الخميس 26 ديسمبر 2024 الموافق 24 جمادي الثاني 1446 هـ

إضاءات فكرية

تحليل موقف الغلاة من الانقلاب الفاشل في تركيا

15 شوال 1437 هـ


عدد الزيارات : 3711
عماد الدين خيتي

الملخّص

يتحدث الكاتب في هذا المقال عن موقف الغلاة من الانقلاب الفاشل الذي حصل في تركيا، حيث رفضوا هذا الانقلاب كغيرهم من عامة المسلمين؛ لأن هذا الموقف يحقق لهم مصلحة شخصية في مسايرة الجماهير الإسلامية، والظهور بمظهر المتوافق معها، والمشارك لها بآمالها وآمالها، في حين أنه يناقض معتقداتهم ومواقفهم وأقوالهم.

إن من المعروف أن هؤلاء الغلاة يكفّرون الدولة التركية، وبخاصة حزب العدالة والتنمية ورئيسها أردوغان، ويحكمون عليهم بأنهم مرتدون؛ بحجّة أنهم يعلنون علمانية الدولة، فكيف يسوغ الفرح بفشل الانقلاب على هذه الحكومة المرتدة بزعمهم؟

لم يسوّغ الغلاة تأييدهم وفرحهم بفشل الانقلاب لأنه خروج على الحاكم المنتخب، ولا لأنه من الغدر المحرّم، ولا غير ذلك من الأدلة الصحيحة، بل أيدوه بحجة أنه وقوف مع أهون الكفرين! واستدلوا على ذلك بأدلة فيها تدليس على الناس، فزعموا أن هذا الفرح كفرح الصحابة رضي الله عنهم بانتصار الروم على الفرس كما جاء في مطلع سورة الروم، وكفرحهم بانتصار النجاشي على من أراد الخروج عليه! وأيضاً أنه عمل بقاعدة (دفع أعظم الفسادين باحتمال أدناهما)؛ لأن في تولي الانقلابيين من المفاسد العظيمة ما ليس في الحكومة الحالية!!

وهذا خطأ بيّن؛ فالاستدلال بانتصار الروم على الفرس استدلال مع الفارق، فهو انتصار كفار من أهل الكتاب على كفار وثنيين، وكذلك انتصار النجاشي على من خرج عليه؛ لأن النجاشي وقتها كان نصرانياً لم يدخل بعد في الإسلام.

وأما الاستدلال بالقاعدة المذكورة فقد أوقعهم في التناقض والتخبط، فالعمل بهذه القاعدة من "الأخذ بالمصلحة" التي ينكرونها أشد الإنكار، ويعبّرون عنها بشرك المصلحة. وتأييدُ الحكومة التركية تأييدٌ لحكومة تعمل بمبدأ الانتخابات والبرلمان، وهذا في نظرهم شرك، ولا توجد مصلحة تبيح الدخول في الشرك أبداً بحسب أقوالهم الكثيرة المنتشرة.

هذه الموقف وغيره: أظهر للناس -ويظهر لهم يوماً بعد يوم- خطأ منهم الغلاة، وتناقض مواقفهم وأقوالهم، وفشل مشروعهم السياسي والعسكري الذي لم يجلب على الأمة الإسلامية غير الكوارث والمصائب.


 

الحمد لله، وبعد:

فإن من أهم النتائج والدروس المستفادة من الانقلاب الفاشل في تركيا انكشاف فئتين لعامة الناس: العلمانيين، والغلاة.

أما العلمانيون والليبراليون العرب

فقد انكشفت عمالة غالبيتهم وارتهانهم لقوى الاستعمار، وعدم مصداقية شعارات الحرية والديمقراطية التي يرفعونها للمتاجرة والوصول للحكم، مع انتهازية في تغير المواقف وتناقضها بناء على مصالحهم الضيقة ومصالح من يحركهم، وتبيَّن أنه لا شعبية لهم ولا قبول بين الناس، ولولا ظهور الدبابات المأجورة وجماجم الأبرياء ما وصلوا للسلطة ولا استمروا فيها يومًا واحدًا.

لذا فإنَّ ما يرددونه من شعارات وما يطلقونه من وعود، وما يلقونه من شبهات مصادمةٍ للدين ومعادية للمتدينين مكشوفة مفضوحة، لا قبول لها ولا صدى في عقول الشباب والمجتمعات.

أما الفريق الآخر، فريق الغلاة:

فما زال لأقوالهم وشبهاتهم صدى بين المسلمين؛ لأنها تصدر عمن يدعي العلم بالشريعة والعمل لها، ويستثير عاطفة الشباب بالحديث الديني، فتنطلي شبهاتهم على بعض الناس ويغترون بها، لذا كان تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من مظاهرهم وخطاباتهم، فمما قاله: (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ)، وقوله: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ)..

حكم الغلاة على تركيا وحكومتها:

من المعروف في أدبيات الغلاة حكمهم على تركيا أنها بلاد كفرٍ وردة، وأن حكوماتها –وخاصة حكومة حزب العدالة والتنمية- حكومة ردّة وشرك، والحكم على كبار السياسيين فيها بالكفر، وقد حاولوا تطبيق عقيدتهم هذه بتنفيذ عدد من العمليات عن طريق فرع القاعدة في تركيا إلا أن جهود الحكومة قد أجهضت تحركات التنظيم.

وفي هذه العجالة سأكتفي بمثالين على أحكام التكفير هذه:

- قول البرقاوي (المقدسي) في (الأجوبة الزكية على الأسئلة التركية) عن حكومة أردوغان:

"وأما رئيس الجمهورية فهو رجل علماني وإن خالف العلمانيين الأتاتوركيين فإنما يخالفهم في تفسير العلمانية فقط، ولا يتبرأ من العلمانية بل يفسرها تفسيراً ممدوحاً عنده يظنه حسناً، وهو تفسير باطل لا يخرج عن إطار العلمانية المكفرّة، إذ يفسرها بفصل الدين عن الدولة وترك من شاء أن يتدين وشأنه ومثله من شاء أن يتزندق. هذا بخلاف العلمانية الأتاتوركية التي هي حرب على دين الإسلام وشرائعه وكل ما يمت إليه بصلة، وهذا التفسير الذي استحسنه هذا الرجل ويروج إليه ليس من الإسلام في شيء، فدين الإسلام لا يجيز الإلحاد والإشراك بالله ولا يقرّه ولا يفصل بين السياسة والدين، بل ذلك كله مناقض للإسلام وهو من أبواب الكفر الصراح" انتهى.

- وقول إياد قنيبي –تلميذ البرقاوي ومحمود عثمان (الفلسطيني) المقرَّب- في كلمته "مناقشة موضوعية للنموذج التركي: "حزب العدالة والتنمية انخرط في نظام الحكم بتركيا وقدم في سبيل ذلك ضمانات المحافظة على علمانية الدولة. وهو بالأصح علمنَ الدولة... جاءت حكومة أردوغان لتعامل الإسلام كباقي الأديان في تركيا ولتتيح للمسلمين ممارسة شعائرهم التعبدية الشخصية، أي لتحقق العلمانية بمفهومها الأصلي ...

هذا الوضع ليس إسلامياً، ولا شبه إسلامي، بل هو وضع علماني بحت، شكْلٌ من أشكال الحيود عن جعل الأمر كله لله...

لم يتنازل أردوغان عن أصول كلية فحسب، بل حتى إنجازاته سار فيها مسارًا متحللاً من الشريعة...".

وهي الكلمة التي قامت جبهة النصرة بطباعتها وتوزيعها في مناطق نفوذها.

وموقفهم هذا ينطبق على جميع الأمثلة المشابهة، كموقفهم من حكومة د. مرسي فرج الله عنه.

ما علاقة ما سبق من تركيا بالموقف من الانقلاب الفاشل؟

بالنسبة لعموم المسلمين من علماء ومفكرين وعامة فليس ثمَّة مشكلة، فموقفهم من الانقلاب استمرارٌ لموقفهم من انتخاب هذه الحكومات والمشاركة فيها، وهو موقف نابعٌ من فطرة الإنسان المسلم السوية، ومن المعرفة الواعية بأحكام السياسة الشرعية كما أفتى بها كبار أهل العلم في العصر الحالي، ويمكن مراجعة عدد من الفتاوى والأبحاث في الهامشبحث أهل العلم أحكام المشاركات السياسية المعاصرة في العديد من الفتاوى والبحوث، وردوا شبهات الغلاة وتلبيساتهم، ومن الفتاوى المنشورة التي عالجت هذه القضية ووضعت لها الضوابط والشروط الشرعية: فتوى المجمع الفقهي الإسلامي في دورته (19) في جواز المشاركة السياسية في البدان غير الإسلامية بشروط وضوابط: http://www.themwl.org/Bodies/Decisions/default.aspx?d=1&did=291&l=AR وفتوى الشيخ يوسف القرضاوي: http://www.qaradawi.net/new/Articles-790 وفتوى الشيخ عبد الرحمن البراك: http://albrrak.net/index.php?option=content&task=view&id=21379 وينظر مقال الشيخ ناصر العمر: حتى نفهم فتوى البراك: http://www.almoslim.net/node/175435 وفتوى الشيخ عبد العزيز الطريفي: http://www.altarefe.com/cnt/article/671. وهؤلاء من العلماء الذين وصفهم البرقاوي بأبشع الأوصاف كما سيمرُّ في المقال. كما يمكن مراجعة دراسة: الموازنة بين المصالح والمفاسد وأثرها في الشأن المصري العام بعد الثورة، محمد كاملhttp://waqfeya.com/book.php?bid=6926..

أما الغلاة: فإنه قد ظهر لهم مع الموقف العام الرافض للانقلاب، مع حكمهم على تركيا وقادتها بالكفر والرِّدة، وتخلصًا من حرج تأييد حكومة يعتقدون بردَّتها فقد بحثوا عما يبررون به موقفهم فكان أن استدلوا بما يلي:

1- الاستلال بفرح الصحابة رضي الله عنهم بانتصار الروم على الفرس،

كما في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} [الروم: 2-4].

2- الاستدلال بفرح الصحابة رضي الله عنهم بانتصار النجاشي على من أراد الخروج عليه،

كما ورد في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنها ذكرت في قصة هجرتهم إلى الحبشة: "فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ , فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُنَا حَزِنَّا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْهُ فَرَقًا مِنْ أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ فَيَأْتِي مَلِكٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ يَعْرِفُ , فَجَعَلْنَا نَدْعُو اللهَ وَنَسْتَنْصِرُهُ لِلنَّجَاشِيِّ , فَخَرَجَ إِلَيْهِ سَائِرًا فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ فَيَحْضُرُ الْوَقْعَةَ حَتَّى يَنْظُرَ عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا: أَنَا. فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ , ثُمَّ خَرَجَ يَسْبَحُ عَلَيْهَا فِي النِّيلِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الشِّقَّةِ الْأُخْرَى إِلَى حَيْثُ الْتَقَى النَّاسُ , فَحَضَرَ الْوَقْعَةَ وَهَزَمَ اللهُ ذَلِكَ الْمَلِكَ وَقَتْلَهُ وَظَهَرَ النَّجَاشِيُّ عَلَيْهِ , فَجَاءَنَا الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَجَعَلَ يُلِيحُ إِلَيْنَا بِرِدَائِهِ وَيَقُولُ: أَلَا أَبْشِرُوا فَقَدْ أَظْهَرَ اللهُ النَّجَاشِيَّ , فَوَاللهِ مَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِظُهُورِ النَّجَاشِيِّ" أخرجه البيهقي في السنن الكبرى.

3- الاستدلال بقاعدة (دفع أعظم الفسادين باحتمال أدناهما)؛

لأن في تولي الانقلابيين من المفاسد العظيمة ما ليس في الحكومة الحالية.

الإجابة عن هذه الاستدلالات:

أولاً:

في الاستدلال بحادثة انتصار الروم على الفرس والنجاشي على الخارج عنه تدليس وتمويه على الناس، وإخفاء لمعتقدهم الغالي في التكفير، بالإضافة للتكلف في البحث عن دليل على رفضهم للانقلاب.

فانتصار الروم على الفرس هو انتصار كفار من أهل الكتاب على كفار وثنيين، وكذلك انتصار النجاشي فهو استدلال بانتصار كافر على كافر؛ لأنَّ هذه الحادثة وقعت في بداية هجرة المسلمين للحبشة وكان النجاشي وقتها على النصرانية ولم يكن قد دخل في الإسلام بعد.

فهم لم يستدلوا على تحريم الخروج على الحاكم المنتخب شعبيًا، ولا بتحريم الغدر به، ولا غير ذلك من الأدلة الواضحة على تحريم الانقلاب، بل لجؤوا للاستدلال بهذه الطريقة الملتوية حتى لا يكون في كلامهم اعتراف بإسلام الحكومة أو القائمين عليها، أو شهادةٌ للحكومة والقائمين عليها بالإسلام، بل كان موقفهم نابعٌ من الوقوف مع أهون الكفرين، كما صرح به العديد منهم، وهو ما يوضحه الأمر التالي.

(وقد انتشر تناقل هذين الدليلين بين الناس ثم نشره العديد من أهل الفضل بعد ذلك فرحًا بوجود دليلٍ من الشرع على تأييد الموقف من الانقلابيين بدافعٍ حسن، دون اقتصار عليه ولا التزامٍ بالتزامات الغلاة).

ثانيًا:

في الاستدلال بقاعدة (دفع أعظم الفسادين باحتمال أدناهما) نوع من التدليس وعدم المصداقية، وذلك لما يلي:

أ- هذه القاعدة هي إحدى التطبيقات المتعلقة بقاعدة الأخذ بالمصلحة، وبينهما اشتراك وتعلُّق، فدفع أعظم الشرين هو أخذ بالمصلحة، واحتمال أخف الضررين هو من المصلحة كذلك.

لكن وقع التناقض من الغلاة بسبب جهلهم وغلوهم، ولالتزامهم بأمورٍ مخالفة للشرع، ففرَّقوا بين المتماثلات وجمعوا بين المختلفات، ومن ذلك قول البرقاوي (المقدسي) في كتابه "الديمقراطية دين": "أُنبِّه إلى أنَّ بعض المفتونين الذين يسوِّغون الشرك والكفر باستحسانهم واستصلاحهم الولوغَ في الوزارات الكفرية والبرلمانات الشركية يخلطون في حججهم وشبههم كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- حول تولي يوسف عليه السلام الوزارة... وهذا في الحقيقة مِن لَبس الحق بالباطل ومن الافتراء على شيخ الإسلام وتقويله ما لم يقله.. إذ هو رحمه الله تعالى لم يحتج بالقصة لتسويغ المشاركة في التشريع والكفر أو الحكم بغير ما أنزل الله... معاذ الله فإننا نُنزه شيخ الإسلام ودينَه بل نُنزه عقله عن مثل هذا القول الشنيع الذي لم يجرؤ على القول به إلا هؤلاء الأراذل في هذه الأزمنة المتأخرة، نقول هذا.. حتى ولو لم نقرأ كلامه في هذا الباب، لأن مثل هذا الكلام لا يقوله عاقل، فضلاً عن أن يصدر من عالم رباني كشيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ... فكيف وكلامُه في هذا الباب واضحٌ وجليٌّ.. حيث كان كلُّه مُنصباً على قاعدة درء أعظم المفسدتين وتحصيلِ أعلى المصلحتين عند التعارض.. وقد علمتَ أنَّ أعظم المصالح في الوجود هي مصلحةُ التوحيد وأنَّ أعظم المفاسد هي مفسدة الشرك والتنديد.. " انتهى.

فقد فرَّق بين (المصلحة) و(درء أعظم المفسدتين بارتكاب أخفهما)، وهما من باب واحد دون دليلٍ، وبما يخالف أقوال وتأصيل أهل العلم، وللمزيد حول كلام ابن تيمية هذا ينظر في الهامش المشار إليه.

ب- من معتقدات الغلاة عدم الأخذ بالمصلحة ولا الموازنات في أبواب السياسة الشرعية، والتشديد في ذلك لدرجة تسميتها بـ (شرك المصلحة)، ورمي أهل العلم القائلين بها بأبشع العبارات وأسوئها كما سيرد مرارًا في النقول عنهم في هذه المقالة، مهما كان في هذه المصلحة من فوائد ضخمة لا تخفى على عاقل، ومن أقوالهم في ذلك:

- جاء في سؤال لموقع (منبر التوحيد والجهاد) حول الانتخابات في لبنان، وأن "هناك بعض المشايخ الذين يقولون بأن الانتخابات جائزة في لبنان خاصة ويتحججون بأن المصلحة تقتضي ذلك وأن أهل السنة إن لم يدخلوا في هذه الانتخابات ستكون الغلبة لأعدائهم ويظنون بأنهم ينصرون الدين ويقوون أهل السنة، فهل تكون نصرة الدين وتقوية أهل السنه بمعصية الله وهل هناك استثناءات وأحوال خاصه يعصى بها الله عز وجل وأي مصلحة في معصية الله سبحانه وتعالى ؟!

فمما جاء في الجواب:

"بالنسبة للانتخابات في لبنان فلا أظن أن هناك نصاً من القرآن أو السنة أو إجماع الأمة على أن ارتكاب الشرك والوقوع فيه جائز في لبنان خاصة!! فإذا كانت الانتخابات التشريعية الشركية ممنوعة في مصر لأنها شرك وكفر بالله فما الذي يجيز ارتكاب هذا الشرك في لبنان؟!

مصلحة متوهمة لا اعتبار لها في الشرع لأنها تضاد شرع الله وتخالفه ..إن المصلحة الأعظم والأكبر هي توحيد الله {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة - أي شرك - ويكون الدين كله لله} فكيف يصح أن نترك هذه المصلحة التي لأجلها أرسل الرسل وأنزلت الكتب وشرع الجهاد لمصلحة متوهمة أثبت الواقع - فضلاً عن الشرع- بطلانها ؟! إنه لا توجد أي مصلحة  تبيح للإنسان أن يكفر بالله طائعًا مختارًا ومن قال غير هذا فهو أضل من حمار أهله ولم يفهم معنى التوحيد بعد" انتهى، والفتوى بتوقيع أبو المنذر الشنقيطي المشرف على الموقع التابع للبرقاويينظر قول الشيخ أبو بصير التالي للتعرف على الشنقيطي هذا وطبيعة فكره وعلمه http://www.altartousi.net/2012/11/blog-post_13.html

.

- كما وُجه للبرقاوي (المقدسي) سؤال عن التعامل مع تركيا، وفيه:

"هل مصلحة رعاية اللاجئين والمستضعفين بالشام واستضافتهم تُقدم على مفسدة فتنة الناس في دينهم وإقرار ونشر العلمانية الأردوغانية وإباحة مظاهرة المشركين لقتال المجاهدين وقتال الثلة التي تحفظ بيضه المسلمين وعقائدهم ؟".

فمما أجاب به: "فالواجب أن لا يختلف عالمان ولا ينتطح كبشان بأن مصلحة تحقيق التوحيد وتحكيم شرعه وموالاة أهله هي أعظم من مصلحة رعاية اللاجئين والمستضعفين بالشام واستضافتهم، بل وأعظم من كل مصلحة مدعاة أخرى؛ لأن مصلحة التوحيد هي أعظم مصلحة في الوجود وما يضادها من الشرك والتنديد والحكم بغير ما أنزل الله وفتنة الناس عن توحيدهم وشريعتهم ومتابعة الأرباب المشرّعين المتفرقين وإقرار ونشر العلمانية ومظاهره المشركين على المجاهدين ونحوه من الفساد المتفرع عن مفسدة الشرك والتنديد هو أعظم المفاسد في الوجود، ومن له مسكة من عقل لم يخالف في هذا .. ولكن قد خالف فيه كثير من الخوالف الذين لا يعقلون ولا يفقهون وما ذلك إلا لاندراس معالم التوحيد ... ونحن اليوم وبسبب افتتان الناس بالعلمانية الأوردغانية صرنا نسمع ونرى العجائب لا أقول من الرعاع والعوام والطغام؛ بل ومن كثير من المنتسبين للعلم والأكاديمية؛ ولو فقهوا وعلموا أصل دينهم والقواعد التي ذكرها العلماء في تقسيم أعظم المصالح والمفاسد؛ ما اختاروا ما يختارونه من العجائب المسقطة للدين والمناقضة للتوحيد" انتهى.

فهو لا يرى في حماية مئات آلاف من اللاجئين من التشرد والجوع والبرد، وانتشار الجهل بينهم، واحتمال قتلهم... إلخ أي ترجيح على (مصلحة البراءة من شرك الحكومة التركية)، بل ووجوب البراءة منها.

- وقال محمد عثمان (أبو قتادة الفلسطيني) في كتابه (بين منهجين) [91]: "على هذا فأحكام قتال المرتدين أشد من أحكام قتال الكفَّار الأصليين، ولما علمنا أن حكام بلادنا مرتدُّون فلا يجوز مصالحةُ أحدٍ منهم أو مسالمته أو مهادنته تحت دعوى المصلحة، أي أنه لا يجوز لجماعات الجهاد أن تداهن أحداً من هؤلاء المرتدِّين أو تُسالمه أو تتعاون معه في قتالها لطائفة الكفر في بلدها... ولو زعمت جماعات الجهاد وجود مصلحة ما فهي مصلحة ملغية لا قيمة لها، وهي تفسد الكثير من المصالح المعتبرة التي أمر الشارع بإقامتها... أما مصالحة ومهادنة الكفار الأصليين وعقد عقود الأمان معهم فإن الشارع الحكيم قد أجازه في بعض الظروف..." انتهى.

وقال في الكتاب نفسه [67]: "الجماعات السّلفيّة المجاهدة لا ترى فرقاً بين المرتدّ الملك حسين حاكم الأردن وهو متسلّط ديكتاتور وبين الملك حسين وهو يأذن للإسلاميين!! بتشكيل أحزابٍ سياسيّة والوصول إلى قبّة البرلمان الشّركيّ، وأنّ الملك حسين مرتدّ في الأولى ومرتدّ في الثّانية وليس له إلاّ القتل والقتال هو وشرطته وجهاز مخابراته. أمّا جماعات البدعة الوصوليّة فلها رأي آخر..." انتهى.

وكلامهم في تحريم الدخول في العملية الانتخابية والبرلمانات والحكم عليها وعلى القائمين عليها بالكفر والشرك أوضح وأشهر من أن ينقل هنا، وهم يردُّون في كلامهم كل ما يقال لهم من مصالح وموازنات بين الأضرار الأخرى، ويُقرِّرون أنه لا مصلحة تبيح الدخول في الشرك!

فمقتضى (البراءة من الشرك والطاغوت وعدم مناصرة المرتدين أو الفتنة بهم) يوجب على هؤلاء الغلاة عدم مناصرة أو تأييد الحكومة التركية ضد الانقلاب، بل ينبغي أن يكون موقفهم هو ما قالوه في عدم جواز انتخاب حكومة العدالة والتنمية، أو المشاركة في ممارساتها السياسية.

أما أن يقولوا إن انتخابهم في مقابل العلمانيين شرك واتخاذهم أربابًا من دون الله، ولا مصلحة في ذلك أبدًا، ثم يقولوا إن في الوقوف معهم ضد الانقلاب مصلحة وترجيح بين أقل الضررين فهذا قمة التناقض، وتفريقٌ بين المتماثلات؛ فدفع المفاسد وتقليل الأضرار في انتخابهم أشدُّ وأظهر من دفع المفاسد وتقليل الأضرار في رفض الانقلاب عليهم.

وكمثال: لننظر في موقف القنيبي مثلاً وهو يُبِّرر موقفه من الانقلاب:

"ألا نفرح لنكسة مخلفات أتاترك وأعداء الحجاب وأعداء كل مظهر إسلامي ومَن وراءهم من دول متآمرة؟

بلى نفرح طبعاً... ونسأل الله أن يُنَكسهم في كل مكان ولا يَسُر لهم بالاً ولا يُنجح لهم خطة.

ألا نفرح لفشل من لو نجح انقلابهم لضيقوا على إخواننا السوريين سواء النازحين أو من بقوا في بلادهم؟

بلى طبعاً. فمعاناة إخواننا الحالية تدمي كل قلب حي، فكيف إن ضُيق عليهم أكثر من ذلك؟!

ألا نفرح لدلالة تكبيرات الأتراك وصلاتهم الفجر في الساحات على اعتزازهم بهويتهم الإسلامية ومقتهم لمن يحاربها؟

بلى نفرح..." انتهى.

وهذه التبريرات كلها (مصالح) و(موازنات لدفع الأسوأ)، وهي عينها ما يقولها أهل العلم عند الحديث عن مسائل الانتخابات والبرلمانات، فما الفرق بين المسألتين؟

ج- كما أن الأخذ بالمصلحة أو الموازنة بين المصالح والمفاسد في الموقف من الانقلاب يخالف السيرة العملية لهؤلاء الغلاة، فإن فتاواهم وعملياتهم في استهداف الجماعات الإسلامية الأخرى أثناء القتال المشترك للمحلتين واضح بيِّن، فهم يزعمون أن قتال هذه الجماعات التي يتهمونها بالردة أولى من محاربة المحتل وأنه لا مصلحة أشد من مصلحة قتال المرتدين.

وهذا القتال هو ما قام به فرع القاعدة في العراق من استهداف وقتل الجماعات الجهادية أثناء قتال الرافضة والمحتلين، وما تقوم به جماعة الشباب الصومالية (القاعدة) من قتال المحاكم الإسلامية، وما تقوم به جبهة النصرة (القاعدة) من قتال فصائل الجيش الحر في سوريا بتهمة العمالة والردة، وبياناتها مشهورة منتشرة، مع ما يسببه ذلك من إضعاف جبهة القتال مع النظام، وتفريغ المنطقة من آلاف الشباب المقاتلين.

ومن الأمثلة التأصيلية لذلك قول محمود عثمان (الفلسطيني) في كتاب "بين منهجين" [67]: "في الجزائر تزعم جماعتان الجهاد (أو لنقل بتغييب بعض الحقائق كالشّمس: إعلاميّاً)، جماعة اسمها «الجماعة الإسلاميّة المسلّحة»، وجماعة أخرى اسمها «الجيش الإسلاميّ للإنقاذ»، فكيف يستطيع المرء أن يفرّق بين جهاد الموحّدين وجهاد المبتدعة والوصوليين؟.

الجماعة الإسلاميّة المسلّحة تقول: نحن نقاتل حتّى نعيد الحقّ إلى نصابه، وأن نرجع الضّائع إلى أصحابه، والحقّ هو حكم الله تعالى وحكم المسلمين لأرض الجزائر وكلّ بلاد المسلمين، ولا نعترف فيما يقول النّاس ويدّعون: فنحن لا نعترف بالدّيمقراطيّة ولا بحكم الشّعب، ولا بدستوريّة القانون الوضعيّ، ونحن نقاتل قبل أن توجد الانتخابات ونقاتل أثناءها ونقاتل بعد إلغائها، فعلّة قتالنا لهؤلاء موجودة مع كلّ هذه الأحوال.

والجماعة الأخرى المزعومة إعلاميّاً تقول نحن نقاتل حتّى نعيد خيار الشّعب، ونعيد النّاس إلى المسار الانتخابيّ، فقتالُنا لمن سرق خيار الشّعب.

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}" انتهى.

بل تكرر هذا الموقف مع البلدان الإسلامية أثناء معاركها مع أعداء أخطر وأشد، كما يقع من استهداف فرع (القاعدة في اليمن) لقوات التحالف أثناء قتالها للحوثيين والإيرانيين، والأمثلة كثيرة.

ومن أشهر الأمثلة عدم تطبيق هذه الموازنات في الهدنة مع إيران رأس الشر في العصر الحالي، مع إعلان الحرب على الدول السنية الأخرى، بل الانطلاق من أراضي إيران وما تقدمه من تسهيلات للقيام بالعمليات في الدول الإسلامية الأخرى!

إذاً لماذا وقف الغلاة موقف الرافض للانقلاب؟ ولماذا هذا التناقض؟

على الرغم من مناقضة رفض الغلاة للانقلاب لكل تنظيراتهم الفكرية، وتطبيقاتهم العملية إلا أنهم خالفوا جميع ذلك وخرجوا بكلامٍ موحدٍ منسق في بيان موقفهم وتبريره، فما سبب ذلك؟

السبب أن الموقف من الانقلاب الفاشل يحقق لهم مصلحة شخصية في مسايرة الجماهير الإسلامية، والظهور بمظهر المتوافق معها، والمشارك لها بآمالها وآمالها، لذلك وقفوا منه هذا الموقف لتحقيق مصالح ضيقة ونفعية.

ومن أراد التأكد فليراجع مواقف هؤلاء من العمليات التي تقع في البلاد التي يقيمون فيها، وكيف أنهم تبرؤوا منها أو صمتوا تجاهها، بل صرحوا أنه لا علاقة لهم بها، مع أنهم يؤصلون لها شرعًا إذا وقعت بعيدًا عنهم ولم يضرهم تأييدهم لها، ويطعنون في كل من لم يصدع بتأييدها والموافقة عليها، ويعدُّون ذلك إخلالاً لما يسمونه بالولاء والبراء ضد طواغيت العالم!

بل إن البرقاوي قد أقرّ في تغريداته أنه يسعه الصمت في مثل هذه المواقف لحماية نفسه ودمه، بينما لم يعذر غيره في ذلك واعتبره من الولاء للطواغيت!

وإن المراقب لتاريخ هذه الجماعات يرى كيف أنها تقدم مصالحها التنظيمية على مصلحة الأمة، فتحرم على الأمة أمورًا بزعم الوقوع في الردة والكفر، ثم تُبيحها لنفسها، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها: موقف جبهة النصرة من الهدنة مع النظام، بل والتعامل معه في عدد من المجالات كالمجال التعليمي، والطاقة الكهربائية، ونحوها.

وقبل الختام:

إنه غني عن الذكر أن الموقف من الانتخابات التركية أو المصرية أو غيرها لا يعني الزعم أنها الحال الأمثل أو الأفضل التي يمكن أن يصل إليها المسلمون، كما يلبس هؤلاء الغلاة في كلامهم، ولم يدَّعِ ذلك القائمون عليها، بل هي عمل بالمقدور والمستطاع وفق قواعد السياسة الشرعية، كما قررها أهل العلم.

وختامًا:

فقد ظهر للناس انعزال الغلاة عن الشعوب وتناقض مواقفهم، وسقوط  منهجهم المتمثل في الغلو الشديد في أحكام الدين، وحصر التغيير والإصلاح والوصول للحكم بالسلاح فقط؛ وتهافت طعنهم في كل تجربة سياسية يخوضها المسلمون –بغض النظر عن تقييمها- بزعم تكرار فشلها، مع أنهم لم ينجحوا بمشروع طوال ٤٠ سنة، بل جلبوا من الكوارث والمصائب على الأمة الإسلامية ما لا يمكن أن يقول عاقل بإباحته بالنظر في ميزان دفع المفاسد والموازنة بينها وبين المصالح فحسب، فبزعمهم الحفاظ على التوحيد: لم يُبقوا توحيدًا ولا موحدين..

والحمد لله رب العالمين..

1 - بحث أهل العلم أحكام المشاركات السياسية المعاصرة في العديد من الفتاوى والبحوث، وردوا شبهات الغلاة وتلبيساتهم، ومن الفتاوى المنشورة التي عالجت هذه القضية ووضعت لها الضوابط والشروط الشرعية: فتوى المجمع الفقهي الإسلامي في دورته (19) في جواز المشاركة السياسية في البدان غير الإسلامية بشروط وضوابط: http://www.themwl.org/Bodies/Decisions/default.aspx?d=1&did=291&l=AR وفتوى الشيخ يوسف القرضاوي: http://www.qaradawi.net/new/Articles-790 وفتوى الشيخ عبد الرحمن البراك: http://albrrak.net/index.php?option=content&task=view&id=21379 وينظر مقال الشيخ ناصر العمر: حتى نفهم فتوى البراك: http://www.almoslim.net/node/175435 وفتوى الشيخ عبد العزيز الطريفي: http://www.altarefe.com/cnt/article/671. وهؤلاء من العلماء الذين وصفهم البرقاوي بأبشع الأوصاف كما سيمرُّ في المقال. كما يمكن مراجعة دراسة: الموازنة بين المصالح والمفاسد وأثرها في الشأن المصري العام بعد الثورة، محمد كاملhttp://waqfeya.com/book.php?bid=6926.
2 - ينظر قول الشيخ أبو بصير التالي للتعرف على الشنقيطي هذا وطبيعة فكره وعلمه http://www.altartousi.net/2012/11/blog-post_13.html

إضافة تعليق جديد