فقه الدولة في الإسلام
ملخّص:
- الهدف من إقامة الدولة:
إقامة الدولة أحد الأهداف السامية التي يطمح إليها الناس، ولكن الهدف الأسمى في حياة الناس هو تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات، وقد يتحقق هذا الهدف دون دولة، كما حصل مع بعض الأنبياء الذين لم يؤمن بهم أحد، أو آمن بهم رجل أو اثنان.
- الدولة في اللغة:
تدل على السلطة والقهر، وتدل أيضاً على معنى التداول، ففي الحرب يدال هؤلاء مرة فيغلبونهم ويغلب هؤلاء الأولين في مرة أخرى.
- الدولة في المفهوم السياسي:
مجموعة من الأفراد المُعبّر عنهم بالشعب يقيمون بشكل دائم في إقليم من الأقاليم الجغرافية المُعبّر عنه بالأرض أو الوطن، ويخضعون لسلطة تحكمهم وفق نظام معين.
- أركان الدولة:
• الركن الأول: الشعب الذي يعيش على الإقليم، ولا يوجد دولة بدون شعب.
• الركن الثاني: الإقليم أو الوطن أو الرقعة الجغرافية التي يعيشون عليها.
• الركن الثالث: السلطة أو الحكومة أو الحاكم.
• الركن الرابع: الدستور أو القانون أو النظام، وهذا يُعبَّر عنه في السياسة الشرعية بالحكم بما أنزل الله، أو سيادة الشريعة. وهو أصل أصيل وركن ركين في الدولة الإسلامية.
- أهل الحل والعقد:
هم الجماعة المخصوصة من الوجهاء وسادة الناس والمقدّمين فيهم، ممن تتوافر فيهم صفة العلم والرأي والمعرفة والحنكة، والناس تبع لهم فيما يفعلون، ويحترمون آراءهم واختياراتهم. فهم نوّاب عن الأمة في رعاية المصالح العامة، وفي النظر في الشؤون التي تتعلق بها. ويسمون أهل الاختيار، وأهل الشوكة.
- كيفية اختيار أهل الحل والعقد:
الشريعة لم تأت بطريقة محددة باختيارهم، بل أوكلت ذلك إلى الناس، لأن الغاية من وجودهم هو تحقيق مصالحهم، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما بايعه الأنصار في بيعة العقبة الثانية قال: (أخرجوا إليَّ اثني عشر نقيباً)، وكانوا بضعة وسبعين، ولم يحدّد لهم آلية اختيارهم، فأخرجوا اثني عشر نقيباً وصاروا النقباء، وهم العرفاء والذين يقومون على غيرهم بمصالحهم.
- شروط تعيين الأمير أو الإمام:
- الإسلام، لأن وجود الحاكم يُراد منه أن يحقق مصالح الناس في الدين والدنيا، وهذا لا يتأتى إلا بالمسلم.
- الحرية.
- التكليف (بأن يكون بالغاً عاقلاً).
- العدالة، بأن يكون خالياً من الفسق وخوارم المروءة.
- الذكورة، وهذا محل اتفاق في الإمامة العظمى.
- وجود الكفاية من الحكمة والحنكة والشجاعة والنجدة والرأي وحسن التدبير.
- سلامة الحواس حتى يكون قادراً على القيام بالمهام.
- أن يكون قرشيّاً، وهذا يجعله بعض العلماء شرطاً للخليفة الذي يكون على جميع بلاد المسلمين دون من يكون على بلد معين، وهو شرط لا يلزم على كل حال، بل هو للمفاضلة.
- كيفية تنصيب الأمير أو الإمام:
أهل الحل والعقد ينوبون عن الأمة في الشؤون العامة، ومنها اختيار الإمام، فينظرون فيمن ترشّح لهذا المنصب، ويبحثون عن أقربهم تحقيقاً للمصلحة والقيام بأمر الأمة وتدبير شؤونها، فيختارونه ثم يعقدون له الولاية وينصّبونه، ثم يبايعه بقية الشعب البيعةَ العامة.
- حدود طاعة ولي الأمر:
الطاعة تكون في المعروف، وفيما يحقق المصلحة، أما إذا أمر بالمفاسد والمعاصي وبما يخالف الشرع فلا سمع ولا طاعة، فليست الطاعة مطلقة لولاة الأمر، بل هي تابعة لطاعة الله ورسوله، يستدل لذلك بقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ}[النساء: 59]، ولم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم، بل جعل طاعة ولاة الأمر تابعة لطاعة الله ورسوله، وليست مستقلة.
- مفهوم الخروج على الإمام:
الخروج عند أهل العلم والباحثين في السياسة الشرعية هو أن تقوم جماعة من الرعية بإسقاط طاعة الإمام، واعتقاد عدم شرعية حكمه، والسعي إلى خلعه ونزعه.
- كيف تكون البيعة إذا تعدّد الأمراء كما هو الحال في سورية؟
اتفق جمهور أهل السنة أنه لا يحوز تعدد السلاطين سواء اتسع الإقليم أو ضاق، وهذا الأصل متفق بين أهل العلم، واستدلوا على ذلك بأحاديث كثيرة واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر قضية تعدد الخلفاء قال: (وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ) متفق عليه، وفي حديث آخر قال: (إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ، فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا) رواه مسلم، (مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ) رواه مسلم.
فأخذ العلماء من هذه الأحاديث وأشباهها أنه يجب أن يكون للمسلمين إمام واحد ولا يجوز تعدّد الأئمة. هذا من حيث الأصل. لكن لما تعدّدت البلاد واتسعت الرقعة الجغرافية لبلاد الإسلام، واستقل كل حاكم ببقعة من الأرض ينفذ فيها أمره ولا ينفذ قوله في غيرها، حينئذٍ أدى الواقع إلى أن لكلٍّ من هؤلاء ولايةً خاصة على هذا البلد فيطاع، لكن في البلد الواحد لا يجوز أن تتعدد فيه السلاطين.
والجماعات الموجودة اليوم في سورية هي جماعات جهادية وليس لها أن تفتــئت على الأمة ولا أن تصادر حقها في بناء الدولة التي تناسب مصالحها وتحقق غاياتها، لأن هذا الحق للأمة، كما أشار عمر رضي الله عنه في خطبته حينما قال قائل: لو قد مات عمر بايعت فلانًا، فقال عمر: "إني قائم العشية في الناس، فمحذّرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم" رواه أحمد وابن حبان، فالأمر راجع إلى الناس.
فهذه الجماعات الجهادية جهادها مبرور، وجزاها الله خيرًا على ما تقوم به من مجهود، لكن ليس لها أن تصادر حق الأمة ولا أن تقيم تلك الإمارات المختلفة المتنازعة التي لا يصدق عليها مفهوم الدولة، على ما فيها من تفرق وتشرد.
إضافة تعليق جديد