الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

إضاءات فكرية

ظاهرة الغلو في الدين ووسائل علاجه

05 شوال 1439 هـ


عدد الزيارات : 2775
حسن الدغيم

 

اعترى الساحة السورية طوامٌ كثيرةٌ ونوازلُ خطيرةٌ تمثّلت في أفكارٍ غريبة حُملت من خارج الحدود، تلوي أعناق النصوص وتبعث على الفرقة وتنشر التكفير وتشقّ الصف وتعيث في عقول الشباب الانحراف والغلو، فتسوقهم إلى مشاريع ظلامية ومذابح عدمية لا ينصر فيها حق ولا يقذف فيها باطل.

ولقد حذّر القرآن الكريم من خطر الانحراف عامّة والغلو بشكل خاصّ، وذلك لأنّ المغالي في الدين يكون شديد التعصّب، لأنّه يظنّ بجهله أنّه على المحجّة البيضاء، ويحسب أنّه من الذين يحسنون الصنيع، وقد قال تعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [البقرة: 104].

وهذا من الجهل واتباع الهوى، وهاتان الصفتان توجدان في كثيرٍ من فِرَقِ الغلاة على مدار التاريخ، فهم متّبعون للهوى، جاهلون بالشرع. ولهذا حتى لو قرؤوا القرآن فإنّه لا يجاوز حناجرهم، بمعنى أنّهم يقرؤون بدون تدبر، وبدون فهم، ولهذا لا يهتدون بهدي القرآن، ولا ينتفعون بمواعظه، فلذلك يقعون في استباحة الدماء، فـ: (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ)، وذلك نتيجةً لتكفيرهم المسلمين، ثم ينطلقون من ذلك الاعتبار إلى استباحة دمائهم.

 

خطر الغلو:

لا يحتاج من يعيش واقعنا هذا كثيرَ تفكيرٍ ونظرٍ لِيُدرك خطر الغلو، فهو يرى بعينه كيف يُكفَّر المسلمون وتستباح دماؤهم وأعراضهم وتفجر مساجدهم وأسواقهم، بل ومقرات مجاهديهم وهم صائمون كما حدث في مسجد سالم في أريحا وغيره مما لا يخفى عليكم، وربما نذكر بعض هذه الأخطار:

  1. إسقاط علماء الأمّة والإساءة إلى سمعتهم ومكانتهم، مما جعل الشباب يبتعدون عنهم ويقعون في مهاوي الجهالة والظلام وأخذ العلم عن المجاهيل والنكرات الذين لا يشتهر لهم بين الناس فضلٌ ولا علمٌ.

  2. شقّ صف المسلمين في الماضي والحاضر، وزرع الفتنة والتناحر بين الجماعات الإسلامية، وإشعال الحروب المدمّرة للأمة.

  3. تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وطعنهم في الخاصرة، ومشاغلتهم عن أعدائهم، وحرف بوصلة الثورات والمقاومة.

  4. تشويه سمعة الإسلام في العالم، وتصوير المسلمين على أنّهم وحوش وقتلة وأكلة أكباد ولحوم بشر! وأنّ على العالم أن يتعاون للقضاء عليهم.

  5. وقف حركة الفتوحات الإسلامية أكثر من مرة في الماضي، وضرب مشاريع الثورة والمقاومة في العصر الحاضر.

 

علاج الغلو:

ما دام أنّ (الجهل) و(عدم اقتفاء السنّة النبوية)، و(اتباع الهوى) هي أسباب الغلو، فإنّ علاجه يكون بمحاولة إزالة هذه الأسباب التي أدّت إليه، وذلك عن طريق :

  1. الاعتصام بالكتاب والسنّة على منهج السلف الصالح، ومجانبة البدع والحذر منها، وهو أعظم أنواع العلاج، يقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، والاعتصام بحبل الله هو سبيل إلى اجتماع الأمة وعدم تفرّقها.

وفي حديث ابن عباس قال رضي الله عنه: خَطَبَنَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجّة الوداع فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ).

  1. لزوم الجماعة، والسمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية كما قال الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا}، ويقول سبحانه: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13].

وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ: إِخْلَاصُ العَمَلِ لِلَّهِ، وَمُنَاصَحَةُ أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ الدَّعْوَةَ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) رواه الترمذي، وهو حديث صحيح.

وفي ظرفنا الحالي (في المناطق السورية المحرّرة) ليس هناك ولي أمر مطاع وإنّما هنالك حالة من الفرقة، وهنا كما قال الإمام الجويني وغيره من الأئمة: أنّ على الناس أن تعود في أمورها إلى العلماء الثقاة والقضاة العادلين، فهم أجدر الناس بأن يحفظوا عقد الأمة من الانفراط، وهؤلاء العلماء ممن شهدت لهم مواقفهم وأعمالهم وزكاهم الناس ضمن شروط أهل العلم من تقوى وورع ونظافة يد وحبّ للمسلمين ولزوم للسنة.

  1. أخذ العلم عن العلماء الثقات الذين تناقلوا ميراث النبوّة كابرًا عن كابر، ولم يأخذوا العلم من بعض المطالعات وصفحات الكتب، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء : الآية 83].

  2. القيام بالمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بالطرق المشروعة على جميع مستويات الأمّة، وللغالين على وجه الخصوص. يقول ربنا جل وعلا: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

مع ترك القضايا العامّة التي تعترض الأمّة ليتصدى لها أهل العلم، وأهل الحل والعقد، وولاة الأمور، بما مكّنهم الله عز وجل من القدرة العلمية والسلطة، فهؤلاء يتصدّون لمثل هذه القضايا، وأما عامة الناس وقليلو العلم وقليلو التجربة فليس لهم أن يتصدّوا لتلك القضايا، لأنّهم إذا تصدّوا لها وقعوا في كثير من الخطأ، وانشغلوا بذلك أيضًا عما يصلحهم.

 

المصدر: موقع المجلس الإسلامي السوري – باختصار

إضافة تعليق جديد