الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445 هـ

إضاءات فكرية

تجريد الغلاة من تلبّسهم بالشرعية السنّية

02 جمادي الثاني 1440 هـ


عدد الزيارات : 2972
ابراهيم السكران

تجريد الغلاة من تلبّسهم بالشرعية السنّيةهذا المقال جزء من بحث: كيف أسهم الإعلام الليبرالي في تعزيز شرعية الغلاة.

يُظهِر الغلاة في خطابهم الرسمي الاستناد لثلاث مصادر: القرآن، والحديث النبوي، وكتب التراث الإسلامي بمشاربه المختلفة، وسأعرض نماذج لذلك:

فأمّا إظهار (الاستشهاد بالقرآن)، فأعلى مصدر رسمي للتنظيم هو البيانات الرسمية بصوت المتحدث الرسمي العدناني، وهذه نماذج منتخبة من بياناته وعدد الآيات فيها:

  • بيان بعنوان "ثم نبتهل": الاستشهاد بـ(11) آية قرآنية.
  • بيان بعنوان "الآن الآن جاء القتال": الاستشهاد بـ(13) آية قرآنية.
  • بيان بعنوان "إنما أعظكم بواحدة": الاستشهاد بـ(13) آية قرآنية
  • بيان بعنوان "دولة الإسلام باقية": الاستشهاد بـ(17) آية قرآنية.
  • بيان بعنوان "إن ربك لبالمرصاد": الاستشهاد بـ(20) آية قرآنية.
  • بيان بعنوان "هذا وعد الله": الاستشهاد بـ(25) آية قرآنية.
  • بيان بعنوان "السلمية دين من": الاستشهاد بـ(35) آية.

وأمّا إظهار (الاستشهاد بالحديث النبوي) فتنظيم الدولة شحن مجلّته الرسمية باستدعاء الأحاديث النبوية الشريفة، وينقل عن المصادر المشهورة مثل: صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن أبي داود، سنن الترمذي، سنن النسائي، سنن ابن ماجه، الدرامي، مسند أحمد، ابن حبان، الحاكم، الطبراني، الخانظر مثلاً: (مجلة دابق، ع 4، ص:15، 30، 33، 34)، (مجلة دابق، ع5، ص: 7، 8، 25، 26، 27، 29) ، (مجلة دابق، ع6، ص:16، 17، 26، 63)..

ويدخل في هذا دخولاً أولياً توظيف "أحاديث الملاحم" وهي من الأمور والأهوال التي تكون آخر الزمان كحديث دابق ونحوه.

وطريقتهم في التخريج أنّهم يذكرون اسم المصدر هكذا (رواه البخاري، رواه مسلم، رواه الترمذي، الخ) ولا يذكرون الموضع، لا بالجزء والصفحة، ولا برقم الحديث، ويضيفون أحياناً الحكم على الحديث فيقولون: حديث حسن، حديث صحيح. ولا ينقلون أحكام الأئمة عليه ولا يبينون وجه التصحيح إن كان هناك خلاف في تصحيحه وإعلاله.

وأما إظهار (الاستشهاد بمصادر التراث الإسلامي) بمشاربه المختلفة، فسنأخذ عينةً لفحص هذه المصادر، وهي مجلة تنظيم الدولة الرسمية "مجلة دابق"، وهي مجلة بات يعرفها الإعلام الليبرالي، ويكتب عنها، ويتحدّث عن محتوياتها ووزنها التمثيليانظر مثلاً: جريدة الرياض: العدد (17046) والعدد ( 17053)، والعدد (17060). وجريدة الجزيرة: العدد (15842). وصحيفة عكاظ: العدد (5292)..

وهاهنا عرض لكلّ عدد من أعداد هذه المجلة، وأسماء المصادر التراثية التي صرّحوا بالرجوع لها، وأنبّه أنّ أرقام الصفحات هنا تشير إلى رقم الصفحة في مجلة دابق نفسها من ذات العدد، أي موضع ورود المرجع في المجلة:

  • العدد الأول: تفسير ابن كثير ص(14)، تفسير القرطبي ص(23)، السنن الواردة في الفتن لأبي عمرو الداني ص(35).

  • العدد الثاني: تفسير الشوكاني ص(6)، تفسير الطاهر ابن عاشور ص(8)، فتح الباري لابن حجر ص(11)، تفسير ابن كثير ص(21)، ابن القيم مختصر الصواعق (22)، زاد المعاد لابن القيم ص(22)، القول المنبي للسخاوي ص(22)، تفسير الطبري ص(22)، الدرر السنية ص(22)، النبوات والواسطية لابن تيمية ص(23)، مفتاح دار السعادة والصواعق المرسلة وشفاء العليل ثلاثتها لابن القيم ص(23)، التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص(27)، الفوائد لابن القيم ص(29)، ابن الصلاح  عبر إغاثة اللهفان ص(30).

  • العدد الثالث: مدارج السالكين لابن القيم ص(5)، شرح السنة للبغوي ص(7)، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ص(7)، كفاية الحاجة شرح ابن ماجة للسندي ص(7)، مدارج السالكين لابن القيم ص(8)، إتحاف الجماعة في أشراط الساعة للشيخ حمود التويجري(8)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(10)، تفسير ابن كثير ص(11)، جامع العلوم والحكم لابن رجب ص(26)، مدارج السالكين لابن القيم(26)، بهجة المجالس لابن عبد البر ص(29)، زاد المعاد لابن القيم ص(30)، فتح الباري لابن حجر ص(30)، تفسير ابن كثير ص(31)، الفروسية لابن القيم ص(31)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(31)، مدارج السالكين لابن القيم ص(33)، روضة المحبين لابن القيم ص(34)، الزهد للإمام أحمد ص(34).

  • العدد الرابع: الحكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب ص(10)، الطبقات الكبرى لابن سعد ص(11)، فتح الباري لابن رجب ص(16)، جامع العلوم والحكم لابن رجب ص(16)، شرح صحيح مسلم للنووي ص(17)، مدارج السالكين لابن القيم ص(37).

  • العدد الخامس: تفسير الشنقيطي ص(6-7)، تفسير الكشاف للزمخشري ص(7)، تفسير ابن الجوزي "زاد المسير" ص(8)، معجم البلدان لياقوت الحموي ص(28).

  • العدد السادس: النقل عن الإمام مالك ص(9)،  النقل عن الصاحب بن عبّاد ص(9)، شرح صحيح مسلم للنووي ص(10)، النقل عن الإمام محمد بن عبد الوهاب من عقيدته التي أرسلها لأهل القصيم ص(11)، النقل عن الفضيل بن عياض ص(14)، فضل علم السلف لابن رجب ص(17)، الرسائل الشخصية للإمام محمد بن عبد الوهاب ص(19)، الدرر السنية ص(19)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية ص(19).

  • العدد السابع: تاريخ الطبري ص(7)، البداية والنهاية لابن كثير ص(7)، تاريخ الطبري ص(18)، تاريخ ابن كثير ص(18)، تفسير ابن كثير ص(21)، تفسير الطبري ص(21)، الإيمان الأوسط لابن تيمية ص(22) و (23)، تيسير العزيز الحميد للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ص(22)، الجواب الكافي لابن القيم ص(55)، سيرة ابن هشام ص(55)، الدرر السنية ص(60)، صفة النفاق للفريابي ص(63)، مجموع الفتاوى لابن تيمية(64)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ص(68).

  • العدد الثامن: تاريخ دمشق لابن عساكر ص(12)، الإبانة الكبرى لابن بطة ص(12)، الاعتقاد للبيهقي ص(12)، تاريخ دمشق لابن عساكر ص(13)، مسند الفاروق لابن كثير ص(13)، جامع الأصول لابن الأثير ص(13)، المغني لابن قدامة ص(32)، الدرر السنية ص(32)، الإبانة الكبرى لابن بطة ص(39)، السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص(40)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ص(40)، الشريعة للآجري ص(40)، السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص(41)، السنة للخلال ص(41)، البداية والنهاية لابن كثير ص(41)، السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ص(43-45)، اللالكائي ص(43)، مسائل أحمد وإسحاق بن راهويه ص(44)، تعظيم قدر الصلاة لابن نصر المروزي ص(44)، الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام ص(45)، السنة لابن أبي عاصم ص(45)، تيسير العزيز الحميد ص(46)، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ص(46)، الكلمات النافعات للشيخ عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب ص(46)، الرسالة للإمام الشافعي ص(47)، المنثور في القواعد الفقهية للزركشي ص(47)، نواقض الإسلام للإمام محمد بن عبد الوهاب ص(48)، الرسائل الشخصية للإمام محمد بن عبد الوهاب ص(48)، السنة للخلال ص(49-51)، صفة النفاق للفريابي ص(49)، الإبانة الكبرى لابن بطة ص(49)، الفتاوى الكبرى لابن تيمية ص(50)، منهاج السنة لابن تيمية ص(50)، شرح صحيح مسلم للنووي ص(52)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(52)، الدرر السنية ص(52).

  • العدد التاسع: تفسير الطبري ص(9)، تفسير ابن المنذر ص(9)، غريب القرآن لابن قتيبة ص(9)، المغني لابن قدامة ص(12)، تفسير ابن أبي حاتم ص(13)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(13)، مدارج السالكين لابن القيم ص(13)، جامع الأصول لابن الأثير ص(13)، الترغيب والترهيب للمنذري ص(13)، تفسير الطبري ص(18)، مغازي الواقدي ص(45)، الطبقات الكبرى لابن سعد ص(45)، زاد المعاد لابن القيم ص(45)، البداية والنهاية لابن كثير ص(47)، فتح الباري لابن حجر ص(48).

  • العدد العاشر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ص (9-16)، المغني لابن قدامة ص(16)، مسائل الإمام أحمد وإسحاق رواية حرب ص(17)، الآداب الشرعية لابن مفلح ص(17)، مختصر منهاج القاصدين للمقدسي ص(17)، إحياء علوم الدين للغزالي ص(17)، غياث الأمم للجويني ص(19)، صبح الأعشى للقلقشندي ص(21)، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير ص(21)، الأحكام السلطانية للماوردي ص(22)، المحلى لابن حزم الظاهري ص(22)، البداية والنهاية لابن كثير ص(23)، المغني لابن قدامة ص(24)، زاد المعاد لابن القيم ص(29)، حلية الأولياء لأبي نعيم ص(45)، البداية والنهاية لابن كثير ص(46)، الترغيب والترهيب للمنذري ص(50)، المغني لابن قدامة ص(52)، الإنصاف للمرداوي ص(52)، المغني لابن قدامة ص(53)، تيسير العزيز الحميد لسليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب ص(56)، الكلمات النافعات ص(57)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(57)، الدرر السنية ص(58-63)، مجموع الفتاوى لابن تيمية ص(63).

ويدخل في هذا دخولاً أوليًّا "توظيف معجم البسالات التاريخية" وهي المعارك الإسلامية ذات الصدى والجاه في التاريخ الإسلامي، والإيحاء بأن جرائمهم امتداد لتلك المعارك الشريفة، وسعيهم للالتصاق بهذه المعارك الفاضلة كثير منتشر في نصوصهم، ومن نماذجها قولهم في بيان رسمي:

"فوالله لنعيدنّ بدرًا وأحدًا، لنعيدنّ مؤتة وحنين، لنعيدنّ القادسية واليرموك، لنعيدنّ اليمامة، ونعيد حطين وعين جالوت، ونعيد جلولاء والزلاقة، والزلاقة الثانية وبلاط الشهداء، سنعيد الفلوجة الأولى والثانية، وقسمًا، قسمًا؛ لتعودنّ نهاوند.."العدناني، بيان بعنوان: "فيقتلون ويقتلون"..

 

تحليل نتائج الإحالات المرجعية:

شاهد القارئ الكريم محاولة مصممي خطاب الغلو أن يظهروا أنّهم يعبرون عن رؤية علمية لا مجرّد بلطجة عسكرية، وأنّ جرائمهم في استباحة دماء المعصومين هي مقتضى تقريرات أهل العلم، وأنّهم صدروا عن كتب العلوم الشرعية ذات الثقل والوزن، وأنّ صلتهم بكتب التراث وثيقة.

وتبعاً لذلك يُظهِرون الإحالة إلى كل العلوم الإسلامية، ويوصلون رسالةً للقارئ أنّهم لا يحصرون أنفسهم في علم العقيدة والتوحيد، ومن هذه العلوم: كتب التفسير (الطبري ابن الجوزي القرطبي ابن كثير السيوطي الشنقيطي ابن عاشور مثلاً)، وشروحات الأحاديث (شرح البخاري وشرح مسلم مثلاً)، والفقه المقارن (المغني مثلاً)، والسيرة النبوية (الواقدي وابن هشام مثلاً)، وغريب الحديث (النهاية لابن الأثير) وكتب التواريخ والطبقات والتراجم (تاريخ الطبري وتاريخ دمشق لابن عساكر والبداية والنهاية مثلاً)، بل حتى كتب السلوك والتصوف كإحياء علوم الدين للغزالي.

ومن الواضح جداً إظهارهم لأنفسهم أنّهم ليسوا حكراً على عالم معيّن أو مدرسة بعينها، ولذلك ينقلون عن علماء من مذاهب مختلفة: فمن المالكية مثلاً: ابن عبد البر والقرطبي، ومن الشافعية: الجويني والماوردي والغزالي وابن الصلاح والنووي وابن كثير والزركشي وابن حجر والسخاوي. ومن الحنابلة: ابن الجوزي وابن قدامة وابن مفلح وابن رجب والمرداوي. كما يظهرون الإحالة إلى كتب ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب. ومذهب أهل الحديث المستقلين كابن حزم الظاهري والشوكاني.

كما يُظهِرون الإحالة إلى العلماء المعاصرين المعتنين بعلم مقاصد الشريعة كالإمام الطاهر بن عاشور، بل وحتى الزمخشري المعتزلي ينقلون عنه من تفسيره الكشاف المعروف.

ثم بعد هذه الاقتباسات العشوائية من القرآن والحديث وكتب التراث يتم استعمال المادة في تبرير استحلال دماء المعصومين وأموالهم، وهو أمر لم يفهمه من هذه المصادر عامّة علماء أهل السنة طوال القرون، ويقع هذا الخلل عند الغلاة بذات المسلك المركب من الغلط في العلم والفهم والتصور، مع نوع من الهوى إمّا للحزب أو لبغض الخصم والمنافس.

وعامّة غلطهم في العلم منشؤه -كما سبقت الإشارة- وضع نصوص الشرع ونصوص العلماء في غير مواضعها، وتفريغ الأحكام من شروطها وموانعها.

وهل تقتصر خطورة تقنية "تفريغ الأحكام من شروطها وموانعها" على الأحكام الشرعية فقط؟ لا، قطعًا، فأيّ منظومة تشريعية أو قانونية يستطيع أي سفّاح أو مفسد -بجهل أو هوى أو مركب منهما- أن يستغل أحكامها في البطش بالناس مع تفريغها عن شروطها وموانعها.

فمثلاً لو جاء شخص لأي قانون في العالم يحكم بأنّ "الخيانة العظمى عقوبتها الإعدام" وهي قوانين كثيرة تحكم بمثل هذا الحكم، ثم أخذ يوزّع التخوين على المخالفين، ورتّب جداول لاغتيالهم باعتبار حكومة البلد مقصّرة في تطبيق القانون، فهل يمكن أن يقول قائل أنّ هذا القانون هو سبب الإرهاب؟ أم سيقول أنّ هذا المجرم إنّما يوظّف حكم الإعدام مع تفريغه من شروطه وموانعه بسبب جهله وسوء فهمه أو بسبب هواه وانحيازه؟!

وهكذا لو جاء مجرم سفاح له هوى في النفوذ، في بيئة تعظّم الفلسفة والفكر الفلسفي، وأخذ يغتال منافسيه السياسيين ومن يواليهم من العلماء، محتجّاً بأنّ كتب الفلسفة تقول "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس"! فهل سيقبل عُشّاق الفلسفة هذا الفهم؟ أم سيقولون أنّ هذا توظيف وتطويع للفلسفة لخدمة برامج سياسية عسكرية إجرامية؟!

وهكذا تفاوت تطبيق الحدود بين القاضي "العالم" بين المسلمين، والقاضي "الجاهل" بين الغلاة، فهل يقال إنّ جرائم القاضي "الجاهل" هي بسبب كتب الفقه الإسلامي؟!

والمراد أنّ من يقول إنّ الغلاة هم مجرد مطبقين لتراث أهل السنة، أو من يقول هم الأجرأ في تطبيقه؛ أنّه نظير من يقول: إنّ أي حكم قانوني له شروط وموانع فمن طبقه بلا مراعاة شروطه وموانعه فهو المطبّق الحقيقي له، وهو الأجرأ، فهل يقول هذا من يحترم العلم والموضوعية؟

وهذا الأسلوب -أعني الظهور بمظهر المسلم والتكلم باللغة الشرعية مع حرف المسار إلى أغراض غير شرعية بجهل أو هوى أو بما هو مركب منهما- هل هو أسلوب كشفه لنا التاريخ فقط؟ لا، بل النبي -صلى الله عليه وسلم- نبهنا مسبقاً إلى حدوث مثل هذه الظاهرة وهذه التقنية في التضليل، ففي الصحيحين من حديث حذيفة -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر ظهور (دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ)، وحين سئل عن وصفهم ذكر أسلوبهم في الإغواء فقال: (نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا)البخاري: (3606)، مسلم: (1847)..

فبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ظهور دعاة على أبواب جهنم يتكلمون باللغة الشرعية ذاتها، على أحد الوجهين في تفسير الكلام هنا، وهذا معنى عام يدخل فيه كل من شَرَكهم الوصف ولا يختص بطائفة بعينها، فقد يكون ممن يستخدم اللغة الشرعية لتبرير استحلال الدماء، أو ممن يستخدمها لتبرير استحلال الفواحش.

 

مسلك العلماء والمصلحين في تجريد الغلو من تلبّسه بالشرعية السنيّة:

تكرار العلماء والدعاة والمصلحين لقضية بطلان اتصال الغلو بالمصادر السنية، وأنّ الغلوّ ليس امتداداً له، وكشف زيف هذا الانتساب؛ هو كلام كثير منتشر، وصدرت فيه عشرات البيانات ومئات الفتاوى والتنبيهات والخطب والمحاضرات والمواعظ، ولن يحوجنا للاستشهاد عليه، وهو الخط الذي تبنّته أيضاً المؤسسة العلمية الرسمية في السعودية، ولكن ومع ذلك فسأنقل شواهد مقتضبة لبعض العلماء الرسميين فقط:

يقول بعض العلماء في بيان لهم: "وإنّ هيئة كبار العلماء لتستنكر ربط أفكار الإرهاب بمؤلفات أهل العلم المعتبرة"بيان هيئة كبار العلماء، الدورة رقم (80)، 19/11/1435هـ..

ويقول عالم آخر عن نسبة الغلوّ لمنهج السلف ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "ما عليه الفرق الضالة من ينسبه إلى مذهب أهل السنة، ينسبه إلى الدرر السنية؛ هذا كذب وافتراء"الشيخ صالح الفوزان، محاضرة التحذير من دعاة السوء، 06/01/1436هـ.​.

ومثل هذه المواقف والتأكيدات متكررة ومعروفة، ولا حاجة أن نطيل بشواهدها، وسيأتي إشارات إلى نماذج ومواقف مشابهة أيضاً.

 

انزعاج الغلاة ممن يكشف انفصالهم عن المشروعية السُّنيّة:

يعرف القارئ المتابع أنّ لتنظيم الدولة بيانات صوتية رسمية تصدر تباعاً مع الأحداث، بصوت المتحدث الرسمي لهم أبي محمد العدناني، وما رأيت شيئاً في خطابهم أكثر انزعاجاً وانفعالاً ممن يكشف انفصالهم عن منهج وطريقة أهل السنة، وزيف انتساب جرائمهم إلى أئمة السلف.

ولا يثير حفيظة متحدثهم شيء مثل من يشعل الأضواء على قسمات التشابه بينهم وبين مسالك الغلاة والحرورية والخوارج في إنزال أحكام التكفير على من لا يستحقها من معصومي الدماء.

وسأعرض للقارئ نماذج من هذا التسخّط والغليان المتكرّر لهذا التنظيم في بياناته الرسمية، وسيلاحظ القارئ اللغة الهائجة والاستفهامات الاستنكارية:

  1. "يقاتلوننا بزعم أننا خوارج..، فتعالَ واحكُم بنفسك فإنّك واللهِ لن تجدنا إلاّ أشدّ الناس على الغُلاة والخوارج..، فَلْيَتَّقِ اللهَ فينا مَن يصِفُنا بالخوارج"العدناني، بيان رسمي بعنوان: ثم نبتهل، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 8، 12، 13.​.

  2. "مَن هو حفيد ابن ملجم..، ومَن هُم الحروريّة..، أئذا بقينا في الشام كُنّا من الخوارج؟!..، لم يجدوا ذريعةً لتلك الحرب إلاّ تُهمةَ الخوارج التي يُقاتِلُنا بها علماء الطواغيت"العدناني، بيان رسمي بعنوان: عذراً أمير القاعدة، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:21، 29..

  3. "وتصفنا بأننا أحفاد ابن ملجم، وتصفنا بأننا خوارج؟! فاتقوا الله في أنفسكم! اتقوا الله في المجاهدين!..، وأنّهم سيتعلّقون برقابكم قائلين: يا رب إنّ هؤلاء اتهمونا بأنّنا خوارج..، وإن دافعنا عن أنفسنا ورددنا عليهم: بكوا في الإعلام، ووصفونا بالخوارج.."العدناني، بيان رسمي بعنوان: ما كان هذا منهجنا ولن يكون، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:8، 9، 10..  

  4. "لن يجدوا لصدّكم عن الخلافة: إلا عذرَين باطلَين؛ الأول: هو نفس ما يتهمون به الدولة سابقًا؛ بأنّها دولة خوارج.."العدناني، بيان رسمي بعنوان: هذا وعد الله، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 22..

  5. "إنّي داعٍ فأمنوا…، اللهم عليك بمن يحارب المجاهدين بحجّة أنّهم خوارج..، وعليك بمن يحرّض على المجاهدين ويفتى بقتلهم بحجه أنّهم خوارج"العدناني، بيان رسمي بعنوان: يا قومنا أجيبوا داعي الله، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 27-28..  

  6. "فاستنفروا وسائل الإعلام في العالم تجادل بالباطل، خافوا على الإسلام والمسلمين من إفساد وبطش الخوارج في الدولة الإسلامية زعموا!"العدناني، بيان رسمي بعنوان: إنّ ربك لبالمرصاد، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:22.​.

ولعل القارئ لاحظ كمية الحنق في خطاب المتحدث الرسمي باسم الغلاة تجاه كل من يكشف للناس نزول الغلاة عن قلعة السنة، وهرولتهم في ميدان البدعة والمحدثات والشذوذ، وهذا ما يفسر سعي رؤوس الغلاة في منشوراتهم لإثبات الشرعية التاريخية عبر الإيحاء المتكرر بصيغ متنوعة بأنّهم امتداد لمدرسة أهل السنة ومنهج السلف ودعوة كبار المصلحين كشيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب.

والمؤشّر الأهم في خطاب المتحدّث الرسمي باسم الغلاة أنّه لم يذكر هذه القضية مرةً ولا مرتين، بل يكررها في خطاباته -كما شاهدنا نماذجها- ويعرضها بصيغ النفي والاستفهام الاستنكاري والتنديد ونحوها من الصيغ التي يمكن استنتاج الحالة النفسية للمتحدث منها.

 

 

1 - هذا المقال جزء من بحث: كيف أسهم الإعلام الليبرالي في تعزيز شرعية الغلاة.
2 - انظر مثلاً: (مجلة دابق، ع 4، ص:15، 30، 33، 34)، (مجلة دابق، ع5، ص: 7، 8، 25، 26، 27، 29) ، (مجلة دابق، ع6، ص:16، 17، 26، 63).
3 - نظر مثلاً: جريدة الرياض: العدد (17046) والعدد ( 17053)، والعدد (17060). وجريدة الجزيرة: العدد (15842). وصحيفة عكاظ: العدد (5292).
4 - العدناني، بيان بعنوان: "فيقتلون ويقتلون".
5 - البخاري: (3606)، مسلم: (1847).
6 - بيان هيئة كبار العلماء، الدورة رقم (80)، 19/11/1435هـ.
7 - الشيخ صالح الفوزان، محاضرة التحذير من دعاة السوء، 06/01/1436هـ.
8 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: ثم نبتهل، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 8، 12، 13.
9 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: عذراً أمير القاعدة، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:21، 29.
10 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: ما كان هذا منهجنا ولن يكون، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:8، 9، 10.
11 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: هذا وعد الله، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 22.
12 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: يا قومنا أجيبوا داعي الله، مؤسسة الفرقان، الدقيقة: 27-28.
13 - العدناني، بيان رسمي بعنوان: إنّ ربك لبالمرصاد، مؤسسة الفرقان، الدقيقة:22.

إضافة تعليق جديد