لست معذورًا
تتحدّث مجالسنا كثيرًا عن الواجبات الملقاة على الحكّام والعلماء والمسؤولين وغيرهم، وعن آثار ذلك، ونحمّلهم أسباب عددٍ مما نرى من أخطاء وانحرافات وغيرها. لكننا في غَمرة هذا نغفل عَن حقيقة شرعيّة مركزيّة، وهي: مسؤولية المسلم الكاملة عن الواجبات والمحرّمات المنوطة به، فكلّ مسلم مُلزم بأنْ يقوم بما أوجب الله عليه وأنْ يمتنع عمّا نهى عنه، وأنّ تفريط الآخرين ومخالفتهم -مهما عَظمت واشتدّت- فهي ليست عُذرًا لأيّ أَحد في أنْ يفرّط في أيّ واجب شرعيّ.
ففي غمرة هذا يجب أنْ لا يغفل المسلم عن استحضار أنّه مُحاسب أمام الله، فأنت:
-
لستَ معذورًا في أنْ تفرّط في واجب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بحسب الاستطاعة: فالنّبي صلى الله عليه وسلم يقول: (منْ رأى منكم مُنكرًا فليغيره بيده، فإنْ لم يستطع فبلسانه، فإنْ لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، وهذا خطاب لكلّ مؤمن في كلّ زمان ومكان، لستَ معذورًا في التفريط فيه بسبب أيّ تفريطٍ من الآخرين.
-
لستَ معذورًا في التفريط في ما يجب عليك من العلم بأحكام الشريعة: فيجب على المسلم أنْ يعرف أحكام دينه، وما يجب عليه وما يَحرم، فكثرة القنوات والوسائل الإعلاميّة التي تنشر الشُّبُهات المنحرفة، أو تروّج للفتاوى الباطلة، أو تحرّض على الحديث في دين الله بلا عِلم، كلّ هذا ليس عُذرًا لأيّ أحدٍ في التفريط في واجب الشرعي في تعلّم أحكام دينه، فليس في هذا عذرٌ لأيّ أحد لأنْ يقبل أيّ فتوى لمجرد أنْ سمعها من قناة، أو يترك أيّ واجبٍ أو يفعل أيّ محرّم لأنّه سمع من يتحدث فيها، وإذا كانت هذه القنوات تتسبب في التّلبيس على النّاس في دينهم أو بعض أحكام دينهم، فلست معذورًا في ما وقع لك من تلبيس، لأنّك مفرط في عدم القيام بواجب البحث عن الحقّ ومعرفة الصواب.
-
لستَ معذورًا في اتباع الأكثرية من النّاس ومسايرة الجمهور: فانتشار الشيء وشيوعه وكثرة ارتكاب الناس له ليس عذرًا لأنْ ترتكبه أو تتهاون فيه، لأنّ العِبرة بالحقّ في ذاته وبما جاءت الدلائل فيه، وليست العبرة بالكَثرة أو القِلّة من الناس.
-
لستَ معذورًا في التفريط في اجتناب ما يتسبب في الإضلال عن الهدى: من تتبع مواقع الشبهات، وملاحقة ما يملأ القلب بالشكوك من كُتب ومقالات وشخصيات وقنوات، فالإيمان ليس لعبة مقامرة يجرّب فيها الشخص الربح أو الخسارة، فتيسر هذه الوسائل وسهولة الوصول إليها ليس عذرًا لك لو تسببت في إضلالك عنِ الهُدى بعد إذْ أنعم الله عليك بالهداية، فالواجب شُكر الله على هذه النعمة وبذل ما يقويها من علمٍ نافع وعملٍ صالح، وليس البحث عما يتسبب في إضعافها مما لا عُذر لك فيه.
-
لستَ معذورًا في التفريط في ما يجب عليك من واجب العدل والإنصاف في حقّ كلّ أحد: قال تعالى: {إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـئُـولًا} [الإسراء: 36]، فالخصومات والأهواء المختلفة ليست عُذرًا لأيّ أحد أنْ يستطيل في حقوق النّاس بالباطل، فهو محاسبٌ على ذلك، ولن يعفيه من مسؤوليته الكاملة نيةٌ حسنة، ولا مواكبةٌ لمزاج عام، ولا ضغط لحظة معينة، ولا مصالح صغيرة كان يراعيها ستتلاشى يوم يلقى ربه، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19].
-
لستَ معذورًا في تَرك شيءٍ من دينك بسبب سُوء رأيك في مَن ترى من المنتسبين إليه: فإذا كنتَ تحمل موقفًا سلبيًّا ضدّ العلماء أو الدّعاة أو المتدينين أو غيرهم، فكلّ هذا بغضّ النظر عن صحته أو خطئه ليس عُذرًا لكَ لأنْ تُفرّط في أيّ حُكم أو تتساهل في شيء من الدّين بسبب كراهيتك لمن كان يحمله.
-
لستَ معذورًا في تَرك العمل بالواجب الشرعيّ أو التفريط في معرفته بسبب وجود غُلوٍ فيه: فليس لأحدٍ عُذرٌ في التفريط في ذلك بسبب كراهيته للغلوّ والغُلاة، فالنّفور من الغلو يجب أنْ يحثَّ المسلم على البحث عن الاعتدال الشرعيّ الحقيقيّ، لا أنْ يقبل أيّ تصوّر يظنّه اعتدالًا ويتحزّب عليه لمجرد أنّه ينفر من الغلو، فليس هذا عُذرًا لأحد، فالعبرة في اتباع الشرع الذي يقوم على الاعتدال، وليس في التمسك بأيّ شيء يسميه الشخص اعتدالًا.
"لستَ معذورًا".. شعارٌ يجبُ أنْ يَضعه المسلم أمام نَاظِريه، يقوّي بوصلة التفكير في عقله إلى دائرة العَمل الذي يقع تحت مسؤوليته، فلا يغفله الانهماك في الحديث عمّا لا يجب عليه في ترك النّظر في ما يجب عليه، ولا تأمل ما يرتكبه الآخرون عن تدبّر حال نفسه وما يجب عليها وما فرّط في القيام بِه، ولا تحرّضه النّزاعات والاختلافات على التفريط في واجبه الشرعيّ الذي سيحاسبه الله عليه.
المصدر: مجلة البيان
إضافة تعليق جديد