الخميس 26 ديسمبر 2024 الموافق 24 جمادي الثاني 1446 هـ

إضاءات فكرية

داعش والنظام: وجهان لعملة واحدة

24 ذو الحجة 1438 هـ


عدد الزيارات : 2414
مجاهد مأمون ديرانية

 

هذه الجملة يرددها أهل الثورة وأحرار سوريا ومجاهدوها منذ عدة أشهر، وهم صادقون، ويا له من تشبيه عميق دقيق!

أخرجْ من جيبك ورقة نقدية وانظر إلى وجهيها، سترى تفصيلات متشابهة على هذا الوجه وذاك. والآن حاول أن تفصل أحدَ الوجهين عن الآخر. هل ينفصلان؟

 

إذا استطاع أحدٌ أن يفصل وجهَي ورقة نقد أحدهما عن الآخر فإنه يستطيع أن يفصل داعش عن النظام.

لذلك لم يعد لدى المجاهدين الصادقين في سوريا أدنى شك في أن قتال داعش ليس أقلَّ ضرورةً ولا أقل أهميةً من قتال النظام، ولعل الخلاف الوحيد الذي بقي في الموضوع هو:

أيّهما أَولى بالقتال؟

هذه مسألة يجتهد فيها المجتهدون، ورأيي الذي لا أتردد في التصريح به هو أن داعش أَولى بالقتال من النظام، لأنها عدو مستتر يفتك بالجسم من داخله، والنظام عدو ظاهر يأتينا من الخارج فنتنبّه إليه ونجتهد في اتقاء شرّه.

نعم، لقد بات عامة السوريين على يقين لا يداخله شك في أن النظام وداعش حليفان يتكاملان في سعيهما إلى تدمير الثورة السورية والقضاء على جهاد أهل الشام، ولئن بدا بينهما شيءٌ من التنافس فإنما هو تنافس على الكفاءة في تنفيذ هذه المهمة القذرة: أيّهما أسرع من صاحبه فيها وأكثر دهاء وبراعة؟ لكنّ بعض الغافلين (أو المغفّلين) ما يزالون يشكّون في هذه الحقيقة التي باتت أسطعَ من شمس النهار، وهؤلاء يكاد المرء يفقد الثقةَ -بسبب انحيازهم الأعمى إلى داعش- في عقل الإنسان وإنسانية الإنسان. أليست لهم عيون فيبصرون بها؟ أمَا لهم عقول يتدبرون بها ويفكرون؟

عندما انتشرت داعش في دير الزور وإدلب وحماة وحلب والساحل واحتلت مساحات واسعة فيها -في الثلث الثالث من العام الماضي- ماتت تلك الجبهات وتوقف تقدم المجاهدين فيها وبدأ النظام بتحقيق الانتصارات، ومنذ انحسار المد الداعشي عنها اشتعلت تلك الجبهات كلها وعادت بركاناً يغلي بالنار وعاد المجاهدون إلى التقدم السريع فيها جميعاً. جبهة الرقة هي الوحيدة التي عاش النظام فيها في سلام بمعيّة داعش، الصديق الحميم، أفليس هذا وحدَه دليلاً على التواطؤ والانسجام بين الفريقين؟

لو أن أولئك الحمقى الذين ما يزالون يدافعون عن داعش امتلكوا عقول العصافير لرأوا في ذلك دليلاً على خيانة داعش وعمالتها وعداوتها للسوريين، وإذا لم يكفهم هذا الدليل فدونهم المزيدَ من الحقائق والبراهين، فمَن شاء -بعد ذلك كلّه- فليتّبع الحق ومن شاء فليتبع الهوى، والموعد عند رب العالمين، يفصل بيننا وبينهم بالحق، وهو خير الفاصلين.

 

-1-

كان المجاهدون في الساحل يستغيثون ويقولون إن داعش تقطع عليهم الطريق إلى مناطق النصيريين، وإني أستغفر الله إذ ترددت في تصديق تلك الشكاوى لأنني وجدتها أكبرَ من أن تُصدَّق.

نعم، علمت عن داعش ما علمت ولكني لم أظن أن الغباء والوقاحة يصلان بها إلى تلك الدرجة المفضوحة من التواطؤ والخيانة.

ثم انكشف الخبيء وظهر المستور، واضطرت داعش إلى الانسحاب من الساحل تحت ضغط المجاهدين، فلم تمضِ ستة أيام حتى وصل المجاهدون إلى كسب!

انسحبت داعش من جبلَي الأكراد والتركمان في ريف اللاذقية في الخامس عشر من آذار. في الثامن عشر من آذار تحركت كتائب الثوار في معركة الأنفال، وبعدها بثلاثة أيام حُرِّرَت كسب.

ما كان لهذا الإنجاز أن يتحقق لو بقيت داعش في الساحل، لأن حواجزها في قرية عطيرة وبلدة ربيعة كانت تقطع الطريق الوحيد الذي يستطيع الثوار أن يتقدموا عبره، بالإضافة إلى سيطرتها على كل المناطق المحيطة بربيعة والتي تشرف على النبعين ونبع المر، والتي كانت تمثل خط الدفاع الأول عن مناطق النصيرية، فلما سقط الخط تدفق المجاهدون حتى وصلوا إلى البحر.

 

-2-

استطاعت داعش أن تنقذ النظام من حصار المجاهدين في اثنين من المطارات، فضربت لواء رايات الشام الذي كان يحاصر مطار كويرس واستولت على أسلحته وفكّت الحصار عن المطار.

أما في الرقة فقد استمر لواء أويس القرني في حصار مطار الطبقة لعدة أشهر، فلما احتلت داعش المحافظة ضربت اللواء وشتت شمله واعتقلت قادته فسلّمتهم للنظام، وحرّرَت عشرات من ضباط وعناصر النظام الذين كانوا في أسْر المجاهدين وأعادتهم إلى أهاليهم آمنين مكرَّمين!

ثم فكّت الحصار عن المطار حتى صارت قوات النظام تخرج منه إلى البومانع التي تبعد عنه عشرة كيلومترات، فتعتقل من تشاء من الثوار والناشطين ثم تعود آمنة إلى المطار، فلا يتعرض لها أحد من عصابة البغدادي بطلقة لا في الذهاب ولا في الإياب! أما اللواء 93 الذي كان تحت حصار المجاهدين فقد فُكّ عنه الحصار بعد سيطرة داعش على الرقة، وتمددت مناطقُ سيطرته حتى وصلت إلى بلدة عين عيسى المحررة!

 

-3-

صار طيران العدو سلاحاً مسانداً لعصابة البغدادي، فما وقعت داعش في موقف حرج يوماً إلا وغطاها الطيران الأسدي من الجو وقصف خصومها بالقذائف والبراميل. بهذه الطريقة دخلت داعش إلى الباب في كانون الثاني الماضي، عندما قصف الطيران الأسدي الكتائب المدافعة عن المدينة ففتح الطريق لقوات الاقتحام الداعشية، وقبلها بأيام قصف طائرات النظام كتائب المجاهدين التي حاصرت داعش في رتيان. وقد تكرر ذلك الفعل الفاضح مرات لا تحصى، آخرها ما شاهدناه خلال الهجوم الداعشي الأخير على البوكمال.

مرّت أرتال داعش التي شاركت في الهجوم بالقرب من مواقع النظام في السخنة دون أن تتعرض إلى أدنى مضايقة، في حين قام طيران النظام الحربي بقصف أرتال المجاهدين التي توجهت من عدة مناطق في دير الزور إلى البوكمال لصد العدوان الداعشي الأثيم! وساند النظام حملة داعش على كباجب والشولا فقصف قوات المجاهدين التي هَبَّت لطرد الغزاة من البلدتين، وقصفت طائراته مجاهدي أحرار الشام وبشائر النصر في العشارة لمنعها من نجدة البوكمال، كما قصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة الثوار الذين هاجموا عصابة داعش في قرية تل شعير.

واليوم (وأنا أكتب هذه المقالة) قصف طيرانُ النظام الثوارَ بالقرب من عين عيسى ليعوق هجومهم الجديد على داعش في ريف الرقة الغربي، وهذا هو أول قصف جوي على الرقة منذ سقوطها في يد داعش، فتأملوا يا عباد الله.

 

-4-

لم يستطع المجاهدون التقدم في جبهات حلب إلا بعد تخلصهم من العدو الأكبر الذي كان يطعن الثوار في الظهر ويحمي النظام من هجمات المجاهدين، داعش! ولعل الإنجازات الأخيرة على جبهة جمعية الزهراء وفرع المخابرات الجوية خير مثال، فقد بدأ هجوم الثوار لتحرير جبل معارّة الأرتيق الذي كان النظام يسيطر عليه ويتخذ منه موقعاً لقصف قرى الريف الغربي، وهو خط دفاعه الرئيسي عن أحياء حلب الغربية المحتلة.

عندها حاولت داعش تعطيل الهجوم فغدرت بالمجاهدين وهاجمتهم في خطوطهم الخلفية فأوقعت فيهم عدداً من الإصابات، ثم لجأت إلى أسلوبها المفضل في الغدر والإجرام ففجّرت في القوات المهاجمة عدداً من المفخَّخات.

واضطر المجاهدون إلى التفرغ لقتال داعش وطردها من مواقع القتال، فلما تم لهم ذلك التفتوا إلى عدوهم الآخر، النظام، فأنجزوا في بضعة أسابيع ما عجزوا عن إنجازه في الأشهر الطويلة لمّا كان خنجرُ داعش المسموم في ظهورهم وسيفُها الغدّار على الرقاب.

 

-5-

وماذا تفعل داعش في هذه الأيام؟

إنها تقوم بتسليم ريف حلب الشرقي للنظام، فهي تنسحب ببطء من المواقع التي احتلتها في شباط الماضي تاركةً المناطقَ التي تنسحب منها هدية لقوات النظام التي باتت تتقدم على وقع انسحابات داعش؛ هذا ما حصل خلال الأيام القليلة الماضية في ريف الباب الغربي، فقد سلمت داعش للنظام منطقة المطاحن، ثم انسحبت من قرية شامر فدخلها النظام وصار على مشارف الباب في الشيخ زيات، ويبدو أن مدينة الباب نفسها صارت على وشك السقوط بيد حالش والنظام خلال أيام قليلة، ومعها منبج وكويرس، كلها معرَّضة لخطر السقوط ما لم تتحرك كتائب الريف الشرقي بالتنسيق مع غرفة عمليات أهل الشام لتدارك الكارثة.

بل إن الاستغاثات بدأت تتوارد تتراً من الحسكة والرقة تحذر من مؤامرة مشابهة توشك داعش أن تنفذها في بعض مناطق المحافظتين، فيما يبدو أنه اتفاق إستراتيجي بين عدوَّي الثورة الأكبرين والحليفَين والصديقن الحميمَين: داعش ونظام الأسد.

 

-6-

عندما كان النظام يشن هجومه الكبير على قلعة الحصن ويحتل آخر المناطق المحررة في ريف حمص الغربي كانت داعش تشن هجوماً واسعاً على قرى الريف الشرقي، حيث نجحت في السيطرة على الزعفرانة ودير فول وجباب حمد، ونفذت حملة مسعورة لتدمير الكتائب المحلية والاستيلاء على أسلحتها، وهي تتمدد بسرعة في ريف حمص الشرقي وتحاول عزل محافظة حمص عن بقية المحافظات.

لقد سيطرت داعش على طريق البادية فقطعت كل الإمدادات التي كانت تنتقل من الشرق إلى ريف حمص والقلمون وريف دمشق الشرقي، وقد تعرّض رتل من النصرة -خلال تحرّكه إلى حمص- لكمين داعشي تسبب في استشهاد أكثر عناصره، كما قامت داعش باعتراض قافلة لجيش الإسلام في منطقة جباب حمد في ريف حمص الشرقي فأسرت المجاهدين وصادرت السلاح.

 

الخلاصة:

إننا نعلم الآن أن داعش ليست سوى اختراق مخابراتي يهدف إلى خنق الثورة وتدمير الجهاد السوري. ولئن نجح أعداؤنا في اختراق الغالبية العظمى من كتائب الجيش الحر والفصائل الجهادية والمؤسسات الإعلامية والإغاثية فإنها تبقى اختراقات فرديةً لا يمكن تجنبها والاحتراز منها إلا بتعطيل العمل الثوري بالكلّية، ولا يُعَدّ أي اختراق من هذا النوع تهديداً جوهرياً للثورة.

إنّ التهديدَ الجوهري للثورة والانتصارَ الحقيقي الكامل الوحيد لأعدائنا والاختراقَ الأكبر في تاريخ الثورة السورية هو مشروعُ داعش، فهو الاختراق الوحيد الذي زرع فينا جسماً كاملاً معادياً مدمراً لثورتنا وجهادنا، ونجح في حمايته ورعايته بأموال المسلمين المغفَّلين وأرواح الحمقى المغيَّبين من الشبان الأغرار. فماذا نصنع مع هذه الشجرة الخبيثة؟ لا حل إلا بقلعها من الجذور، لا حل إلا بقتال البغاة الظالمين المعتدين.

 

(التكملة في المقالة القادمة إن شاء الله)

إضافة تعليق جديد