السبت 21 ديسمبر 2024 الموافق 19 جمادي الثاني 1446 هـ

جريمة داعش النّكراء في عيد الأضحى

12 ذو الحجة 1437 هـ


عدد الزيارات : 5908
جهاد بن عبدالوهاب خيتي

 

طالعتنا وسائلُ الإعلام مع إطلالة عيد الأضحى المبارك عام 1437هـ بمشاهدَ يندى لها جبين الإنسانية، وتشمئز منها قلوب الذين آمنوا، وتنفر منها الفِطَر السّليمة والعقول المستقيمة، فقد أصدر "تنظيم الدّولة" شريطاً مصوّراً يُظهر عملية إعدام خمسة عشر شاباً سورياً مِن دير الزور، قال التّنظيم عنهم إنهم عملاء للصّليب، وقد أظهر الشّريط المصوّر عملية ذبحهم داخل مسلخ مخصّص لذبح الأضاحي بطريقة بشعة، بدءاً بربط أيديهم وراء ظهورهم، ثم ذبحهم بالسّكين بكل وضوح، ثم تعليقهم بالسّلاسل الحديدية، ثم سحبهم على أرض المسلخ جثثاً هامدة.

وقد جاء في بداية الشريط قول المتحدث: "ضحّوا تقبل الله منكم، فإنا مضحّون بعملاء الصليبيين"، وفي خلفية التّصوير أنشودة: (أتينا نملأ الآفاق رعباً *** نصبّ النار فوق الهامِ صبّا)، وهي إحدى أناشيد التّنظيم، والتي يعبّر آخرها عن منهجه الإجرامي المخالف للكتاب والسنّة:

ألا فليعلم الأنذال أنّا *** أشداءٌ نقيم الدين غصبا !

إذا شرب الورى بالذلِّ كأساً *** شربنا مِن دماء الكفر شربا !

أخذناها بحدّ السيف قهراً *** أخذناها مغالبة وغصباً !

  • مبررات التنظيم لهذا العمل الإجرامي:

في التسجيل الصوتي المنسوب إلى أبي عمر البغدادي والذي سيق كمبرر لذبح هؤلاء الشّباب يقول: "وإني أخطب فيكم اليوم، وأقول: تقبل الله ضحاياكم بمرتدّي الصّحوات، فإنهم صاروا للصّليب أعواناً، وعلى المجاهدين فرساناً؛ فإنهم هتكوا العرض، وسرقوا المال، وأرادوا أن يقطفوا ثمرة دماء الشّهداء؛ فلا يفوتنَّكم هذا الشّرفُ الكبير!".

وقد استشهد بقصة خالد بن عبدالله القسري -أمير العراق- لما ضحّى بالجعد بن درهم شيخِ المعطّلة.

  • وقفات مع ما جاء في هذا الشريط:

أولاً:

إنّ مما لا شك فيه أنّ "تنظيم الدولة" قد جمع صفات الخوارج الأولين، والتي أخبر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديثه، وبيّنها أكملَ بيانٍ، والتي مِن أهمها: الجهلُ وسوءُ فهم نصوص القرآن والسنّة، وتكفيرُ المسلمين بغير مكفّر، واستحلالُ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، والاعتمادُ في ذلك على الشّبهة والظّن، مع الطَّيش والسَّفه، وحداثة السّنّ، والغرور والتّعالي. وأضافوا إليها صفاتٍ غايةً في الخسّة، كالاجتماع على الباطل، ورفضِ قَبول الحق مِن غيرهم، والكذب والغدر، والخيانة ونقض العهود.

وقد تحقّق فيهم بوضوح قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: (يَقتلون أهلَ الإسلامِ، ويدَعون أهلَ الأوثانرواه البخاري (3344) ومسلم (143). قال القرطبي: "وذلك أنهم لـمّا حكموا بكفر مَن خرجوا عليه مِن المسلمين، استباحوا دماءهم"،المفهم (3/114-115). وقال ابنُ تيمية: "الخوارج دينُهم المعظّم: مفارقةُ جماعة المسلمين، واستحلالُ دمائهم وأموالهممجموع الفتاوى (13/209). وقال: "فإنهم يستحلّون دماءَ أهلِ القبلة؛ لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون مِن دماء الكفار الذين ليسوا مرتدّينمجموع الفتاوى (28/497). وقال ابنُ عبد البر: "وهم قومٌ استحلّوا بما تأوّلوا مِن كتاب الله عز وجل: دماءَ المسلمين ، وكفّروهم بالذّنوب، وحملوا عليهم السّيف"الاستذكار (2/499).

لذلك تجد سيوفَهم مسلّطة على رقاب أهل السّنّة، يتفنّنون في طرق قتلهم وتعذيبهم، بينما النّصيرية والروافض في أمانٍ منهم غالباً، وما حدث ويحدث في دير الزّور جانبٌ مِن هذا البغي والعدوان على المسلمين، فكم قتلوا منهم وأحرقوا ومثّلوا وسجنوا وأذلّوا وأهانوا!

والذي يزيد هذا التنظيم سوءاً على سوء أمران:

أولُهما: اختراقه مِن قِبل أفراد وتنظيماتٍ ودول، تعمل على تسخيره لتدمير الإسلام، والقضاء على جهاده، وإشعال الفتن بين المسلمين وشَغْلِهم بها.

وثانيهما: دخول أفراد منتفعين مِن اللّصوص وقطاع الطُّرق والقتلة والمجرمين، ممّن يتلذّذون بالقتل والاغتصاب والاستيلاء على الأموال؛ فوجدوا في هذا التّنظيم بغيتَهم، وحقّقوا مِن خلاله إشباعَ رغباتهم.

ثانياً:

التُّهم التي يوجّهها التنظيم لأعدائه باتت معروفة، فمَن عداه: صحواتٌ مرتدّون، وعملاء متآمرون، يكفي في الحكم عليهم بالكفر واستحلال الدّماء: مخالفةُ التنظيم في قراراته، أو الردُّ على أحد أمرائه أو شرعييه أو قضاته، أو التّقاعس عن الانضمام إلى صفوفه والقتال تحت رايته، أو الاجتماع بمعزل عن سلطته ومراقبته، أو مجرد الظّن بحصول شيء مِن ذلك. ولا ينفع المتهم بالردة والعمالة التلفظُ بالشّهادتين، ولا الأيمان ولا الشّهود، ولا التبرؤ والتوبة، فقتله بناء على غلبة الظن بردّته وعمالته أولى مِن تركه؛ احتياطاً لجانب حماية التنظيم مِن ألدّ أعدائه، وإشباعاً لشهوة القتل وسفك الدماء، وهذه الأمور صارت مشهورة، والوقائعُ والشّواهد عليها تملأ مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام البديل.

ثالثاً:

يحاول التّنظيم عند كل جريمة يرتكبها أن يستدلَّ عليها بأدلةٍ جديدة، ويستشهد بوقائع يبرّر بها لأتباعه ما يقوم به،  ويخدع بها الجهلةَ مِن الناس الذين لا يدركون منهجه في الاستدلال وفهم النّصوص.

ففي هذا التسجيل يستشهد التّنظيم ويستدلّ على قيامه بذبح هؤلاء الأسرى بفعل خالد بن عبدالله القسري الذي رُوي أنه ضحّى بالجعد بن درهم، فقد روى البخاري في كتابه: خلق أفعال العباد ص (29)، عن قتيبة، عن القاسم بن محمد، عن عبدالرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب، عن أبيه، عن جده، قال: "شهدت خالد بن عبد الله القسري بواسط، في يوم أضحى، وقال: "ارجعوا فضحوا تقبّل الله منكم، فإني مضحٍّ بالجعد بن درهم، زعم أنَّ الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلّم موسى تكليماً، تعالى الله علواً كبيراً عما يقول الجعد بن درهم، ثم نزل فذبحه". وهذه الرواية رواها أيضاً: الدارمي فِي الرَّد على الْجَهْمِية رقم (13)، والبيهقي في السنن الكبرى رقم (20887)، وغيرهما. وهذه القصّة لا تثبت من الناحية الحديثية؛ ففي سندها مقالٌ، وأكثر العلماء على تضعيفها مِن جهة الرواية، فمدارها على عبد الرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب الجرمي عن أبيه عن جده، وعبدالرحمن قال عنه ابن حجر في التقريب: مقبول، ويعني بذلك أنه مقبول إذا توبع وإلا فليّن، أي ضعيف الحديث، وأبوه محمد بن حبيب الجرمي مجهول كما قال ابن حجر في "التقريب" والذهبي في "ميزان الاعتدال"، وجدُّه صدوق يخطئ.

وعلى فرض صحتها فإنَّ فعلَ خالدٍ ليس بسنّةٍ تقتدى، ولا يعتبر دليلاً تُستمدُّ منه الأحكام الشّرعية، ثمّ إن القتل وقع على إمامٍ مِن أئمة الضّلال الذين اتفق أهل السّنة على ذمّهم، بل كفّرهم جمعٌ مِن العلماء؛ لردّهم ما تضمّنه كتابُ الله، ومخالفتهم ما أجمع عليه سلفُ الأمة، وليس مِن أجل تهم ملفّقة مبنية على الظنون، ولو ثبتت لم يصحّ ما بني عليها مِن أحكام التّكفير والتّخوين.

وأيضاً فالمرادُ بالذبح والتضحية هنا: القتل بالسّيف، وإنما عبَّر عنه بالذبح والتّضحية؛ لأنّ القتل كان في عيد الأضحى. قال المعلّمي: "وإنما سماه تضحيةً؛ لأنه إراقةُ دمٍ يوم الضّحى تقربًا إلى الله تعالى، فشبّهه بالضّحيّة المشروعة مِن هذا الوجه، كما سمَّى بعضُ الصّحابة وغيرهم قتلَ عثمان رضي الله عنه تضحية؛ لأنه وقع في أيام الضحى"التنكيل (1/ 458). ومراده بالضحى: الأضحىللاستزادة: ينظر فتوى: ما حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلاً سنة نبوية يمكن اتباعها؟ http://islamicsham.org/fatawa/1990

وأخيراً:

فإنّ أسلوبَ التّنظيم في القتل، واستخدامه أبشع الوسائل، وقيامه بتصوير مشاهد القتل والدماء: يدلّ على أنّ دافعَه ليس تطبيق حكم الشرع كما يزعم، بل هو الانتقام والتّشفّي!

فقادةُ التنظيم وأفراده يعلمون علم اليقين أنّ الأمةَ كلَّها ترفض مشروعهم ودولتهم التي أقاموها مغالبة وغصباً! وأنّ عامة مَن يعيش تحت سلطتهم يرفضون حكمَهم ومشروعهم؛ لكنّهم صامتون خوفاً ورعباً، فما إن تبدر مِن بعضهم بادرةُ معارضةٍ حتى يكون العقابُ عليها وحشياً منكَراً، وكأنهم يريدون أن ينفّسوا عن حقدِهم على الأمة كلِّها في هؤلاء الضّعفاء الذين تحت أيديهم.

مِن جانب آخر: فإنّ التنظيم يحاول التّعويض على ما يصيبه مِن هزائمَ منكرة تلحق به في ميادين المعارك؛ فيصبّ جامَ غضبه على بعض الأبرياء العزّل، وهو بهذا الفعل أيضاً: يحاول رفع معنويات جنده المنكسرين، ويريهم أنه مازال قوياً قادراً على القتل وسفك الدماء وإرهاب الأعداء!

نسأل الله أن يردَّ كيدَهم في نحورهم، وأن يقي المسلمين شرورهم، وأن يرحم مَن قتلوه ظلماً، وأن يعجّل بفناء دولتهم، إنه على كلِّ شيء قدير. 

1 - رواه البخاري (3344) ومسلم (143)
2 - المفهم (3/114-115)
3 - مجموع الفتاوى (13/209)
4 - مجموع الفتاوى (28/497)
5 - الاستذكار (2/499)
6 - التنكيل (1/ 458). ومراده بالضحى: الأضحى
7 - للاستزادة: ينظر فتوى: ما حكم ذبح أسرى الأعداء بالسكين؟ وهل هو فعلاً سنة نبوية يمكن اتباعها؟ http://islamicsham.org/fatawa/1990

إضافة تعليق جديد