مرجعية الشريعة في الدستور (دستور 1950 نموذجاً) ورقة بحثية مقدمة إلى مركز الحوار السوري (تطوير الخطاب السياسي الثوري)
ملخص الورقة:
من الأمور التي أثارت جدلاً بين أوساط الثورة السورية: النص على "مرجعية الشريعة" في الدستور، فمن قائل بوجوب النص على مرجعية الشريعة، ولا يمكن التنازل عن هذا المطلب مهما كانت الأسباب، ومن قائل بعدم الوجوب اكتفاءً بأن غالبية الشعب مسلم، ولا حاجة للنص على مرجعية الشريعة؛ فهو لن يقبل إلا بالشريعة الإسلامية مرجعاً له بعد كل هذه الدماء، وبرز في الطرف الآخر تيارات تنادي بعلمانية الدولة ولا تقبل بمرجعية الشريعة.
وعلى اعتبار أنه قد ثار خلاف حول الوثيقة التي يجب اعتمادها في مرحلة الحكم الانتقالي، حيث يصعب إعداد دستور جديد في هذه المرحلة، فقد برزت أصوات كثيرة بضرورة اعتماد دستور 1950 في مرحلة الحكم الانتقالي لأسباب عديدة حتى يتم الانتقال إلى الحكم الدائم، وإعداد دستور جديد للبلاد تأتي هذه الورقة بعنوان "مرجعية الشريعة في الدستور- دستور 1950 نموذجاً-" تجيب عن التساؤلات التالية:
-
هل نص دستور 1950 على مرجعية الشريعة؟
-
وما المواد التي نصت على مرجعية الشريعة؟
-
وما المعايير التي يمكن الاعتماد عليها في دستور سوريا المقبل للتأكيد على مرجعية الشريعة؟
تمهيد:
الدستور: هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
منذ عام 1920 وحتى عام 2015 صدر خمسة دساتير رئيسية في سوريا وهي دستور (1920-1930- 1950- 1973- 2015) بالإضافة إلى التعديلات التي تمت على الدساتير خلال هذه الأعوام إلى أن جاء دستور 1973 والذي لم يطرأ عليه أي تعديل إلى عام 2000 حيث تم تعديل عمر الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً ليكون مناسباً لتولي بشار الأسد الرئاسة بعد وفاة والده حافظ الأسد.
دستور 1950 : في اليوم الثاني لانقلاب سامي الحناوي كلّف الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي برئاسة الحكومة والتي وضعت على رأس أولياتها القيام بانتخابات الجمعية التأسيسيّة لوضع الدستور الجديد للبلاد، عقدت الجمعية أولى اجتماعاتها في 12 ديسمبر وانتخبت رشدي كيخيا عميد حزب الشعب رئيسًا لها وهاشم الأتاسي رئيسًا للجمهوريّة. شكلت الجمعية لجنة صياغة الدستور في 28 ديسمبر وتمثلت بها مختلف القوى السياسية وغير السياسية في سوريا. ومن أسماء الجمعية التأسيسية والتي قامت بصياغة الدستور: رشدي كيخيا (رئيس اللجنة)، مصطفى السباعي (نائب الرئيس)، عبد الوهاب سكر، محمد مبارك، صبحي العمري، عبد الوهاب حومد (قانوني)، ناظم القدسي، جلال السيد، أحمد مظهر العظمة.
وخرج الدستور بصيغته النهائية مؤلفًا من 166 مادة. أكثر المواضيع التي احتدم عليها النقاش كانت موضوع إعلان الإسلام دين الدولة أو دين رئيس الدولة وانتهى الأمر بعد طول نقاش للحفاظ على صيغة دستور 1930 بكونه دين رئيس الدولة.
1. مواد تؤكد على هوية الدستور وتمسكه بالشريعة الإسلامية:
- 1. (مقدمة الدستور: يظهر من مقدمة الدستور هوية الشريعة الإسلامية فقد ورد في مقدمة الدستور : (ولما كانت غالبية الشعب تدين بالإسلام فإن الدولة تعلن استمساكها بالإسلام ومُثُله العليا. وإننا نعلن أيضاً أن شعبنا عازم على توطيد أواصر التعاون بينه وبين شعوب العالم العربي والإسلامي، وعلى بناء دولته الحديثة على أسس من الأخلاق القويمة التي جاء بها الإسلام والأديان السماوية الأخرى، وعلى مكافحة الإلحاد وانحلال الأخلاق).
فيظهر من هذه المقدمة والتي وضحت أهداف وضع الدستور: الإعلان صراحة بالاستمساك بالإسلام، وتبرير ذلك أن غالبية الشعب هم المسلمون، وحاربت بشكل واضح الإلحاد والأفكار التي تؤدي إليه .
ثم نص الدستور على أن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ منه حيث نصت: (ونعلن أن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، وضعت لتذكر المواطنين بالمبادئ التي قام عليها قانونهم الأساسي، وأننا نحن ممثلي الشعب السوري العربي، لنضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ أمتنا وشعبنا ويقيهما كل مكروه، ويسدد خطانا حتى نحقق مثلنا العليا).
- 2. (الفصل الأول: (في الجمهورية العربية السورية) المادة الثالثة:
- دين رئيس الجمهورية الإسلام.
- الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.
- حرية الاعتقاد مصونة، والدولة تحترم جميع الأديان السماوية، وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام.
- الأحوال الشخصية للطوائف الدينية مصونة ومرعية).
أعلنت هذه المادة بشكل صريح أن دين الرئيس هو الإسلام وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع، وبذلك أكّدت الهوية العامة للدستور وهو الإسلام خاصة وأن هذه المادة وردت في الفصل الأول وهو الذي يعـــرّف الجمهورية العربية السورية واللغة الرسمية والعاصمة والدين الرسمي للدولة.
أما بالنسبة لباقي الأديان فقد كفلت لهم إقامة شعائرهم، وهذا ما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، ولكن بشرط أن لا يخل ذلك بالنظام العام للدولة ولا يتعارض معه.
يشار إلى أنه وقع خلاف في النص على "دين رئيس الدولة الإسلام" فقد كانت الصياغة "دين الدولة الإسلام" وحصلت خلافات بين أعضاء الجمعية التأسيسية في هذا الموضوع، إلى أن تم اعتماد "دين رئيس الدولة الإسلام"، وقد أصدرت رابطة علماء دمشق بياناً تعترض على هذا البند وتطالب بالتصريح بـــ "دين الدولة الإسلام".
- 3. سياسة التعليم: ورد في المادة (28): (يجب أن يهدف التعليم إلى إنشاء جيل قوي بجسمه وتفكيره، مؤمن بالله، متحلّ بالأخلاق الفاضلة، معتزّ بالتراث العربي، مجهّز بالمعرفة ، مدرك لواجباته وحقوقه، عامل للمصلحة العامة، مشبّع بروح التضامن والأخوة بين جميع المواطنين.
يحظر كل تعليم ينافي الأهداف الواردة في هذه الفقرة).
هذه المادة من المواد المهمة في الدستور لأنها ترسم سياسة التعليم في البلد فقد نصّت على أنه من أهداف التعليم على سبيل الحصر إنشاء جيل مؤمن بالله متمسك بالأخلاق الفاضلة، وأي تعليم ينافي هذه الأهداف فإنه يمنع ويحظر.
2. مواد توافق أحكام الشريعة الإسلامية:
وردت في الدستور مواد يظهر من خلالها أنها جاءت منسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومتوافقة معها، منها:
- إلزامية التعليم الديني فقد نصت المادة (28) : (يكون تعليم الدين إلزامياً في المراحل لكل ديانة وفق عقائدها) والتعليم الديني لكل ديانة وفق عقائدها لا يتناقض مع أحكام الشريعة الإسلامية على أن لا يخل ذلك بالنظام العام كما بينَا في الفقرات السابقة.
- حماية الأسرة من خلال حث الشباب على الزواج وتأمين سبله، وعلى الدولة أن تزيل كل العقبات في سبيله، فقد نصت المادة (32) على أن: (الأسرة هي الركن الأساسي للمجتمع، وهي في حمى الدولة. تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه، وتزيل العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه).
-
حماية الأوقاف الإسلامية وخصوصيته، وأنه ملك للمسلمين لا يجوز التلاعب به، فقد نصت المادة (34) على أن: (الأوقاف الإسلامية ملك للمسلمين، وهي مؤسسة من مؤسسات الدولة العامة، تتمتع باستقلال مالي وإداري وتنَظّم أوضاعها بقانون).
3. عبارات إسلامية يشير إليها الدستور:
من خلال مطالعة فقرات الدستور يبدو واضحاً بعض العبارات الإسلامية التي تؤكد وتعزز الهوية الإسلامية للدستور وهي:
-
افتتاحية مقدمة الدستور بعبارة: (نحن ممثلي الشعب السوري العربي، المجتمعين في جمعية تأسيسية بإرادة الله ورغبة الشعب الحرة).
-
القَسَم الموضوع عند مباشرة أي سلطة عملها تفتتح عملها بالقسم الوارد في الدستور كما في المادة (46): (قبل أن يتولى النواب عملهم يقسم كل واحد منهم علناً أمام المجلس اليمين التالية:
"أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً لدستور البلاد، مدافعاً عنه وعن استقلال الوطن وحريات الشعب ومصالحه وأمواله وكرامته، وأن احترم قوانين البلاد، وأقوم بمهمة النيابة بشرف وصدق واخلاص، وأن أعمل لتحقيق وحدة الأقطار العربية").
4. مواد جدلية تتعارض مع مرجعية الشريعة:
وفي المقابل يوجد بعض المواد الجدلية التي وردت في دستور 1950 وأثارت بعض الإشكالات بدعوى أنها تؤكد الهوية العلمانية للدولة، وهذه المواد هي:
- الفصل الأول (في الجمهورية العربية السورية) المادة (1): (سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة).
هذه المادة تؤكد أن سورية دولة ديمقراطية ومصطلح الديمقراطية ثار خلاف حوله بين العلماء المسلمين، ففريق يرى أن الديمقراطية لا يجوز الأخذ بها ولا النص عليها في الدستور، وفريق آخر يرى الأخذ بآليات الديمقراطية دون النص على الديمقراطية، وفريق يرى أنه لا مانع من الأخذ بالديمقراطية، وينظر إلى الديمقراطية على أنها وسيلة وآلية من آليات الشورى. (ينظر توصيات الندوة التشاورية الخامسة بعنوان المصطلحات المثيرة للجدل ومنها الديمقراطية).
لا بد أن أشير إلى قاعدة أصولية وهي (المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم الدليل على تقييده) صحيح أن دستور 1950 نص على الديمقراطية في المادة الأولى، ولكن أكّد الدستور في مقدمته باستمساكه بالإسلام ومحاريته الإلحاد، وهذه النقطة غير قابلة للجدل والنقاش في الدستور، فما يتخوف منه المعارضون للديمقراطية بأنها قد تؤدي إلى تحكيم غير شرع الله تخلص منها الدستور في المقدمة، ثم عاد الدستور ليؤكد على الهوية العامة للدولة من خلال النص صراحة بأن "دين رئيس الدولة الإسلام" وأن "الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع".
في حين أن عبارة الديمقراطية لم يرد ذكرها إلا في المادة الأولى مرة واحدة ومرة أخرى في المادة (18) في وصف الأحزاب بأنها "ذات نُظُم ديمقراطية" ولم يرد ذكرها في المقدمة، أما عبارات الإسلام فقد ورد ذكرها (4) مرات في المقدمة وفي العديد من المواد كما بينت.
ووردت عبارة "مؤمن بالله" ووردت عبارة "التمسك بالأخلاق الفاضلة" ووردت عبارة "محاربة الإلحاد" صراحة.
ونخلص في النتيجة إلى أنه لا يمكن وصف دستور 1950 بأنه يتعارض مع مرجعية الشريعة بسبب ورود عبارة الديمقراطية في المادة الأولى؛ وذلك لتقييدها بعدد من العبارات الواردة في الدستور والتي تؤكد الهوية الإسلامية للجمهورية العربية السورية.
- المادة الثانية: (السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها.
تقوم السيادة على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب.
يمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور).
لقد ثار خلاف حول نص الدستور على كلمة (السيادة للشعب) بدعوى أن السيادة لله أو للشريعة وليست للشعب.
لذلك يمكن أن نشير إلى معنى السيادة وأقوال العلماء المعاصرين فيها:
بداية لم يكن لهذا السؤال حضور في التراث الإسلامي بسبب أنه أثير بعد شيوع مفاهيم الفكر السياسي الغربي، لذلك يجب علينا أن نبين معنى السيادة وأحكامها.
تعريف السيادة: "السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في إنشاء الخطاب الملزم المتعلق بالحكم على الأشياء والأفعال"قواعد نظام الحكم في الإسلام، ص (24).
فمن سماتها: سلطة عليا ومطلقة، وإفرادها بالإلزام وشمولها بالحكم لكل الأمور والعلاقات سواء التي تجري داخل الدولة أو خارجها.
أقوال العلماء في مسألة السيادة هل السيادة لله أو للشريعة أم السيادة للأمة أم السياسة مزدوجة.
ومن خلال تتبّع أجوبة المعاصرين نجدها تنحصر في ثلاثة أقوال: السيادة لله أو للشريعة، السيادة للأمة، والسيادة مزدوجة.
القول الأول: أن السيادة في الدولة الإسلامية لله أو للشريعة الإسلامية. وقد ذهب إلى هذه الرؤية جمهور العلماء المعاصرين كالمودودي وسيد قطب وعبد القادر عودة وغيرهمنظام الإسلام، وهبة الزحيلي، ص (188)، الخلافة والملك، أبو الأعلى المودودي، ص (19)، نظرية السيادة، صلاح الصاوي، ص (68).
القول الثاني: إن السيادة أو مصدر السلطات هو للأمة، وممن قال بهذا القول محمد رشيد رضا، ويقصدون بالسيادة المقيدة بالشرع وليست المطلقة التي تعلو فوق الشرعمحمد عمارة، الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص (176)، محمد معروف الدواليبي، الدولة والسلطة في الإسلام، ص (43).
القول الثالث: محاولة للتوفيق بين الرأيين والجمع بين الاتجاهين، فجعل هناك سيادة لله وسيادة للأمة في الوقت نفسهنظام الحكم في عهد الخلفاء الراشدين لمحمد حمد الصمد 234.
حقيقة الخلاف بين هذه الاتجاهات: من خلال النظر في الأقوال نجد أنها متفقة في المضمون وإن اختلفت في الصياغة، فليس ثمة خلاف حقيقي بين هذه الاتجاهات، فهي تتفق جميعاً على أن للأمة سلطة في اختيار الحكومة التي تتولى أمرها، ولها سلطة على مراقبتها ومحاسبتها وخلعها، وليس لأحد أن يفرض على الأمة ما لا تريد، غير أن هذه السلطة والسيادة مقيدة بحدود الشريعة الإسلامية، فلا تستطيع أن تخالفها، ولا مشروعية لهذه المخالفة، فهذه السيادة محكومة قانوناً بسيادة وسلطة أعلى منها.
فهذه صورة المسألة عند الاتجاهات الثلاثة جميعاً، فمن قال إن السيادة لله: قصد أن التشريع والطاعة المطلقة لله، وأما الأمة فلها السلطان والحكم فيما لا يعارض الشريعة. ومن قال إن السيادة للأمة: فيعني أن لها الاختيار فيما لا يتعارض مع الشريعة، فالمضمون متفَق عليه، والخلاف بينهما في تحديد مصطلح السيادة على أي شيء يكون؟ فهو خلاف في تنزيل مصطلح السيادة لا غير. وقد نبّه إلى كون الخلاف لفظياً عدد من الباحثينالسيادة في الإسلام، عارف أبو عيد، ص (168)، الخلافة الإسلامية بين نظم الحكم المعاصرة، جمال المراكبي، ص ( 417).
السيادة للشرع والسلطان للأمة: وهذه صياغة معاصرة تجمع الاتجاهات جميعاً، فهي عبارة محكمة توضح أن السلطة والحكم بيد الأمة، لكنها مقيدة بالسيادة والتشريع الإلهي فلا تتعداه، فحق الأمة في السلطة لا في السيادة؛ لأنها محكومة. لهذا تجد الحديث عن الحكم والاختيار والسلطة والشورى والبيعة والنظام والحرية والرضا يُقرن عند المؤلفين المعاصرين بأنه تحت شرع الله.
حقيقة سيادة الأمة: فحقيقة سيادة الأمة التي تتفق عليها الاتجاهات جميعاً، أنها سيادة تنفيذ الشرع، وليست سيادة تعلو عليها أو تنافسها أو تتخذ بديلة عنها: (إذا كان الله -سبحانه وتعالى- هو أساس السلطة ومنبعها، فإن السلطة لا تستبد بأمرها طبقة مخصوصة، بل هي بأيدي عامة المسلمين، وهم الذين يتولون أمرها والقيام بشؤونها وفق ما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية، فالإسلام يتيح حاكمية شعبية مقيدة، تعمل في حدود السيادة الإلهية ونطاقها)النظام الدستوري في الإسلام، مصطفى كمال وصفي، ص (70).
وبالنظر إلى دستور 1950 نجد أنه قد نصّ في المادة الثانية للدستور: (المادة الثانية: السيادة للشعب، لا يجوز لفرد أو جماعة ادعاؤها.
-
تقوم السيادة على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب.
-
يمارس الشعب السيادة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور).
فقد وضّح الدستور في هذه المادة معنى السيادة بأنها تقوم على مبدأ حكم الشعب بالشعب وللشعب، وهذه السيادة مقيّدة ضمن الأشكال والحدود المقررة في الدستور، وإذا نظرنا إلى باقي مواد الدستور على اعتبار أن المواد يفسّر بعضها بعضاً، ومثل هذه العبارات العامة تحتاج إلى توضيح أكثر، نجد أن مقدمة الدستور أكدت على التمسك في الإسلام، ومُثُله العليا، ومحاربة الإلحاد، وأكّد في مادته الثالثة أن دين رئيس الدولة الإسلام، وأن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع.
والمقدمة والمادة الثالثة تعتبران مُقيِّدة للسيادة التي جاءت في المادة الثانية، فلا يمكن تفسير السيادة بأنها مطلقة أو أنها قد تتعارض مع سيادة الشريعة؛ لأن المقدمة أكدت على الاستمساك بأحكام الإسلام ومُثُله العليا.
مما سبق يمكن اعتماد بعض المعايير للتأكيد على مرجعية الشريعة في الدستور من خلال:
-
التأكيد على أن غالبية الشعب مسلم فلا بد من احترام إرادته وقراراته.
-
النص على دين الدولة الإسلام، وهذا القيد وقع الخلاف فيه بين أعضاء الجمعية التأسيسية في دستور 1950 إلى أن تم اعتماد دين رئيس الدولة الإسلام .
-
النص صراحة كما جاء في المقدمة على الاستمساك بالإسلام وبمُثُله العليا ومحاربة الإلحاد وما يؤدي إليه.
-
النص صراحة على ان "الفقه الإسلامي المصدر الرئيسي للتشريع" كما جاء في دستور 1950.
وفي ختام البحث نقدم أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
-
إن من أهم مميزات دستور 1950 أنه يلبي طموحات الشعب السوري على مختلف ثقافاته وتوجهاته.
-
المبادئ التي جاءت في المقدمة يمكن الاعتماد عليها كمبادئ "ثابتة وأساسية" بمعنى أنها لا تعرض للانتخاب، وقد حدّدت الهدف الأساسي وهو التمسك بالإسلام ومحاربة الإلحاد وأعلنت ذلك صراحة.
-
من خلال مطالعة فقرات الدستور يبدو واضحاً بعض العبارات الإسلامية التي تؤكد وتعزز الهوية الإسلامية للدستور.
توصي الدراسة:
-
الاعتماد على دستور سورية 1950 كدستور مؤقت للبلاد في المرحلة الانتقالية بعد سقوط النظام المجرم نظراً لصعوبة كتابة دستور جديد في هذه المرحلة.
-
الاعتماد على مقدمة الدستور كمبادئ "أساسية وثابتة" في دستور سوريا المستقبل.
-
اعتبار دستور 1950 مرجعية للدستور الدائم للبلاد لأنه يلبي طموحات الشعب السوري على مختلف ثقافته، فهو يؤكد الهوية الإسلامية للدولة باعتبار أن غالبية الشعب مسلم ويرسخ مبادئ الحرية والمساواة والمواطنة، ويمنع الدكتاتورية والاستبداد، وهذا ما طالب به الشعب، وقدّم الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليه من نظام الأسد المجرم (الأب والابن) الذين حكموا البلاد منذ عام 1970.