شبهات المتعاطفين مع دولة البغدادي
بسم الله الرحمن الرحيم.
لقد اغتر بعض الشباب بشبهات المتعاطفين مع دولة البغدادي ورأى بعضهم فيها حججاً لا تقبل النقض، فأحببت التعليق على بعضها، فمنها:
- الشبهة الأولى: الشجاعة والإقدام الذي يوجد في رجال داعش، يدلّ على إيمان ويقين.
فأقول أما دلالته على إيمان ويقين فربما، لكن إيمان بماذا؟
فإن الإيمان واليقين ربما دفعت صاحبها إلى الإقدام، ولكن هذا لا يدل على صحة ما يؤمن به، فكم تجد من صاحب إيمان ببدعة من أشجع الناس في سبيلها، وتاريخ الخوارج زاخر بذلك، بل وحتى التتار الذي مسحوا الأرض ذبحاً وقتلاً، فهل كان ذلك ليُشكّكنا في ضلالهم، وأين شجاعة قطري وابن الأزق...والمختار، وابن تومرت وغيرهم عبر التاريخ، ممن تتقاصر في جانبهم شجاعة الشجعان، بل الذين حاصروا عثمان وقتلوه كانوا من أشجع الخلق، وهم من هم.
فلا تغتر أخي بشجاعة المقاتل حتى يكون الحاكم لك وله الكتاب والسنة، التي كانت تقيد شجاعة الصحابة والسلف، فلا يتجاوزونها ولو كان هواهم في غيرها، وكان حديث (الإيمان قيد الفتك) هو معيارهم، فكم يُحجم أحدهم حين يأمره الشرع بالإحجام وهو يريد الإقدام، لأنه يصرف هواه إلى أمر الله ورسوله.
ولعلك تذكر تلك الطلبات من عمر وخالد وغيرهما، حين يطلبون الإذن من رسول الله لضرب عنق من بدرت منه بادرة كفر أو نفاق، فلا يتجاوزون أمره ونهيه.
فهذا والله الجهاد الذي يراد به وجه الله، وهذه والله الشجاعة التي تدل على نزاهة صاحبها ودينه وورعه، أما بلا ذلك فهو قاطع طريق مقدام على ذلك.
- الشبهة الثانية التي يُلبّس بها أتباع البغدادي على الناس، فقولهم: لقد أطبق العالم على معاداتهم كما فعل المشركون برسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه.
وليس ذلك إلا لأنهم على الحق، كما كان حال الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه حين رماهم الناس عن قوس واحدة، وستكون العاقبة لنا كما كانت لهم.
والجواب عن هذه الشبهة من وجهين:
أولاً: لا نسلم لكم بهذه الدعوى، فإن المجاهدين يُقصفون في كل تجمع وفي كل خندق، وأنتم تستعرضون قواتكم ليل نهار، وهذا أميركم يخطب جهاراً نهاراً، وأنتم تزعمون أنه المطلوب الأول عند الشرق والغرب، فهل كان ابن لادن أو الظواهري سيخطب كخطبته ثم يخرج سالماً!؟
وهذه جموع الدواعش تستعرض في العراق والشام، وقد غطت براميل الرافضة الجو والبر، ولم يسلم منها كبير ولا صغير، فما دلالة ذلك عندك أخي المتعاطف!. بل أنت أخي المتعاطف تعلم يقيناً أنكم تُنسّقون وتجمعون الدعم وتتكلمون في مختلف الدول، والمخابرات على علم بذلك،!! وأنتم ترون الدعاة يُعتقلون لعشر معشار فعلكم، وأنتم تسرحون وتمرحون وتدعمون وتكفّرون، ثم تزعمون أن العالم رمتكم عن قوس واحدة!؟
أما لو سلمنا لك بذلك، فإن مجرد عداوة الناس لك لا تدل على صوابك ولا عدمه، فقد عادوا القذافي شرقاً وغرباً ولم يكن ذلك تزكية له ولا مدح عليه.
ولن تجد أخي المتعاطف دليلاً يدعم نظريتك هذه، فإن الحق يعرف بدليله وليس بكثرة الموافقين أو المخالفين، ولو تأملت في وضع داعش ومن يخالفها، فستجد أن أمة الإسلام من علماء ودعاة ومفكرين وعباد وعامة لم تُجمع من قرون على أمر كما أجمعت على مخالفة داعش ومنابذتها والتخلي عنها، فهل كانت هذه الجموع من الأمة بمختلف مشاربها وتوجهاتها ومصالحها، لتُجمع على مخالفة داعش وهي على الصراط المستقيم!؟
فلا تغرنّك أخي المتعاطف هذه الدعوى، فهي كذب في ذاتها ولو صحت لم يكن فيها دلالة على ما يرمون إليه، وإنما هي من التهويش بالدعاوي لا أكثر، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحددون الحق بكثرة المخالفين أو قلتهم، بل عرفوا الحق من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا تُخدع بذلك.
- الشبهة الثالثة، التي تُلبّس بها داعش على أتباعها والمتعاطفين معها، قولهم: الدولة الإسلامية تريد أن تطبق شرع الله، وتقيم الخلافة الإسلامية.
وهذا هو حُلم الأمة من أزمان مديدة، فلماذا تقفون في وجهها وتحاربون هذا المشروع الإسلامي العظيم، وهو حلم لكل مسلم، ولا يكرهه إلا منافق وعميل.
فأقول جواباً على هذه الشبهة: ما أسهل الدعاوى، وما أعسر الحقائق، لقد سمعنا هذه الدعوى الكبيرة من كثير من الطواغيت، فلم تزدنا بهم إلا بصيرة، ولن يكون البغدادي بمجرد دعواه أحسن حالاً منهم، بل أقول ما أشبه الليلة بالبارحة، فهذه هي دعوى الخوارج الأولى لما خرجوا علي أمير المؤمنين، بل أعجب من ذلك، إنها دعوى جد الخوارج (ذي الخويصرة) حين اعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في غنائم حنين، فهي دعوى كاذبة ظالمة.
فهم يريدون تطبيق فهمهم للشرع وليس حقيقة الشرع كما يفهمه العلماء على منهاج السلف وطريقتهم في الاستدلال، وإلا فكل مبتدع يزعم التمسك بالقرآن.
فإن قلتَ: هذه محاكم دولة البغدادي في كل بلدة يسيطر عليها، تقيم شرع الله وتُطبق الحدود وتحكم بين الناس، فهل تُقارن ذلك بحكومات الطواغيت!؟
فأقول: أما الحكم بين الناس بشرع الله فقد طبقه كثير ممن تكفرونهم وتصفونهم بالطواغيت، فهم يقيمون المحاكم بين الناس ويأخذ الناس حقوقهم من بعض، بل هم أفضل منكم في ذلك بكثرة محاكمهم وكفاءة قضاتهم بلا مقارنة مع شبابكم الذين قلدتموهم القضاء وكثير منهم من أجهل الناس بالأحكام القضائية، بل إن الظلم في محاكم تلك الدول أقل منه في محاكم البغدادي، بسبب جهل قضاته أو ضعف الرقابة عليهم. فأي فضل للبغدادي في فتح محاكم تشوه شرع الله.
أما من جهة أخرى فإن محاكم البغدادي أسوء حالاً من محاكم الدول التي يكفرها هو وحزبه، وذلك أن أبرز ما تنبز به تلك الأنظمة عدم نزولها للشرع. ليس في آحاد الناس بل في رموزها وقادتها، وهذا ما نقمه المجاهدون على البغدادي وزمرته وقادته، فإنهم تنكبوا شرع الله في أنفسهم وذويهم. وليس في الأموال فقط، بل في أخطر المظالم وهي الدماء، فكم اتهم الناس البغدادي وجماعته بالقتل والظلم والتعدي على الأموال والدماء.
وكم نادوا بالتحاكم إلى شرع الله، والبغدادي يقول تحاكموا إلى شرعي ومحاكمي وقضاتي، فقل لي بربك أي فرق بينه وبين أشد الطواغيت الذي يكفّرهم هو. فتمنّعه عن تحكيم شرع الله على نفسه وحزبه، إما أن يكون لعدم كفاءة غير قضاته، أو لعدم عدالة غيرهم أو لعدم إسلام غيرهم، فأيّاً كان الجواب. فهو يبين لك منزلة الأمة عند البغدادي وحزبه، وقد بينت الأحداث في الشام قيمة قضاء البغدادي واستخفافه بالدماء وأحكام الردة بالريحة.
وهل سمعتم حكماً على قائد من قادته، على كثرة تجاوزاتهم وتعديهم وظلمهم، وما قصص أبي أيمن العراقي عنكم ببعيدة، فمن يأمن هذا القضاء الظالم! ولست أقول هذا بسبب سماعي عنهم، بل بسماعي منهم في مقاطعهم وبياناتهم التي يخرجونها بعد جرائمهم، وتكييفات شرعييهم التي تُضحك المحزون. فوالله لن تجد طالب علم أو من شم القضاء وعرف بعض أحكامه إلا يعجب كل العجب من تلك المهازل التي تقيمها تلك المحاكم الهزلية الهزيلة.
ولسنا والله نكره أن يُطبّق شرع الله في شبر من الأرض، لكن شرع الله وليس شرع الطواغيت، بأي شعار وأي صورة، فلا تغرنك أخي الشعارات فهي السراب.
- الشبهة الرابعة: التي شبّهت بها داعش على أتباعها وعلى المتعاطفين معها قولهم لكل من ينكر عليهم تعدياتهم وتجاوزاتهم: لماذا لا تنكرون على الحكام!
ويقولون: أنتم تسكتون أو تجاملون أو تطبلون لطواغيت قد حاربوا الإسلام والدعاة وسجنوا المصلحين، فكيف نقبل نقدكم في الدولة وأميرها وقادتها!؟
وللجواب على هذا التلبيس نقول: قد كَذَبتم ثم صدقتم كذبتكم هذه، فلا نعلم عالماً أو داعية ممن تنبزونهم بالسرورية إلا وهم نصحة للخاصة والعامة، وقد تكبدوا في سبيل ذلك كثيراً من السجن والتضييق والمتاعب، وقد أخذوا من السجن أكثر مما أخذتم، لكنكم تريدون نوعاً خاصاً من الإنكار، فهم على منهج السلف في إنكارهم وأمرهم ونهيهم، ولا ينكرون على طريقتكم بالتكفير والتفجير والإفساد، فهل أصبحت طريقتكم معياراً للأمة تحذوها!؟
وليتك أخي تتّبع طُرق الإنكار على الظلمة عبر التاريخ، فستجد طريقتين، طريقة سلفية نهجها الصحابة ومن بعدهم من الأئمة، وطريقة المبتدعة الخوارج. وليس من شرط العالم الصادق أن يُنكر كل منكر، فإن هذا أمر لا يُطيقه أحد إلا أصحاب المعرفات الوهمية التويترية، وإنما كل مسلم ينكر ما يستطيع. فلم أجد أحداً في تاريخ المسلمين استطاع أن ينكر كل منكر في زمانه، وإنما العبرة في عدم تسويغ ذلك المنكر وشرعنته، ثم إنكار ما يمكن إنكاره.
وهذا شاهد ذلك في شرعيي البغدادي وقضاته، لم نجد لهم حرفاً في إنكار جرائم البغدادي وقادته وحزبه، خوفاً أو مداهنة، إلا أن تقولوا بعصمتكم.! ولقد رأينا من الواقع أن محاكم تلك الأنظمة التي تكفرونها، تخرج الدواعش من سجونها أسراباً وتعتقل كثيراً ممن تسمونهم سرورية، فأيهما أظلم!؟
إن العلماء الصادقين ينكرون المنكر بلا منكر ويأمرون بالمعروف بالمعروف، وأنتم تريدون أن تنزلوا سواد الأمة على طريقتكم ومنهجكم مع جهلكم. ولو فرضنا صحة دعواكم، بأن من ينكر على صاحب منكر لا يقبل منه حتى ينكر كل منكر سواه، فمن سينطبق عليه هذا الشرط، من الأولين والآخرين! والله ما هذه إلا حيلة شيطانية للتنصل من كل محتسب عليكم، وإذا أغلقتم باب الحسبة عليكم فالويل والثبور لمن يفعل ذلك، لقد اتخذ إلهه هواه، وهذا ما دعاكم لرفض المحاكم المستقلة بهذه الحيل الشيطانية، مع أنه لو دعاك يهودي للتحاكم لشرع الله لوجب عليك أن تجيبه، فكيف بمسلم!؟
إن رفضكم نصح الناصحين بهذه الدعاوي، لم نسمعها والله من أصحاب الأنظمة الذين تكفرونهم، بل كم سمعت من ذهب لنصح بعضهم فكان أحسن جواباً منكم، فأصحاب الأنظمة ملوكاً وزعماء يتفاوتون في خيرهم وشرهم ولا ندافع عن أحد منهم بل كل منهم له وعليه بين مقل ومستكثر، بل بعضهم هو مارق من الدين، لكن العبرة في العالم الصادق في طريقة التعامل معهم حسب شرع الله ودينه وليس حسب المصالح الشخصية والمواقف الخاصة، كما تفعلون من حيث لا تشعرون.
ألم تتركوا استهداف إيران لمدة عقود لأجل مصلحة الجهاد بزعمكم، فلماذا تنكرون على شيوخ المصالح كما تزعمون، ألستم ترفضون نقد البغدادي علانية، فما الفرق بينكم وبين قطعان الجامية، مع أن أميركم يُظهر من الشعارات الإسلامية ما لم يُظهره عمر بن عبدالعزيز، وهو أبعد الناس عنها.
ولا زلت أذكر حين كتبت بياناتي الخمسة عن دولتكم، كم راسلتموني على الخاص، وطلبتم مناصحته سراً وعدم النقد العلني، ثم تعيّرون من يطبق ذلك مع غيركم.
- الشبهة الخامسة، التي يُلبّس بها أتباع البغدادي على الناس، قولهم: لا تجعل خصمك مجاهداً أو شهيداً، يحتجّ عليك يوم القيامة وهو يحمل رأسه.
وهذه حجة عاطفية، لا تُحق حقاً ولا تُبطل باطلاً، فليس الجهاد أو الشهادة أعظم حرمة من التوحيد والإسلام، ومع ذلك لم يكن التوحيد أو الإسلام مانعاً من النقد والاحتساب عليه، فقد عاتب الله نبيه على ما لم يرضه منه سبحانه وتعالى، ثم الصحابة من بعده، فقد اشتد الرسول صلى الله عليه وسلّم على بعض الصحابة في أمور لا تبلغ عشر معشار جرائم البغدادي وحزبه، ولم تكن صحبتهم وفضلهم وسابقتهم وجهادهم مانعة من ذلك.
فهذه بدعة داعشية بامتياز، وهي العصمة لكل من حمل بندقية حتى ولو كانت موجهة إلى صدور المسلمين و المجاهدين، فبأي دليل منعتم نقد المجاهد!؟ فهذا والله من أثر الجهل بالنصوص وبسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأصحابه الكرام، وإلا فأي جهاد كجهاد خالد، ثم يقال له: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد)، وأين فهمكم للجهاد من فهم عمر حين لبّب خالد بثيابه وجرّه إلى أبي بكر ليحكم فيه بحكمه، ولم يقل خالد: يا عمر لا تجعل خصمك من قاد عشرات المعارك.
وأين أنتم من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أسامة بن زيد حين تأول في قتل رجل كان كافراً وأجرم في خيار الصحابة، ثم يأتيه من العتاب على قتله ما جعله يقول: (حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت إلا هذا اليوم). فكيف لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما تأولتم فيه من قتلٍ لخيار القادة والمجاهدين بالمئات!.
وأين نقد بغداديكم من محاسبة عموم المسلمين لقادة الجهاد العظام الذين فتحوا الأمصار وجنّدوا الجنود، وكانوا حصناً للأمة وللدين، ثم لم يُكسبهم ذلك حصانة، بل مع فضلهم فقد نقدتهم الأمة واعترضت على تصرفاتهم التي تخالف الشرع، كما فعل ابن عمر وابن عوف مع خالد يوم بني جذيمة.
ولولا ضيق المقام لذكرت أمثلة عديدة من نقد السلف الكبار من صحابة ومن بعدهم، لقادة الجهاد الذين شهد بفضلهم القاصي والداني، أم أنكم استثناء!
ولعل أحدهم يقول: لو كان ما تفعلونه نقداً ونصحاً لقبلناه، ولكنه تخوين وتبديع و تكفير لهؤلاء المجاهدين، فكيف يقبلون منكم !؟
فأقول: جواباً على هذا التلبيس: لقد رأيتُ أكثر من ينقدكم اليوم بشدة ويُحذّر من شركم، كان في بداية نقدهم لكم، أرفق بكم من الوالدة بولدها، حتى أصابتهم الأذية من هذا الترفق بكم، لكن ذلك الرفق وللأسف لم يزدكم إلا غيّاً وتمادياً في دماء المسلمين والمجاهدين وأموالهم وتلبيساً عليهم، ولقد اتخذتم من ذلك الترفق، ذريعة لتمرير كثير من باطلكم وبغيكم، حتى أصبح التعاطف معكم مشاركة في إجرامكم، وتحرّج كل محب ومتعاطف معكم من ذلك، بل والله لقد رأيت من بغيكم على المتعاطفين معكم عند أول مخالفة لهم معكم، ما لم نره إلا من الرافضة واللبراليين وأضرابهم، حتى أصبح سكوت العلماء عنكم مطلباً لكم، لتمرروا من التلبيس مالا يعرفه أكثر الناس، وأصبح الناصحون من العلماء والدعاة لا يرون سعة في السكوت.
ثم إن هذه الشبهة التي تلبسون بها وهي (لا تجعل خصمك شهيداً أو مجاهد) ترتد عليكم بأشد مما رميتم به أضعافاً مضاعفة، وليس مثل دعواكم بل أشد، فكم سيخصمكم من شهيد قتلتموه بأتفه الحيل، ومجاهد كفّرتموه بأمر هو لديكم أضعافا مضاعفة، وكم سيخاصمكم من عالم صادق خوّنتموه ثم كفّرتموه، عفواً عن عشرات الدعاة وطلبة العلم وعموم المسلمين الذين لم تتركوا لهم من حرمة الإسلام صغيرة ولا كبيرة، فما هي حجتكم لهم يوم القيامة!؟
ولا مخرج لكم من ذلك إلا بتكفير كل من خالفكم حتى لا يبقى لهم حق ولا حرمة -وهذا ما يفعله بعضكم بل كثير منكم- ثم تتباكون حين ترمون بالخوارج، وكل من يتابع معرفاتكم ومقاطعكم وكلمات رموزكم، يقطع بأنكم لا ترون مجاهداً ولا موحداً حقيقة إلا أنتم، فهل زاد عليكم الخوارج بشيء!!؟؟
- الشبهة السادسة، التي يُلبّس بها أتباع البغدادي على الناس حتى اغتر بها بعض الفضلاء هي ردهم على من اتهمهم بأنهم خوارج، فقالوا:
هذه أصول الخوارج معلومة -التكفير بالكبيرة، إنكار الشفاعة، عدم العمل بالسنة، تعطيل الصفات، الإمامة في غير قريش) فأي أصل وافقناهم فيه!
الحقيقة أن هذه الشبهة قد اغترّ بها حتى بعض طلبة العلم، بل بعض من يخالف الدواعش، يقول: لا يصح وصفهم بأنهم خوارج لعدم قولهم بأصول الخوارج.
وللجواب على هذه الشبهة نقول: ليس من شرط نسبة أحد إلى فرقة أو جماعة بدعية، أن يقول بكل أصولهم وفروعهم، بل يكفي أن يوافقهم في أهم أصولهم، فمن سب الصحابة فهو رافضي، ولو لم يلتزم أصول الرافضة كاملة من عصمة الأئمة وغيرها،
ومن عطّل بعض الصفات سمي معطلاً ولو أثبت كثيراً من الصفات، بل إن تسمية المعطلة بمختلف درجات تعطيلهم جهمية، معروفٌ عن كثير من الأئمة، مع أنهم لا يوافقون الجهمية في كثير من أصول الجهمية البدعية.
وإذا أردنا معرفة أهم أصول الخوارج، فهي الأوصاف التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة أحاديث في صحيح مسلم وبعضها في البخاري، وليس الأوصاف التي لحقت بهم بعد ذلك، والتي أخذوها من المعتزلة أو غيرهم، فلو كانت تلك الأوصاف التي وافقوا فيها الفرق الأخرى هي أهم أصولهم.
لم يحذر الرسول منهم ويترك تلك الفرق البدعية التي هي أصل تلك البدع، فلم يصحّ في فرق من النصوص التحذيرية ما صحّ في الخوارج، بسبب ما تفردوا به، فكيف نتجاهل الأوصاف الواردة في النصوص، ونذهب لأوصاف بدعية هم فيها فرع وغيرهم أصل، ولو كانت تلك الأوصاف هي المقصودة لكان التحذير من الأصل. فحري بنا معرفة أوصافهم التي وصفهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً، وليس الأوصاف التي اكتسبوها بعد ذلك من المدارس الكلامية، وسأذكر هنا أبرز تلك الأوصاف:
1. فأول أوصافهم تلك الحال التي أتى عليها جد الخوارج الأول حينما اعترض على رسول الله، بقوله: (اعدل يا محمد) إنه الاعتراض على طريقة الحكم حتى ولو كان الحَكم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
والمتتبع للفكر الخارجي اليوم يجد هذا معلماً في سياستهم وتفكيرهم وتعاطيهم مع كل من سواهم. وما أمر المحاكم المستقلة عنا ببعيد، فكم تحايلوا ليسقطوا شرعية كل حكم لا يخرج من دهاقينهم، ولم نجد لهم قبولاً لحكم مهما كان ذلك الذي حكم، بل إنها هي أول ما هوش به الخوارج في طورهم الثاني على عثمان رضي الله عنه حتى أهدروا دمه، بدعاوي الظلم وتولية من ليس أهلاً في نظرهم القاصر. أما في طورهم الثالث وهو خروجهم على علي رضي الله عنه، فأشهر من أن تذكر، إنها زوبعة الحاكمية وليس التكفير بالكبيرة كما يعتقد بعض المخدوعين.
فهذا وصف الخوارج الأول، وقد اقتفيتم اثرهم سير القذّة بالقذّة، ولولم يكن إلا هذا لكفاكم مشابهة للخوارج، ولكفانا مسوغاً لوصفكم بأنكم من الخوارج.
لقد اعتمدت الخوارج الأولى على مسائل الحاكمية وشغبوا بها حتى على رسول الله سلى الله عليه وسلّم وخيرة الخلفاء من بعده وجلة أصحابه حتى أصبح من أسماءهم المحكمة، ومن يتابع أطروحات الدواعش والمتعاطفين معهم يجدهم لا يكادون يخرجون عن هذه القضية، حتى كفّروا بسببها كثيراً ممن خالفهم في بعض فروعها.
2. أما الوصف الثاني فهو ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في قوله (حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام) ولا يشك أحد أن غالبية الدواعش يدورون بين أحد هذين الوصفين أو بكليهما.
والحقيقة أنهم تميزوا بهذا الوصف، فلا تكاد تجد فيهم صاحب سن أو صاحب علم أو صاحب سابقة، فقد نابذهم أصحاب السن والعقل والسابقة، حتى أن بعض من كان يوافقهم في بعض أفكارهم وأطروحاتهم، لم يستطع الاستمرار معهم، لشدة غلوّهم،
وتفرد حدثاء الأسنان فيهم بالرأي والقرار الخداج، وليس سراً، أنك لا تكاد تجد في شرعيي داعش صاحب سن أو رسوخ علمي أو رأي عميق، عفواً عن غير الشرعي، أما عامة الأتباع والمتعاطفين فحدثاء الحدثاء.
3. أما السفه في الأحلام فأشهر من أن يذكر، ولا عليك أخي إلا أن تنظر لردودهم وردود المتعاطفين والمتعاطفات معهم على العلماء، عفواً عن غيرهم،
فإذا خالفهم عالم أو صاحب سابقة في العلم أو الدعوة أو حتى في الجهاد، فانظر لردودهم عليه، وكيف يستحلون منهم كل مُحرّم، حتى كأنهم يتكلمون عن يهودي أو عن منافق معلوم النفاق بوحي من الله، ولك عبرة في نقاشهم مع نخبة من العلماء الذين لا يُحسبون على أي جهة، وكيف كفّروا بعضهم وبدّعوا وفسّقوا، وكيف استخفوا بهم وبعلمهم، واتهموهم بالعمالة للمخابرات وغير ذلك من التهم التي لا تصدر إلا من سفهاء أحلام.
ألم يقل كبير المتعاطفين معهم والمنظر لأتباعهم ناصر الثقيل عن الشيخ البراك "يستتاب من كلامه في الدستور المصري"، فأي سفه بعد هذا السفه.
أما كلامهم عن العلامة الطريفي الذي عَرف فضله القاصي والداني في العلم والدعوة والاحتساب ومناصرة الجهاد، فانظر لقيمته عند الدواعش، بل انظر لكلامهم عن رموز كانوا يقدسونهم ويعظمونهم ولهم من السابقة ما ليس للدواعش مجتمعين، مثل كلامهم عن رموزهم السابقة المعظمة لديهم سابقا، مثل كلامهم عن الظواهري والجولاني وأبي مارية القحطاني والمقدسي والقنيبي والمحيسني وغيرهم ممن لا يمكن أن يتميزّوا عليهم بشيء، لا في جهاد ولا في غيره.
وليس كلامي في خلافهم مع غيرهم، وإنما كلامي في طريقة خلافهم مع غيرهم من أهل الفضل والسابقة، وكيف ينطبق عليه أنه خلاف سفهاء الأحلام حقيقة.
أما خلافهم مع عامة المسلمين من طلبة العلم، وعامة المجاهدين، فشيء مهول والله، فهم يستحلون قذف مخالفهم وشتمه وتخوينه وتكفيره وحتى قتله، ومن يريد شواهداً على ذلك فهو يعيش خارج التغطية، فإنّ جولة في مجالسهم أو مواقعهم أو معرفاتهم أو مقاطعهم وجرائمهم المصورة تبين ذلك بجلاء.
لقد فرضوا على أنفسهم قطيعة عامة مع سواد الأمة عامتها وخاصتها، مما أورثهم هذا الحال الذي كان عليه الخوراج الأولى، وهو تفرد حدثائهم بالأمر.
ومن إعجازه صلى الله عليه وسلم أنه وصفهم بهذين الوصفين المقترنين في النص وفي واقعهم عبر العصور، فإن المجتمع الذي يغلب عليه حدثاء الأسنان، لا بد أن يكون طابعه العام سفه الأحلام، فلا يرعون لصاحب حق حرمة، ولا يعرفون لصاحب سابقة سابقته، فهذا وصفهم النبوي يتحقق فيهم كالشمس.
فهل يحق لأحد أن يزعم أن أوصاف الخوارج لا تنطبق عليهم!؟ بل هي والله كما ذكرها صلى الله عليه وسلم حذو القذة بالقذة. "ولمزيد من التوضيح لهذه الصفة الفارقة، انظر لمفردات "القذف والتكفير والتفسيق والتخوين والتسفيه، لعموم رموز الأمة علمياً ودعوياً وفكرياً". في أطروحاتهم المختلفة، بل إن تكرار كلمة الردة، والمرتد، ومشتقاتها في خطاباتهم وبياناتهم تفوق أي كلمة أخرى، وهذا نتيجة طبيعية لسفه أحلامهم،
هذا ما يتعلق بهذه الصفة، بل هي صفتان مقترنتان متلازمتان في النص وفي الواقع، ووالله لقد رأيت من فجورهم مع خصومهم ما لم أره إلا من الرافضة.
4.5 الصفة الرابعة للخوراج الواردة في صحيح السنة وهي (يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فهذه صفتان.
وقد وردت في الصحيحين، فأما الصفة الأولى وهي أنهم "يقولون من خير قول البرية"، وهذا تحذير نبوي حتى لا تغرنا العبارات والشعارات حتى نرى العمل، فمن صفات الخوارج العبارات الرنانة (تطبيق الشريعة، الجهاد، رفع الظلم، الولاء والبراء) إلى آخر تلك العبارات التي لن تكون أحسن من عبارات سلفهم التي نادوا بها في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم ووجه عثمان وعلي وبقية الصحابة وهي شعارهم إلى اليوم، كلمة حق يراد بها باطلٌ كما وصفها علي رضي الله عنه.
وهذه خطابات البغدادي والعدناني وبقية حزبهم، تسمع فيها من خير قول البرية، فلمّا تدعوهم إلى تطبيق تلك الدعاوي فإذا هي علقم على المسلمين، وهذه الصفة الخارجية هي التي غرّت كثيراً من الشباب والمتعاطفين معهم، وقد سمعت ذلك من بعضهم مراراً، لأن المسلم بطبيعته يميل لقول الله ورسوله، بل من العجيب أن تجد من المصادفات اللطيفة، بعض العبارات في خطابات الدواعش هي بعينها في خطب الخوارج الأولين، وكذلك البدع تتعانق ولو بلا قصد، فالمطالبة بالعدل من العبارات التي تأسر النفوس وتُدغدغ المشاعر، لكن لا تنس أنها قيلت من سلفهم المارقين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهل ستغرك عند ذلك!، وكذلك حين تسمع قول العدناني: فأعدوا للصحوات-وهم من خالفهم المفخخات والكواتم ووووو، وهذا ليس في حق النصيري بل المسلمين، فإنك تتذكر قول سلفهم وهم يحمسون بعضهم لقتال خير أهل الأرض، علي وأصحابه، قوموا إلى الرواح، قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.
فهل يغُرّك بعد ذلك، قولهم ولو كان من خير قول البرية، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق!؟ إن القول الجميل لا يكفي حتى يتبعه فعل جميل، فهذا القول الجميل من الخوارج والاجتهاد في العبادة لم يمنعهم أن يمرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فلا تخدع أخي بخطاباتهم وخطبهم،
ولعل بعضهم أن يقول: وهل نسكت عن القول الخير حتى لا نشابه الخوارج!؟ فأقول إن الذم لم يكن للخوارج على قولهم الجميل، وإنما على تطبيقهم، فبعد أن قالوا من خير قول البرية، فعلوا أفعال شر البرية، فخدعوا الناس بالبيان، وذبحوهم عند التطبيق وأخرجوهم من دين الله أفواجاً، وهذا عين ما يفعله الدواعش اليوم، فخُطب عظيمة، وخطبهم على المسلمين أعظم، فما من عالم ولا داعية ولا فصيل مجاهد ولا جماعة إلا يشتكي شرهم، فهل حجَزهم كلامهم عن قتل المسلمين والمجاهدين وعن تكفيرهم وتفسيقهم وتخوينهم، حتى أصبح كل من يخالفهم في أرض الجهاد صحوات وهي مرادفة للردة
6. الصفة السادسة، وهي ما رواه البخاري عن ابن عمر قال (انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين).
تسمع الكلام والاستشهاد وذكرهم للنصوص، فإذا هو من خير قول البرية، فإذا تأملت مقاصدهم، فإذا هو إخراج للمسلمين من دين الله أفواجاً، فعندهم هذا مرتد وهذا كافر وهذا منافق وهذا عميل وهذا صحوات، وكلهم حلال الدم والمال والعرض، ويخاصمونك بأدلة نزلت في الكفار والمنافقين، ولسنا بحاجة بعد ذلك لنحاقق في مسألة كلامية هل هم يُكفّرون بالكبيرة أم لا، بل الواجب النظر في تطبيقهم وليس في تنظيرهم، فهو الذي ورد به النص.
فلا تغتر أخي باستشهاداتهم حتى تسمع كلام العلماء في دلالة تلك الأدلة، حتى لا يخدعوك بذكر أدلّة وحشدها على مسائل لا تدل عليها، فالعلم العلم.
وهذا ما يتعلق بالصفة السادسة الثابتة في حق الخوارج الأولين وهي في الدواعش كالشمس في رابعة النهار، ومن عرفهم وخالطهم لم يخف عليه أمرهم.
7. الصفة السابعة: هي ما ورد في الحديث الصحيح (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم) لكن النتيجة أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم،
فهذه الصفة هي العبادة على جهل حتى يغتر بعبادته وتغرّه نفسه ويُحتقّر الناس ثم يُفسّقهم ثم يُكفّرهم ثم يستحلّ قتلهم فإذا هو خارجي بامتياز،
وهذا والله ما رأيته من بعضهم، فهو يلتزم اليوم ويتتلمذ غداً ويتمشيخ بعده، ويتوغل في العبادة بما يغر به من حوله، وعبادة الجاهل داء عضال، وسبحان الله كيف ورد التحذير منهم، مهما ظهر لنا من حالهم في العبادة أو حسن الكلام أو الشجاعة والإقدام حتى لا يغتر به قليل العلم والمعرفة، ومع ذلك لا زال شبابنا ينخدع لأحوالهم ويغتر بأقوالهم وكأنهم لم يسمعوا تلك النصوص الواردة فيهم، وقد كان سلفهم أكثر عبادة، ولم يغتر بهم السلف، وناقشني والله من اغتر بعبادة بعضهم، وقال: كيف تُبدّعهم وقد جلست معهم أهل عبادة وقرآن وذكر، فقلت له: ما زدتني فيهم إلا بصيرة، ألا تنظر لفعلهم!
ومن تأمل حالهم وأوصافهم الواردة على لسان الصادق المصدوق، وجدها شبه متلازمة، فحديث السن إذا تفرد بالأمر وغرّ من حوله بقوله وعبادته، كانت النتيجة سفه الأحلام، وذلك بالتجني على كل من يخالفهم وانتهاك حرماتهم، وتجاهل حقوقهم، وحتى سفك الدماء، فأي سفه أشد من هذا السفه!؟ وهل بعد هذا يعترض معترض على وصفهم بأنهم خوراج!
وقد رأيتَ أخي كيف انطبقت عليهم تلك الأوصاف الواردة في النصوص، ولم نقل فيهم ما لم يثبت عليهم، وقد اعترض أحدهم البارحة، بقوله أليس أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من حدثاء الأسنان، وكان هذا من أسباب سخرية الكفار بهم، فأقول له:
ليس وجود حدثاء الأسنان في صفوف المجاهدين أو الدعاة أو طلبة العلم هو الوصف الذي أراده صلى الله عليه وسلم، بل المقصود تفردهم بالأمر، كما تجده عند الخوارج في القديم والحديث، إنما المحذور تفرد هؤلاء الحدثاء وتسفيههم لأهل العلم والرأي والسابقة، واعتقادهم في أنفسهم الكمال، كما نراه منهم جليّاً، إن الحدث إذا كان في سواد الأمة وتحت رأي أهل العلم والفكر والرشد، كان وقوداً لعزة الأمة وخيرها، فإن تفرد أفسد.
8. الصفة الثامنة وهي (أيأمنني الله على أهل الأرض فلا تأمنوني) هذا قول الأمين صلى الله عليه وسلم لأولهم حينما خوّنه في قسمته، إنه التخوين.
وهذا حالهم اليوم وعبر تاريخهم، التخوين، وهم يبدؤون بالحكام حتى لا ينكر عليهم أحد، لما في الحكام من كثرة الخيانة، ثم يتدرجون في التخوين، حتى يصلوا إلى تخوين العلماء قليلاً قليلاً حتى يصل بهم الحال إلى تخوين كل مخالف لهم، مهما كان فضله وعلمه وجهاده، وانظر لوصفهم للمجاهدين، فإذا كان سلفهم خوّن من أمنه الله، وخوّنوا عثمان وعلي، فما عسى أحفادهم اليوم يفعلون في عموم المسلمين، ومن يخالفهم في جرائمهم ومجازرهم.
فلا تغرنّك أخي عباراتهم الرنانة في تخوين المخالفين لهم، فقد قالوها لأمين الله على دينه ووحيه، وقالوها لخيرة الخلق بعد الأنبياء، الصحابة.
وفاحذر أخي المسلم والمجاهد أن يستجرك أهل البدعة لبدعتهم وقد حذرك رسول الله منهم.
9. الصفة التاسعة الواردة في الخوارج وهي تنطبق على تنظيم داعش فهي قوله (يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم) وهذا في صحيح مسلم.
وهذه والله قاصمة الظهر، حينما يحسب الشاب الغر الذي لم يُحصّل من العلم ما يبصره، فيقرأ الآيات يظنها له وهي عليه وعلى منهجه وحزبه وجماعته، ولعل أحدهم يقول: وكيف جعلت هذا الوصف علينا، وربما تكونوا أحق به منّا!، وهل تريد أن تسد علينا الاستدلال بآيات الله حتى لا نكون من الخوارج!
فأقول: ليس الأمر كذلك رحمك الله، فإن هذا الوصف مرتبط بوصف سابق وهو تفرد حدثاء الأسنان بالأمور، حتى أمور تنزيل النصوص، فوقعوا في هذا المزلق، عند ذلك تتكامل فيهم أوصاف الخوارج بشكل لا يمكن انفكاكهم منه، وهذا والله إعجاز نبوي،
وقد رأيت أحدهم البارحة يعترض ويقول: يكفينا الكتاب والسنة، وهذه كلمة حق والله لو عرفوا فقهها، وهل جهد الأئمة سلفاً وخلفاً إلا لفهم هذين الأصلين!!؟ ثم يقول أحدهم: لا تحتاج مع الكتاب والسنة إلى شيء، فقلي بربك أي فهم سيحصله شاب من كتاب الله وهو لم يُحِط بعلم آلة ولا علم غاية!؟ وأي تسطيح للعلم والشرع أكثر من هذا، لكنه غرور الشباب وجهله.
وهذا الأمر كان نتيجة حتمية لتخوين العلماء وتسفيههم، حتى أغلقوا على أنفسهم باب الانتفاع من العلماء والاستفادة منهم في كيفية فهم النصوص، حتى استقلّ هؤلاء الشباب بتفسير النصوص ثم تطبيقها ثم تنفيذ ما توصلوا إليه من أحكام، وهي والله كما في الحديث يحسبونها لهم وهي عليهم.
وكم رأينا والله من هذا عجباً، فهل يعي شبابنا هذا المزلق الخطير، ويعودوا إلى العلماء وإلى سواد الأمة ولا يغتروا، فمراجعة الحق خير لهم.
- الشبهة السابعة -وهي الصفة العاشرة - التي رأيت توارد الخوارج الأولى والدواعش اليوم عليها فهي (سيماهم التحليق) وهذه الصفة هي من الشبه التي يهوّشون بها.
فهي مع أنها من صفاتهم كما في الحديث، فقد اتخذها خوارج اليوم مبرراً لهم من صفات الخوارج، فقالوا نحن على النقيض من ذلك، فلا نكاد نحلق.
فالتحليق مع أنه سمة الخوارج الأولين، لكن التحليق في حد ذاته ليس هو الأهم، بل الأهم هو أنهم يجنحون إلى التميُّز عن الأمة فكراً وفعلاً وحتى شكلاً، فهذا الشعور بالتفرد والتوحد عن سواد الأمة هو المذكور في هذا النص وفي غيره، لأن هذا يعكس حالة مرضية عند صاحبه، يوصله إلى احتقار من سواه، ففي الحديث الآخر(من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة) وغيرها من النصوص التي تدعو إلى الدخول في عموم المسلمين وسوادهم ما داموا على السنة.
وهذا ما فَقِهَهُ السلف فكانوا يجنحون إلى تطبيق السنن التي لا تشهرهم ولا تميزهم عن عموم المسلمين، كما كان يفعل بعضهم في تقصير الثوب وعدمه، لإن محاولة التميُّز والتمايز عن صفوف الأمة وسوادها وشعاراتها ومظاهرها، مدعاة للتميز عنها في عقيدتها وفكرها، وهذا ما وقع فيه الخوارج الأوائل، فقد تميزوا عن الأمة بالظاهر وذلك بالتحليق ونحوه من التقشف المبالغ فيه، فلم يلبثوا أن تميزوا عنها بالفكر والمنهج، ثم السيف.
وهذا ما نراه اليوم في الدواعش وفي كثير من المتعاطفين معهم أو يحمل فكرهم، بإطالة الشعور المبالغ فيها، ولبس السواد وطريقة اللثام، وليس لهم في ذلك أثارة من سنة أو أثر، وإنما هو مرض التمايز عن سواد المسلمين، وأنا هنا لا أمتدح التحليق أو الشعر أو أذمهما فهما مجرد ظاهرة، إنما المقصود الدافع إلى ذلك التميز، ثم أثره النفسي بعد ذلك وأثره الفكري والمنهجي والسلوكي، الذي أورث أمراضاً معضلة وانحرافات خطيرة.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر من يتأثر بهذه التميزات هم شريحة الشباب حدثاء الأسنان، فإنك تجد هذه الظاهرة وهي حب التميز في الصالح وغيره، فلا تعجب من هذا في الشباب الصالح، فهو أثر لهذه المرحلة العمرية وربما طال به هذا الأثر كما نراه في غير الصالحين، من تتبع للموضات والتقليعات.
وأذكر أن أحدهم حدثني وهو من أعقلهم، قال: كنا في السجن إذا رأينا أحد الشباب وقد أطال شعره، قلنا بيننا: هذا المنهج، إعجاباً بفعله وشكله.
وارتباط هذه الصفة العاشرة بما قبلها من الصفات مهم لمعرفة النسق الفكري لهذه المجموعات في القديم والحديث، وإدراك هذا الإعجاز النبوي، وهي من وجه آخر الشبهة السابعة للدواعش الذي ظنوا أن عدم وجود التحليق فيهم يكفي لإخراجهم من الخوارج، وهذا جهل كبير
- الشبهة الثامنة: وهي الوصف الحادي عشر الذي وجدته للخوارج في النصوص، ووجدتها تنطبق على الدواعش اليوم، وهي أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان،
وقد لبّسوا على أتباعهم بذلك، فقالوا: هذا وصف الخوارج ونحن إنما نقتل أهل الصليب والرافضة، وعباد القبور والمرتدين، فأين حالنا من وصف الخوارج الوارد في الحديث!؟، وللجواب على هذه الشبهة، لابد من ذكر شبهة أخرى حتى نجيب على الشبهتين،
- وهي الشبهة التاسعة والوصف الثاني عشر للخوارج، وهو قولهم الخوارج يكفرون مرتكب الكبيرة، فهل وجدتم للدولة بياناً تكفر فيه بالكبيرة!؟
فأقول: لم يرد في نص واحد مما صح في وصف الخوارج أنهم يكفرون بالكبيرة، فالعجب ممن يترك الأوصاف الواردة في النصوص الصحيحة ويذهب إلى كتب الفرق.
فإن قالوا: فهل تريد أن تلغي هذا الوصف عن الخوارج!؟، قلنا: ليس كذلك وإنما أقول: إن هذا الوصف وقع متأخراً عن ظهورهم، فهم لم ينطلقوا منه، وإنما غلوا في بعض أحكام الدين وبالغوا في النكير على من خالفهم فيها حتى أوصلهم غلوهم الى تكفير أصحاب المعاصي الكبائر،
فأول أمر كفّروا به علي ومعاوية وبقية أصحابهما، لم يكن تخريجاً عندهم على تكفير صاحب الكبيرة، وإنما غالوا بعقولهم القاصرة في هذه المسألة، ولم ينكر عليهم الصحابة انطلاقاً من هذا الأصل البدعي، بل أنكروا عليهم جعلوا مسائل من فروع الدين أو من مسائل الاجتهاد، جعلوها من الأصول، التي يُكفّر عليها، وهذا هو عين ما يقع فيه خوارج اليوم-داعش-فليسوا يؤصلون لتكفير أصحاب الكبائر ولكنهم جعلوا ما ليس مكفراً مكفراً فكفروا به.
ومن أشهر ما كفّروا به في السابق واللاحق، مسائل من الحاكمية وجعلوه باباً مطرداً، وجميع المخالفة فيه ردة بمختلف صورها المكفرة وغير المكفرة، بل وحتى مسائل الاجتهاد منها، كفّروا المخالف فيها، وسأذكر لها مزيد تفصيل بإذن الله في فقرة مستقلة، وكذلك فعلوا في باب الولاء والبراء، فجعلوها وجهاً واحداً، وأحكامه ردة حتى في صور لا تصل إلى الكفر والردة، بل في صور منه هي من مسائل الاجتهاد، إلى غير ذلك من الأبواب.
فلا تجد في النصوص ولا في خطب الخوارج الأوائل، النص على تكفير صاحب الكبيرة، وإنما واقعهم وتطبيقهم أوصلهم إلى ذلك، فجعله العلماء من أصولهم، فلما أصبح الخوارج فرقة كلامية لها تنظيرها، التزموا ذلك كما تجده في كتب وارثة الخوارج نظرياً وهم الإباضية، فالعبرة بالتطبيق والواقع.
وهذا هو حال الدواعش اليوم حذو القذة بالقذة، فلم يصرحوا بكفر صاحب الكبيرة، لكنهم جعلوا ما ليس مكفراً مكفراً، ثم كفروا به، فإذا النتيجة واحدة.
فلا تغتر أخي بقولهم: أين وجدتم أن الدولة تكفر بالكبيرة!؟ فإن هذا لا وجود له حتى في خطب نافع بن الأزرق وشبيب الخارجي، وإنما النظر في واقعهم. وإذا تبين لك هذا الجواب على هذه الشبهة الشيطانية، أيقنت أنهم أحق الناس بهذا الوصف الوارد في كتب الفرق، الذي أصبح من أشهر أوصافهم وأحوالهم.
وهنا يتبين الجواب عن الشبهة السابقة ذكرها، وهي أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فهذا وصف من كلام الصادق صلى الله عليه وسلم، فإن قلتَ كيف ذلك، قلتُ لك لقد رأينا وسمعنا من بياناتهم الرسمية مرات ومرات، أن قتال المرتدين وتفجيرهم أولى من قتال الكافر الأصلي، وهذا مشهور ومعلوم من خطبهم وبياناتهم وتطبيقهم وهو الأهم، ولن يخبرك عن واقعية هذا الأمر أصدق من الفصائل المجاهدة التي رأت منهم تطبيقا لذلك، فهي كما ذكر الله، خطوات الشيطان، فهم كفّروهم حتى يخرجوا من حرج قتال المسلمين وترك الكافرين، ثم جعلوا الأولوية لقتال هذا المرتد الصحوجي، وقد جعلوا هذا المصطلح غطاء لتكفيرهم الجماعي، فقالوا صحوات-ونحن لا ننكر وجود نوعٍ من الصحوات حالفوا الرافضة والنصارى-ويقصدون به من خالفهم، بل رأينا من معرفاتهم المعلوم قطعاً أنها لبعضهم، من يُفضّل ويُقدّم قتال حماس على قتال اليهود، لأنه من باب قتال المرتد أولى من الكافر الأصلي.
واسألوا عنهم أهل الشام، وعن كَلَبهم على الفصائل المجاهدة حتى أقرب الناس إليهم كما يزعمون سابقاً وهي جبهة النصرة، فقد كفروهم واستحلوا قتلهم، وقل مثل ذلك عن مجازرهم ضد الأحرار وغيرهم من الكتائب المجاهدة، فقد أعملوا فيهم القتل والتفجير والتفخيخ، وقتلوهم قتل ردة لا قتل دفع.
ولا أقول هذا افتياتاً عليهم، بل هذا نص كلام العدناني، وغيره من متحدثيهم، حتى قال أحدهم: نحن أخطاؤنا معاصي وأنتم أخطاءكم ردة !!
فإذ ضممت كلامهم مع قولهم: قتال المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي، وعلمت من المرتد عندهم، تبين لك أنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.
فإن قالوا: كيف تزعم أننا لم نقاتل أهل الأوثان وهذه مواقعنا فيهم قد شهده القاصي والداني.
فأقول: هذه شبهة تحتاج إلى جواب يبين تلبيسكم فيها،
وهو أن هذا الوصف على شقين:
فالأول: أنهم يقتلون أهل الإسلام وهذا ما عرفه عنكم القاصي والداني ولا يوجد جماعة جهادية إلا نُحرت منكم، وقد بلغ قتلاكم من أهل التوحيد آلافاً، وإن سميتموهم مرتدين أو صحوات أو محرضين أعوان السلاطين أو أو أو، بمختلف الأسماء التي أخرجتموهم بها من الإسلام، واسألوا القتيل المظلوم، الجيش الإسلامي في العراق، كم نحرتم فيهم وكم استحللتم من دمائهم، تحت مسميات مختلفة والنتيجة واحدة.
وكأني ببعضكم فرح بذكري للجيش الإسلامي حتى يعترض بقوله: ألم تعلم أنه قد دخل في الصحوات وانحل بين هارب أو مستسلم أو مرتد مع الصحوات!؟ فأقول: علمت والله، وصدقت في بعض ذلك، لكنكم أنتم والصحوات الحقيقة ساهمتم في ذبحهم، وإن كان قد التحق بعضهم بالصحوات فإن غالبهم ذبح بأيديكم.
ولا يوجد فصيل جهادي في العالم الإسلامي اليوم قتل من المجاهدين، عفواً عن عموم المسلمين، مثلما قتلتم أو قريباً من ذلك، هذا أمر لا مرية فيه، بل إن كثيراً من الأنظمة التي تكفّرونها، لم يقتلوا من المسلمين عُشر ما قتلتم، وخصوصاً القتل النوعي لقادة الجهاد وعقوله المدبرة والفاعلة،
فهل يقول عاقل اليوم أن هذا الوصف (يقتلون أهل الإسلام) لا ينطبق عليكم، بل والله هذا من خداع الأمة عن حقيقة عدوها، فقد نافستم اليهود في ذلك.
هذا في الواقع والتطبيق، أما في التنظير، فاسألوهم عن عموم المسلمين ما حكمهم، فسيقولون لا نكفرهم بل هم على أصل الإسلام عندنا ما لم يرتكبوا مكفراً، وهذا كلام ظاهره الحق وباطنه السم الزعاف، فإنك ستجد في خانة المكفرات أن غالبية سواد الأمة لم يسلم من مُكفّر وقع فيه، فاسألهم عن ملايين من الجيوش، واسألهم عن ملايين من رجال الأمن، واسألهم عن جميع الجماعات الإسلامية التي تخالفهم، اسألوهم عن حماس والإخوان، واسألهم عن جميع الفصائل الجهادية التي تخالفهم، واسألوهم عن العامة الذين لا يرون رأيهم وينابذونهم ويعادونهم، واسألوهم عن كل عالم خالفهم، واسألوهم عن أعلام العلم والفكر والدعوة الذين لا يرون رأيهم ويخالفونهم ويحذرون منهم، كل هذه الأعداد من الخاصة والعامة عندهم لهم أحكام مختلفة الألفاظ متفقة المعنى، فهم بين صحوات أو طغاة، أو أعوان ظلمة أو طوائف ممتنعة، أو أو أو، وكل هذه أسماء لمعنى واحد وهو الردة.
وإنك إذا حاققتهم في المسلم من أعيان الأمة وخاصتها وعامتها، لم تجد إلا الدعاوى الفارغة، وإنما هو التكفير للخاصة والعامة بأغرب الذرائع.
فهل يقول عاقل بعد هذا أنهم لا يكفرون أهل الإسلام ولا يقتلون أهل الإيمان من العلماء والمجاهدين والقادة الذين عجز عنهم أعداء الأمة!؟
فهذا ما يتعلق بهذا الشق من وصفهم وهو قتلهم لأهل الإسلام،
أما الشق الثاني وهو أنهم يدعون أهل الأوثان، فقد نظروا لأولوية قتال المرتد على قتال الكافر الأصلي، وقد سبق بيان المرتد عندهم، حتى قال قائلهم: إن قتال حماس أوجب من قتال اليهود!؟ هذا ما نظّروا به، أما تطبيقهم، فتجدونه في الإحصائيات لعملياتهم في الشام، وذلك بالمقارنة بين عدد عملياتهم في المناطق المحررة والمحتلة، والمقارنة بين عدد عملياتهم ومفخخاتهم وتفجيراتهم في النصيرية وعدد عملياتهم في الفصائل المجاهدة بمختلف مسمياتها، وستجدون مفارقة مخيفة.
وانظروا عملياتهم في العراق وقارنوا بينها في المناطق السنية والمناطق الرافضية، وعدد من قتل على أيديهم من الرافضة ومن السنة لتعلموا الحقيقة.
بل انظروا لأتباعهم وأشباههم في اليمن كيف توجهوا لقتل العساكر السعودية وترك الحوثي يعيث في اليمن فساداً !!؟؟ كل هذا طرداً لأصلهم الفاسد.
وانظروا لأعداد تفجيراتهم في المجاهدين وقارنوها بأعداد عملياتهم في إيران، لتعلموا حقيقة قتلهم لأهل الإسلام وتركهم لأهل الكفر والأوثان.
وليس شرطاً لأن ينطبق عليهم الوصف، أنهم لا يقتلوا كافراً أبداً، فهذا لا يوجد في الخوارج الذين لا شك في خارجيتهم، وإنما العبرة بالغالب، ومن قرأ سيرة خوارج المغرب الذين قاتلوا العبيديين، وجد أنهم أحسن حالاً من خوارج داعش، فقد قاتلوا العبيديين الكفرة، ومع ذلك لم يختلف العلماء في كونهم خوارج، فهل نعقل التاريخ ونعي الواقع ولا نخدع من جحر مرتين بل مراراً، وهذا والله من ضريبة الجهل بالدين والتاريخ.
هذا ما يتعلق بهاتين الشبهتين بل الشبه التي لبسوا بها على شباب الأمة وعامتها، حتى أصبح بعض الفضلاء مع مخالفته لهم يتحرج من وصفهم بالخوارج، وأنا أقول والله وبالله وتالله، ما يخالجني شك في خارجيتهم، ولم أجد وصفا نبوياً لهم إلا وجدته فيهم كالشمس، فهل نخادع أنفسنا ونخدع الناس.
- الوصف الثالث عشر: قوله صلى الله عليه وسلم (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) ففيه وصف غيبي ووصف حسي:
فأما الوصف الغيبي فلا يعلمه إلا الله لكنه ربطه بوصف ظاهر، وهو سرعة تقلبهم وتغيرهم وتقحمهم على الأمور العظام التي ربما أخرجتهم من الدين، وهذا وصف ظاهر فيهم قديماً وحديثاً، ومن جرّب نقاشهم اليوم يعرف مصداق ذلك، وخصوصاً إذا ربطت ذلك بوصف حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام.
وقد وردت عدة صيغ لوصفهم هذا في عدة روايات كلها تدل على سرعة خروجهم من الدين، حتى شبّهه بالسهم الذي سبق الدم والفرث، فأي تشبيه أراد غير هذا.
ومنها كذلك قوله "فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم" فقد رأينا كتائب المجاهدين لا يروعهم على من خلفهم وعلى مقراتهم، حين يهاجمون العدو إلا الدواعش، وقد حصل هذا منهم مرات، يدعونهم حتى يواجهوا النصيرية، ثم يخلفونهم، فهذا والله من أوصاف الخوارج الأولين وأحوالهم، وهو الغدر بالمجاهدين وإشغالهم عن عدوهم، تحت ذرائع وأعذار ليس أحسن حالاً من أعذار أسلافهم.
ومنها قول قائد الخوارج ابن وهب الراسبي "ألقوا الرماح، وسلوا سيوفكم من جفونها، فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم يوم حروراء"، إنه الإعراض عن سماع النصح وسماع الحجة والبيان حتى لا يتأثر الأتباع، كما تأثروا بكلام ابن عباس سابقاً، وانظر بالله عليك في ردود الدواعش وتحذيرهم من سماع بيان الناصحين والعلماء وأصحاب الحجة والبرهان، وكثرة تحذيرهم من سماع كلام المخالفين لهم حتى لا يتأثر أتباعهم من الشباب الأغرار. فسبحان الله كيف تشابهت صفاتهم، وكيف توافقت أحوالهم حتى انطبق عليهم قول الصادق (يخرج من ضئضئ هذا) فهم والله على نفس الشاكلة والمنهاج.
ومنها في هذا الحديث استحلاف عبيدة السلماني لعلي ثلاث مرات، وما ذلك إلا لما وقع في قلوبهم من قتلهم لأقوام قد أنهكتهم العبادة والصلاة، وهذا والله ما يعانيه كثير من قادة الجهاد الذين يريدون رد عاديتهم، فيستعصي عليهم بعض أتباعهم، اغتراراً بما يظهرونه من التدين والشعارات.
فأقول سبحان الله ما أشبه الليلة، بالبارحة، وما أرحم الله بهذه الأمة حيث بيّن لها على لسان نبيها، بياناً شافياً، لا يُخدع بعده إلا جاهل، فعجبي ممن يغترّ ببيانات الخوارج، ولا يقتنع بكلام الصادق المصدوق، وأنصح الخلق للخلق، فمع هذا البيان النبوي، فقد اغتر بهم آلاف الشباب الأحداث.
هذا ما يتعلق بالشبهة السادسة لهم، وقد صالوا وجالوا بها على كل من رماهم بالخارجية، وتنصلوا من صفات الخوارج، وقد والله تحريت تلك الأوصاف من كلام الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر الإمام مسلم في الخوارج عشرة أحاديث، لم أجد فيها وصفاً، إلا هو فيهم بجلاء، إلا الأوصاف المُعيّنة المختصة، مثل وجود ذي الثديتين، وخروجهم على حين فرقة من المسلمين، ويقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، فهذه أوصاف مختصة بتلك التي خرجت على علي رضي الله عنه، ومع ذلك ففيها إشارات لطيفة، إلى أوجه تشابه مع خوارج اليوم، فمن ذلك خروجهم في وقت الفتن والفرقة، فهذا ملحظ لطيف، أنهم من الأمراض التي تخرج في الأزمات، وكيف يزيدون أزمة الأمة، ولعلكم تذكرون وقت دخول داعش إلى الشام وكيف ضاعفت أزمتهم،
وكذلك فصيلهم الذي خرج في غزة في تلك الأزمة بين الغزاوية واليهود، والحصار الذي كانوا فيه، ثم يخرجون فيهم ليزيدوا وهنهم ويشتتوا أمرهم.
وكذلك ذكره لذي الثديتين، ليكون برهاناً لعلي رضي الله عنه حين يقاتلهم، لعلمه صلى الله عليه وسلم بكثرة من سيُخدع بهم وبظاهرهم الموهوم، مع أن الذي سيقاتلهم هو أفضل أهل زمانه بلا خلاف، ومع ذلك احتاج مع الخبر الذي ينقله وما كذب فيه ولا كُذب، احتاج إلى أمارة ظاهرة تصدق خبره.
كل ذلك، يُبين شدة لبس أمرهم على كثير من الناس، فهذا عبيدة السلماني من خيار التابعين، ومن أفقه أصحاب علي، ومع ذلك يستحلف علي في أمرهم ثلاثاً، فلا غرابة أن يلتبس أمرهم على بعض الفضلاء، وإني لأرجو الله أن يجعل هذه الكتابة مما يساهم في بيان حقيقة حالهم ويجلي دقائق أوصافهم.
وكذلك قوله (يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق)، مع أنه وصف لعلي وأصحابه في مقابل أهل الشام، إلا أن في ذلك ما يوحي أن الذين يتبصرون لأمرهم، وتتجلى له حقيقتهم، على كثرة ما يكتنفهم من لبس وما يظهرون من شعارات وعبادات وأقوال، هي من خير أقوال البرية، كل ذلك لم يخدعهم عن حقيقتهم.
فهذا عندي مما يُشعر بأن من يتبين له أمر الخوارج على مر العصور مع شدة التباس أمرهم، هم أصحاب البصيرة من العلماء والمجاهدين والقادة.
فمع أن هذه في ظاهرها أوصاف مختصة بمن خرج على علي، إلا أن في طيها ما يَدُلّك على أمر الخوارج بمثل ما ذكرناه من إشارات نبوية عظيمة، وبهذا يتبين لك أخي مطابقة صفات الخوارج الواردة في النصوص وفي كلام السلف ومن أحوالهم في الماضي والحاضر، ما يدلك على خارجية الدواعش قطعاً.
فمن كان عنده علم فليجُد به على من لا علم عنده، فهذا ما توصلنا إليه في أمرهم، فمن تبين له خطأ هذا التوصيف فليبينه لنا ونحن نعود إلى الحق،
فقد كنت والله باحثاً عن الحق في أمرهم، وقد دفعني إلى زيادة التفصيل في هذه الشبهة السادسة، ما رأيت لها من وقع على الشباب وكيف غرتهم، وقد رأيت بعض العلماء والفضلاء يصفهم بأنهم خوارج ثم لا يفصل في ذلك، فيردونها شبهة عليه بقولهم: هذه أصول الخوارج وهذه أصولنا السلفية!؟ فأين التشابه بيننا وبينهم!، ونحن نُصرّح بمخالفتنا للخوارج جملة وتفصيلاً، فلما رأيت هذا التلبيس استعنت الله في توضيح شبههم عموماً وهذه خصوصاً.
- الشبهة العاشرة: وهي شبهة طالما أشهروها في وجه من يحتسب عليهم أو ينكر تجاوزاتهم، فيقول قائلهم: لماذا لا تنكروا على بقية الفصائل الأخرى التي عندهم من التكفير والقتل والتجاوزات مثلما عندنا!
وهذه الشبهة فيها إقرار للتجاوزات والجرائم التي عندهم، وكأنهم يقولون اسكتوا عنا كما سكتم عنهم، وهذا فيه حق وباطل، فأما الباطل الذي فيه فهو جعلهم تجاوزات غيرهم مسوّغة لهم ولإجرامهم، وهذا لا يقوله عاقل، بل يجب سماع النصح من الناصحين، ولا يتعذر عن قبول الحق إلا من كان في قلبه وعمله دخن، نسأل الله العافية، ولقد رأيتها أصبحت سمة أصحاب الفكر الداعشي، كلما أنكرت عليهم أمراً من تجاوزاتهم، وجرائمهم، أخرجوا لك ملفاً عن الآخرين وتجاوزاتهم، وكأن هذا حجّة لهم عند الله وعند الناس!! فأين العقل؟
ولعلكم رأيتم هذا في ردودهم على بعض كتاباتي السابقة، إن المؤمن يفرح بالنصح والنقد مهما كانت مرارته، لأنه يعمل لله وليس للسمعة والتطبيل، وقد رأيت من سمات الدواعش أنهم يكرهون النقد والنصح مهما كانت لطافته ورقته، ولن تجد أنهم قبلوا نصح ناصح أبداً، وما موقفهم من الظواهري ببعيد.
وكذلك تجد فرحهم بالمدح والتطبيل ولو من شباب أغرار أو من مجاهيل، أشد من فرح أهل الدنيا وأصحاب الرئاسات، ثم يزعمون أنهم ليسوا أهل دنيا!!
وإني اسأل كل متعاطف مع هذا الفكر الخارجي، هل موقفهم عند سماعهم للنصح والنقد هو الموقف الشرعي، وهل تجد في السنة ما يشفع لهم في هذا التهرب؟ لقد أصبح لديهم ملفات جاهزة يفتحونها في وجه كل ناقد لهم، وكلها فيما يتعلق بغيرهم، فسبحان الله كيف فرّخ الشيطان في تلك العقول حتى رأوا ذلك حجة.
وربما كان في تلك الملفات بعض إنجازاتهم العسكرية، فلو سلمنا لهم بكل ما فيها، فهل يكون فعلك الحسن مسوغاً لفعلك القبيح! وهل قتل عشرات الرافضة مبررٌ لقتل مئات السنة الذين حكمتم بردتهم جهلاً وجوراً! بل أصبح لديكم من الإنجازات قتل الصحوات والمرتدين، وكل ذلك لتغطية إجرامكم بأهل السنة، فأي دين هذا وأي جهاد! إنها والله الخارجية العصرية، التي أحكمها الشيطان في قلوبكم وغلفها بشبهات واهية، لا يشهد لها نص ولا عقل ولا سياسة حتى.
هذا ما في هذه الشبهة من باطل، أما ما فيها من حق، فهو أن بعض ما ننتقده على الدواعش هو موجود عند غيرهم من الفصائل الجهادية الأخرى، وهذا الكلام وإن كان فيه شيء من الحق إلا أن لدي جوابان،
الجواب الأول:
أن حقيقة هذا النقد وإن كان موجهاً إلى الدواعش بشكل مباشر، فهو كذلك موجه لكل من يحمل هذا الفكر الخارجي، وإن كان نائماً في بيته، وقد علمت بوجود بعض تلك الأفكار في بعض الكتائب الجهادية، فهذا الكلام بتناولهم كذلك، لأن حقيقة الأمر هو النصح للأمة ولشبابها من هذا الفكر حيث وجد وتحت أي شعار خرج، فلا نُخدع بإخراج هذه الخارجية من تحت عباءة أخرى وشعار آخر.
أما الجواب الثاني، وهو سبب توجيه هذا الكلام إلى داعش مباشرة دون غيرها، فذلك لأسباب منها، أن هذا الفكر الخارجي قد تكامل وتمت صورته فيهم بلا ريب، ولأن هذا الحزب الداعشي قد تبنى هذا المذهب بقضه وقضيضه، كما بينته في الرد على شبهتهم السادسة، ولا تجد فصيلاً جهادياً تعصّب لهذا الفكر مثلهم، وكذلك فإن هذا الفكر الخارجي في قيادة داعش وفي جنودها على حد سواء، وهذا ما لم نجده عند غيرهم بهذه الصورة الصارخة، وذلك لتقاربهم في السن والعلم.
ومن الأسباب أن قيادة داعش قد فرضت على نفسها وأتباعها طوقاً ساخناً من الأفكار الخارجية، ولا تسمح لهم بالتواصل مع سواد الأمة وعلماءها ومفكريها، فكل الفصائل يمكن لبعض العلماء التواصل معهم والنصح والتصحيح، وهذا صمام الأمان لتلك الفصائل ولعموم الأمة وإنما الكارثة ممن يتمايز عن أمته.
ومن الأسباب، أن غالب تلك التجاوزات في تلك الفصائل هي من الجنود والأتباع وليست من القيادات، وأما في داعش فيحصل التجاوز من القائد والأتباع، ثم تجد القادة في داعش تبارك تلك التجاوزات من جنودها، وما مجازر أبي أيمن العراقي التي دعمه البغدادي على إثرها بمئات الجنود، إلا شاهد.
فإن قال أحدهم وهل القادة من غير داعش ليس لهم تجاوزات؟ فأقول بل وجدت لهم تجاوزات وأخطاء كبيرة، لكن الفرق بينهم وبين قادة داعش أنهم لم يفعلوها بسبب الفكر الذي يحملونه، فهي وإن كانت أخطاء ويجب إنكارها والنصح لهم فيها ومحاسبتهم أحياناً، لكنها لا تقارن بمن يفعلها عن فكر خارجي وتديناً بذلك، وإغلاقاً للآذان عن أي نصح أو نقد على هذه الأخطاء، ومن الفروق أن تلك القيادات لم تقاطع الأمة وتتفرد بأمرها، بل هي مُصغية لنصح العلماء ونقدهم، وقد جرّبت ذلك بنفسي مع بعض القادة الكبار جداً في تلك الفصائل، حينما رأيت منهم تجاوزاً لا يجيزه الشرع، فراسلتهم وأنكرت عليهم، فتجاوبوا واستجابوا ولم يكابروا، بل غيّروا، هذا نصحي أنا وأنا من أصغر طلبة العلم وهو لا يعرفني شخصياً، فكيف إذا كان النصح من العلماء الكبار، أو أصحاب الفكر والرأي في الأمة !؟
مع أني جرّبت النصح مع الدواعش فرأيت والله من الصلف والعناد والمكابرة في صغارهم قبل كبارهم ما لم أره في غيرهم، ولعل الجميع سمع وقرأ ردودهم على الشيخ البراك والطريفي وغيرهم، عفواً عن طلبة العلم والعامة.
فهل يقول عاقل بعد ذلك أن أخطاء داعش مثل أخطاء غيرهم! لا والله لا سواء، فإن داعش قد باينت الأمة وفاصلتها ولم تجعل للأمة عليها سبيلاً.
هذا ما يتعلق بهذه الشبهة وهي العاشرة وقد أشهروها في أوجه الناصحين كثيراً، وهناك شبهة أخرى ذات صلة بهذه، وهي، كلامهم عن الحكام والملوك، ومقارنة قادتهم بزعماء العرب وحكامهم، وإخراج مقاطع وصور لهم وهم يجالسون الكفار ويصافحونهم، ثم يقول: هذا ولي أمرك، فماردك عليه، وأين إنكارك!
فأقول، يكفي أنك تقارن خليفتك المزعوم، بحكام لم يقل أحد منهم أنه أمير المؤمنين، إلا القذافي -شبيه خليفتكم في أمور كثيرة-، فهذا يدل على أنكم طلاب دنيا، ولستم طلاب دين،
الجواب الثاني:
هب أن كل ما ذكرته عن الحكام من آل سعود وغيرهم صحيح، فهل هذا يبرر لك إجرامك وتكفيرك وإفسادك في الأرض! وإن أردت المقارنة بينكم وبين الحكام، فوالله لقد أظهرتم من شعارات الدين ما لم يظهروا عشره، ثم أنتم أبعد عن حماية أرواح المسلمين وأموالهم.
وإني أسأل نفسي، لماذا الداعشي بفكره الخارجي لا يستطيع أن يدفع عن نفسه وعن إجرامه، إلا بإظهار أخطاء الآخرين! هذا والله من مكر الشيطان بهم. ثم كيف مكر بهم الشيطان، حتى أصبحت الصورة لأحد المسلمين مع أحد الكفار أو المبتدعة، جريمة وخيانة وعمالة وصحوات، ثم ردة وحلال الدم والعرض،
ثم إني اسألهم، هل الخطأ في مجالسة الكافر والمحادثة معه حتى ولو كان محارباً، فقد والله جهلتم السنة والتاريخ، فقد جالسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده من المشركين واليهود والنصارى والمنافقين، وبعضهم محارب كأبي سفيان، بل بعضهم أتاه مهدداً له بالحرب والموت، فما تفسيركم لذلك!
وإن قلتم: بل الخيانة ليست في مجرد اجتماعه بهم، بل فيما دار فيها من خيانة للمجاهدين، وأخذ دعم من تلك الجهات، فأقول مع أنكم لا تحتجون إلا بالصور، فكيف علمتم ما دار فيها، وكيف جعلتم الأخذ لأي دعم خيانة وعمالة، وكيف جعلتم كل لقاء بينهم خيانة للمجاهدين، مع أن الواقع يقول: أنه لا يوجد جماعة اعتدت عليكم إلا بعد تمدّدكم بحواجزكم فيما حرروه، وتوسيع دولتكم الموهومة على الرقعة التي حررها غيركم، فأين العميل منكما!
لقد والله أضحكتم الصبيان على عقولكم، بجعلكم كل صورة مع كافر حجة لكم في تكفير مخالفكم وتخوينه واستحلال دمه وعرضه، ولا أدري أين كانت هذه الحجة حينما كنتم تُطبّلون لمن يكتب في نصرتكم وهم في عواصم تلك البلاد! لكنها حيل الشيطان تُكفّرون قوماً بعلّة هي هي فيكم أو في أنصاركم.
وهذا والله أمر مضحك مبك، أن تبلغ السطحية بهذه الجماعة التي تزعم أنها ستعيد الخلافة، أن جعلت صور المخالفين مع الكفار حجة لتخوينهم وتكفيرهم، وجعل ذلك من أشد التهم عليهم، وانظروا مصداق ذلك في إصداراتهم التي شرّقوا بها وغرّبوا، وكيف جعلوا جلسة فلان مع الوزير الفلاني تهمة وتخويناً، وأنه أخذ منه دعماً ليقاتل الدولة الإسلامية وووو، إلى آخر تلك التخرصات التي لا يسندها دليل ولا حجة، ثم هم صحوات ومرتدون، ونسوا أنهم هم أساس الفرقة في العراق والشام، وأن قاعدتهم الفاسدة التي جعلوها شعارا لهم "تتمدد" هي التي أثارت النار في كل شبر يصلون إليه، لقد كان شعاركم -تتمدد-أضر على الجهاد وعلى لحمة المجاهدين من كل لقاء بأعداء المسلمين، فلم يبلغ الكفار في إفساد الجهاد ما بلغته شعاراتكم.
لقد كنا نسألكم من أيامكم الأولى أين تتمدد؟ فزعمتم أنها تتمدد في المناطق التي يسيطر عليها النصيري، لكن واقعكم كذّب ذلك وأظهر مكنونكم، وأن تمددكم على حساب الفصائل الأخرى والمناطق المحررة وليس على حساب النصيري، ثم أصّلتم أصلكم الفاسد الآخر "لا تقاتل النصيرية وفي ظهرك مرتد"، وقد علمنا من المرتد عندكم، فهل نقول أن تلك اللقاءات مع أعداء الجهاد الشامي هي التي دفعتكم لهذا التمدد الآثم وتلك الحواجز التي قطعتم بها أوصال المناطق المحررة!
ولا ننكر أنه كان لبعضكم دور جيد في بعض المناطق، لكنكم لا تلبثون أن تعودوا لطريقتكم الغريبة بالتعامل مع الناس ومع الفصائل الأخرى على أساس أنكم دولة وغيركم جماعات وفصائل، وهذا من أشد ما سبب الأزمات بينكم وبين غيركم، ووقعتم بسببها في كوارث ومصائب، وقد أنكر عليكم هذا الأمر كل عاقل من المجاهدين والعلماء والمُصلحين، ولعلكم تذكرون كلام ش العلوان على هذا الأمر وكيف أنكر عليكم ذلك.
إن أخذ الدعم لهذه الثورة المباركة أمر مشروع، ما لم يكن له ضريبة تزيد على منفعته، فهذا رسول الله يستعير الأسلحة من صناديد الكفر في قريش يوم حنين ليستعين بأسلحة صفوان بن أمية وهو على كفره، على قتال ثقيف وهوازن، مع أنه جهاد طلب وليس جهاد دفع، فالحاجة في الثاني أشد وألزم، وكذلك اقترض من اليهود الديات، مع أنهم أشد الناس عداوة وتربصاً بالمؤمنين، ولم يمنعه ذلك من أخذ الدعم، فليست الدول الكافرة على سياسة واحدة.
فما الذي يمنع المسلم أن يستغلّ الصراع السياسي العالمي ما استطاع منه لتحقيق أهدافه كما فعل الأفغان لما قاتلهم الروس، فأخذوا أمداداً من حكومات أنتم تكفرونها اليوم، وتخونون من يجالسهم أو يأخذ الدعم منهم، وقد رأيت والله أنكم لا تنقمون على الفصائل المجاهدة أمراً إلا وهو بعينه وقع فيه الجهاد الأفغاني، وطالبان من بعدهم كذلك، لكنه ضيق الفكر والفقه لديكم، فكيف بعد ذلك ترومون قيادة الأمة وتزعّم الخلافة!
وأنتم لم تستطيعوا أن تحسنوا قيادة فصيل جهادي أسميتموه الدولة، فسلكتم به سياسة خارجية نفرت منه جميع الأمة بمختلف ألوانها إلا أحداثاً من الشباب الأغرار، الذين غرهم منكم حسن البيان، والاستعراضات العسكرية التي ذهب جلها لقتال المجاهدين،
فدعك أخي من هذه الحجج الهُلامية، وقولهم فلان تصوّر مع فلان أو أخذا دعماً من فلان، وعليك بالنظر للواقع وما يُنفذ على أرض الجهاد، فهذه أكثر الفصائل في منازلة النصيرية، وهذه دولتكم، مشتغلة بتصنيف المجاهدين إلى أنواع من الردة والصحوات حتى تقدم قتال المرتد على قتال الكافر الأصلي ولا حول ولا قوة إلا بالله.
- الشبهة الثانية عشرة والتي طاما لبّسوا بها على أتباعهم وغروهم وشوّشو بها على مخالفيهم، وهي طلبهم المباهلة عند كل خلاف مع غيرهم،
فإن رفضها هلّلوا وكبروا ورأوا أنه برهانهم القاطع على أنهم على الحق وأن مخالفهم على الباطل، ثم يزمجرون بها أياماً وليال، وهذا أمر مؤسف، أن يبلغ بهم الجهل وقلة الحجة إلى هذا الدرك.
وللجواب على هذه الشبهة، أقول: لقد شرع الله المباهلة أول ما شرعها بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونصارى نجران، في أمر هو عند المسلم كالشمس فكيف به عند رسول الله! ومع ذلك لم تتم تلك الباهلة، بل صالحهم رسول الله، ولم يجعل نكولهم عن المباهلة موجباً لحربهم أو قتلهم، أو حكمه بأنهم ليسوا على دين كتابي، بل عاملهم كما يعامل عامة النصارى واليهود الذين لم يعرض عليهم المباهلة،
هذا أمر، والأمر الآخر أن طلب المباهلة: لم يجعله أحد من العلماء فيما أعلم أمراً ملزماً للمخالف، فهذا ابن عباس لما تفرد في بعض المسائل الفقهية وشعر بغرابة قوله بين جمهور الصحابة طلب المباهلة، وما ذلك إلا ليدفع عن نفسه اتباع الهوى، وأنه يقطع بصواب نفسه وإن كان منفرداً بهذا القول، ولم يجبه أحد من الصحابة وهذا في خلافة عثمان والصحابة متوافرون، فلم يجعل ابن عباس ذلك دليلا على خصمه، بقدر ما هو دليل على تيقنه من قوله وأنه على حجة يقطع بها في نفسه.
فهل وجدتم أحداً من الصحابة باهله!؟ وهل وجدتم لابن عباس حرفاً في مخالفيه بسبب عدم مباهلتهم له!؟ وهل وجدتم عالماً احتج لصحة قول ابن عباس بترك الصحابة مباهلته، وأن ذلك دليلا على بطلان قولهم !؟
لن تجد من ذلك شيئاً أبداً، إن المباهلة بين المسلمين ليست دليلاً على صحة القول في ذاته، وإنما تستعمل ليدفع بها المرء عن نفسه، وليست مثل مباهلة الكفار. ثم إن المباهلة تكون بعد الحجج والبراهين، ثم إذا توهم بعضهم في صاحبه أنه ربما اعتقد فيه أنه متبع لهواه، فيدعوه للمباهلة لرفع ذلك من نفس مخالفه، وليس ليلعنه ويمحقه كما يتوهمه بعض الشباب.
وإن المتابع للمطالبين بالمباهلة، سيجدهم كلهم أو جلهم من الدواعش أو من المتعاطفين معهم، بلا مناظرة ولا حجة ولا ذكر براهين على هذا الأمر، بل والله لقد جعلوا المباهلة مسخرة، فلو خالفت بعضهم في درجة الحرارة لدعاك إلى المباهلة، وإن امتنعت باهلك من طرف واحد ليشبع نهمته في الدعاء على من يخالفه، ولا يكاد يمر يوم إلا وتسمع هذه العروض المغرية: مباهلة على كذا، ومباهلة في كذا، ومباهلة فلان، وفلان يهرب من المباهلة.
فقل لي بربك أين وجدت هذا الكم الهائل من المباهلات عبر التاريخ والواقع، عند غير الدواعش، ليوهموا أتباعهم بأنهم على حق كالشمس وأن مخالفيهم على باطل لامرية فيه، وهذا من باب قوله تعالى {فاستخف قومه فأطاعوه} نعوذ بالله من الجهل والهوى والصد عن سبيل الله،
ثم رأيت غالبية من يطلب المباهلة منهم، أسماء مجهولة، لن تعلم بعد المباهلة أين مصيره، وإنما المباهلة تكون بين معلومين، ثم يتربص الناس بأحدهما ماذا سينزل به،
فإن قال بعضهم قد دعاكم إلى المباهلة أشخاص معروفة أعيانهم ورفضتم، فأقول:
أولاً: قبول المباهلة ليس ملزماً شرعاً كما بينتُه قبل قليل، وليس حجة على صحة القول في ذاته،
ثانياً: قد وقعت المباهلة في أمور كالشمس مثل مباهلة البراك لياسر الخبيث، ولم يصبه شيء، فهل هذا يدل على أن ياسر الخبيث على حق فيما باهل عليه!؟
وهذا يدل على أن للمباهلة فقهاً لا يعلمه أكثر الناس، وليست نتيجتها قطعية، ولا ينبغي للمسلم أن يلعن في أمور ليست لازمة له شرعاً، أو في أمور اجتهادية، أو أمور يعلم أنه على الحق قطعاً، وأن صاحبه متأولاً فيلعنه على هذا الأمر الاجتهادي.
فأقلوا من طلب المباهلات رحمكم الله، فلن تُحقّ حقاً ولن تُبطل باطلاً، وهنا أود أن أشير إلى أمر وقع عدة مرات من أتباع الدولة والمتعاطفين معها، وهو أنه مع كثرة طلبهم للمباهلة في تويتر وفي غيره تحت أسماء وهمية لا نعلم من تحتها، فإن الواقع أثبت هروب الدواعش من المباهلة أكثر من مرة، وأكتفي بذكر مثال واحد، وهو عندما اتهموا الشيخ محمد الفراج بتهمهم القبيحة، وتدخل بينهم وبينه الشيخ يوسف الأحمد، فدعاهم الشيخ الفراج للمباهلة، فنكلوا، وقالوا هو يكذب ولا نقبل مباهلته، فدعاهم الشيخ الفراج إلى المباهلة من طرف واحد يدعو فيها على نفسه ويدعو لهم فرفضوا، فتبين بهذا الموقف وبغيره، أنهم لا يقبلون هذه المباهلات إلا بالمعرفات التويترية الوهمية،
ومع ذلك فإني أنصح لي ولهم بعدم المباهلات، والتوجه إلى الحجج والعلم والبراهين كما قال تعالى {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين} وليست المباهلات ولعن المسلم نفسه وأخيه على أمور تحتاج تجلية وتوضيح وكشف لما فيها من شبهات ولبس وتلبيس.
- الشبهة الحادية عشر قولهم: هذه صور الشهداء وهم يبتسمون، فهل قُتلوا على باطل، وهل هؤلاء هم كلاب النار!؟، مالكم كيف تحكمون، لقد أصبح حسن الخاتمة من المتواترات عن رجال الدولة ولا يجحدها إلا مكابر أو حسود.
فأقول جواباً على هذه الشبهة التي تصيّدوا بها كباراً وصغاراً، وقد رأيت وسمعت من اغتر بهذه الشبهة من الكبار والصغار، وهذه والله شبهة ملبسة.
اعلم أخي وفقك الله أن هذه الشبهة لا تنطلي على صاحب علم وبصيرة، وذلك لعدة أسباب:
أولاً: لا يوجد دليل في الكتاب أو السنة يجعل حسن الخاتمة من أدلة إصابتك للحق في حياتك، ولا أدري كيف لبّسوا على الناس أن الابتسامة عند الموت يدل على أنّ صاحبها على حق وأن خصمه على باطل، هذا تلبيس عظيم.
ثانياً: قد قُتل من رجال داعش مئات كما قتل من غيرهم أكثر من ذلك، فهل صورة الشهيد المبتسم وقعت لكل من قتل منهم، أم أنها لبعضهم وقلة منهم! فقد رأينا من قتلاكم وقتلى غيركم من ليس عليه أي أثر للابتسامة، ولو جمعت صور من ابتسم لكانت أفراداً قليلة من آلاف القتلى وليس أمراً مطردا.
ثالثاً: أين الدليل على أن من مات غير مبتسم، لا يكون على حسن خاتمة! وقد رأيت من هؤلاء الشباب عجباً في تفخيم أمور لم يرد له في الشرع أي حجة.
فحين تقرأ في سير السلف والصالحين والشهداء وقبلهم الصحابة لا تكاد تجد هذا التفخيم لأمر ابتسامة الميت أو الشهيد بهذا الشكل الذي نراه، مع أنني لا أنكر أنها من أمارات حسن الخاتمة، لكنها ليست أمارة ولا شبه أمارة على أن صاحبها كان على الحق ومخالفيه كانوا على باطل وضلال، كما أنني مع قطعي بخارجية داعش وضلالها واختراقها، لكني أعرف أن في صفوفها من غُرر به، أو أحسن الظن بهم، أو أراد استصلاحهم أو التحق بهم قبل أن تتبين له جرائمهم، أو اعتقد أنهم أحسن الموجودين في المنطقة التي ذهب إليها، أو غير ذلك من الأعذار التي نعتذر لهم بها ونرجو لهم بذلك حسن الخاتمة، لكن هذا كله لا يُقدم ولا يُؤخر في معرفة الحق، فإن له أدلته وبراهينه المعتبرة، وليست بهذه الشبهات العاطفية التي تغرّ الأحداث.
ولم يقل أحد من العلماء أن كلّ من قتل من داعش من أهل النار أو أنه لا عذر له عند الله، فهذه أمور غيبية أمرها إلى الله، ولا نحكم لأحد بجنة ولا نار، كما هو معتقد أهل السنة والجماعة، وإنما حكمنا على طائفتكم أنها طائفة بدعة وضلالة وأنها خارجية، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة وليس بالشُبه العاطفية التي تتصيدون بها الشباب والعامة، ولا عذر لمن تبين له ضلال داعش وخارجيتها أن يستمر معهم أو يتعاطف معهم، معتمداً على شبههم العاطفية.
فإن العاطفة لا تغني من الحق شيئاً، وهذه الشبهة شبيهة بشبهة المباهلة السابق ذكرها، فهم يهوّشون بها على الناس فإذا فتّشتها لم تجد لها حجّة، ثم إن المؤمن يموت بعرق الجبين كما قال صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أن من علامة الإيمان ابتسامة الميت، فهذه أحوال تكون لناس دون ناس بلا تهمة.
ثم لو سلّمنا لكم بصحة هذه الصور فهي في قتال الكفار والرافضة والنصيرة، وليست في مفخخاتكم ضد المجاهدين والمسلمين، فقد رأيت صورهم ولم أرهم يبتسمون كما زعمتم، فقد كان بعض الخوارج يقاتلون في صفوف الجيوش الإسلامية ضد الفرس، فلما خرجت نابتة الخوارج التحق بهم وقاتل علي وأصحابه.
وهذا ما حدث تماماً من بعض الشباب الذين يحملون جينات الفكر الخارجي، فمن قُتل في أثناء قتال النصارى والرافضة رجونا له الشهادة، وبعضهم أدرك قتال داعش للمجاهدين فتحرك فيه فكر الخوارج والتحق بهم، فهو منهم، فهل عندكم برهان على حسن خاتمة من قَتل المجاهدين وكفرهم وفجر فيهم!
ثم هناك وجه آخر للرد على هذه الشبهة، وهو: أن هذه الصور قد رأيناها عند جميع الفصائل التي تقاتلونها وتستحلون دماءهم، بل وتكفرونهم، فهل هي حجة لكم ولهم، أم هي حجة لكم فقط!
فإن كانت حجة للطرفين فهذا يدل على أنها لا تُبيّن حقاً ولا باطلاً، بل هي أحوال مختصة بأصحابها ليس أكثر.
وإن قلتم بل هي حجة لنا فقط، لأن تلك الصور عندهم كانت قبل أن يكونوا صحوات ويرتدوا ويقاتلوا الدولة، فأقول ويمكنهم إجابتكم بنفس الجواب. فيقولوا: بل هي حجة لنا فقط، والصور التي عند الدواعش إنما هي قبل أن يُظهروا خارجيتهم ويُقاتلوا المسلمين ويُكفرونهم،
وبذلك لا يكون فيها حجة لأحد، وهذا هو الصحيح أنه لا حجة لأحد فيها، لأن أقصى ما فيها حسن الظن بخاتمة هذا القتيل، وإن كان له أخطاء فلعله معذور عند الله أو له تأويل.
وكما سبق أن الذي يهمنا هو أحكام الدنيا وليست أحكام الآخرة، فلا تفتات أخي على الله وتجزم لأحد بجنة أو نار. بمجرد اجتهادك وظنك وتخمينك.
بل هناك نقض عليكم أشد مما سبق، فهذه صور شهداء حماس فيها عشرات الصور على الحالة التي ذكرتموها وهي الابتسامة، مع أن حماس عند كثير منكم كفار، بل بعضكم صرح بأن قتالها أولى من قتال اليهود، فهل ستنفعهم هذه الصور لديكم وتخففوا عنهم تلك الأحكام! أم أنكم ستخرجون منها بألف حيلة وحيلة، من الحيل التي تغر ولا تسر، فإنها لا تحق حقاً ولا تبطل باطلاً، وتفحّص أخي كلما تسمعه ممن يريد أن يلبس عليك، فتبين الحجة من غير الحجة ولا تغتر بالظواهر، فهذه صفات الخوارج التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظاهرها الحسن وباطنها الشر المحض.
فهم يقولون من خير قول البرية، ثم هم أشد على المسلمين من كل أحد.
ولعلك تذكر وفقك الله قاتل علي رضي الله عنه، فإنه لا خلاف في خارجية ابن ملجم وقد صح الحديث أنه في النار، فقد قُدم للقتل بعد أن قتل أمير المؤمنين، فكان هذا الخارجي يقرأ القرآن ويذكر الله، فهل اغتر الصحابة بحاله هذه، أو اعتذروا له، أو شكّوا في أن علياً على الحق وأن هذا الخارجي من كلاب النار! الحقيقة أنهم لم يغترّوا من هذه الأحوال المغرية، لأنهم يعرفون حجج الحق ولا تغرهم الأحوال الظاهرة والعاطفية مهما كانت.
فليت شعري لو كان ابن ملجم حيا كم سيفتن به، وكم سيغتر بصلاحه الظاهر، فكيف لو رأوه يقرأ القرآن وهو يساق للقتل!؟
فهذا جوابي على هذه الشبهة التي شرقوا بها وغربوا، وحشدوا لها في كل إصدار يخرجونه، ليتصيدوا بها من قل نصيبه من العلم والبصيرة.
- الشبهة الرابعة عشرة، وهي قولهم: كيف تقاتلون أهل التوحيد والموحدين، ويدندنون حول هذا الوصف ليزكّوا به أنفسهم ويثلبوا به الآخرين.
وهذا والله من مكر الشيطان بهم، فإن مجرد الأسماء لا تُحق حقاً ولا تُبطل باطلاً، إنما العبرة بما تحت هذه الأسماء، فكل البدع تجد أهلها قد اختاروا لأنفسهم أحسن وأفضل الأسماء،
فالرافضة: شيعة آل البيت.
والخوارج: الشُراة (يعني، إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم).
والمعتزلة: أهل العدل والتوحيد.
بل حتى الباطنية: أهل الحقائق والتوحيد.
فهل أغنت عنهم تلك الأسماء شيئاً، وهل غيّرت من حقيقة بدعتهم وضلالهم!؟
فينبغي أن تحرص أخي على الحقائق والمعاني، وليس على الشعارات والأسماء، ثم إن هذا الاسم على وجه الخصوص وهو التوحيد، قد رفعه أبعد الناس عن الحق، وهم الخوارج الأوائل، ثم المعتزلة إلى اليوم وهو من أصولهم الخمسة، ثم خوارج المغرب رفعوه وذبحوا أهل السنة من تحته، وسموا دولتهم دولة الموحدين، مع أنها دولة البغي والقتل والبدعة، التي أزاحت دولة المرابطين، بنفس حجج الدواعش اليوم حذو القذة بالقذة، فما أشبه البدعة بالبدعة، وقد كانوا يُشنّعون على المرابطين بمنكرات ومخالفات، فلما صار الأمر إليهم فإذا المرابطون كانوا خلافة راشدة مقارنة بالموحدين، ولم يكن هذا الاسم مانعاً للعلماء من وصمهم بالبدعة والخروج، وأنهم أهل ضلالة وبدعة، وإني والله ما رأيت في المبتدعة في عصرنا أكثر شبهاً من الدواعش بالموحدين، ولا أشبه بطريقة ابن تومرت من طريقة البغدادي، ومن عرف تاريخ الرجلين عرف صدق ذلك، وقد سبق أن كتبت مقارنة بينهما.
فإن زعق أحدهم وقال: فهل ينجرّ هذا على دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومدرسته، فقد كانوا يتسمون بذلك وسخّروا دعوتهم لتحقيق التوحيد فما جوابك!
فأقول إن دعوة الشيخ لم تكتسب فضلها وأحقيتها بهذه الأسماء والشعارات، فلو لم يكن لها من التوحيد إلا مجرد الأسماء والشعارات لم تختلف عن داعش، ولكن الناظر فيها وفي رسائلها التي قرروا بها التوحيد، يجد العلم والحجة والنصوص التي قدموها على كل قول وفعل، فهم أهل توحيد لأنهم كذلك، وليس لأنهم رفعوا هذا الشعار فقط، ثم أين الدواعش الذين لا تكاد تجد فيهم طالب علم عفواً عن عالم ،عن دعوة الشيخ التي قارعت خصومها بالأدلة والحجج، وهذا تاريخها حافل بالعلماء الراسخين، وبمؤلفاتهم التي شهد لها القريب والبعيد، وتخرج بها علماء وأئمة
فهل تقارنهم بقتلة المجاهدين!
فليتك أخي المتعاطف مع هذه الجماعة الخارجية تقرأ بعدل وإنصاف، وبلا تعصب فإنه يعميك عن الحق ويصمّك، وقد والله نصحت لنفسي ولك، ولم أقتصر جهدا في بيان الحق لنفسي ولك
والله وبالله وتالله ما كتبت كل هذا إلا نصحاً لشباب أغرار، غرّتهم الخطب العدنانية والشُبه البغدادية، فأحببت أن أضعها على محك العلم والدليل والحجة، فإن وجدت في كلامي حقاً فلا تتنكب عنه فإنك لا تُعذر. وفق الله الجميع لمعرفة الحق ولبيانه
- الشبهة الخامسة عشرة: وهي قولهم: لماذا لا تناصرون الدولة على النصارى والرافضة، حتى ولو كانت خوارج، فقد جاهد فقهاء المالكية مع دول خارجية قامت في المغرب لما جاهدت العبيديين!
والجواب على هذه الشبهة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بمقاتلة الخوارج وليس المقاتلة معهم، بل ورد النص بقتلهم قتلاً ذريعاً فكيف تدعون الناس لبيعتكم المزعومة وأنتم أشر على أهل السنة وأشد كلاباً عليهم من غيركم، وكيف يبايعونكم وقد نحرتم فلذات أكبادهم وخيرة قادتهم!؟
فالعمل بالنصوص، ومباينتكم ورفض الأمة لكم حتى تعودوا إليها فهي الأصل وأنتم الفرع، فكيف يعود الأصل للفرع! هذه والله نكسة عظيمة لو حدثت....
أما شاهدكم وهو قتال فقهاء المالكية مع خوارج المغرب، فأقول صدقتم والله، وهو خير دليل لنا عليكم، فقد كانت نتيجة تلك المعاونة كارثية، فقد رجعت عليهم سيوف الخوارج بأسوأ مما حذِرت منه من العبيديين، فقد قتلت الخوارج كثيراً من أهل السنة وفقهاء المغرب الذين وقفوا معهم ...فهل يلدغ المؤمن من جحر مرتين!
إن النصوص والتاريخ والواقع يُبيّن ويثبت أن الخوارج لا عهد لهم ولا ذمة، فهم أهل غدر وخيانة ومداهمة للسنة، ثم إن هذه الشبهة يمكن أن تروّج أكثر لو أُغلق باب الجهاد إلا عن طريق الجهاد مع الخوارج، وهذا أمر لا يكون شرعاً ولا قدراً ولله الحمد.
فهذه كتائب الجهاد السني السلفي ولله الحمد في كل بلد تُرفع فيه راية الجهاد، ولم ولن يحوج الله الأمة للخوارج ولا لغيرهم من أهل المروق عليها.
وسأقف عند هذه الشبهة فيما يتعلق بشبههم العامة، وسأعرج على بعض التلبيسات الخاصة التي أرادوا أن يشوّشوا بها على ما كتبته عن شبهاتهم العامة، ولولا ما رأيت من سعيهم بها حتى يصدوا الشباب عن قراءة ما كتبته عنهم، لم أتعرض للجواب عليها، فإن شخصي ليس مقياساً للحق ولا للباطل.
فمن ذلك قولهم كيف كان البغدادي شخصية العام عندك، ثم بعد ذلك بأشهر أصبح عندك طاغوتاً، فهذا من تناقضك وجهلك وتعجّلك، أو عمالتك وخيانتك.
وما عجبت والله من شبهة كعجبي من هذه، وزاد عجبي أن رددها بعض من أُحسن الظن بفهمه وعقله، لكن المفيد في الأمر أن تتبين لك تلك العقليات وطريقة تفكيرهم، وكيف يريد أحدهم أن تزكي بغداديه إلى الأبد مهما أحدث من الأوابد والجرائم، وأين هذا في كتاب أو سنة أو عقل، أن المدح لازم أبداً، أو أن الذم لازم أبداً، وهل مر عليكم أن من صحابة رسول الله من ارتد على عقبيه، وقد كان رسول الله يوليه كتابة الوحي، كما حدث مع ابن أبي السرح، وهل مر عليكم أن عشرات الأئمة اغتروا بالمختار بن أبي عبيد واصطفوا معه في جيشه، وكان ابن عمر يحسن به الظن وشفع له حتى أخرجه من سجن مصعب ابن الزبير، ثم هو بعد ذلك مرق من الدين، وكفّره من كان يقاتل معه، فهل تعقلون مثل هذه الأفعال !
ألا تجدون في كتب الجرح والتعديل الكلام ونقيضه في الرجل الواحد من بعض كبار الأئمة والنقاد، وهل تذكرون كلام الإمام مالك عن عبدالكريم بن أبي مخارق، فهل كان مالك متناقضاً!
إن هذه قضية بدهية لا تقبل النقاش، أن من أظهر خيراً مُدح به ومن أظهر شراً أُخذ به، وهذا هو عين ما فعلتُ ولله الحمد فلست متعصباً لأحد لا من قبل ولا من بعد، وقد كتبت إشادة ببعض الأعمال التي عملتها جماعة البغدادي، وكنت صادقاً في ذلك والله يعلم أنه لم يدفعني لذلك إلا حب ذكر الحق لأهله، ولم أحابي فيه أحداً، وقد كنت في تلك الفترة أناصحهم سراً وقد أجهدت نفسي في ذلك، وإن منهم من يعلم ذلك، وقد كنت أخاطبهم في تلك الفترة بما أظهرته لهم بعد ذلك، وما أظهرت نقدهم إلا بعد أن تعذر تغيير فكرهم الخارجي سراً، وقد جرّب هذا معهم عدد من المشايخ وطلبة العلم، بل وصل الأمر أنهم اتخذوا إشادة المشايخ بهم حجة وذريعة في التطاول على بقية الفصائل المجاهدة، وحتى قال بعض المجاهدين الآخرين: لقد آذانا سكوت المشايخ وطلبة العلم أكثر من تطاول الخوارج علينا، لقد رفض البغدادي تحكيم شرع الله بحيل وتمحلات تُضحك المحزون، ثم يتبجح هو وجماعته بأن همهم تطبيق شرع الله !؟
وليت شعري أي شرع ستطبقه خلافة داعش!
شرع البغدادي
أم شرع العدناني
أم شرع الأنباري
أم شرع العراقي!؟
فكفاكم استخفافاً لعقول شبابنا الذين اتخذتموهم سلّماً لدولتكم الغاشمة، وإن ذكرتم بعض الإنجازات والحسنات لها، فسأجد لأسوء دولة عربية أكثر من من ذلك، وليست العبرة هل عندهم حق أم لا، فإن الباطل المحض لا يوجد حتى في إبليس، فما من أحد أو نظام أو جماعة إلا ولها بعض الحق فمن اتخذ هذا الحق ذريعة لتبرير أو تمرير باطله فهو شيطان، وقد ذكر ابن تيمية قاعدة بديعة جداً أدعوك أخي أن تتدبرها وتحكمها في كل قول تسمعه، وهي قوله: "إن الحق المحض لا يرده أحد والباطل المحض لا يقبله أحد، وإنما يروج الباطل الذي يمزج بالحق، فإن عُرض لك الباطل فلا تقبله ولوا خلطوه لك بكثير من الحق"،
فهذا ما يميز أهل العلم والبصيرة والخبرة عن حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، ولا علاج لها إلا لزوم العلماء.
وهذا ما يتعلق بشبهتهم تلك وهي مع كونها شخصية بي، إلا أن فيها ما يتعلق بفهمهم وعقولهم وطريقة تفكيرهم، ولولا ذلك ما ذكرتها وأجبت عنها.
وقبل أن أختم هذه السلسلة أود أن أذكّر بعض أوجه التشابه بين الدواعش الذين هم في أقصى الشمال، والجامية الذين هم في أقصى اليمين، فإنهما يفكران بعقلية واحدة وفهم واحد وأصول بدعية واحدة، وإن مقارنةً بسيطة بين كتاباتهم وخطبهم، ستوصلك إلى هذه النتيجة قطعاً
وهذا أمر تجده في غالب أهل البدع، أنهم ينطلقون من أصل بدعي واحد، وإن تباينت النتائج في أقوالهم، كما تجد ذلك في الوعيدية والمرجئة حينما انطلقوا من أصل واحد وهو أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ثم تباينوا في التطبيق. وهكذا الجبرية والقدرية، وغيرهم كثير فالدواعش والجامية وجهان لعملة واحدة.
وإن اختلفت الأسماء وبدّع بعضهم بعضاً وكفّر بعضهم بعضاً، فلا تغتر بأصحاب الأهواء، فأصولهم الفاسدة تُنتج نتائج متباينة، لكنها كلها فاسدة. وقد صدّع الدواعش عقولنا بنقد الجامية حينما كانوا ينادون بسرية نصح الحكّام، والعلماء، فلما خرج خليفتهم المزعوم، فإذا هم على خطوات الجامية،
وقد رأيت نقاط التشابه بين الطائفتين في عدة أمور مثل:
بذاءة اللسان على المخالف.
والتعجل في التبديع والتكفير لمخالفيهم.
وضيق التفكير والفهم.
والقبول لأصحابهم بالجملة، ورفض مخالفيهم بالجملة
وضيق عطنهم بالمصلحين والدعاة، وقلة فهمهم للنصوص ولكلام السلف، وتنزيلهم لنصوص الكفار على مخالفيهم، إلى غير ذلك من أوجه التشابه العجيبة. حتى لقد رأيت بعض من أوغل في التدعشن، كان جامياً محترقاً، فهم لا يمرون بالمنطقة الوسط
فهذا بعض ما يتعلق بهذه الشبهات التي تَعلّق بها أتباع داعش والمتعاطفون معهم، أجبت عليها بما فتح الله به، والله من وراء القصد والنية
أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، ولا زلت أتقبل كل نقد وتوجيه من طلاب العلم وغيرهم.
وأسأل الله أن يلهمني الصواب، وشكر الله لكم
إضافة تعليق جديد