الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445 هـ

إضاءات فكرية

دور الشباب والمرأة في مكافحة التطرف العنيف

14 شوال 1440 هـ


عدد الزيارات : 4389
الفاتح عبد الرحمن محمد

 

توطئة:

يُعد (التطرُّف) من المفاهيم التي أُخرجت عن مضامينها، واسْتُعملت في غير مواضعها، فغيّر مجرياتها الدلاليّة إلى سياقات غير مألوفة في الاشتقاق اللُّغويّ والوضع الاصطلاحيّ، فولّد ذلك صعوبةً في تحديد المصطلح أو إطلاق تعميمات بشأنه، نظرًا إلى ما يشير إليه المعنى اللُّغويّ للمصطلح من تجاوزٍ لحدِّ الاعتدال. وحدُّ الاعتدال نسبيّ، يختلف من مجتمع لآخر وفقًا لنسق القِيَم السّائدة في كلّ مجتمع، فما يراه مجتمع من المجتمعات سلوكًا متطرّفًا، من الممكن أنْ يكون مألوفًا في مجتمعٍ آخر، فالاعتدال والتطرُّف مرهونان بالمتغيِّرات البيئيّة والحضاريّة والثقافيّة والدينيّة والسياسيّة التي يمرّ بها المجتمع.

وبما أنَّ التطرُّف يعني الخروج عن القِيَم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبنّي قِيَم ومعايير مخالفة لها، كما يعني أيضًا اتخاذ الفرد (أو الجماعة)، موقفًا متشددًا إزاء فكرة أو أيديولوجيا أو قضية قائمة، ومحاولة إيجاد مكان لها في بيئة هذا الفرد أو الجماعة، ففي هذه الحالة قد يكون ردّ الفعل تجاه التطرُّف إيجابيًا متمثِّلًا في القبول التامّ لهذه الفكرة أو الأيدولوجية أو القضيّة، أو سلبيًا متمثِّلًا في الرفض التامّ لها، وعندها يقع حدّ الاعتدال في منتصف المسافة بين هذا القبول وذاك الرفض.

تناقش هذه الورقة -بمشيئة الله تعالى- موضوع التطرُّف العنيف ودور الشباب والمرأة في مكافحته والحدّ منه أو التقليل من آثاره، في مقدمة أبيِّن فيها أهميّة تناول الموضوع وسبب اختياره والهدف من دِراسته وتحليله، وتتضمن خمسة محاور على النحو الآتي:

  • المحور الأول: مفهوم التطرُّف لغةً واصطلاحًا وما يرادفه من مصطلحات.
  • المحور الثاني: أنواع التطرُّف وصوره في الواقع الاجتماعيّ.
  • المحور الثالث: آثار التطرُّف على الفرد والمجتمع والأمّة.
  • المحور الرابع: دور الشباب في مكافحة التطرُّف العنيف والتصدّي له ومنعه.
  • المحور الخامس: دور المرأة في مكافحة التطرُّف العنيف ومنعه.

وتختتم الورقة الموضوع بإيراد أهمّ النتائج التي توصّل إليها الباحث، يعقب ذلك جُملة من التّوصيات، ثم إيراد ثبت بأهم المصادر والمراجع التي اعتمدها لإعداد الورقة.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

 

مقدِّمة:

أضحى التطرُّف من الظواهر التي بدأت في الانتشار في المجتمعات على اختلاف أنواعها وأنماطها ومعتقداتها، وهو لا يرتبط ببيئةٍ معيّنةٍ أو مجتمعٍ معيّنٍ أو دينٍ معيّنٍ، وإنْ كَان الغرب يتّجه لربطه بالإسلام، وتقديمه للعالم بحسبان أنّه الوجه الآخر للإرهاب الذي نجح الغرب إلى حدٍّ ما في لَصقه وجعله سِمة من سِمات الإسلام المتطرّف أو الإسلام السياسيّ كَما يدّعون، خاصّةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أيلول 2001م، ولكنْ بالرجوع إلى القرآن نجدُ نداء المولى عزّ وجلّ لأهلِ الكتاب بالنأي عن الغلوّ والتطرّف، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[النساء:171]، قال أبو جعفر: "يعني جلّ ثناؤه بقوله "يا أهل الكتاب"، أي: يا أهل الإنجيل من النصارى. "لا تغلوا في دينكم"، أي: لا تجاوزوا الحقّ في دينكم فتفرّطوا فيه، ولا تقولوا في عيسى غير الحقّ".

كذلك نجد كثيرًا مِنْ تطرُّف من ينتمون لبعض الديانات في عصرنا الحاضر، وغلوّهم الشديد في التعامل مع المسلمين المستضعفين في شتّى بِقاع العالم، فما يفعله اليهود بالمسلمين في فلسطين، وما يفعله البوذيون بمسلمي ميانمار في (بورما)، وما يفعله النّصارى (مدعومين من الكنيسة) بالمسلمين في أفريقيا الوسطى ورواندا وغيرها من الدّول الإفريقيّة، وما يفعله السيخ والهندوس بمسلمي الهند، كلّ ذلك يفوق حدّ التطرُّف أضعافًا مضاعفة.

لذلك كان لزامًا علينا، نحن المسلمين، أنْ نزيل هذا الغَبش، ونجلِّي الحقائق واضحةً حول هذا المفهوم، وهو ما حدا بالباحث لاختياره الحديث حَوله، إضافةً إلى هدفٍ آخر رمى إليه الباحث، وهو تبيين وتوضيح ما يقع على الشباب والمرأة من دَورٍ فَاعلٍ في مُكافحة ومُدافعة نوعٍ من أنواع التطرُّف بدأ في التنامي، وأخذ في التصاعد في المجتمعات الإسلاميّة، بَلْ وتعدّى ذلك إلى أنْ أصبحَ فِكرةً يتبنّاها ويُشهرها صاحبها في وجه كلّ من خالفه الرأي، وهو: (التطرُّف الفِكريّ)، الذي أصبح اليوم أيديولوجيا تنتهجها بعض التجمُّعات والتكتُّلات، بلْ وتقاتل من أجلها كلّ من ناهضها أو وقف في طريقها. فقطاعيّ الشباب والمرأة يقع عليهما العبء الأكبر في مدافعة هذه الظاهرة، بحسبان أنّهما الأكبر حجمًا والأكثر تأثُّرًا واندفاعًا وترجمةً عمليّةً لما يعتقدون أنّه الحقّ الصائب، وما سواه باطلٌ لا شكَّ فيه، كَما أنّ هذين القطاعين (الشباب والمرأة) يَسهُل احتواؤهما بواسطة أصحاب الأفكار المتطرّفة، وتوجيههما حسبما يريدون لتنفيذ مخططات أو تنـزيل أفكار على أرض الواقع.

 

المحور الأول: مفهوم التطرُّف لغةً واصطلاحًا وما يرادفه من مصطلحات:

أولًا: مفهوم التطرُّف لغةً:

"تطرَّفَ، يَتطرّفُ، تطرُّفًا، فهو مُتطرِّف، والمفعول مُتطرَّف، أي: رَأَى خِصَامًا فِي الشَّارِعِ فَتَطَرَّفَ جَانِبًا أو اِبْتَعَدَ إِلَى الطَّرَفِ أو الجَانِبِ الآخَرِ.

ويُقال: تَطَرَّفَتِ الْمَاشِيَةُ جَوَانِبَ الْمَرْعَى أي صَارَتْ بِأَطْرَافِهِ.

ويُقال أيضًا: تَطَرَّفَتِ الشَّمْسُ أي: دَنَتْ إِلَى الغُرُوبِ.

وتَطَرَّفَ الحَدِيثَ أي: عَدَّهُ طَرِيفًا.

ويَتَطَرَّفُ فِي أَفْكَارِهِ أي: يَتَجَاوَزُ حَدَّ الاعْتِدَالِ وَالحُدُودِ الْمَعْقُولَةِ، ويُبَالِغُ فِيهَا.

وتَطَرَّفَ منه أي: تنحَّى.

وتَطَرَّفَ الشيء أي: أَخَذَ من أَطرافِهِ".

كذلك قيل هو: حَدِّ الشَّيْءِ وَحَرْفِهِ، وعدم الثّبات في الأمر، والابتعاد عن الوسطيّة، والخروج عن المألوف ومجاوزة الحَدِّ، والبُعد عمّا عليه الجماعة.

 

ثانيًا: مفهوم التطرُّف اصطلاحًا:

يبدو أنَّ المتقدِّمين لم يستعملوا في كُتبهم لفظة (تَطرُّف) المستخدمة اليوم، بَيد أنّ هناك لفظةً أخرى كَثُرَ استخدامها في كُتبهم للدّلالة على هذا المعنى، وهي كلمة (الغلوّ)، التي وردتْ في القرآن الكريم، ووردت على لسان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-. لكنْ من خلال المفهوم السائد اليوم، يمكننا القول أنّ التطرُّف يعني: تجاوز حدّ الاعتدال، سواء كان في العقيدة، أو في الفِكر، أو في السلوك.

وجاء في مجلة البحوث الإسلاميّة: الغلوّ في الحقيقة أعلى مراتب الإفراط في الجُملة، فالغلوّ في الكَفن هو المغالاة في ثمنه والإفراط فيه.

والغلوّ أخصّ من التطرُّف، إذْ إنّ التطرُّف هو مجاوزة الحد، والبُعد عن التوسط والاعتدال إفراطًا أو تفريطًا، أو بعبارة أخرى: سلبًا أو إيجابًا، زيادةً أو نقصًا، سواء كان غُلوًّا أم لا، إذْ العبرة ببلوغ طرفي الأمر، وسبق الغلوّ في قول القائل:

لا تَغْلُ في شيءٍ مِنَ الأمرِ واقْتَصِدْ *** كِلا طرفيِّ قَصْدِ الأمورِ ذميمُ

فالغُلُوّ أخصُّ من التطرُّف بحسبان أنّه مجاوزة الحدّ الطبيعيّ في الزيادة والنقص. ففي حال النقص يسمى: غُلوًّا إذا بالغ في النّقص، فيقال: غلا في النقص، وكذلك في الزيادة إذا بالغ فيها كقول النّصارى في المسيح ابن مريم أنّه الله وابن الله والروح القدس، تعالى الله عمّا يقولون علوًا كبيرًا.

والتطرُّف اصطلاحًا أيضًا يعني: الانحياز إلى طَرفي الأمر، فيشمل الغُلوّ، ولكنّ الغلوّ أخصّ منه في الزيادة والمجاوزة، ليس فقط بمجرد البُعد عن الوسط إلى الأطراف، أو بمعنى آخر: كلّ غُلوّ فهو تَطرُّف، وليس كلّ تطرُّفٍ غُلوّ. فالذي يتطرّف في حُكمه في الدماء، ربّما يحكم بكفر بعض النّاس من أهل القِبلة، فإذا غالى في تطرُّفه، فربّما يستبيح قتله، ويرى في هذا أجرًا من الله تعالى، وهذا لا شكّ أنّه أشدّ وأخطر، لأنه يقتل باسم الدين.

 

ثالثًا: مرادفات مفهوم التطرُّف:

هناك بعض الكلمات التي يستعملها كثيرٌ من الناس، وهي تحمل في طَيَّاتها معنى التطرُّف، وإنْ كانت تختلف معها من حيث اللفظ، إلّا أنّ معناها يكاد يكون واحدًا في أذهانهم، ومن هذه الكلمات:

  1. الغلوّ:

نلاحظ أنّه في الأعمّ الأغلب أنّ كلمة (الغلوّ) تكون مصاحبةً غالبًا لكلمة (التطرُّف)، فهما متلازمتان، حتى كأنهما مترادفتان، معناهما واحد، فالذي ينظر في المعاجم لا يكاد يدرك أنّ هناك فرقًا كبيرًا بين معنى الكلمتين.

قال أبو بكر بن دُرَيْد: الغلوّ: الارتفاع في الشيء، ومجاوزة الحدّ فيه، ومنه قوله عزّ وجلّ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ}[النساء:171]، أي لا تجاوزوا المقدار.

وقال ابن الأثير: "إيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ". أي: التشدُّد فيه، ومجاوزة الحد، كحديثه الآخر: "إنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ".

وقيل: معناه البحث عن بواطن الأشياء، والكشف عن عِللها وغوامض متعبّداتها، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (وحامِل القُرآنِ غَيْر الغَالِي فِيهِ، وَلا الْجافي عَنْهُ). إنّما قال ذلك لأنّ من أخلاقه وآدابه التي أمر بها: القصد في الأمور، وخير الأمور أوسطها، وكِلا طرفي قَصْدِ الأمور ذميم، ومنه حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا تُغَالُوا صُدُقَ النِّساء". وفي رِوَايَةٍ: "لا تُغْلُوا فِي صَدُقات النِّساءِ"، أي لا تبالغوا في كثرة الصُداق.

يتّضح مما سبق صحة ما قررناه، وهو أنّ هاتين اللفظتين (التطرُّف والغلوّ) متقاربتان في المعنى، بدرجة تكاد تصل إلى حدّ التَّرَادُف.

 

  1. الإرهاب:

شَاعت كلمة (الإرهاب) في العديد من الأوساط والمحافل الدوليّة، دون تحديدٍ لمعناها بشكلٍ واضحٍ، مما يجعل من الصعوبة التفرُقة بين الدفاع الشرعيّ عن النفس، ودفع المعتدي بالإرهاب.

تعريف الإرهاب لغةً:

يدور معنى كلمة (الإرهاب) في المعاجم حول الإزعاج والإخافة.

تعريف الإرهاب اصطلاحًا:

يقول الدكتور أحمد مختار عبد الحميد عمر في تعريف الإرهاب: "هو مجموع أعمال العُنف التي تقوم بها منظّمة، أو أفراد قَصْدَ الإخلال بأمن الدَّولة، وتحقيق أهداف سياسيَّة، أو خاصَّة، أو محاولة قَلب نظام الحكم".

فيتّضح مما سبق أنّ كلمة (الإرهاب) تدلُّ على: التخويف والإفزاع، ويكون الأمر سيئًا جدًا إذا كان إرهابًا للضعفاء والأطفال والنساء وكبار السنّ والمرضى. لكنّ الذي يجب أنْ نؤكِّد عليه هو أنّ الدّفاع الشرعيّ عن النفس، وردّ المعتدي والغاصب، ليس إرهابًا، ولا تطرُّفًا، بلْ هو في حقّ المسلمين جهادٌ في سبيل الله، إذا كان خاضعًا للضوابط الشرعيّة التي قررها علماء الأُمّة.

 

المحور الثاني: أنواع التطرُّف وصوره في الواقع الاجتماعيّ:

هناك ثلاثة أنواع من التطرُّف: قوليّ، وعمليّ (سلوكيّ)، ومعتقدي.

أولًا: التطرُّف القولي:

هو كلّ لفظٍ لا يحِلُّ إطلاقه، فالسبُّ، والقذفُ، والهِجاءُ، والغيبةُ، والنميمةُ، والكذبُ، وإطلاق الشائعات، وما شَاكل ذلك، كلّه تطرُّفٌ في القول. وهو بهذا المعنى لا يكاد يَخلو منه مجتمع، بلْ إنّ بعض المجتمعات أصبحت هذه الصفات سِمةً أساسيةً ومميّزةً لها.

 

ثانيًا: التطرُّف العمليّ (السلوكيّ):

وهو كلّ تطرُّف في سلوكٍ أو فعلٍ يخالف الشرع، لكنّه يختلف باختلاف درجة تحريمه، فهناك كَبائر، كالقتل والزنا والسرقة، وهناك صغائر، فكلّما كان الفعل كبيرًا (أي: ورد فيه حدٌّ، أو وعيد) كان أمره أعظم. وهو أيضًا بهذا المعنى له صُور وأشكال كثيرة في مجتمعاتنا.

 

ثالثًا: التطرُّف المعتقدي:

ويدخل فيه كلّ ما خَالف المعتقد الصحيح الذي جاء به النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وكان عليه الصحابة الكرام، وسَلَف الأُمّة -رضوان الله عليهم أجمعين-. فالشِّركُ، والكُفر، والإلحادُ، وادِّعاء الولد أو الزوجة لله، ودعاء غير الله، وتقديس الأشخاص، وإعطاؤهم صفات لا تليق إلاَّ بالله -جلّ وعلا- كعلم الغيب، والعِصْمة، واليأس والتشاؤم، ونحو هذا، كلّه من التطرُّف في الاعتقاد.

 

المحور الثالث: آثار التطرُّف على الفرد والمجتمع والأمة

يترك التطرُّف على اختلاف أنواعه وأشكاله، آثارًا جمّة على الفرد والمجتمع والأمّة بأسرها، بلْ ويمتد هذا الأَثر إلى الأجيال اللاحقة للفترة الزمنيّة التي حدث فيها، مما يجعل من الصعوبة بمكان التحكُّم به أو السيطرة عليه، إلاّ بوضع خطةٍ محكمةٍ للإحاطة به وعدم تعدّي آثاره هذه للفترة الزمانيّة أو البيئة المكانيّة التي وُجِدَ فيها.

وفي هذا المحور يقوم الباحث بتسليط الضوء على آثار التطرُّف على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها، وتداعيات ذلك التأثير على المدى القريب والبعيد.

  1. آثار التطرُّف على الفرد:

لقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، وجعله سويّ الخِلقة سويّ الذهن والإدراك، وميّزه على مخلوقاته بالإرادة وبالعقل الذي ينبغي أنْ يقوده إلى الاستقامة في التفكير، ولا شكّ في أنّ التطرّف الفِكريّ يجعل الشخص خارجًا عن الاستقامة مُخلًا بموازينها، فيحدث الانفصام بين ما هو عليه، وما ينبغي أنْ يكون عليه، الأمر الذي يترك عليه آثارًا نفسيّة سيئة غائصة في اللاشعور النفسي، كَما يصدّع العلاقة بينه وبين المجتمع، وتتغير نظرته إلى مجتمعه وإلى أهل الاستقامة وتنقلب عنده الموازين والقِيم، وينظر إلى الواقع نَظرة شاذّة خاطئة لا تتصف بالموضوعيّة. وبالتالي فالتطرُّف الفِكريّ مرضٌ يُصاب به الفِكر، وحالة سقيمة تجعل الإنسان في وضع غير طبيعي وغير سويّ، وكَما أنّ الإنسان يعمل على المحافظة على صِحته العقليّة والجسميّة، ويدرك أنّ اعتلال العقل أو الجسم حالة مرضيّة، كذلك يجب أنْ ينُظر إلى التطرُّف الفِكريّ باعتباره انحرافًا عن الاستقامة في الفِكر والاعتدال في الفَهم، فهو حالة مَرضيّة يعتلّ فيها الفِكر، ويخرج بها الإنسان عن طبيعته.

ومن زاوية دينيّة، فإنَّ التطرُّف الفِكريّ يؤدي إلى انحراف الإنسان عن المنهج الدينيّ الصحيح، الأمر الذي ينعكس خللًا في العقيدة، وإثمًا في السلوك يُسقطه عن رضا الله عزّ وجلّ، ويجعله في معرض الحساب والعقاب الأخروي، وكفى بذلك خُسرانًا مبينًا.

كذلك نجدُ أنّ مِن آثار التطرُّف الفِكريّ على سلوك الفرد كَما قُرِّر ذلك بواسطة خُبراء علم النفس والتربويين أنَّ السلوك البشريّ مظهر للثقافة وانعكاس للفِكر، ومعنى ذلك أنَّ التطرُّف الفِكري لن يقف عند حدود الفِكر، وإنّما سينعكس على السلوك. وإذا كان التطرُّف الفِكري حالة مرضيّة غير سوية في الفِكر، فإنَّ انعكاسه السلوكيّ سيكون بلا ريب مظهرًا سلوكيًا غير سويّ أيضًا. وهذا المظهر السلوكيّ المرَضِي مضافًا إلى تداعياته السلبيّة في المحيط والمجتمع، سيكون قابلًا للعدوى والانتشار الذي يوسع دائرة التداعيات، وينفتح على مضاعفاتها، وفي ذلك خطر كبير على المجتمع.

 

  1.  آثار التطرُّف على المجتمع:

إنّ العناصر المعياريّة هي الأساس في تشكيل النظام الاجتماعيّ، وفي استمراريته بحالة مستقرّة، والعناصر المعياريّة كَما تلعب دورًا إيجابيًا بوجهها الإيجابي، كذلك تلعب دورًا سلبيًا بوجهها السلبي فيما إذا كانت المعايير سلبية أو غير متوازنة.

والتطرّف الفِكري يخلّ بالنظام الاجتماعيّ وبالأمن المجتمعيّ، لأنّه يستند إلى معايير سلبيّة بحكم انحرافه عن الاعتدال في الفَهم والاستقامة في التفكير، وهو يحمل المعايير السلبية أيضًا، فيكون له أثرٌ تخريبيٌّ حيث تلعب المعايير السلبيّة دورها في النظام الاجتماعيّ، ويشكّل خطرًا على العناصر المعياريّة الإيجابيّة التي هي الأساس في نظام اجتماعيّ مستقر، وفي أمنٍ مجتمعي واقعيّ.

وحينما يشقّ التطرّف الفِكري طريقه في المجتمع، ويتحوّل من حالة فرديّة إلى حالة مجتمعيّة قد تأخذ شكل تَيّار في المجتمع أو فِرقة أو تنظيم أو ما شابه ذلك، فإنّه يلعب دورًا سلبيًا في خَلط الأوراق، والتشويش على الحقائق، والتضليل وضرب نسق القِيَم والمعايير، وهذا ما يسبب إشكاليّة قد تتحول إلى فِتنة في المجتمع، ربما تكون فتنة دينيّة أو سياسيّة أو ثقافيّة، ويوجّه ضَربة لما يُسمى في علم الاجتماع بـ (الإثنوميثودولوجي) أي: منهجيّة الجماعة.

 

  1. آثار التطرُّف على الأمّة:

إنّ المتتبّع للتاريخ يجدُ أنّ المجتمعات المتنوعة لطالما عَانت من انشقاقات ضَربت وِحدتها وتَماسكها في الصميم نتيجة للتطرّف الفِكريّ. فتاريخ الأُمّة الإسلاميّة حَافل بالمعاناة من انشقاقات أَحدثها التطرّف الفِكريّ، تصدَّع منها شَمل الأُمّة الإسلاميّة.

لقد أَوجد الإسلام أُمّة رساليّة صاغها على عَين تعاليم الرسالة الإسلاميّة، واستمدت ثقافتها مِن كتاب الله تعالى وسُنّة نبيّه المصطفى -عليه أفضل الصلاة والسلام-، فقامت هذه الأمة على أساس ثقافة الأُمة الواحدة، ولم يَلتحق رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- بالرفيق الأعلى حتى أَكمل الله الدّين، وأتمَّ النّعمة، إذ ألّف قلوبَ المسلمين وجعلهم إخوانًا، فنـزل قوله تعالى في عَرفة في حِجة الوداع: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا}[المائدة:3]، ورحل النبيّ الأَكرم -صلّى الله عليه وسلّم- عن أمته وقد تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يَزيغ عنها بعده إلاَّ هالك، وقد بيّن القرآن الكريم أساس وحدة الأُمة فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا}[آل عمران:103]، وحذّر من التفرُّق، ونهى عنه نهيًا أكيدًا مشدَّدًا، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، وقال تعالى أيضًا: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}[الأنعام:159]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}[الشورى:13]. كلّ هذه الآيات البيّنات جاءت تأكيدًا على ثقافة الأُمّة الواحدة المستمدّة من الكتاب والسُّنة النبويّة، والتي هي أساس وِحدة الأمة، فدبَّ التطرُّف الفِكريّ إلى عَقل الأُمّة، ونَسَجَ عقائد وفلسفات ليس لها وُجود في ثقافة الأمة الواحدة، ولم تَقم بها الحجّة مِن كتاب الله تعالى وسُنة نبيّه -عليه الصلاة والسلام-، فأحدث ذلك انشقاقات مَريرة أخذت صيغة الفِرق {مِن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً}، فَكم عَانت الأمة ولا تزال تُعاني من هذه الانشقاقات التي تطرَّفت عَن جماعة المسلمين، وكان التطرُّف الفِكريّ عاملًا رئيسًا في الفُرقة والتّصدُّع. ولولا التطرُّف الفِكريّ الذي شقّ طريقه لَبقيت الأُمة على ما كَانت عليه زمن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين لا سيما أبي بكر و عمر -رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما- حيث لمْ تَظهر بعد معالم الفِتنة، ولم تتفاعل عوامل نشوء التطرّف الفِكريّ.

إنّ التطرُّف الفِكريّ بما يَنجم عنه من آثار تخريبية على المنظومة الفِكريّة والمجتمعيّة، يترك أيضًا أثرًا سلبيًا على الكيانات السياسيّة، فقد يكون من عوامل إضعافها أو إسقاطها، كَما يترك أثرًا سلبيًا على الكيانات الحضاريّة وعلى المسيرة الحضاريّة للأمم والشعوب، لأنَّه يُعرقل هذه المسيرة أو يتسبّب في حَرفها أو قُصورها.

 

المحور الرابع: دور الشباب في مكافحة التطرُّف والتصدّي له ومنعه

لا شكّ أنّ شريحة الشباب التي لا تقل عَن 45% في أيّ مجتمع، هي الأكثر تأثُّرًا بموجة التطرُّف العاتية التي اجتاحت العالمَين العربيّ والإسلاميّ مؤخّرًا، وذلك يعود لأسباب عدّة، منها: "الجهل بضروريّات الدّين كأركان الإيمان، ومسلّمات شروط التوحيد، والاستهانة بحُرمة الدماء، وغياب احترام الكبير وولي الأمر وذا العلم والوقار، بالإضافة إلى ضَعف شفقة المسؤول على من تحت رعايته، والتهوُّر لدى بعض قيادات الشباب، وقِلّة الصبر على تربيّة الأتباع وتعويدهم التأنّي والبُعد بهم عن العَجَلة".

ويضيف الشيخ القثامي في حديث لموقع "الإسلام اليوم" الالكترونيّ، أسبابًا أُخرى لتطرُّف الشباب، منها: "الهوى خصوصًا هوى المتنفّذين والمتمكّنين، ممن يملكون المال والسلطة والإعلام، فينشرون ما يُغري على الانحلال الخُلقي، وتشويشِ المفاهيم، أو الاستبداد، وتغلغل الخيانة وشراء الذِّمم لصالح كلّ عنصر حتى أصبح لكلّ جِهة تريد الفَساد فينا ذِراعًا وأيدٍ خفيّةٍ داخل مجتمعنا العربيّ والإسلاميّ، لإذكاء الفِتنة ونَشر الرذيلة والفساد بجميع أشكاله وألوانه، بالإضافة إلى الاتِّجار باسم الدّين، وزعم الوصاية على المِلّة، وازدراء أهل الفضل، وتنقيص قَدر العلماء، أو حصر الدين والشريعة في حدود المسجد، وإبعاده عن ضبط الحياة والحُكم عليها".

مما سبق، وبمَا أنّ الشباب أكثر تأثُّرًا بالتطرُّف وانجرافًا له، إلاَّ أنّه يقع عليهم أيضًا دورٌ متعاظمٌ في مُكافحته والتصدِّي له ومَنعه، ويتمثَّل ذلك الدّور في الآتي:

  1. المعرفة الصحيحة ابتداءً- بهذا المفهوم وما يخفي وراءه من مرامٍ خبيثةٍ رُغم تغليفه بأغلفة قد تبدو للوَهلة الأولى تحمل كلّ معاني الخير والإنسانيّة، وتصبُّ في خِدمة الدّين الذي يميل إليه الشباب فِطريًا أو عاطفيًا.

  2. تعلُّم العِلم الشرعيّ الصحيح الذي يَقيهم الوقوع في الفَهم الخاطئ لمدلولات المصطلحات، ومن ثمّ العمل على تنفيذها دون الإلمام بعواقِب هذا التنفيذ، وهذا العِلم بلا شكّ يكون على أيدي العُلماء الربانيّين المؤتمنين على الإسلام وأهله.

  3. عدم الانجرار وراء الدّعوات التي تأتيهم مِن هُنا أو هُناك من الجماعات المتطرِّفة، والتي تدعوهم للمشاركة في عمليات يطلقون عليها جهاديّة، ولكنّها في الأصل تخريبيّة تساعد بصورة كبيرة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، فالإسلام لا يدعو للقتل وترويع الآمنين، بقدر ما يدعو للدخول فيه بالحُسنى والحِكمة والموعظة الحسنة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:125]، وقال تعالى أيضًا: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران:159].

  4. مَلء الفراغ الفِكريّ والعاطفيّ والجسديّ الذي لديهم بالقِراءة والاطّلاع، والانْخراط في ورش ودورات تنمية القدرات والمهارات، وممارسة الرياضة التي تُعينهم على القيام بالدور المنَاط بهم (من دراسة أو عمل أو مساعدة للفقراء والمحتاجين من خلال الجمعيات والمؤسسات الطوعية) على الوجه الأكمل.

 

المحور الخامس: دور المرأة في مكافحة التطرُّف العنيف:

إذا كان قطاع الشباب لا يقل عن 45% في أيّ مجتمع، فالمرأة تُمثِّل نسبةً كبيرةً جدًا من هذه الفئة، كما تُمثِّل نسبةً أكبر من متبقي الـ 55% من المجتمع، ولهذا يقع عليها دورٌ كبيرٌ في التّوعية والتنبيه والتذكير بخطورة التطرُّف العنيف الذي يَلجأ إليه الشباب -كما أوردت الورقة- للخروج من بعض الأزمات التي تمرُّ بهم، أو لعاطفةٍ جيّاشةٍ للإسلام تعتمل في صُدورهم.

وأكَّدت الدكتورة رقيّة سُليمان عواشرية، -الأستاذة بكليّة الحقوق بجامعة باتنة بالجزائر- في محاضرة بعنوان: (دور الأسرة والمرأة العاملة في مؤسسات المجتمع في مُكافحة الإرهاب والحدّ من الغلوّ والتطرّف وصِناعة الوجدان الثقافيّ والوطنيّ للأجيال)، قدّمتها خلال المؤتمر العالميّ الثاني لمكافحة الإرهاب الذي تنظّمه الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة بالمملكة العربيّة السعودية، أنّ المرأة تؤدِّي دورًا كبيرًا في المجتمع، بدايةً من الأُسْرة وحتى المؤسسات التربويّة والصحيّة، وهي تُعدُّ عماد الأسرة في معظم المجتمعات الإسلاميّة، حتى إنّها أحيانًا تتقمّص دَور الأب من جانب تنشئة الطفل كونه أكثر احتكاكًا بها، فيتلقّى مِنها الكثير مِن الخِصال، لذلك هي أيضًا بمثابة القُدوة والنّواة في الأُسرة، ويتعيّن عليها أيضًا أنْ تلعب هذا الدّور في المؤسسات التربويّة خصوصًا والمؤسسات الصحيّة".

وتضيف الدكتورة عواشرية: "عند حماية المرأة لتلك القِيَم -تعني القيم التربويّة وعلاقتها بالطفل- فإنّها تنقلها في المدرسة إلى الأجيال المقبلة، وإنْ كانت المؤسسة صحيّة تَنقل القيم من خلال التعاملات، وتَغرس رُوح التعاون والإنسانيّة".

وأشارت عواشرية إلى أنّ دور الأسرة في هذا الجانب عندما يتمّ مقارنته بين الأسرة في الحاضر والأسرة في الماضي، نجد أنّ الأسرة في الماضي تؤدِّي دورها ولم تشهد مثل هذه الظواهر الغريبة على المجتمع العربّي والإسلاميّ على وجه الخصوص، ولكنْ حينما فَقدت الأسرة شيئًا من ذلك الدّور -خاصةً بعد خروج المرأة للعمل وبات الاجتماع العائلي نادرًا- شَهدت المجتمعات بعض تلك الآثار الهدّامة لها.

بينما قالت الباحثة الدكتورة أميرة فوزي: "إنّ موضوع التطرُّف غاية في الأهميّة في الوقت الحالي في ظلّ ما تشهده المجتمعات من صِراعات وجرائم إرهابيّة، مؤكدة بذاتِ الوقت دَور الدّاعيات الإسلاميّات في التّحذير من مخاطر الإرهاب والتطرُّف والحدّ منه في المجتمعات، كونهن على عِلم ودراية بمفهوم الدّين الصحيح، ولا يوجد لديهنَّ خَلط بين الدِّين والإرهاب، كَما ارتبط في أذهان الكثيرين والمدخل المغلوط الذي دخلوا به إلى الشباب حول الإسلام وأنّه منبع الإرهاب."

وتضيف الدكتورة أميرة أيضًا: "إنّ الأسرة والمرأة تحديدًا لهما دَور في مُكافحة الإرهاب، منوّهةً بأنّ هناك خطرًا كبيرًا يهدّد الأجيال النّاشئة وهو "الإعلام" الذي يبثّ -حسب قولها- سُمُومَه في عُقولهم، كمواقع التّواصل الاجتماعيّ، وبعض القنوات الفضائيّة، والبرامج التي تسعى إلى انتشار الإرهاب. وأَشارت إلى أنّ هناك قنوات ومواقع تُثير الفِتن والبلبلة بين مشاهديها، وتُضْعِف انتماء الشباب إلى وطنهم ودينهم، ما يؤدِّي إلى تخبُّط الشباب بسبب عدم وَعيهم بدينهم الصحيح.

وأشارت الباحثة الدكتورة: هُدى عبد المؤمن-من كلية التربية بجامعة عين شمس بالقاهرة مصر- إلى أنَّ انتشار الإرهاب المرتبط بالدّين والمذاهب، يصبّ في سبب سياسيّ رئيسي اتخذ من الدّين جِسرًا للإرهاب، وذلك أنّه حينما يُستخدم الدّين لأغراض سياسيّة قد يَصل إلى الإرهاب. وأضافت: "لتفادي الخَلط بين الدّين الإسلاميّ والإرهاب يجب أنْ تشارك عدّة جهات بذلك مِن الأسرة، والتعليم، والتربيّة، والبيئة، والإعلام. ويجب أنْ يتمّ التركيز على مُنشآت التنميّة الاجتماعيّة لإيصال الصور الصحيحة للدّين الإسلاميّ، وتوضيح الفَرق بين الدّين ومظاهر التدّين للأبناء، وإيصال صُورة الدّين الحنيف الذي قام بتوضيحه النبيّ محمد عليه الصلاة والسلام".

 

خاتمة:

في خاتمة هذه الورقة كان لِزامًا على الباحث أنْ يُورد جُملةً مِن النتائج التي توصّل إليها من خلالها، والتي بدورها تقوده لإيراد عددٍ من التوصيات التي يَرى أنّها من الأهميّة بمكان، بحيث يؤدِّي إيرادها إلى تلمُّس بعض خُطى الطريق المفضي للقضاء على ظاهرة التطرُّف العنيف في المجتمعات الإسلاميّة. فمن النتائج التي توصّل إليها الباحث:

  1. للشباب دورٌ كبير ومُلاحظ في محاربة ظاهرة التطرُّف العنيف ومكافحتها والقضاء عليها، وذلك من خلال فهمهم ابتداءً لهذا المفهوم، ومن ثمَّ تعاملهم معه بما لا يسبب ضررًا لهم ولمجتمعاتهم.

  2. كذلك للمرأة دورٌ كبيرٌ في محاربة ظاهرة التطرُّف العنيف، تتمثّل في قيامها بواجب التربيّة والتنشئة الإسلاميّة الصحيحة في كافّة المواقع التي توجد بها، ابتداءً مِن المنزل فالمدرسة فالمشفى، ومرورًا بكافّة مواقع العمل التي يكون لها وجود فيها.

  3. تستغل بعض المنظّمات والجهات المتطرِّفة عاطفة الشباب للعمل للإسلام أو جهلهم أحيانًا بأحكامه خصوصًا ما يتعلّق بعلاقة المسلمين مع غير المسلمين، فتقوم بتجنيدهم وحشدهم لتنفيذ مآرب وعمليات متطرّفة، بلْ وللقيام بتصفيات وحسابات شخصية أحيانًا، وكلّ ذلك باسم الدّين والعمل الجهاديّ.

  4. قد يلجأ الشباب للانخراط في صُفوف هذه المنظّمات والجماعات المتطرّفة بدافع المقامرة واكتشاف المجهول الذي هو فِطرة لديهم في مرحلةٍ عمريّةٍ معيّنة، وهي مرحلة ما يُعرف بـ"المراهقة" التي يتدفق فيها الشباب حماسةً وحيويةً وعنفوانًا، بسبب القوّة الجسديّة الهائلة التي توفّرها هذه المرحلة فيهم، مما جعل هذه المجموعات المتطرّفة تستغلّ هذه النقطة، وذلك بتوفير هذا الجوّ المشحون مقامرةً وتسفارًا وتنقُّلًا واستخدامًا لكافّة الفنون القتاليّة والأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتي كانوا لا يَرونها إلاّ عبر شاشات التلفاز، أو من خلال ألعاب الكمبيوتر التي كانوا يلهون بها، والتي تُسهم أيضًا بشكلٍ كبيرٍ في تشكيل وتوجيه ميول الشباب منذ أنْ كانوا صغارًا.

  5. غياب المتابعة المنزليّة بواسطة الوالدين أو وليّ الأمر، يُسهم أيضًا بصورةٍ كبيرةٍ في وقوع الشباب في براثن العُنف والتطرُّف والغلوّ.

 

أهمّ التوصيات:

يرى الباحثُ أنّ أهمّ التوصيات التي يُمكن أنْ تخرج بها هذه الورقة، تتمثَّل في الآتي:

  1. العمل على معالجة الضغوط الاجتماعيّة والنفسيّة التي يمرّ بها الشباب، والتي تؤدِّي بهم إلى التطرُّف العنيف.

  2. إتاحة فُرص العمل للخريجين من الشباب.

  3. توفير قَدر من الحريّة والكرامة للشعوب.

  4. الاهتمام بالثقافة المتوازنة للشباب.

  5. الاهتمام بشريحة الشباب -من قبل الحكومات- تثقيفًا وتدريبًا وتنمية قدرات، أو بصورة أخرى: ملء فراغ الشباب.

  6. توضيح مفهوم التطرُّف عَبر وسائل الإعلام المختلفة.

  7. حماية الشباب من الأفكار الدخيلة التي تؤدِّي إلى التطرُّف، وذلك بتسليحهم بالبدائل الإسلاميّة من المفاهيم المتوازنة، عبر جلسات الحوار الهادئ والنقاش البنّاء.

  8. إزالة الحواجز المصطنعة بين الشباب والعُلماء، بحسبان أنّ العلماء يمثّلون صمّام الأمان الذي يُحول دون وقوع هؤلاء الشباب في براثن المنظّمات المتطرِّفة، وذلك بتبنّي الدولة لجلسات حوار مفتوحة بين الشباب والعلماء، يتمّ فيها طَرح كافّة القضايا والإجابة على كلّ تساؤلات هؤلاء الشباب.

  9. رصد المخططات الغربيّة ومكائد الأعداء لإضعاف الأُمّة الإسلاميّة، وتشويه هويتها وصورتها، وذلك بالتصدِّي لها، وكشف برامجها، ومواجهة تحدِّيات العولمة الفِكريّة والثقافيّة والإعلاميّة، والتصدِّي لها بفعالية، والمشاركة والحضور في الساحات الإقليمية والعالميّة، بما يحقِّق الخير والطمأنينة للأُمّة.

  10. التفرقة بين الحجر الفِكريّ القائم على المنع السلطانيّ، والأمن الفِكريّ القائم على الوعيّ الثقافيّ، والإدراك الواعي، مما يؤدِّي إلى نشوء قوة ذاتية يستطيع الشباب من خلالها أنْ يدفع عن نفسه بنفسه.

  11. التصدِّي لمداخل الغلوّ والتطرُّف ومنازع التكفير، ومواجهة مداخل الميوعة والتفلُّت والتخذيل، وذلك من خلال البرامج العلميّة والمعرفيّة، التي تَحفظ للأمة استقامتها ووسطيّتها.

  12. الاستعانة بأهل الاختصاص من عُلماء النفس والأنثروبولوجيا والتربيّة، ممن لهم صِلة بقضايا الأَمن الفِكريّ.

  13. تأسيس مراكز ومؤسسات ومحاضن تربويّة لاحتواء الشباب، وصَقل مهاراتهم، ودمجهم في المجتمع، خصوصًا المتأثّرين بتلك الموجة التطرُّفيّة، والمعتقلين السابقين.

  14. التنسيق الإعلاميّ لتكوين رأي عامّ ينبذ العُنف، ويتشبَّع بقيم ومبادئ وحقوق وواجبات قبول التعدُّدية الفِكريّة، واحترام جميع الديانات السماويّة، مع الاحتفاظ بخصوصيتنا وهويتنا الإسلاميّة.

  15. تفعيل دور العمل الجماعيّ على المستويات المحليّة والإقليميّة والدوليّة، بين المؤسسات العاملة في مجال العنف، واستحداث برامج وتوفير خدمات قادرة على مواجهة أشكال العُنف المتجدِّدة.

 

أهمّ المراجع والمصادر:

[1] القرآن الكريم.

[2] تفسير الطبريّ (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلاميّة بدار هجر، والدكتور عبد السند حسن يمامة، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان.

[3] معجم المعاني الجامع.

[4] المعجم الوسيط.

[5] معجم تاج العروس من جواهر القاموس، لمحمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الحسيني، أبو الفيض، الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، تحقيق مجموعة من المحققين، الناشر: دار الهداية.

[6] تفسير القرآن العظيم، لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع.

[7] جمهرة اللغة، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، تحقيق رمزي منير بعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

[8] سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، لأبي عبد الرحمن محمد ناصر الدّين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض.

[9] سنن ابن ماجه، لابن ماجه أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي.

[10] مختار الصحاح، تاج اللُّغة وصحاح العربية، لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ الفارابي، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

[11] مجلة البحوث الإسلاميّة، العدد (74).

[12] خِطبة جمعة للشيخ: منصور القثامي، إمام وخطيب جامع عمر بن عبد العزيز بالهيئة الملكيّة بينبع الصناعيّة، بالمملكة العربية السعوديّة.

[13] مقال بعنوان: (اندفاع الشباب نحو التطرّف والإرهاب: الأسباب، النتائج، وسبل العلاج)، لمعاذ آل منديل، منشور بموقع الإسلام اليوم الالكتروني بتاريخ: 29/8/2015م.

[14] مقال بموقع "العربية نت" الالكتروني بعنوان: (باحثات يؤكدن دَور المرأة في مُحاربة الإرهاب)، منشور بتاريخ: الثلاثاء 21 جمادي الثاني 1435هـ، 22 أبريل 2014م.

 

المصدر: الإسلام اليوم

إضافة تعليق جديد