الأحد 10 نوفمبر 2024 الموافق 08 جمادي اول 1446 هـ

إضاءات فكرية

التعليق على بيان جبهة النصرة بشأن ميثاق الشرف السوري

28 جمادي الثاني 1438 هـ


عدد الزيارات : 2560
محمد براء ياسين

فقد صدر عن جبهة النصرة بيان نقدت فيه ميثاق الشرف الثوري الذي تواثقت عليه مجموعة من الفصائل الثورية في سوريا، وفي هذه الورقة مناقشة لهذه التعليقات.

وذلك في عدة وقفات:

  • الوقفة الأولى:

انتقد البيان عدم مشاورة المتواثقين لجبهة النصرة في شأن ميثاقهم، وذكر أهمية الشورى وضرورتها للجهاد الشامي، ولن يعدم الناظر في تصرفات جبهة النصرة أن يعيبها بنفس هذا العيب، بل لم يُعرف عنها أنها تشاور أحدًا من الفصائل الأخرى في شيء من كبار القضايا أصلا، على أنه - بالنظر في حال المتواثقين وحال جبهة النصرة - يظهر أن عدم مشاورة الفصائل لها في شأن هذا الميثاق ليس راجعًا إلى عدم قناعة تلك الفصائل المتواثقة بنظام الشورى، أو عدم إدراكهم لأهميته في الساحة الشامية، وإنما سببه عدم قابلية جبهة النصرة لسلوك مسلك التواثق مع أحد على شيء من الأهداف الكبرى، فهم لا يعرفون من هيئات الاجتماع إلا الاجتماع تحت أمير واحد، وإلا فإنهم في ما يعلنونه يقولون إن هدفهم الأكبر تحكيم الشريعة، وهم في بيانهم هذا نفسه يقولون إن كثيرًا من الفصائل التي يخالطونها ويعيشون معها يشتركون معهم في هذا الهدف، أما وهذا الحال فلماذا لم يتواثقوا معها على هذا الأمر ؟! ولماذا لم نر لهم ميثاقًا يجمعهم على هذه الغاية ؟! على أنهم لم يذكروا من هي هذه الفصائل التي خالطوها ورأوها تتفق معهم على غاية تحكيم الشريعة، وهل أصحاب ميثاق الشرف الثوري يدخلون فيها أم لا.

  • الوقفة الثانية:

عابت جبهة النصرة الميثاق بعدم الوضوح والانضباط والتحديد، بل شط كاتب هذا البيان حتى زعم أن الميثاق: (قد فقد كل معاني الانضباط)، ولا يخفى على من قرأ الميثاق النصوص الصريحة في استمداد المبادىء الثورية من الدين الإسلامي، وتحديد هدف إسقاط النظام، والحفاظ على وحدة سوريا، واستقلالية القرار السوري ورفض التبعية، ومثل هذه النصوص صريحة في ضبط أفعال المتواثقين وغاياتهم، وفيها رفض لكل سعي سياسي أو عسكري يناقض هذه الغايات، لكن حقيقة الحال أن جبهة النصرة تريد بالانضباط الانضباط بمعايير الجبهة وبالوضوح التصريح بشعارات الجبهة.

  • الوقفة الثالثة:

عابت النصرة الميثاق بعدم احتراز أصحابه في تعريفهم للدين الذي يرجعون إليه، من قيد الانبطاح والتخاذل واقتصارهم على قيد الغلو والتنطع، والجواب عن هذا ظاهر جدًا وهو أن النص على البعد عن التنطع والغلو، لا ينفي البعد عن الانبطاح والتخاذل، ولا أدري هل هذا انتقاد كتبه صاحبه بباعث النقد العلمي، أم أنه أراد الإيماء إلى أن هؤلاء المتواثقين منبطحون ومتنازلون ؟ أو أنهم متساهلون مع المنبطحين والمتنازلين؟

  • الوقفة الرابعة:

لما كان النص صريحًا في الميثاق على انضباط الثورة بالدين الإسلامي، كان من المفترض أن يلاقي من جبهة النصرة الثناء إذ هو أمر مشترك بين المتواثقين وبينها، لكنها قللت من شأن هذا البند بأن الكل يدَّعي ذلك، أي أن الكل يدعي الانضباط بالدين الإسلامي، وما العيب على أصحاب الميثاق في كون الكل يدعي ذلك ؟ وهل يريدون مثلا من المتواثقين أن يصرحوا بالانضباط بالمرجعية الشرعية لتنظيم القاعدة وبآراء أبي محمد المقدسي وأبي قتادة ونحوهما حتى يمتازوا عن الكل وترضى جبهة النصرة ؟ إن فرضت جبهة النصرة أنه يمكن أن تجتمع الفصائل على هذا فهو اجتماع وهمي لا يمكن تحققه في الواقع.

  • الوقفة الخامسة:

جاء في البيان في نقد ميثاق الشرف الثوري: (اقتصار الجهاد على صورة واحدة من صور دفع العدو الصائل وهو إسقاط النظام عسكريًّا، مع العلم أن هذا النظام قد صال على الدين قبل النفس والعرض والمال والنسل، فدفعه يجب أن يكون عن الدين وحاكميته قبل كل شيء، فإن من المقرر عند أهل الإسلام أن حفظ الدين مقدَّم على غيره من الضروريات).

قلت: ليس هناك عدة صور محتملة لقتال النظام حتى يقولوا إن الميثاق اقتصر على واحدة، فهذا فساد في العبارة، ويبدو أنهم قصدوا أن الميثاق اقتصر على غاية واحدة من قتال النظام وهي قتاله لأنه عدو صائل لا لأنه ممتنع عن تحكيم الشريعة، وهذه المسألة برمّتها لم يتعرض لها الميثاق، ولم يذكُر له قولًا فيها، فلا أدري ما الذي استدعى هذه المسألة لذهن كاتب البيان حتى يطرحها ثم يذكر اختيارهم فيها ويخطّئ المتواثقين في اختيارهم.

  • الوقفة السادسة:

جاء في البيان في نقد ميثاق الشرف الثوري: (نص البيان على أن الفصائل الموقعة على هذا البيان تريد أن تقدِّم رموز النظام ومجرميه إلى المحاكمة العادلة بعيدًا عن الثأر والانتقام، وهذا مخالف لما قررته الشريعة أن أصحاب الردة المغلظة ليس لهم في الإسلام إلا السيف).

قلت: هذا خلط بين مسألتين، فالمتواثقون يتكلمون في مسألة آلية التعامل مع أركان النظام بعد القدرة عليهم، وصاحب البيان يتكلم في مسألة الحكم الذي ينبغي أن يصدر فيهم، وهما مسألتان منفصلتان.

  • الوقفة السابعة:

وصف البيان المتواثقين بالتناقض لكونهم رفضوا التبعية الخارجية ومع ذلك رحبوا باللقاء بالأطراف الدولية والإقليمية، وسبب ادعاء هذا التناقض أن جبهة النصرة لا تفهم من اللقاء بالأطراف الدولية والإقليمية إلا معنى لقاء التابع بالمتبوع، وهذه الدعوى بهذا الإطلاق ليس لها أساس شرعي أو واقعي، والمأمول أن يتمكن المتواثقون من تكذيبها عمليًّا.

  • الوقفة الثامنة:

إن مما يستدعي التنديد والإنكار أن تجعل جبهة النصرة المعاني الوطنية الاستقلالية معاني مذمومة وتجعلها نقيضًا لمعاني الأخوة الإيمانية الإسلامية، وهذا جهل شنيع، بل إن ما تواثقت عليه الفصائل السورية من الحفاظ على وحدة التراب السوري واستقلال سوريا واستقلال القرار السوري، هو من الغايات الجليلة، وهي من أولى ما يتواثق عليه، وضد الاستقلال والحفاظ على وحدة سوريا هو التقسيم والتبعية فهل هما أمران ممدوحان لدى جبهة النصرة ؟!

  • الوقفة التاسعة:

جاء في البيان إن وصف أصحاب الميثاق للدولة التي يرجونها بأنها دولة الحرية والعدل والقانون تظهر فيه الضغوط والاملاءات، وهذا لتوهمهم أن استعمال هذه الألفاظ إنما هو لإرضاء جهات ما مع عدم القناعة بها، وهذا ما نفاه رئيس الهيئة السياسية للجبهة الإسلامية، وليس في هذه الألفاظ أصلًا إشكال من الجهة الشرعية، فدولة الحرية والعدل والقانون يقابلها دولة العبودية والظلم والاستبداد، لا دولة الشريعة، فلا معنى لمعارضة ذلك بأن جبهة النصرة تريد دولة تحكم الشريعة وأن أهل الشام رأوا الخير في الشريعة إلى آخر كلامهم.

وختامًا فإنني إذ أرى إن كثيرًا من انتقادات جبهة النصرة للميثاق جاءت من جهة التعسف في الفهم، فإن ما أرجوه هو أن تتحسن القدرة على التفاهم بين الفصائل الجهادية في سوريا، ولا تخفى فائدة ذلك على عاقل.

إضافة تعليق جديد