شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة الخامسة عشرة: القتالُ ضد تنظيم (الدّولة) قتالُ فتنةٍ، وقد نهى الشّارع عن قتالِ الفتنة
- تقول الشُّبهة:
أمر النّبي صلى الله عليه وسلم باعتزال القتال الذي يقع بين المسلمين، وسمَّاه قتال فتنة، ونهى عن الاشتراك فيه في العديد مِن الأحاديث، كقوله: (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ)أخرجه البخاري (1/15، برقم 31)، ومسلم (4/2214، برقم 2888).، وقوله: (سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ)أخرجه البخاري (9/51، برقم 7081)، ومسلم (4/2214، برقم 2886).، وقوله: (فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ، فَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْمَقْتُولَ، وَلَا تَكُنْ عَبْدَ اللهِ الْقَاتِلَ)أخرجه أحمد (34/ 543، برقم 21064)..
ثمّ كان مِن هدي الصّحابة والسّلف اعتزالُ الفتن، وعدم الاشتراك فيها؛ لحرمة دم المسلم، فكيف تجيزون قتالَ تنظيم (الدّولة) على الرّغم مِن ذلك؟
- الإجابة عن الشبهة:
الزعم أنَّ القتالَ مع تنظيم (الدّولة) محرَّمٌ؛ لأنَّه قتالُ فتنةٍ غيرُ صحيح منهيٌ عنه، أو أنَّه مشروعٌ في حال الدفاع عن النفس فحسب غيرُ صحيح؛ بل هو قتالٌ مأمورٌ به لاستئصال شرّ الخوارج، وهو مختلف عن قتال الفتنة، أو دفع الصائل المعتدي، وبيانُ ذلك فيما يلي:
-
أولًا:
قرَّر أهلُ العلم وأجمعوا على أنَّ الأصلَ في دم المسلم الحرمةُ والعصمة، لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]. وقوله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده لَقتلُ مؤمنٍ أعظمُ عند الله مِن زوالِ الدّنيا)أخرجه النسائي (7/82، برقم 3986)..
ومِن أعظم ما فارق به الغلاةُ أهلَ السّنّة : الاستهانةُ بدماء المسلمين لأدنى الشّبهات، والغلوّ في التّكفير. ولكن مع تأكيد هذا الأصل العظيم، إن تحقّق في المسلم ما يُبيح دمهَ - بحكمٍ شرعيٍّ دلّت عليه النّصوص، وباجتهادٍ مُعتبرٍ مِن أهله- فلا يكون القتلُ والقتالُ حينها محرّمًا، ويكون التّورعُّ عن الامتثال لما أمر الشّارعُ به معصيةً، ومخالفة للنّصّ الشّرعي، وإعانةً للمجرم في جريمته بالإفلات مِن العقاب. وممّا أذن الشارع به في القتل والقتال:
-
القصاص مِن القاتل، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179].
-
قتل المرتد، لقوله صلى الله عليه وسلم : (مَن بَدّلَ دِينَهُ فاقْتلوهُ)أخرجه البخاري (4/61، برقم 3017)..
-
دفع الصائل المعتدي.
-
قتال الفئة الباغية.
-
قتال الخوارج.
- ثانيًا:
دلّت النصوصُ الشّرعية على التّفريق بين أنواع القتال الواقع بين المسلمين، وجعلت لكلٍّ منها أحكامًا خاصةً بها، كما يلي:
1. دفع الصائل:
والصّائل هو: المعتدي على نفسِ غيره، أو عرضه، أو ماله بغير حقّ.
قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:194]. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتلَ دُونَ مالهِ فهو شهيد، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهو شهيد، ومَن قتلَ دون دِينه فهو شهيد، ومن قُتلَ دُونَ أهْلهِ فِهو شهيد)أخرجه أبو داود (4/246، برقم 4772)، والترمذي (4/30، برقم 1421)، والنسائي (7/116، برقم 4095).. فيُشرَعُ للمتعدَى عليه ردُّ العدوان بالقدر اللازم لدفع الاعتداء، مبتدئًا بالأخفّ فالأخفّ.
قال ابنُ المنذر رحمه الله: "يقول عوامّ أهل العلم: إنَّ للرّجل أنْ يُقاتِل عن نفسه وماله وأهله، إذا أُريد ظلمًا؛ للأخبار التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تخصّ وقتًا دون وقتٍ، ولا حالًا دون حال"الإشراف على مذاهب العلماء (7/248)..
وقال ابن حجر -رحمه الله- معلّقًا على حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: (خرجتُ في غزوةٍ، فعضّ رجلٌ، فانتزعَ ثنيّتَه، فأبطلها النّبي صلى الله عليه وسلم)أخرجه البخاري (9/8 ، برقم 6893)، ومسلم (3/1301، برقم 1674). "وفيه دفعُ الصّائل، وأنّه إذا لم يمكن الخلاصُ منه إلا بجناية على نفسِه، أو على بعض أعضائه، ففُعل به ذلك كان هدَرًا"فتح الباري (12/233)..
وذكر الفقهاءُ شروطًا لدفع الصّائل، هي باختصار:
-
أن يكون هناك اعتداءٌ حقيقيةً، لا مجرد توهّم أو شكّ.
-
أن يكون الاعتداء قائمًا بالفعل في الحال، لا مجرد تهديد.
-
ألاّ يُمكِن دفع الاعتداء بطريق آخر.
-
أن يدفع الاعتداءَ بالقدر اللازم مِن القوة مبتدئًا بالأخفّ فالأخفّ.
قال النّووي رحمه الله: "ويدفع الصّائل بالأخفّ، فإن أمكن بكلامٍ واستغاثة حَرُمَ الضّرب، أو بضربٍ بيدٍ حَرُمَ سوطٌ، أو بسوطٍ حَرُمَ عصًا، أو بقطعِ عضوٍ حَرُمَ قتلٌ"منهاج الطالبين (1/305).. فإن هرب الصّائلُ فيجب الكفُّ عنه، قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "قتال الصِّوالِ ما داموا مقبلين على الصّيال، فإن انكفّوا حرم قتلُهم وقتالهم"قواعد الأحكام (1/187).. وللفقهاء تفصيلٌ لأحكامهم يرجع إليه في مظانه.
2. قتال الفتنة:
وهو: القتال الذي لا يتبيَّن فيه الحقّ، أو يكون قتالًا على غايةٍ غير مشروعة، أو يكون قتالًا على ظلم.
قال الجصاص رحمه الله: "إذا قَصَدَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه ظلمًا على نحو ما يفعله أصحابُ العَصَبيَّةِ والفتنة"أحكام القرآن (4/47) .. وقال النووي رحمه الله: "تُتَأَوَّل الأحاديث على: مَن لم يَظهر له الحقّ، أو على طائفتين ظالمتين لا تأْويلَ لواحدةٍ منهما"شرح النووي (18/10)..
وقد جاءت النصوص الشرعية ناهيةً عن قتال الفتنة، والاشتراك فيه، ومن ذلك:
- حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنّه ذكر فتنةً القاعدُ فيها خيرٌ مِن القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن السّاعي، قال: فإن أدركتَ ذاك، فكن عبدَ الله المقتول، ولا تكن عبدَ الله القاتل)أخرجه أحمد (34/543، برقم 21064).. وقال صلى الله عليه وسلم: (فمَن وجد ملجأً أو مَعاذًا، فلْيعُذْ به)أخرجه البخاري (9/51، برقم 7081)، ومسلم (4/2214، برقم 2886)..
- وحديث: (فإذا نزلتْ أو وقعتْ، فمَن كان له إبلٌ فلْيلحقْ بإبله، ومَن كانت له غنمٌ فليلحق بغنمه، ومَن كانت له أرضٌ فليلحق بأرضه. فقال رجلٌ: يا رسول الله، أرأيت مَن لم يكن له إبلٌ ولا غنمٌ ولا أرضٌ؟ قال: يعمِد إلى سيفِه فيدقُّ على حَدِّه بحجرِ، ثمّ لْينجُ إن استطاع النَّجاءَ)أخرجه مسلم (4/2212، برقم 2887)..
وقد عمل الصّحابة رضوان الله عليهم بهذه الأحاديث حين اندلاع الفتنة في معركتي الجمل وصفّين، فاعتزلوا الفتنة إلا نفرٌ يسير. قال الشّعبي -رحمه الله- عن موقعتي الجمل وصفين مجتمعتين: "بِاللَّهِ الّذي لا إله إلا هُوَ، مَا نهض فِي تِلكَ الفتنة إلا ستةُ بدريين ما لهم سابعٌ، أو سبعةٌ ما لَهُمْ ثامنٌ"تاريخ الطبري (4/447)..
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وأكثرُ أكابر الصّحابة لم يقاتلوا لا مِن هذا الجانب، ولا مِن هذا الجانب، واستدلّ التّاركون للقتال بالنّصوص الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ترك القتال في الفتنة، وبيّنوا أنّ هذا قتالُ فتنة"مجموع الفتاوى (53/55)..
سببُ الاعتزال في قتال الفتنة:
يتّضح مِن أحاديث الفتن التي تأمر بـ (العزلةِ في الفتنة، والبُعدِ عن كلا الطائفتين المتقاتلتين، ولزومِ الدّار، وإغلاقِ الباب، والتّخلّصِ مِن السّلاح وكسره، وتركِ الدّفاع عن النّفس) أنَّ مقصودَ الشّارع هو: تقليلُ القتال، وحقنُ الدّماء، وإيقافُ الحرب؛ سعيًا إلى إنهاء الفتنة؛ لأنَّ الاستمرار في القتال يزيد الفتنة؛ لذا كان المعتزل للفتنة والمستسلم للقتل خيرًا مِن المقاتل. وقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بن علي -رضي الله عنهما- لأنَّ وضعَه للسّلاح وتركه للقتال أدّى إلى حقن دماء المسلمين، واجتماع كلمة الأمة، فقال: (ابْني هذا سَيِّدٌ ولعلَّ اللَّهَ أَن يُصلحَ به بين فئتين مِن المسلمين)أخرجه البخاري (3/186، برقم 2704)..
3. قتال الفئة الباغية:
البغاةُ: جماعةٌ مِن المسلمين يخرجون على الإمام، بتأويلٍ سائغ، ولهم قوّةٌ وشوكة ومنعة.
ومعنى التّأويل السائغ: شُبهة أو حُجّة يستسيغون بها الخروجَ على الإمام، وقد لا تكون هذه الحجَّةُ صحيحة. قال النووي رحمه الله: "الذين يخالفون الإمامَ بالخروج عليه، وترك الانقياد والامتناع مِن أداء الحقوق ينقسمون إلى بغاةٍ وغيرهم، أمّا البغاةُ فتُعتبر فيهم خصلتان:
إحداهما: أن يكون لهم تأويلٌ يعتقدون بسببه جوازَ الخروج على الإمام، أو منعِ الحق المتوجه عليهم ...
الثّانية: أن يكون لهم شوكةٌ وعددٌ، بحيث يحتاج الإمامُ في ردِّهم إلى الطّاعة إلى كُلفة ببذل مالٍ، أو إعداد رجال، ونَصْبِ قتال"روضة الطالبين (10/50)..
وقد ذكر أهلُ العلم في كيفية التّعامل مع البغاة:
أنّ الإمامَ يبعث إليهم شخصًا أمينًا ناصحًا، يسألهم ما ينقمون، فإذا ذكروا مظلمةً أزالها، أو شبهةً وضّحها وبيّنها، وإنْ طلبوا حقًّا لهم أُعطَوه، فإن أصرّوا على موقفهم في الخروج، أو لم يكن لهم مطلبٌ عادل، وإنّما كان خروجهم مِن أجل الدنيا، أو انتزاع الحكم فيُنصَحون، فإن رجعوا، وإلا قوتلوا.
وقد أوجب الشارع قتالَ الفئة الباغية، وجعل غايةَ قتالها التّوقفَ عن الاعتداء، والنّزول على حكم الشّرع، قال تعالى: {وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
ففي وجوب قتالها: قال ابن بطال رحمه الله: "فأمّا إذا ظهر البغيُ في إحدى الطّائفتين، لم يحلّ لمسلمٍ أن يتخلّف عن قتال الباغية؛ لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتي تَبْغِى حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، ولو أمسكَ المسلمون عن قتالِ أهلِ البغي لَبَطلَت فريضةُ الله تعالى"فتح الباري (10/31)..
وفي بيان مآل القتال وغايته: قال الإمام الشّافعي رحمه الله: "فإن فاءت لم يكن لأحدٍ قتالُها؛ لأنّ الله عز وجل إنّما أذن في قتالها في مدّة الامتناع بالبغي إلى أنْ تفيء... والفيءُ: الرّجعةُ عن القتال بالهزيمة، أو التّوبة وغيرها، وأيُّ حالٍ تَرك بها القتالَ فقد فاء"الأم (4/227)..
وما ورد في "قتل" الباغي على الإمام فهو مفسرٌّ بالمدافعة أولًا:
قال النووي رحمه الله في حديث: (مَن بايع إمامًا، فأعطاه صفْقةَ يده، وثمرة قلبِه، فليطعه إن استطاع، فإنْ جاء آخرُ ينازعه فاضربوا عنقَ الآخر)أخرجه مسلم (3/1472).: "معناه ادفعوا الثّاني، فإنه خارجٌ على الإمام، فإن لم يندفع إلا بحربٍ وقتالٍ فقاتلوه، فإن دعت المقاتلةُ إلى قتله جاز قتلُه، ولا ضمان فيه؛ لأنّه ظالمٌ متعدٍّ في قتاله"شرح النووي (12/234)..
ويُلاحظ في أنواع القتال السّابقة أنَّ الأصلَ فيها عصمةُ دم المسلم، وإنّما أبيح قتالُه لدفع ضرره؛ فإن ذهب ضررُه عادت إليه عصمتُه (إلا بحقوقٍ ترتَّبت على اعتدائه)، دون أن يُبيح ذلك الطّعنُ في دينه وعقيدته لمجرد الاعتداء.
- ثالثًا:
أمّا في حال الخوارج فيختلف التّعامل معهم؛ لأنَّ الخلاف معهم عقديٌ، وبدعتُهم مِن شرّ البدع وأخطرها، فلهم حكمٌ آخر غير ما سبق مِن أنواع القتال بين المسلمين:
1. لم يجعل النبي صلى الله عليه وسلم الخوارجَ من جماعة المسلمين التي انقسمت إلى جيش علي أو معاوية رضي الله عنهما، بل أخرجهم منهم، ممّا يدلُّ على أنهم ليسوا على دعوة الإسلام.
قال صلى الله عليه وسلم: (تمرقُ مارقةٌ عند فُرقةٍ مِن المسلمين، يقتلُها أولى الطائفتين بالحقّ)أخرجه مسلم (2/745، برقم 1064).، وفي لفظٍ: (تكون في أمّتي فرقتان، فتخرج مِن بينهما مارقةٌ، يلي قتلَهم أولاهم بالحقّ)أخرجه مسلم (2/746، برقم 1064)..
قال ابن تيمية رحمه الله: "فهؤلاء الذين قتلهم أميرُ المؤمنين علي رضي الله عنه لما حصلت الفُرقةُ بين أهل العراق والشّام، وكانوا يُسَمّون الحرورية، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنّ كلا الطائفتين المفترقتين مِن أمّته، وأن أصحاب علي رضي الله عنه أولى الطّائفتين بالحقّ، ولم يُحرِّض إلا على قتال أولئك المارقين الذين خرجوا مِن الإسلام، وفارقوا الجماعة، واستحلّوا دماءَ مَن سواهم مِن المسلمين وأموالهم، فثبت بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة أنّه يُقاتَل مَن خرج عن شريعة الإسلامِ، وإن تكلّم بالشّهادتين"مجموع الفتاوى (28/357)..
2. الخوارجُ معاقَبون في الآخرة بحرمانهم مِن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم التي تنال أهلَ الكبائر:
-
لحديث: (رجلانِ ما تنالهما شفاعتي: إمامٌ ظلومٌ غشومٌ، وآخرُ غالٍ في الدّين، مارقٌ منه)أخرجه ابن أبي عاصم في السنة (1/23، برقم 41).. قال الصنعاني رحمه الله: "(مارقٍ) مِن مرق السّهم مِن الرّميةِ نفذها، أي: خارجٌ بغلوّه مِن الدين مع أنه باقٍ على الإسلام إلا أنّه بغلوِّه صار كالخارج عنه"التنوير شرح الجامع الصغير (6/609)..
-
لذا جاءت النّصوص في علاج بدعتهم بالأمر بقتلهم، والتّأكيد عليه:
-
لحديث: (فإذا لقيتموهم فاقتلوهم)أخرجه مسلم (2/746)، برقم 1066)..
-
وحديث: (فإذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم، ثمّ إذا خرجوا فاقتلوهم)أخرجه أحمد (5/115، برقم 5562)..
-
وحديث: (قِتالُهم حقٌّ على كُلِّ مُسلمٍ)أخرجه أحمد (2/155، برقم 1345)..
وبيَّنت أنَّ قتالَهم قتلُ استئصالٍ، لا قتالُ دفعِ صائلٍ، ولا لغاية معينة:
-
لحديث: (لئنْ أدركْتهم لأقتلنّهم قتلَ عادٍ)أخرجه البخاري (4/137، برقم 3344)، ومسلم (2/741، برقم 1064)..
-
وحديث: (لئنْ أدركْتهم لأقتلنّهم قتلَ ثَمُودَ)أخرجه البخاري (5/163، برقم 4351)، ومسلم (2/742، برقم 1064)..
-
وحديث: (كلّما طلع منهم قرنٌ قطعه الله)أخرجه أحمد (5/115، برقم 5562)..
-
وحديث: (كُلّما خرج قرنٌ قُطع) قال ابنُ عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كُلّما خرج قرنٌ قُطع، أكثر مِن عشرين مرّةً)أخرجه ابن ماجه (1/120، برقم 174)..
قال ابن الجوزي رحمه الله: "وقَوله: (لأقتلنّهم قتلَ عادٍ) أَي أستأصلَهم؛ فَإِنّ عادًا استؤصلوا"كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/120)..
وقال النّووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم (لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتلَ عادٍ) أي قتلًا عامًّا مستأصِلًا، كما قال تعالى: {فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ} [الحاقة: 8] ، وفيه الحثُّ على قتالهم"شرح النووي (7/162)..
وقال العيني رحمه الله: "التّقديرُ: كقتلِ عادٍ، والتّشبيهُ لا عمومَ له، والغرضُ منه استئصالُهم بالكلّيةِ كاستئصال عاد"عمد القاري (15/228)..
وقال القسطلّاني رحمه الله: "(لئنْ أنا أدركتُهم) أي الموصوفين بما ذُكر (لأقتلنّهم قتلَ عادٍ) أي لأستأصلنَّهم بحيثُ لا أُبقي منهم أحدًا كاستئصال عاد"إرشاد الساري (5/335)..
وأنَّ سببَ قتلهم هو بدعتُهم الخطيرة:
قال الطِّيبي رحمه الله: "أي: فإذا لقيتموهم فاعلموا أنّهم شرارُ خلق اللهِ فاقتلوهم، كما قال: (طوبى لـمَن قتلهم وقتلوه)، ووجهٌ آخر: وهو أنْ يكون الجزاءُ محذوفًا، يعني فاقتلوهم، والجملةُ بعدَه استئنافيّةٌ لبيان الموجِب"شرح الطيبي "الكاشف عن حقائق السنن" (8/2510)..
وقال المازري -رحمه الله- عن حديث (لئن أدركتهم لأقتلنّهم قتلَ عادٍ): "قد يتعلّق بظاهر هذا مَن يرى تكفيرَهم، وقد اختلف أهلُ الأصول في تكفيرِهم، وقد يَنفصل عن هذا مَن لا يرى تكفيرَهم بأنْ يُحمل قتلُهم على أنّه كالحدّ لهم على بدعتِهم"المعلم بفوائد مسلم (2/35)..
وقال ابن تيمية رحمه الله: "فرتَّب الأمرَ بالقتل على مروقِهم، فعُلم أنّه الموجِبُ له"المعلم بفوائد مسلم (2/35)..
ورتَّب الأجرَ الكبيرَ على قتلِهم للحثّ عليه، وحسم التّردُّد فيه؛ لما قد يقع في النّفوس مِن عبادتهم. فمَن قاتلهم فهو خيرُ الأمّة:
- لحديث: (مَن قاتلهم كان أولى باللهِ منهم)أخرجه أبو داود (7/143، برقم 4765)، وأحمد (21/51، برقم 13338).. نقل الملا علي القاري -رحمه الله- أنّ: "الضّمير فيه راجعٌ إلى الأمّةِ، أي: مَن قاتلهم مِن أمّتي أولى بالله مِن باقي أمّتي... أمّا على الوجه الثّاني فالضّميرُ راجعٌ إلى الفرقة الباطلة"مرقاة المفاتيح (6/2316). .
- وحديث: (إنّهم شرارُ أمّتي يقتلهم خيارُ أمّتي)أخرجه الآجري في الشريعة (1/362، برقم 56)..
- وحديث: (خَيْرُ قتلى مَن قَتلوا)أخرجه ابن ماجه (1/121، برقم 176)، وأحمد (36/654، برقم 22314)..
وله الأجرُ الكبيرُ يومَ القيامة:
- لحديث: (فإنّ في قتلهم أجرًا لـمَن قتلهم يومَ القيامة)أخرجه البخاري (9/16، برقم 6930)، ومسلم (2/746)..
- (فطوبى لـمَن قتلهم، وطوبى لـمَن قتلوه)أخرجه أحمد (5/115، برقم 5562).. وطوبى شجرةٌ في الجنّة.
ومَن قاتلهم ولم يُقتل فله أجرُ شهيدٍ، ومَن قُتل على أيديهم فله أجر شهيدين:
- (مَن قتلهم فله أجرُ شهيدٍ، ومَن قتلوه فله أجرُ شهيدَين)أخرجه الطبراني في الأوسط (1/276، برقم 90)، والسنة، لابن أبي عاصم (2/451، برقم 926)..
بل إنّ قتلَهم يكاد يكفي للنّجاة مِن النّار؛ لكثرة الثواب عليه:
- قال علي -رضي الله عنه- في الخوارج: "لو يعلم الجيشُ الذين يصيبونهم، ما قُضي لهم على لسان نبيّهم صلى الله عليه وسلم لاتّكلوا عن العمل"أخرجه مسلم (2/748، برقم 1066). . قال السيوطي رحمه الله: "أَي لاتّكلوا على ثَواب ذلك العملِ، واعتمدوا عليه فِي النجاة مِن النَّار، والفوز بالجنة؛ لأنه عظيمٌ جسيم"الديباج على صحيح مسلم (3/168)..
وقد أدرك الصّحابة رضوان الله عليهم هذه الأحكامَ فاتفقوا على قتال الخوارج:
فعلى خلاف موقف عامّة الصّحابة رضوان الله عليهم مِن الفتنة التي تجنّبوها، كان موقفُهم الاجتماعَ على قتال الخوارج، وحثّ الناس عليه برواية أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم.
ولـمّا رأى علي رضي الله عنه (ذا الثُّديّة) مقتولًا: (فكبّرَ، ثمّ قال : صدق اللهُ، وبلّغ رسولُه)أخرجه مسلم (2/748، برقم 1066)، وذو الثُّدَيةِ رجلٌ يدُه مقطوعةٌ تشبه الثدي، وقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم علامةً على الخوارج.. وفي رواية: (فخررْنا سجودًا، وخرَّ عليٌّ رضي الله عنه ساجدًا معنا)أخرجه أحمد (2/411، برقم 1255)..
قال ابن تيمية رحمه الله: "وقاتل أمير المؤمنين علي بن أبى طالب رضي الله عنه الخوارجَ، وذكر فيهم سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتضمّنة لقتالهم، وفرِحَ بقتلِهم، وسجد لله شكرًا لـمّا رأى أباهم مقتولًا، وهو ذو الثُّدَيَّة، بخلاف ما جرى يومَ الجمل وصفّين؛ فإنّ عليًّا رضي الله عنه لم يفرح بذلك ، بل ظهر منه مِن التّألّم والنّدم ما ظهر، ولم يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك سنَّةً، بل ذكر أنّه قاتل باجتهاده"مجموع الفتاوى (20/395)..
وقال ابن القيم رحمه الله: "وفي سجودِ كعبٍ رضي الله عنه حين سمع صوتَ المبشِّر دليلٌ ظاهرٌ أنّ تلك كانت عادةَ الصّحابة، وهى سجودُ الشّكر عند النّعم المتجدّدة، والنّقم المندفعة، وقد سجد أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه لـمّا جاءه قتلُ مُسَيْلِمة الكذَّاب، وسجد علي بن أبى طالب رضي الله عنه لـمّا وجد ذا الثُّديَّةِ مقتولًا في الخوارج"زاد المعاد (3/511)..
ثمّ قاتلهم معاويةُ، وقاتلهم عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وكان على قتالهم كافّةُ علماء الأمّة جيلًا بعد جيلٍ، والأخبارُ في ذلك أكثرُ مِن أن تُحصى.
قتالُ الخوارج لا يختصّ بزمان أو مكان: فكلُّ مَن كان على عقيدة الخوارج فهو مشمولٌ بالأمر بالقتال، والدليلُ على ذلك:
أنَّ الأحاديث تنصَّ على أنّ الخوارجَ فرقةٌ سيستمرّ وجودُها إلى آخر الزّمان، وقد جاءت النّصوصُ مطلّقةً في أحكام التّعامل مع الخوارج دون تخصيصٍ بزمنٍ دون آخر، بل إنَّها نصَّت على الأمر بقتلهم كلّما خرجوا ؛ لحديث: (فَإِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ، ثُمَّ إِذَا خَرَجُوا فَاقْتُلُوهُمْ)، وحديث: (أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)، وحديث: (كُلَّمَا طَلَعَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِع). وهذا ما فهمه علماءُ الأمّة، وما زالوا يستدلّون بهذه النّصوص على هذا العموم.
قال الشّهرستاني رحمه الله: "كلُّ مَن خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين؛ أو كان بعدهم على التّابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان"الملل والنحل (1/114)..
وقال ابن تيمية رحمه الله: "وهذه العلامةُ التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم هي علامةُ أولِ مِن يخرج منهم، ليسوا مخصوصين بأولئك القوم؛ فإنّه قد أخبر في غير هذا الحديث أنّهم لا يزالون يَخرجون إلى زمن الدّجال، وقد اتّفق المسلمون على أنّ الخوارجَ ليسوا مختصّين بذلك العسكر"مجموع الفتاوى (28/495).. ثم إنَّ خطرَهم العقدي لا يختصّ بوقتٍ دون وقت، بل ربّما كان في بعض الفرق اللّاحقة مَن هو أشدُ انحرافًا وتلبيسًا مِن الفرق الأولى.
- رابعًا:
إضافةً لما سبق فإنَّ لقتال الخوارج أحكامًا أخرى تخصّه دون بقية أنواع القتال بين المسلمين ليس هذا مكانَ بسطها، ولكن نذكر طرفًا منها؛ لبيان خصوصية هذه البدعة الخطيرة:
1. جوازُ بدئهم بالقتالِ، وإن لم يبدؤوا:
ذهب عددٌ من أهلِ العلم إلى جواز ابتداء الخوارج بالقتال، حتى وإن لم يبدؤوا هم بذلك. قال ابن تيمية رحمه الله: "فلم يأمر بقتال الباغية ابتداء، فالاقتتالُ ابتداءً ليس مأمورًا به... وأمّا الخوارج فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنّ في قتلهم أجرًا عند الله لـمَن قتلهم يومَ القيامة)، وقال: (لئن أدركتُهم لأقتلنّهم قتلَ عادٍ)"مجموع الفتاوى (35/57)..
وقال ابن قدامة رحمه الله: "الصّحيحُ إن شاء الله، أنّ الخوارج يجوز قتلُهم ابتداءً، والإجهازُ على جريحهم؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم، ووعده بالثّواب مَن قتَلَهم ... ولأنّ بدعتَهم، وسوءَ فعلهم، يقتضي حِلَّ دمائهم؛ بدليل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مِن عِظَم ذنبهم، وأنّهم شرُّ الخلق والخليقة، وأنّهم يمرقون مِن الدّين، وأنهم كلابُ النّار، وحثّه على قتلِهم، وإخبارُه بأنّه لو أدركهم لقتلهم قتلَ عادٍ، فلا يجوز إلحاقُهم بمَن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالكفِّ عنهم، وتورعّ كثيرٌ مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتالهم، ولا بدعةَ فيهم"المغني (8/526)..
2. جوازُ قتل الشّخص المنفرد مِن الخوارج، وإن لم يكن له جماعةٌ، وإن لم يقاتل:
قرَّر عددٌ من أهلِ العلم أنَّ المبتدع الدّاعي إلى بدعته المغلّظة أو المكفّرة، والتي تتسبّب في تفريق جماعةِ المسلمين، والخروج عن الدّين الصّحيح، ولم يمكن دفعُ شرّه بالطرق المعتادة من المناظرة والاستتابة وغيرها، والتي غالبًا ما يندفع بها شرّ هؤلاء: أنَّه يجوز للإمامِ إزالة ضرره ولو بالقتل، ما لم يترتَّب على ذلك مفسدةٌ أعظم منها.
قال ابن تيمية رحمه الله: "فأمّا قتل الواحد المقدور عليه مِن الخوارج؛ كالحرورية والرافضة ونحوهم: فهذا فيه قولان للفقهاء، هما روايتان عن الإمام أحمد. والصّحيح أنه يجوز قتلُ الواحد منهم؛ كالدّاعية إلى مذهبِه، ونحو ذلك ممّن فيه فسادٌ ... لأنّ هؤلاء مِن أعظم المفسدين في الأرض"مجموع الفتاوى (28/499)..
وقال ابن رجب رحمه الله: "وقد رُوي مِن وجوهٍ متعدّدة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل رجلٍ كان يصلّي، وقال: (لو قُتل لكان أوّلَ فتنةٍ وآخرَها)، وفي روايةٍ: (لو قُتل لم يختلف رجلانِ مِن أمّتي حتّى يخرج الدّجّالُ) خرَّجه الإمام أحمد وغيره، فيُستدلّ بهذا على قتل المبتدع إذا كان قتلُه يكفّ شرّه عن المسلمين، ويحسم مادّة الفتن"جامع العلوم والحكم (329)..
وذكر ابن عابدين رحمه الله: "والمبتدعُ لو له دلالةٌ ودعوةٌ للنّاس إلى بدعته، ويُتوهم منه أنْ ينشر البدعةَ وإن لم يُحكم بكفرِه جاز للسّلطان قتله سياسةً وزجرًا"حاشية ابن عابدين (4/243)..
وقال ابن فرحون المالكي رحمه الله: "وأمّا المفرّقُ لجماعةِ المسلمين فإنّه يُستتاب، فإنْ تاب، وإلا قُتل"تبصرة الحكام (2/297)..
وقد شهد التاريخُ قتلَ عددٍ مِن رؤوس كبار المبتدعة كمعبد الجهني في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، وغيلان الدّمشقي القدري في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، وغيرهم مِن الزنادقة والمبتدعة، فكيف إذا كانت هذه البدعةُ مِن شرّ البدع وأخطرِها، ولا تتوقف حتى تُستباح بها الدّماءُ المعصومة؟
3. جوازُ قتل أسير الخوارج ومدبرهم:
سبق كلامُ ابن قدامة قريبًا: "الصّحيحُ إن شاء الله، أنّ الخوارجَ يجوز قتلُهم ابتداءً، والإجهازُ على جريحهم".
وقال أبو الحسن الطرابلسي رحمه الله: "فإنْ هزمهم ولهم فئةٌ يلجؤون إليها فينبغي للإمام العدل أن يتّبع مدبرَهم، ويُجهزَ على جريحِهم، ويقتلَ أسيرَهم، وإن شاء حبسه؛ لأنه لو خلّاهم يعودون حربًا علينا.."معين الحكام (1/191)..
وقال السّرخسي رحمه الله: "وإن كانت له فئةٌ فلا بأس بأنْ يُقتل أسيرُهم؛ لأنه ما اندفع شرُّه، ولكنه مقهورٌ، ولو تخلّص انحاز إلى فئته"المبسوط (10/126)..
وقال الجصاص رحمه الله: "فإذا كانت لهم فئةٌ فإنّه يُقتل الأسيرُ إنْ رأى ذلك الإمامُ، ويُجهز على الجريحِ، ويتبع المدبر"أحكام القرآن (5/284)..
4. جواز اغتنام أموالهم:
قال السّرخسي رحمه الله: "المالُ لو كان للخوارج لم يجزْ ردُّه عليهم مع بقاء توهّم الاستعانةِ على قتال المسلمين إن كانت منعتُهم باقيةً"شرح السير الكبير (1/747)..
وقال ابنُ تيمية رحمه الله: "فهؤلاء يقاتَلون ما داموا ممتنعين، ولا تُسبى ذراريهم، ولا تُغنم أموالهم التي لم يستعينوا بها على القتال، وأمّا ما استعانوا به على قتال المسلمين مِن خيلٍ وسلاحٍ وغير ذلك، ففي أخذه نزاعٌ بين العلماء، وقد رُوي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه نهب عسكرُه ما في عسكر الخوارج، فإنْ رأى وليُّ الأمر أنْ يستبيح ما في عسكرِهم مِن المال كان هذا سائغًا"مجموع الفتاوى (28/515)..
وهذا ما كان عليه المسلمون في محاربة الخوارج، فقد ذكر ابنُ كثير رحمه الله أنَّ المهلّبَ: "اشترط على أهل البصرة أن يُقوِّي جيشَه مِن بيت مالهم، وأن يكون له ما غلب عليه مِن أموال الخوارج ، فأجابوه إلى ذلك"البداية والنهاية (8/287)..
وما سبقَ من أحكام إنُما يكون فيمن قاتل المسلمين، مستبيحًا دماءهم، معتقدًا عقائد الخوارج في التكفير، أما من تابَ واعتزلَ القتال، أو أرادَ الصلح، أو كانَ معتقدًا لعقائدَ الخوارجِ دون إضرارٍ بالمسلمين، أو نشرٍ للبدعة وتحريضٍ على الأذية، فلا تشمله أحكام القتل، ومصادرة الأموال ونحوها، وإنَّما يُعامل بحسب ما وقع منه، كما هو مبسوطٌ في كتب أهل العلم.
- والخلاصةُ:
قتالُ الخوارج هو قتالٌ مشروعٌ مأمورٌ به، لاستئصالِ بدعةِ الخوارجِ وإزالتها؛ لعِظمِ انحرافِها، وشديدِ خطرِها، وليس هو من جنسِ قتال الفتنة المأمور باعتزالِه؛ لالتباس الحق فيه بالباطل، ولا قتالِ الصّائلِ لدفع عدوانه، ولا قتالُ البغاة المشروعِ لردّ الباغي إلى الحقّيرى بعض الناس -ومنهم عددٌ من طلبة العلم- الذينَ لم تتبيَّن لهم حقيقة الأحداث الجارية مع تنظيم (الدولة) اعتزالَ القتال مع تنظيم (الدولة)، ويرى أنَّ هذا القول هو من قبيل اعتزال الفتنة. وحقيقة هذا القول أنَّه مشاركةٌ في الحكم وليس اعتزالاً؛ وذلك لأنَّ القائل بذلك قد حكم على الفريقين جميعًا بالمساواة في المسؤولية عن الأحداث الجارية، وهذا حكمٌ منه وليس اعتزالاً. بينما الواجب على من التبست عليه الأمور أن يعتزل الحديثَ في هذه النازلة، ويسكت فلا يحكم فيها بشيء، ولا يجوز له أن يجعل قصور اطلاعه أو قلة علمه حجة له بالحكم في هذه المسالة، وهو يظن أنَّه قد تورَّع عن الحديث في الدماء، بينما قد يكون حديثه هذا قد تسبب في تعطيل الحكم الشرعي الواجب لمجرد أنَّه أراد التَّورع المبني على جهل بالواقع. (د. فهد العجلان)...
المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة الخامسة عشرةَ، د. عماد الدين خيتي
إضافة تعليق جديد