الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادي اول 1446 هـ

تأريخ الفرق

الخوارج ... فكرهم، وخطرهم على الإسلام

16 محرم 1440 هـ


عدد الزيارات : 12720
رابطة خطباء الشام

 

امتنّ الله على أهل الشام اليوم بأن جعلهم أداة لنصرة دينه، ولتعرية أهل الزيغ والضلال الذين ينتحلون الدين لتحقيق غاياتهم ومشاريعهم التي تهدم الأمّة. فعلى أيدي أهل الشام اليوم تعرَّى الروافض والخوارج والباطنية ومدّعوا المقاومة والممانعة وأصدقاء الشعب السوري والمجتمع الدولي وغيرهم من المنافقين الذين يظهرون الودَّ والمساعدة ويبطنون الكيد والعداء، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

واﻷخطار التي تُحدق بأمة الحبيب محمد -صلى الله عليه وسلم- اليوم كثيرة، ومن أشدّها تلك الأخطار الداخلية، إذ تنخر في جسد الأمّة وتعمل عملها فيه حتى تفتك به دون أن يتنبه لذلك أحد إلا القليل، ومن أعظم هذه اﻷخطار: (الفكر الخارجي) الذي لم تخل منه تجربة جهادية لكن بتفاوت في الكمّ -وأحيانًا في النوع- بين كل تجربة وصاحبتها، والقاسم المشترك هو تقويض الصرح الجهادي وإفساده.

وما كدنا أن ننتهي من ثورتنا، ونقترب من تحقيق غايتنا، حتى خرجت قرون ذلك الفكر الخبيث بين أظهرنا، فعطّلت جهادنا، وأخّرت نصرنا، وقوّت عدونا، ولم تكتف بذلك بل سفكت دمنا وقتلت قادتنا ودعاتنا واستحلّت محارمنا ونهبت أموالنا وشرّدت شعبنا.

ولكم دُعُوا إلى تحكيم شرع الله بيننا وبينهم فأبوا ذلك، وهم من يحملون راية تحكيم الشريعة!!

وعندما تنكّبنا عن تطبيق شرع الله وإعمال الحلِّ النبوي فيهم: استشرى شرّهم وانتشر انتشار النار في الهشيم، فاليوم معظم سوريا تشكوا شرّهم وغائلتهم، وتواجه عاديتهم، فلقد قطعوا أوصالنا وانتهكوا حرماتنا.

وإليكم شيئاً عن أوصاف تلك الفرقة المارقة.

 

  1. بداية أمرهم:

عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من اليمن بذهبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها، قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه: كنّا نحن أحقّ بهذا من هؤلاء، قال: فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تأمنوني؟ وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء؟ قال: فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كثّ اللحية، محلوق الرأس، مشمّر الإزار، فقال: يا رسول الله، اتق الله، فقال: ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال: ثم ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا، لعله أن يكون يصلي، قال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أشق بطونهم، قال: ثم نظر إليه وهو مقف، فقال: إنّه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله، رطبًا لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، قال: أظنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود)البخاري: (7432)، ومسلم واللفظ له: (1064)، ومعنى: (أرسل بذَهَبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها): أي قطعة من الذهب ملفوفة بجلد مدبوغ مازالت مختلطة بالصخر.وفي رواية أخرى في الصحيحين: (لأقتلنهم قتل عاد).

فلقد أنكر أبو الخوارج هذا على أتقى أهل الأرض لله، رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتّهمه بالظلم وعدم العدل في القسمة، فكيف بمن هو دون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

 

  1. خطرهم على الإسلام وأهله

إنّ الإفراط والغلو في أمر الدين أشدّ عليه من المعاصي والتفريط، فلكم رأينا وشاهدنا من أناس يرتكبون المعاصي والمنكرات ويبارزون الله بها جهارًا نهارًا، ولكم رأينا من أصحاب الجرائم الكبيرة والموبقات من الزناة والسَّرَقَةِ وشاربي الخمور وغيرهم، وهذه المعاصي وغيرها وإن كانت كبيرة وخطيرة وتؤثّر على الأمّة بشكل عام من حيث نزول البلاء والعقوبة وتأخّر النصر، إلا أنّها أقلّ خطرًا بكثير من الغلو والإفراط في أمر الدين.

وأهل الإفراط يجرّون الويلات على الأمّة في سنة واحدة ما لا يجره أهل التفريط والتفلّت من الدين في مئات من السنين، وهذا ما شاهدناه في أمّتنا اليوم، فقد خرج علينا هذا الفكر التكفيري الدخيل الذي عمل في الأمّة سفكًا للدماء المعصومة، وانتهاكًا للأعراض المصونة، ونهبًا وسلبًا، ففرّق كلمة الأمّة، وفتن أبناءها، وأخَّرَ نصرها، وقوَّى أعداءها عليها في مدّة يسيرة من الزمن.

وخطورة هذا الفكر وأهله ﻻ تكمن في القتل والسلب والنهب والسبي على عظمة هذه الجرائم في دين الله، فالنفس البشرية هي الضرورة الثانية من الضرورات الخمس التي جاء الشرع لحفظها، ولكنّ مكمن الخطر في (اﻻستحلال) و(اﻻستباحة) الناتج عن رفع (العصمة) الناشئ عن التكفير.

وهنا يغدو المرء وما يملكه ويتعلّق به نهبًا للناهبين ومشاعًا للراغبين وغنمًا للغانمين، فقد سقط الحصن الحصين والركن الركين الذي كان يعصمه ويمنعه!

من هنا نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ)ابن ماجه: (3029)، وصححه الألباني..

وروى مسلم عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثامسلم (2670)، والمتنطعون: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.

وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ} [النساء: 171].

وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].

 

  1. أوصافهم:

أ. يقتلون أهل الإسلام:

لقد جعل الشارع الحكيم الدينَ عاصمًا لنفس صاحبه وعرضه وماله، وسياجًا يحوط صاحبه ويحرِّم ويجرِّم المساس به أو بشيء من متعلقاته، وإنَّ أقصر الطرق لرفع الحصانة هو هدم هذا السياج بإخراج المرء -والعياذ بالله- من دائرة الإسلام، فتسقط العصمة ويصبح المرء وتوابعه مشاعًا بلا حصن يقيه أو حمىً يحميه..

والخوارج ما استحلوا دماء المسلمين وأموالهم وسبوا نساءهم إلا بعد إطلاق ألفاظ الكفر والردة عليهم، فقد روى مسلم من حديث علي -رضي الله عنه- أنّه لما سار إلى الخوارج ذكر للناس صفتهم ثم قال: "فتذهبون إلى معاوية وأهل الشام وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم؟ والله، إنّي لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم، فإنهم قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا في سرح الناس، فسيروا على اسم الله" .. وذكر الحديث بطولهمسلم (1066)..

وقوله: "وتتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم وأموالكم" فيه إشارة إلى أنّ دأب هؤلاء القوم هو الطعن في ظهر المجاهدين والغدر بهم واستحلالهم لأموالهم وأعراضهم.

لقد قتل الخوارج الأولون خيارَ الصحابة رضوان الله عليهم، منهم عبدالله بن خباب رضي الله عنه، قتلوه وبقروا بطن جاريته، ثم عدوا على قوم من بني قطيعة فقتلوا الرجال وأخذوا الأموال وَغَلوا الأطفال في المراجلالمراجل هي القدور التي يطبخ بها.. وتأولوا قول الله عز وجل: {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} [نوح: 27]جامع بيان العلم وفضله (2/966)..

وقتلوا عليًا رضي الله عنه، وقتلوا خيار المسلمين، وليس هذا عند الخوارج الأولين فقط، بل إنّ خوارج هذا العصر بلغوا من السوء والانحراف والفتك في أهل الإسلام ما لم يبلغه من كان قبلهم، فقد حكموا على بلاد المسلمين بأنّها بلاد كفرٍ وردّة، وأوجبوا الهجرة منها إلى مناطق سيطرتهم ونفوذهم، وحكموا على سائر مَن خالفهم من الكتائب المجاهدة في العراق والشام بالكفر والرِّدة، ووصفوهم بالصحوات، ورموهم بالخيانة والعمالة للكفار بالشُّبه، وبما ليس كفرًا أصلًا، واستحلّوا قتال مَن خالفهم في منهجهم، أو رفض الخضوع لدولتهم الموهومة، فأعملوا في المسلمين خطفًا، وغدرًا، وسجنًا، وقتلًا، وتعذيبًا، وأرسلوا مفخخاتهم لمقرات المجاهدين، فقتلوا من رؤوس الثوار والمجاهدين، والدعاة، والإعلاميين، والنشطاء ما لم يستطع النظامان الطائفيان في العراق وسوريا فعله، وقاتلوا المسلمين بما لم يقاتلوا به الأعداء.

كما استحلّوا أخذ أموال المسلمين بحجّة قتال الجماعات المنحرفة، ومصادرتها دون وجه حق، واحتكار موارد الدخل العامة من آبار نفط وصوامع غلال وغيرها، والتصرّف فيها كتصرف الحاكم المتمكن.

 

ب. يمرقون من الدين ويفارقون جماعة المسلمين:

 لقد بيَّن أهل العلم أنَّ من أهم أوصاف الخوارج: خروجهم عن أحكام الدين التي جاءت بها النصوص الشرعية في التكفير واستحلال الدماء، ومفارقة جماعة المسلمين في المنهج والمعتقد والسلوك.

قال ابن حجر في "فتح الباري": "سُموا بذلك لخروجهم عن الدين، وخروجهم على خيار المسلمين".

وقال النووي في "شرح مسلم": "وسموا خوارجًا، لخروجهم على الجماعة، وقيل: لخروجهم عن طريق الجماعة، وقيل: لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا)، ومعنى (يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ): يخرج من أصله ونسبه"

فالخوارج خرجوا عن جماعة المسلمين، وحصروا الحق في منهجهم، وحكموا على جميع من يخالفهم في الفكر أو المشروع بالعداء للدين، ولقد عرّى لنا الحبيب المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه- أمرهم حتى نكون على يقين في شأنهم ولا تأخذنا بهم رأفة في دين الله، فقال كما عند البخاري ومسلم: (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)البخاري (7562)، ومسلم (1064)..

وعند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (تمرق مارقة عند فُرْقَةٍ من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق)مسلم (1064)..

ولا يشترط خروجهم على الحاكم المسلم حتى يسموا خوارج، فهذا لم تدلّ عليه النصوص الشرعية، وإنّما أطلق بعض العلماء عليهم ذلك لأنّ هذا كان غالب أمر الخوارج في عصرهم.

وهؤلاء الخوارج إن وجدوا الإمام المسلم خرجوا عليه واستباحوا الدماء والأموال، وإن لم يجدوا الإمام استباحوا دماء عامة المسلمين وخيارهم من المجاهدين والعلماء والدعاة، كما نصّت عليه نصوص الشرع، وكلام أهل العلم.

روى مسلم من حديث أبي هريرة، قال صلى الله عليه وسلم: (.. وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْه)مسلم (1848)..

وروى البخاري عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة)البخاري (6878).، وعند مسلم: (التارك لدينه المفارق للجماعة(.

قال النووي في شرحه لمسلم: وأما قوله صلى الله عليه وسلم (وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما، وكذا الخوارج والله أعلم"شرح النووي (11/165)..

وقد روى أبو داود حديث: مَنْ فارقَ الجماعةَ شِبراً، فقد خَلَع رِبْقَةَ الإِسلام من عُنُقِهِ. ووضعه في باب (باب في الخوارج)، وهذا من فقهه فقد جعل الخوارج من فارق جماعة المسلمين.

بل وصل الأمر بهم في مخالفة جماعة المسلمين إلى أن يخالفوهم حتى في أشكالهم، فقد كانوا يحلقون شعورهم في حين كان الناس يوفرون شعورهم، وقد قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: (سِيْمِاهُم التحليق).

واليوم فإنهم يخالفون الناس في لباسهم وأشكالهم وشعاراتهم وغير ذلك، فالمهم عندهم أن يتميّزوا عن جماعة المسلمين.

 

ج. لا يفقهون القرآن:

فقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم)مسلم (1064).​.

قال النووي في شرح مسلم: "ليس حظُّهم من القرآن إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل قلوبهم، وليس ذلك هو المطلوب، بل المطلوب: تعلّقه، وتدبّره بوقوعه في القلب"شرح النووي على مسلم (6 /105)..

ولما كان حظهم من القرآن ظاهره وحروفه فقط، لم يفهموا معانية بل أجروا نصوصه على ظاهرها وكفروا بها المسلمين ورموهم بالردّة.

وقال ابن تيمية في "الفتاوى": "وكانت البدع الأولى مثل بدعة الخوارج إنّما هي من سوء فهمهم للقرآن، لم يقصدوا معارضته، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه"مجموع الفتاوى (13/ 30)..

‏ولذلك قال فيهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الكُفَّارِ، فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ"ذكره البخاري تعليقاً (9/16)..

 

د. يطلبون الهجرة إليهم:

هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم وحدهم أهل الحق وأن كل ما سواهم مرتدّين عن دين الإسلام، يطلبون من الناس مبايعتهم والهجرة إلى دولتهم الوهمية المزعومة، فيقع في براثن هذه الدعوة المضللة شباب المسلمين ممن أشغلهم هم نصرة الدين ليجدوا بعدها أنّه لا دولة ولا خليفة، وإنما هو الكذب والافتراء وسفك الدماء.

وهذا ما كان يفعله الخوارج الأولون فقد طلبوا من الناس الهجرة إليهم، روى أحمد بإسناد حسن عن سعيد بن جمهان قال: "كنا نقاتل الخوارج وفينا عبد الله بن أبي أوفى وقد لحق غلام له بالخوارج، وهم من ذلك الشط، ونحن من ذا الشط، فناديناه أبا فيروز أبا فيروز، ويحك هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفى! قال: نِعْمَ الرجل هُوِ لو هاجر. قال (أي عبد الله بن أبي أوفى): ما يقول عدو الله؟ قال: قلنا: يقول: نعم الرجل لو هاجر! قال: فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)"مسند أحمد (19149)..

 

هـ. كثرة عبادتهم واغترار الناس بهم:

قد يستغرب الناس اليوم ويقولون: كيف نقتلهم وهم قوم كثيروا العبادة شديدوا البأس في الجهاد، مظاهرهم تدل على أنّهم أهل تدين وأصحاب مشروع إسلامي؟!

إنّ كثرة العبادة لا تعني صحة المنهج، وما تشديد النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الخوارج وتحذيره منهم ومن فكرهم إلا من كثرة اغترار الناس بأشكالهم وعباداتهم وكلامهم، وقد بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك في الأحاديث الصحيحة، فقد روى مسلم عن علي رضي الله عنه قال: (أيها الناس إنّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.. )مسلم (1066)..

وروى مسلم أيضًا عن أبي سلمة، وعطاء بن يسار، أنهما أتيا أبا سعيد الخدري، فسألاه عن الحرورية، هل سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرها؟ قال: لا أدري من الحرورية، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يخرج في هذه الأمة -ولم يقل: منها- قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم -أو حناجرهم- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية)مسلم (1064)..

وأخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس لما ناظر الخوارج قال: "ودخلت عليهم نصف النهار، فدخلت على قوم لم أر قوما قط أشدّ منهم اجتهادًا، جباههم قرحت من السجود، وأيديهم كأنها ثفن الأبل (أي: ركبها الغليظة)، وعليهم قمص مرحضة (أي: مغسولة)، مشمّرين، مسهمة وجوههم (أي: متغيرة ألوانها من السهر..)"الطبراني (10598)، والحاكم (2/150).​.

فكثرة العبادة  وبذل النفس في المعارك، والقيام بالعمليات الاستشهادية، ليس دليلاً على التَّدين أو صحة المنهج، فقد عُرف الخوارج طيلة تاريخهم بالجرأة والعنف في القتال، وقد استماتوا في معركة النهروان ضد جيش علي بن أبي طالب حتى لم ينجُ منهم إلا عشرة نفر! ثم كان لهم مع الدولة الأموية صولات وجولات، حتى سارت بشدتهم وقسوتهم في المعارك الركبان.

 

و. يقولون من خير قول البرية:

تتكلم هذه الفرقة بكلام في ظاهره الخير، فهم يقولون من خير قول البرية، كما جاء في صحيح مسلم، ولكنّها كلمات تحمل في باطنها الكيد للإسلام والمسلمين، فتطلق هذه الفرقة المارقة شعارات تغرّ بها عوام المسلمين ممن عندهم حرقة على دينهم، ومن تلك الشعارات التي يطلقونها: (دولة الخلافة – الحكم بما أنزل الله – دولة الإسلام – تحكيم الشريعة ...) وغيرها كثير، وهذه الشعارات قد أطلق مثلها الخوارج الأولون في عهد علي رضي الله عنه، فقد رفعوا راية: (لا حكم إلا لله)، ولكنها كلمة حقٍّ أُريدَ بها باطلٌ.

روى مسلم عن عبيد الله بن أبي رافع، مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّ (الحرورية لما خرجت، وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصف ناسًا، إنّي لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم لا يجوز هذا منهم -وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه)مسلم (1066)..

وروى الحاكم في المستدرك، قال صلى الله عليه وسلم: (يُحْسِنُونَ الْقَوْلَ، وَيُسِيئُونَ الْفِعْلَ، فَمَنْ لَقِيَهُمْ فَلْيُقَاتِلْهُمْ، فَمَنْ قَتَلَهُمْ فَلَهُ أَفْضَلُ الْأَجْرِ، وَمَنْ قَتَلُوهُ فَلَهُ أَفْضَلُ الشَّهَادَةِ، هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ، بَرِيءٌ اللَّهُ مِنْهُمْ، يَقْتُلُهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ)المستدرك (2659)..

 

  1. تشديد النبي في أمرهم، والأجر العظيم لمن قتلهم أو قتلوه

لقد شدد النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر هذه الفرقة المارقة ما لم يشدد في غيرها، وما ذاك إلا لعظيم خطرها، ولقد قُتِلَ من المسلمين في الفتن التي ابتدأت منذ عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- مئات ألوف المسلمين ولم يكن ذاك -على عظمته- نذير خطر كما كان من الخوارج، ولقد فاقت أعداد قتلى المسلمين في الفتن مئات المرات اﻷعدادَ التي سقطت في القتال مع الخوارج.

ومع ذلك فالخطورة في الثانية أكبر وأشد، والتحذير منها والتركيز عليها يفوق اﻷولى بمراحل، والسرّ يكمن في أن اﻷولى لم يستبح أحد أخاه، ولم يستحله بإخراجه من دائرة الدين ليصبح وعرضه وماله في مهب الريح، وليغدو مشاعاً ﻷول حَدَثٍ سفيه يخلص إليه، فيستبيحه ويستحله وينهبه ويسلبه! ولذلك وصفهم النبي بقوله: (إن بعدي من أمتي -أو سيكون بعدي من أمتي- قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة)مسلم (1067)..

روى مسلم عن سويد بن غفلة، قال: قال علي رضي الله عنه: (إذا حدثتكم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فَلَأَن أخِرّ من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة)مسلم (1066)..

وروى مسلم عن علي -رضي الله عنه- أنّه ذكر الخوارج فقال: (.. لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم، على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، قال قلت: آنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي، ورب الكعبة، إي، ورب الكعبة، إي، ورب الكعبة)مسلم (1066)، ومعنى: (لولا أن تبطروا) البطر هنا التجبّر وشدة النشاط..

وروى مسلم من حديث علي -رضي الله عنه- أيضًا أنّه قال: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم، ما قُضِيَ لهم على لسان نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لاتَّكلوا عن العمل)مسلم (1066).​.

وروى أحمد من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله، وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم..)أحمد (13338)..

وروى الترمذي: عن أبي غالب قال: (رأى أبو أمامة رؤوسًا منصوبة على دَرَجِ مسجد دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه) ثم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ...} إلى آخر الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثًا أو أربعًا حتى عدّ سبعًا ما حدثتكموه)الترمذي (3000) وقال هذا حديث حسن.​.

وقالت فيهم عائشة رضي الله عنها: (طوبى لمن شهد هَلَكَتَهُمْ)أبو يعلى بإسناد صحيح (987)..

 

 

  1. هل الخوارج فرقة ظهرت وانقضت؟

من العجب أن ترى جلّ أبناء الأمّة يعتقدون بأنّ الخوارج فرقة ظهرت وفنيت، وأنّ وصف بعض الجماعات بهذا الوصف اليوم تقوّلٌ وافتراءٌ!! وما هذا إلا لجهلهم بدين الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

إنّ الخوارج لم ينتهوا بقتل عليٍّ رضي الله عنه لهم، بل سيظل هذا الفكر وحملته يظهرون في الأمّة إلى أن يخرج الدجال آخر الزمان، وهذا ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه ابن ماجة عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ينشأ نشء يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلّما خرج قَرْنٌ قُطِعَ، قال ابن عمر سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: كلما خرج قرن قطع -أكثر من عشرين مرّة- حتى يخرج في عِرَاضِهُمُ الدجال)ابن ماجه (174) وحسّنه الألباني، ومعنى: (في عراضهم): أي في ناحيتهم..

 

  1. نداء إلى أهل الشام

اليوم وقد ظهر الداء جليًّا، وانكشفت حقيقة القوم للقاصي والداني: علينا أن نعلم أنّ نبينا الحكيم -صلى الله عليه وسلم- وصف الدواء والعلاج، وإنّ القوم لم يستفحل أمرهم إﻻّ يوم حاد أتباع الحبيب عن وصفة الطبيب، ولو اتبعنا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيهم ﻻختصرنا على اﻷمّة الكثير.

وإلى المجاهدين في الشام نقول: لن ننتصر على هؤلاء الخوارج حتى نربي جيلًا يقاتلهم عن عقيدة راسخة ويتبع أمر نبيه فيهم بقتلهم قتلا يفنيهم.

لن ننتصر على هؤلاء مادام بين ظهرانينا مَن يعتقد بأنّ القوم إخواننا، ويتورّع عن قتلهم وقتالهم، ولو خلصوا إليه لم يرقبوا فيه إلّا ولا ذمة.

لن ننتصر على هؤلاء مادام بين ظهرانينا أصحاب ورع كاذب بارد يراهم يستبيحون الدماء واﻷنفس واﻷرواح واﻷعراض واﻷموال ويكفّرون اﻷمّة ويتورع عنهم!

ولعلنا نقول كلاما هو من صميم شريعتنا الغراء ولن يفهمه سوى صاحب علم، وهو: أنّ الذي يتورّع عن قتال الخوارج إنّما يزايد على ورع وتقوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي قال عن نفسه: (لئن أدركتهم ﻷقتلنهم قتل عاد) وحضّ على قتالهم بقوله: (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، ومن تخلّف عن قتالهم متذرّعًا بالورع فإنّما يزايد على ورع وتقوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويزعم أنّه -معاذ الله- أورع وأتقى من رسول الله صلى الله عليه وسلّم!! وهنا ﻻ فرق بين من يتورع عن قتالهم وبين ذي الخويصرة التميمي الذي زايد على عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك شأن من يتورع عن قتال الخوارج بحجة الورع في الدماء فهو هنا يزعم أنه أورع من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتقى منه!!

فيا قادة الجهاد في الشام:

الوقت ليس في صالحكم..

أجمعوا أمركم وقاتلوا من لو كان رسول الله بين أظهرنا لقتلهم قتل عاد..

من استنكف عن قتال الخوارج فقد زعم أنّه أعلم وأرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم..

لا تحقنوا دماءً هدرها الله ورسوله..

اللهم أبرم لأهل الشام أمراً رشداً يعز به أولياؤك ويذل به أعداؤك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.

1 - البخاري: (7432)، ومسلم واللفظ له: (1064)، ومعنى: (أرسل بذَهَبة في أديم مقروظ لم تحصّل من ترابها): أي قطعة من الذهب ملفوفة بجلد مدبوغ مازالت مختلطة بالصخر.
2 - ابن ماجه: (3029)، وصححه الألباني..
3 - مسلم (2670)، والمتنطعون: أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم.
4 - مسلم (1066).
5 - المراجل هي القدور التي يطبخ بها.
6 - جامع بيان العلم وفضله (2/966).
7 - البخاري (7562)، ومسلم (1064).
8 - مسلم (1064).
9 - مسلم (1848).
10 - البخاري (6878).
11 - شرح النووي (11/165).
12 - مسلم (1064).
13 - شرح النووي على مسلم (6 /105).
14 - مجموع الفتاوى (13/ 30).
15 - ذكره البخاري تعليقاً (9/16).
16 - مسند أحمد (19149).
17 - مسلم (1066).
18 - مسلم (1064).
19 - الطبراني (10598)، والحاكم (2/150).
20 - مسلم (1066).
21 - المستدرك (2659).
22 - مسلم (1067).
23 - مسلم (1066).
24 - مسلم (1066)، ومعنى: (لولا أن تبطروا) البطر هنا التجبّر وشدة النشاط.
25 - مسلم (1066).
26 - أحمد (13338).
27 - الترمذي (3000) وقال هذا حديث حسن.
28 - أبو يعلى بإسناد صحيح (987).
29 - ابن ماجه (174) وحسّنه الألباني، ومعنى: (في عراضهم): أي في ناحيتهم.

إضافة تعليق جديد