الأحد 13 أكتوبر 2024 الموافق 09 ربيع ثاني 1446 هـ

منهج وتأصيل

حكم مصادرة أموال المرتد (الثورة السورية نموذجًا)

07 جمادي اول 1440 هـ


عدد الزيارات : 15385
أيمن هاروش

إنّ حرمة مال المسلم من أعظم الحرمات التي بيّنتها الشريعة، وحذرت من الوقوع فيها، وهي صنو دم المسلم المعصوم، لكنّ الغلاة الذين يسارعون في تكفير الناس ويتساهلون في الحكم بردّتهم: يستبيحون دماءهم، ويصادرون أموالهم.

وقد ابتليت الثورة السورية بهؤلاء الغلاة الذين أوغلوا في الدماء والأموال، فكان هذا دأبهم منذ ظهورهم على الساحة السورية، إلى يومنا، هذا كما ظهر ذلك جليًّا في اعتداءات هيئة تحرير الشام الأخيرة على الفصائل، واستيلائها على المناطق في الشمال السوري.

وفي هذا البحث: تأصيل مسألة مصادرةَ الأموال بسبب الحكم على أصحابها بالردّة.

  • تقرؤون في هذا البحث:

• تعريف الردّة وخطورتها.

• ملكيّة المرتد لماله بعد ردّته.

• مصارف مال المرتد بعد الحكم بمصادرتها.

• من يصادر  مال المرتد؟ ومتى؟

• الواقع العملي للفصائل في مال المرتد، والمآخذ الشرعية عليها.

• الطريق الصحيح للتصرف في مال المرتد

لتحمل البحث بصيغة PDF .. اضغط هنا


 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آل وصحبه أجمعين، وبعد:

فإنّ حرمة مال المسلم، من أعظم الحرمات التي بينتها الشريعة، وحذرت من الوقوع فيها، وهي صنو دم المسلم المعصوم، ولذا فكثيرًا ما اقترن ذكر المال بالدم، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (فإن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه)أخرجه البخاري واللفظ له برقم (67) – كتاب العلم – باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع، ومسلم برقم (29/1679) – كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات – باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال.، وقوله: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)أخرجه مسلم برقم (32/2564) – كتاب البر والصلة والآداب – باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله..

وأكثر ما يُجرِّئُ البعضَ على سلب مال المسلم تكفيرُهم له، فيرونه مرتدًا، وبِرِدّته هذه حلَّ لهم دمُه وماله، فيجمعون إلى سلب المال المعصوم، غلوًا وتكفيرًا وإخراجًا للمسلم من عقد الإسلام، فيكون حالهم ظلماتٌ بعضها فوق بعض.

ومما ابتليت بها الثورة السورية بسبب أفعال الغلاة: الاعتداءُ على أموال الناس بذرائع وحجج كثيرة وواهية، تنتهي بهم بالحكم على أصحابها بالردّة، فيصادرون أموالهم، وهي مصيبة وجريمة لا تقل خطورة عن جريمة الاعتداء على دماء الناس، التي ولغوا بها وأفسدوا فيها أيما إفساد.

وسنناقش في هذا البحث مصادرةَ الأموال بسبب الحكم على أصحابها بالردّة، ولن نناقش الحكم بالردّة، فهذا يناقش في مباحث التكفير وضوابطه، بل سنسلم جدلًا أنّ من صادروا ماله وَقَعَ في ردّة صحيحة، فما حكم ماله؟ وماذا يفعل به؟

ولقد بحث الفقهاء كل المسائل المالية للمرتد، لكن ما يركز عليه البحث، هو حكم مصادرة مال المرتد بسبب الحكم عليه بردته.

 

المطلب الأول: تعريف الردّة وخطورتها، وفيه المسائل الآتية:

أولًا: تعريف الردة

لغة:

قال ابن فارس: "الراء والدال أصل واحد مطرد منقاس، وَهُوَ رَجْعُ الشَّيْءِ. تقول: رَدَدْتُ الشَّيْءَ أَرُدُّهُ رَدًّا. وَسُمِّيَ الْمُرْتَدُّ لأنهُ رَدَّ نَفْسَهُ إِلَى كُفْرِهِ"ابن فارس أحمد بن فارس بن زكريا القزويني – معجم مقاييس اللغة – مادة (ردد)– (2/386) – دار الفكر – ط 1399ه 1979م – ت: عبد السلام هارون..

وقال ابن منظور: "وقد ارتدَّ وارتدَّ عنه: تَحَوَّلَ. وَفِي التنزِيل: {مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ}[البقرة: 217]،  وَالِاسْمُ الرِّدّة، ومنه الردّة عن الإسلام أي الرجوع عنه"ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي ابن منظور - لسان العرب – مادة (ردد)–(3/173) – دار صادر –بيروت – ط3 1414ه..

وقال الفيروزآبادي: "والرَّدَّةُ: القُبْحُ، وبالكسر: الاسمُ من الارْتِدَادِ .... والارْتِدادُ: الرُّجوعُ"الفيروز آبادي مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - القاموس المحيط – مادة (ردد)– (ص:282) – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط8 1426ه 2005م – تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة..

فيظهر من كلام أهل اللغة، أن المعنى اللغوي للردة، هي العودة إلى الحالة التي كان عليها صاحبها قبلها.

واصطلاحاً:

قال المناوي: "قطع الإسلام بنيةٍ أو قول أو فعل مكفر"المناوي زين الدين محمد عبد الرؤوف المناوي - التوقيف على مهمات التعاريف – (ص:176)- عالم الكتب – القاهرة – ط1 1410ه 1990 م..

وقال القرافي: "وهي عبارة عن قطع الإسلام من مكلف، وفي غير البالغ خلاف، إما باللفظ أو بالفعل"القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الشهير بالقرافي- الذخيرة – (12/13) – دار الغرب الإسلامي – بيروت – ط1 1994م – ت: محمد حجي وسعيد أعراب ومحمد بو خبزة..

وقال النووي: "وهي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل "النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي- روضة الطالبين – (10/64) – المكتب الإسلامي – بيروت – ط3 1412ه 1991م – ت: زهير الشاويش..

فالردّة إذن رجوع المرء إلى الكفر وتحوله عن الإسلام، إما بالاعتقاد أو القول أو الفعل، وهذا القول أو الفعل أو الاعتقاد، هو الناقض للإيمان والمسبب لحكم الردّة على صاحبه.

وقد بحث أهل العلم نواقض الإسلام، والأسباب التي توقع صاحبها بالردة، الاعتقادية والقولية والعملية، وليست محل بحثنا هنا.

 

ثانيًا: تعريف المال

لغة:

قال ابن فارس: "الميم والواو واللام كلمة واحدة، هي تمول الرجل: اتخذ مالًا، ومال يَمَال: كثر مالُه"مقاييس اللغة - مادة (مول) - (5/ 285)..

وقال ابن منظور: "المال: ما ملكته من جميع الأشياء"لسان العرب - مادة (مول) - (11/ 635) – دار صادر – بيروت – ط3 1414 ه..

وجاء في المعجم الوسيط: "(المَال) كل مَا يملكهُ الْفَرد أَو تملكه الْجَمَاعَة من مَتَاع أَو عرُوض تِجَارَة أَو عقار أَو نقود أَو حَيَوَان"مجمع اللغة العربية بالقاهرة - المعجم الوسيط (2/ 892)- مادة (مول) – دار الدعوة..

وقال ابن الأثير: "المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان. وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل، لأنها كانت أكثر أموالهم"ابن الأثير الجزري- المبارك بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري – النهاية في غريب الحديث والأثر – (4/373) – مادة (مول) - المكتبة العلمية – بيروت – 1399ه 1979م – ت: طاهر الزاوي0 محمود الطناجي..

فيظهر من كلام أهل اللغة أن المال هو كل شيء قابل للتملك، سواء كان نقودًا أم حيوانات أم نباتات أم أعيان منقولة وغير منقولة.

اصطلاحًا:

  • قال ابن نجيم الحنفي: "ما يتمول ويدخر للحاجة، وهو خاص بالأعيان فخرج تمليك المنافع"ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد – البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (2/217) – دار الكتاب الإسلامي- ط2 بدون تاريخ..
  • ونقل ابن الهمام الحنفي عن محمد قوله: "المال كل ما يمتلكه الناس من دراهم أو  دنانير أوحنطة أو شعير أو حيوان أو ثياب أو غير ذلك"ابن الهمام – كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام - شرح فتح القدير - (2/215) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1424ه 2003م – ت: عبد الرزاق غالب المهدي..
  • وعرفه ابن عبد البر المالكي بقوله: "كل ما تمول وتملك فهو مال"ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (2/ 5) – وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب – 1387ه – ت: مصطفى بن أحمد العلوي – محمد عبد الكبير البكري..
  • ونقل السيوطي عن الشافعي قوله: "لا يقع اسم مال إلا على ماله قيمة يباع بها وتلزم متلفه"السيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر – الأشباه والنظائر – (ص:327) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1411 ه 1990 م..
  • وعرفه ابن قدامة الحنبلي بقوله: "ما فيه منفعة مباحة لغير ضرورة"ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي – المقنع في فقه الإمام أحمد – (ص:152) – مكتبة السوادي – جدة – ط1 1421 ه 2000 م – ت: محمود الأرناؤوط – ياسين محمود الخطيب..
  • وقال صاحب التعريفات الفقهية: "ما يجري فيه البذل والمنع ويميل إليه طبع الإنسان، ويمكن ادّخاره إلى وقت الحاجة"محمد عميم الإحسان المجددي البركتي - التعريفات الفقهية (ص: 191) - دار الكتب العلمية – ط1 1424ه 2003م..

والذي يظهر من تعريفات أهل العلم، أنّهم متفقون على أن المال لا بد أن يكون منتفعًا به انتفاعًا مباحًا حالة الاختيار، ولا شك أن ما ينتفع به تميل له الطباع السليمة.

إلا أنّ الحنفية زادوا كونه قابلاً للتمول والادخار، أي أن يحفظ ويبقى مدة لوقت حاجته، وهذه الزيادة أخرجت المنافع، فهي لا تقبل الادخار.

ويكون الاتفاق بين الفقهاء على اعتبار الأعيان والنقود مالاً، واختلفوا في المنافع فهي مال عند الجمهور، وليست مالاً عند الحنفية.

 

ثالثًا: آثار الردّة

إذا وقع العبد في موجب من موجبات الردة، ترتبت على الحكم بردته بسبب ذلك آثارٌ عملية، وهي:

  • حبوط عمله:

قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].

قال الطبري: "حبطت أعمالهم، بطلت وذهبت. وبُطولها: ذهابُ ثوابها، وبُطول الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة"الطبري أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري – (4/317) – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط1 1420ه 2000م، ت: أحمد شاكر..

وقال القرطبي: "ومن يرتدد أي يرجع عن الإسلام إلى الكفر (فأولئك حبطت) أي بطلت وفسدت، ومنه الحبط وهو فساد يلحق المواشي في بطونها من كثرة أكلها الكلأ فتنتفخ أجوافها، وربما تموت من ذلك، فالآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام"القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الخزرجي القرطبي – (3/46) – دار الكتب المصرية – القاهرة - ط2 1384ه 1964م – ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش.​.

أي خسر كل ثواب أعماله التي قام بها من يوم بلوغه إلى لحظة رده، وهذا محل اتفاق بين العلماء لو مات على الردة، وأما لو تاب فهل يرجع له ثواب عمله أو لا؟ فيه خلاف بين العلماء، لاختلافهم في زمن بطلان العمل هل بالردّة أم بالموت عليها؟

قال القرطبي رحمه الله: "قال الشافعي: إن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا حَجُّه الذي فرغ منه، بل إن مات على الردّة فحينئذ تحبط أعماله. وقال مالك: تحبط بنفس الردة، ويظهر الخلاف في المسلم إذا حج ثم ارتد ثم أسلم، فقال مالك: يلزمه الحج، لأن الأول قد حبط بالردة. وقال الشافعي: لا إعادة عليه، لأن عمله باق"تفسير القرطبي (3/48)..

 

  • استتابته أو قتله:

ومن ثبتت ردته فحده القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)أخرجه البخاري برقم (6922) – كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم - باب حكم المرتد.، إلا المرأةَ عند الحنفية، قال الكاساني في بيان أحكام الردّة: "منها [أحكام المرتد] إباحة دمه إذا كان رجلاً، حراً كان أو عبداً، لسقوط عصمته بالردّة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بَدَّلَ دينَهُ فاقْتُلُوهُ)، وكذا العرب لما ارتدت بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجمعت الصحابة - رضي الله عنهم - على قتلهم"الكاساني – علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (7/ 134) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط2 1406ه – 1986م، وانظر المغني لابن قدامة (9/3).​.

فإن أبى قُتِل حدًا، هذا باتفاق أهل العلم، وإنما اختلفوا في وجوب الاستتابة قبل القتل أو استحبابها، فمذهب الحنفية الاستحباب وهو قول للشافعي وأحمد، ومذهب الجمهور الوجوب.

قال الكاساني الحنفي: "ومنها أنه يستحب أن يستتاب ويعرض عليه الإسلام لاحتمال أن يسلم، لكن لا يجب"بدائع الصنائع (7/134)..

وقال خليل المالكي: "واستتيب ثلاثة أيام، بلا جوع وعطش ومعاقبة ما لم يتب، فإن تاب وإلا قتل"أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم الغرناطي المالكي – التاج والإكليل - (8/373) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1416 ه 1994 م..

وقال الشربيني الشافعي: "وتجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما، لأنهما كانا محترمين بالإسلام، فربما عرضت لهما شبهة فيسعى في إزالتها"الخطيب الشربيني –شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي – (5/436) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415 ه 1994 م..

وقال ابن قدامة الحنبلي: "لا يقتل [المرتد] حتى يستتاب ثلاثاً، هذا قول أكثر أهل العلم .....، وروي عن أحمد رواية أخرى، أنه لا تجب استتابته، لكن تستحب"ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي – المغني - (9/4)- مكتبة القاهرة – طبعة بدون رقم ولا تاريخ.​.

 

  • فسخ عقد زواجه:

فإذا وقعت الردّة من أحد الزوجين، فسخ العقد بينهما باتفاق جميع أهل، سواء كانت الردّة قبل الدخول أم بعده، فإن عاد المرتد منهما إلى الإسلام قبل انتهاء عدة الزوجة عادت الحياة الزوجية بينهما، على رأي من يرى أن الفرقة تحصل بانتهاء العدة، ولا ترجع الحياة الزوجية على رأي من يرى أن الفرقة تحصل بوقوع الردة، وهذا الخلاف في الردّة بعد الدخول، أما قبل الدخول فتقع الفرقة بوقوع الردّة بالاتفاق، وإن عاد بعد العدة فلا أثر لعودته لأن الحياة الزوجية انقطعت بالاتفاق.

قال ابن قدامة: "إذا ارتدّ أحد الزوجين قبل الدخول، انفسخ النكاح، في قول عامة أهل العلم، إلا أنه حكي عن داود، أنه لا ينفسخ بالردة، لأن الأصل بقاء النكاح، ولنا قول الله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]"، وقال بعدها: "اختلفت الرواية عن أحمد، فيما إذا ارتد أحد الزوجين بعد الدخول، حسب اختلافها فيما إذا أسلم أحد الزوجين الكافرين، ففي إحداهما تتعجل الفرقة، وهو قول أبي حنيفة، ومالك. وروي ذلك عن الحسن، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وزفر، وأبي ثور، وابن المنذر، لأن ما أوجب فسخ النكاح استوى فيه ما قبل الدخول وبعده، كالرضاع، والثانية: يقف على انقضاء العدة، فإن أسلم المرتد قبل انقضائها، فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت، بانت منذ اختلف الدينان، وهذا مذهب الشافعي، لأنه لفظ تقع به الفرقة، فإذا وجد بعد الدخول، جاز أن يقف على انقضاء العدة، كالطلاق الرجعي، أو اختلاف دين بعد الإصابة، فلا يوجب فسخه في الحال"المغني (7/173-174)..

 

  • انقطاع التوارث بينه وبين أقاربه المسلمين:

فالمرتدّ أصبح كافرًا والعياذ بالله، ولا يرث الكافرُ المسلمَ بالإجماع، ولا المسلمُ الكافرَ عند الأئمة الأربعة، ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ الكَافِرُ المُسْلِمَ)أخرجه البخاري برقم (6764) – كتاب الفرائض – باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ومسلم برقم (1/1614) – كتاب الفرائض – بدون اسم باب..

قال ابن رشد: "واختلفوا في ميراث المسلمِ الكافرَ، وفي ميراث المسلمِ المرتدَّ، فذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار إلى أنه لا يرث المسلمُ الكافرَ بهذا الأثر الثابت، وذهب معاذ بن جبل ومعاوية من الصحابة وسعيد بن المسيب ومسروق من التابعين وجماعة إلى أن المسلم يرث الكافر، وشبهوا ذلك بنسائهم، فقالوا: كما يجوز لنا أن ننكح نساءهم ولا يجوز لنا أن ننكحهم نساءنا كذلك الإرث، ورووا في ذلك حديثًا مسندًا، قال أبو عمر: وليس بالقوي عند الجمهور"ابن رشد الحفيد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي – بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/137) - دار الحديث – القاهرة – ط 1425ه 2004 م..

وقل الرحبي في منظومته:

ويمنع الشخصَ من الميراثِ   واحدةٌ من عللٍ ثلاثِ
رقٌ وقتلٌ واختلاف دينِ     فافهم فليس الشك كاليقينِ

وقال شارحها: "والمانع الثالث: اختلاف الدين بالإسلام والكفر، فلا يرث المسلمُ الكافرَ، ولا يرث الكافرُ المسلمَ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما"سبط المارديني محمد بن محمد سبط المارديني – شرح الرحبية في الفرائض - (ص:38) – دار القلم - دمشق – ط8 1419ه 1998 م..

 

  • مصادرة ماله:

وباتفاق العلماء، تزول ملكيته عن ماله، واختلفوا في وقت زوالها، ومصير المال، وهو محل البحث.

 

رابعًا: خطورة التكفير

إنّ الحكم على شخص بالردّة هو تكفير له وإخراج له من الملة، والتكفير خطير وعظيم، لا يجوز أن يتصدى له إلا أهلُ العلم الراسخون، ولا يصدر على معين إلا بقضاء القاضي، لما يترتب عليه من الآثار الخطيرة التي سبق بيانها.

لقد حذر القرآن الكريم والسنة النبوية من خطر التكفير، وحمل معاوله على المسلمين، فذكر القرآن في تعقيبه على عمل أحد الصحابة عندما قتل رجلاً في المعركة بعد أن نطق بالشهادة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}[النساء:94].

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ المُسْلِمُونَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: 94] تِلْكَ الغُنَيْمَةُ"أخرجه البخاري برقم 4591- كتاب تفسير القرآن – باب (ولا تقولا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا).​.

وعَنه أيضاً، قَالَ: "بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً، فِيهَا الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ، فَلَمَّا أَتَوُا الْقَوْمَ، وَجَدُوهُمْ قَدْ تَفَرَّقُوا، وَبَقَيَ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَبْرَحْ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ الْمِقْدَادُ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: أَقَتَلْتَ رَجُلاً يَشْهَدُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟! وَاللَّهِ لأَذْكُرَنَّ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رَجُلاً شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَقَتَلَهُ الْمِقْدَادُ؟ فَقَالَ: ادْعُ لِيَ الْمِقْدَادَ، يَا مِقْدَادُ، أَقَتَلْتَ رَجُلاً يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؟ فَكَيْفَ بِكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ غَدًا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أَوِ السَّلاَمَ، شَكَّ أَبُو سَعِيدٍ، يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ سَلَمَةَ، {لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ، كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ}، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمِقْدَادِ: كَانَ رَجُلاً مُؤْمِنًا يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ، فَقَتَلْتَهُ وَكَذَلِكَ كُنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ قَبْلُ"أخرجه البزار في مسنده برقم 5127، وقال الهيثمي عنه: إسناده جيد. (مجمع الزوائد 7/9)..

وهناك روايات أخرى في الآية، وقد تكون نزلت تعقيباً على عدة حوادث حصلت، كما هو معلوم في علم القرآن أن السبب قد يتعدد، وكما أشار إليه ابن حجر في فتح الباري بقوله: "ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معاً"ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن حجر - فتح الباري شرح صحيح البخاري– (8/259) - دار المعرفة – بيروت – 1379ه​..

فإذا كان هذا التحذير من التكفير وطلب التثبّت في مقام قتال الأعداء الكفار، فهو أولى في مقام التعامل مع من سبق له الإسلام والتزم بعقده، قال ابن حجر: "وفي الآية دليل على أن من أظهر شيئا من علامات الإسلام لم يحل دمه حتى يختبر أمره"المرجع السابق..

 

ومن السنة أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم، منها:

  • عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا)أخرجه البخاري برقم 6103- كتاب الأدب– باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال..
  • عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)أخرجه مسلم برقم 111- كتاب – باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر.​.
  • عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: (ما أكفر رجل قَطُّ إِلَّا بَاءَ أَحَدُهُمَا بِهَا إِنْ كَانَ كافرًا وإلا كفر بتكفيره)أخرجه ابن حبان برقم 248- فصل ذكر البيان بأن من أكفر إنسانا فهو كافر لا محالة، وصححه الألباني في التعليقات الحسان 1/311..

فهذه الأحاديث ونظائرها كثيرة تزجر المسلم أن يطلق لسانه في تكفيرِ مَنْ ظاهرُه الإسلام، فما دام يشهد الشهادتين ويؤدي الشعائر فهو مسلم، ولا شك أن الغلوّ هو من يقود المرء ليكفّر المسلمين، كما قال الإمام مالك رحمه الله عندما سئل عن حديث (فقد باء بها أحدهما): أراهم الحروريةالتمهيد  (17/15).، أي الخوارج لأنهم غالوا في مفهوم الإيمان فكفروا المسلمين.

 ومعنى (باء بها أحدهما) أو (كفر بتكفيره) أي لا يكفر بها إنما يعود بذنب عظيم، كما قال ابن عبد البر: "وإذا قيل للمؤمن يا كافر فقد باء قائل ذلك بوزر الكلمة واحتمل إثمًا مبينًا وبهتانًا عظيمًا، إلا أنه لا يكفر بذلك لأن الكفر لا يكون إلا بترك ما يكون به الإيمان، وفائدة هذا الحديث النهي عن تكفير المؤمن وتفسيقه"ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر – الاستذكار – ( 8/549) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1421ه 2000م – ت: سالم عطا ومحمد معوض.​.

وقال: والمعنى فيه عند أهل الفقه والأثر أهل السنة والجماعة النهي عن أن يكفّر المسلم أخاه المسلم بذنب أو بتأويل لا يخرجه من الإسلام عند الجميع فورد النهي عن تكفير المسلم"التمهيد 17/14..

وقال النووي: "هذا الحديث مما عده بعض العلماء من المشكلات، من حيث إن ظاهره غير مراد، وذلك أن مذهب أهل الحق أنه لا يكفر المسلم بالمعاصي، كالقتل والزنا وكذا قوله لأخيه كافر من غير اعتقاد بطلان دين الإسلام، وإذا عرف ما ذكرناه فقيل في تأويل الحديث أوجه:  

أحدها: أنه محمول على المستحل لذلك، وهذا يكفر، فعلى هذا معنى باء بها أي بكلمة الكفر، وكذا حار عليه وهو معنى رجعت عليه، أي رجع عليه الكفر، فباء وحار ورجع بمعنى واحد.

 والوجه الثاني معناه: رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره.

والثالث: أنه محمول على الخوارج المكفرين للمؤمنين، وهذا الوجه نقله القاضي عياض رحمه الله عن الإمام مالك بن أنس وهو ضعيف، لأن المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون والمحققون أن الخوارج لا يُكَفَّرُونَ كسائر أهل البدع.

والوجه الرابع معناه: أن ذلك يؤول به إلى الكفر، وذلك أن المعاصي كما قالوا: بريد الكفر، ويخاف على المكثر منها أن يكون عاقبة شؤمها المصير إلى الكفر، ويؤيد هذا الوجه ما جاء في رواية لأبي عوانة الإسفرايني في كتابه المخرج على صحيح مسلم، فإن كان كما قال وإلا فقد باء بالكفر، وفي رواية إذا قال لأخيه: يا كافر وجب الكفر على أحدهما.

والوجه الخامس معناه: فقد رجع عليه تكفيره، فليس الراجع حقيقة الكفر بل التكفير، لكونه جعل أخاه المؤمن كافرًا فكأنه كفر نفسه، إما لأنه كفر من هو مثله، وإما لأنه كفر من لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام. والله أعلم "النووي أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي - شرح النووي على صحيح مسلم – (2/49) – دار إحياء التراث العربي – بيروت – ط2 1392ه.​.

ولقد شدد أهل العلم، سلفاً وخلفاً على خطورة التكفير والولج فيه، كما سبق كلام بعضهم، وأورد كلام آخرين في هذا الباب.

قال الشوكاني: "اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر، لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن: "من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما" هكذا في الصحيح، وفي لفظ آخر في الصحيحين "من دعا رجلًا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"، أي رجع وفي لفظ في الصحيح: "فقد كفر أحدهما"، ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها، أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع في التكفير"الشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني - السيل الجرار – (1/978) - دار ابن حزم – ط1..

وقال ابن عبد البر: "فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه، ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له، أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت، بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنبًا أو تأول تأويلًا فاختلفوا بعدُ في خروجه من الإسلام، لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها"التمهيد 17/22..

قال ابن نجيم: "وفي الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرًا متى وجدت رواية أنه لا يكفر اهـ. ...... وفي الخلاصة وغيرها إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينًا للظن بالمسلم"البحر الرائق (5/134)..

هذا غيض من فيض من كلام أهل العلم والفقه والتحقيق من خطورة إطلاق التكفير، وأن أعظم ظلم يقع به المسلم لأخيه هو تكفيره.

وقد بين أهل العلم ضوابط وقواعد التكفير، حتى لا يكون ألعوبة بيد الناس، وليس بيانها غرضًا لبحثنا، وإنما أردنا بيان خطورة التكفير للتحذير من الحكم على معين بردته، أو على فعل أو قول بأنه مناط ردّة دون ضوابط، وخطورة ما يبنى على ذلك من استحلال دم ومال ونحو ذلك.

 

المطلب الثاني: مصادرة مال المرتد، وفيه المسائل الآتية:

أولًا: ملكية المرتد بعد ردّته:

المرتدّ بارتداده سقطت عنه العصمة التي كانت تحصّن دمَه وماله، وصار دمه وماله هدراً، ومعنى هدر ماله: أي سقطت ملكيته عنه ولم يعد له، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم، واتفقوا أنها تسقط كاملة بموته أو قتله على الردة، وزاد الحنفية بلحاقه بدار الحرب، أي لا تزول كاملةً بمجرد وقوع الردة.

يقول الكاساني الحنفي: "لا خلاف في أنه إذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه، ولا خلاف أيضًا في أنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب تزول أمواله عن ملكه، واختلف في أنه تزول بهذه الأسباب مقصورًا على الحال، أم بالردّة من حين وجودها على التوقف، فعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ملك المرتد لا يزول عن ماله بالردة، وإنما يزول بالموت أو القتل أو باللحاق بدار الحرب، وعند أبي حنيفة - رضي الله عنه - الملك في أمواله موقوف على ما يظهر من حاله"بدائع الصنائع 7/136..

ويقول الدردير المالكي في شرحه الصغير: "مال المرتد فيء للمسلمين إذا مات أو قتل على ردته، فلا يرث ولا يورث"أحمد الدردير - الشرح الصغير مطبوع مع حاشية الصاوي – (4/714) – دار المعارف – ط بدون رقم ولا تاريخ.​، فيفهم منه أنه قبل قتله أو موته لا يكون فيئًا، لبقاء ملكيته له.

وقال النووي الشافعي في المنهاج: "وفي زوال ملكه عن ماله بها أقوال: أظهرها إن هلك مرتدًا بان زواله بها، وإن أسلم بان أنه لم يَزُل"النووي يحي بن شرف الدين النووي – منهاج الطالبين – (5/440) – مطبوع مع مغني المحتاج – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415ه 1994 م..

وقال شارحه الشربيني: "(وفي زوال ملكه) أي المرتد (عن ماله) الحاصل قبلها، أو فيها بنحو اصطياد، (بها) أي: الردّة (أقوال: أظهرها) الوقف كبضع زوجته، سواء التحق بدار الحرب أم لا، فعليه (إن هلك مرتدًا بان زواله بها) أي الردة، فما ملكه فيء وما تملكه من احتطاب ونحوه باق على الإباحة، (وإن أسلم بان أنه لم يزل) لأن بطلان أعماله تتوقف على هلاكه على الردة، فكذا زوال ملكه، والثاني يزول بنفس الردّة لزوال العصمة بردته فماله أولى، والثالث لا يزول، لأن الكفر لا ينافي الملك كالكافر الأصلي"الشربيني محمد بن أحمد الخطيب الشربيني – مغني المحتاج – (5/440) – الطبعة السابقة مع المنهاج..

وقال ابن قدامة الحنبلي: "اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات، أو قتل على ردته، فروي عنه أنه يكون فيئًا في بيت مال المسلمين، قال القاضي: هو صحيح في المذهب"المغني 6/372..

ومقتضى هذا: أنّ المرتدّ يحكم بزوال ملكه تمامًا عن ماله عند الجمهور بالقتل أو الموت عند الجميع، وزاد الحنفية باللحاق بدار الحرب، وعند بعض الفقهاء تزول ملكيته فور وقوع الردة، وبناء عليه اختلف في تصرفاته في ماله زمن الردة، هل هي صحيحة لأنه ماله وله حق التصرف فيه، كالكافر الأصلي، ولا تزول ملكيته إلا بقتله أو موته؟ أم تصرفاته موقوفة لأن ملكيته زالت عن ماله لكنْ زوالًا ناقصًا؟ أم باطلة لأن ملكيته تزول زوالًا تامًا بمجرد وقوع الردة؟

يقول الكاساني: "لا خلاف في أنه إذا أسلم تكون أمواله على حكم ملكه، ولا خلاف أيضًا في أنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب تزول أمواله عن ملكه، واختلف في أنه تزول بهذه الأسباب مقصورًا على الحال، أم بالردّة من حين وجودها على التوقف، فعند أبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - ملك المرتد لا يزول عن ماله بالردة، وإنما يزول بالموت أو القتل أو باللحاق بدار الحرب، وعند أبي حنيفة - رضي الله عنه - الملك في أمواله موقوف على ما يظهر من حاله،  وعلى هذا الأصل بني حكم تصرفات المرتد أنها جائزة عندهما كما تجوز من المسلم، حتى لو أعتق أو دبر أو كاتب أو باع أو اشترى أو وهب نفذ ذلك كله، وعقدة تصرفاته موقوفة لوقوف أملاكه، فإن أسلم جاز كله، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطل كله، وجه قولهما أن الملك كان ثابتًا له حالة الإسلام لوجود سبب الملك وأهليته وهي الحرية، والردّة لا تؤثر في شيء من ذلك، ثم اختلفا فيما بينهما في كيفية الجواز، فقال أبو يوسف رحمه الله: جوازها جواز تصرف الصحيح، وقال محمد رحمه الله: جواز تصرفات المريض مرض الموت"بدائع الصنائع 7/136..

وقال الحصفكي الحنفي: "ويتوقف منه [المرتد] عند الإمام، وينفذ عندهما كل ما كان مبادلة مال بمال، أو عقد تبرع ك (المبايعة) والصرف والسلم (والعتق والتدبير والكتابة والهبة) والرهن (والإجارة) والصلح عن إقرار، وقبض الدين لأنه مبادلة حكمية (والوصية) وبقي أمانه وعقله ولا شك في بطلانهما. وأما إيداعه واستيداعه والتقاطه ولقطته فينبغي عدم جوازها"الحصفكي علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصني - الدر المختار– مطبوع مع رد المحتار (حاشية ابن عابدين) – (4/250) – دار الفكر – بيروت – ط2 1412ه 1992 م..

وقال ابن عابدين في شرحها: "قوله: (ويتوقف منه عند الإمام) بناء على زوال الملك كما سلف، نهرنهر: إشارة إلى كتاب (النهر الفائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم الحنفي، ومثلها كلمة (بحر) آخر الكلام المنقول، وهو إشارة إلى كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم أيضًا، وهو أضخم وأوسع من النهر.، (قوله وينفذ عندهما) إلا أنه عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عوده إلى الإسلام. وعند محمد كما تصح من المريض لأنها تفضي إلى القتل ظاهرًا، بحر بن عابدين محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين – رد المحتار على الدر المختار – (4/250) - الطبعة السابقة مع الدر المختار.

فعند أبي حنيفة تصرفاته صحيحة موقوفة، فإن عاد إلى الإسلام صحت، وإن مات أو قتل أو لحق بدار الحرب بطلت، وعند الصاحبين صحيحة نافذة، لكنها كتصرفات مريض مرض الموت عند محمد وكالصحيح عند أبي يوسف.

وأما مذهب المالكية فنقل ابن عبد البر عن ابن القاسم المالكي قوله: "إن باع المرتد أو ابتاع في أيام استتابته أو ارتداده كان بيعه مفسوخًا، وإن قتل فلا شيء لمن عامله، وإن أسلم صح الدين في ذمته ولو عاملوه وهم يظنونه مسلمًا أو ذميًا وقد كان ارتد لم يفسخ بيعهم، وكان ذلك في ماله"ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر – الكافي في فقه أهل المدينة – (2/732) – مكتبة الرياض – الرياض- ط2 1400ه 1980م – ت: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني..

وقال القرافي: "قال ابن القاسم: إن قتل المرتد أو المرتدة لم ينفذ بيعهما في زمن الردّة ولا شراؤهما، لأن نفوذ التصرف إنما هو لتحصيل مصالح الحياة، والمرتد مراق الدم، ويوقف مالهما ويطعمان منه، وإن عاملا بعد الحجر فلحقهما دين لم يلحق مالهما ولا فيما ملكاه بهبة أو غيرها إن قتلا بالردة، وإن أسلما كان ذلك في ماله وما ربح من تجارته في الردّة ففي ماله، فإن جهلت ردته سنين وداين الناس جاز عليه لطول أمره، قال التونسي: بيع المرتد وشراؤه إذا لم يعلم به ولا حجر عليه جائز حتى يوقف ويحجر عليه، فيكون الأمر موقوفًان فإن قتل رد فعله وإن أسلم مضى"القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس – الذخيرة – (8/255) – دار الغرب الإسلامي – بيروت – ط1 1994م – ت: محمد حجي – سعيد أعرب – محمد بو خبزة..

فيظهر من كلام المالكية أن تصرفاته موقوفة كقول أبي حنيفة، فإن أسلم نفدت وإلا فلا، وعند بعضهم تصبح موقوفة بعد الحجر عليه لا بمجرد الردة، فيكون قبل الحجر تصرفُه صحيحًا نافذًا.

وأما مذهب الشافعية ففيه ثلاثة أقوال، قال العمراني الشافعي: "وفي جواز تصرفه قبل الحجر ثلاثة أقوال:

أحدها: أن ماله باقٍ على ملكه، وتصرفه فيه قبل الحجر عليه صحيح....

والثاني: وهو اختيار الشيخ أبي إسحاق: أن ملكه يزول عن ماله بالردة، فعلى هذا: لا يصح تصرفه فيه....

والثالث: أن ملكه وتصرفه موقوفان، فإن أسلم تبين أن ملكه لم يزل، وتصرفه صحيح، وإن مات على الردّة أو قتل عليها تبينَّا أن ملكه زال بالردة، وأن تصرفه باطل "العمراني أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني – البيان في مذب الإمام الشافعي 12/54 – دار المنهاج - جدة - ط1 1421ه 200م – ت: قاسم محمد النوري.​.

وذكر الماوردي كلاماً طويلاً وتفصيلاً دقيقاً، خلاصته أن تصرف المرتد بعد الحجر عليه إن كان فيما هو استهلاك لماله كالهبة والتبرع فباطل، وإن لم يكن فيه استهلاك كالبيع ففيه قولان.

وتصرفه قبل الحجر عليه فيه ثلاثة أقوال، صحيح نافذ، سواء قتل أو عاد للإسلام، وباطل سواء قتل أو عاد للإسلام، وصحيح موقوف فإن عاد للإسلام نفذ وإن قتل بطلالماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب الماوردي - الحاوي الكبير- (13/161-163) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1419ه 1999م- ت: علي معوض – عادل عبد الموجود.​.

فيكون مذهب الشافعية بطلان تصرفه بعد الحجر عليه، وقبل الحجر فيه ثلاثة أقوال.

وأما مذهب الحنابلة فيقول ابن قدامة: "وتصرفات المرتد في ردته بالبيع والهبة والعتق والتدبير والوصية ونحو ذلك موقوف، إن أسلم تبينَّا أن تصرفه كان صحيحًا، وإن قتل أو مات على ردته، كان باطلًا، وهذا قول أبي حنيفة، وعلى قول أبي بكر تصرفه باطل، لأن ملكه قد زال بردته، وهذا أحد أقوال الشافعي، وقال في الآخر: إن تصرف قبل الحجر عليه انبنى على الأقوال الثلاثة، وإن تصرف بعد الحجر عليه لم يصح تصرفه كالسفيه"المغني 9/10..

فمذهب الحنابلة تصرفه موقوف، فإن ظهر إسلامه نفد، وإن قتل أو مات على الردّة فهو باطل، كقول أبي حنيفة والمالكية، وفي قول للحنابلة وهو قول أبي بكر باطل، لأنه يرى أن زوال الملك بمجرد الردّة يقع ولو أسلم عاد له ماله بتمليك مستأنفالمغني 9/9..

وخلاصة كلام أهل العلم في تصرفات المرتد في ماله على ثلاثة أقوال:

  •  صحة تصرفاته لأن ملكه باق وله حق التصرف فيه، وهو قول الصاحبين وبعض الشافعية.
  • بطلان كل تصرفاته لأن ملكه يزول بمجرد وقوع الردة، وهو قول للشافعية وقول للحنابلة.
  • تصرف موقوف على بيان حاله، فإن أسلم صح ونفذ، وإن قتل أو مات بطل، وهو قول أبي حنيفية والمالكية وقول للشافعية ومذهب الحنابلة.

 

ثانيًا: مصارف مال المرتد بعد المصادرة:

إذا زالت ملكية المرتد عن ماله تمامًا، بأن قتل أو مات، أو لحق بدار الحرب أيضًا عند الحنفية، فما مصير ماله؟ هل يعود لبيت مال المسلمين؟ أم يصير ميراثًا لأقاربه وورثته المسلمين؟

عند الحنفية هو ميراث لورثته المسلمين، يقول الكاساني الحنفي: "وأما حكم الميراث فنقول: لا خلاف بين أصحابنا - رضي الله عنهم - في أن المال الذي اكتسبه في حالة الإسلام يكون ميراثًا لورثته المسلمين إذا مات أو قتل أو لحق وقضي باللحاق"بدائع الصنائع 7/138..

وعند المالكية مال المرتد فيءٌ لبيت مال المسلمين، قال الشيخ الدردير في شرحه الكبير: "(والخمس) الذي لله ولرسوله (والجزية) العنوية والصلحية والفيء، وعشور أهل الذمة وخراج أرض الصلح، وما صولح عليه أهل الحرب، وما أخذه من تجارتهم محلها بيت مال المسلمين باجتهاده في مصالحهم العامة والخاصة"الدردير أحمد الدردير – الشرح الكبير – (2/190) – دار الفكر - ط بدون رقم ولا تاريخ، مطبوع مع حاشية الدسوقي..

وعلق عليه الدسوقي بقوله: "(قوله: وما أخذ من تجارتهم) ويزاد أيضًا على ذلك مال المرتد إذا مات على ردته، والمال الذي جهلت أربابه، ومال من لا وارث له فهذه جهات بيت المال"الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – (2/190) – دار الفكر - ط بدون رقم ولا تاريخ.

وقال الدردير في شرحه الصغير: "مال المرتد فيء للمسلمين إذا مات أو قتل على ردته، فلا يرث ولا يورث"أحمد الدردير - الشرح الصغير مطبوع مع حاشية الصاوي – (4/714) – دار المعارف – ط بدون رقم ولا تاريخ..

وعند الشافعية ماله فيء للمسلمين كمذهب المالكية، قال المطيعي في تكملة المجموع: "وقالت طائفة إن راجع الاسلام فماله له، وإن قتل فماله لبيت مال المسلمين لا لورثته من الكفار، قال بهذا ربيعة ومالك وابن أبى ليلى والشافعي"المطيعي محمد نجيب المطيعي - تكملة المجموع شرح المهذب (19/237)- دار الفكر – بيروت – ط بلا رقم ولا تاريخ..

وقال العمراني: ذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى: أن ماله لا يورث، بل يكون فيئًا لبيت المال، سواء في ذلك ما اكتسبه في حال إسلامه أو في حال ردته، وسواء قلنا: إن ملكه يزول، أو لا يزول، أو موقوف"البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/18)..

 وقال الماوردي الشافعي: "مذهب الشافعي أن المرتد لا يورث، ويكون جميع ماله فيئًا لبيت مال المسلمين"الحاوي الكبير (8/145)..

ولا يصير فيئاً إلا بموته، أي يتوقف فيه حال ردته، قال في المنهاج: "وفي زوال ملكه عن ماله بها أقوال: أظهرها إن هلك مرتدًا بان زواله بها، وإن أسلم بان أنه لم يَزُل"النووي يحي بن شرف الدين النووي – منهاج الطالبين – (5/440) – مطبوع مع مغني المحتاج – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415ه 1994 م.​.

وعند الحنابلة هو فيءٌ في الصحيح، وفي قول هو لورثته المسلمين، قال ابن قدامة: "اختلفت الرواية عن أحمد في مال المرتد إذا مات، أو قتل على ردته، فروي عنه أنه يكون فيئًا في بيت مال المسلمين. قال القاضي: هو صحيح في المذهب...... وعن أحمد ما يدل على أنه لورثته"المغني 6/372..

وقال ابن القيم: "وكثير من العلماء يورث المسلم مال المرتد إذا مات على ردته، وهذا القول هو الصحيح، وهو اختيار شيخنا"ابن القيم ابو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية - أحكام أهل الذمة- (2/1134) – دار رمادى للنشر – الدمام – ط1 1418ه 1997م – ت: يوسف البكري – شاكر العاروري.، وقال أيضاً: "وكذلك التحيل بالردّة على حرمان الوارث كفرٌ، والإفتاء بها كفر، ولا تتم إلا على قول مَنْ يرى أن مال المرتد لبيت المال، فأما على القول الراجح أنه لورثته من المسلمين فلا تتم الحيلة، وهذا القول هو الصواب"ابن القيم ابو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية - إعلام الموقعين- (3/189) – دار ابن الجوزي – السعودية – ط1 1423ه – ت: مشهور آل سلمان..

والملاحظ وهو أمر مهم، أن مذهب الحنابلة والشافعية والمالكية يرون القتل والموت سبباً لزوال الملك، والحكم بصرف المال، سواء لبيت مال المسلمين، أم لورثته على قول عند الحنابلة، أما الحنفية فزادوا اللحاق بدار الحرب واعتبروه كالموت أو القتل، كما سبق في نقل مذهبهم، قال ابن قدامة: "فإذا لحق المرتد بدار الحرب، وقف ماله فإن أسلم دفع إليه، وإن مات صار فيئًا، وبهذا قال مالك والشافعي، وجعل أهل العراق لحاقه بدار الحرب كموته، في زوال ملكه، وصرف ماله إلى من يصرف إليه إذا مات "المغني 6/374..

 

وخلاصة مذاهب الأئمة الأربعة أنّ المرتد:

•  يُتَوقف في ماله إذا ارتد، فإن عاد إلى الإسلام رجع له ماله كله، وإن قتل أو مات زال ملكه عن ماله كله، هذا بالاتفاق، واعتبر الحنفية اللحاق بدار الحرب كالقتل.
•  وإن قتل أو مات عند الجميع، وكذا لو لحق بدار الحرب عند الحنفية، فماله فيء عند الشافعية والمالكية وصحيح مذهب الحنابلة، وهو لورثته المسلمين عند الحنفية وقول للحنابلة وهو اختيار ابن القيم وابن تيمية، إلا ما استفاده وقت ردته عند أبي حنيفة فهو فيء، لأنه يعتبر حقيقة زوال الملك من لحظة الردة.

وهناك مذاهب أخرى لأهل العلم، اكتفيت بذكر مذاهب الأربعة، وهي لا تخرج عن مضمون ما سبق.

 

ثالثًا: من يصادر مال المرتد ومتى؟

تبرز في قضية البحث مسألتان جوهريتان، وهما: الحكم بالردة، والحكم بمصادرة مال المرتد، ومعلوم أن هذه المسائل من أعمال الإمام، أو القاضي الذي ينوب عنه، وليس لآحاد الناس أن ينفرد في الحكم والتطبيق، وبيان ذلك في النقاط الآتية:

  • القضاء من أعمال الإمامة:

وهذا باتفاق أهل العلم جميعًا، فالإمام من مهامه أن يباشر القضاء بنفسه أو بمن يوكل له ذلك، لفض النزاعات ويحقق العدل، قال الماوردي في بيان مهام الإمام: "والرابع: إقامة الحدود، لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك"الماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب الشهير بالماوردي – الأحكام السلطانية – (ص:40) – دار الحديث – القاهرة..

ولا يجوز لغير الإمام، أو من فوض له الإمامُ القضاءَ أن يقيم الحدود أو ينظر في قضايا الناس، قال الشيرازي الشافعي: "لا يقيم الحدود على الأحرار إلا الإمام أومن فوض، لأنه لم يقم حد على حر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه، ولا في أيام الخلفاء إلا بإذنهم، ولأنه حق لله تعالى يفتقر إلى الاجتهاد، ولا يؤمن في استيفائه الحيف فلم يجز بغير إذن الإمامالشيرازي أبو اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي – المهذب – (3/341) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط بدون تاريخ ولا رقم..

وعلق العدوي المالكي على عبارة كفاية الطالب: "لا تقام الحدود ولا يستقيم أمر الناس إلا بالإمام" بقوله: "[قوله: إذ لا تقام الحدود]، لأن إقامة الحدود شأنها عظيم، فلو تولاها غير الإمام لوقع من النزاع ما لا يحصى إذ لا يرضى أحد بإقامة الحد عليه [قوله: ولا يستقيم أمر الناس] هذا أعم من الذي قبله، فهو عطف عام على خاص، أي لا يستقيم أمر الناس من تنفيذ أحكامهم، وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم، وأخذ صدقاتهم، وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق، وإقامة الجمع والأعياد، وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقسمة الغنائم وغير ذلك"العدوي أبو الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي- حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب – (1/120) – دار الفكر – بيروت – ط 1414ه 1994م – ت: يوسف البقاعي..

وقال ابن تيمية: "خاطب الله المؤمنين بالحدود والحقوق خطابًا مطلقًا كقوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا} [المائدة: 38]، وقوله: {الزانية والزاني فاجلدوا} [النور: 2]، وقوله: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم} [النور: 4]، وكذلك قوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} [النور:4]، لكن قد علم أن المخاطب بالفعل لا بد أن يكون قادرًا عليه، والعاجزون لا يجب عليهم، وقد علم أن هذا فرض على الكفاية وهو مثل الجهاد، بل هو نوع من الجهاد، فقوله: {كتب عليكم القتال} [البقرة: 216]، وقوله: {وقاتلوا في سبيل الله} [البقرة: 190]، وقوله: {إلا تنفروا يعذبكم} [التوبة:39]، ونحو ذلك هو فرض على الكفاية من القادرين،  والقدرة هي السلطان، فلهذا وجب إقامة الحدود على ذي السلطان ونوابه"ابن تيمية تقي الدين أبو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – مجموع الفتاوى – (34/175) - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المدينة المنورة- ط 1416ه 1995م – ت: عبد الرحمن محمد بن قاس م..

فتأمل هذا الفهم الدقيق، الذي بين أن الخطاب في القرآن وإن كان بصيغة العموم لكل المسلمين، لكنه نوعان، خطاب يقصد به كل فرد، مثل {أقيموا الصلاة}، وخطاب يقصد به مجموع المسلمين، مثل آيات الحدود، والأخير لا يمكن قيامه إلا بالقدرة، وهي السلطان في مسألة القضاء والحدود، لأن السلطان متحصن بشوكته وبيعة الناس له، فلا يمكن أن ينازعه أحد في قضائه ولا يترتب عليه فوضى، بخلاف ما لو قام به من لا سلطان له، فسوف يرفض حكمه وينازعه غيره، وتقع فوضى بسبب تطبيق الحكم أكبر وأخطر من ضياع الحكم نفسه.

والردّة وهي محل بحثنا، مسألة من مسائل القضاء، منوط أمرها للقاضي، في النظر في تحقق وصف الردّة في المتهم بها، والحكم عليه بالقتل ومصادرة ماله، قال ابن قدامة: "وقتل المرتد إلى الإمام، حرًا كان أو عبدًا، وهذا قول عامة أهل العلم، إلا الشافعي، في أحد الوجهين في العبد، فإن لسيده قتلَه"المغني لابن قدامة (9/ 8)..

 

  • قيام أهل الحل والعقد مقام الإمام.

وإذا خلا الزمان من إمام، أو خلا بلد من البلاد من إمام يقوم بالقضاء، فالناس أهل الحل والعقد في ذلك البلد يجتمعون على من تتوفر فيه شروط القضاء، وينصبونه قاضيًا، وتصبح ولايته للقضاء شرعية، وأحكامه فيهم نافذة، لأن القاضي في الأصل استمد شرعيته من تولية الإمام، والإمام استمدها من بيعة الناس له، فاستمداد القاضي شرعيته من تنصيب الناس عند الفراغ عن الإمام، ارتقاء في الرتبة وعودة للأصل.

يقول ابن حجر الهيتمي: "إذا عدم السلطان، لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثَمَّ أن ينصبوا قاضيًا، فتنفذ حينئذ أحكامه للضرورة الملجئة لذلك"ابن حجر الهيتمي احمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي – تحفة المحتاج – (7/261) – المكتبة التجارية الكبرى بمصر – 1357ه 1983م..

وقال الجويني: "لو خلا الزمان عن السلطان، فحق على قطان كل بلدة، وسكان كل قرية، أن يقدموا من ذوي الأحلام والنهى، وذوي العقول والحجا من يلتزمون امتثال إشاراته وأوامره، وينتهون عن مناهيه ومزاجره، فإنهم لو لم يفعلوا ذلك، ترددوا عند إلمام المهمات، وتبلدوا عند إظلال الواقعات"الجويني إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني – غياث الأمم في التياث الظلم- (ص: 387) – مكتبة إمام الحرمين – ط2 1401ه – ت: عبد العظيم ديب.​.

وواضح من كلام أهل العلم أن المقصود بمن ينصبون الإمام من لهم سلطة شعبية أو عرفية، بحيث ينقطع الخلاف وتجتمع الكلمة على رأيهم، وليس هذا للبعض منهم ولا لآحادهم، لأن الخلاف سيبقى حاصلًا، وستقع فرقة بين الناس حول من اختاروه للقضاء، ولن تكون أحكامه محققة للناس الأمان وجمع الكلمة، بل ستزيدها شرخًا، فتنقلب عكس مقصودها.

 

  • زمن مصادرة المال:

في النقولات السابقة لأهل العلم في مسألتَيْ ملكية المرتد ومصادرة مال المرتد، يتبين للناظر فيها عدة أمور:

الأول: أن الحكم بزوال الملكية تمامًا، وانتقاله لغير المرتد، سواء قلنا لورثته المسلمين، أم لبيت مال المسلمين، يكون بعد موت المرتد وقتله، أي انتهاء حياته الحقيقة، واليأس من عودته للإسلام، وألحق الحنفية اللحاق بدار الكفر، على اعتبار أن اللحاق بدار الكفر قرينة قوية لعدم عودته إلى الإسلام، واليأس من ذلك، وتصميمه على البقاء على الكفر.

الثاني: أنه في فترة ردته لا تنفذ تصرفاته في ماله على رأي الجمهور، بل تبقى موقوفة حتى يظهر أمره، هل يعود للإسلام أم يموت على الكفر، وهذا يعني أنه لا يحق للمرتد التصرف فيها، ولا يحق للقاضي مصادرتها وتوزيعها.

الثالث: بما أن المرتد تتوقف سلطته على ماله ولا تنفذ تصرفاته، فمن حق القاضي بل ربما هو مطلوب منه، كما تشير عبارات من فرق من الفقهاء بين تصرف المرتد قبل الحجر وبعده، أن يصدر قرارًا بالحجر عليها واحتجازها، لأن المرتد زالت أهليته، كحال المجنون والسفيه حين يحجر عليهما القاضي، ويجري عليها ما يجري على مال السفيه والمجنون والصبي من أحكام الحجر وتعيين وصي على المال، يقوم بإدارتها واستثمارها، ويكون ريعها موقوفًا حتى يظهر أمر المرتد، فإن رجع للإسلام هي له مع غلاتها، وإن مات على الكفر كانت الغلات تابعة لأصل المال في مصيره.

 

وبناء على ما سبق:

  • لا يجوز الحكم بمصادرة مال المرتد قبل موته أو قتله بالاتفاق، أو قبل لحاقه بدار الكفر عند الحنفية، وعند الجمهور حتى لو لحق بدار الكفر.
  •  ولا يجوز التصرف في أمواله والانتفاع بها للحساب الشخصي لفرد أو جماعة، بل يبقى الانتفاع مع رأس المال موقوفًا ينتظر مصيره، إلا ما يستحقه وصي القاضي من أجر المثل لقيامه بأعماله.
  • كل العقود والمعاملات الواردّة على مال المرتد قبل زمن المصادرة الصحيح باطلة، ونعني بها غير المرتد، ممن يستولي على ماله فيبيعه أو يؤجره أو يستفيد منه لنفسه بوجه من الوجوه، ولو كان الحاكم أو القاضي نفسه، لأنها مبنية على باطل، إذا من شروط العقد الولاية عليه، بالملك أو الوكالة أو الوصاية، وليس من هذا شيءٌ حاصلًا، ولا يجوز منها هنا سوى الملك، لأن الوكالة تكون من الأصيل، والأصيل وهو المرتد ممنوع من التصرف، والوصاية من القاضي، والقاضي وصايته هنا للإدارة فقط وليس للبيع ونحوه لأن المال موقوف.
  • يخرج عما سبق تقريره من أحكام، تصرفات المرتد وعقوده في ماله،  ففيها ثلاثة مذاهب بناء على اختلافهم في ملكيته، فعقوده صحيحة نافذة على رأي الصاحبين وبعض الشافعية، وموقوفة على رأي الجمهور، وباطلة على قول عند الشافعية وقول عند الحنابلة، وسبق  الأقوال في مسألة ملكية المرتد.

 

المطلب الثالث: واقع الحال في الثورة السورية، وفيه المسائل الآتية:

أولًا: الواقع العملي للفصائل في مال المرتد 

 

سأستعرض عمل الفصائل في مصادرة أموال من حكمت عليهم بالردةونحن هنا، وكما أسلفنا في بداية البحث، لا نناقش صواب حكمهم بالردّة على من صادروا ماله، بل سنسلم جدلًا بصحة حكمهم، ونناقش مصادرة ماله، مع يقيننا بأن كثيرًا من هذه الأحكام باطلة، وهذا محل بحث ونظر آخر.​، ولا سيما القاعدة، ثم نقارن بين حالهم، وما قاله أئمة العلم والفقه.

دأبت القاعدة بشكل خاص، وبعض فصائل جيش الفتحجيش الفتح تأسس سنة 2014 من تحالف عدة فصائل، أبرزها جبهة النصرة وأحرار الشام، وانتهى التحالف سنة 2016، وكان من أعماله: تحرير مدينة إدلب وأريحا وجسر الشغور وريفها.​ على مصادرة بيوت وأموال أهالي المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، بذريعة أنّهم شبّيحةالشَّبِّيْحَة جمع شَبِّيْح، وهو وصف كان يطلق قبل الثورة على من كان يعمل مع مفسدي بيت الأسد في التهريب وتجارة الممنوعات، ويستولون على أموال الناس وأرزاقهم، وبعد الثورة صار يطلق على كل من ناصر النظام وقاتل معه.، وهو مصطلح يعني في حكمهم: ردةَ أصحاب هذه الأموال، وكان ذلك في صور ومراحل متعددة، منها:

  • مصادرة معامل ريف حلب الجنوبي والغربي، والتي هاجر بعض أصحابها، وسلبت من البعض الآخر، وبعض أصحاب هذه المعامل نصارى وبعضهم سنة، وبعض هؤلاء السنة ليس متورطاً مع النظام بدعم أو نحوه، فصودرت كل هذه المعامل، دون تحقق وتثبت من أهلها وأصحابها وحالهم، وبعضها بيعت معداتها كلها وتوقفت عن العمل، وكم تقدم أناس بشكاوى على مثل هذه الحالات ولكن دون جدوى، ومن يسكن في ريف حلب الجنوبي، أو زاره يدرك حجم الظلم الذي قامت به الفصائل هناك.
  • مصادرة بيوت ريف المهندسين وريف حلب الغربي والجنوبي، وهي عبارة عن مزارع وفيلات لأناس أثرياء جلهم من مدينة حلب، وعندما سألتُ عنها بعضَ من استولوا عليها، قال: هذه بيوت شبيحة، قلت: من هم وما تشبيحهم؟ فقال: ضباط وأثرياء موالين للنظام، ولا يخفى على متابع للوضع أن هذه تهمٌ جاهزة معلبة، تلصق بمن يريد أن يؤخذ ماله ويستولى عليه، علماً أنني أعلم أنه لم يتم التحري والتحقق من كل بناء، لمن يعود وما وضع صاحبه، وسكنَ هذه الفيلات قياداتٌ من الفصائل وعوائلهم، وبعضها صارت مقراتٍ عسكريةً لهم.
  • مصادرة بيوت وأملاك قرى في ريف الساحل بعضها سكانها نصارى وبعضها من السنة وبعضها نصيرية.
  • مصادرة بيوت مدن إدلب وأريحا وجسر الشغور وغيرها، وهي تعود لموظفين في النظام أو من شاركوا في اللجان الشعبية أو مع الجيش، وبعضهم من النصارى الذين هاجروا وتركوا.
  • مصادرة أملاك أشخاص كانوا تابعين لفصائل من الجيش الحر قامت النصرة بحلِّها.
  • مصادرة أراضي زراعية واستثمارها والانتفاع بها، سواء من أملاك عناصر للجيش الحر، أو لأناس يسكنون في مناطق النظام، أو لعناصر تتبع لفصيل يقاتل مع النظام.

هذه أهم المصادرات التي قامت النصرة بمعظمها، وبعضها فعله غيرها، والملاحظ أن هذه المصادرات لا يخلوا أصحابها من كونهم إما:

  • نصارى: كأهل ريف اللاذقية، كما حدث في قرية الغسانية حيث صودرت كل بيوتها وأملاكها.
  • نصيرية أو رافضة: كأهالي قرية الفوعة وكفريا، وبعض قرى ريف حماه الشرقي.
  • عناصر من الجيش الحر، من الفصائل التي قاتلتهم القاعدة وأنهت وجودها.
  • أهل سنة يقاتلون مع النظام، وهم متطوعون أو في الخدمة الإلزامية.
  • أهل سنة مجهول حالهم، وهم ممن يسكن في مناطق سيطرة النظام، وربما بعضهم يعمل في وظائف حكومية مختلفة.

وكلها أموال تمت مصادرتها بلا قتال، ربما فقط قرى ريف حماه الشرقي، وهنا نتساءل عن الدليل الشرعي أو الوجهة الشرعية في مصادرة هذه الأموال، والتي سموها غنائم، وحاولت أن أسأل كثيراً فلم أجد سوى جواب واحد: "أهلها شبيحة"، والشبيح عندهم مرتد، وحكمُه منتهٍ بلا نقاش، دون تحقق أو تثبت أو سؤال عن حقيقة تلبّسه بالتشبيح، وعن تحقق وصف الردّة فيه، ولو أردت سرد القصص ومعاناة بعض الأهالي لأتيت بما يؤلم القلب ويحزن النفس، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

ثانيًا: المآخذ الشرعية على عمل الفصائل:

إنّ ما سبق بيانه من عمل الفصائل فيه مآخذ وأخطاء شرعية عديدة، منها من حيث الأصل، ومنها من حيث الاستعمال، وبيانه في المسألتين الآتيتين:

 

الأولى: خطأ الأصل (المصادرة):

أي لا يجوز مصادرته أصلاً، وهو اغتصاب، وسحت محرم، وذلك في الأموال الآتية:

  • أملاك النصارى، فلا يجوز أخذها، فهم غير محاربين ومحايدين، وكفرهم لا يبيح أخذ مالهم، وليست هناك دولة إسلامية قائمة لنقول: إنهم لم يلتزموا بعقد ذمة كما يلبس بعض الغلاة على الناس، فهذا اغتصاب محرم، وإساءة سمعة للثورة ولأهل السنة وتنفير للناس عنها، وتأليب واستعداء للعالم عليها، وكل هذا حصل وللأسف.
  • أملاك أهل السنة المحايدين، أو مجهولي الحال على الأقل كالكثير من أصحاب الفيلات والمعامل في ريف حلب، فهؤلاء إسلامهم ثابت بيقين، وهو عاصم لدمائهم وأموالهم فبأي حق تصادر وتؤخذ.
  • أموال عناصر من الجيش الحر، وهؤلاء مرتدّون عند النصرة التي صادرت مالهم، وهذا دليل منهم على تكفير الناس، فكم حاولوا أن ينكروا تكفيرهم للناس، ولكن هذا العمل لا يمكن أن يفهم إلا في سياق تكفير صاحب المال، وإلا ما هو السبب الذي يبيح مصادرة مال مسلم؟

وقد شفعت يوم كنت قريباً من القوم لشخص بإعادة ماله، فقلت لمن صادرها: بأي حق أخذتها؟ فقال: حَكَمَ الشرعيُ عندنا بردّته، قلت وما دليل الردّة؟ قال: الشرعيُ استشهد ولا أعلم، قلت: الرجل ما زال حياً، ولم يمت على الردة، وهل حاكمتموه فثبتت عليه؟ فكيف تستحلون ماله؟ وللإنصاف أطاعني الرجل آنذاك وأعادها، وما تزال بيوت وأملاك بعض هؤلاء مصادرة، وهم أحياء.

 

الثانية: خطأ الفعل:

وهو مصادرة أموال أناس وقعوا في مناط ردّة، ككونهم يشاركون مع النظام في القتال، ولو سلمنا جدلاً بردّة من قالوا بردته، فأصل المصادرة وارد، ولكن الخطأ في التنفيذ، من نواحي عدة:

  • على رأي جمهور أهل العلم الذي سبق بيانه لا تزول ملكية المرتد عن ماله بالردة، بل بالموت أو القتل، أو باللحاق بدار الحرب عند الحنفية، فكيف صودرت هذه الأموال وأهلها لم يموتوا أو يقتلوا؟ لا سيما ممن حكموا عليه بالردّة من الفصائل، وهو حي يعيش خارج سوريا، فهذا خطأ واضح.
  • لو واقفنا أن من هو عند النظام بحكم من التحق بدار الكفر، وعند الحنفية تزول ملكيته بذلك، أو أنَّ من صودر ماله قتل أو مات، فزالت الملكية وجازت المصادرة، ففي هذه الحالات يكون ماله إما لورثته المسلمين، وإما فيئًا للمسلمين، وإن كنت أرجح أنه لورثته المسلمين ليس من باب الترجيح النظري العلمي فحسب، بل من باب الترجيح العملي المصلحي، فعندما يبقى المال مع ورثته المسلمين لا ننفّر أهله المسلمين من الثورة، وتؤلف قلوبهم ليكونوا مع الثورة وأهلها، كما أنّه في بعض الحالات تكون عائلة الرجل في مناطق الثورة وهو عند النظام، فتطرد العائلة وتعيش بالشارع أو بالأجرة،  وكم من حالة من هذا القبيل حدثت، فإن كان الرجل سلك سبيل الظلم ومناصرة أهله، فلِمَ نظلم ذريته بعده؟
  • ومع أني أرجّح أن المال للورثة المسلمين، ولكن من أخذ بقول أنه فيء للمسلمين فله ذلك، ولكن الفيء كما هو معلوم يصرف في مصالح المسلمين، فهل هذا ما حصل؟

إنّ الكثير من هذه المعامل والفيلات والأملاك صار لإقطاعيات فصائلية، وإني أقصد معنى هذه الكلمة بحذافيرها، فكل قائد استحوذ على عدد منها لعوائله وتنزهاته، ومقرات له ولجنوده والكثير منها لا حاجة له فيها، في الوقت الذي كانت العوائل المهجرة والنازحة لا تجد مأوىً ولا مسكنًا، بل إني طلبت بعض هذه المنازل لعائلة نازحة وبأجرته، فرفض الفصيل المستولي عليها، علماً أنه لا يستعملها سوى مستودع لحاجات تافهة له.

  • والنقطة الأهم: أنّه لم يحكم القاضي المجمع عليه، والذي ينوب عن الإمام بردّة هذا المرتد، فضلًا عن الحكم بمصادرة ماله، والأمر يعود للإمام أو من ينوب عنه كما مر، بل تم الاستيلاء بدون قاضٍ ولا حكم، ومعلوم أن الحكم بالردّة يقتضي عرض المتهم بالردّة على القضاء، وبيان مناطات الردّة التي وقع بها، ثم استتابته أو قتله، وكل هذا لم يحدث مع أحد البتة ممن صودرت أمواله، بل بعض المتهمين دعاهم إلى محكمة شرعية بينه وبينهم فرفضوا.

ثم بعد حكم القاضي عليه بالردّة أو تلبسه بردّة واضحة كتغيير دينه مثلاً، يحكم القاضي بمصادرة ماله بعد قتله أو موته أو لحاقه بدار الحرب، وبالحجر عليها بعد ردته وقبل موته، وهم لم يفعلوا شيئًا من هذا قط.

 

ثالثًا: الطريق الصحيح للتصرف في مال المرتد:

 

إن الطريقة السليمة والتي توافق ما قاله أهل العلم حول مصادرة مال المرتد، كما أسلفنا في النقولات عنهم، تكون وفق الآلية الآتية:

  • لا يصادر مال شخص حتى يقع بمناط متفق عليه عند أهل العلم أنه مناط ردة، وببرهان قاطع، وحتى يحكمَ بردته ومصادرة ماله محكمةٌ شرعية صحيحة مستقلة نزيهة، أو لجنة من أهل العلم والكفاءة يرتضيها أهل الحل والعقد في البلد، حتى تكون مصادرة المال مستندة على حكم شرعي وقضائي صحيح، ولا تكون المسألة تابعة للهوى والشهوة التي تبرر لصاحبها وتشرعن له كل خطأ.
  • لا يصادر مال إلا من مات أو قتل، فقد يرجى للحي عودته للإسلام على فرض أنه وقع بردّة صحيحة.
  • يمكن أن يعين القاضي من يقوم بإدارة المال إن لم يبق له أهل، وكان عرضة للهلاك، ويكون ريع المال مع أصله موقوفًا حتى يظهر أمر المرتد، ويعطى للقائم على إدارة المال أجر المثل.
  • الأخذ بالرأي الذي يؤلف القلوب على الثورة ويقرب الناس منها، وهو أن مال المرتد لورثته المسلمين، ولا يعتبر اللحاق بالنظام بحكم الموت.
  • في حال اعتمد الرأي الآخر وصودر المال على أنه فيء، فيوضع بما فيه مصلحة المسلمين عامة كتسكين العوائل النازحة، وإنفاقه على مصالح الناس من تعليم ومشافي وطرقات، ولا يكون تحت تصرف الفصائل، لأنها ستستعمله في خاصة أفرادها بل قادتها، ولا يمكن ضبط وتمييز ما هو استعمالُ ضرورةٍ مما هو استعمال ترفيه، بل الظاهر والواقع أن جله يقع في المصالح الشخصية، ويفتح باباً كبيراً للطعن بالثورة وأهلها.
  • المصادرة ليست واجبة في حالتنا لأنها من اختصاص الإمام، وليس هناك إمام ولا من يقوم مقامه، وكل حديثنا فيما لو أراد فصيل ما أن يقوم بهذا العمل، مع أني أدين لله أن قيام أي فصيل مهما كبر حجمه بما هو من مناطات واختصاصات الإمام غير جائز، لأن الأحكام السلطانية أنيطت بإمام، هو سلطان وحاكم، ويقوم بمقاصد الإمامة، وليس بجماعة أو حزب هو جزء من الأمة.
  • في حال أخذ برأي أن اللحاق بدار الحرب كالقتل، وصودر ماله ووزع على ورثته أو وضع في مصالح الناس، ثم تاب الرجل وعاد، فلا يرجع له ماله الذي استهلك إن كان صودر بقرار محكمة مستقلة، ويعود إن كان صودر بغيرها، قال ابن قدامة: "وجعل أهل العراق [الحنفية] لحاقه بدار الحرب كموته، في زوال ملكه، وصرف ماله إلى من يصرف إليه إذا مات، فإن عاد إلى الإسلام، فله ما وجد من ماله، ولا يرجع على ورثته بشيء مما أتلفوه، إلا أن يكونوا اقتسموه بغير حكم حاكم"المغني 6/374..
  • في حال باع الواقعُ بالردّة أملاكَه، فالقول فيها على ما سبق بيانه في حكم تصرف المرتد في ماله، وهي باطلة على قول، وصحيحة على قول، وموقوفة على قول، وأرى أن يؤخذ بالمذهب الذي فيه مصلحة الثورة ونفعها، ولا يتدخل فيها إلا محكمة مستقلة، ولا تنفرد الفصائل فيها.

 

الخاتمة

إنّ أحكام الشريعة الإسلامية قائمة على العدل والإحسان، ونبذ الظلم والعدوان، حتى مع المخالف بأقصى درجات المخالفة.

ومن خلال هذا البحث توصّلت للنتائج الآتية:

  1. الردّة تهمة خطيرة وكبيرة، يترتب عليها سفك الدماء واستحلال المال، فلا يتصدى لها إلا الراسخون في العلم.
  2. الحكم بالردّة وما يترتب عليها من قتل ومصادرة مال، منوط بالإمام أو القاضي الذي يعينه الإمام، أو القاضي الذي يرتضيه أهل الحل والعقد.
  3. لا يجوز مصادرة مال المرتد ولا الحكم بها إلا بعد اليأس من عودته إلى الإسلام، بالقتل أو الموت، وزاد الحنفية: باللحاق بدار الكفر.
  4. تصرف أموال المرتد لورثته المسملين على رأي، وهي فَيْءٌ على الرأي الآخر، وأرجّح الأول.
  5. لا يجوز الانتفاع الشخصي بمال المرتد، قبل الحكم بمصادرة ماله في الزمن الصحيح، وكل عقد يرد عليه باطل.
  6. القضاء الفصائلي ليس صحيحًا شرعًا، أي لا يستند لمرجعية شرعية، لأنّه ليس من تعيين الإمام، ولا من أهل الحل والعقد، بل من تعيين فصيل له سيطرة على أرض ينازعه فيها غيره من الفصائل.
  7. لا ينزل فصيل واحد منزلة أهل الحل والعقد، ولا منزلة الإمام، بل هو جزء من أهل الحل والعقد.

 

وأما التوصيات التي أقدّمها، فأهمها:

  1. اجتماع الفصائل وأهل العلم على محكمة واحدة للجميع لتأخذ شرعية القضاء، في كل القضايا، وتكون أحكامه نافذة.
  2. عرض المتّهم بالردّة على قاضٍ شرعي للنظر في تهمة الردّة والحكم عليه بعد النظر.
  3. من ثبت تورّطه في عمل ردّة، كقتال مع النظام أو ميليشياته فيحجز القاضي الشرعي على ماله، وإن كان أهله ينتفعون به ترك لهم المال، وإن لم يكن فيعيّن القاضي من يقوم بإدارته.
  4. بعد موت المرتد أو قتله يوزع ماله لورثته المسلمين، وإنْ أُخذ بالرأي الآخر فينفق في مصالح المسلمين العامة.

 

هذا، وأسأل الله تعالى أن يقدم هذا البحث خدمة لطلاب الفقه، والمنشغلين فيه، ويرسم خريطة صحيحة للتعامل مع هذه القضية الحساسة لا سيما في ساحات النزاع، كحال الثورة السورية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

1 - أخرجه البخاري واللفظ له برقم (67) – كتاب العلم – باب قول النبي صلى الله عليه وسلم رب مبلغ أوعى من سامع، ومسلم برقم (29/1679) – كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات – باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال.
2 - أخرجه مسلم برقم (32/2564) – كتاب البر والصلة والآداب – باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله.
3 - ابن فارس أحمد بن فارس بن زكريا القزويني – معجم مقاييس اللغة – مادة (ردد)– (2/386) – دار الفكر – ط 1399ه 1979م – ت: عبد السلام هارون.
4 - ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن علي ابن منظور - لسان العرب – مادة (ردد)–(3/173) – دار صادر –بيروت – ط3 1414ه.
5 - الفيروز آبادي مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - القاموس المحيط – مادة (ردد)– (ص:282) – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط8 1426ه 2005م – تحقيق مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة.
6 - المناوي زين الدين محمد عبد الرؤوف المناوي - التوقيف على مهمات التعاريف – (ص:176)- عالم الكتب – القاهرة – ط1 1410ه 1990 م.
7 - القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الشهير بالقرافي- الذخيرة – (12/13) – دار الغرب الإسلامي – بيروت – ط1 1994م – ت: محمد حجي وسعيد أعراب ومحمد بو خبزة.
8 - النووي أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي- روضة الطالبين – (10/64) – المكتب الإسلامي – بيروت – ط3 1412ه 1991م – ت: زهير الشاويش.
9 - مقاييس اللغة - مادة (مول) - (5/ 285).
10 - لسان العرب - مادة (مول) - (11/ 635) – دار صادر – بيروت – ط3 1414 ه.
11 - مجمع اللغة العربية بالقاهرة - المعجم الوسيط (2/ 892)- مادة (مول) – دار الدعوة.
12 - ابن الأثير الجزري- المبارك بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري – النهاية في غريب الحديث والأثر – (4/373) – مادة (مول) - المكتبة العلمية – بيروت – 1399ه 1979م – ت: طاهر الزاوي0 محمود الطناجي.
13 - ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد – البحر الرائق شرح كنز الدقائق - (2/217) – دار الكتاب الإسلامي- ط2 بدون تاريخ.
14 - ابن الهمام – كمال الدين محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام - شرح فتح القدير - (2/215) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1424ه 2003م – ت: عبد الرزاق غالب المهدي.
15 - ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر - التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد - (2/ 5) – وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية – المغرب – 1387ه – ت: مصطفى بن أحمد العلوي – محمد عبد الكبير البكري.
16 - السيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر – الأشباه والنظائر – (ص:327) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1411 ه 1990 م.
17 - ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي – المقنع في فقه الإمام أحمد – (ص:152) – مكتبة السوادي – جدة – ط1 1421 ه 2000 م – ت: محمود الأرناؤوط – ياسين محمود الخطيب.
18 - محمد عميم الإحسان المجددي البركتي - التعريفات الفقهية (ص: 191) - دار الكتب العلمية – ط1 1424ه 2003م.
19 - الطبري أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري – (4/317) – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط1 1420ه 2000م، ت: أحمد شاكر.
20 - القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر الخزرجي القرطبي – (3/46) – دار الكتب المصرية – القاهرة - ط2 1384ه 1964م – ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش.
21 - تفسير القرطبي (3/48).
22 - أخرجه البخاري برقم (6922) – كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم - باب حكم المرتد.
23 - الكاساني – علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - (7/ 134) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط2 1406ه – 1986م، وانظر المغني لابن قدامة (9/3).
24 - بدائع الصنائع (7/134).
25 - أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي القاسم الغرناطي المالكي – التاج والإكليل - (8/373) - دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1416 ه 1994 م.
26 - الخطيب الشربيني –شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني الشافعي – (5/436) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415 ه 1994 م.
27 - ابن قدامة موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي – المغني - (9/4)- مكتبة القاهرة – طبعة بدون رقم ولا تاريخ.
28 - المغني (7/173-174).
29 - أخرجه البخاري برقم (6764) – كتاب الفرائض – باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، ومسلم برقم (1/1614) – كتاب الفرائض – بدون اسم باب.
30 - ابن رشد الحفيد أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي – بداية المجتهد ونهاية المقتصد (4/137) - دار الحديث – القاهرة – ط 1425ه 2004 م.
31 - سبط المارديني محمد بن محمد سبط المارديني – شرح الرحبية في الفرائض - (ص:38) – دار القلم - دمشق – ط8 1419ه 1998 م.
32 - أخرجه البخاري برقم 4591- كتاب تفسير القرآن – باب (ولا تقولا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا).
33 - أخرجه البزار في مسنده برقم 5127، وقال الهيثمي عنه: إسناده جيد. (مجمع الزوائد 7/9).
34 - ابن حجر العسقلاني أحمد بن علي بن حجر - فتح الباري شرح صحيح البخاري– (8/259) - دار المعرفة – بيروت – 1379ه​.
35 - المرجع السابق.
36 - أخرجه البخاري برقم 6103- كتاب الأدب– باب من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال.
37 - أخرجه مسلم برقم 111- كتاب – باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر.
38 - أخرجه ابن حبان برقم 248- فصل ذكر البيان بأن من أكفر إنسانا فهو كافر لا محالة، وصححه الألباني في التعليقات الحسان 1/311.
39 - التمهيد  (17/15).
40 - ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر – الاستذكار – ( 8/549) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1421ه 2000م – ت: سالم عطا ومحمد معوض.
41 - التمهيد 17/14
42 - النووي أبو زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي - شرح النووي على صحيح مسلم – (2/49) – دار إحياء التراث العربي – بيروت – ط2 1392ه.
43 - الشوكاني محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني - السيل الجرار – (1/978) - دار ابن حزم – ط1.
44 - التمهيد 17/22.
45 - البحر الرائق (5/134).
46 - بدائع الصنائع 7/136.
47 - أحمد الدردير - الشرح الصغير مطبوع مع حاشية الصاوي – (4/714) – دار المعارف – ط بدون رقم ولا تاريخ.
48 - النووي يحي بن شرف الدين النووي – منهاج الطالبين – (5/440) – مطبوع مع مغني المحتاج – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415ه 1994 م.
49 - الشربيني محمد بن أحمد الخطيب الشربيني – مغني المحتاج – (5/440) – الطبعة السابقة مع المنهاج.
50 - المغني 6/372.
51 - بدائع الصنائع 7/136.
52 - الحصفكي علاء الدين محمد بن علي بن محمد الحصني - الدر المختار– مطبوع مع رد المحتار (حاشية ابن عابدين) – (4/250) – دار الفكر – بيروت – ط2 1412ه 1992 م.
53 - نهر: إشارة إلى كتاب (النهر الفائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم الحنفي، ومثلها كلمة (بحر) آخر الكلام المنقول، وهو إشارة إلى كتاب (البحر الرائق شرح كنز الدقائق) لابن نجيم أيضًا، وهو أضخم وأوسع من النهر.
54 - بن عابدين محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين – رد المحتار على الدر المختار – (4/250) - الطبعة السابقة مع الدر المختار.
55 - ابن عبد البر أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر – الكافي في فقه أهل المدينة – (2/732) – مكتبة الرياض – الرياض- ط2 1400ه 1980م – ت: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني.
56 - القرافي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس – الذخيرة – (8/255) – دار الغرب الإسلامي – بيروت – ط1 1994م – ت: محمد حجي – سعيد أعرب – محمد بو خبزة.
57 - العمراني أبو الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني – البيان في مذب الإمام الشافعي 12/54 – دار المنهاج - جدة - ط1 1421ه 200م – ت: قاسم محمد النوري.
58 - الماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب الماوردي - الحاوي الكبير- (13/161-163) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1419ه 1999م- ت: علي معوض – عادل عبد الموجود.
59 - المغني 9/10.
60 - المغني 9/9.
61 - بدائع الصنائع 7/138.
62 - الدردير أحمد الدردير – الشرح الكبير – (2/190) – دار الفكر - ط بدون رقم ولا تاريخ، مطبوع مع حاشية الدسوقي.
63 - الدسوقي محمد بن أحمد بن عرفة - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير – (2/190) – دار الفكر - ط بدون رقم ولا تاريخ.
64 - أحمد الدردير - الشرح الصغير مطبوع مع حاشية الصاوي – (4/714) – دار المعارف – ط بدون رقم ولا تاريخ.
65 - المطيعي محمد نجيب المطيعي - تكملة المجموع شرح المهذب (19/237)- دار الفكر – بيروت – ط بلا رقم ولا تاريخ
66 - البيان في مذهب الإمام الشافعي (9/18).
67 - الحاوي الكبير (8/145).
68 - النووي يحي بن شرف الدين النووي – منهاج الطالبين – (5/440) – مطبوع مع مغني المحتاج – دار الكتب العلمية – بيروت – ط1 1415ه 1994 م.
69 - المغني 6/372.
70 - ابن القيم ابو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية - أحكام أهل الذمة- (2/1134) – دار رمادى للنشر – الدمام – ط1 1418ه 1997م – ت: يوسف البكري – شاكر العاروري.
71 - ابن القيم ابو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب المعروف بابن قيم الجوزية - إعلام الموقعين- (3/189) – دار ابن الجوزي – السعودية – ط1 1423ه – ت: مشهور آل سلمان.
72 - المغني 6/374.
73 - الماوردي أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب الشهير بالماوردي – الأحكام السلطانية – (ص:40) – دار الحديث – القاهرة.
74 - الشيرازي أبو اسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي – المهذب – (3/341) – دار الكتب العلمية – بيروت – ط بدون تاريخ ولا رقم.
75 - العدوي أبو الحسن علي بن أحمد بن مكرم الصعيدي العدوي- حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب – (1/120) – دار الفكر – بيروت – ط 1414ه 1994م – ت: يوسف البقاعي.
76 - ابن تيمية تقي الدين أبو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – مجموع الفتاوى – (34/175) - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف – المدينة المنورة- ط 1416ه 1995م – ت: عبد الرحمن محمد بن قاس م.
77 - المغني لابن قدامة (9/ 8).
78 - ابن حجر الهيتمي احمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي – تحفة المحتاج – (7/261) – المكتبة التجارية الكبرى بمصر – 1357ه 1983م.
79 - الجويني إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجويني – غياث الأمم في التياث الظلم- (ص: 387) – مكتبة إمام الحرمين – ط2 1401ه – ت: عبد العظيم ديب.
80 - ونحن هنا، وكما أسلفنا في بداية البحث، لا نناقش صواب حكمهم بالردّة على من صادروا ماله، بل سنسلم جدلًا بصحة حكمهم، ونناقش مصادرة ماله، مع يقيننا بأن كثيرًا من هذه الأحكام باطلة، وهذا محل بحث ونظر آخر.
81 - جيش الفتح تأسس سنة 2014 من تحالف عدة فصائل، أبرزها جبهة النصرة وأحرار الشام، وانتهى التحالف سنة 2016، وكان من أعماله: تحرير مدينة إدلب وأريحا وجسر الشغور وريفها.
82 - الشَّبِّيْحَة جمع شَبِّيْح، وهو وصف كان يطلق قبل الثورة على من كان يعمل مع مفسدي بيت الأسد في التهريب وتجارة الممنوعات، ويستولون على أموال الناس وأرزاقهم، وبعد الثورة صار يطلق على كل من ناصر النظام وقاتل معه.
83 - المغني 6/374.
ملف للتنزيل: 

إضافة تعليق جديد