شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة السادسة: اجتهاد افراد تنظيم الدولة في العبادة وجهادهم دليلٌ على صحّة منهجهم
تقول الشُّبهة:
كيف تصفون تنظيمَ (الدّولة) بالخوارج، ونحن نرى منهم اجتهادًا في العبادة، وحرصًا على الالتزام بها؟ فلا يوجد بينهم مدخّنون، أو مَن يترك الصّلاة، ونرى منهم شدَّة في القتالِ، وبذلًا للنّفس في العمليات (الاستشهادية)، وهذه العبادةُ والتّضحية لا تصدر إلا عن تقوى، بل إنّنا نرى العديدَ منهم يتعامل مع النّاس بحسن الخلق، وهذا يدلّ على صحّة المنهج.
الإجابة عن هذه السؤال:
-
أولًا:
على فرض وجود نوعٍ مِن الالتزام ببعض جوانب الدّين، كاللحية، أو أداء الصّلوات، أو ترك التّدخين بين عناصر (تنظيم الدّولة) فهذا لا يعني التزامَ التّنظيم، وانضباطَه العامَّ بالدّين؛ لأنَّ ما ذُكر إنّما هو جانبٌ مِن الدّين فيما يكون بين المرء وربه، أمّا ما يتعلّق بالمعاملة مع النّاس فإنَّ التّنظيمَ وأنصارَه قد وقعوا في أمورٍ عظيمةٍ وخطيرةٍ، مِن تكفير المسلمين، وسبّهم والاستطالة عليهم بفاحش القولِ، وسيِّئ الأخلاق، واستحلالِ دمائهم وأموالهم، والكذب والغدر والخيانة، وهذه الأمورُ هي المقصودُ الأعظم والأهمّ مِن الأخلاق، فقد امتنّ اللهُ تعالى على نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الأمر فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4].
وقال - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه: (إنّما بٌعثتُ لأُتمّم مكارمَ الأخلاق)أخرجه أحمد (14/513، برقم 8952).. وجعلَ حُسنَ الخلقِ والتِعامل دليلًا على الخيرية، فقال: (إنَّ مِن أخيركم أحسنَكم خُلقًا)أخرجه البخاري (8/12، برقم 6029).. بل جعل حسنَ الخلق مِن كمال الإيمان، وممّا يَثقلُ في ميزان العبد: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا)أخرجه أبو داود (7/177، برقم 4799)، وأحمد (45/510، برقم 27517).. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه : أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن شيءٍ أثقلُ في الميزانِ مِن حُسن الخُلق)أخرجه أبو داود (7/70، برقم 4682)، والترمذي (3/458، برقم 1162)..
قال الحسنُ البصري رحمه الله: "حقيقةُ حسنِ الخُلق: بذلُ المعروف، وكفُّ الأذى، وطلاقةُ الوجه، قال القاضي عياض: "هو مخالطةُ النّاس بالجميل والبِشر، والتّودّد لهم، والإشفاقِ عليهم، واحتمالهم والحلم عنهم، والصّبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم، ومجانبة الغِلَظ والغضب والمؤاخذة"شرح النووي (15/78)..
ثم إنَّ التزام أفراد التنظيم الظاهري بالدّين، وفي بعض الجوانب لا كلّها، مع تضييع جوانبَ أخرى أهمّ وأعظم، ليس التزامًا صحيحًا، قال تعالى محذرًا مِن ذلك: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: 85].
وعنِ ابنِ أبي نُعْمٍ قال: "كنتُ شاهدًا لابنِ عمرَ، وسأله رجلٌ عن دم البَعوض، فقال: ممّن أنت؟ فقال: مِن أهل العراق، قال: انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوض، وقد قتلوا ابنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ! [يعني الحسين بن علي رضي الله عنهما]"أخرجه البخاري (8/7، برقم 5994)..
فكيف وكثيرٌ من جنود التّنظيم لم يُر فيهم هذا الادعاءَ المزعومَ مِن الالتزامِ، والقوةِ في العبادة؟! بل إنَّ التنظيم قد استقطبَ شريحةٍ كبيرةٍ ممّن لم يُعرف بالاستقامة مِن البلدان الإسلامية وغيرها، ولبعضهم ماضٍ سيئٌ في الإجرام، أو التفريط في الأحكام الشّرعية، حتى صار التّنظيمُ في كثيرٍ مِن الحالات مأوىً لقطاع الطرق، وللفارين مِن عقوبة المحاكم الشّرعية وباقي التنظيمات.
-
ثانيًا:
إذا كان هذا التَّدين لا يَنهى عن الابتداع في الدّين، واستحلالِ دماء المسلمين وأموالهم، والغدر والكذب، وسوء الخُلق، فلا عبرةَ به في الاستقامة، ولا يعني صحّةَ المنهج، أو سلامةَ العقيدة، فقد يجتمع مع العبادة انحرافٌ وبدعةٌ، بل هو عينُ ما عُرف به الخوارج طوال تاريخهم؛ فقد أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن اجتهاد الخوارج في العبادة حتى لا نغترَّ بهم، فقال مخاطبًا الصّحابة رضوان الله عليهم، وهم مَن هم في العبادة والالتزام بالدّين والفضل: (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ)أخرجه البخاري (4/200، برقم 3610)، ومسلم (2/744، برقم 1064). .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "كانَ يُقال لهم الْقُرَّاءُ؛ لشدَّة اجتهادِهم في التّلاوة والعبادة، إلا أنهم كانوا يَتأوَّلون القرآنَ على غير المراد منه، ويستبدّون برأيهم، ويَتَنَطَّعونَ في الزهد والخشوع وغير ذلك"فتح الباري (12/291)..
كذلك لا يُعدُّ مجرّدُ بذل النّفس في المعارك، والقيام بالعمليات الفدائية، دليلًا على التَّدين أو صحّة المنهج، فقد عُرف الخوارجُ على ممرّ الزمان بالجرأة والعنف في القتال، وقد استماتوا في معركة النّهروان ضدّ جيش علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - حتى لم ينجُ منهم إلا عشرة نفر! ثمّ كان لهم مع الدّولة الأموية صولاتٌ وجولاتٌ، حتى اشتُهروا بذلك. قال ابن حجر رحمه الله: "... مع ما عُرف مِن شدّة الخوارج في القتال وثباتهم وإقدامِهم على الموت، ومَن تأمّل ما ذكر أهلُ الأخبار مِن أمورهم تحقّق ذلك"فتح الباري (9/48).. لكنَّ هذا الإِقدامَ والشِّدّةَ قد يصدر مِن المنحرفين، بل مِن غير المسلمين؛ فقد عُرف في التاريخِ الكثيرُ مِن حوادث الشدَّة والثبات، وبذل النّفوس مِن غير المسلمين قديمًا وحديثًا، كما عُرف بذلك الإسماعيلية الحشاشون قديمًا، و(الكاميكازي) اليابانيونالكاميكازي: كلمة يابانية، تعني الرّياحَ المقدسة، وهي كلمة تستخدم للإشارةِ إلى إعصارٍ يقال إنَّه أنقذ اليابان من غزو أسطولٍ مغوليٍ بقيادةِ قبلاي خان عام 1281م.، والعديد مِن المنظّمات الشّيوعية المناهضة لاحتلال اليهود لفلسطين، فبذلُهم وتضحيتُهم وثباتهم لا يساوي شيئًا في ميزان الشّرع والحقّ ما داموا غيرَ مسلمين، مما يدلّ على أنَّ القوةَ والجرأة والبأس والتّضحية بالنّفس لا تدلُّ وحدَها على قَبول العملِ، أو صحّة المنهج.
-
ثالثًا:
مِن الخطأ اعتبارُ مجرد المناداة بتطبيق الشّريعة أو محاربة الطّواغيت، أو رفع شعارات اسلامية دليلًا على التَّدين، أو صحّة المنهج، والسّلامة مِن الانحراف. فجمالُ الكلام والشّعارات يُحسنه كلُّ أحدٍ، بل كثيرًا ما تغنَّى بها سيئُ المعتقد والنية، قال -عليه الصلاة والسلام- : (إِنَّ أخوفَ ما أخافُ على أُمَّتي كلُّ مُنافقٍ عليمِ اللِّسانِ)أخرجه أحمد (1/227، برقم 143).. ومِن علامات آخر الزّمان كثرةُ مَن يدَّعي خلافَ ما هو عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (سيأتي على النّاس سنواتٌ خدّاعاتٌ، يصدّق فيها الكاذبُ، ويكذّب فيها الصّادقُ، ويؤتمن فيها الخائنُ، ويخوّن فيها الأمين)أخرجه ابن ماجه (5/162، برقم 4036)..
وقد أخبرنا - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الخوارج يُحسنون القول، ويُظهرون الدّعوة للحقّ، على الرغم مِن انحراف منهجهم والابتداع في معتقدهم، فقال عنهم: (يُحسنون القيلَ، ويُسيؤون الفعلَ أخرجه أبو داود (7/143، برقم 4765).. وقال: (يتكلّمون بكلمةِ الحقّ لا تُجاوز حلوقَهم)أخرجه أحمد (2/122، برقم 1254).. قال السّندي رحمه الله: "أي يتكلَّمون ببعض الأقوال التي هي مِن خِيار أقوال النّاس في الظّاهر، مثل: إنِ الحكمُ إلا لله، ونظائره، كدعائهم إلى كتاب الله"حاشية السندي على سنن النسائي (1/72).. وقد اجتمع رؤوسُ الخوارج في عهد علي بن أبي طالب، وتعاهدوا على حكم القرآن، وطلبِ الحقّ وإنكار الظّلم، وجهاد الظّالمين وعدم الركّون إلى الدّنيا، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ثم قاموا إلى قتال الصّحابة رضوان الله عليهم!.
وبهذا يتبيَّنُ أنَّ مجرد إعلان الأقوال الحسنة، والتّغنّي بها، ورفع الشعارات، وإظهار الحرص على أمور الدّين، لا يدلّ بالضّرورة على صدق قائلها، أو صحّةِ منهجه.
-
رابعًا:
أما ما قيل عن حُسن خُلق أفراد تنظيم (الدّولة):
-
فإنّه ليس بصحيحٍ، ووجودُ أفرادٍ مِن التّنظيم ممّن يتمتَّع بحسن الخلق هو مِن القليل أو النّادر، والحكم للأغلب الأعمّ.
-
قام الدّليل مِن الواقع على خلاف هذا الزّعم، فظهورُ التَّكبر منهم على النّاس، وازدراؤهم، وإظهار جهلهم، والسّخرية بهم ، وغير ذلك مِن التصرفات يدلّ على سوءِ خلق قادتهم وأفرادِهم .
-
بل وقع مِن أفراد هذا التّنظيم ما هو أشدّ مِن ذلك وأفظع: مِن اعتقالات، وتعذيب، وتنكيلٍ، وقتلٍ لكلِّ مَن طالته أيديهم مِن المجاهدين والثّوار، بتهمٍ متعدّدة ومتنوعة، مدارُها على التّخوين، والحكم بالردَّة، حتى وصل عددُ مَن قُتل على أيديهم قرابةَ خمسة عشر ألف شخص على أقل تقدير شخص بين مجاهد ومِن عامة الناس!أما من قتل على أيديهم في العراق أيام (دولة العراق الإسلامية) فيبلغ أضعافًا مضاعفة. وقد رافق عملياتِ القتلِ الموثَّقة -بالشّهود ومقاطع الفيديو- السُّبابُ والشتائم، والمشاهد الوحشية، والتمثيل بالجثث، والعبث بها على وجهٍ تشمئزُّ منه النّفوس السّوية، فماذا يجدي التّعامل مع عموم النّاس بالحسنى -على فرض وقوعه- إذا كانوا يعاملون خيرة الناس مِن المجاهدين والدعاة بالتّكفير والقتل؟!
-
أمّا عامّة النّاس الذين لا يحملون أيَّ مشروعٍ منافسٍ للتّنظيم، وليس لهم اتصالاتٌ أو علاقات مع الثّوار أو فصائل المجاهدينومن عجيب انحراف هؤلاء: أنَّ كل مَن عمل في الثورة ضد النظام فهو هدفٌ لهم بالتّكفير والقتل؛ بحجةِ انحرافِ الراية، أو التعاونِ مع الطواغيت والمرتدين، أي دول العالم، بينما ينجو مِن ذلك مَن لم يواجه النظام!: فقد يعاملهم التّنظيمُ معاملةً عاديةً ما داموا خاضعين لحكمِه، وغير معارضين لتصرفاته ومنهجه وفتاواه وأحكامه، وهكذا كان حال النّاس أيامَ النّظام؛ لا يتعرَّض لهم بمضايقةٍ أو مساءلةٍ ما داموا خاضعين له، حتى قال البعض منتقدًا الثورة، وما سبّبته من متاعب: (كنا عايشين!).
-
السببُ في خضوع غالبية النّاس لهم، وعدم مخالفتهم هو الخوف منهم، واتّقاءُ شرّهم، وليس رغبةً بهم، أو رضًا عنهم، وعن منهجهم، كما هو تمامًا حالُ النّاسِ في الخضوع للطغاة خشيةً مِن بطشهم، ولا يدلّ هذا الخضوع على صحّة منهج هؤلاء الطّغاة، أو سلامة تصرفاتهم، أو حُسن أخلاقهم، وليس في ذلك مدحٌ لهم أو ثناءٌ عليهم، قال -صلى الله عليه وسلم- : (إنّ مِن شرّ النّاسِ منزلةً يوم القيامةِ مَن تركه النّاسُ اتّقاءَ شرّه)أخرجه البخاري (8/13، برقم 6032).. وليس أدلَّ على خوفِ النّاس: مِن تلك الأعداد الغفيرة مِن اللاجئين الخارجين مِن مناطق سيطرة التنظيم، أو التي في طريقها للسّقوط بيد التنظيم؛ هربًا مِن جحيم سيطرته، وقد اعترف أبو بكر البغدادي بهذا في كلمة "انفروا خفافًا وثقالاً" لكنه تخلَّى عن مسؤولية ذلك فقال في كلام طويل: "وإنما يحزننا ويحزّ في نفوسنا أن نرى بعض نساء السنة وأطفالهم وعوائلهم يلتجؤون إلى مناطق سيطرة الروافض وملحدي الأكراد ... كونوا على يقين أن قلوبنا تتفطر لترككم منازلكم ودياركم ... ولئن كان بعض ذويكم مرتدين ومحاربين لدين الله موالين للروافض والصليبيين فإنّا لا نأخذكم بجريرتهم، فعودوا إلى دياركم والزموا بيوتكم".
-
إذا كان حُسن الخُلق وحُسن التعامل دليلًا على صحّة المنهج: ففي الكفّار مَن هو حَسَنُ الخلق، حسن المعاملة، بل إنّ الدول الغربية أصبحت محلَّ لجوءِ كثيرٍ مِن المسلمين في العقودِ والأعوام السابقة؛ لما يجدونه فيها مِن حسن معاملةٍ وعدالة يفتقدونها في كثيرٍ مِن البلاد الإسلامية الرازحة تحت الطغيان.
فالإحسانُ في العمل لم ينفرد به الخوارج، بل عُرف به غير المسلمين كذلك، لكنّه لا ينفعهم يوم القيامة؛ إذ لابدّ لصحّة العمل وقبوله مِن شرطين: الإخلاص لله تعالى. والمتابعة بأنْ يكون العملُ على وفق شرع الله. قال الفضيل بن عياض -رحمه الله- في قوله تعالى:{لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا}[الملك: 2]: "أخلصُه وأصوبُه، قيل: يا أبا علي. ما أخلصُه وأصوبه؟ قال: إنّ العمل إذا كان خالصًا ، ولم يكن صوابًا لم يُقبل، وإذا صوابًا، ولم يكن خالصًا لم يُقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا، والخالصُ أنْ يكون لله, والصّوابُ أن يكون على السُّنة"حلية الأولياء، لأبي نعيم (8/95). وتراجع أقوال أهل العلم في هذه المسألة عند تفسير الآيات القرآنية: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]، وقوله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان: 23]، وقوله: {عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ (19) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية: 3-4]..
وقد كان بعضُ عساكر النّظام قبل الثّورة طيبي المعاملة، فهل يدلّ هذا على صحّة منهجهم أيضًا؟
-
خامسًا:
في هذا الكلام طعنٌ في الفصائل الأخرى، ونفيٌ للالتزام الديني عنها، بينما الالتزام والتدين والحرص على العبادات، والدروس الشرعية، في الفصائل العسكرية والمكونات الثورية موجودة بشكلٍ واضحٍ جليّ، سواء كان بين أفرادها أو قياداتها، بل وُجد في كثيرٍ مِن تلك الكتائب مَن شُهد لهم بالعلم والفضل، ومَن عُرف بحسن سيرته، واستقامة طريقته، ولا نزكي على الله أحدًا. فحصرُ التنظيم للالتزام بإتبّاعه تزكيةٌ للنفس واتهامٌ للآخرين. ولا ينفي ذلك وجودَ بعض الكتائب أو أفرادها الذين يقلّ فيهم الالتزام الشرعي، وهذا التفاوت طبيعي بين النّاس، لا سيما مع تأثير الظّروف السّابقة للمجتمع السّوري.
-
والخلاصةُ:
أنَّ أتباع "تنظيم الدّولة" لم يُعرفوا بمزيد عبادةٍ أو طاعةٍ عن غيرهم، بل وقع فيهم مِن الانحراف في العقيدة، وارتكاب الكبائر، والإجرام بحقّ المسلمين ما لم يقع في غيرهم، ولو كان بعضُهم مِن العبَّاد الطائعين في جانبٍ من جوانب الدين، فقد أخلوا بجوانب أخرى أعظم، والاجتهادُ في الطّاعة لا يدلُّ على صحّة المنهج أو سلامة الاعتقاد.ومما يتعلَّق بهذه المسألة، ما شاع أنَّ مِن علامات قبول الشهيد، وحسن خاتمته: 1- التبسُّم عند الوفاة، وليس على ذلك دليلٌ صحيح، بل ثبت عدم ظهور شيء مِن ذلك على مَن يرجى أن يكون من الشهداء الأخيار، ينما ظهر شيءٌ مِن التبسّم على بعض المجرمين، أو غير المسلمين. فالتبسُّم إن حصل فهو مِن البشائر التي يُستأنس بها، لكنها ليست دليلًا على الصلاح، ولا سلامة المنهج، أو حسن الخاتمة، كما أن عدمها ليس دليلًا على الانحراف، أو سوء الخاتمة؛ إذ كثيرًا ما يكون سببه طبيعة التغيرات والحركات التي تصيب عضلات الجسم بعد الوفاة. 2- عدم أكل الأرض لجثة الشهيد، فالثابت شرعًا خصوصية عدم أكل الأرض لأجساد الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله عزّ وجلّ قد حرّم على الأرضِ أن تأكلَ أجسادَ الأنبياءِ) أخرجه النسائي (3/91، برقم 1374)، وابن ماجه (2/186، برقم 1085). أما غير الأنبياء فلا دليل عليه سواء كان من الشهداء، أم الصالحين، أم غيرهم، وبالتالي فلا دلالة في حدوثه على الفضل، ولا ينبني عليه حكمٌ شرعي، كما لا ينبني على عدمه حكم شرعيٌ كذلك، وقد وقع شيء مِن ذلك لبعض المجاهدين وغيرهم، كما نقل أهلُ التاريخ والسير، بينما لم يقع للعديد من الشهداء والصالحين، وقد يكون ذلك كرامةً من الله تعالى، وقد يكون لعوامل أخرى تتعلق بسرعة تحلل الجثة من حرارة أو برودة، ورطوبة أو جفاف، ونوعية التربة، ونحو ذلك
المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة السادسة، د. عماد الدين خيتي
إضافة تعليق جديد