الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

إضاءات فكرية

حكم القيام بتحالفات مع غير المسلمين في الثورة السورية (دراسة فقهية)

23 ذو الحجة 1437 هـ


عدد الزيارات : 5110
محمد نور حمدان

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد:

لم يعد خافياً على أحد مساندة الكثير من الدول للنظام المجرم ضد الثورة السورية وأنه لولا مساندة الروس والإيرانيين والعصابات التي استقدمها النظام من كل مكان لسقط النظام وانتهى منذ زمن فالثورة السورية اليوم لم تعد تواجه النظام الأسدي المجرم لأن النظام أصبح لعبة بيد الدول المساندة له وإنما تواجه مؤامرات ومخططات كثيرة وأمام هذه التحديات اضطر الثوار والمجاهدون للقيام ببعض التحالفات لمساندتهم في معركتهم ضد هذا النظام وتحرير البلاد والعباد، فثارت تساؤلات كثيرة حول حكم استعانة الثوار والمجاهدين بغير المسلمين في القتال، وبشكل أخصّ: التساؤل حول حكم القيام بتحالفات عسكرية مع أمريكا وغيرها من الدول غير الإسلامية لتحرير البلاد والعباد، وهذه الورقة تسلط الضوء على الحكم الشرعي للقيام بمثل هذه التحالفات.

بداية: بحث الفقهاء هذه المسألة المعاصرة من خلال مسألة حكم الاستعانة بغير المسلمين وسنستعرض أقوال الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة:

  • حكم الاستعانة بغير المسلمين في القتال:

1- أقوال الفقهاء في الاستعانة بغير المسلمين في القتال:

اختلف الفقهاء في حكم الاستعانة بغير المسلمين في قتال الأعداء إلى مذهبين:

المذهب الأول: تحرم الاستعانة بغير المسلمين في القتال، ولا تجوز إلا في حالة الضرورة القصوى وهو: قول المالكية، والحنابلة في المعتمد، والظاهرية.

المذهب الثاني: تجوز الاستعانة بهم في القتال عند الحاجة من نحو قلة أو خدمة للمسلمين، و غير ذلك وهو قول الحنفية، والشافعية، ورواية ثانية عند الحنابلة، وهو قول الأوزاعي، وسفيان الثوري.

واشترط الحنفية في الاستعانة: أن توجد لدى المسلمين حاجة للاستعانة بالمشركين في القتال، وأن يكون حكم الإسلام هو الظاهر، وزاد الشافعية على هذا: أن يأمن المسلمون خيانتهم، وأن لا يستعان بهم في قتال أهل البغي من المسلمين. وقريب من هذه الشروط اشترط الحنابلة.

2- الأدلة:

أ‌- أدلة المذهب الأول المانعين بالاستعانة:

استدل أصحاب المذهب الأول بأدلة من القرآن، والسنة، والمعقول ومجمل هذه الأدلة تنهى عن موالاة غير المسلمين منها:

• قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}[آل عمران: 28]

ورد أنها نزلت في عبادة بن الصامت وكان له حلفاء من اليهود، ففي يوم الأحزاب قال يا نبي الله إن معي خمسمائة من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي، فنزلت هذه الآية.

• قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[المائدة: 51].

ووجه الدلالة واضحان في الآيتين في النهي عن موالاة الكافرين وحرمتها.

• حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل بدر، فلما كان بحرّة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع، فلن أستعين بمشرك، قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- كما قال أول مرة، قال: فارجع، فلن أستعين بمشرك، قال: ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانطلق)رواه مسلم (150).

والحديث واضح الدلالة بعدم الاستعانة بمشرك، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يقبل الاستعانة به وأرجعه بسبب شركه.

• وعن أبي حميد الساعدي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خشناء فقال: من هؤلاء؟ قالوا: عبد الله بن أُبيّ في ستمائة من مواليه من اليهود من بني فينقاع فقال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: مروهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركينرواه الطبراني في الأوسط (5142).

• عن البراء -رضي الله عنه- قال: (أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ مقنّعٌ بالحديد، فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: أسلم، ثم قاتل، فأسلم، ثم قاتل، فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمل قليلاً وأُجر كثيراً)رواه البخاري (2808).

• عن جبير بن مطعم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)رواه مسلم (206).

واستدلوا بأدلة أخرى تنهى عن موالاة غير المسلمين كحديث (لا تستضيؤوا بنار المشركين)رواه النسائي (5209) وضعّفه الألباني. بمعنى لا تستشيروهم فلا تؤمن مشورتهم.

• وغير المسلم غير مأمون، فأشبه الخائن والمرجف، ولأن الجهاد شرع نصرة لدين الله وغير المسلم لا يقاتل من أجل ذلك.

ب‌- أدلّة المجيزين بالاستعانة:

استدل أصحاب المذهب الثاني بجواز الاستعانة بعدة أدلة، ومجمل هذه الأدلة حوادث يظهر من خلالها استعانة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بعض غزواته بغير المسلمين منها:

• الصحيفة (وثيقة المدينة المنورة) والتي فيها بأن اليهود يجب عليهم أن يدافعوا عن المدينة المنورة إذا دوهمت من أي عدو خارجي والوثيقة مشهورة.

• قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- دخول خزاعة في حلف معه في صلح الحديبية وكانوا مشركين والقصة مشهورة.

•  استعانة النبي -صلى الله عليه وسلم- في اليهود في بعض مغازيه، منها: أن النبي استعان بيهود بني قينقاع، فرضخ لهم ولم يسهم لهم. واعتبروا أن هذا الحديث ناسخ لحديث عائشة (فلن أستعين بمشرك) وحمله بعضهم على الحاجة.

• عن جبير بن نفير، قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مخبر -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- فأتيناه، فسأله جبير عن الهدنة، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم)رواه أبو داوود (2767) وغيره.

فهذا الحديث يدل أنه سيكون هناك حلف بين المسلمين والروم لقتال عدو مشترك، ولم ينهَ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن هذا الحلف.

• وقد استعار النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفوان مائة درع في غزوة حنين وكان صفوان مشركاً والحادثة معروفة.

• واستدلوا ببعض الحوادث الفردية والتي شارك فيها بعض الأشخاص من غير المسلمين مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزواته، منها مشاركة قزمان المشرك يوم أحد، واشتراك مخيريق اليهودي في الغزوة نفسها، والحوادث موجودة في كتب السيرة النبوية.

• والاستعانة بالمشركين في قتال الكفار نوعُ من المكيدة لهم في الحرب فنضربهم بأمثالهم قال ابن حزم: "وإن أمكننا أن نضرب بين أهل الحرب من الكفار، حتى يقاتل بعضهم بعضاً، ويدخل إليهم من المسلمين من يتوصل بهم إلى أذى غيرهم، بذلك حسن".

وقد أجيب عن الآيات التي تنهى عن موالاة الكافرين بأن المقصود منها الموالاة التي تؤدي إلى الكفر والرضا به، فهذا ممنوع عنه، أما معاهدات الدفاع التي تكون بين المسلمين وبين غيرهم فليست من الموالاة المنهي عنها.

قال القاسمي: "إن كانت الموالاة بمعنى الموادّة، وهي أن يوده لمعصيته كان ذلك كالرضا بالمعصية. وإن كانت الموالاة كفراً كفر. وإن كانت فسقاً فسق. وإن كانت لا توجب كفراً ولا فسقاً، لم يكفر ولم يفسق. وإن كانت الموالاة بمعنى المحالفة والمناصرة، فإن كانت محالفة على أمر مباح أو واجب، كأن يدفع المؤمنون عن أهل الذمة من يتعرض لهم ويخالفونهم على ذلك، فهذا لا حرج فيه بل هو واجب".

وأما حديث (لا حلف في الإسلام) فيحمل على الأحلاف في التوارث التي كانت في الجاهلية، وكانوا في الجاهلية يقيمون الأحلاف في الحروب والفتن وفي الغارات والسلب والنهب وقد نسخها الإسلام.

وأما التعارض بين قوله صلى الله عليه وسلم (لن أستعين بمشرك) وبين استعانته -صلى الله عليه وسلم- بصفوان بن أمية في غزوة حنين واستعانته بيهود بني قينقاع فيقول ابن حجر: "وقال المهلب وغيره لا يعارض هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- لا نستعين بمشرك، لأنه إما خاص بذلك الوقت، وإما أن يكون المراد به الفاجر غير المشرك، قلت: الحديث أخرجه مسلم وأجاب عنه الشافعي بالأول، وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنيناً مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي، وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه، منها أنه -صلى الله عليه وسلم- تفرّس في الذي قال له لا أستعين بمشرك الرغبةَ في الإسلام فردّه رجاء أن يسلم، فصدق ظنه، ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام".

ج- الراجح:

بعد سرد أقوال الفقهاء وأدلتهم ومناقشاتهم نلاحظ ما يلي:

  1. الذين منعوا الاستعانة بغير المسلمين أجازوه للضرورة، والذين أجازوها: أجازوها عند الحاجة وبشروط.

  2. الذين منعوا الاستعانة: استدلوا بآيات قرآنية عامة تنهى عن موالاة الكافرين وليست محلاً للاستدلال بهذه المسألة لأن الاستعانة لا تقتضي الموالاة، واستدلوا ببعض الحوادث التي لم يقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها الاستعانة بمشرك. والذين أجازوا الاستعانة استدلوا أيضاً ببعض الحوادث من السيرة النبوية والتي استعان فيها رسول الله ببعض المشركين.

  3. أن كلام الفقهاء إنما هو في جهاد الطلب، وجهاد الدفع له أحكامه الخاصة التي تختلف عن جهاد الطلب، والتي يجوز فيها ما لا يجوز في جهاد الطلب.

بعد هذا العرض يترجح أن الأصل عدم جواز الاستعانة بغير المسلمين لما فيه من خوف الغدر منهم، إلا في وقت الحاجة من ضعف المسلمين أو قلة عددهم وعتادهم، وهذه الحاجة يقدّرها ولي أمر المسلمين بتقدير المصالح والمفاسد، ويمكن أن يكون سبب استعانة الرسول –صلى الله عليه وسلم- بالمشركين في بعض المواضع وعدم استعانته بمواضع أخرى هو تقدير تلك الحاجة التي يحتاجها المسلمون في أماكن الحرب والله أعلم.

يقول القرضاوي: "الاستعانة بغير المسلمين خلاف الأصل، فكل هذه الشروط التي ذكرها الفقهاء في الاستعانة بالمشركين أو بغير المسلمين تؤكد لنا أن الاستعانة خلاف الأصل، وأن الأصل أن يكون لدى المسلمين في مجموعهم اكتفاء ذاتي بأنفسهم عن غيرهم، فإذا أحوجتهم الضرورات من ضعف العدة أو قلة العدد إلى الاستعانة بغيرهم فعليه أن يراعوا ما اشترطه هذا الفقيه أو ذاك.

والتحالف مع غير المسلمين مشروع في الإسلام بشروطه، كما حالف النبي -صلى الله عليه وسلم- خزاعة، ومما جعل المسلمين في هذا الزمن في حاجة إلى الاستعانة أكثر من أي وقت مضى هو تفرق المسلمين واختلاف حالهم من دولة كبرى يقودها خليفة واحد تضم شتاتهم إلى دويلات شتى كثراً ما تتناقض مصالحها، وأصبح كل منها في ذاته ضعيفاً يفتقر إلى التقوي بغيره".

ضوابط الاستعانة بغير المسلمين في القتال:

  1. أن يكون المستعان به مأموراً حسن الرأي في المسلمين.

  2. أن يكون المسلمون ذوي قوة ومَنَعَة بحيث لو انضم المستعان بهم إلى الكفار الحربيين لأمكن مقاومتهم.

  3. أن يكون المستعان بهم على خلاف أكيد مع العدو.

  4. أن لا يترتب على الاستعانة بهم التنازل عن المبدأ والعقيدة وما هو ثابت في الإسلام.

  5. أن لا تؤدي الاستعانة بهم إلى المقاتلة تحت رايتهم.


     

  • حكم دخول فصائل الجيش الحر والمجاهدين بتحالفات ضد الاحتلال الروسي والنظام المجرم:

بعد العرض الفقهي الذي ذكرناه في مسألة استعانة المسلمين بغير المسلمين في قتال الأعداء والذي ترجح من خلالها جواز الاستعانة عند الحاجة وبضوابط، وهذه الحاجة يقدرها ولي أمر المسلمين بتقدير المصالح والمفاسد، فهل يجوز لقوات الجيش الحر والمجاهدين الدخول في تحالفات ضد الاحتلال الروسي والنظام المجرم؟

من خلال النظر إلى الضوابط الشرعية في الاستعانة نجد أن هذه الضوابط ليست موجودة في هذا التحالف، وخاصة أن التحالفات المعاصرة للمسلمين مع الكفار كان لها نتيجة سلبية باتفاق، فالتحالف الأمريكي في حرب الخليج ضد العراق كانت له آثار كارثية على الأمة الإسلامية لا زلنا نحصد آثارها حتى يومنا، بالرغم من أنه في بداية التحالف مع القوات الأمريكية برّره كثير من العلماء بحجة أن صدام كان باغياً معتدياً ولم يستجب لأحد، فاعتبروا التدخل ضرورة، والضرورات تقدر بقدرها، وهذا ما قرره مؤتمر مكة، يقول القرضاوي في كتابه فقه الجهاد: ص (733) "وكنت ممن وافق عليها بشرط أن تأتي هذه القوات لمهمة محددة هي إخراج صدام من الكويت ثم تعود من حيث جاءت" وكان هناك جماعة من العلماء في السعودية وغيرها عارضوا فكرة الاستعانة بالقوات الأجنبية وخصوصاً القوات الأمريكية، لأن لها أهدافاً في الاستيلاء على المنطقة، ولأننا إذا استعنّا بها ستكون لها القيادة والرياسة، ونكون نحن أتباع وجنود لها، وقد أثبتت الوقائع العملية أرجحية هذا الرأي الذي لم تأخذ به الأكثرية.

ولكن في حال وصول المجاهدين إلى الحاجة أو الضرورة القصوى في التحالف مع غير المسلمين فيمكن الاستعانة بهم ضمن الضوابط التي سنذكرها، وفي حالتنا نجد أن النظام استجلب الأعداء من مشارق الأرض ومغاربها واستعان بهم واستعداهم علينا، فاستعان بالقوات الروسية فأصبحت طائراتهم تقصف أماكن المدنيين يومياً، وجلب قوات برية شيعية إيرانية وعراقية وأفغانية بأحدث أنواع الأسلحة.

ففي هذه الحالة قد نستفيد من التحالف وذلك بمواجهة مباشرة للروس مع قوات التحالف الأمريكية، ويمكن أن يحقق ذلك انتصاراً للثوار، وقد كانت هنالك سابقة لمثل هذا التحالف وذلك عندما استعان المجاهدون الأفغان بالقوات الأمريكية ضد الاتحاد السوفيتي، وكان هذا التحالف سبباً في انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويوجد ملاحظة مهمة أن الفقهاء عندما تكلموا عن مسألة الاستعانة بالكافر وعدم الاستعانة به كان ذلك في جهاد الطلب، وأحكام جهاد الطلب تختلف عن أحكام جهاد الدفع، ذلك أنه في الطلب يكون المسلمون في قوة ومنعة يستغنون فيها عن الاستعانة، وترتب على ذلك تنزيل الشروط التي ذكرها الفقهاء للاستعانة بهم على الحالة السورية كشرط أن يكون المسلمون ذوي قوة ومنعة ... الخ

ولكن في الحالة السورية هي جهاد دفع ورد لعدوان الأعداء، فيمكن القول بأن مسألتنا هي استعانة بكافر لرد عدوان كافر وصائل آخر، وقد تحالف النبي -صلى الله عليه وسلم- مع اليهود على حماية المدينة من أي عدوان، وكاد أن يصالحهم على ثلث ثمار المدينة لولا معارضة سعد بن معاذ، وكان الجهاد جهاد دفع عدوان واعتداء عن المدينة في الحادثة المشهورة وذلك (أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف قائدي غطفان في حرب الخندق فأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا ومن معهما ليكسر عن أصحابه شوكتهم حين رميهم العرب عن قوس واحدة حتى سمع من سعد بن معاذ قوله: والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال: فأنت وذاك، فتناول سعد الصحيفة فمحاها وذلك قبل عزيمة الصلح). لذلك فإنه يراعى في مرحلة الدفع ما لا يراعى في مرحلة الطلب.

ولكن الدخول في مثل هذا التحالف يجب أن تراعى فيه الضوابط الآتية:

  1. ربط هذا التحالف بتحالف تقوده دولة مسلمة مأمونة.

  2. أن يكون التحالف بحذر وأن نكون متيقظين دائماً من هذا التحالف.

  3. ألا يقاتل المجاهدون تحت راية التحالف.

  4. وضع شروط مقيدة للتحالف فالضرورات تقدر بقدرها.

  5. وأن يكون التحالف مؤقتاً ينتهي بسقوط النظام المجرم وطرد الروس، وأن يكون ذلك بضمانات دولية.

  6. اجتماع كلمة الثوار والمجاهدين بحيث يكون لهم قائد واحد يقاتلون خلفه وتجتمع الكلمة حوله، وهذا من أهم الشروط، أما ووضع المجاهدين على الحال التي نعرفها اليوم من تفرق وتشتت وعدم اجتماع كلمة فلا يمكنهم الدخول في هذه التحالفات، لأن ضررها أكبر من نفعها إلا عن طريق دولة مسلمة كتركيا.

وأخيراً فإن أي تحالف هو من باب السياسة الشرعية ويعود إلى ميزان المصالح والمفاسد وتقديرها وإلى الضرورة والحاجة وتقدير القيادات المعروفة بمواقفها وعلمها وموثوقيتها النابعة من إرادة الشعب السوري المسلم بعد توحدها واجتماع كلمتها، أما إن كان التحالف مع فصائل من الجيش الحر فهذا سيؤدي إلى مفسدة الاقتتال بين الفصائل وزرع الفتنة بينهم وربط بعض الفصائل بمشاريع خارجية ليست في مصلحة البلد.

والله أعلم.

1 - رواه مسلم (150)
2 - رواه الطبراني في الأوسط (5142)
3 - رواه البخاري (2808)
4 - رواه مسلم (206)
5 - رواه النسائي (5209) وضعّفه الألباني
6 - رواه أبو داوود (2767) وغيره