الأحد 10 نوفمبر 2024 الموافق 08 جمادي اول 1446 هـ

وقفات مع الكلمة الصوتية للمتحدث الرسمي لتنظيم الدولة

16 شوال 1441 هـ


عدد الزيارات : 3471
موقع على بصيرة

بثّت المواقع والحسابات الإلكترونية الموالية لتنظيم الدولة (داعش) تسجيلًا صوتيًّا للمتحدث الرسمي باسم التنظيم الملقب بـ "أبي حمزة القرشي"، مدّته (37) دقيقة، بعنوان: "دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها"، والذي مشى فيه على منهج التنظيم المعروف في التكفير والتخوين، وحَصْر الحقّ فيه وفي أتباعه، مع دعوة المسلمين للالتحاق بالتنظيم وإلا فإنّهم سيكونون في خندق النفاق الذي لا إيمان فيه.

وهذه وقفات سريعة مع أبرز ما جاء في هذا التسجيل:

1. قال المتحدّث: إنّ الله أصاب الصليبيين بهذا الوباء (فيروس كورونا) انتقامًا منهم لمحاربهم للتنظيم، وثأرًا لقتلاهم في الموصل وسرت والباغوز وغيرها!! فكما أنّ الله عذّب فرعون وملأه وأتباعه وأشياعه وجنده فأرسل عليهم الطّوفان والجراد والقُمّل والضفادع والدّم؛ فكذلك أرسل سبحانه على أتباع فرعونَ طواغيتِ هذا الزمان وأشياعِهم وأتباعِهم ومنتخبيهم وعبيدهم وجنودهم ومطاياهم عذابًا من عنده، هو أضعف مخلوقاته سبحانه، لا تراه الأعين، وقد حيَّر العالم بأسره وعلى رأسه الطواغيت الجبابرة، الذين طغوا وساموا الموحّدين سوء العذاب، وكانوا سببًا في دمار ديار المسلمين، وتقتيل الصّبيان والنسّاء والمسنيّن.

وقد نسي هذا المتحدّث أنّ ما أصاب نساءَهم وأطفالهم من تقتيل وتشريد كانوا هم السبب فيه ببغيهم وظلمهم؛ فقد كان قادة التنظيم وجنوده أداةً في يد القوى الإقليمية والدولية يحرّكونها كيف يشاؤون، ويوجهونها إلى المكان الذي يريدون احتلاله أو قصفه وتدميره، وهي لعبة مكشوفة يدركها العامّة قبل الخاصّة.

كما أنّه تناسى آلام المسلمين الموحّدين وجراحهم ومصائبهم في طول العالم وعرضه؛ فجعل الآلام آلام التنظيم فقط، والجراح جراحه، والمصاب مصابه، في أنانية مفرطة وتجاهل تام؛ ولعلّ ذلك راجع إلى عقيدة التنظيم فيمن لا يناصره أو يهاجر إليه، فضلًا عمّن يخالفه.

2. دعا المتحدّثُ اللهَ عزّ وجلّ أن ينتقم من سحرة العصر علماء الطّواغيت المجادلين عنهم، المبررين لكلّ باطل يصدر منهم، ومن أعظم هذا الباطل حسب قوله: "الدّعوة لإغلاق المساجد ومنع الجمع والجماعات، والحجّ والعمرة، وغيرها من شعائر الإسلام، بحجّة الخشية من العدوى، في الوقت الذي يسكتون فيه عن تجمّعات الفسق والمجون، ومَن في النوادي والصّالات يرقصون، وتجمّعات الشّرك والكفر في كنائس النصّارى ومعابد الأصنام التي إليها يسابقون، وكأنّ العدوى لا تنتقل إلا في مساجد المسلمين! وكلّ ذلك طاعةً لأوليائهم الطّواغيت الذين يزعمون من خلال ادّعاءاتهم الكاذبة، المحافظة على صحّة الناّس وسلامتهم، في الوقت الذي يحبسون فيه مئات الألوف من المسلمين في سجونهم يسومونهم فيها العذاب، وتنتشر فيها مختلف الأوبئة والأمراض".

ولا يخفى ما في هذا الكلام من الخلط الواضح، والتدليس البيّن؛ فإنّ الإغلاق والحظر قد طال المرافق كلها في بداية ظهور الوباء، وشمل كلّ مناطق تجمّع الناس كالمدارس والأسواق والمواصلات وغيرها.

ثم إنّ الذين أفتوا بجواز إغلاق المساجد هم علماءُ أجلّاء ومجامع علمية من طول العالم الإسلامي وعرضه، مشهود لهم بالعلم والورع في دين الله، ولم يفتوا بذلك عن جهل أو هوى أو طاعة للطواغيت كما زعم، بل عن علم وأدلّة صحيحة واضحة. وما إن بدأ الوباء بالانحسار حتى سارعوا إلى إعادة فتح المساجد للصلاة، هذا فضلًا عن أنّ بعض المناطق التي لم يصبها الوباء بقوّة بقيت فيها المساجد مفتوحة مع الاحترازات الصحية المطلوبة رغم أنّها محكومة بمن يصفهم التنظيم بالطواغيت أتباع فرعون!

3. كرّر المتحدّث دعوة المسلمين في كل مكان للقيام بواجبهم تجاه التنظيم بنصرته بالنّفس والمال، والسعي للّحاق به ومشاركته الجهاد، فهم أصحاب الحق، وهم الماضون على نهج النبي -عليه الصّلاة والسلام- الذي ما جاء أحدٌ بمثل ما جاء به إلا عُودي! وهم وحدهم الذين أقاموا الدّين، وحكموا الأرض بشرع رب العالمين، ونصّبوا الإمام لتوحيد جماعة المسلمين!!

واستنكر على مَن يصف التنظيم بالتشدّد والغلوّ فقال: "فتارةً نحن بزعمهم خوارج مارقون، وتارةً بزعمهم في الأرض مفسدون، وتارةً بأنّنا غلاةٌ متعصّبون متشدّدون، فلا والله ما صدقوا بهذه ولا بتلك، فعسى أن يتشاوروا فيما بينهم ويخرجوا علينا برأي واحد، ويصرّحوا معلنين بأنّها حربٌ على المسلمين، ولتبديل شرع رب العالمين"!

وهذا الذي استنكره من الوصف بالغلوّ والتشدّد واتّباع نهج الخوارج -فضلًا عن كونه محلّ إجماع كلّ مَن عَداهم من علماء الأمّة المعاصرين- إلّا أنّه من أقوى الأدلّة التي تثبت ما نفاه عن نفسه وعن تنظيمه؛ فالخوارج يرون أنّ الحقّ محصور فيهم وحدهم فقط، وعلى غيرهم أن يعترف بخطئه ويعود إلى الصواب الذي يرونه، فرأسهم قد اتّهم النبي صلى الله عليه وسلّم بالجَور في قسمة الغنائم، وأتباعه حاربوا عليًّا رضي الله عنه واشترطوا للصلح معه أن يُقرّ على نفسه بالكفر لما ارتكبه من أخطاء في نظرهم ثم يتوب منها.

4. وصف المتحدّث اتفاق "طالبان" مع الحكومة الأمريكية والنظام الحاكم في أفغانستان؛ الذي ستخرج بموجبه أمريكا من أفغانستان، وتطلق أسرى المسلمين لديها؛ وصفه بأنّه خيانة، وأنّه في حقيقته تحالفٌ مع الصّليبيين لقتال الموحّدين، ومنعِ تحكيم شرع رب العالمين، كما وصف "طالبان" بأنّها ميليشيا مرتدّة،  وأطلق حكم الكفر والردّة على الجيشين الباكستاني والأفغاني.

كما وجّه رسائل إلى "الطواغيت الحاكمين لبلدان المسلمين، الذّين ما تركوا بابًا من أبواب الكفر والخيانة إلا ودخلوه، ولا طريقةً لإعانة الصّليبيين في حربهم على المسلمين إلّا وظاهروهم بها"، وشمل هذا التكفير والتخوين حكّام قطر وتركيا، ومَن وصفهم بـ"الصّحوات في الشّام"، و"الإخوان المفسدين المرتدّين"، و"علماء السوء المؤتمرين بأمرهم".

ولا شيء جديد في هذا الكلام، فالكتفير والتخوين هو هو، وهو ديدن الخوارج منذ قديم الزمان.

ثم إنّهم في القضايا السياسية والعسكرية لا ينظرون إلى أبعد من أنوفهم. فضلًا عن اختلاف حكمهم على القضية ذاتها إذا كانوا هم طرفًا فيها؛ فقد رأى العالم كلّه كيف اتّفق التنظيم مع التحالف الصليبي عدّة مرات ليخرج بقواته من بعض المدن التي كان محاصرًا فيها ويعبر الصحاري آمنًا حتى يصل إلى غايته. فهذا الاتفاق وفق أحكامهم على الآخرين: خيانة وردّة، لكّنه ولتعلّقه بهم يصبح عين المصلحة والحكمة، بل ونوعًا من أنواع الجهاد!

5. وجّه المتحدّث نداءه إلى "أجناد الخلافة" يبارك لهم "فتوحات التنظيم في مالي والنيجر وبوركينافاسو والجزائر"، وعن صموده في وجه جميع طوائف الكفر والردّة في تلك البلدان مع أحلافهم من الصّليبيين، ويوصيهم بالشّدّة على أعداء الله الكفرة، كما يوصيهم بتقوى الله في السرّ والعلن، ورعاية دماء وأموال وأعراض المسلمين "إلا بحقّ الإسلام"!

وأبلغهم سلام أمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي إبراهيم الهاشمي القرشي! ووصيته برسم الخطط ومضاعفة العمليات، والسعي لاستنقاذ الأسرى والأسيرات في كلّ مكان.

إنّها الدورة ذاتها تتكرّر، فتوحاتٌ مزعومة هنا وهناك، خليفةٌ مجهول، ثم الانتقال إلى مرحلة أخرى يتحقّق فيها الظهور، يتبعه الاستئصال.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم عندما قال في صفتهم وكرّرها أكثر من عشرين مرّة: (كُلَّمَا خَرَجَ قَرْنٌ قُطِعَ .. حَتَّى يَخْرُجَ فِي عِرَاضِهِمُ الدَّجَّالُ).

إضافة تعليق جديد