أدلة سخف الخلافة الداعشية
- أولاً:
لا تتم للخليفة الإمامة والحكم إلا برضا عامة المسلمين ومن بهم يستقر له الحكم وتُؤمن الفتنة والنزاع، قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ). أي الخليفة هو من يُستجنُّ ويُلجأ إليه لكونه محلّ أمن واستقرار، فمن لم يكن قد حصلت ولايته بذلك الاستقرار والتمكين، فليس خليفة.
فأين هذا من خليفة مستتر، لا يأمن على نفسه، ولا يأمن أحدٌ معه؟!
- ثانياً:
ولضمان الاستقرار والأمن لمن يكون خليفة: كان شرط الخلافة أن تكون عن شورى، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ المُسْلِمِينَ فَلاَ يُبَايَعُ هُوَ وَلاَ الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلاَ".
وظاهر الحديث يدل على الإجماع، وهو ظاهر عبارة الإمام أحمد في مسائل الكوسج: "وقد سُئِل عن حديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن مات وليس له إمامٌ، مات مِيتةً جاهليَّة" ما معناه؟ فقال: تَدْري ما الإمام؟ الإمامُ الذي يُجمع عليه المسلمون، كلُّهم يقول: هذا إمام؛ فهذا معناه".
والمقصود بهم جمهور المسلمين (من خلال أهل الحل والعقد، كما يأتي)، كما نص على ذلك كثيرون من أهل العلم. حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ عُمَرَ وَطَائِفَةً مَعَهُ بَايَعُوهُ، وَامْتَنَعَ سَائِرُ الصَّحَابَةِ عَنِ الْبَيْعَةِ، لَمْ يَصِرْ إِمَامًا بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا صَارَ إِمَامًا بِمُبَايَعَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْقُدْرَةِ وَالشَّوْكَةِ. وَلِهَذَا لَمْ يَضُرَّ تَخَلُّفُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ [لَا] يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِ الْوِلَايَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُ الْقُدْرَةِ وَالسُّلْطَانِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا تَحْصُلُ مَصَالِحُ الْإِمَامَةِ، وَذَلِكَ قَدْ حَصَلَ بِمُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى ذَلِكَ" منهاج السنة (1/530).
وبما أن الخلافة لا تتم إلا بالمشورة وبرضا عامة ألمسلمين (من خلال من اختاروهم من أهل الحل والعقد)، فأين هذا من طائفة قليلة لا تتجاوز بضعة ألوف من دون ملايين بل مليار وربع من المسلمين، ودون أخذ مشورة علماء المسلمين وأهل الحل والعقد فيها.
إن مثل هذا التصرف في إعلان الخليفة في مثل هذه الظروف، ودون أخذ أدنى شروطها في الحسبان = دليلٌ على طمع في الحكم، وتكالب على الدنيا باسم الدين، وإلا لماذا لم ينتظروا إلى أن يستقر الوضع، ثم يأخذ الحكم مساره الطبيعي: إما من خلال مساره الإسلامي الشوري، أو حتى مساره الديمقراطي.
- ثالثاً:
المشورة لا تؤخذ إلا في حال الأمن على النفس والحال، أما في حال الخوف فهي إكراه.
ولذلك إن ادُّعِيَ أَخْذُ المشورة (وهذا كذب، فلم يأخذوا إلا مشورة عصابةٍ منهم)، ولكننا نقول تنزلاً: لو أُخذت المشورة من أهل الحل والعقد جميعهم في سورية والعراق فقط، وهم تحت سطوة الخوف والإرهاب، فهذه مشورة لا وزن لها، لأنها تمت تحت سطوة الخوف والإكراه. لا تكون الشورى الحقيقية إلا في ظروف الاختيار السلمي.
- رابعاً:
إنما يجب تنصيب الحاكم والخليفة من أجل إقامة العدل والعلو من شأن الأمة ديناً ودنيا، فكيف تصح ولاية من كانت ولايته قائمةً على الضد ذلك:
- من البطش والظلم وسفك الدماء.
- وأفكار جماعته تتأسست على الجهل:
- الجهل بالدين، فليس فيهم عالم معتبر واحد.
- والجهل بالعلوم المصلحة للدنيا، فلا ينشرون ديناً ولا يصلحون دنيا.
- والجهل بالواقع الذي تعيشه الأمة في منظومة عالمية لا يمكن تجاهلها وانتظار فتوح الغيب.
- خامساً:
لا يتم اختيار الخليفة إلا من قبل أهل الحل والعقد: من اجتمعت فيهم: الديانة والأمانة، وسداد الرأي، والوجاهة واعتراف الناس لهم باستحقاقهم للمشورة في قضايا الأمة (السياسية، والاقتصادية، والعسكرية ) = يكونون مؤهلين علمياً وخُلُقيًّا لحمل أمانة اختيار القيادة.
ولذلك رفض علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيعة الثوار على عثمان رضي الله عنه، ولم يقبل بمنصب الخلافة حتى بايعه أهل الحل والعقد، كطلحة والزبير رضي الله عنهما.
وأين هذا من جماعة ليس فيهم واحد ممن تعرفه الأمة بسداد رأي وبتسديد حكمة، مثل داعش؟!
- سادساً:
الخليفة (الحاكم) لابد أن تكون سيرته وصفاته بالعلم والديانة أشهر من أن تحتاج إلى تعريف، لأنه بغير ذلك سيكون مجهولاً بالنسبة لمنصب عظيم، يحتاج أن يكون المرشَّح له أشهر من نار على علم بتمام الكفاية ديناً وعلماً وخبرة وقوة شخصية وغير ذلك من صفات القيادة العظمى، إذ لا يصح أن تجازف الأمة بمصيرها بتولية قيادتها شخصًا لا يكادون يعرفون عنه ما يؤهله لإدارة مدرسة محو أمية، فضلاً عن منصب عظيم الخطر جليل الأهمية كالخلافة.
وخليفة داعش كاد أن يكون في جهالته كمهدي السرداب، لا يعرفه إلا أتباع الخرافة !!
- سابعاً:
نحن الآن في زمن الدولة القطرية: التي يجب أن يُطاع حكامها بالمعروف، ولا يجوز الخروج عليهم.
وفكرة صحة الخلافة القطرية نص عليها عدد من العلماء: كالجويني من السابقين والشوكاني من المتأخرين: وهي أن يكون لكل قطر حاكم.
وهذا لا ينافي وجوب التعاون والتناصر بين الدول الإسلامية، أو عقد أحلاف تجمع بينها، كبعض الأحلاف التي نتمنى أن تنجح.
وحتى نفهم ما سبق: دعوني أسأل الأسئلة التالية:
1. ما الفرق بين هؤلاء الداعشيين وأي عصابة تستولي على مدينة، أو جماعة من الخوارج ينفردون ببقعة من بلاد المسلمين، ثم يعلنون الخلافة؟! فإن لم تجدوا الفرق المؤثر، فهذا يدل على بطلان خلافتهم السخيفة.
2. لو قام رجل آخر وقاتل داعش، واستولى على أراض، ثم أعلن الخلافة بطريقة داعش نفسها. ماذا سيكون حال الأمة؟!
أعلم أنهم سيحتجون بقوله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا"، وبقوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ)، وينسون أن هذا في الخليفة الشرعي لا في أدعياء الخلافة. هذا.. أولاً.
وأما ثانياً: فسيصبح تصوير المسألة حسب هذا التقرير المتهافت: وكأن الخلافة كأس سباق، فمن سبق إلى ادعائها فهو الحائز على لقب الخليفة !! وكأن أدعياء الخلافة هؤلاء هم العدّاؤون في مضمار السباق، فأسرعهم بادعائها: فهو الخليفة !!
أخيراً: قفوا عند هذا الوصف الدقيق لداعش العصر الماضي، وانظروا إلى أي حد تشتبه بالمعاصرين:
ففي قصة داود بن قيس الصنعاني (والصحيح أنه ثقة) عن وهب بن منبِّه (وهو من أئمة التابعين): "قد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت للخوارج جماعةٌ قط، إلا فَرَّقها الله على شرِّ حالاتهم. وما أظهر أحدٌ منهم رأيه قط، إلا ضرب الله عنقه. وما اجتمعت الأمة على رجل قط من الخوارج.
ولو أمكن الله الخوارجَ من رأيهم: لفسدت الأرض، وقُطعت السبل، وقُطع الحج من بيت الله الحرام، وإذن لعاد أمرُ الإسلام جاهليةً، حتى يعودَ الناس يستغيثون برؤوس الجبال، كما كانوا في الجاهلية، وإذن لقام أكثر من عشرة أو عشرين رجلاً ليس منهم رجل إلا وهو يدعو إلى نفسه بالخلافة، ومع كل رجل منهم أكثر من عشرة آلاف، يقاتل بعضهم بعضاً، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح الرجل المؤمنُ خائفاً على نفسه ودينه ودمه وأهله وماله، لا يدري أين يسلك، أو مع من يكون.
غير أن الله بحكمته وعلمه ورحمته نظر لهذه الأمة، فأحسن النظر لهم، فجمعهم وألف بين قلوبهم على رجل واحد، ليس من الخوارج، فحقن الله به دماءهم، وستر به عوراتهم وعورات ذراريهم، وجمع به فرقتهم وأمّن به سُبُلَهم، وقاتل به عن بَيضة المسلمين عدوَّهم، وأقام به حدودهم، وأنصف به مظلومهم، وجاهد بظالمهم = رحمة من الله رحمهم بها".
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق بإسناد صحيح (63/380).
إضافة تعليق جديد