حكم قتل نساء وأطفال الأعداء من باب المعاملة بالمثل
السؤال: ما حكم قتل نساء وأطفال أعوان النظام، وخاصة من الطائفة النصيرية أثناء اقتحام قراهم؟ وهل يجوز معاملتهم بالمثل استدلالاً بقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}؟ وما رأيكم بمن يستدل بكونهم مرتدين على جواز قتلهم دون استتابة ؟
الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فلا ريب أن مقاومة هذا النظام المجرم والانتقام لهؤلاء الضحايا الأبرياء الذين يفتك بهم من أوجب الواجبات بكل وسيلة شرعية متاحة، إلا أن الواجب على المسلم التقيد بالضوابط الشرعية في ذلك، ومنها ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة من تحريم قصد نساء العدو وأطفاله بالقتل، إلا في حالات مخصوصة قام الدليل على استثنائها، وفيما يلي تفصيل المسألة:
- أولاً:
الأصل في النساء والأطفال أنَّهم ليسوا من أهل الحرب والقتال، فلا يجوز قتلهم، ولا الاعتداء عليهم، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا} [البقرة: 190]. قال ابن جرير الطبري –رحمه الله- في "تفسيره": "وَإِنَّمَا الِاعْتِدَاءُ الَّذِي نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالذَّرَارِيِّ". والذراري: هم الأبناء.
وعن ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (وُجِدَتْ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ)أخرجه البخاري ومسلم.
وفي حديث رباح بن الربيع عند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رأى امرأة مقتولة أنكر ذلك وقال: (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ).
قال ابن عبد البر –رحمه الله- في "التمهيد": "وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِجُمْلَةِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ قَتْلُ نِسَاءِ الْحَرْبِيِّينَ وَلَا أَطْفَالِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِي الْأَغْلَبِ".
وقال النووي -رحمه الله- في "شرحه على صحيح مسلم": "أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا".
- ثانيًا:
دلت أقوال أهل العلم على استثناء ثلاث حالات فقط من منع القتل، كما يلي:
الحال الأولى: الاشتراك في القتال حقيقةً أو حُكماً،
سواء بحمل السلاح، أو التحريض على القتال، أو التجسس لصالح المقاتلين، أو الإيقاع بالنساء المسلمات بما يؤدي لانتهاك أعراضهن أو قتلهن أو اعتقالهن.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الفتح عن قوله صلى الله عليه وسلم (مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ): "فإنَّ مفهومه أنَّها لو قاتلت لقُتلت".
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني": "وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ هَؤُلَاءِ أَوْ النِّسَاءِ أَوْ الْمَشَايِخِ أَوْ الرُّهْبَانِ فِي الْمَعْرَكَةِ قُتِلَ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا".
وقال الكاساني -رحمه الله- في "بدائع الصنائع": "وكذا لو حرَّض على القتال أو دلَّ على عورات المسلمين، أو كان الكفرة ينتفعون برأيه، أو كان مطاعًا، وإن كان امرأة أو صغيرًا, لوجود القتال من حيث المعنى".
الحال الثانية: في حال التَّبييت والغارات الحربية إذا احتيج إليه؛ لعدم القدرة على التمييز بينهم وبين غيرهم من المقاتلين.
عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ، قَالَ: (سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الذَّرَارِيِّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ؟ يُبَيَّتُونَ فَيُصِيبُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ؟، فَقَالَ: هُمْ مِنْهُمْ) أخرجه البخاري ومسلم.
قال الحافظ -رحمه الله- في "الفتح": "ومعنى البيات المراد في الحديث: أن يُغار على الكفار بالليل، بحيث لا يُميَّز بين أفرادهم".
قال الخطابي -رحمه الله- في "معالم السنن": "يريد أنهم منهم في حكم الدين وإباحة الدم، وفيه بيان أن قتلهم في البيات وفي الحرب إذا لم يتميزوا من آبائهم وإذا لم يتوصلوا إلى الكبار إلاّ بالإتيان عليهم جائز".
ويدخل في هذا : رميهم بما يعم كالصواريخ والقاذفات والقنابل وغيرها، في حالة الحصار، أو ضرب المقرات والثكنات، أو الرد على قصف القرى والبلدات بالمثل؛ لأنَّه لا يمكن التمييز بين المقاتلين وغيرهم في هذه الحالات.
قال ابن رشد -رحمه الله- في "بداية المجتهد": "وَاتَّفَقَ عَوَّامُ الْفُقَهَاءِ عَلَى جَوَازِ رَمْيِ الْحُصُونِ بِالْمَجَانِيقِ، سَوَاءً كَانَ فِيهَا نِسَاءٌ وَذُرِّيَّةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِمَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ".
الحالة الثالثة: إذا تَترَّس بهم العدو واتخذهم دروعاً بشرية.
بحيث لا يَقْدِرُ المسلمون على مهاجمته في ثكناته أو حصونه أو آلياته أو أثناء انسحابه إلا بقتل هؤلاء المُتَتَرس بهم، فيجوز للمجاهدين ضرب هؤلاء المجرمين وإن أدى ذلك إلى قتل النساء والأطفال، بغير خلاف بين الفقهاء، مع تحاشي قصد ضرب النساء والأطفال ما أمكن.
قال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني": "إِنْ تَتَرَّسُوا فِي الْحَرْبِ بِنِسَائِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ، جَازَ رَمْيُهُمْ، وَيَقْصِدُ الْمُقَاتِلَةَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَمَاهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ وَمَعَهُمْ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَلِأَنَّ كَفَّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ، لِأَنَّهُمْ مَتَى عَلِمُوا ذَلِكَ تَتَرَّسُوا بِهِمْ عِنْدَ خَوْفِهِمْ فَيَنْقَطِعُ الْجِهَادُ".
- ثالثًا:
لم نجد في كلام أهل العلم المتقدمين ما يدل على جواز قتل النساء والصبيان من باب المعاملة بالمثل، مع وجود الداعي له من كثرة الحروب والإجرام في حق المسلمين.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقوله: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، على جواز قتلهم معاملةً بالمثل، فهو استدلال في غير محله، وذلك لأمور:
1. أن المماثلة في العقوبة: مشروطة بكونها لا تشتمل على معصية.
قال الشوكاني -رحمه الله- في "نيل الأوطار": "وقوله: (وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُكَافَأَةُ الْخَائِنِ بِمِثْلِ فِعْلِهِ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}، وقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}".
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني:" "وَإِنْ قَتَلَهُ بِمَا لَا يَحِلُّ لِعَيْنِهِ، مِثْلَ إنْ لَاطَ بِهِ فَقَتَلَهُ، أَوْ جَرَّعَهُ خَمْرًا أَوْ سَحَرَهُ، لَمْ يُقْتَلْ بِمِثْلِهِ اتِّفَاقًا، وَيَعْدِلُ إلَى الْقَتْلِ بِالسَّيْفِ.."، ولا شك أن قتل النساء والأطفال معصية، لثبوت النهي عنه بإجماع العلماء.
2. أنَّ المماثلة في العقوبة تكون مع الجاني نفسه لا غيره،
ولذلك استدل العلماء بهذه الآية على الاقتصاص من الجاني بمثل جنايته، ولا يراد منها الاعتداء على غير الجاني، فمن قتل مسلماً تغريقًا أو خنقاً أو بحجر قُتل بمثل فعله.
3. أن هذه الآيات هي نصوص عامة مخصصَّةٌ بما سبق من أدلة عدم قتل النساء والأطفال.
ورغم الغزوات التي خاضها المسلمون على مدى أربعة عشر قرنًا لم يُعرف لهم مخالف في ذلك، رغم ما تعرضوا من اعتداءات وانتهاكات ومجازر.
4. أنَّ قواعد ونصوص الشريعة دلت على أن المرء لا يجوز أن يُؤخذ بجريرة غيره،
قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، وقال –صلى الله عليه وسلم- في حجَّة الوداع: (أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ)رواه الترمذي. فنساء وأطفال الأعداء لا يجوز أن يؤاخذوا بجريرة وأوزار آبائهم.
- رابعًا:
وأما الاستدلال بكون النصيرية "أهل ردة" أو "مرتدين" على جواز قتل النساء والأطفال ، فيجاب عنه من وجوه:
1. أنَّ الصبي المرتد لا يجوز قتله عند عامة العلماء؛ لأنه ليس من أهل العقوبة.
قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في "فضائح الباطنية" عن النصيرية: "فإن قيل هَل يقتل صبيانهم وَنِسَاؤُهُمْ؟ قُلْنَا: أما الصّبيان فَلَا، فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخذ الصَّبِي ...".
وقال ابن قدامة -رحمه الله- في "المغني": "الصبي لا يُقتل، سواء قلنا بصحة ردته أو لم نقل؛ لأنَّ الغلام لا يجب عليه عقوبة، بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنا والسرقة في سائر الحدود، ولا يُقتل قصاصًا، فإذا بلغ فثبت على ردته ثبت حكم الردة حينئذ".
2. أما قتل المرأة المرتدة:
أ. فهو من المسائل الخلافية بين العلماء، فمنهم من أجاز قتلها وهم الجمهور، ومنهم من منع من ذلك ، وهي من مسائل الاجتهاد التي يقرر فيها إمام المسلمين ما يراه مناسباً وفق المصلحة الشرعية.
قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في "فضائح الباطنية" عن النصيرية: "فَإِن الْمُرْتَدَّة مقتولة عندنَا بِعُمُوم قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (من بدَّل دينه فَاقْتُلُوهُ)، نعم للْإِمَام أَن يتبع فِيهِ مُوجب اجْتِهَاده، فَإِن رأى أَن يسْلك فيهم مَسْلَك أبي حنيفَة ويكف عَن قتل النِّسَاء، فَالْمَسْأَلَة فِي مَحل الِاجْتِهَاد".
ب. ومن قال بجواز قتلها قال بوجوب استتابتها، وهم جمهور أهل العلم، قال الماوردي -رحمه الله- في "الحاوي الكبير": "إِذَا ظُفِرَ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُ قَتْلِهِمْ قَبْلَ اسْتِتَابَتِهِمْ، فإن تابوا حقنوا دمائهم بِالتَّوْبَةِ ، وَوَجَبَ تَخْلِيَةُ سَبِيلِهِمْ".
وقال ابن تيمية -رحمه الله- في "الصارم المسلول": "والكافرة الحربية من النساء لا تُقتل إن لم تقاتل، والمرتدة لا تقتل حتى تستتاب".
ج. أن إقامة حكم الرِّدة من اختصاص الحاكم الشرعي، وليس لآحاد الناس تنفيذه حسب آرائهم وأهوائهم، وإلا انفتح باب من الشر يتعذر إغلاقه.
قال ابن الهمام -رحمه الله- في "فتح القدير": "وقتل المرتد مطلقًا إلى الإمام عند عامة أهل العلم".
وقال ابن مفلح في "المبدع": "وَلَا يَقْتُلُهُ إِلَّا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ".
وقال ابن قدامة المقدسي -رحمه الله- في "الكافي": "ولا يقتله إلا الإمام؛ لأنه قتلٌ يجب لحق الله تعالى، فكان إلى الإمام".
وعلى هذا جاءت أقوال أهل العلم في النصيرية؛ فإنَّه لم يُنقل عن أحد منهم أنه أفتى الجنود والعساكر الإسلامية بقتل نساء النصيرية دون إذن الحاكم.
والكتائب في سوريا ليست حاكمًا ولا تأخذ أحكامه في هذه المسائل.
وما سبق هو بناء على القول بردتهم، وإلا فمن أهل العلم من يرى أنهم في حكم الكفار الأصليين، وليس هذا مجال تفصيل ذلك.
نسأل الله -تعالى- أن ينصر المجاهدين في سبيله، وأن يوفقهم للعمل بدينه، والالتزام بشرعه، وأن يقمع عدوهم، ويورثهم ديارهم وأموالهم.
والحمد لله رب العالمين
الثلاثاء 10 سبتمبر 2013 م
إضافة تعليق جديد