الأربعاء 04 ديسمبر 2024 الموافق 02 جمادي الثاني 1446 هـ

إضاءات فكرية

تحقيق القول في مرويات الرايات السود

09 ذو الحجة 1438 هـ


عدد الزيارات : 2415
حاتم العوني

  • السؤال:

ما تحقيق القول في مرويات الرايات السود الواردة في أحاديث الفتن المرفوعة والموقوفة؟ وكذا الأحاديث التي ورد فيها ذكر السفياني؟ وجزاكم الله خيراً.


 

 

  • الجواب: 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

إن أحاديث وروايات ظهور (الرايات السود) و (السفياني) من الأحاديث التي تعددت طرقها وألفاظها في كتب الملاحم وأشراط الساعة، حتى إن طرقها لتكاد تملأ مصنفاً كاملاً، وقد فرح بها فرق وطوائف، فزادوا فيها، وما زالوا!!

ومن طالع تلك الأحاديث تذكر قول الإمام أحمد: "ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير"(الجامع) للخطيب رقم (1536)، وهو يعني بذلك: كثرة الكذب والروايات المردودة في هذه الأبواب الثلاثة، وقلة ما يصح فيها من الأحاديث.

فحديث (الرايات السود) له طرق وألفاظ بالغة الكثرة، وقد امتلأ بها كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد.

لكني لم أجد فيها حديثاً صالحاً للاحتجاج، لا مرفوعاً، ولا موقوفاً على أحد الصحابة.

وأقوى ما ورد فيها من المرفوع –وليس فيها قوي-، الأحاديث التالية:

 

أولاً: حديث ثوبان –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي)، وله ألفاظ أخرى مطولة. وفيها زيادات، منها: (­تجيء رايات سود من قبل المشرق، كأن قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم، ولو حبوًا عَلَى الثلج. حتى يأتوا مدينة دمشق، فيهدمونها حجرًا حجرًا، ويقتلوا بها أبناء الملوك). وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد (5/277) من طريق شريك بن عبد الله، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي قلابة، عن ثوبان به.

وهذا إسناد منقطع، حيث إن أبا قلابة لم يسمع من ثوبان شيئاً، كما قال العجلي رقم (888).

وقد ذكره ابن الجوزي من هذا الوجه في (العلل المتناهية رقم 1445)، وأعله بعلي بن زيد بن جدعان.

وأخرجه ابن ماجة رقم (4084)، والبزار في مسنده (المخطوط –النسخة الكتانية- 223)، من طرق صحيحة عن عبد الرزاق الصنعاني، عن الثوري، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان، بنحوه مطولاً مرفوعاً.

وقال البزار عقبه: "إسناده إسناد صحيح".

وقال البيهقي عقبه في (الدلائل 6/515): "تفرد به عبد الرزاق عن الثوري".

قلت: إسناده أقل أحواله الحُسن في الظاهر، وحتى التفرد الذي ذكره البيهقي منتقض بما أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/463-464)، قال: "أخبرنا أبو عبد الله الصفار: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أورمة: حدثنا الحسين بن حفص: حدثنا سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان..."، وقال الحاكم عقبه: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين".

وقد نقل هذا الإسناد –كما ذكرته- الحافظ ابن حجر في (إتحاف المهرة 3/53 رقم 2513)، مما يُبعد احتمال وقوع خطأ مطبعي فيه.

وإسناد الحاكم رجاله ثقات، إلا محمد بن إبراهيم بن أورمة، فلم أجد له ذكراً، إلا في هذا الإسناد الذي صححه الحاكم. ولو كان ثقة، فإن علة الحديث ليست هنا، وسيأتي ذكرها.

لكن للحديث وجه آخر أخرجه الحاكم (4/502)، وعنه البيهقي في (الدلائل 6/516)، من طريق عبد الوهاب بن عطاء، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء، عن ثوبان موقوفاً عليه غير مرفوع إلى النبي –صلى الله عليه وسلم-.

قلت: فمع هذا الاضطراب في إسناده، مع نكارة متنه، وعدم قيام إسناد من أسانيده، بتحمل هذا الحد من التفرد لا أستطيع أن أطمئن إلى قبول هذا الحديث، خاصة مع عبارات لبعض أئمة النقد، تدل على تضعيف الحديث من جميع وجوهه.

بل قد وقفت على إعلالٍ خاصّ واستنكار خاص لهذا الحديث على خالد الحذاء (مع ثقته) فقد جاء في العلل للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله رقم (2443): "حدثني أبي، قال: قيل لابن عُليّة في هذا الحديث: كان خالد يرويه، فلم يلتفت إليه، ضعف ابن عليّه أمره. يعني حديث خالد عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان عن النبي –صلى الله عليه وسلم –في الرايات" وانظر الضعفاء للعقيلي –ترجمة خالد بن مهران الحذاء –(2/351 رقم 403) والمنتخب من علل الخلال لابن قدامة (رقم 170).

وقد قال الحافظ ابن رجب، بعد أن نقل تضعيف الحديث عن غير واحد من الحفاظ (ممن سبق ذكرهم): "إن صح: فقد وقع ذلك عند ظهور بني العباس. عَلَى دمشق، ودخول عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس إليها، فإنَّه هدم سورها، وقتل بها مقتلة عظيمة من بني أمية وأتباعهم".

ونقل عن الإمام أحمد النهي عن التحديث بحديث الرايات السود ونحوه من أحاديث الملاحم لعدم صحتها عنده. (كما في مجموع رسائله 3/264،266).

إذن فعلة الحديث عند هؤلاء الأئمة: أنهم لم يروا في ضبط وإتقان خالد الحذاء ما يجبر تفرده بهذا الحديث.

 

ثانياً: حديث عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يُعطونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قسطاً، كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً على الثلج).

أخرجه ابن ماجة (رقم 4082)، والبزار في مسنده (رقم 1556-1557)، والعقيلي في (الضعفاء) ترجمة يزيد بن أبي زياد (4/1494)، وابن عدي، ترجمة يزيد بن أبي زياد (7/276)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس النخعي، عن عبد الله بن مسعود به مرفوعاً.

وقال عنه ابن كثير في (البداية والنهاية 9/278): "إسناده حسن"، وحسنه الألباني أيضاً في (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 85).

قلت: وهو كما قالا عن إسناده، في الظاهر قابل للتحسين.

لكن أول ما يلفت الانتباه إلى ما في هذا الإسناد من النكارة هو ما قاله البزار عقب الحديث، حيث قال: "وهذا الحديث رواه غير واحد عن يزيد بن أبي زياد، ولا نعلم روى يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، إلا هذا الحديث".

ومع هذا التفرد الذي صرح به ابن عدي أيضاً عقب الحديث، فإن المتفرد به –وهو يزيد بن أبي زياد- لئن رجحنا حسن حديثه، فإن مثله لا يحتمل التفرد بمثل هذا الإسناد والمتن، حيث إنه في آخر مراتب الضبط، كما أنه انفرد عن إمام مبذول الحديث مشتهره، هو إبراهيم النخعي، الذي لو كان هذا الحديث من حديثه لكان كبار تلامذته وحفاظهم الملازمون له أولى بحفظه عنه وروايته.

ولذلك ضعف هذا الحديث جماعة، وعدوه في مناكير يزيد بن أبي زياد.

فقد قال وكيع بن الجراح –وذكر هذا الحديث-: "ليس بشيء".

وقال الإمام أحمد: "ليس بشيء" أيضاً.

وبلغ إنكار أبي أسامة حماد بن أسامة لهذا الحديث أن قال عن يزيد بن أبي زياد بخصوص روايته لهذا الحديث: "لو حلف عندي خمسين يميناً قسامة ما صدقته!! أهذا مذهب إبراهيم؟! أهذا مذهب علقمة؟! أهذا مذهب عبد الله؟!" (الضعفاء) للعقيلي (4/1493-1495).

ولما أنكر الإمام الذهبي هذا الحديث في (السير 6/131-132)، قال بعد كلام أبي أسامة: "قلت: معذور والله أبو أسامة! وأنا قائل كذلك، فإن من قبله ومن بعده أئمة أثبات، فالآفة منه: عمداً، أو خطأ".

لذلك فإن الراجح ضعف هذا الحديث بل إنه منكر.

ومع هذه الأحكام من هؤلاء النقاد، لا يصح الاعتماد على المتابعة التي أوردها الدارقطني في (العلل) معلقة (5/185 رقم 808)، وأنه قد رواه، عمارة بن القعقاع عن إبراهيم، موافقاً يزيد بن أبي زياد.

وللحديث أوجه أخرى عن ابن مسعود –رضي الله عنه-، كلها ضعيفة، ومرجعها إلى حديث يزيد بن أبي زياد، كما يدل عليه كلام الدارقطني في العلل –الموطن السابق-.

وانظر: مسند البزار (رقم 1491)، والأحاديث الواردة في المهدي للدكتور: عبد العليم البستوي (قسم الصحيحة: 158-162، وقسم الضعيفة: 30-39).

 

ثالثاً: حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (تخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء، حتى تنصب بإيلياء) أخرجه الإمام أحمد (رقم 8775) والترمذي (رقم 2269) والطبراني في (الأوسط رقم 3560)، والبيهقي في (الدلائل 6/516)، كلهم من طريق رشدين بن سعد، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي هريرة به.

وأشار الترمذي إلى ضعفه بقوله عقبه: "غريب".

وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا يونس، تفرد به رشدين".

قلت: ورشدين بن سعد اختلف فيه بين الضعف والترك، وانفراده بهذا الحديث يقتضي نكارة حديثه.

ولكن قد زُعم لرشدين متابع:

فقد جاء في الفوائد الحنائيات: "أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مَعْرُوفِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أبان التميمي قراءة، قال أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي ثابت قال: حدثنا علي بن داود القنطري قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَخْرُجُ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَلا يَرُدَّهَا شَيْءٌ حَتَّى تُنْصَبَ بِإِيلِيَاءَ".

ثم قال عقبه الحافظ عبد العزيز النخشبي مخرِّجُ الفوائد: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُوَيْدٍ وَأَبِي الْحَجَّاجِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ الْمَهْرِيِّ الْمِصْرِيِّ عَنْ أَبِي يَزِيدَ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ مِسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَرِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ الْمِصْرِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُوَيْدٍ أَحْسَنُ حَالا مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وأخرجه من هذا الوجه ابن البخاري في مشيخته.

لكنها متابعة محل شك كبير، فمع حكم الإمام الترمذي والطبراني والبيهقي بغرابة رواية رشدين، ومع عدم ورود هذه المتابعة إلا في هذا الإسناد الفذ الغريب، وعدم شهرته في المصادر الأصيلة الأخرى يحق لنا أن نردها، ونعدها كلا شيء، حتى يأتي ما يشهد لها.

ولذلك تعقب البيهقي رواية أبي هريرة من طريق رشدين بقوله:"ويروى قريب من هذا اللفظ عن كعب الأحبار، ولعله أشبه"، ثم أسند رواية كعب الأحبار موقوفة عليه.

ويؤكد ذلك:

ما صح عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ، "أَنَّ يَهُودِيًّا أَسْلَمَ، قال: وَكَانَ اسْمُهُ يُوسُفَ، قَدْ قرأ الكتب، فَمَرَّ بِدَارِ مَرْوَانَ، فَقَالَ: وَيْلٌ لأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ. فَقُلْتُ لَهُ: إِلَى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى تَجِيءَ رَايَاتٌ سُودٌ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ. وَكَانَ صَدِيقًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَضَرَبَ يَوْمًا عَلَى مَنْكِبِهِ وَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ إِذَا مَلَكْتَهُمْ. فَقَالَ: دَعْنِي وَيْحَكَ، وَدَفَعَهُ، مَا شَأْنِي وَشَأْنُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ فِي أَمْرِهِمْ".

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (37/127).

وأخرجه نعيم بن حماد في الفتن بتوضيح من هو يوسف، فقال: "حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْوَارِثِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ يُوسُفَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، مَرَّ بِدَارِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَقَالَ: "وَيْلٌ لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، حَتَّى تَخْرُجَ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ". الفتن (رقم 569).

 

وبهذا تبين أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات.

وللحديث بعد ذلك روايات أشد ضعفاً من التي سبقت فإني اخترت أمثل الروايات، ليقاس عليها ما هو دونها.

وبذلك يُعلم أنه لم يصح في الرايات السود حديث مرفوع، ولا حديث موقوف على الصحابة –رضي الله عنهم-.

أضف إلى هذه العلل عللا في المتن، وهي:

الأولى: كثرة الاختلاف في الأحاديث والآثار المروية:

  • فمرة تكون الرايات السود ممدوحة وممدوح من يأتي بها، ومرة مذمومة، كحديث: (إِذَا خَرَجَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ فَإِنَّ أَوَّلَهَا فِتْنَةٌ، وَأَوْسَطَهَا ضَلَالَةٌ، وَآخِرَهَا كُفْرٌ).
  • ومرة أنها علامة انتهاء ملك بني أمية وبداية ملك بني العباس , كما حصل فعلا. ولذلك بوب نعيم بن حماد لبعض مرويات الرايات السود في الفتن بقوله "فِي خُرُوجِ بَنِي الْعَبَّاسِ". ومرة أنها علامة لانتهاء ملك بني العباس ، كما بوب لبعضها الآخر نعيم بن حماد: "الرَّايَاتُ السُّودُ لِلْمَهْدِيِّ بَعْدَ رَايَاتِ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَمَا يَكُونُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَصْحَابِ السُّفْيَانِيِّ وَالْعَبَّاسِيِّ".

طبعا وهذه العلامة الأخيرة المزعومة قد بان بطلانها تاريخيا بسقوط دولة بني العباس، ولا مهدي ظهر، ولا سفياني !!

الثانية: أنها بهذا الاضطراب لا تصلح أن تكون علامة لشيء، فأي علامة هي علامة شر وعلامة خير، وعلامة للمهدي وعلامة لغيره !!

الثالثة:  أن العلامة الحقيقية لا يصح أن تكون في متناول كل مدّعٍ كذاب، وإلا فلن تكون علامة ! بل في نَصْبها علامةً (والحال على ما ذُكر) تغريرٌ بالخلق، لا يليق بصاحب الشرع الرحيم بخلقه المحب هدايتهم !! وإلا، فما يمنع كل دعيٍّ كذاب من أن يحمل رايات سوداء، ويقول أنا الذي قد بُشِّر بي !! وهذا ما حصل على يد أبي مسلم الخراساني ودعاة العباسيين أول ظهورهم.

قال الإمام الذهبي في السير: "ويذكر أن أبا مسلم صبغ خرقا سودا، وشدها في رمح، وكانوا يسمعون بحديث رايات سود من قبل المشرق، فتاقت أنفسهم إلى ذلك، وتبعه عبيد، فقال: من يتبعني فهو حر...".

وقبله فعلها يزيد بن المهلب، قال الإمام الذهبي في تاريخ الإسلام: "فلما توفي عمر [بن عبد العزيز] انفلت يزيد بن المهلب من الحبس، وقصد البصرة، ودعا إلى نفسه، وتسمى بالقحطاني، ونصب رايات سوداء...".

وهكذا تكرر استغلال هذه العلامة المزعومة من عدد من الكذابين قديما وحديثا، مما يؤكد أن اعتبارها علامة من أحمق الحمق وأجهل الجهل.

 

وأما أحاديث السفياني:

فلم أجد فيه حديثاً ظاهر إسناده القبول، إلا حديثاً واحداً، أخرجه الحاكم في (المستدرك 4/520) من طريق الوليد بن مسلم الدمشقي، قال: حدثنا الأوزاعي، عن يحيي بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة –رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء، ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس، فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني، فيبعث إليه جنداً من جنده، فيهزمهم، فيسير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض، خُسف بهم، حتى لا ينجو منهم إلا المخبر عنهم).

وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ولم يتعقبه الذهبي.

ولكن تدليس الوليد بن مسلم تدليس التسوية، مع نكارة حديثه هذا الذي لم أجده إلا من طريقه، يجعلني أتوقف في حديثه، إذ لعله أسقط ضعيفاً بين الأوزاعي ويحيي بن أبي كثير، وهذا هو تدليس التسوية.

وهناك حديثان آخران فيهما ذكر السفياني، أخرجهما الحاكم وصححهما (4/468-469-501-502)، لكن تعقبه الذهبي فيهما، فانظر: مختصر استدراك الذهبي لابن الملقن، مع حاشية تحقيقه (7/3325-3326 رقم 1109) (7/3387 رقم 1127).

هذه أقوى أحاديث السفياني، وأنت ترى أنه لم يصح منها شيء، والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

1 - (الجامع) للخطيب رقم (1536)

إضافة تعليق جديد