شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة السادسة عشرة: مخالفو تنظيم الدولة يُكفّرون التنظيم
تقول الشُّبهة: كثيرٌ ممّن يخالف تنظيمَ (الدّولة) ويعيبون عليه التَّكفير يقعون في تكفير التّنظيم، فهم يقاتلونهم، ويحثّون على ذلك مستشهدين بأحاديثَ تدلُّ على أنهم غير مسلمين كحديث: (يَقتلون أهلَ الإسلامِ، ويدَعون أهلَ الأوثانِ، لَئن أنا أدركتُهم لأقتلنّهم قتلَ عادٍ)، ويَصفون أفرادَ التّنظيم بـ (كلاب أهل النّار)، وأنّهم (يمرقون مِن الدّين)، وحديث: (شرُّ قتلى تحتَ أديم السّماء).
وهذا تكفيرٌ للتّنظيم وأفراده، فكيف تقعون فيما تعيبون على التنظيمَ الوقوعَ فيه؟
الإجابةُ عن هذه الشُّبهة: في هذه الشّبهة خطأٌ وخلطٌ بين عدّة أمور، وتجنٍّ على المخالفين للتّنظيم، وبيانُ ذلك كما يلي:
- أولًا:
الأمرُ بالقتل أو القتال لا يدلُّ على التّكفير، بل هناك قتال شرعي لمن ليس بكافر:
- فقد أمر الله تعالى بقتال البغاةِ عند رفضهم للصلح وبغيهم، وهم مسلمون بالاتفاق.
- وأمر بقتالِ الصّائلِ المعتدي ودفعه.
- وكما أمرَ بدفعِ قطاّع الطريق، وهم عصاةٌ.
وفي هذه الحالات لا يكون فيها المسلم كافرًا، ومع ذلك يجوز قتالُه. فلا تلازمَ بين القتالِ وبين الكفر، فليس كلُّ مَن جازَ قتلُه أو قتالُه يكون كافرًا، والفتوى بجواز قتال تنظيم (الدّولة) ليس لكفرهم، بل لخارجيّتهم وإجرامهم كما سبق.
- ثانيًا:
الخوارجُ ليسوا كفارًا عند جمهور أهل العلم ينظر فتوى: حكم تكفير تنظيم (الدّولة) ولعنهم وحكم أسراهم وأموالهم؟ http://islamicsham.org/fatawa/2046.:
فالّذي عليه عامةّ العلماء مِن السّلف والخلف: عدمُ تكفير الخوارج، واستدلّوا على ذلك بأنّ الصّحابة رضي الله عنهم لم يَحكموا بكفر الخوارج مع قتالهم لهم، فعن طارق بن شهاب، قال: "كنتُ عند عليٍّ رضي الله عنه، فسُئل عن أهل النّهر (يعني: الخوارج)، أهم مشركون؟
قال: مِن الشّرك فرّوا.
قيل: فمنافقون هم؟
قال: إنّ المنافقين لا يذكرون اللهَ إلا قليلًا.
قيل له: فما هم؟
قال: قومٌ بغوا علينا"أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/563، برقم 37942)، بينما قال في الخوارج "قَوْمٌ أَصَابَتْهُمْ فِتْنَةٌ، فَعَمُوا فِيهَا وَصُمُّوا" أخرجه عبد الرزاق في المصنف (10/150، برقم 18656)، ولم يثبت أنَّه وصفهم بلفظ الأُخوَّة..
قال ابن تيمية رحمه الله: "ولم يُكَفِّرْهُمْ عليُّ بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرُهما مِن الصّحابة رضي الله عنهم، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم، ولم يقاتلهم عليٌّ رضي الله عنه حتى سَفكوا الدّمَ الحرامَ، وأغاروا على أموال المسلمين؛ فقاتلهم لدَفع ظلمِهم وبغيهم، لا لأنهم كفّار"مجموع الفتاوى (3/282)..
وقال: "بل كانت سيرةُ عليٍّ والصّحابةِ رضي الله عنهم في الخوارج مخالِفةً لسيرة الصّحابة في أهل الرّدّة، ولم يُنكِر أحدٌ على عليٍّ رضي الله عنه ذلك، فعُلِمَ اتفاقُ الصّحابة على أنّهم لم يكونوا مرتدّين عن دين الإسلام"منهاج السنة النبوية (5/241)..
وقَالَ الخَطَّابي رحمه الله: "أجمع علماءُ المسلمين على أنّ الخوارج مع ضلالتهم فِرقةٌ مِن فِرق المسلمين، وأجازوا مناكحتَهم ، وأكلَ ذبائحهم، وأنّهم لا يكفرون ما داموا متمسّكين بأصل الإسلام"فتح الباري (12/300)..
وقال النّووي رحمه الله: "المذهبُ الصّحيحُ المختار الذي قاله الأكثرون والمحقّقون: أنّ الخوارج لا يُكَفَّرُونَ كسائر أهل البدع"شرح النووي (2/50)..
وقال ابن حجر رحمه الله: "وذهب أكثرُ أهل الأصول مِن أهل السّنّة إلى أنّ الخوارج فُسَّاقٌ، وأنّ حكمَ الإسلام يجري عليهم؛ لتلفّظهم بالشّهادتين، ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنّما فسقوا بتكفيرهم المسلمين مستندين إلى تأويلٍ فاسدٍ، وجرَّهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم، والشّهادة عليهم بالكفر والشّرك"فتح الباري (12/300). وللمزيد ينظر فتوى: (حكم تكفير تنظيم (الدّولة) ولعنهم وحكم أسراهم وأموالهم). http://islamicsham.org/fatawa/2046 ..
وعليه: فلا يصحُّ إطلاقُ القول بكفر تنظيم (الدّولة) بإطلاق، وإنَّما يُحكم عليهم بالبدعة والضّلالة والخروج عن الدين الصحيح، قال الآجرّي رحمه الله: "لم يختلف العلماءُ قديمًا وحديثًا أنّ الخوارجَ قومُ سُوءٍ، عصاةٌ لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإنْ صلَّوا وصاموا واجتهدوا في العبادة، فليس ذلك بنافعٍ لهم"الشريعة (1/325)..
ولا يَمنع ذلك مِن وقوع بعض أفرادهم في الكفر؛ لارتكابه ناقضًا مِن نواقض الإسلام، أو كونه مِن غير المسلمين المندسّين في صفوفهم، أو غير ذلك، لكن لا يكون الحكمُ عليه إلا ببيّنةٍ شرعيّةٍ، بعد استيفاء الشّروط، وانتفاء الموانع.
فهل يجرؤ أعضاءُ التّنظيم على الشّهادة لسائر الفصائل بالإسلام والبراءة مِن الكفر والرِّدَّة؟. مع أنَّ إعمال القواعد التي يُعامِل بها تنظيم (الدّولة) مخالفيه تؤدّي إلى الحكم عليه بالكفر؛ لأنَّه يعدُّ كلَّ تعاملٍ مع الكفّار أو المرتدّين، أو أعانهم على المسلمين كفرًا وردّة بإطلاق، وقد ثبت أنَّ التّنظيم متعاملٌ مع النّظامين السّوري والعراقي، ومُعينٌ لهم في قتالهم للمسلمين.. وهذا يقتضي الحكمَ عليه بالكُفر والرّدّة!
غير أن منهج أهل السنة منهجٌ عدل، فلا يُكفّرون من كفرهم ولا يظلمون من ظلمهم، وإن حكموا عليهم بالغلوِّ والبغي، قال ابن تيمية رحمه الله: "وأئمةُ السّنةِ والجماعةِ، وأهل العلم والإيمان فيهمُ العلم والعدل والرحمة، فيعلمون الحق الذي يكونونَ به موافقينَ للسنّة سالمينَ من البدعة، ويعدِلون على من خرَج منها ولو ظلمهم...
فلهذا كانَ أهلُ العلم والسّنة لا يكفّرونَ مَن خالفهم، وإن كان ذلك المخالف يُكفّرهم؛ لأنَّ الكفر حكم شرعي، فليسَ للإنسانِ أن يُعاقِب بمثله، كمن كَذبَ عليكَ وزنى بأهلك، ليس لكَ أن تكذبَ عليه وتزني بأهله؛ لأنَّ الكذبَ والزنا حرامٌ لحقِّ الله تعالى"الاستغاثة في الرد على البكري ص (2/380)..
- ثالثًا:
ما ورد مِن ألفاظٍ في الأحاديث النّبوية مثل: أنّهم (يمرُقون مِن الدّين)، و(شرُّ قتلى تحتَ أديم السّماء)، وأنّهم (كلابُ أهل النّار)، لا يدلُّ على التّكفير، أو الوقوع في الكفر والرّدّة، بل يدلُّ على الخروج عن الدّين الصّحيح، والوقوع في البدعة، بالإضافة إلى ما فيها من تهديد ووعيد:
-
فوصفُهم بالمروق مِن الدين يعني المروقَ مِن الدّين الصّحيح: قال السّندي رحمه الله: "فَيؤوَّلُ هذا بِكُفْرانِ نعمة الإيمان حتى المشي على وَفْقِهِ ، ويُؤوّلُ (يخرجون مِن الدِّينِ): بالخروج مِن كماله.. "حاشية السندي على ابن ماجه (1/75)..
-
ووصفُهم بشرِّ القتلى لبيان نكارة فعلِهم، وشدّة ضررهم، وعِظَمِ خطرهم على المسلمين: قال ابن تيمية رحمه الله: "أي أنّهم شرٌ على المسلمين مِن غيرهم؛ فإنهم لم يكن أحدٌ شرًّا على المسلمين منهم: لا اليهودُ، ولا النّصارى؛ فإنهم كانوا مجتهدين في قتلِ كلِّ مسلم لم يوافقْهم، مُستحلّين لدماء المسلمين وأموالهم، وقتل أولادهم، مكفّرين لهم، وكانوا متديّنين بذلك؛ لعِظَم جهلهم وبدعتهم المضلّة. ومع هذا فالصّحابة رضي الله عنهم والتّابعون لهم بإحسان لم يكفّروهم، ولا جعلوهم مرتدّين، ولا اعتدوا عليهم بقولٍ ولا فعلٍ، بل اتّقوا اللهَ فيهم، وساروا فيهم السّيرةَ العادلة"منهاج السنة النبوية (5/248)..
-
ووصْفُهم بكلاب أهل النّار تشبيهٌ لدناءة أفعالهم في حقّ المسلمين بدناءة الكلاب: قال المناوي رحمه الله: "(كلابُ أهل النَّار) أَي يتعاوون فِيها كعِواء الكلابِ، أَو هم أخسُّ أَهلِها وأحقرُهم، كما أنّ الكلابَ أخسُّ الحَيَوان". وقال: "هم قوم {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}؛ وذلك لأنّهم دَأَبوا ونَصِبوا في العبادة، وفي قلوبهم زيغٌ، فَمَرقوا مِن الدّين بإغواء شيطانهم حتى كفَّروا الموحّدين بذنب واحد، وتأوَّلوا التّنزيل على غير وجهه، فخُذلوا بعد ما أُيّدوا حتى صاروا كلابَ النّار، فالمؤمن يَستُر ويرحم ويرجو المغفرة والرّحمة، والمفتون الخارجيّ يهتِك ويُعيِّر ويقنط، وهذه أخلاقُ الكلاب وأفعالهم، فلما كلبوا على عباد الله، ونظروا لهم بعين النّقص والعداوة، ودخلوا النّارَ صاروا في هيئة أعمالهم كلابًا كما كانوا على أهل السّنّة في الدّنيا كلابًا بالمعنى المذكور"فيض القدير (3/509)..
- رابعًا:
أنَّ دخولَ النّار لا يعني الحكمَ الكفرِ أو الخلودِ فيها؛ فإنَّ المسلم الموحِّد العاصي مُتوعَّدٌ بدخول النّار لمجازاته على ما ارتكب مِن ذنوبٍ وآثام، فيدخلها ليتطهّر مِن ذنوبه، ثمّ يخرج منها دون أنْ يُخلّد فيها، كما هو معلومٌ مِن منهج أهل السّنّة والجماعة.
قال ابن تيمية رحمه الله: "والخوارجُ كانوا منِ أظهر النّاس بدعةً وقتالًا للأمّة، وتكفيرًا لها، ولم يكن في الصّحابة مَن يكفّرهم، لا عليُ بن أبي طالب ولا غيرُه، بل حَكَموا فيهم بحُكمهم في المسلمين الظّالمين المعتدين ...، وكذلك سائر الثنتين والسبعين فرقةً،قال صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهودُ على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقةً، وتفرّقت النّصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقةً، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقةً) رواه أبو داود (7/5، برقم 4596)، والترمذي (5/25، برقم 2640)، وابن ماجه (5/128، برقم 3991). وفي رواية: (وواحدةٌ في الجَنّة، وهي الجماعةُ) رواه أبو داود (4/198، برقم 4597)، وابن ماجه (5/130، برقم 3993). وفي رواية: (ما أَنا عليه وأصحابي) رواه أبو داود (7/6، برقم 4597)، والترمذي (5/26، برقم 2641). مَن كان منهم منافقًا فهو كافرٌ في الباطن، ومَن لم يكن منافقًا بل كان مؤمنًا بالله ورسوله في الباطن لم يكن كافرًا في الباطن، وإنْ أخطأ في التّأويل كائنًا ما كان خطؤه؛ وقد يكون في بعضهم شعبةٌ مِن شُعَب النّفاق، ولا يكون فيه النّفاقُ الذي يكون صاحبُه في الدّرَك الأسفل مِن النّار. ومَن قال: إنّ الثّنتين والسبعين فرقة ًكلُّ واحدٍ منهم يَكفُر كفرًا ينقل عن الملّة فقد خالف الكتابَ والسّنّةَ وإجماعَ الصّحابة رضوان الله عليهم أجمعين، بل وإجماعَ الأئمّة الأربعة، وغير الأربعة، فليس فيهم مَن كفّر كلّ واحدٍ مِن الثنتين وسبعين فرقة"مجموع الفتاوى (7/217)..
والخلاصةُ:
أنَّ وصفَ الخوارج بأنّهم (يمرقون مِن الدّين، وأنّهم كلابُ أهل النّار، وشرُّ القتلى) ليس فيه تكفير لهم، أو تخليدٌ في النّار، بل فيه دلالةٌ على انحرافهم عن الدّين الصّحيح، وتهديدهم بالعذاب، ولو لم يخلّدوا فيه، وكذلك الأمر في الإذن بقتال الخوارج وقتلهم، فليس فيه تكفيرهم أو حكمٌ بردَّتهم، بل لانحرافهم وعدائهم للمسلمين وقتالهم لهم.
المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة السادسة عشرةَ، د. عماد الدين خيتي
إضافة تعليق جديد