يا جبهة النصرة تعالوا إلى كلمة سواء
توطئة:
تمثل جبهة النصرة إحدى الفصائل المسلحة العاملة في الثورة السورية، وقد أثارت منذ ظهورها العديد من التساؤلات، ورغم طول فترة ظهورها على الساحة السورية، والمطالبات المتكررة لتوضح منهجها الكامل في التعامل مع كافة الملفات في الوضع السوري، وأثر ارتباطها بمنهج القاعدة، وأثر انبثاقها من (دولة العراق الإسلامية)، إلا أن ذلك لم يحصل، وما زالت الجبهة تتكتم على منهجها، ولا تكاد تُقِرُّ إلا بعمومات لا تُعد فيصلاً في محل النزاع، مع ما يصدر عن بعض قادتها، وما يلحظه المراقب من تصرفات توحي بتوجه معين.
وفي المقابل افترقت النصرة عن تنظيم (الدولة) ورفضته، مع انتماء الجماعتين لتيار (السلفية الجهادية).. فهل كان هذا الانفصال فكريًا؟ أم تنظيميًا فحسب؟ أم شيء من هذا وذاك؟ وما أثر هذا الانفصال على منهجية النصرة؟
في هذه المقالات لن تُقدم الإجابات الحاسمة على هذه النقاط وغيرها، بقدر ما تطرح الأسئلة، وتوضع العلامات على أهم المسائل التي تحتاج لنقاش وتوضيح، إلى أن يصدر شيء رسمي عن النصرة، وسأطرحها شيئًا فشيئًا حسب العناوين المطروحة، وسيتم الرجوع إليها في مقالات قادمة لربط الأمور ببعضها ببعض.
* * *
انبثاق جبهة النصرة عن (دولة العراق الإسلامية):
من المسلَّم به أن جبهة النصرة انبثقت عن تنظيم (دولة العراق الإسلامية)، وكانت تابعة له تنظيميًا وفكريًا، وهذا ما شهد به أمير الجبهة الجولاني، في عدد من المواضع، ومنها:
قوله في كلمته (بخصوص الأحداث الأخيرة) في معرض حديثه عن علاقة الجبهة (بدولة العراق الإسلامية) وأبو بكر البغدادي:
"ثم شرفني الله عز وجل بالتعرف على الشيخ البغدادي ذلك الشيخ الجليل الذي وفى لأهل الشام حقهم ورد الدين مضاعفا ووافق على مشروع قد طرحناه إليه لنصرة أهلنا المستضعفين بأرض الشام ثم أردفنا بشطر مال الدولة رغم أيام العسرة التي كانت تمر بهم ثم وضع كامل ثقته بالعبد الفقير وخوّله بوضع السياسة والخطة وأردفه ببعض الإخوة..." انتهى.
وكذلك ما ورد في أحاديث البغدادي، والظواهري، فالأمر محسوم معلوم لا خلاف فيه.
رأي جبهة (النصرة) في (دولة العراق الإسلامية):
حملت العديد من تصريحات الجولاني الثناء على جماعة (دولة العراق الإسلامية) بما يزكيها، ويصحح منهجها.
قال الجولاني في كلمته (بخصوص الاحداث الاخيرة):
"وقد علم الله جل في علاه أنّا ما رأينا من إخواننا في العراق إلا الخير العظيم من الجود والكرم وحسن الإيواء وأن أفضالهم لا تعد ولا تحصى، وهو دين لا يفارق أعناقنا ما حيينا، وما وددت الخروج من العراق قبل أن أرى رايات الإسلام تُرفع خفاقة عالية على أرض الرافدين لكن سرعة الأحداث بالشام حالت بيننا وبين ما نبتغي لقد تشرفت بصحبة العديد من أهل الصلاح بالعراق نحسبهم كذلك، وفارقنا منهم الكثير فما يكاد يُذكر أحد أمامي إلا قلت تقبله الله ناهيكم عن عشرات بل مئات المهاجرين الذين قضوا نحبهم من الشاميين وغيرهم فداء لإعلان كلمة الله تحت راية دولة العراق الاسلامية، ثم شرفني الله عز وجل بالتعرف على الشيخ البغدادي ذلك الشيخ الجليل الذي وفى لأهل الشام حقهم ورد الدين مضاعفا" انتهى.
وهذا يُظهر أن الجولاني كان من جنود جماعة (دولة العراق الإسلامية)، مطلعًا على شؤونها، مشاركًا معها في مشروعها وعملها، بل إنه يتمنى أنه لو أكمل معهم عملهم.
بل إن الجولاني قد أثنى على جماعة تنظيم (الدولة) حتى بعد إعلان أبو بكر البغدادي لضم جبهة النصرة إلى دولته، واعتبر أنَّ الخلاف بين التنظيمين خلاف داخل البيت الواحد، فقد قال في مقابلته مع الجزيرة: "باختصار شديد هناك وقع خلاف، يقع بين الأخوة في البيت الواحد وقع".
وواضح أن البيت الواحد هنا هو الانتماء لتيار (السلفية الجهادية).
وجميع ذلك يدل على أنَّه لا خلاف فكري بين جماعة النصرة وتنظيم (دولة العراق الإسلامية)..
فما هو منهج جماعة (الدولة الإسلامية في العراق)؟
سبقت الإشارة إلى نقاط عديدة إلى هذا المنهج في مجموعة مقالات (نقاش هادئ حول فكر (دولة الإسلام في العراق والشام).. واختصارًا أعيد أهم ما فيها مما يتعلق بهذا المقال:
أولاً: منهج (الدولة الإسلامية العراق) في التكفير:
1. الغلو في تكفير المعين، قال أبو عمر البغدادي في كلمته (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي): "نرى كفر وردة من أمدَّ المحتل وأعوانه بأي نوع من أنواع المعونة من لباس أو طعام أو علاج ونحوه، مما يُعينه ويقويه، وأنَّه بهذا الفعل صار هدفاً لنا مستباح الدم" انتهى.
ولم يقف الأمر عن مجرد إطلاق الحكم على الفعل، بل تعداه إلى تكفير آحاد هؤلاء وأعيانهم، وبيانات التنظيم المكتوبة والمرئية أشهر من أن يستشهد بها هنا، فكان يقال: استهداف المرتد الفلاني، أو قتل المرتد الفلاني..
مع أنَّ مسألة تكفير الشخص المعين تختلف عن أصل المسألة في الحكم بكفر من أعان الكفار، فتكفير المعين دون التأكد من توفر الشروط، وانتفاء الموانع من الغلو.
قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وإذا عرف هذا فتكفير المعيّن من هؤلاء الجهّال وأمثالهم، بحيث يحكم عليه بأنّه من الكفّار. لا يجوز الإقدام عليه إلاّ بعد أن تقوم على أحدهم الحجّة الرسالية التي يتبيّن بها أنّهم مخالفون للرّسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنّها كفر. وهكذا الكلام في تكفير جميع المعيّنين، مع أنّ بعض البدعة أشدّ من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفّر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجّة وتبيّن له المحجّة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشّكّ، بل لا يزول إلاّ بعد إقامة الحجّة وإزالة الشّبهة" انتهى.
فضلاً عن أن تكفير من أعان الكفار بإطلاق فيه نظر، وهذا موضع بحث آخر.
فهل تعتقد جبهة النصرة بكفر جميع من كان منهم في الجيش، أو الشرطة، أو أي جهاز عسكري عراقي؟ بأعيانهم شخصًا شخصًا، وتطبق عليهم أحكام الردة كما هي معروفة في كتب أهل العلم؟
وهل يشمل هذا الحكم ما تسمى بالصحوات فيما بعد؟ بكافة أنواعها وفصائلها؟ والتي كفرها تنظيم (دولة العراق الإسلامية) واستهدفها كما سيأتي؟
2. الغلو في تكفير الفصائل العراقية المجاهدة واستحلال قتالها:
من المعلوم أنَّ (دولة العراق الإسلامية) اتهمت جميع الفصائل المجاهدة بالخيانة والعمالة والردة، وأنها صحوات، وقاتلتها واستهدفتها بذلك، فقتلت مئات المجاهدين، والقادة، والعلماء والدعاة بهذه التهمة، بل اعتبرت أنَّ قتالها أولى من قتال الصليبي المحتل!
قال أبو عمر البغدادي في كلمته (وعد الله):
" وكلمتي الثانية إلى الذين كنا نحسبهم ظاهرياً معنا في الميدان يقاتلون المحتل الكافر فإذا بهم وبعد إعلان دولة الإسلام يتحالفون مع الصليبي والرافضي لقتال رجال الدولة ويتركون عباد الصليب، أيها القوم:
إنكم يوم أن كنا نظنكم على الحق كنا نفديكم بأرواحنا ونستركم بأجفاننا، ولما رأينا الردة والخذلان منكم، انكسر القلب ألماً وحزناً، فلو فقدتُ والدي وولدي وأهلي أجمعين كان أهون عليّ من ردة أحد منكم، فكيف بهذا الجمع الغفير...
فإن أبيتم التوبة قبل القدرة عليكم فوالله لقتل المرتد أحبُّ إليّ من مئة رأس صليبية، وقد علمتم قوة بأسنا وطول ذراعنا، وأن عباءة الرافضي وخشبة صليب المحتل لن تجدي لكم نفعاً" انتهى.
وقد قال هذا في حق المجلس "المجلس السياسي للمقاومة العراقية" الذي يتكون من: الجيش الإسلامي في العراق، وجماعة أنصار السنة – الهيئة الشرعية، والجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية "جامع"، وحركة المقاومة الإسلامية "حماس- العراق"!!
وقال أبو حمزة المهاجر في (اللقاء الصوتي الثاني):"
"ورسالتي الثالثة: إلى الذين كانوا يرفعون راية السلفية وتحكيم الشّريعة قبل أن يستدرجهم الشّيطان إلى غرف المخابرات لتوقيع اتفاقيات الذلّ والعار و الخيانة مع المحتلّ و أعوانه...
وإلى القلِّة التي مازالت متشككةً في عمالة بعض الجماعات للمحتلّ وقتالهم للمجاهدين في صفّ الصّليب وجيش المجوس" انتهى.
وهذا تخوين ورمي بالردة لمن خالفهم من المكونات العراقية بزعم الاتفاق من الأمريكان والرافضة، كما يفعل الآن تنظيم (الدولة) في سوريا حذو القذة بالقذة، فأين الاختلاف بين الفعلين؟
فهل تعتقد جبهة النصرة أنَّ عامة الفصائل العراقية الأخرى مرتدة كما كانت تقرر (دولة العراق الإسلامية)؟ وبالتالي يجوز قتلها وقتالها كما فعلت؟ وأن قتلها وقتالها أولى وأحب من قتال المحتل الأمريكي الصليبي؟
وهل تعلم جبهة النصرة –حين نشأتها- بنتائج هذا التكفير والاقتتال بين الفصائل؟ وانهيار مشروع الجهاد في العراق؟
ولعل من نافلة القول هنا أنَّ ما يذكره زعماء تنظيم (دولة العراق الإسلامية) وخليفتها (الدولة الإسلامية) من الوقوف في صف المحتل، والعمالة، إنما هو نابع من فكرهم المنحرف، والذي يقوم على أن أي مشروع غير مشروعهم فهو مشروع ردة وخيانة، وهو ما ظهرت آثاره أوضح في الحالة السورية فيما بعد.
وكمثال قال العدناني في كلمته (لـن يضرّوكم الاّ أذىً):
"إن مشروعنا هذا يقابله مشروعان، الأول: مشروع دولة مدنية ديمقراطية، مشروع علماني تدعمه جميع ملل الكفر قاطبة على تضارب مصالحها واختلاف مناهجها ...
وأما المشروع الثاني: فمشروع دولة محلية وطنية تسمى إسلامية، تدعمها أموال وفتاوى علماء آل سلول وحكومات الخليج، وتهندسُ مشروعَها المخابراتُ ...
ولقد تورط في هذا المشروع فصائل تسعى لإقامة دولة إسلامية ، إلا أن قادتها انحرفوا عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد ..." انتهى.
3. الغلو في تكفير الجماعات الإسلامية الأخرى غير السورية:
فـ(دولة العراق الإسلامية) كانت تعتقد بكفر وردة حماس، قال أبو عمر البغدادي في كلمته (الدين النصيحة) وهو يعدد أسباب الحكم على حماس بالخيانة:
"دخولهم في حلف عجيب مع الأنظمة المرتدة، وخاصة في مصر وسوريا، متنكرين لدماء إخوانهم في مجزرة حماة ... فالتحالف مع الرافضة النصيرية في سوريا بدعوى تحرير فلسطين هو خيانة كبرى".
فهل تحكم جبهة النصرة على حماس بالكفر والردة لذلك؟ وما موقفها من قادة حماس السياسيين، والعسكريين؟
بل ما موقفها من مجمل الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي والتي دخلت بنوعٍ أو آخر في العملية السياسة القائمة في الدول الإسلامية؟ كما سيأتي في الفقرة التالية؟
4. الغلو بتكفير من دخل بالعملية السياسية (الديمقراطية):
قال أبو عمر البغدادي في كلمة (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي):
"نرى كفر وردَّة كل من اشترك في العملية السياسية، كحزب المطلق والدليمي والهاشمي وغيرهم.." انتهى.
وقال في كلمته (جريمة الانتخابات الشرعية والسياسية):
"فالنواب والمُشرِّعون أوثانٌ منصوبة تحت قبة تخضع لقانونٍ أو دستورٍ ظالمٍ جائر يناقض الشريعة الإسلامية ويحاربها في كثيرٍ من أُصول ديننا الحنيف...
وأما المُشرِّعون فهم كفار بلا غُبار..." انتهى. ويقصد بالمشرعين هنا أعضاء البرلمان.
فهل تعتقد جبهة النصرة أنَّ كل من دخل في العملية السياسية من السياسيين مرتدون؟ وهل من تولى منصبًا في هذه الحكومات يعتبر كافرًا مرتدًا؟ وما حكم عموم الناس من الناخبين والمشاركين بهذه العملية الانتخابية؟
وهل ينطبق هذا الحكم على الحقبة الماضية من الحياة الدستورية التي عاشتها سوريا قبل تسلط حزب البعث؟
(وغني عن القول: ليس المبحث هنا عن خطأ أو صواب هذه العملية أو كيفية التعامل معها في كل من ناحية السعة والاختيار، أو الاضطرار، ففي المسألة بحوث وفتاوى عديدة بحثها أهل العلم بالسياسة الشرعية، بل عن الحكم المطلق بالردة والكفر هكذا!).
5. الغلو بالحكم على البلاد الإسلامية أنها دار كفر:
قال أبو عمر البغدادي في كلمة (قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي):
"ونعتقد بأن الديار إذا علتها شرائع الكفر، وكانت الغلبة فيها لأحكام الكفر دون أحكام الإسلام فهي ديار كفر، ولا يلزم هذا أن نكفر ساكني الديار، وبما أن الأحكام التي تعلو جميع ديار الإسلام اليوم هي أحكام الطاغوت وشريعته، فإننا نرى كفر وردة جميع حكام تلك الدول وجيوشها، وقتالهم أوجب من قتال المحتل الصليبي" انتهى.
فهل تعتقد جبهة النصرة أنَّ جميع الدول الإسلامية ديار كفر وردة؟ وهل هناك ديار إسلام بنظرها في الوقت الحالي؟ وما هي؟
وهل تعتقد أن جميع أفراد المؤسسات الأمنية والعسكرية في الدول الإسلامية كفار مرتدون بأعيانهم؟ وأنَّ قتالهم أوجب من قتال الكافر الأصلي؟
* * *
ثانيًا: منهج (الدولة الإسلامية العراق) في موقفهم من أهل العلم:
1. اتهام أهل العلم بكتمان العلم، وخاصة فيما يتعلق بالأمور الهامة والمصيرية للأمة:
ففي كلمة (إنّ دولة الإسلام باقية) قال أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي: "فيا علماءنا، لقد علمتم والله أننا على حق (!) فإلى متى تكتمون علمكم؟ ...
أما آن لكم أن ترفعوا الراية وتحملوا اللواء؟ فإلى متى تهادنون الطواغيت وتسكتون؟ وإلى متى تخافون المطاردة وتهابون السجون؟ وحتامَ تسلمون لليهود والصليبيين البلاد والعباد؟ حتام تمتنعون وتمنعون من النفير إلى ساحات الجهاد؟" انتهى.
وفي هذا الاتهام ما لا يخفى من الرمي بكتم العلم، والخيانة، ومهادنة الطواغيت ونصرتهم على المجاهدين، لعموم علماء المسلمين! وهو في أدبيات تنظيم (دولة العراق) ومن بعده (الدولة).
فيا جبهة النصرة هل هذا رأيكم في علماء الأمة، وتخوينهم، وإسقاطهم؟ مع ما يأتي في الفقرة التالية.
2. عدم أخذ تنظيم (دولة العراق الإسلامية) بفتاوى أهل العلم من خارج تنظيمه:
درج تنظيم (دولة العراق الإسلامية) على رفض كل من خالف فتاويه وآرائه الشرعية والسياسية، وهذا نتاج طبيعي لاتهام أهل العلم بكتمان علمهم، وموالاة الطواغيت، فلا بد أن يكون لديهم مصدر آخر يستقون منه هذا العلم.
ويمكن في هذا السياق أن نستحضر إعلان إنشاء (دولة العراق الإسلامية) دون بقية الفصائل، واعتبار بيعاتها وإماراتها باطلة، ومن رفض الانصياع لها فهو خارج عنها يجب قتاله، وبذلك قاتلوا بقية الفصائل، بل اعتبروها مشاريع خيانة وموالاة للطواغيت.
فهل تعتقد جبهة النصرة أنَّ دولة تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق) كانت دولة شرعية؟ وأن بيعتها بيعة عامة؟ وأنه يجب على جميع القوى والفصائل العراقية الانضواء تحتها وإلا فهم على جاهلية وضلال؟
ألم يقل الجولاني في كلمته (بخصوص الاحداث الاخيرة):
"وما وددت الخروج من العراق قبل أن أرى رايات الاسلام تُرفع خفاقة عالية على أرض الرافدين ... لقد تشرفت بصحبة العديد من أهل الصلاح بالعراق نحسبهم كذلك ... لإعلان كلمة الله تحت راية دولة العراق الاسلامية " انتهى.
والتي أصبح القاصي والداني يعلم أنها لم تكن عن مشورة من غالب المكونات العراقية، فضلاً عن أن يكون من جميعها.
ومن الشهادات الداخلية رسالة الشيخ أبو سليمان العتيبي -قاضي (دولة العراق الإسلامية)- للقيادة في خراسان، والتي جاء فيها: "وفي حقيقة الأمر يظن الناس أن قيام الدولة كان بعد مبايعة جماعات مجلس شورى المجاهدين لتنظيم القاعدة، ثم مبايعة شيوخ العشائر بحلف المُطيبين، وليس الأمر كذلك ألبتة، وإنما بايع رؤوس هذه الجماعات، كسرايا الجهاد، وسرايا الغرباء، وجيش أهل السنة، وكتائب الأهوال، وجيش الطائفة المنصورة... وهم أناس لا علاقة لهم بالجهاد الحقيقي في الساحة، بل منهم من لم يحمل السلاح في حياته كلها، ومنهم من ليس له أتباع أصلاً، وإنما هي أسماء مجردة، فبايعوا واشترطوا إما بلسان الحال أو المقال أن يتولوا مناصب في هذه الدولة التي ستعلن، ووقع الأمر كما أرادوا، وأنا أشهد بالله العظيم على ذلك بحكم قربي من أبي حمزة المهاجر، ولم يتدخل شيوخ العشائر المعروفون، كما يصرح كثيرًا أبوحمزة" انتهى.
فهل كان هذا يخفى على قادة النصرة؟ ثم توضح؟ أم أنَّه كان معلومًا من قبل؟ وكلا الأمرين لا بد فيه من توضيح، وخاصة أنه بُني على ذلك أحكام عقدية، وتعاملات عسكرية، وأريقت بسبب ذلك دماء معصومة.
وهل تعتقد جبهة النصرة أنَّ مخالفة أهل العلم في عامة بلدان العالم الإسلامي للتنظيم في تأسيس الدولة هو من باب الطعن في المجاهدين وموالاة الطغاة والصليبيين كما صرح تنظم (دولة العراق) حينذاك؟ وأنَّ من حق التنظيم إقامة الدولة اعتمادًا على رأي شرعييه فحسب دون الرجوع لعلماء العالم الإسلامي أو اعتبارهم؟
وإن كانت جبهة النصرة تخالف تنظيم (دولة العراق) في منهجم من أهل العلم فلماذا تحصر نفسها بعددٍ بأسماء معينة ضمن مرجعيتها، ولا تذكر بقية أهل العلم؟
فعند سؤال مراسل الجزيرة لأبي محمد الجولاني عن مراجعهم من العلماء ذكر سامي العريدي، ثم لما استفصله أكثر قال: " بالطبع لدينا الكثير من العلماء المناصرين لنا والناصحين لنا ولكن لا نريد أن نتكلم في أسمائهم لأسباب أمنية تخصهم، لا نريد أن نحرج أحد معنا في هذا المضمار.." انتهى.
أي أن أسماءهم وأماكنهم مجهولة لعامة الأمة وعلمائها، فهم ليسوا من العلماء الذين تعرفهم الأمة وتأخذ بأقوالهم!
وقال العريدي في لقاء (منهجنا وعقيدتنا): "من مراجعنا المعاصرة "الشيخ حمود بن عُقلاء الشعيبي" و"الشيخ عبد الله عزام" تقبلهم الله عز وجل، ومن مراجعنا العلميّة "الدكتور عمر عبد الرحمن" فك الله أسره" انتهى.
ولم يزد على ذلك!
فهل سبب عدم الأخذ بهؤلاء العلماء واعتراف بهم هو ما دعا الجبهة في جميع المنازعات والمواقف على الاقتصار بالرجوع لأبي محمد المقدسي، وأبي قتادة، وهاني السباعي، ونحوهم من منظري فكر (السلفية الجهادية) الذي تشترك فيه مع تنظيم (الدولة) دون بقية أهل العلم في العالم الإسلامي!
ثالثًا: منهج (الدولة الإسلامية العراق) في إقامة الدولة:
أُعلن عن إنشاء (دولة العراق الإسلامية) في 2ربيع الثاني 1428 هـ – 19/4/2007م، وخلاصة ما سبقت الإشارة إليه في مقال (نقاش هادئ حول فكر (دولة الإسلام في العراق والشام) (4) موقف تنظيم (الدولة) من إقامة الدولة):
1. لا جهاد ولا قتال إلا بإمارة.
2. لا يشترط في إعلان الدولة أو الإمارة إلا وجود منطقة ما يسطر عليها عدد من المقاتلين بحجم مساحة المدينة المنورة وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كانت السيطرة عليها ضعيفة أو غير متمكنة، وإعلان (التوحيد، وتحكيم الشريعة) حسب ما يرون!
قال عثمان بن أحمد التميمي في رسالته (إعلان الأنام بميلاد دولة الإسلام) الصادرة عن (وزارة الهيئات الشرعية) في (دولة العراق الإسلامية): "إن الدولة التي أقامها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تحمل كل المواصفات التي ينظر لها على أنها من خصائص الدولة المعاصرة بكياناتها السياسية والإدارية والاقتصادية، فالدولة التي ينشدها الإسلام هي تلك التي تقيم الدِّيْن أولا قبل أي اعتبار آخر، وعلى رأس ذلك تحكيم الشريعة، الذي يأخذ بعين الاعتبار مضامين الأحكام وغاياتها، والدولة التي يطلبها الشرع هي دولة مرتكزة على عقيدة التوحيد، منبثقة عنها، تحكم بمقتضى الشرع في السياسة والعلاقات الخارجية، كما تحكم بمقتضى الشرع في النظم والسياسات الداخلية) انتهى.
3. أنَّها مشروع حرب واصطدام مع العالم:
قال أبو محمد العدناني في كلمته (العراق العراق يا أهل السنة): "فليعلم القاصي والداني والشرق والغرب أننا أقسمنا وعزمنا أنَّه بغير دولة الإسلام لا أمان ولا سلام لا في العراق ولا في الشام ولا مصر ولا الجزيرة ولا خراسان ولا في الشرق ولا في الغرب، لن نساوم ولن نسالم, لن نفاوض ولن نقايض، فشرع الله لا يُحكّم إلا بالسيف ولا يقوم إلا على الشوكة والقوة" انتهى.
فهل تعتقد جبهة النصرة أن مشروعها للدولة مشروع صدامي مع كل دول العالم وحرب له وقتال معه؟ كما حملت عشرات تصريحات قادة تنظيم (دولة العراق الإسلامية)؟
4. مشروع لا يقبل البحث ولا المراجعة ولا النقد!
قال أبو حمزة المهاجر في (اللقاء الصوتي الأول): "يا عباد الله هذا مشروعكم ومشروع الأمة وليس حكراً علينا، ولقد تخلينا عن أسماء جماعاتنا وتركنا إمارتها لصالح هذا المشروع الكبير، وقلنا للجميع: إنَّ قلوبنا مفتوحة لكل نقد وتعديل يخص هذا المشروع، فقط لا يمكن الرجوع عن أمرين: الدولة وأميرها، لأنَّا اجتهدنا ونحسب فيهما الخير والبركة والفلاح" انتهى.
فهل تعتقد جبهة النصرة أنه كان من حق تنظيم (دولة العراق الإسلامية) أو أي تنظيم آخر أن يفرضَ على الأمة جمعاء، بل العالم كله رؤيته السياسية والشرعية، بزعم أنه (الأقدر على فهم سنة الله في هذا الجهاد) دون جميع الناس؟
وأنه لا يحق لأحد مطالبته بالتراجع عنه؟!
5. التحاكم للشرع يتحقق بالتحاكم لمحاكم (دولة العراق) حصرًا:
قال أبو عمر البغدادي في كلمته (قل إني على بينة من ربي): "خامسًا: نرى وجوب التحاكم إلى شرع الله من خلال الترافع إلى المحاكم الشرعية في الدولة الإسلامية، والبحث عنها في حالة عدم العلم بها..".
مع أنَّ العراق حينها كان يعج بالهيئات الشرعية التابعة للفصائل الجهادية الأخرى، بل والمستقلة، فإن كان الهدف إقامة شرع الله، فلم لا تكون الدعوة لتوحيد المحاكم الشرعية، أو التنسيق بينها، أو إنشاء محاكم مستقلة لحل النزاعات التي تحصل بين الكتائب على الأقل؟
فهل ترى جبهة النصرة أنَّ احتكار هذا الأمر صواب وحق؟ وأنه يجوز لتنظيم ما الانفصال عن المجتمع بمحاكم مستقلة لاجتهادات يراها؟
6. إدعاء صحة المنهج:
ظهر كثيرًا في كلام قادة تنظيم (دولة العراق الإسلامية) وصف تنظيمهم بأنَّه الطائفة التي تتبع الحق، ومن ذلك:
قال أبو عمـر البـغدادي في كلمته (وَعدُ الله):
"... لأنني أحسبُ أنَّ الذين يقاتلون المحتل في دولة العراق الإسلامية هم أولياءُ الله في أرضه القائمين بفرض الزمان على قلةٍ وخذلان المتبعين لشريعة الرحمن...قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب...".
فهل تعتقد جبهة النصرة أن جنود تنظيم (دولة العراق) كانوا هم القائمين بحدود الله دون سواهم، لذا فإنَّهم منصورون على أعدائهم، بل إنَّهم هم أولياء الله؟
وقال أبو عمر البغدادي في كلمته (سيهزم الجمع ويولون الدبر):
"أشهدُ بالله ، أن أمتي لم تبخلَ علينا في بلاد الرافدين ، بخيرة أبنائها ، وأصدقُ نُجبائها ، فلم ترى عيني مثلهم ، ولا سمعتُ كخبرهم ، إلاّ خبرَ الرعيلِ الأولِ (!).
فأشهدُ أنهم أصدقُ الناسِ لهجة .. وأوفاهم عهدا .. وأكثرهم ثباتا .. وأشدّهم في أمر الله . فلستُ أشكُّ يعلمُ الله ، طرفةَ عين .. أنا نحنُ الجيش الذي يُسلِمُ الراية لعبداللهِ المهديّ .. إن قُتِلَ أولنا .. فسيُسلمها آخرنا .. وبسطُ هذا في غيرِ موضعنا" انتهى.
فهل تعتقد جبهة النصرة أن أعضاء تنظيم (دولة العراق الإسلامية) هم الطائفة المنصورة الناجية دون بقية المسلمين؟ وأنَّ امتداد هذا التنظيم سيكون مع المهدي؟ وهل هم امتداد لهذا التنظيم كونهم انبثقوا منه؟
7. حرص تنظيم (دولة العراق الإسلامية) منذ إعلان دولته على دعوة الفصائل الأخرى إلى البيعة.
قال محارب الجبوري في كلمته (صَبْرًا يَا بَغْدَادُ فَالحَرْبُ سِجَالٌ) عند بدايات تأسيس (الدولة) في العراق:
"فيا إخواننا في ساحات الجهاد وساحات التضحية والفداء: نشهد الله تعالى أننا نحبكم في الله وأن لنا قلوبًا تحن إليكم وإلى قربكم فالتحقوا بصفوف إخوانكم في دولة العراق الإسلامية ولا تتأخروا فلقد حان وقت التوحد والتلاحم ...
فأصل هذا الأمر وتمامه أن تلبوا نداء إخوانكم فتبايعوا أخاكم أبا عمر البغدادي أمير دولة العراق الإسلامية حفظه الله وسدد خطاه فتصبح الأمة مجتمعة على أميرٍ واحدٍ وراية واحدة" انتهى.
وقال أبو حمزة المهاجر في كلمته (إن الحكم إلا لله):
"معلوم أن كل أمر واجب لا يتم إلا بالاجتماع عليه فالجماعة له واجبة كما قرر أهل الأصول ..." انتهى.
ثم عرض مبايعة تنظيم (القاعدة) في العراق وذوبانه في (الدولة)، ثم قال مخاطبًا المجاهدين:
"فإن إخوانكم يدعون الله أن يحفظكم وان تبشروهم باليوم الذي تعلنون فيه ما عودتموهم عليه من صفاء المنهج ووضوح الهدف فتباركون دولة العراق الإسلامية وتبايعون الشريف أميرًا" انتهى.
ثم زاد التنظيم فادعى أن من لم ينضم لدولته فهو من العصاة!
قال أبو عمر البغدادي في كلمته بعنوان: (قل إن على بينة من ربي):
"نرى أن أبناء الجماعات الجهادية العاملين في الساحة إخوة لنا في الدين ، ولا نرميهم بكفر ولا فجور، إلا أنهم عصاة لتخلفهم عن واجب العصر وهو الإجتماع تحت راية واحدة .
فهل تعتقد جبهة النصرة صحة هذا الكلام شرعًا؟ وأنَّ الفصائل العراقية كانت عاصية؟ وبذلك يجوز قتالها لشق الصف؟ وهل من حق فصيل ما –أي فصيل- أن يقوم بهذه الخطوات إذا اعتقد أنه على الحق؟ ويكون قرار أخذ البيعة، والحرب والسلم بيده دون بقية الأمة؟
* * *
وختامًا:
فإن الحديث عن منهج تنظيم (دولة العراق الإسلامية) العقدي والشرعي، والعسكري طويل، وما سبق غيض منه للإشارة فقط..
فإذا كانت جبهة النصرة تعلم جميع ذلك منذ نشأتها فكيف تثني على (دولة العراق الإسلامية) وعلى منهجها، وتزكيها؟
وإن علمت هذه التفاصيل بعد تمدد تنظيم (الدولة) إلى سوريا، وإظهاره لعقائد التكفير واستهداف المجاهدين، فكيف لها أن تعتبر أن الخلاف بينهما هو مجرد خلاف يقع بين أبناء المنهج الواحد؟
وإن كانت الجبهة قد تبينت حقيقة تنظيم (الدولة) قبل سوريا وبعده، فكيف يسعها السكوت عن هذه الجرائم والمعتقدات وهي المحسوبة عليها تاريخيًا، والمصدر الأم لها تنظيميًا؟
وما حدود اختلاف منهجها عن منهجه فيما سبق من الأمور الخطيرة والمفصلية؟
إن جبهة النصرة مطالبة شرعًا ببيان موقفها من عقيدة ومنهج (دولة العراق الإسلامية)، وتاريخ تعاملها مع كافة المسلمين وخاصة المكونات العراقية السنية الأخرى؛ لأنها منبثقة عنها، وقد سبق لها أن أثنت عليها مراراً.
وهي مطالبة بذلك واقعًا؛ لوجودها على الأرض السورية، وارتباطها السابق بالتنظيم.
وهي مطالبة ببيان منهجها العقدي والفكري والسياسي بالتفصيل.. فالجماعات، والدول لا تُبنى على عقائد مخفية، غير معلومة..
والحمد لله رب العالمين
إضافة تعليق جديد