسي، التحرير والتنوير، الناشر الدار التونسية للنشر، تونس، 1984هـ .

  10. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي، جامع بيان العلم وفضلهج2، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1414هـ - 1994م.

  11. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد،ج24، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، 1387هـ .

  12. ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، سنن ابن ماجه، ج5، المحققون: شعيب الأرنؤوط، وعادل مرشد، ومحمَّد كامل قره بللي، وعَبد اللّطيف حرز الله، الناشر: دار الرسالة العالمية، ط1، 1430 هـ - 2009 م.

  13. ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور، لسان العرب،ج13، الناشر: دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ .

  14. البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، صحيح البخاري،ج9، دار طوق النجاة، تحقيق: محمد زهير بن ناصر، ط1، 1422ه .

  15. البريدي، حماد عبد الجليل البريدي، التحذير من الغلوّ في التكفير، ج1، دار ابن الجوزي، القاهرة، ط1، 1427هـ- 2006م.

  16. الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، سنن الترمذي،ج5، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر جـ 1، 2، ومحمد فؤاد عبد الباقي جـ 3، وإبراهيم عطوة عوض المدرس في الأزهر الشريف جـ 4، 5، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط2، 1395 هـ - 1975م.

  17. الجرجاني، علي بن محمد بن علي الشريف الجرجاني، التعريفات،ج1 ضبطه وصححه جماعة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ط1 1403هـ -1983م.

  18. السَّقار، منقذ بن محمود السَّقار، التكفير وضوابطه، ج1، الناشر: رابطة العالم الإسلامي.

  19. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج4، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، الطبعة: 1394هـ- 1974م .

  20. الشاطبي، إبراهيم بن موسى ، الاعتصام، ج2، تحقيق: سليم بن عيد الهلالي، الناشر: دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1412هـ - 1992م .

  21. الشريف حاتم بن عارف العوني، تكفير أهل الشهادتين،ج1 موانعه ومناطاته، مركز نماء للبحوث والدراسات، بيروت،ط1 2015م .

  22. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري،ج13، دار المعرفة بيروت، 1379هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات العلامة: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

  23. عمارة، محمد عمارة، إزالة الشبهات عن معاني المصطلحات،ج1، دار السلام، ط1 1431هـ- 2010م .

  24. الغزالي، ابو حامد محمد بن محمد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد،ج1 دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، سنة 1409هـ .

  25. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ج1 قرأه وخرج أحاديث وعلق عليه: محمود بيجو، ط1 1413هـ - 1993م .

  26. القرافي، أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي، الفروق أنوار البروق في أنواء الفروق،ج4، وبحاشيته: إدرار الشروق على أنوار الفروق وهو حاشية الشيخ قاسم بن عبد الله المعروف بابن الشاط، الناشر: عالم الكتب، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ .

  27. القرضاوي، يوسف القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، ج1 دار الشروق، القاهرة، ميدان: رابعة العدوية، 1421هـ- 2001م .

  28. القرضاوي، يوسف القرضاوي، ظاهرة الغلوّ في التكفير،ج1، مكتبة وهبة،

  29. ط3، 1411هـ-1990م .

  30. القرضاوي، يوسف القرضاوي، من فقه الدولة في الإسلام،ج1 الدكتور دار الشروق، الطبعة السادسة 2006م.

  31. اللويحق، عبد الرحمن اللويحق، مشكلة الغلوّ في الدين في العصر الحاضر الأسباب- الآثار- العلاج، ج3، مؤسسة الرسالة، ط2، 1420هـ- 1999م .

  32. مجلة البيان، الأعداد 67،132، 140 .

  33. مسلم بن الحجاج القُشيري النيسابوري، صحيح مسلم، ج5، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث الغربي، بيروت .

  34. المشعبي، عبد المجيد المشعبي، منهج ابن تيمية في مسألة التكفير،ج2 دار أضواء السلف، ط1، 1418هـ-1997م .

  35. الموصلي، أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، مسند أبي يعلى الموصلي،ج13 تحقيق: حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط2، 1404ه– 1984م .

  36. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، السنن الكبرى ج12، حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرنؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1421 هـ - 2001م .

.

 

المصدر: الملتقى الفقهي

 

1 - انظر ابن منظور، لسان العرب، 5/145-147.
2 - ابن تيمية، المجموع الفتاوى، 20/86.
3 - ابن تيمية، درء تعارض العقل والنقل، 1/242.
4 - ابن القيم، الصلاة وأحكام تاركها، ص: 55.
5 - الغزالي أبو حامد، فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة، ص: 26.
6 - البخاري، صحيح البخاري، 8/26، رقم 6103.
7 - مسلم، صحيح مسلم، 1/79، رقم 61.
8 - البخاري، صحيح البخاري8/26، رقم 6105.
9 - الموصلي، مسند أبي يعلى4/207، رقم 2317.
10 - الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، ص: 135.
11 - الدمشقي، محمد أمين، حاشية رد المختار 4/ 224.
12 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى 5/545.
13 - الطحاوي، متن العقيدة الطحاوية، ص: 60.
14 - عبد الرحمن بن محمد، الدرر السنية ،10/374.
15 - القرضاوي، ظاهرة الغلوّ في التكفير، ص: 29-30.
16 - ابن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، 1/545.
17 - انظر: القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، ص: 51، وانظر: مقال: سلمان العودة، بعنوان: حقيقة التطرف، مجلة البيان، العدد 67.
18 - انظر: المرجع السابق، نفس الصفحة​.
19 - انظر: القرضاوي، الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف، ص: 91-92.
20 - المرجع السابق، ص: 99-100.
21 - انظر: اللويحق، عبد الرحمن ، مشكلة الغلوّ في الدين في العصر الحاضر ،552-554.
22 - القرضاوي، مرجع سابق، ص: 73.
23 - انظر: اللويحق، عبد الرحمن، مشكلة الغلوّ في الدين في العصر الحاضر ،2/535-540.
24 - العوني، الشريف حاتم ،تكفير أهل الشهادتين، موانعه ومناطاته، ص: 27-28.
25 - ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 8/585.
26 - ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 17/21-22.
27 - الشاطبي، الاعتصام، 2/70.
28 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى،20/217.
29 - انظر: ابن أبي شيبة ، مسألة تكفير بعض السلف، من كتاب الإيمان، ص: 66-67.
30 - مسلم، صحيح مسلم، 4/2114، رقم 2760.
31 - المرجع السابق 4/2017، رقم 2756.
32 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى11/407.
33 - ابن حنبل، مسند أحمد36/231، رقم 21900، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط الشيخين. الترمذي، سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب: لتركبن سنن من كان قبلكم، 4/475، رقم 2180، وقال حسن صحيح.
34 - ابن حجر، فتح الباري 13/407.
35 - ابن القيم، طريق الهجرتين وباب السعادتين، ص: 414.
36 - السَّقار، التكفير وضوابطه، ص: 69.
37 - الجرجاني، التعريفات، ص: 100.
38 - ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير، 21/265.
39 - مسلم، صحيح مسلم:1/116، رقم 126.
40 - ابن ماجه، سنن ابن ماجه، 3/199، رقم 2046، وقال عنه ابن كثير في تحفة الطالب اسناده جيد ، وضعفه الالباني في الارواء.
41 - مسلم، صحيح مسلم 4/2102، رقم 2747.
42 - البخاري، صحيح البخاري،9/108،7352.
43 - انظر: ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية، ص: 316.
44 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 3/282-283.
45 - المرجع السابق، نفس الصفحة.
46 - ابن حجر، فتح الباري، 12/311.
47 - ابن ماجه، سنن ابن ماجه،3/199، رقم 2046. وقال محققوه: صحيح.
48 - ابن حجر، فتح الباري، 5/161.
49 - النسائي، السنن الكبرى 5/138، رقم 5270.
50 - هو عبد الله بن مسعود. وقد روى الإمام أحمد في المسند بإسناده صححه محققوه عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللهِ، "يَحُكُّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنْ مَصَاحِفِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا لَيْسَتَا مِنْ كِتَابِ اللهِ" 35/117، رقم 21187.
51 - انظر: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن،1/223.
52 - صلة بن زفر الكوفي، تابعي كبير ثقة، فضل، يروي عن علي وابن مسعود وعمار، حدث عنه أبو إسحاق وأيوب السختياني.
53 - ابن ماجه، سنن ابن ماجه،5/173، رقم 4049، وصحح إسناده شعيب الأرنؤوط. وأخرجه الحاكم في المستدرك، 4/587، رقم 8636، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
54 - القرافي، أنوار البروق في أنواء الفروق، 4/116.
55 - الشريف حاتم بن عارف العوني،  تكفير أهل الشهادتين، بتصرف ، ص: 74-82.
56 - انظر: المشعبي، منهج ابن تيمية في مسألة التكفير،1/193.
57 - ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 23/346.
58 - عمارة، إزالة الشبهات عن معاني المصطلحات، ص: 344.
59 - المرجع السابق، ص: 339-354.
60 - انظر: السقار، التكفير وضوابطه،  ص: 103-104.
61 - القرضاوي، من فقه الدولة، ص: 103.
62 - الطبري، جامع البيان في تأويل آيِ القرآن10/351.
63 - المرجع السابق، 10/355.
64 - المرجع السابق، 10/356.
65 - المرجع السابق 10/346- 357.
66 - انظر: القرضاوي، من فقه الدولة، ص: 105-110.
67 - انظر: العوني، تكفير أهل الشهادتين، ص: 120-121.
68 - انظر: البريدي، التحذير من الغلوّ في التكفير، ص: 18-19.
ملف للتنزيل: 

إضافة تعليق جديد