الجمعة 27 ديسمبر 2024 الموافق 25 جمادي الثاني 1446 هـ

إضاءات فكرية

الإلحاد وقضايا المرأة

23 رمضان 1440 هـ


عدد الزيارات : 2385
محمد خير موسى

 

قد يكون من المستغرب الحديث عن المرأة في إطار محاولة الولوج إلى عُمق ظاهرة الإلحاد لا سيما إلحاد ما بعد ثورات الرّبيع العربي.

لكنّ المرأة التي كانت على الدّوام مالئة الدّنيا وشاغلة النّاس بذاتها وقضاياها لا يمكن أن تكون بمنأى عن هذه الحالة والظّاهرة المتصاعدة.

 

المرأة منفذ دعاة الإلحاد:

عند الحديث عن الإلحاد لا يجوز إهمال دور دعاة الإلحاد، الذين تقوم فكرتهم أصلًا على نقض الأديان وهدمها.

ومن أعظم المنافذ التي ينفذ إليها هؤلاء عبر كتاباتهم ومنصاتهم وخطابهم الإعلامي منفذ الحديث عن المرأة وذلك من نواحي عدّة:

أوّلها: الحديث عن حريّة المرأة وضرورة التّخلّص من التّسلّط الذّكوري وسلطة الآباء، والثّورة على الموروثات العفنة والتّخلص من الانتماء للعصور الحجريّة، وربط كلّ ذلك بالإسلام.

فإن تَلَاقى هذا الخطاب مع ما تعانيه المرأة من الظّلم المبرّر اجتماعيًّا باسم الشّريعة والقهر باسم الدّين، لاقت هذه الدّعوة آذانًا مفتوحة ونفوسًا متقبِّلة للفكرة منحازة إليها.

 

وثانيها: استحضار النّصوص الشّرعيّة التي تتحدّث عن المرأة وحشد الطّاقات لإثبات إهانة الإسلام للمرأة وظلمها والتّحيّز للرّجل، وبثّ الشبهات المتعلّقة بالمرأة من القوامة وأحكام الإرث والولاية ونقص العقل والدّين والشّهادة وتولي منصب الإمامة العظمى وغيرها بطريقة إعلاميّة شبابيّة في وسائل التّواصل الاجتماعي التي لم يفلح العمل الدّعويّ في التّعامل معها واستثمارها.

وبثّ الشبهة لا يحتاج من الوقت شيئًا مقابل ما يحتاجه من الوقت والجهد في ردّها وتمحيصها والإجابة عنها.

فكيف إنْ تضافر هذا الجهد من دعاة الإلحاد مع تقصيرٍ في المناقشة والإجابات، وتركِ الشابات نهبًا لأسئلةٍ لا إجابة عنها، وحيرةٍ لا مردّ لها؟!

عندها يمكن تخيُّل النّتيجة من هذا الجهد المبذول في ميدان الدعوة إلى الإلحاد واستهداف المرأة تحديدًا بالخطاب واستهداف الشّباب عمومًا من خلال قضايا المرأة.

وعلى الرغم من الحديث عن ظُلم المرأة على أنّه من أهمّ الأسباب الباعثة على بروز ظاهرة الإلحاد، غيرَ أنَّ الحركة النسوية الحديثة تنبّئ أنّ الأمر أعمق من ذلك وأعقد من مجرّد الظلم.

 

الـ "Feminism"، ومآلات التّمركز حول الأنثى:

يُعبّر عن الـ ‏"‏Feminism‏"‏ بمصطلح النّسويّة، وذلك في تطوّر الحالة النّسائيّة من الدّعوة إلى تحرير المرأة إلى الدّعوة النّسويّة.

ويرى المفّكر الفيلسوف عبد الوهاب المسيري -رحمه الله- بأنّ مصطلح النّسوية ترجمة غير موفقة للـ ‏"‏Feminism‏"‏، ‏لأنها لا تنفذ إلى المفاهيم الكامنة وراء المصطلح.

ويبيّن المسيري أنَّ الـ ‏"‏Feminism‏"‏ أو ما يطلق عليه النّسويّة يقوم على التّمركز حول الأنثى، وهنا يقدّم المسيري فروقًا مهمّة بين حركة "تحرير الأنثى" وحركة "التمركز حول الأنثى".

فحركة "تحرير الأنثى" تنطلق من مفهوم الإنسانية المشتركة أو ما يسمّيه المسيري "الواحدية الإنسانية"، بينما حركة "التّمركز حول الأنثى" تنطلق من فكرة الصّراع المستمرّ وماديّة الإنسان.

وهذا ما يجعلها متحرّرةً من التّاريخ منفتحةً على التّجريب المستمر، فلا تستمدّ مرجعيّتها من التّاريخ الإنساني أيًّا كان لأنّها ترى فيه ظلمًا للأنثى.

 

كما أنّها تُعامل الإنسان بوصفه مادةً يمكن إعادة صياغتها على نحوٍ جديدٍ مختلف، لا مرجعيّة تحكمه أو ينتمي إليها، ومرجعيته الوحيدة هي التغيّر والتّجريب ثمّ التّجريب.

ويقوم "التّمركز حول الأنثى" على حقوق الفرد لا المجتمع، فالفرد في نظرهم كائنٌ منقطعٌ عن أي سياق، فلا تربطه علاقات بأسرة أو مجتمع أو دولة أو مرجعيّة تاريخيّة أو أخلاقيّة.

وهو مجموعةٌ من الحاجات "الماديّة" البسيطة المجرّدة التي تحدّدها الاحتكارات وشركات الإعلانات والأزياء وصناعات اللّذة والإباحيّة.

وفي الوقت الذي تدافع فيه حركة "تحرير المرأة" عن حقوق المرأة في إطار الإنسانيّة المشتركة وانتماء الإنسان لمجتمعه وتاريخه وحضارته باستقلالٍ عن المادة، وتعامل المرأة بوصفها كائنًا اجتماعيًّا ينشد العدالة للجميع سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، فإنَّ النسويّة القائمة على "التّمركز حول الأنثى" هي التّعبير الجليّ عن التحوّل المادي وتغييب القيمة الإنسانية وتسليع الإنسان وإعلاء قيمة الجدوى الاقتصادية، ليصبحَ عمل المرأة ضروريًا للنّظام الماديّ، ولم تعد الوظيفة التقليدية "الأمومة ورعاية الطفل" شيئًا ذا قيمة لأنّها غير مجدية اقتصاديًا.

إنّ النّسويّة التي تدعو إلى تمركز الأنثى حول نفسها، وتقطع صلتها بالتّاريخ والحضارة والقيم المستمدّة من الانتماء لما هو سوى المادّة، لن تكون مآلاتُها سوى التّحلّل من ربقة الدّين والتنكّر له ورفض الانتماء لتعاليمه التي تقف في مواجهة هذا التمركز.

وإنَّ الاعتقاد بأنَّ النّسوية بهذا المعنى هي التي تحرّر المرأة وتصنع لها كيانها المستقلّ عن التسلّط الذّكوري لن تنتجَ إلّا شريحةً من الشّابات اللواتي يقطعن السّبيل بينهنّ وبين الدّين للوصول إلى انتهاج الإلحاد وتبنّيه لينسجم مع ما يقتضيه هذا "التّمركز حول الأنثى"، الأمر الذي كان سيمنعه تحريرُ المرأة من شتى أنواع الظلم الممارس عليها باسم الدين.

 

الظّلم الاجتماعي باسم الدّين:

إنَّ أبشع ما عاشته المرأة في قرون الانحطاط هو الظّلم في المجتمع الإسلامي بعد أن انحسرت روح الإسلام من أعماقه وحافظ على شكله الظّاهري وحسب.

وعلى الدّوام في المجتمعات التي تفقد الوهج الحضاريّ تغدو المرأة التي هي الحلقة الأضعف محطّ ظلمٍ واستعبادٍ واستبداد.

إنَّ الظّلم الاجتماعي الذي عاشته المرأة في الجاهليّة الأولى أقلّ وطأة على نفس المرأة وشدّةً في حياتها وواقعها وانتمائها من الظّلم الذي يقع على المرأة في الجاهليّة المتقنّعة بثوب الإسلام.

إنَّ الظّلم الذّكوريّ المتلفّع بالفتوى، والعقد المجتمعيّة المبرَّرَة بحشد النّصوص الشّرعيّة، والعادات والتقاليد الاستبداديّة التي يتمّ إلباسها العمامة واللحية لتمريرها وتبريرها لن ينعكس أثرها على هذه العادات والعقد بل على الدّين الذي يتمّ استخدامه لتشريعها والتّغطية عليها.

إنَّ منع المرأة من العمل وعزلها عن المجتمع والحياة باسم الشّريعة، وقلب النّصوص الشّرعيّة لتشريع تسلّط الذّكور عليها، واستحضار النّصوص الدينيّة لتبرير قتلها باسم الشّرف والتّهوين من الجريمة ووقعها، وتغليف ازدرائها وإشعارها بالدّونيّة بالفتاوى الشّرعيّة، كلّ ذلك وغيره من ربط هذه الكوارث بالدّين والشّريعة ظلمًا وعدوانًا يكون مآله  الثّورة على الدّين كونه استقرّ في أذهان شريحة من الإناث بوصفه متماهيًا مع الاستبداد الذي يعانين وطأته وشدّته.

 فيغدو ملحًّا أكثر من أيّ وقتٍ مضى العمل الدّؤوب على تنقية الإسلام مما عَلق به من مفاهيم ظالمة تتعلّق بالمرأة، وفضح الممارسات الجاهليّة بحقّها التي تلبس ثوب الشّريعة زورًا وبهتانًا، وهذا هو أحد أهمّ ركائز الإصلاح الدّيني والتّجديد الذي دعا إليه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في قوله: (يحملُ هذا العلم من كل خلَفٍ عدولُه ينفون عنه تحريفَ الغالين وانتحالَ المُبطلين وتأويل الجاهلين)

فقد علق بالإسلام في قضيّة المرأة كلّ ما ذكر في هذا الحديث النبويّ من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فإنْ لم يتقدّم العدول العقلاء من المصلحين ليزيلوا عن الشريعة ما عَلق فيها فإنَّ القادم أقسى وأنكى.

 

الخطاب الدّعوي المتعلّق بالمرأة:

وممّا يحتاج إلى التجديد الضروري للغاية فيما يتعلّق بالمرأة إلى جانب تنقية الإسلام وصورته مما علق به من شوائب جاهليّة، التجديد في الخطاب الدعويّ المتعلّق بالمرأة.

حيث تميّز الخطاب الدّعوي والشّرعيّ المتعلّق بالمرأة بأمرين يحتاجان إلى كثيرٍ من التّوقف عندهما والوقوف عليهما وهما:

 

أوّلًا: السّطحيّة والتّسطيح:

حيث عانى الخطاب الدّعوي المتعلّق بالمرأة والموجّه لها في أحيان عديدة من سطحيّةٍ بالغةٍ قام في كثيرٍ من محطاتها على تسليع المرأة بطريقة فيها الكثير من الطّفوليّة والمهانة من حيث أريد التّكريم.

ومن أمثلة ذلك الواضحة الحديث عن الحجاب وتشبيه المرأة بالحلوى والمقارنة بين الحلوى المكشوفة والحلوى المغلّفة لبيان مكانة الحجاب وعظيم نفعه، وعندما جدّد هؤلاء خطابهم انتقلوا إلى تشبيه المرأة بالهاتف المحمول والموازنة بين الهاتف المحمول الذي له شاشة حماية تغطيه وبين الذي لا غطاء له وفائدة هذا الغطاء في الحماية!!

وهذه التشبيهات لا تحفل بها المرأة، بل على العكس تمامًا تراها ضربًا من المهانة التي تدفع البعض إلى رفض هذا الخطاب بطريقة ثوريّة تهدم الأسس دون الاكتفاء بهدم الخطاب غير السويّ.

كما أنّ مما يُسخِطُ عامّة الشّابات والنّساء شعورهنَّ بأنَّ كثيرًا من الدّعاة عندما يتوجّهون في خطابهم إلى المرأة يعمدون إلى تبسيط الخطاب بطريقةٍ ملحوظة، هذا التبسيط بحدّ ذاته يُشعر المرأة بتمايز الدّونيّة فكيف إن كان تبسيطًا مغرقًا في التّسطيح؟!!

 

ثانيًا: الجهل بكوامن المرأة:

من أكثر ما اعترى خطاب المرأة الدّعوي ما يمكن تسميته، خطاب المرأة المُتَخيّلة، حيث إنَّ غالبيّة من كتبوا أو تحدثوا عن المرأة قد تحدّثوا عن الصّورة المتخيّلة للمرأة في رؤوسهم، أو كانوا يتحدّثون عن المرأة كما يريدونها أن تكون، وحتّى عندما تحدّثت بعض المتصدّرات للدّعوة، فإنَّهنَّ تحدّثن عن المرأة بناء على ما نشأن عليه من الخطاب المتعلّق بالمرأة، الخطاب الذي يرى المرأة بعيني الرجل لا بعيني المرأة.

إنَّ تصدُّر الدّعاة للحديث عن المرأة وإليها مع الجهل بسيكيولوجيّة المرأة، إلى جانب خوف المرأة المتدينة من الإفصاح عن نفسها، هو ما أتاح للذين قرأوا أعماق المرأة أن يكونوا أكثر تأثيرًا وجذبًا.

كما أنَّه جعل شعورًا يتمدّد في أعماق شريحة من النّساء بأنَّ هذا الخطاب لا يتحدّث عنهن ولا يعبّر عن كوامنهنّ، فهو خطاب لا يفهمهنّ وغير قادرٍ على قراءتهنّ.

وهنا لا بدّ من الدّفع بالنّساء لتصدّر المشهد الدّعوي المتخصص بالنساء على أن يخرجن من النّمطيّة في الخطاب ويلامسن كوامن المرأة وأعماقَها.

كما أنّه لا بدّ من الاعتناء بالدّراسات النّفسيّة التي تدرس أعماق المرأة وإقرارها في مناهج الكليّات والمعاهد المعنيّة بتأهيل الدّعاة.

 

المصدر: الجزيرة مباشر

 

إضافة تعليق جديد