الأحد 10 نوفمبر 2024 الموافق 08 جمادي اول 1446 هـ

إضاءات فكرية

العولمة والهوية

28 ذو القعدة 1439 هـ


عدد الزيارات : 2930
محمد العبدة

 

لا نبالغ إذا قلنا أنّ أحد أسباب ضعف الأمّة الإسلامية في العصور الأخيرة هو هذا الصراع الخفيّ والمعلن، والدائب الذي لم ينقطع، بل اشتد أواره في هذه الأيام، هذا الصراع بين تيارين رئيسيين: تيار التغريب والليبرالية العلمانية، وتيار التشبّث بالهوية الحضارية الإسلامية، ليكون للأمّة وجهة توليها وبوصلة ترشدها وأهداف تسعى إليها وتعمل لها.

الواقع الآن هو أنّ القيم متضاربة والمرجعيات مختلفة والثقافة غير متجانسة، وهذا الذي أوجد هذه العزلة وهذه الهوّة بين من رفع شعارات الوطنية والليبرالية العلمانية وبين جمهور الأمّة التي تحتفظ بعقيدتها وثقافتها، ممّا أدى إلى إعاقة كل مقترح للنهضة، ولم تحصد الشعوب إلا التخلّف والضعف، بل أصبح الرأي العام مشوّشًا نتيجة هذا الانقسام في حياتنا.

إنّ أي إقلاع حضاري لا يتم إلا إذا اجتمعت القلوب على شيءٍ كبير، شيءٍ سامٍ فوق العصبيات والعرقيات، والدينُ هو الذي يجمع الشتات بأقوى الروابط، وهو المؤسس الذي يرضى به الجميع أو ترضى به الأكثرية، لأنّه تجمّع على الجانب الذي به كان الإنسان إنسانًا، ولا مجال لتصوّر الإنسان دون إيمان، فماذا تكون هوية الإنسان في البلاد التي غالبية سكانها مسلمون؟ وعندما نتحدّث عن الهوية فإنّما نعني شيئًا ثابتًا دائمًا مهما تغيّرت الظروف أو تقدمت العلوم.

الدين شيء أساسي في حياة البشر، هو الذي يكوّن شخصية الإنسان فيصبح له رؤية واضحة في القضايا المطروحة، وله رأيه في النظام الدولي وما يسمى (العدالة الدولية)، وله رسالة يحملها، وبالتالي له دور إيجابي في تقدّم البشرية نحو الأفضل، لا يمكن للإنسان أن ينظر للآخرين نظرة قيميّة إلا إذا كان صاحب رؤية وهوية. الإنسانية اليوم معطوبة من طول الاغتراب وعدم الاكتراث بالخير والعدل، وعندما يتحصّن المسلم بهويته يتكوّن عنده القدرة على الاختيار المناسب، فهو لا يرفض كلّ ما عند الآخر إذا كان صحيحًا ومفيدًا، ولكنّه يختار. والمسلم يعلم أنّ هذا الدين ليس منحصرًا في المسجد أو في قانون الأحوال الشخصية، لأنّه يقرأ القرآن كل يوم، وهو يرى توجيهات القرآن التي تغطّي مناحي الحياة السياسية والاقتصادية الاجتماعية.

هل يمكن تجاهل قضايا مثل المنشأ والمصير والغايات؟ إنّ تجاهل مثل هذه الأمور لا يفرز إلا رؤوسًا فارغة ليس لها هم إلّا الاستهلاك والحرص على الحياة، أيّ حياة ولو كانت تافهة!

في الغرب: يعلمون أثر الدين في حياة الانسان، وأنّهم بحاجة إليه، كما يذكر المؤرخ الأمريكي (ول ديورانت)دروس التاريخ، ص (103).، ولكنّ الليبراليين عندنا والعلمانيين يريدون إزاحة الدين بالكلّية من حياة الإنسان. تقول وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا (أولبرايت) في كتابها الجبروت والجبّار: "فالدين جزء كبير مما يحفز الناس ويشكّل آراءهم في السلوك العادل والصحيح"الجبروت والجبار، ص (242).، وفي بريطانيا: الملكة هي رئيسة الكنيسة، وفي هولندا: أن يكون الملك بروتستنتيا  شرط رسميإيليا حريق: الديمقراطية وتحدّيات الحداثة، ص (258).، وفي البرتغال: ينصّ الدستور على أنّ الكاثولكية هي دين الأمّة، وأسبانيا تسمح بوجود مرشدين روحيين في الثكنات العسكرية والمستشفيات والسجون. يقول (وولتر رسل ميد) في مجلة الشؤون الخارجية: "إنّ الدين يلعب عادة دورًا رئيسيًا في السياسة والهويّة والثقافة الأمريكية، فالدّين يشكّل شخصية الأمّة ويساعدها في تشكيل أفكار الأمريكيين عن العالم"الهيثم زعفان: مكانة المتديّن في أمريكا وإسرائيل، ص (44).، وتضمّ المؤسسة العسكرية الأمريكية (3000) من المرشدين الروحيين حسب تعبيرهم، والمحافظون الجدد في الحزب الجمهوري لهم وجهة دينية، وفي الكيان الصهيوني يوجد ما يُعرف بمعاهد تكريس الهويّة اليهودية، وهي معاهدُ تابعةٌ لوزارة التعليم الرسميةالمصدر السابق، ص (68).، فالغرب لم يتخلَّ عن الدين بالكلّية كما يدّعي الليبراليون، أو كما يتوهّمون أو يتجاهلون، ولكنّ الغرب غلّب مصالحه الدنيوية إذا تعارضت مع أسس الدين أو الأخلاق.

جاء في صحيح البخاري أنّ اليهود قالت لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنّكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيدًا" يعنون قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فإذا كانت أمّة من المناوئين للإسلام حاسدين لأهله قد قالوا في آية واحدة: "لاتخذناها عيدًا"، فكيف يكون الأمر إذا نظرنا إلى القرآن العظيم كله؟

هناك تجارب حديثة توضّح لنا كيف أنّ أمّة من الأمم أخذت بالتقدم العلمي، ولكنّها لم تنسلخ عن هويتها وعاداتها وتقاليدها، ألم تحزم اليابان أمرها وتحدّد هدفها وتنقل التقنية الغربية وذلك عندما هدّدت في القرن التاسع عشر بضرورة فتح التجارة مع أمريكا؟ لقد تصرفوا بلباقة، وعلموا أنّه لا بدّ من تعلّم التقنية الغربية، لقد تأوربت اليابان كي تبقى أكثر يابانية كما يقول الكاتب (فلسيان شاللي)ساطع الحصري: أبحاث في القوميّة، ص (436).. ويرى (لي كوان يو) رئيس سنغافورة سابقًا أنّه يجب تطوير صيغة غير الصيغة الغربية للديمقراطية، ومع الأسف لم تتكرر تجربة اليابان في العالم الإسلامي، يستثنى من ذلك ما قامت به ماليزيا وما تقوم به تركيا اليوم رغم صعوبة الأمر.

إنّ من المفاهيم التي تؤسس للهوية والتي ركّز عليها القرآن كثيرًا: مفهوم (الأمّة) وهو مفهوم عَقَدي سياسي قد لا يوجد له نظير عند الأمم الأخرى، والذي يعني الوحدة في المصدر والوحدة في الاتجاه، وهو مغاير تمامًا لمفاهيم الوطنية الضيّقة أو القومية أو أي تجمّع على أساس جغرافي أو اقتصادي. الوطن الإسلامي الأوّل الذي تكوّن في المدينة استمدّ حقيقته من كيان الأمّة، لا أنّ الأمّة تستمد حقيقتها من الوطن وحدوده الترابية، حتى لو وُجِدت وحدات سياسية منفصلة، ولكن الفرد المسلم يشعر بالانتماء إلى الأمّة، وهذا يعطيه شعورًا بالأمن. وُجِدَت داخل الحضارة الإسلامية انتماءات عرقية وديانات أخرى ولكنّها عاشت تحت مظلّة هذه الحضارة، لأنّها حضارة مستوعِبَة وفيها عدل ورحمة، وعندما تزعزعت المؤسسة السياسية بقي مفهوم الأمّة قويًّا وحفظ كيان المسلمين.

إنّ الغرب وإنْ رفع شعارات مثل: حقوق الإنسان، ونَشَر قيم الحرية والديمقراطية، لكن النظام الرأسمالي هو المهيمن، وهويّة هذا النظام هي (العولمة)، والمؤسسات الكبرى التي نتجت عنها: (البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والشركات العملاقة عابرة الحدود والقارات). وخطورة هذه الهوية الرأسمالية أنّها تدّعي الإنسانية في أهدافها وأعمالها، وفي حقيقتها مالية ثقافية، وفي جانب منها دينية.

العولمة مرحلة من مراحل الرأسمالية الليبرالية، وهي تعني التمدّد نحو العالم، أي إعادة تشكيل العالم وفق النموذج الغربي كما تقول الباحثة (حنة أرنت)، وكأنّهم يريدون أن يتنفس العالم برئة واحدة وينظر بعين واحدة، وهو شيء مخالف لطبيعة البشر، ولسنن الله في اختلاف الخلق. ينظر المسلم إلى العالم بأنّه ينقسم إلى عالمين: عالم الإسلام وعالم غير المسلمين، أو أمّة الإجابة وأمّة الدعوة، والعولمة تريد فرض قانون واحد، وكأنّ ليس للمسلمين دور في هذا العالم.

أُطلق مصطلح العولمة في البداية لما رأوا أنّ الإعلام حوّلَ العالم إلى قرية كونية، ولكنّه وجد مجاله الأول في الاقتصاد، ثم جاء محمولًا على أعناق وأكتاف ثورة الاتصالات، واكتسحت الشركات الكبرى الدول والحدود، وسجّلت نفسها خارج السواحل، للتهرّب من الضرائب، وأصبح مدراء الشركات هم رؤساء العالم، وظهرت فكرة الليبرالية التي تنادي بتقليص نشاط الدولة في مساعدة الأفراد والمجتمع وانتهاء دولة الرفاه، وأنّ هذا العصر هو عصر (السوق)، وساعدت التقنية الحديثة في ربط فروع هذه الشركات مهما كانت متباعدة، وأصبح السريع يلتهم البطيء وكان في السابق الكبير يلتهم الصغير.

ولكي تستمرّ هذه الرأسمالية المتفوقة أو المتوحّشة لا بدّ من مستهلكين، ولابد من إشاعة ثقافة الاستهلاك في كل الأرض، وإذا استعصت بعض الشعوب على ذلك فلا بدّ من تغيير ثقافتها وفكرها أيضًا، فهذه العولمة ليست قوانين تجارية وحسب، بل قيم معيّنة تطبق على تركيب مجتمع، وكلمة السر هنا هي التسويق (marketing)، كل شيء قابل للتسويق، وما هي إلا أن يقول الإعلام أنّ هذا الشيء ضروري من ضروريات الحياة حتى يبادر المستهلك إلى الشراء، لقد أصبح الإنسان محكومًا من الأشياء التي صنعتها يداهأريك فروم: الإنسان المستَلَب، ص (17).، إنّها وثنية جديدة، وبواسطة الإعلام (كلب الحراسة للرأسمالية) يتطوّر الاستهلاك ليصبح مفروضًا على الإنسان، ليأكل أكثر، ويتبضّع أكثر، ويتملّك أكثر، يكدّس المشتريات وإن لم يستعمل الكثير منها. هناك أطراف تملي المواقف وأطراف تستقبل وتذعن، وبسبب ضخامة النظام الصناعي (شركات، سوبرماركات) فقد أصبح كثير من النّاس موظفين وبالتالي هم تابعون لرؤسائهم، هم لم يبيعوا قوة عملهم فقط، بل باعوا شخصياتهم (ابتساماتهم، أذواقهم، صداقاتهم) خوفًا من الفصل من أعمالهم.

بواسطة العولمة فإنّ البنك الدولي يغيّر النمط الثقافي للمجتمع، ففي بلادٍ مثل مصر أو الهند تتغير القوانين طلبًا للاستثمار، والبنك الدولي يقدّم قرضًا لدولة من دول الطغيان فيتصرّف الحاكم وأسرته في تبديد هذا القرض، وحين يأتي موعد دفع الديون لا يقول الحاكم أنّه اشترى عمارات وسيارات وأودع الباقي في بنوك سويسرا، ولذلك توزع مسؤولية الدَّيْن على أفراد الشعب عن طريق تقليص الإنفاق العام، وتقليص دعم السلع الأساسية، وكأنّ الوطن أصبح برسم البيع.

واستغلّت العولمة الأمم المتحدة لتتدخّل في خصوصيات المجتمعات الأخرى، ففي مؤتمر عن المرأة عام (2000) تم إضفاء الصفة القانونية على الانحطاط الاخلاقي، وتُرجم مصطلح (feminism) بالأنثوية، وهذا لا يعني شيئًا فالأنثى أنثى، لكنّ المعنى الحقيقي هو فصلها عن الرجال وتأكيد هويتها الفردية على حساب هويتها الاجتماعية كزوجة وأمّ وبنت.

والليبرالية الجديدة تبحث عن مفهوم جديد لسلطة الوالدين، أي عن إضعاف هذه السلطة، لأنّها بنظرهم من معاقل النظام الديني. وعندما تأتي الشركات الكبرى إلى بلد ما فإنّها تأتي أيضًا بأنماط ثقافية معيّنة (هدايا الكرسمس، هالوين دي، حمامات سباحة مختلطة ....).

إنّ العولمة بتغليبها الجانب الدنيوي أدّت إلى الاستلاب والاغتراب، لأنّ جيل الشباب الذي لا يجد في الجامعات نَهَمَه إلى الثقافة وإلى الدين الذي يلائم فطرته، سيدفعه ذلك إلى صرعات وثنية، أو الحيرة والضياع. وفي العولمة أصبح الترف مقبولًا في أكثر المجتمعات، حيث تحوّلت هذه المجتمعات إلى عبادة المظاهر والأشياء المادّية، ومن الغريب أنّ العولمة وهي تدعو إلى توحّد العالم تحت سياق معيّن، ولكنّها في الوقت نفسه تحاول تفتيت المجتمعات، فهي تنادي بدعم جماعةٍ دينيةٍ صغيرةٍ بحجّة أنّها أقلّية، وجماعة عرقية صغيرة بأنّها أقلّية، وهكذا الشواذ جنسيًّا أقلّية!

قد يقال: إنّ هذه العولمة تعزّز الهويّة عند الشعوب التي تتسلح وتعتزّ بدينها وثقافتها، لأنّها ترى أنّها مستهدفة فترجع إلى تراثها لتصمد أمام هذه الموجة، وأيضًا: فإنّ ثورة الاتصالات وسهولتها مما قرّب بين أبناء البلد الواحد، وأبناء الدين الواحد، رغم بعد المسافات فيما بينهم. هذا صحيح، ولكنّ المشكلة والتخوّف أن تكون ردّة الفعل تجاه العولمة متشنّجة ولا تستطيع أن تتعامل مع الواقع بطريقة صحيحة، ولا تمتلك مبادرة للبديل المناسب، والمفروض أن يكون البديل جاهزًا، فالإسلام بطبيعته عالَمي يقدم الخير للبشرية ويستفيد من العلم النافع، وهناك فرقٌ بين الثقافة والعلم (الطبيعي) فالثقافات تتعدّد، والعلم مُشاع بين البشر، والمسلم لا يقف حائرًا أمام أيّ جديد، ولكنّه يختار ما فيه نفع.

"لن يتأثر المسلمون بغرب يرونه مبشّرًا بقيم استهلاكية وفضائل لا أخلاقية وبركات الإلحاد" كما يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي سابقاً (برجينسكي)برجنسكي: الفوضى، ص (182).، وعقلاء الغرب يدركون هذه الحقيقة، يقول (آلان تورين) عن الذين يطلبون من المغتربين الاندماج والذوبان في المجتمع الغربي: "ليس موقفًا ديمقراطيًا أن يقال للمغتربين تجرّدوا من ثقافتكم وادخلوا عراة إلى عالم جديد، إنّها صفاقة واحتقار للثقافات والخبرات المغايرة لخبراتنا"آلان تورين: ما هي الديمقراطية، ص (187)..

لقد فشلت كل المشاريع التغريبية خلال القرن الماضي ولم تحقّق أيّ إنجاز يُذكر، والدول العربية مثالٌ صارخٌ على ذلك، ما زال الجدل قائمًا حول الهويّة، بل تجذّرت الخصوصيات الوطنية، حتى أصبحت معتقدًا للإنسان العادي فضلًا عن المثقّفين، وبُولِغَ في العادات والخصائص المحلّية حتى أصبحت كل قرية لها عاداتها، وتغذّي هذا المفهوم الضيق السياساتُ التعليميةُ والإعلاميةُ، وهذا نكوصٌ وتراجعٌ للوراء، وحتى تحقّق الدولة نموذجها الوطني الليبرالي لا بدّ أن تحطّم بناء الأمّة، وهذا الذي أدّى وسوف يؤدّي إلى الفشل والتراجع.

لم تنجح العولمة بل قسّمت العالم إلى فقراء فاقدين للأمل، وأغنياء صم الآذان، وجعلت الأجيال القادمة ترث أرضًا قاحلة، وبعض الدول الرأسمالية عندما وجدت آثار العولمة راحت تسنّ القوانين التي تصبّ في مصلحتها.

إنّ التغيير يكون بالتجديد من الداخل وليس بالتنازل عن الهوية، وهذه الهوية لا يمكن العدول عنها ولا عن جزء منها، لأنّها الإسلام، القرآن هو الذي أعطانا الهوية {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ}، ونحن حين نتحدّث عن الإسلام نرفض التفريط والتبسيط تحت شعارات تطالب بالتنازل عن الأصول والتخلّي عن المعقول في سبيل إرضاء أطراف تجسّ نبض المسلمين، وحتّى يصل الأمر إلى الأذيّة في الدين، ولأنّ فصل المسلمين عن دينهم هو مناصرة للعدو الأجنبي.

الكتلة الكبرى هي التي تستطيع أن تناور في مثل هذه الأجواء الخطرة، فالعولمة إذا ترُكت فإنّها سوف تؤثّر على كل الخصوصيات، كتلة العالم الإسلامي (من طنجة إلى جاكرتا) كما يعبّر المفكّر الجزائري مالك بن نبي، تناور من خلال تنمية النظام التعليمي لتكون قادرة على الاستجابة للمتغيّرات السياسية والاقتصادية والثقافية، من خلال نظام معرفي أكاديمي مشترك، ولعلّ إشاعة اللغة العربية يكون شيئًا مهمًّا لتقابل عولمة الإنكليزية، وفي تركيا بداية طيبة لتعليم اللغة العثمانية وهي بالأحرف العربية، لتتمكّن الأجيال الجديدة من قراءة تاريخها، فاستعادةُ تاريخنا الحضاري خاصّة مما يعطي الشبابَ الثقةَ والانتماء.

الكتلة الكبرى هي التي تستطيع البحث عن الأحلاف الممكنة، وهي التي تخطّط لصيانة الهوية دون انغلاق يؤدي إلى مزيد من التدهور، وهي التي تملك القدرة على الاستقلال الاقتصادي وهو شيء مهمّ لصيانة الهوية.

الإسلام هو المستعد للمنازلة ثقافيًا وحضاريًّا، لأنّه الوحيد الذي يملك رؤية واضحة لدور الإنسان ونظرته للكون والحياة، ونظرته للعلم ووسائل العلم.

الملل والمذاهب والشعوب الأخرى لا تستطيع مقاومة الثقافة الغربية التي تكتسح العالم اليوم، وهذا أحد أسباب الخوف من الإسلام، وأحد أسباب اهتمام العولمة الثقافية بالعالم الإسلامي خاصّة.

1 - دروس التاريخ، ص (103)
2 - الجبروت والجبار، ص (242)
3 - إيليا حريق: الديمقراطية وتحدّيات الحداثة، ص (258).
4 - الهيثم زعفان: مكانة المتديّن في أمريكا وإسرائيل، ص (44).
5 - المصدر السابق، ص (68).
6 - ساطع الحصري: أبحاث في القوميّة، ص (436).
7 - أريك فروم: الإنسان المستَلَب، ص (17).
8 - برجنسكي: الفوضى، ص (182).
9 - آلان تورين: ما هي الديمقراطية، ص (187).

إضافة تعليق جديد