الاثنين 14 أكتوبر 2024 الموافق 10 ربيع ثاني 1446 هـ

علاقة الجهاد بالطبيعة البشرية وحقيقة الإسلام ودور الأمّة | سلسلة فقه الجهاد - تجديد واجتهاد (2)

15 شوال 1443 هـ


عدد الزيارات : 1450
د. عطية عدلان

 

في أكثر الأحيان يكون السبب في اختلال فهم الناس لخطاب الشارع الحكيم، وفي انعدام قدرتهم على تنزيل هذا الخطاب على الواقع البشريّ؛ هو الجهل بطبيعة الأمور، أو الغفلة عنها؛ لذلك لزم التعريج على هذه المسألة والمرور عليها. والأمور التي يتوجب علينا أن نعرف طبيعتها هي العناصر المكونة للصورة التي يرد الحكم عليها: البشرية، الأمَّة الإسلامية، الدين الإسلامي، فريضة الجهاد، هذه هي المفردات التي إن علمنا طبيعتها وحقيقتها؛ سهل علينا فهم الموضوع، وصارت الشبهات كسهام بغير نصال تتكسر على جدار متين مشدود الأوصال.

 

مقدّمات لها ما بعدها:

إنَّ البشرية لم تزل -منذ وطئت هذا الكوكب- تتصارع وتتقاتل، ولم يزل بنو آدم -من لدن قابيل وهابيل- إلى يومنا هذا يسفك بعضهم دماء بعض؛ لأسباب شتّى، ودوافع مختلفة، ولا يظنّ أحد ولا يستطيع أن يزعم أن لهذا المصطرع نهاية، حتى يرث الله الأرض ومَن عليها. هذه هي طبيعة الأمور التي تصدق وتترجم الطبيعة البشرية، ويصدّقها ويبرهن عليها تاريخ البشرية، ولا مفرّ من التسليم ببداهتها، وهي إحدى مقدّمات الموضوع الذي نعالجه. وليس هذا معناه أننا ندعو إلى الاستسلام لهذه الطبيعة أو الاسترسال معها؛ وإنّما هو مجرّد رصد للظاهرة الثابتة المستقرة. ومن بين جميع ألوان الصراع البشري وأشكاله: يبرز الصراع الأكبر، الصراع الأكثر ضراوة، ألا وهو الصراع بين الحقّ والباطل، وهو صراع قوي وعميق؛ لأنّ الحقّ والباطل ضدّان لا يُجمع بينهما، إلا أنّ كلًّا منهما يأبى إلّا أن ينفرد بالوجود.

وهذا الواقع لا يتعارض مع كون الإنسان مدنيٌّ بطبعه، وأنَّه مفطور على الخير لا على الشرّ، وإنّما لعوامل كثيرة صار واقع الناس على هذا النحو؛ ولعلّ هذه الآيات تؤكّد ما شهد به التاريخ ويشهد به الواقع، منها قول الله تعالى: {وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعدِهِم مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُمُ البَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنهُم مَن آمَنَ وَمِنهُم مَن كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللَّهُ مَا اقتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: 253]، وقوله عز وجل: {وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَفَسَدَتِ الأَرضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضلٍ عَلَى العَالَمِينَ}[البقرة: 251]، وقوله سبحانه: {وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا}[الحج: 40]، فاختلاف الناس إلى مؤمنين وكفّار أحد الأسباب التي جعلتهم يقتتلون، ولو شاء الله لجعلهم أمّة واحدة على الكفر أو الإيمان؛ فلا يقتتلون لهذا السبب، ولكنّ الله يفعل ما يريد لحكمة يعلمها.

ولولا أنَّ الله تعالى يدفع بغي فريق من الناس بمقاومة فريق آخر من الناس لفسدت المعايش، ولولا أنَّ الله تعالى يدفع بغي الناس الكافرين بجهاد الناس المؤمنين لهُدّمت دور العبادة كلّها على اختلاف الملل والنحل، وهذا يؤكد الطبيعة البشرية؛ لذلك أشارت سورة القتال إلى أنَّ البديل عن الحرب الشرعية هو الحرب غير الشرعية؛ فقال: {فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم}[محمد: 22]، فكأنَّ طبيعة الناس لن تتخلى عنهم، فإن تولّوا عن القتال في حرب شرعية يعلون فيها كلمة الله ويدفعون بها الفتنة عن الخلق؛ فسوف ينخرطون في حرب غير شرعية؛ ليفسدوا في الأرض ويقطّعوا الأرحام.

تلك كانت المقدّمة الأولى، وهي تتعلق بطبيعة البشر وبالدوافع البشرية.

أمّا المقدّمة الثانية، فهي متعلّقة بطبيعة هذا الدين، فهذا الدين –خاصَّة- لم ينـزل ليكون نِحلة ينتحلها فريق من الناس، فيتحنّثون بها في صوامعهم أو دور عبادتهم وحسب، وإنّما هو الدين الذي ارتضاه الله للبشرية في عهدها الأخير بالأرض، بعد أن بلغت رشدها واستوت على ساقها؛ أنـزله الله ليكون لهذه البشرية كلّها منهج حياة وطريق نجاة، وهو بهذا يرفض الانطواء، ويتأبى على الانـزواء، ولا يرضى إلا بأن يسود ويقود؛ ليظلل الأرض بشريعة الله تعالى، التي تستمدّ سيادتها من صلب الألوهية وجوهرها.

واستحقاق هذا الدين للسيادة والقيادة ليس لأسباب تتعلّق بحامليه من حميّة قوميّة، أو طائفية عرقيّة، أو عصبية لجنس أو لون أو وطن أو قوم، وإنّما لأسباب كلها تتعلّق به ذاته، بطبيعته، وبمصدره، وبالغاية منه، فطبيعة هذا الدّين أنّه المنهج السماوي الذي يمثّل ألوهية الله U على العالمين -كل العالمين- وتتمثّل فيه ألوهية الله تعالى على العباد -كلّ العباد- ومصدره رباني صرف، وغايته إخراج الناس كافَّة من العبودية للعباد إلى العبودية لرب العباد.

وليس هذا معناه أنّ الإسلام يصادر ما سبقه من أديان سماوية كاليهودية والنصرانية؛ كلا، ولا يستطيع أحد أن يدّعي هذا وهو سالم من الاتّهام بتعمّد إخفاء الحقائق، فالإسلام اعترف باليهودية والنصرانية قبل تحريفهما، واعترف بكلّ دين نـزل من عند الله، وبكلّ نبيّ ورسول بُعث من قِبَل الله، بل ودعا المسلمين إلى الإيمان الواسع الكبير الذي لا يُفرّق بين نبي ونبي، قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنـزلَ إِلَينَا وَمَا أُنـزلَ إِلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ وَيَعقُوبَ وَالأَسبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِم لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِّنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ}[البقرة: 136]، وأمثالها من الآيات كثير يضيق المقام عن إيراده.

كلّ ما في الأمر أنّ القرآن الكريم عاب عليهم أمرين:

الأول: أنّهم حرّفوا وبدّلوا في دين الله الذي استأمنهم الله عليه، وفي كتاب الله الذي استحفظهم عليه، فجعلوا لله ولدًا -تعالى الله عمّا يقولون علوًّا كبيرًا- وحرّفوا نصوص التوراة والإنجيل. والتاريخُ المنصفُ والدراساتُ المتجرّدةُ أثبتت هذا التحريف والتبديل.

والثاني: أنّهم رفضوا الدخول في هذا الدين الذي جاء مصدّقًا لما تَقدَّمه من الأديان السماوية، ومهيمنًا عليها؛ بمعنى: يصحّح ما طرأ عليها من تحريف، ويُقوّم ما عراها من اعوجاج.

وما الذي يمنعهم إذ جاءتهم زيادة من عند الله على ما معهم أن يقبلوها؟ وهل يحقّ لهم أن يمتنعوا واللهُ الذي أنـزل الدين كلَّه، وأرسل الرسل كلَّهم هو الذي يدعوهم ويأمرهم بالدخول في هذا الدين، ويبين لهم أنّ هذا لا يتنافى مع تعظيمهم لأنبيائهم واتّباعهم لآثار الرسل العظام؟!

ومع هذا لم يُكرههم الإسلام على الدخول فيه ولم يتعسّف حتى في بيان الحق لهم، بل دعاهم إلى كلمة سواء، ودعا المسلمين إلى مجادلتهم بالحسنى، قال الله تعالى: {قُل يَا أَهلَ الكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلاَّ نَعبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشرِكَ بِهِ شَيئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعضُنَا بَعضًا أَربَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوا فَقُولُوا اشهَدُوا بِأَنَّا مُسلِمُونَ} [آل عمران: 64]، ففي هذه الآية دعوة لأهل الكتاب جميعًا أن يدخلوا هم والمسلمون في أمر واحد، وأن يجتمعوا هم والمسلمون على كلمة واحدة، هذه الكلمة الواحدة المفترض أنّهم لن يختلفوا عليها، وهي ألّا يعبدوا إلا الله، وألّا يتخذ الناس بعضهم بعضًا أربابًا من دون الله، يقول الله تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهلَ الكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنهُم وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنـزلَ إِلَينَا وَأُنـزلَ إِلَيكُم وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُم وَاحِدٌ وَنَحنُ لَهُ مُسلِمُونَ}[العنكبوت: 46]، فهذه الآية تأمر المسلمين أن يجادلوا أهل الكتاب بالحسنى، وأن يُعْلِموهم بأنّ إيمان المسلمين يتّسع ليشمل ما أنـزل على أنبياء بني إسرائيل، ففيم الصدود عن الحق؟ ولم التصعيد الذي لا مبرّر له؟

ودينٌ هذه طبيعتُه من حقّه أن يسود، ومن حقّ البشرية أن تسعد به، وليس من حقّ نظامٍ في الأرض كائنًا ما كان أن يحول بين هذا الدين وبين مَن نـزل إليهم ومَن جاء لإسعادهم.

هاتان مقدّمتان ضروريتان.

أما الثالثة: فهي أنّ هذه الأمّة لها خصوصية مُعَيَّنة -لا علاقة لها بجنس ولا عرق، ولا لون ولا دم، ولا غير ذلك مما تدّعيه الأمم لنفسـها- وإنّما هي خصوصية يفرضها هذا الدين لنفسه قبل أن تكون لها، وهي أنّها لم تتلقَّ هذا الدين لتحيا به في ذات نفسها؛ تاركة وراءها مجموعًا بشريًّا ينتظر منها أداء الأمانة، وإنّما هي أمّة أخرجها الله للناس لتؤدّي أمانة هذا الدين للناس، فهي مكلّفة بإبلاغه، ومكلّفة بالجهاد لحمايته، ولتحطيم العقبات التي تحول بين الناس وبين حرّية الاعتقاد التي هي في الأساس المدخل الأوحد إليه، لأجل هذا قال الله تعالى لهم: {كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرهٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تَكرَهُوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ}[البقرة: 216]، فبيّن الله للأمّة الإسلامية في هذه الآية أنّ القتال كُتب عليهم وهم له كارهون، ولكن ما يكرهونه هو الخير والمصلحة لهم وللإنسانية، لذلك كانت هذه الأمّة حالَ إقامتِها لمنهج الله وقيامِها بوظيفتها؛ على هذا النحو الفريد من الشرف: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللَّه}[آل عمران: 110]، {وَكَذَلِكَ جَعَلنَاكُم أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيكُم شَهِيدًا}[(البقرة 143].

هذه المقدّمات الثلاثة ينتج عنها حقيقةٌ واضحةٌ وهي: أنّ الصدام بين الأمّة الإسلامية وغيرها من الأمم، وأنّ جهادَ الأمّة الإسلامية لسائر الأمم؛ وضعٌ طبيعيٌّ تفرضه طبيعة البشرية، وطبيعة هذا الدين، وطبيعة هذه الأمّة، وليس هذا مطعنًا على الإسلام ولا على المسلمين، وبهذا الذي قدّمناه يمتهد السبيل للفهم الصحيح لطبيعة الأمور، ولطبيعة المسار، ثم لطبيعة الجهاد في سبيل الله تعالى، ومن ثمَّ للصبغة العامة التي تميز هذا الدين وهذه الأمَّة؛ فلنتابع المسار، لنرقب من خلال هذه المتابعة الطبيعة والصبغة التي اصطبغ بها هذا الدين واصطبغت بها هذه الأمة.

طبيعة الدين الإسلامي وواقعيته:

إنّ أوّل آيات تنزّلت على رسول الله ﷺ في غار حراء القابع في قاع الصحراء: تفوح منها رائحة العالمية؛ حيث لم تحدّثه عن قبيلة ولا شعب ولا أمّة، وإنّما حدّثته عن الإنسان -جنس الإنسان- قال تعالى: {اقرَأ بِاسمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ` خَلَقَ الإِنسَانَ مِن عَلَقٍ ` اقرَأ وَرَبُّكَ الأَكرَمُ ` الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ ` عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَم يَعلَم﴾[العلق: 1-5]، وعالمية هذا الدين نصّت عليها آيات مكية، مثل قوله الله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرقَانَ عَلَى عَبدِهِ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ نَذِيرًا}[الفرقان: 1]، وسورة الفرقان مكّية بلا خلاف، وقوله عز وجل: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزلِقُونَكَ بِأَبصَارِهِم لَمَّا سَمِعُوا الذِّكرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجنُونٌ ` وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكرٌ لِلعَالَمِينَ}[القلم: 51-56]، وهذه الآية أيضًا مكّية بلا خلاف، وردت في سورة مكية هي سورة القلم.

ومع ذلك: سَلَكَ النبي ﷺ في دعوته طريق التدرّج الذي وضع الحقُّ تبارك وتعالى معالمَه ومراحلَه، فأنذرَ عشيرَتَه الأقربين، ثمّ أنذرَ أمّ القرى ومَن حولها، ثمّ أنذرَ العربَ جميعًا في مواسم الحج، وبعد الهجرة تأكّدت عالمية الإسلام بجملة أخرى من الآيات، وبكثير من الأحاديث؛ مثل ما رواه البخاري عن جابر بن عبد الله أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعطَهُنَّ أَحَدٌ قَبلِي، نُصِرتُ بِالرُّعبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ، وَجُعِلَتْ لِي الأَرضُ مَسجِدًا وَطَهُورًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِن أُمَّتِي أَدرَكَتهُ الصَّلَاةُ فَليُصَلِّ، وَأُحِلَّت لِي المَغَانِمُ وَلَم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبلِي، وَأُعطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)[1]، عندئذ باشر النبي ﷺ تحقيق هذه العالمية بإرسال الرسل والقرّاء إلى القبائل والشعوب، وإلى الملوك والأباطرة.

ولَمَّا كانت سنّة الله في خلقه تقضي بأنّ الحق والباطل لا يجتمعان، وبأنّ الصراع بينهما لا يسكن حتى يسكن نبض هذا الكون، ولَمَّا كان الواقع البشري يشهد بأنّ الجاهلية لا يمكن أن تقبل بالإسلام إلّا إذا ائتلف النور والظلام، ولَمَّا كانت التجربة الدعوية لأنبياء الله ورسله من لدن آدم إلى عيسى عليهم السلام؛ تُثبت وتؤكّد أنّ الحق لابدّ له من قوة تحميه وتُعليه، ولَمَّا كان الكنود والجحود الذي أحكم قبضته على سلوك الإنسانية لا يَفُلُّه إلّا ما صوَّرته آيات مكية: {والعَادِيَاتِ ضَبحًا ` فَالمُورِيَاتِ قَدحًا ` فَالمُغِيرَاتِ صُبحًا}[العاديات: 1-3]، لَمَّا كان الأمر على هذا النحو -والأمّة مدعوّة إلى إبلاغ الأمانة للعاملين- كان لا بدّ أن يكون الجهادُ ذروةَ سنام هذا الدين، ورهبانية هذه الأمّة.

مراحل تشريع الجهاد:

لقد فُرض الجهاد على الأمة الإسلامية من أول يوم، قال تعالى: {فَلَا تُطِعِ الكَافِرِينَ وَجَاهِدهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}[الفرقان: 52]، لكنّ المسلمين أُمروا بالإعراض المرحلي عن المشركين، وأُمروا بالكفّ المؤقّت عن التعرّض للجاهلية إلّا بالدعوة، ونُهوا مرحليًّا عن المواجهة المسلّحة مع الباطل؛ فكانت المرحلة المكّية هي أوّل مرحلة من مراحل تشريع الجهاد، جهاد الدعوة والبيان؛ لا السيف والسنان.

والنهيُ عن القتال في مكّة لم يكن سبُبه أنّ القتال في ذاته محرّم على هذه الأمّة، أو أنّه في ذاته ممنوع غير مشروع، أو ليس مشروعًا إلا لدفع العدوان وصدّ المعتدين، ولكن كان له أسباب، لعل منها: "أنّ الفترة المكية كانت فترة تربية وإعداد في بيئة معيّنة، لقوم معيّنين وسط ظروف معيّنة… تربية نفس الفرد العربي على الصبر على ما لا يصبر عليه عادة من الضيم يقع على شخصه أو على من يلوذون به؛ ليخلص من شخصه ويتجرّد من ذاته … وتربيته على أن يضبط أعصابه فلا يندفع لأول مؤثّر … ولا يهتاج لأوّل مهيّج … وتربيته على أن يتبع مجتمعًا منظّمًا له قيادة يرجع إليها … ولا يتصرّف إلّا وفق ما تأمره، مهما كان مخالفًا لمألوفه وعاداته … وربّما كان كذلك أيضًا لأنّ الدعوة السلمية أشدّ أثرًا وأنفذ في مثل بيئة قريش ذات العنجهية، والتي قد يدفع القتال معها في مثل هذه الفترة إلى زيادة العناد، وإلى نشأة ثارات دموية جديدة … ويتحوّل الإسلام من دعوة إلى ثارات؛ تُنسى معها فكرتُه الأساسية وهو في مبدئه، فلا تُذكر أبدًا … وربّما كان ذلك أيضًا اجتنابًا لإنشاء معركة ومقتلة في كلّ بيت … ثمّ يُقال: هذا هو الإسلام … وربّما كان ذلك أيضًا لما يعلمه الله من أنّ كثيرًا من المعاندين الذين فَتنوا أوائل المسلمين … هم بأنفسهم سيكونون من جند الإسلام المخلص … وربّما كان ذلك أيضًا لأنّ النخوة العربية في بيئة قبلية من عادتها أن تثور للمظلوم الذي يحتمل الأذى ولا يتراجع … وربّما كان ذلك أيضًا لقلّة عدد المسلمين حينذاك وانحصارهم في مكة؛ حيث لم تبلغ الدعوة إلى بقية الجزيرة … حيث كانت القبائل تقف على الحياد من معركة داخلية بين قريش وبعض أبنائها … ففي هذه الحالة قد تنتهي المعركة المحدّدة إلى قتل المجموعة المسلمة، ولم يقم في الأرض للإسلام نظام، ولا وُجد له كيان واقعي، وهو دين جاء ليكون منهج حياة"[2].

وليس من الأسباب بالقطع أن يكون الجهاد والقتال منافيًا لطبيعة الإسلام؛ لأنّ القول بهذا يفضي إلى تناقض الشريعة وهو أمحل المحال.

تلك كانت المرحلة الأولى من مراحل تشريع الجهاد، فلما هاجر النبي ﷺ أُذن له في القتال دون إيجاب في قوله الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ﴾[الحج: 39]، فكانت تلك هي المرحلة الثانية من مراحل تشريع الجهاد، أمّا المرحلة الثالثة من مراحل تشريع الجهاد فكانت بإيجاب قتال مَن قاتل دون مَن لم يقاتل؛ لا لأنّ الذي لم يبدأ بالقتال لا يستحقّ القتال وإن بقي على كفره وشركه، ولا لأنّ الجهاد لم يُفرض إلّا لردّ العدوان، ولكن لأنّ مَن قاتل كان أولى بالقتال في وقت لا تستطيع الأمّة فيه أن تُقاتل الجميع.

وبعد فتح مكّة، وبنزول سورة براءة تقرّرت المرحلة الرابعة والأخيرة من مراحل تشريع الجهاد؛ وهي التي أوجب الله تعالى فيها على الأمّة الإسلامية قتالَ الناس كافّة حتى يسلموا أو يذعنوا لدولة الإسلام بدفعهم الجزية عن يد وهم صاغرون، لتندفع فتنة الشرك والكفر عن الأرض كلّها، إمّا بزوالهما أو بزوال سلطانهما وهيمنتهما، وليكون الدين كلّه لله، إمّا بدخول الناس فيه أو بدخولهم في الإذعان لشريعته؛ فنزل قول الله تعالى:{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشهُرُ الحُرُمُ فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُمُوهُم وَخُذُوهُم وَاحصُرُوهُم وَاقعُدُوا لَهُم كُلَّ مَرصَدٍ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[التوبة: 5]، وقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ}[التوبة: 29]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِنَ الكُفَّارِ وَليَجِدُوا فِيكُم غِلظَةً}[التوبة: 123]، وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا المُشرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُم كَافَّةً}[التوبة: 36].

واستقرّ تشريع الجهاد على ما جاء في تلك المرحلة الأخيرة من وجوب قتال الناس كافّة حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله، وذلك عند امتلاكها القدرة على ذلك، وهذه المراحل ذكرها العلماء في مذاهب الفقه المختلفة[3]؛ منهم على سبيل المثال: الإمام السرخسي، حيث يقول في المبسوط: "وقد كان رسول الله ﷺ مأمورًا في الابتداء بالصفح والإعراض عن المشركين، قال الله تعالى: {فَاصفَحِ الصَّفحَ الجَمِيلَ}[الحجر: 85]، وقال تعالى: {وَأَعرِض عَنِ المُشرِكِينَ}[الحجر: 94]، ثم أُمر بالدعاء إلى الدين بالوعظ والمجادلة بالأحسن، فقال تعالى: {ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ}، ثم أُمر بالقتال إذا كانت البداية منهم، فقال تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا}[الحج: 39]، أي: أُذن لهم في الدفع، وقال تعالى: {فَإِن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم}[البقرة: 191]، وقال تعالى: {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجنَح لَهَا}[الأنفال: 61]، ثم أُمر بالبداية بالقتال؛ فقال تعالى: {وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ}[البقرة: 193]، وقال تعالى: {فَاقتُلُوا المُشرِكِينَ حَيثُ وَجَدتُمُوهُم} [التوبة: 5]، وقال رسول الله ﷺ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله)"[4].

 فاستقر الأمر على فرضية الجهاد مع المشركين، وهو فرض قائم إلى قيام الساعة، قال النبي ﷺ: (الجهاد ماض منذ بعثني الله تعالى إلى أن يقاتل آخر عصابة من أمتي الدجال)[5].

هذه هي طبيعة الأمور وطبيعة المسار؛ فطبيعة الجهاد إذن: تأتي ملبّية لهذه الطبيعة ومستجيبة معها، وهذا من التكامل والتناغم والواقعية في الشريعة الإسلامية، فما هي طبيعة الجهاد الإسلامي، أهوَ قتالٌ كقتال الناس بعضهم بعضًا أم إنَّه شيء آخر؟

طبيعة الجهاد وسماته:

ليس بين الجهاد الإسلامي وبين غيره من الحروب التي طحنت البشرية ولم تزل تطحنها وجهٌ للمقارنة، لا في المنطلقات ولا في الأساليب ولا في الغايات ولا في النتائج، فالأمّة الإسلامية لم تعرف قطّ -في تاريخ جهادها الطويل- تلك المنطلقات التي أخرجت جيوش الإبادة من القارّة الأوروبية والقارة الأمريكية، ولم تعرف تلك العصبيات التي مزّقت كيان الإنسانية كالعصبية النازية، والعصبية الفاشية، والعصبية الشيوعية الحمراء، والعصبية للدم الأنجلوسكسوني أو الجرماني، كلّا؛ لم تعرف أمّة الإسلام قطّ شيئًا من ذلك؛ لأنّ القرآن ربّاها -من أوّل يوم- على أنّ البشر سواسية لا يتفاضلون إلّا بالإيمان والعمل الصالح، ولأنّ القرآن غَرَسَ فيها الرحمة، وجعلها المنطلق الأول للتحرّك بهذا الدين دعوة وبلاغًا ثم مواجهة وجهادًا؛ قال تعالى: {وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلاَّ رَحمَةً لِّلعَالَمِينَ}[الأنبياء: 107].

أمّا الغاية من الجهاد الإسلاميّ: فهي أشرف الغايات، إنّها ليست إلا إماطة الفتنة عن وجه الأرض كلّها؛ لتدين البشرية لله وحده بلا شريك، هذه الغاية هي التي صرّح الله عز وجل بها في قوله تعالى في سورة الأنفال: {وَقَاتِلُوَهُم حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}[الأنفال: 39]، هذه هي الغاية من فريضة الجهاد، ليست غاية استعمارية، وليست دعمًا لنظام على حساب نظام، وليست للقتل ذاته، ولا للغَلَب والكبرياء، ولا لحميّةٍ جاهليةٍ.

أمّا من ناحية الأسلوب: فلقد شهد التاريخ أنّ جهاد الأمّة الإسلامية كان هو الوحيد الذي تمتّع بالطهارة والشرف، وقد تجلَّى هذا في صور كثيرة، منها: أنّ المسلمين ما كانوا يقاتلون قومًا حتى يُعلنوهم بالدعوة إلى الإسلام ويخيّروهم صراحة وبلا أدنى مخادعة بين ثلاث: إمّا أن يدخلوا في الإسلام فيذهب المسلمون عنهم، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وإمّا أن يدخلوا في الطاعة لدولة الإسلام وحكم الإسلام، وعندئذ يذهب المسلمون عنهم على أن يؤدّوا الجزية، وإمّا أن تكون الحرب حتى يحكم الله بين الفريقين، وهذه السنّة ظاهرة في التاريخ الإسلامي كلّه، والأدلّة على ثبوتها كثيرة من السنّة القولية والعملية ومن عمل الصحابة ومن بعدهم.

ومن هذه الصور المشرقة: أنّ المسلمين إن كان بينهم وبين أمّة من الأمم عهد وميثاق، وآنس المسلمون من معاهِديهم خيانة فلا يحل لهم أن يبادئوهم بنكث العهد، بل عليهم أن يُعْلِمُوهم بانقضاء العهد الذي كان بينهم؛ حتى يكون الفريقان مستويان في العلم بانتهاء العهد، وهذا السلوك تلقّاه المسلمون أمرًا مباشرًا من القرآن، قال الله تعالى: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَومٍ خِيَانَةً فَانبِذ إِلَيهِم عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ}[الأنفال: 58]، وقد نهى الله المسلمين أن يتّخذوا أيمانهم دَخَلًا بينهم؛ لئلا يكونوا قدوة للناس في نقض العهود، قال تعالى: {وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيمَانَكُم دَخَلًا بَينَكُم فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّم عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُم عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النحل: 94].

ومن هذه الصور المشرقة: أنّ الرسول ﷺ كان يأمر المسلمين مع كل غزوة ومع كل بَعْث بأن يلتزموا بالحرب النظيفة، فعَن بُرَيدَةَ رضي الله عنه، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ أَو سَرِيَّةٍ أَوصَاهُ في خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ وَمَن مَعَهُ مِنَ المُسلِمِينَ خَيرًا، ثُمَّ قَالَ: اغزُوا بِاسمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاللَّهِ اغزُوا، وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغدِرُوا وَلَا تَمثُلُوا وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا…)، وكان يقول لهم: (إِنَّ اللَّهَ عز وجل لَم يُحِلَّ لَكُم أَن تَدخُلُوا بُيُوتَ أَهلِ الكِتَابِ إِلاَّ بِإِذنٍ وَلاَ ضَربَ نِسَائِهِم وَلاَ أَكلَ ثِمَارِهِم…)[6].

وكان أبو بكر رضي الله عنه يقول لجيوشه مثل هذا الكلام ويحذّرهم من قتل الرهبان أهل الصوامع: "… وَإِنَّكُم سَتَجِدُونَ أَقوَامًا قَد حَبَسُوا أَنفُسَهُم في هَذِهِ الصَّوَامِعِ فَاترُكُوهُم وَمَا حَبَسُوا لَهُ أَنفُسَهَم"[7]، ولقد التزم المسلمون بهذه التعاليم، ولقد حمل التاريخ لنا وللناس إلى يوم الدين حكايات عن عظمة المعاملة الإسلامية في الحروب، إلى حدّ أنّ المسلمين كانوا يتركون لأسرى بدر الركائب ويمشون هم سيرًا على الأقدام، ويعطونهم الخبز بينما يكتفون هم بشيء من التمر، ولقد شهد بهذا كثير من مؤرّخي وعلماء الغرب المعتدلين.

هذه الطبيعة الظاهرة للعناصر الأربعة المكونة للصورة العامة: طبيعة البشرية، وطبيعة الأمة الإسلامية، وطبيعة الدين الإسلامي، وطبيعة الجهاد في سبيل الله؛ هذه الطبيعة تقودنا إلى ملاحظة ظاهرة قرآنية غاية في الظهور، وهي أنَّ الجهاد يظهر في القرآن على أنَّه طبيعة هذه الأمَّة وسنّتها وطريقها وصبغتها المميزة لها؛ لذلك تعجب عندما تجد أنَّ القرآن الكريم فصّل فيه ما لم يفصله في شأن الصلاة والزكاة والصيام والحج التي هي أركان الإسلام ومبانيه.

لأجل ذلك كانت طبيعة النبيّ ﷺ طبيعة جهادية، فهذه طائفة من الأحاديث التي تكشف عن هذه الطبيعة؛ منها قوله ﷺ: (بُعِثتُ بَينَ يَدَي السَّاعَةِ بِالسَّيفِ حَتَّى يُعبَدَ اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَجُعِلَ رِزقِي تَحتَ ظِلِّ رُمحِي، وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَن خَالَفَ أَمرِي)[8]، وعن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ذَاتَ يَومٍ فِي خُطبَتِهِ: (وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَن أُحَرِّقَ قُرَيشًا، فَقُلتُ: رَبِّ إِذًا يَثلَغُوا رَأسِي فَيَدَعُوهُ خُبزَةً، قَالَ: استَخرِجهُم كَمَا استَخرَجُوكَ، وَاغزُهُم نُغزِكَ، وَأَنفِق فَسَنُنفِقَ عَلَيكَ، وَابعَث جَيشًا نَبعَث خَمسَةً مِثلَهُ، وَقَاتِل بِمَن أَطَاعَكَ مَن عَصَاكَ…)[9]، وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُسَمِّي لَنَا نَفسَهُ أَسمَاءً، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحمَدُ، وَالمُقَفِّي، وَالحَاشِرُ، وَنَبِيُّ الرَّحمَةِ، وَنَبِيُّ المَلحَمَةِ)[10].

ومن الخمس التي اختَصَّ الله بها نبينا ﷺ خصلتان متعلقتان بالجهاد: (أُعطِيتُ خَمسًا لَم يُعطَهُنَّ أَحَدٌ قَبلِي: نُصِرتُ بِالرُّعبِ مَسِيرَةَ شَهرٍ، وَجُعِلَت لِي الأَرضُ مَسجِدًا وَطَهُورًا؛ فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِن أُمَّتِي أَدرَكَتهُ الصَّلاَةُ فَليُصَلِّ، وَأُحِلَّت لِي المَغَانِمُ وَلَم تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبلِي، وَأُعطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ يُبعَثُ إِلَى قَومِهِ خَاصَّةً وَبُعِثتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً)[11].

 

المصدر: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية


الهوامش:

[1] متفق عليه: رواه البخاري (326)، ومسلم (815)، واللفظ للبخاري.

[2] في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، ط: 31، (2/714-715).

[3] راجع: درر الحكام شرح غرر الأحكام للملا خسرو (1/282)، دار إحياء الكتب العربية، والأمّ للشافعيّ، وأحكام القرآن للشافعي (2/9-19)، ومقدّمات ابن رشد (1/371-372)، والجواب الصحيح لمن بدّل دين السميح لابن تيمية (1/74)، وزاد المعاد لابن القيم (3/69-71).

[4] المبسوط (10/2).

[5] رواه أبو داود في السنن (2174)، وسعيد بن منصور في سننه (2207).

[6] رواه أبوداود في السنن (2656)، والطبراني في الأوسط (7419)، والبيهقي في الكبرى (17232).

[7] رواه البيهقي في السنن الكبرى (17904)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7617)، وابن جرير في تاريخه (963) (4/1864).

[8] صحيح: رواه الإمام أحمد في المسند (5515)، وابن أبى شيبة في المصنف (18826)، والطبراني في مسند الشاميين (212)،

[9] رواه مسلم (5114).

[10] إسناده صحيح: رواه البخاري في التاريخ الأوسط (21)، وأبو يعلى الموصلي في مسنده (7194)، وابن حبان في صحيحه (6449).

[11] متفق عليه: صحيح البخاري (335)، وصحيح مسلم (521) واللفظ للبخاري.

إضافة تعليق جديد