الجمعة 29 مارس 2024 الموافق 19 رمضان 1445 هـ

تعليق على كلمات الظواهري الأخيرة في الجهاد في سوريا

18 ذو الحجة 1438 هـ


عدد الزيارات : 2907
محتسب الشام

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

حملت الأسابيع الأخيرة تطورات هامة على مستوى التنظيمات الجهادية، تميزت بعدم الاقتصار على مستوى سوريا وبلاد الشام فحسب، بل شملت عدة فروع لتنظيم القاعدة والمحسوبين على منهجها في عدة بلدان، وكان فيها التراشق وكيل الاتهامات والاصطفاف لهذا الفريق أو ذاك سيد الموقف.. وانتظر الجميع كلمة الفصل من أكبر قائد لهذه التنظيمات، الدكتور أيمن الظواهري فصدرت له عدة كلمات، لعل من أهمها (رثاء شهيد الفتنة الشيخ أبي خالد السوري رحمه الله) ثم كلمة (الواقع بين الألم والأمل)، وأخيرًا كلمة (شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام).

وقد احتوت هذه الكلمات الثلاث على مسائل هامة ينبغي التوقف عندها، وهي كما يلي:

 

* * *

(1)

  • المسألة الأولى: مقتل أبي خالد السوري رحمه الله:

فقد اتهم الظواهري في كلماته الجهة التي تقف خلف هذا الاغتيال أنها فئة تكفيرية المعتقد، تستبيح الدماء والأموال بالشُّبه، وتسعى إلى السلطة والسيطرة على الآخرين.

فقال في كلمته (رثاء الشهيد أبي خالد):

"أما التعزية فهي في هذه الفتنة العمياء التي حلّت بأرض الشام المباركة وفي هذا الجاني المسكين المغرر به الذي دفعه من دفعه بدافع الجهل والهوى والعدوان والطمع في السلطة ليقتل شيخًا من شيوخ الجهاد.."

وقال: "وهذه الفتنة اليوم التي لم ترع حرمةً ولا مشيخةً ولا سبقًا ولا جهادًا وهجرةً وصبرًا في الأسر ولا ثباتًا على الحق هذه الفتنة تحتاج من كل المسلمين اليوم أن يتصدوا لها وأن يشكلوا رأيًا عامًا ضدها وضد كل من لا يرضى بالتحكيم الشرعي المستقل فيها وأؤكد على المستقل فلا عبرة بتحكيم يعين أعضائه الخصوم.

وعلى كل مسلمٍ ومجاهد أن لا يتورط في دماء المجاهدين وعليه أن يرفض أن يفجر مقارهم ويقتل شيوخهم الذين دوخوا أكابر المجرمين وسعوا بكل طريقةٍ لقتلهم، فقام هؤلاء الجهال المتنطعون فسفكوا دمهم الحرام...

إنّ قتل الشيخ المجاهد المهاجر الصابر المرابط أبي خالد السوري رحمه الله يذكرني بقتل الشيخين محمد السعيد والرجّام رحمهما الله على أيدي الجماعة الإسلامية المقاتلة".

بل يشير إلى أنَّ قتلة أبي خالد سيظهرون بعد فترة ولو أنكروا كما أنكرت الجماعة المسلحة في الجزائر جرائمها قبلهم: "والذي تورط في تلك الجريمة لن يخفى أمره وسيعرف ولو بعد حين فقد سبقه مجرمو الجماعة الإسلامية المقاتلة فأنكروا بدايةً قتلهم للشيخين محمد السعيد والرجّام رحمهما الله".

ولا يخفى على متابعٍ أنَّ هذا الحديث إنَّما يُقصد به جماعة تنظيم (الدولة)، فهي الجماعة التي استمرأت التكفير بالشبهات، وأجرمت في حق المجاهدين فقتلت من عجز النظام النصيري على الوصول إليه، ثم نفت جريمة قتل أبي خالد بطريقة ملتوية غير صريحة لتدفع التهمة عن نفسها، وتظن أنها قد أفلتت بذلك..

فقد نشر خبر التكذيب إحدى (ولايات) التنظيم، ولم يصدر عن قيادة التنظيم كما هي العادة في هكذا أمورٍ خطيرة، وصدر بكلامٍ غير صريحٍ بالنفي، إذ جاء فيه: "إلا أننا لم نأمر بقتل أبي خالد ولم نُستأمر"، وهذا ليس بنفي، بل نفي بعلم من صاغ البيان، أو إذنه، ولا ينفي مسؤولية بقية القيادات.

 

والسؤال المطروح:

ما ذُكر من استباحة الدماء بداعي التكفير وحب السلطة لم يكن أبو خالد السوري أول ضحاياه، بل كان قبله مسلمون كثيرون، مجاهدون، وإعلاميون، وإغاثيون، وغيرهم، وبعضهم قتل بطريقة غاية في البشاعة كالطبيب أبي ريان، وبعضهم قتل بتهمة الردة كأبي بصير أمير النصرة في الرقة، ومئات غيرهم كثير، أفلا كانت تستدعي هذه الدماء كلمةً او موقفًا، وخاصة في الوقت الذي كان فيه المقربون من القاعدة يطعنون بكل من يتهم تنظيم الدولة أو ينتقده، بل ويتبنونه ويدافعون عنه؟ أم إنَّ هذه الكلمة جاءت حمية لأبي خالد –رحمه الله- بسبب انتمائه؟ وبذلك تكون هذه الغضبة والحمية للتنظيم ورجاله لا للأمة ودينها ودمائها؟

 

* * *

(2)

  • المسألة الثانية: علاقة تنظيم (الدولة) بالقاعدة:

تشغل العلاقة بين تنظيمي القاعدة و(الدولة) حيزًا من الاهتمام والدراسات.. وقد جاء في كلمات الظواهري توضيحًا لهذه العلاقة، والتي يمكن تقسيمها لنقطتين:

النقطة الأولى: التنظيمية:

حملت كلمات الظواهري توصيفات مختلفة لعلاقة القاعدة بتنظيم (الدولة)، فقد جاء في كلمة (الواقع بين الألم والأمل) توصيف هذه العلاقة بقوله في وصف تنظيم (الدولة) بأنَّه لا يلتزم بأصول العمل الجماعي:

"إعلان دول دون استئذان بل ولا إخطار، حيث كان التوجيه من القيادة العامة ألا نعلن أي وجود علني للقاعدة في الشام، وكان هذا الأمر محلّ اتفاق حتى مع الأخوة في العراق...

وفوجئنا في الإعلان الذي وفر للنظام السوري ولأمريكا فرصة كانوا يتمنونها، ثم جعل عوامّ أهل الشام يتساءلون: ما لهذه القاعدة تجلب الكوارث علينا، ألا يكفينا بشار، هل يريدون أن يجلبوا علينا أمريكا أيضا.

ومثل: عدم الالتزام بقرارات القيادة في تقسيم الصلاحيات، أو في إيقاف القتال في الفتنة، وكان من أهم أسباب صدور الفصل المعروف في فتنة الشام، هو تخوفنا من تلك الفتنة الدامية التي تعصف بأرواح الآلاف من المجاهدين اليوم.

ولعل الجميع يدرك أن هذا الفصل لو كان الجميع قد التزم به لكانت آلاف الدماء قد حقنت، وتفرغت الجهود لقتال أعداء المسلمين، بدلا من أن تنشغل عنهم بقتال المسلمين...".

 

ومن خلال هذا النص يتَّضح ما يلي:

  1. أن تنظيم (الدولة) تابعٌ لتنظيم القاعدة ويأتمر بأمره: "إعلان دول دون استئذان بل ولا إخطار... عدم الالتزام بقرارات القيادة في تقسيم الصلاحيات".

لكن هذا الائتمار يشوبه شيءٌ من الغموض، إذ يتَّضح أنَّه ليس صافيًا خالصًا، فالقاعدة تجاهد في ضبط تصرفات تنظيم (الدولة): "كنت وإخواني نمدحها على الخير الذي فيها، ونحاول إصلاح غير ذلك بالنصح والتوجيه والأوامر ما استطعنا".

فهل نشأ تنظيم (الدولة) من بدايته بموافقة تنظيم القاعدة ورعايته؟

يقول الظواهري في كلمته (شهادة لحقن دماء المجاهدين بالشام) في كلام طويل:

"أن الدولةَ الإسلاميةَ في العراقِ فرعٌ تابعٌ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، وأودُ هنا أن أبينَ بعض التفاصيلِ:

  • لما قامت دولةُ العراقِ الإسلاميةِ دون أن تُستأمرَ فيها قيادةُ جماعةِ قاعدةِ الجهادِ، ... أرسل الشيخُ الشهيدُ -كما نحسبُه- أبو حمزةَ المهاجرُ -رحمه اللهُ- رسالةً للقيادةِ العامةِ يبررُ فيها إنشاءَ الدولةِ، ويؤكدُ فيها على ولاءِ الدولةِ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، وأن الإخوةَ في الشورى قد أخذوا العهدَ على الشيخِ الشهيدِ -كما نحسبُه- أبي عمرَ البغداديِ بأن أميرَه هو الشيخُ أسامةُ بنُ لادنٍ رحمه اللهُ، وأن الدولةَ تابعةٌ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ...
  • كان الإخوةُ في القيادةِ العامةِ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، وفي دولةِ العراقِ الإسلاميةِ يتعاملون على أساسِ هذه القاعدةِ، أن دولةَ العراقِ الإسلاميةِ جزءٌ من جماعةِ قاعدةِ الجهادِ....".

ثم ضرب أمثلة كثيرةً يطول المقام بذكرها، ويحسن للدارس والمهتم الرجوع إليها.

 

ويظهر من خلال هذا النص ما يلي:

  1. أنَّ تنظيم القاعدة لم يُستشر في إنشاء (الدولة) على يد أبي عمر البغدادي، ولم يكن لديها علم مسبق بإنشائها: "أن القيادةَ العامةَ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ وأميرَها الشيخَ أسامةَ بنَ لادنٍ -رحمه اللهُ- لم تُستأمرٍ، ولم تُستشرْ، بل ولم تُخطرْ قبيلَ إعلانِ قيامِ دولةِ العراقِ الإسلاميةِ".

  2. أنَّ تنظيم (الدولة) لم يكن مطيعًا للقاعدة مستجيبًا لأوامرها:

أ- فهو أولاً لم يستأذنها في إنشاء (الدولة) في العراق، ثم لم يستأذنها في إعلان التمدُّد لبلاد الشام، ولم يرضخ لطلبات القاعدة المستمرة في العودة إلى العراق.

 

ب- تأمير شخص لا تعرفه قيادات القاعدة، وهو مجهول بالنسبة إليها، ومطالبتهم مرارًا بالتعريف به، وهو أبو بكر البغدادي، ومنها:

"وأرسلَ الشيخُ أسامةُ للشيخِ عطيةَ -رحمهما اللهُ- في 24 رجب 1431 رسالةً جاء فيها: "حبذا أن تفيدونا بمعلوماتٍ وافيةٍ عن أخينا أبي بكرٍ البغداديِ، الذي تم تعيينُه خلفًا لأخينا أبي عمرَ البغداديِ -رحمه اللهُ- والنائبِ الأولِ له وأبي سليمانَ الناصرِ لدينِ اللهِ، ويستحسنُ أن تسألوا عنهم مصادرَ عديدةً من إخوانِنا الذين تثقون بهم هناك، حتى يتضحَ الأمرُ لدينا بشكلٍ كبيرٍ". وقد تكرر هذا الطلب عدة مرات.

 

ج- تكرار مخالفة تنظيم الدولة للقاعدة في الأمور السياسية: "رسالةٌ موجهةٌ من الشيخِ عطيةِ للشيخِ مصطفى أبي اليزيدِ رحمهما اللهُ، وفيها يؤكدُ الشيخُ عطيةُ على الشيخِ مصطفى أبي اليزيدِ بوجوبِ كتابةِ رسائلَ توجيهيةٍ حازمةٍ للكرومي (ويقصدُ به أبا حمزةَ المهاجرَ) ولأبي عمرَ وناسِهم لخوفِه عليهم من الأخطاءِ السياسيةِ".

بل إنَّ المتابع للشأن الجهادي عامةً والعراقي خاصة يعرف أنَّ هناك رسائل كثيرة كانت تصدر من قيادات القاعدة لتنظيم الدولة في العراق منتقدًا العديد من التصرفات والأعمال التي تؤدي إلى إراقة الدماء، وشكاوى العديد من الجماعات الجهادية العراقية لقيادة تنظيم القاعدة من تصرفات تنظيم (الدولة) تجاه هذه الجماعات.

 

د- رفض تنظيم (الدولة) تأسيس محاكم مستقلة في الأحداث الأخيرة في سوريا، والتي نشر فيها عدة كلمات.

وكل هذا يؤدي إلى نتيجة مؤكدةٍ لا شك فيها: أنَّ تبعية تنظيم (الدولة) للقاعدة لم تكن تبعية حقيقية، بل كانت تبعيةً إسمية، وهو ما اعتمد عليه تنظيم (الدولة) في رفض الانصياع لقرارات القاعدة فيما بعد.

فإذا كانت القاعدة لا تُسيطر على هذا التنظيم لا في نشأته، ولا قياداته، ولا تصرفاته، وحين التنازع بينه وبين غيره من التنظيمات، فلماذا تبنَّت القاعدة هذا التنظيم؟

يأتي الجواب من كلام الظواهري:

"رغم أن القيادةَ العامةَ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ وأميرَها الشيخَ أسامةَ بنَ لادنٍ -رحمه اللهُ- لم تُستأمرٍ، ولم تُستشرْ، بل ولم تُخطرْ قبيلَ إعلانِ قيامِ دولةِ العراقِ الإسلاميةِ، إلا أنها رأت أن تعترفَ بها لفروقٍ عديدةٍ بينها وبين الدولةِ الإسلاميةِ في العراقِ والشامِ منها:

 

أ- أن دولةَ العراقِ الإسلاميةَ لم تقمْ على أساسِ فتنةٍ بين الإخوةِ هددوا فيها بالخوفِ من سفكِ الدماءِ إذا تم تأييدُ الجبهةِ.

 

ب- دولةُ العراقِ الإسلاميةُ قامت بعد شورى موسعةٍ بين شورى المجاهدين وقبائلِ أهلِ السنةِ، كما أخبرنا الشيخُ أبو حمزةَ المهاجرُ -رحمه اللهُ- بذلك، وهو من نثقُ به وبصدقِه لمعاشرتِنا الطويلةِ معه، بأنه سعى للاتصالِ بكلِ الجماعاتِ الجهاديةِ لدعوتِهم للدولةِ. بينما الدولةُ الإسلاميةُ في العراقِ والشامِ تشاورت فيها مجموعةٌ محددةٌ داخلَ الجماعةِ، بينما أعلنت جبهةُ النصرةِ أنها لم تستشرْ فيها أصلًا.

 

ج- تسبب إعلانُ الدولةِ الإسلاميةِ في العراقِ والشامِ في مخالفةٍ واضحةٍ لأوامرِ قيادةِ جماعةِ قاعدةِ الجهادِ لجنودِها في العراقِ والشامِ بألا يعلنوا عن أيِ وجودٍ رسميٍ للقاعدةِ في الشامِ...

 

د- تسبب إعلانُ الدولةِ الإسلاميةِ في العراقِ والشامِ في كارثةٍ سياسيةٍ لأهلِ الشامِ، فبعد أن كان أهلُ الشامِ يخرجون في المظاهراتِ تأييدًا لجبهةِ النصرةِ لما أدرجتها الحكومةُ الأمريكيةُ على قائمةِ المنظماتِ الإرهابيةِ، صاروا ينددون بهذا الإعلانِ الذي قدمته قيادُة الدولةِ على طبقٍ من ذهبٍ للأسدِ، واستفز الإعلانُ بقيةَ الجماعاتِ الجهاديةِ، التي رأت أن الدولةَ تحاولُ أن تفرضَ نفسَها عليهم بلا رضا ولا مشورةٍ.

 

هــ- فجر إعلانُ الدولةِ الإسلاميةِ في العراقِ والشامِ خلافًا حادًا داخلَ الجماعةِ الواحدةِ، وصل للاقتتالِ، وهدد الشيخُ أبو بكرٍ الحسينيُ البغداديُ بنفسِه بأن أيَ تأييدٍ لجبهةِ النصرةِ أو تأخرٍ فيما يراه هو الموقفَ الصحيحَ -بمجاراتِه فيما أعلن- سيؤدي لسيلٍ من الدماِء الذي بدأ فعلًا.

 

و- وما زال شلالُ الدماءِ يتدفقُ في الشامِ، ولو قبلتِ الدولةُ بقرارِ الفصلِ في المشكلةِ الذي كان يسعى لحقنِ دماءِ المجاهدين وتجنبِ الفتنةِ المتوقعِة، وتفرغوا للعراقِ، الذي يحتاجُ لأضعافِ مجهودِهم، لو قبِلوا ذلك، وتصرفوا على أساسِ الشورى والسمعِ والطاعةِ لأميرِهم، ولم يتمردوا على أميرِهم وقيادتِهم، فأحسب أنهم كانوا سيجنبون المسلمين ذلك السيلَ من الدماءِ، ولأنكوا في الحكومةِ الرافضيةِ الصفويةِ، ونصروا أهل السنةِ في العراقِ بأضعافٍ مضاعفةٍ. والحمدُ للهِ على كلِ حالٍ".

 

إذًا يُستنتجُ من هذا أنَّ القاعدة اعترفت بالدولة الإسلامية في العراق:

  • لأنها لم تقم على أساس فتنة.
  • قامت على مشورة من أهل السنة والفصائل الجهادية.
  • لم تتسبب في كوارث سياسية لأهل العراق!
  • لم تتسبب في شلال الدماء!

 

وكل سبب من هذه الأسباب يحتاج لوقفاتٍ مطولة .. وسأكتفي الآن بهذه التعليقات اليسيرة:

1- هل تأسيس الدول وإعلان الإمارات يُكتفى فيه بانعدام الفتنة بين الجماعات الجهادية؟ أم أنَّ لتأسيسِ الدول شروطًا وأسسًا لا بد أن تتوفر حتى تقوم وتؤسس؟

2- من أين علم الظواهري أنَّ (الدولة) في العراق قامت بمشورة وموافقة أهل السنة والفصائل المجاهدة في العراق؟ هل بمجرد خبر شخصٍ واحدٍ فحسب، مما يدو القاعدة للموافقة على إعلان (دولة) تُعد لبنة في إعادة الخلافة؟

بل لو كان المُخبِرُ التنظيم بأكمله، هل يجوز لتنظيم القاعدة أن يُعلن قبوله بولادة هذا التنظيم دون الرجوع لبقية التنظيمات على الأرض، وبقية أهل الحل والعقد؟ أليس هذا أخطر من حكمٍ لأحد الخصمين على الآخر دون سماع حجته؟

ثم طوال السنوات الماضية: صدرت شكاوى واعتراضات كثيرة من سائر الفصائل الجهادية في العراق ترفض هذه (الدولة)، بل وصدر من تنظيم (الدولة) ردود عليها، وتهديدات، ثم خاضت حروبًا ضارية ضدها، فهل وصلت تلك المعلومات أم لم تصل؟ وما الموقف المتخذ بعد وضوح هذه المعلومات ورفع الشكوى إليه من هذه الفصائل؟

3- من أين علم الظواهري أن إعلان (الدولة) في العراق لم يتسبب في كوارث سياسية للعراقيين؟

ألم يصلهم ما آل إليه حال العراق اليوم؟ أم أن هذا الحال ليس بكارثة؟

وإذا كان من الحكمة في سوريا عدم نسبة جبهة النصرة (للدولة) فهل كانت هذه الحكمة غير مطلوبة في العراق؟ أم هو درسٌ تعلمته القاعدة وتطبقه الآن في سوريا دون اعترافٍ بأخطاء العراق؟

4- من أين علم الظواهري والقاعدة أن تأسيس (الدولة) في العراق لم يتسبب بشلالات دماء؟ ألم يصل إلى سمعهم عشرات الكلمات والتصريحات لقادة التنظيم وهي تصف الجماعات الجهادية العراقية بالردة والعمالة؟ وتسميهم بالاسم كالجيش الإسلامي، وجيش المجاهدين... إلخ؟

ألم يصلهم أنَّ أي مشروعٍ يتعارض مع مشروع (دولتهم) فهو إما مشروع خيانة أو ردة؟

ألم تصلهم شكاوى جيش المجاهدين وأنصار السنة من تصرفات تنظيم (الدولة)؟

ألم يصلهم نتائج هذا الاقتتال بين الفصائل؟ وانهيار مشروع الجهاد في العراق؟

فلماذا السكوت على الوضع العراقي مع كثرة من تحدث به؟ ثم الحديث فقط عن الوضع السوري؟

هل لأن انكشاف تنظيم (الدولة) في سوريا أشد من انكشافه في العراق؟ وهل من المشروع السكوت عن الأخطاء وعدم الاعتراف بها إذا لم يتحدث بها الناس، والاعتراف بها حينما يتحدثون؟ هل في هذا نصح للأمة، ومراقبة لله أم للناس؟

 

النقطة الثانية: المنهجية الفكرية:

أكَّد الظواهري في كلماته هذه اختلاف منهج القاعدة عن منهج تنظيم الدولة، فما هي نقاط هذا الاختلاف؟

قال في كلمته (الواقع بين الألم والأمل) ردًا على سؤال: صدر أخيرا بيان من القيادة العامة تؤكد فيه أنها لا صلة لها بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، ما هي حيثيات هذا القرار؟

"حيثيات هذا القرار يمكن تقسيمها لأمرين:

الأول: هو الاختلاف بين منهجين:

فمنهجنا: هو التركيز على هبل العصر أمريكا وحلفائها الصليبين والصهيونيين وعملائهم الخونة، وعهد الأمة وتحريضها على جهادهم وترك المعارك الجانبية.

ومنهجنا: هو الاحتياط في الدماء، وتجنب العمليات التي قد تسفك فيها دماء بغير حق... ولذلك أصدرنا وثيقة توجيهات عامة للعمل الجهادي بعد أن أرسلناها للتشاور لجميع الأخوة، وكان من أسباب إصدارنا لهذه الوثيقة: التخوف مما يقع الآن، ولعل الجميع يدرك الآن بعد أن اصطلى بنار هذه الفتنة، ما هي المخاطر التي كانت تسعى تلك الوثيقة لتجنبها.

ومنهجنا أيضا: هو الحرص على تجميع الأمة وتوحيدها حول كلمة التوحيد والعمل على عودة الخلافة الراشدة، التي تقوم على الشورى والرضى من المسلمين...

أما الأمر الثاني: فهو عدم الالتزام بأصول العمل الجماعي".

 

فمن خلال ما سبق يتَّضح أن المنهج يختلف بين القاعدة وتنظيم الدولة في:

  • التَّركيز على أمريكا وعملائها، وترك المعارك الجانبية.
  • الاحتياط في الدماء.
  • جميع الأمة وتوحيدها حول كلمة التوحيد والعمل على عودة الخلافة الراشدة.
  • عدم الالتزام بأصول العمل الجماعي.

 

ولنا وقفات مع هذا الاختلافات:

1- من المقصود بعملاء أمريكا؟ وكيف يكون قتالهم؟

أليس هذا هو عين ما أعلنه تنظيم (الدولة) من إعلان الحرب على جميع الأنظمة العربية والإسلامية وجيوشها، وجعل استهدافهم وقتالهم أولى من قتال الصليبيين؟

أليس هذا الذي تقوم به فروع القاعدة في كل من اليمن؟ والمغرب العربي؟

وما حصاد هذه السنوات الطويلة من القتال على بلاد المسلمين؟ وما أثرها في تلك الأنظمة؟

2- أليس ما أصدره تنظيم القاعدة من دراساتٍ حول التترس والقيام بالعمليات في البلدان الإسلامية، بل وضد المدنيين من غير المسلمين ينافي الحديث عن الاحتياط في الدماء؟

وما نتائج هذه العمليات وخسائرها من كافة الأطراف؟ وخاصة فرعها في اليمن والذي صدر من قريب تصريح لأحد قادته يذكر فيه أن خسائر التنظيم من غارات الطائرات دون طيار قليلة جدًا، علما أن خسائر المجمع من الدماء والدمار، وخسائر أبناء اليمن من هذه العمليات كبيرٌ جدًا بسبب هذه العمليات؟ والمتسبب لها وجود التنظيم في اليمن والإعلان عنه؟

ومثلها كان سلفها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أثناء وجوده في السعودية؟

فعن أي دماء يتحدث الظواهري؟

أم إن النقد هنا يتوجه للمشروع الذي ظهر عواره ولم يعد يمكن التغطية عليه، والصمت عما سوى ذلك؟

3- وأما توحيد الأمة حول العمل والخلافة الراشدة:

فكيف يكون هذا التوحيد للوصول للخلافة الراشدة؟ وما هي وسيلته؟ ومن المؤهلون لحمله والسير به؟ وما الموقف من الحكومات التي تقوم داخل الحدود السياسية الحالية وإن كانت إسلامية؟

وهل نحن مطالبون شرعًا وقدرًا بإقامة الإسلام والحكم به؟ أم إقامة الخلافة حصرًا؟ وألا يمر ذلك بمراحل؟ و...إلخ

وهناك عشرات التساؤلات التي ينبغي على تنظيم القاعدة الإجابة عنها لتوضيح حقيقة الفرق بينه وبين تنظيم (الدولة).. والذي قبلت به عندما أعلن تأسيس (الدولة) على خطى الخلافة، ولم تسحب اعترافها منه إلا بعد خروجه عن إمرتها..

 

والنقطة الأهم هنا:

أن هناك العشرات من القضايا التي أعلنها تنظيم (الدولة) ولم تعلق عليها القاعدة، أو يتبرأ منها الظواهري، فهل هي محل اتفاق أم اختلاف؟

فما حكم البلاد الإسلامية عند تنظيم القاعدة، هل هي ديار كفر أم إسلام؟ بغض النظر عن الحكومات والحكام.

وما حكم مؤسسات تلك الدول؟ ومن يعمل في تلك المؤسسات؟

وما حكمهم في قضايا التكفير التي أصدرها تنظيم (الدولة) ليس في تنزيلها على الأفراد فحسب، بل في أصول المسائل التي حكموا فيها بالكفر والردة؟

وتعد مسائل التكفير والتخوين من أخطر المسائل التي تميز بها تنظيم (الدولة)، والتي حكم بها سائر أهل العلم والحركات الجهادية على التنظيم بأنه تنظيم خارجي المعتقد؟ فلماذا لم يُشر إليه الظواهري؟ أم أن الخلاف فيه في الفروع وليس في التطبيق؟

وما حكمهم في علماء الأمة؟

وغيرها من المسائل الكثيرة محل الخلاف؟

 

* * *

(3)

  • المسألة الثالثة: الموقف من تنظيم (الدولة):

يلحظ في كلام الظواهري في كلماته الثلاثة اختلاف توصيف تنظيم (الدولة) والموقف منها، كما يلي:

ففي كلمته في (رثاء شهيد الفتنة الشيخ أبي خالد السوري) قال:

"الفتنة العمياء التي حلّت بأرض الشام المباركة وفي هذا الجاني المسكين المغرر به الذي دفعه من دفعه بدافع الجهل والهوى والعدوان والطمع في السلطة ليقتل شيخًا من شيوخ الجهاد...

وأخبرني رحمه الله أنه يرى في الشام بذور الفتنة التي عاصرها في بيشاور، فتنة الجهل والهوى والظلم التي تستبيح الدماء والأعراض بالدعاوى والشبه والهوى والطمع...

وهذه الفتنة اليوم التي لم ترع حرمةً ولا مشيخةً ولا سبقًا ولا جهادًا وهجرةً وصبرًا في الأسر ولا ثباتًا على الحق هذه الفتنة تحتاج من كل المسلمين اليوم أن يتصدوا لها وأن يشكلوا رأيًا عامًا ضدها وضد كل من لا يرضى بالتحكيم الشرعي المستقل فيها وأؤكد على المستقل فلا عبرة بتحكيم يعين أعضائه الخصوم.

وعلى كل مسلمٍ ومجاهد أن يتبرأ من كل من يأبى ذلك التحكيم.

وعلى كل مسلمٍ ومجاهد أن لا يتورط في دماء المجاهدين وعليه أن يرفض أن يفجر مقارهم ويقتل شيوخهم الذين دوخوا أكابر المجرمين وسعوا بكل طريقةٍ لقتلهم، فقام هؤلاء الجهال المتنطعون فسفكوا دمهم الحرام.

وعلى جميع المسلمين أن لا يعينوا من يفجر مقار المجاهدين ويرسل لهم السيارات المفخخة والقنابل البشرية، وأن يتوقفوا عن دعمه بأية صورة.

وعلى كل من يقع في هذه الآثام أن يتذكر أنه يحقق لأعداء الإسلام بيده ما عجزوا عن تحقيقه بكل إمكاناتهم...

والذي تورط في تلك الجريمة لن يخفى أمره وسيعرف ولو بعد حين فقد سبقه مجرمو الجماعة الإسلامية المقاتلة فأنكروا بدايةً قتلهم للشيخين محمد السعيد والرجّام رحمهما الله...".

 

ثم أنشد:

"ومن السعاة إلى المناصب دونها * * هتكوا المحارم جهرةً وفجورا

أسلافهم قتلوا الخليفة ثالثًا * * يتلو الكتاب مسالمًا وصبورا

طعنوا أبا الحسن الإمام مصليًا * * حجبت شموسًا طعنةٌ وبدورا

سيخيب في أرض الشآم حفيدهم * * وكفى بربك هاديًا ونصيرا".

 

فيظهر من هذه الكلمة اتهام من قتله بـ: الجهل والهوى، والتكفير بالشبهة، واستباحة الدماء والأعراض، والسعي للسلطة، وأنَّه لا يرضى بالتحكيم المستقل، ويقوم بتفجير مقار المجاهدين بالسيارات المفخخة والقنابل البشرية!!

فمن قام بهذه الأمور سوى تنظيم (الدولة) بإجماع المخالفين لها من الفصائل المجاهدة، وأهل العلم، وغيرهم؟

بل إنهم من تبرأ من دم أبي خالد رحمه الله، كما سبقت الإشارة إليه، وقد أشار الظواهري إلى أنَّ قد سبقهم من الخوارج من تبرأ من دم من غدروا بهم ثم ظهر صدق الاتهام.

وأخيرًا.. وصف من قام بهذا الفعل أنهم أحفاد الخوارج !!

ثم عاد فأكَّد في كلمته (الواقع بين الألم والأمل) هذه الأمور، فأشار الخلاف المنهجي بين تنظيمي القاعدة و(الدولة) كما سبق بيانه، وزاد عليه بأمر آخر وهو وجود اختراقٍ ما في التنظيم، سواء كان من النظام، أو الرافضة، أو الاستخبارات، أو حتى ممن لم تترسَّخ قدمهم في الجهاد فقال:

"وأنا لا أستبعد وجود اختراق معادٍ للجهاد وسط المجاهدين، وليس بالضرورة أن يكون ذلك الاختراق تجسسيا استخباراتيا،،، بل قد يكون ناعما مخادعا في صورة نصيحة غير سديدة أو تحريش بين المجاهدين أو دعم مالي للاستمرار في خط خاطئ...

ولا نستبعد أن يكون هناك اختراق من النظام لكي يتولى المجاهدون إبادة بعضهم بعضا، ويحققوا للنظام بأيديهم ما لم يستطع تحقيقه".

واللافت للنظر أن رأس تنظيم (الدولة) وهو أمير المؤمنين كان مجهول الحال عند تنظيم القاعدة، واحتاج التعريف به إلى عدة رسائل طلب للتعريف، وفي آخر هذه الرسائل طلب شديد التحريص والاحتياط: "ويستحسنُ أن تسألوا عنهم مصادرَ عديدةً من إخوانِنا الذين تثقون بهم هناك، حتى يتضحَ الأمرُ لدينا بشكلٍ كبيرٍ".

وهذا على الرغم من الوجود الكثيف للقاعدة في العراق، ووجود كبار رجالاتها في تنظيم (الدولة)، فإذا كان الرأس مجهول الحال غير راسخ القدم في العلم والجهاد، وغير معروفٍ بالحكمة والتجربة –كما كان يحرص الأمير الزرقاوي رحمه الله على العمل به- فما بال من هم أقل منه شأنًا من القادة والأمراء؟

إنَّ الأحداث في سوريا –والعراق قبلها- أثبتت أنَّ العديد من المجرمين بل ومن غير اهل السنة أعلنوا (توبتهم) وبيعتهم (للدولة) فكان مصير هؤلاء العفو والصفح عما ارتكبوه من جرائم، بل وتسليطهم على رقاب الناس ولما تترسَّخ التوبة في قلوبهم وأفعالهم.

 

أما عن القتال الدائر فقال:

"ونطلب من جميع المجاهدين إحالة النزاع لهيئة تحكيم شرعية،،، وأن يشكلّوا آلية لإلزام الجميع بأحكامها، ويجب أن تكون هذه الهيئة مستقلة، ويجب على جميع المجاهدين ومناصري الجهاد في الشام وخارجه أن يتخذوا موقفا من مواقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضد كل من يعطل هذه الهيئة أو يتجاهل الاستجابة للدعوة لها أو لا يلتزم بقراراتها، ومن يثبت عليه هذا يجب ألا يدعم معنويا أو ماديا أو يلتحق به أو ينصر على إخوانه..

بل يجب أن يشكّل الرأي العام الإسلامي موقفا عاما ضده، وأن يتبرأ من أفعاله،،، وليعلم كل من يدعم هؤلاء ماديا أو معنويا، أنه بذلك يعين على قتل المجاهدين وتدمير الجهاد، وليتحمل تبعة أفعاله أمام ربه في الدنيا والآخرة،،،

فنزْع الشرعية أمر خطير جدا، ففي الجزائر لما نزعت الشرعية عن الجماعة الإسلامية المسلحة انتهت، وفي أفغانستان لما نزعت الشرعية عن الأحزاب المتحاربة بعد انسحاب الروس انتهت،،،".

إذا هي دعوة لمفاصلة تنظيم (الدولة)، والبراءة من أفعاله، وتكوين رأي عامٍ ضده، وأن من يقاتل معه فهو يتحمل تبعات فعله في الدنيا والآخرة، بل والتهديد بنزع الشرعية..

بالإضافة إلى ما سبق من وصف هذا التنظيم بأوصاف الخوارج..

 

فعن أي شيءٍ تحدث الكلمة الأخيرة؟

جاءت الكلمة الأخيرة (شهادة لحق دماء المجاهدين في بلاد الشام) مناقضةً لكل ما سبقها من كلمات، واحتوت على أمور لا يمكن القبول بها بحالٍ من الأحوال، وهذا ظاهر وواضح في تلقي الناس لهذه الكلمة العجيبة..

فقد احتوت الكلمة على:

1- الرغبة في وقف نزيف الدم بين المجاهدين في سوريا: "وما يضرُني أن أتكلمَ بكلامٍ قد يجعلُه اللهُ سببًا لوقفِ نزيفِ الدمِ المجاهدِ المسلمِ".

2- وصف أمير تنظيم الدولة بـ: "الشيخِ المكرمِ أبي بكرٍ الحسينيِ البغداديِ -حفظه اللهُ"، مع تكراره في الكلمة أنَّ القاعدة لم تكن تعرف عنه شيئًا، وأنها طلبت مرارًا التعريف به، ويظهر أنها تلقت الإجابة، وبغض النظر عن مخاطبته بهذا الخطاب لمحاولة الإصلاح، فلا يليق بعد الكلمات السابقة من أوصاف الخوارج وغيرها أن يُخاطب هذا الخطاب التبجيلي!

3- أكَّد مرارًا أن إعلان تمدد (الدولة) للشام لم يتم باستشارتهم، بل وتم عصيان طلبات الرجوع للعراق مرارًا.

4- وأنَّ (الدولة) في الشام قامت على أساس: الفتنة بين المجاهدين، وقامت دون شورى، وتسببت في كارثة سياسية لأهل الشام، وإثارة الخلاف بين أفراد الجماعة الواحدة، وما تسببه ذلك من إراقة الدماء..

5- ثم جاء الطلب الغريب المستهجن في:

- طلب رجوع تنظيم (الدولة) إلى العراق، لنصرة أهل السنة!

- الأمر لتنظيم النصرة بوقف القتال!

فمن كانت صفاته كما سبق من الافتئات على المسلمين، وعدم طاعة قيادة أوامر القيادة، والتخبط في منهجها، ووقوعها في الغلو في الدين والتكفير بالشبهة، واستحلال الدماء والأموال، وسلوك مسلك الخوارج، واختراقها على كافة المستويات من الاستخبارات وغيرهم: فهل يقال للمجاهدين كفوا أيديكم عن هؤلاء الخوارج؟ وهم بدؤوا بالقتل والقتال؟

ألا يعرف الظواهري أحكام قتال الخوارج والتعامل معهم؟ بل تكرر وصفهم بالبغاة، وبالخوارج، وفرق بين الوصفين.

ألم يصل إلى مسامعه –بل ويعترف بلسانه- بالمصيبة التي نزلت على ارض الشام بسببهم، وخروجهم عن أي طاعة وأي توجيه ثم يأمر بالكف عنهم وهم لا يكفون عن التكفير والتخوين والتفجير؟

ألم يعلم ما أصاب الناس من خوف، وقطع السبل، وتغول العدو النصيري بسبب توسعهم، ثم كان العكس عند اندحارهم، ولما قاربت الهزيمة بهذا التنظيم الخارجي المشبوه إذا به يمد لهم طوق النجاة؟ وهو يعلم علم اليقين أنهم لن يتوقفوا ولن يستجيبوا؟

أفمن كانت هذه صفاته وتنظيمه يُطالب الكف عنه، بل ويؤتمن على جهاد أهل العراق ويطالب بالرجوع إليها، ويُسلط على المجاهدين فيها؟ وتجاهل كل ما حدث بسبب هذا التنظيم، وتظلمات المجاهدين الآخرين منه؟

أبعد وصف التنظيم بأنه تنظيم خارجي مخترق، يخاطب أميره المجهول الحال بأنه حفيد الحسن، ويُشبَّه به، ويأمل أن يطفئ الله به نار الفتنة بين فئتين من المسلمين؟ وهم أوقدوها وكانوا السبب فيها؟

فأيُّ تخبطٍ بعد هذا التخبط؟ وأيُّ حكمةٍ في هذه التصرفات والتناقضات؟

وما آثارها على جبهة النصرة تحديدًا، وعلى جهاد أهل الشام عمومًا؟

أليس في هذا تقديم لمصلحة الجماعة (وفيها من الفساد ما فيها) على مصلحة الأمة جمعاء، وإعطاء أسوأ مثل للتعامل مع المجرمين الخارجين عنها؟

سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم!

 

* * *

(4)

  • المسألة الرابعة: وقفات عامة:

من خلال كلمات الظواهري تظهر لنا الوقفات التالية:

1- قال الظواهري في كلمة (رثاء شهيد الفتنة):

"إلى أن قامت الثورة السورية المباركة وارتفع فيها علم الجهاد والسعي لإقامة الدولة الإسلامية التي تتحاكم للشريعة وتنشر العدل وتبسط الشورى وتحرر الأقصى وسائر ديار المسلمين المحتلة وتنصر المظلومين وتتحرر من التبعية الخارجية وتطهر البلاد من الفساد الداخلي".

إنَّ إقامة حكم الشريعة، وتطهير الأقصى، وسائر ديار المسلمين، وتطهير بلاد المسلمين من الفساد الداخلي مطلب كل مسلم مخلص، بل وهو سعي الكثير منهم.

لكن هذه الأهداف كبيرة لا يمكن تحقيقها جملة واحدة، بل لا يمكن أن تحققها جماعة واحدة، ولا مجموع جماعات، بل هي مشروع نهضة لكامل الأمة الإسلامية، يحتاج لتضافر الجهود والخبرات وسنواتٍ من العمل والجهد، فكيف تُحمَّل الثورة السورية هذا العبئ وحدها؟ ويُراد لها أن تكون منطلق هذا المشروع العالمي، وكل من يعرف الثورة وما تعانيه يدرك المخاطر المحيطة بها داخليًا وخارجيًا؟

بل إن هذا الكلام يُناقض ما سيأتي بعد قليل من الحديث عن مراعاة النواحي الإعلامية والعالمية.

وهل أصبحت سوريا محطة الانطلاق لهذا المشروع بعد أن فشلت الجهود في كل من السعودية، واليمن، وبلدان المغرب، وغيرها.. ألا وقفة محاسبة ومراجعة لهذا المشروع المتكرر الفشل، وذو الآثار المدمرة على كل مكانٍ حلَّ به؟

2- كرَّر الظواهري في كلماته أنَّه أصدر توجيهات تعتبر مرجعًا وحكمًا بين المجاهدين بعد التشاور مع القادة والمعنيين بهذا الأمر، فقال في كلمة (الواقع بين الألم والأمل): "ولذلك أصدرنا وثيقة توجيهات عامة للعمل الجهادي بعد أن أرسلناها للتشاور لجميع الأخوة... ولذلك أصدرنا وثيقة نصرة الإسلام لجميع العاملين الإسلام لجمعهم على كلمة سواء!!".

ومع خطورة هذه التوجيهات، وعلاقة جميع الأمة الإسلامية بها، إلا أنَّ دائرة المشورة لم تخرج عن رجالات القاعدة والقريبين من فكرهم، فهل رجالات القاعدة ومشايخها هم وحدهم أهل الحل والعقد، والفئة الوحيدة التي يوثق بعلمها ودينها، وتصدر عنها الفتاوى والتوجيهات دون علماء الأمة الإسلامية؟

أليس في هذا افتئات على الأمة بأكملها؟ أم أنهم لا يون غير أتباع هذا الفكر لذلك؟ وبالتالي ما الفرق بين ذلك وبين حصر تنظيم (الدولة) للشورى في الموافقين له؟ أليس هذا من ذاك؟

وتتبقى العديد من الملحوظات والتعليقات لعلها تكون في مقالات قادمة إن شاء الله..

 

* * *

وأخيرًا..

إلى الإخوة في تنظيم القاعدة..

إنَّ من أهم أسباب انحراف تنظيم (الدولة) تحزُّبهم وولاؤهم لتنظيمهم دون إعمال الرأي والفكر فيه، فرفضوا النصائح والتوجيهات، وكذبوا الحقائق والواضحات، فازدادوا انحرافًا إلى أن وصل بهم الحال إلى ما نرى..

واليوم نحن أمام مجموعة كلمات للظواهري يظهر فيها عدم العلم بكثيرٍ من الأشياء وقت وقوعها، ثم علمه بها وكتمان ذلك إلى أن سارت به الركبان، ثم التناقض في التعامل مع المسائل المختلفة الواضحة، بالإضافة لعدم السيطرة على فروع تنظيم القاعدة في أنحاء العالم واحتواء خلافاتهم التي وصلت حد التعارض والتناقض على مستوى القادة كما يعلمه كل متابعٍ لشؤون الجماعة.

ومع ذلك نلحظ الغلو في شخص الظواهري وسأكتفي بمثالٍ واحد فقط ألا وهو تلقيبه بحكيم الأمة..

فمن الأمة التي نصَّبته حكيمًا عليها؟ وهل هذه الأمة ترضى بحكمه وفتاواه ومواقفه؟ أم أن لها موقفًا آخر من آرائه واجتهاداته؟

وإن كانت الأمة رافضةً له فبأي حقِّ يُنصَّب حكيمًا عليها وهو القائل: "فالأمة تختار من بين من تتوفر فيهم شروط تولي تلك المسئوليات، سواء كانت نيابة أو إمارة أو إمامة" فمتى اختارته الأمة؟ أم إنَّ من اختار هذا اللقب له لا يرى في الأمة إلا قادة القاعدة؟

وإن كان سبب هذا اللقب حكمته في التعامل مع مختلف الأمور فحسب، فأين استحقاق هذا اللقب:

ممن تخفى عليه أشياء كثيرة وعظيمة في تنظيماته التابعة له والمؤتمرة بأمره، وهو في هذا المنصب الخطير، ومع ذلك هو الذي يحكم فيها بالدماء والأموال، والكفر والإيمان؟

وأين الحكمة إذا كان مطلعًا عالمًا لكن لم يدرك خطرها إلا بعد حين، وقد قال الحسن البصري: "إن هذه الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل".

بل أين الحكمة فيمن اطلع على مصائب القوم وإجرامهم ثم سكت عنها ولم يبين للأمة ولم يوضح، وقدَّم مصلحة التنظيم على مصلحة الأمة، فكر غُرِّر بهذا الصمت أقوام، وكم استبيحت دماء وأموال وانتهكت محارم؟

وأخيرًا.. أين الحكمة في معالجة الخطر الداهم بما ليس علاجًا، والضعف والتراجع أمام الغلاة المنحرفين الذين لم يرقبوا في مؤمن إلا ولا ذمة، والتراجع من وصفهم بالخوارج وإدراك خطرهم على الشام، ثم وصفهم بالمجاهدين وإطلاق ايديهم في العراق!

هلاَّ إن أبيتم سميتموه حكيم القاعدة؟!

اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

إضافة تعليق جديد