عرض كتاب: (كفّوا الأيادي عن بيعة البغدادي) لمؤلفه: (أبو محمد الحسيني الهاشمي)
هذا الكتاب:
عنوانه: (كفّوا الأيادي عن بيعة البغدادي) ألّفه: (أبو محمد الحسيني الهاشمي) في الثامن من شهر رجب عام 1440هـ، ينكر فيه على البغدادي الذي كان فيما مضى خليفَتَه الذي أعطاه بيعته وخاطبه بابن العمّ، ليسمّيه في هذا الكتاب: بـ "الظلوم الغاشم ابن عواد"، ويكيل له السبّ واللعن! ويشبّهه بفرعون وهامان، ويدعو عليه أن يجعله الله من أهل النار وبئس القرار!
وكان المؤلف قد سبق أن كتب نصيحة وجّهها للبغدادي سمّاها: (النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية)قدّمنا لها عرضًا في الموقع يتضمّن تعريفًا بمؤلّفها، ودافعه لكتابة هذه النصيحة، ومضمونها وأهم ما جاء فيها، إضافة لنصّ النصيحة. ينظر: http://alabasirah.com/node/731.لكنّ البغدادي لم يقبل بها، بل وأهدر دم المؤلف لذلك.
وقد جاء الكتاب في 231 صفحة، وقدّم له اثنان من الشيوخ المعتبرين لدى التنظيم وهما: أبو عبدالرحمن المرداوي، وخباب الجزراوي، واحتوى على مقدّمة وفصلين الأوّل في أوجه سقوط ولاية البغدادي، والثاني في الإجابة عن أهم الإشكاليات التي قد يُعترض بها، وخاتمة.
الدافع لتأليف هذا الكتاب:
أمّا الدافع لتأليف هذا الكتاب فهو كما يقول المؤلف: "سقوطُ ورقة التوت عن سوآت أقوام خدعونا بالله فانخدعنا لهم وكذبوا على الله فصدّقنا بحلفهم كِذبَتهم، وانكشافُ أقنعة تستّرت بالدين والجهاد، وافتضاحُ أقوامٍ كَذَبَةٍ غشّوا الأمة وخانوا البلاد والعباد". وهو يقصد بهم: البغدادي، ومَنْ سمّاهم "مشركي الطاعة" من أمرائه ومعاونيه.
فالسبب الداخلي لانهيار التنظيم في رأيه: "تسلّط الفاسدين من الظَلَمة أو المبتدعة من العصابة الحاكمة، حزب ابن عواد ومن حولهم من جلاوزة الأمنيين وغيرهم من ضعفاء النفوس والإيمان والعلم"، إضافة إلى: "ضعف الناصحين وتقصير الصادقين والصالحين" حسب قوله.
ودعا المؤلّف في كتابه البغداديَّ إلى عزل نفسه بطريقة يحقن فيها دماء المسلمين، كما دعا جنود "الدولة" إلى خلع بيعة البغدادي والبراءة منها، ومبايعة رجل تجتمع عليه كلمتهم وإن لم يكن قرشيًا، معللًا ذلك بأنّها بيعة إمارة لا بيعة خلافة عامة!
أوجه سقوط ولاية البغدادي:
ذكر المؤلّف أوجه سقوط بيعة البغدادي فبلغت تسعة، وهي:
- ظُلمُه وجَوره وبَغيه وفِسقه المتعدّي بذلك.
- إضاعةُ مقاصد الإمامة المتمثّلة في حراسة الدين وسياسة الدنيا.
- أنّ البيعة عَقدٌ بين طرفين على معقود عليه مُعيّن، فمتى ما انتفى وجود المعقود عليه انتفت صحّة العقد، وقد كانت البيعة على الكتاب والسنّة وإقامة الدين ونُصرة المظلوم فأخلَّ البغدادي بالعقد.
- بدعتُه وتكفيره للمسلمين واستحلال دمائهم، وخروجه عن الصراط المستقيم.
- امتناعُه هو وطائفته بشوكةٍ عن النزول للقضاء الشرعي والحُكم والفصل.
- تسببُه بهلاك وانتهاك أعراض المسلمات في الموصل بمنع إخراج العوائل.
- تعطيلُ شعائرَ ظاهرة بتأويلات باطلة فاسدة مخالفة للإجماع، وتشريعُ أحكامٍ ما أنزل الله بها من سلطان، كتعطيل توزيع الغنائم، وغصب الركاز بسلطان التخويف، والتفريط في دماء المجاهدين وأموال الأمّة التي جلبت هذه الأموال.
- إلغاءُ الشورى الحقيقية، وإن حصلت فهي من غير أهلها في غير محلها.
- انعزالُ البغدادي بسبب تغلّب مَن تحته على قراره.
وقفات مع الكتاب وما جاء فيه:
أوّلًا: تظهر في الكتاب بشكل واضح طريقة القوم في المدح والتزكية، وهذا أمر يلاحظه كلّ مَن يقرأ التقديم الذي قدّم بها المرداوي والجزراوي للكتاب، وما كالاه من مديح المؤلّف وتزكيته، وما قابلهما به من ردّ المديح والتزكية عند تعريفه بهما، ولهذا سبب لا يخفى، ففضلًا عن كونهم جميعًا أبناء منهج واحد، إلّا أنّهم بحاجة ماسّة إلى هذه التزكية نتيجةً للجهالة بأسمائهم وأشخاصهم، وذلك لإعداد الجنود والعامّة من أتباعهم لقبول أقوالهم دون تردّد أو بحث.
وكامتداد للنقطة الأولى وترتيبًا عليها، نجد المؤلّف يكيل المدح والثناء والتزكية لجنود التنظيم، ويصفهم بأوصافٍ غاية في المبالغة، فهو يخاطبهم بأنّهم الأولياء والأصفياء، وجنود الله في الأرض وحرّاس شريعته! ويتودّد إليهم بأنّه يتمنى لو يقبّل جباههم ويخدمهم بنفسهيقول المؤلف ص (19): "إلى الأعزة الشمّ الرجال في ميادين النزال، إلى ذوي البأس والثبات والقتال، إلى الجبال الراسيات في زمن التقهقر والانخذال، إلى جنود الله في أرضه، المتمسّكين بكتابه وسنّته، الذائدين عن حياض ملته وشرعته، إلى إخواني المجاهدين من جنود الدولة الإسلامية، من أفقر العباد المذنبين إلى رحمة رب السماوات والأرضين أبي محمد الهاشمي عامله الله بلطفه الخفي، وددت –والله- أنّي بينكم ألثم جباهكم وأقبّل أياديكم وأحمل متاعكم، ولا والله ما وفّاكم حقكم المديح و الثناء، وإنّ الشعر والنثر ليضيق عن توصيف حال أمثالكم من الأولياء الأصفياء، نحسبكم والله حسيبكم ولا نزكي على الله أحدًا".، وما ذاك إلا محاولة منه لإبقائهم على هذا النهج والسير فيه رغم ظهور فساده وانقطاع قرنه.
ثانيًا: المؤلّف على الرغم من نقده الشديد للتنظيم إلا أنّه يحصر النقد في وجود عصابةٍ متسلّطةٍ على رأسه هي التي تستحق اللعن والإبعاد وخلع البيعة، وهو حينما يحذّر من التكفير بغير حقّ إنّما يقصد به تكفير أتباع التنظيم لبعضهم، أمّا مَن يصفهم بالصحوات والمنافقين والدجالين فتكفيرهم مسلّم به عنده لا شك في ذلك.
وإلّا فكلّ كلامه -منطوقًا ومفهومًا- يعجّ بمدح المنهج الذي قام عليه التنظيم من الأساس، بل ويشيد بإنجازاته الحضارية!! والتي من أهمّها كما قال:
(إحياء مفهوم الخلاف الإسلامية في قلوب المسلمين، وجمع "خيار أهل الأرض من أنصار ومهاجرين" في مكان واحد، وتحطيم صنم الحدود الوثنية السايكوبيكية الملعونة! وكسر صنم الدولار الورقي والرجوع إلى التعامل بالذهب والفضة، وإحياء شعيرة سبي نساء الكفار!! ونشر التوحيد في ربوع الدولة! وتحرير آلاف الأسرى من سجون العراق خاصة وبعض سجون الشام، وإقامة حدودٍ غائبة عن وجه الأرض من سنين طويلة، وحصول نهضة علمية في أبواب كثيرة من خلال ديوان البحوث والإفتاء)، لذا فهو يجدّد العهد بالسير على هذا المنهج، ويتطلّع لعودة الدولة من جديد، ويقول إنّها كانت ستصبح بعد خمس سنين دولةً مذهلةً يتقدّمها طوفان الجهاد الثائر، لولا التحالف الصلبي الكافر ضدها وفساد القائمين عليها!!
ولا يخفى ما في تزكية منهج تنظيم الدولة -بعد ظهور عواره، ثم سقوطه - وتعداد إنجازاته وعدّها من الحضارة، من سفاهة لا تستحقّ الردّ.
لكنّ صدور هذه السفاهة من كبارهم تشهد بصدق وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بأّنهم: (حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ)رواه البخاري برقم (3611) من رواية عليّ رضي الله عنه، وسيأتي نصّه في آخر المقال.، وقد اجتمع بالفعل تحت لواء هذا التنظيم غلاةُ الأرض الذين لا تعُرف أسماؤهم ولا أشخاصهم، ولا يُعرف من أحوالهم إلّا أنّهم يشتركون في الجهل والسفه والطيش، فشوّهوا مفهوم الخلافة بظلمهم واعتدائهم على عقائد الناس ودمائهم وأموالهم، وشوّهوا الشرع الحنيف بممارساتهم المخالفة لهديه، وتسبّبوا في نُفرة الناس عن الدين ووقوع شريحة كبيرة منهم في الإلحاد وكراهية تطبيق الشريعة. وهم مع ذلك متمسكون بزخارف جوفاء، ليس لها أثر في البلاد ولا في العباد، كصكّ عملة ذهبية وفضيّة غير متداولة، وتجريف ساتر ترابي على الحدود!!
ثالثًا: إنّ هذا الكتاب يكشف بجلاء عن مقدار الظلم والكمّ الهائل من جرائم سفك الدماء وانتهاك الأعراض وغصب الأموال الذي ارتكبه قادة "تنظيم الدولة" وزبانيتهم، ليس في حقّ عموم المسلمين الذين يصفونهم بأنّهم صحوات مرتدّون فحسب، بل بأتباعِهم وبمَنْ هاجر إليهم وبايعهم أيضًا.
وهذا حال الخوارج الذين اتّخذوا من تكفير المسلمين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم دينًا يتقرّبون فيه إلى الله. وقد ذكر المؤلّف عدّة شهادات يعترف فيها أصحابُها أنّ الجرائم التي يرتكبها الطغاة في بلاد المسلمين أخفّ بكثير مما ارتكبه التنظيم بحقّ أتباعه وسائر المسلمين، وأهون من الويلات التي أذاقهم إياها في سجونهمن ذلك قوله ص (47): "فلعنك الله يا ابن عواد، لقد كان شين العابدين بن علي طاغوت تونس أرحم بهؤلاء المهاجرين وقلوب أمهاتهم منك وأحنّ عليهم، فوالله إنّ سجون تونس -وقد حدثني من دخلها من إخواني- لهي أرحم من سجون الأمنيين الجلاوزة الذين سلّطتهم كالكلاب المسعورة على خيرة عباد الله من المهاجرين".!!
رابعًا: إنّ هذا الكتاب يدلّ دلالة واضحة على صحّة كلّ ما قيل في التحذير من هذا التنظيم، وبيان خطأ معتقده، وفساد منهجه، وسوء تأويله للنصوص، وخلل تطبيقه للشرع.
كما يدلّ دلالة واضحة وضوح الشمس على النتائج المنتظرة منه، والتي أخبرنا عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم.
فقد أخبرنا أنّهم (يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ)رواه البخاري برقم (3344) ومسلم برقم 143 - (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.، وهذا ما حصل بالفعل، والقتل مبنيّ على التكفير، والتاريخ يشهد أنّ هذه الفرقة المارقة منذ قيامها إلى عصرنا الحاضر تتخذ من التكفير دينًا، لدرجة أنّهم تفرّقوا لاختلافهم في مسائل التكفير، وعادوا على بعضهم بالتكفير والتفسيق والتبديع والقتل كما يثبت هذا الكتاب.
كما أخبرنا الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أنّ دولتهم لا تدوم، وأنّهم (كُلَّمَا خَرَجَ مِنْهُمْ قَرْنٌ قُطِعَ) حَتَّى عَدَّهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زِيَادَةً عَلَى عَشْرِ مَرَّاتٍرواه أحمد برقم (6871) من حديث عبدالله بن عمرو بن العاض رضي الله عنهما..
وبالفعل، فالتاريخ يشهد أنّه لم تدم للخوارج دولة، و "دولة الخلافة" المزعومة هذه قد تقلّصت بدل أن تتمدّد، ثم انتهى بها الحال وبقادتها وجنودها ونسائهم وذراريهم محاصرين في قرية صغيرة في بادية الشام، ليَصُبَّ عليهم وعلى أهل القرية جميعًا أعداءُ الإسلام من الصليبيين والعلمانيين النارَ صبًّا، ويقتلوا ويحرقوا وينكّلوا حتى بالنساء والأطفال، فإلى الله المشتكى مما فعله هؤلاء الغلاة بأنفسهم وأهليهم ومن حولهم وما جرّوه على البلاد والعباد من دمار وويلات.
وختامًا: فإننا إذ نعرض هذا الكتاب ونبيّن ما فيه: نأمل أن نفتح أعين أقوام مازالوا مخدوعين بهذا المنهج، ويسيرون في طريقه، ويمنّون أنفسهم -كما منّى المؤلف نفسه- بعودة "دولته" مرّة أخرى، وأن نحذّرهم من خطره.
ونحيلهم في ذلك إلى هذا الكتاب الذي ألفه شخص ذو مكانة فيه ليكشف بقلمه مخازيَه وطوامَّه. ويستطيع كل ذي بصيرة أن يتبيّن من كلامه وما تحمله عباراته من معانٍ تدلّ على انحراف منهجه وضلال فكره، دون أن يغترّ بمعسول الكلام وقوّة العبارة وكثرة الاستشهاد، فقد حذّرنا الحبيب -صلى الله عليه سلم- من الاغترار بهم في هذا الأمر بالذات فقال: (يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ، حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ)تقدّم تخريجه، ومعنى: (يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ): أي أنّ كلامهم ظاهره خير لكثرة ما يستشهدون فيه بالقرآن والسنة. قال ابن حجر في فتح الباري: "المراد: القول الحسن في الظاهر، وباطنه على خلاف ذلك، كقولهم لا حكم إلا لله في جواب عليّ رضي الله عنه"، وقال النووي في شرح مسلم: "معناه في ظاهر الأمر كقولهم لا حكم إلا لله ونظائره من دعائهم إلى كتاب الله تعالى"..
لتحميل الكتاب بصيغة PDF اضغط هنا
إضافة تعليق جديد