عرض: (النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية)
عرض: (النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية)
لكاتبها: (أبو محمد الحسيني الهاشمي)
هذه الرسالة كتبها (أبو محمد الحسيني الهاشمي) في الحادي عشر من شهر شوال عام 1438هـ، سمّاها: (النصيحة الهاشمية لأمير الدولة الإسلامية)، يخاطب فيها (البغدادي) زعيم (تنظيم الدولة)، وينصحه فيها ويزجره عمّا يراه من انحدار حال التنظيم، ويشدّد فيها عليه القول، ويخبره أنّه سيقرأ فيها ما يكره، "فالأمر جلل، والخطب عظيم، والمصاب مهول"، فحال (التنظيم) قد تغيّر من "القوة والغزوِ ... إلى الهزيمة والفرار".
كاتب النصيحة هو: (أبو محمد الحسيني الهاشمي)، أحد شرعيي (تنظيم الدولة) الذين وصلوا إلى مناصب عالية في التنظيم، وهو معروف بين قادة وشرعيي التنظيم بالاسم الذي وقّع به النصيحة الهاشمية (أبو محمد الهاشمي).
وهو سوريّ، يقيم في (الميادين) في محافظة (دير الزور) التي يسميها التنظيم: (ولاية الخير)، وهو خرّيج كلية الشريعة، ويقال إنّه مسؤول ما يعرف بـ (مكتب البحوث والدراسات) في (تنظيم الدولة).
يُشاع أنّه ابن عمّ (البغدادي)، لأنّه خاطبه في ثنايا الرسالة بقوله: "يا ابن العم"، لكنّ المراد: أنّهما يشتركان في ادّعاء الانتساب لآل البيت.
أمّا عن الدافع لكتابة هذه النصيحة: فهو قيام (البغدادي) بتشكيل (اللجنة المفوّضة لإدارة الولايات)، وما ترتّب عليها وتبعها من أمور خطيرة داخل التنظيم، فهذه اللجنة يرأسها أربعة من قيادات التنظيم وهم:
(أبو إسحاق العراقي)، و(أبو حفص الجزراوي)، و(أبو مرام الجزائري)، و(عبدالناصر العراقي)، وجميعهم من التيار المتشدد الذي يعرف بالتيار (الحازمي)نسبة إلى السعودي: (أحمد بن عمر الحازمي)..
وقد أصدرت اللجنة بيانًا مكوّنًا من سبع صفحات بعنوان: {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيّ عن بينة} توسعت فيه في مسألة التكفير، وكوّنت بعد هذا البيان لجنةً داخليةً تدعى: (لجنة الرقابة المنهجية) تولّاها: (أبو زيد العراقي) -"باني سجون الرافضة" كما وصفه الكاتب- ومهمتها التفتيش عن عقائد عناصر التنظيم، والتأكّد من تبنّيهم للمنهج المتشدد في التكفير!
وقد شنّت تلك اللجنة حملة اعتقالات واسعة ضد قيادات التنظيم بحجّة الانحراف المنهجي، أسفرت عن اعتقال عدد من كبارهم، أشهرهم: (أبو عبدالبرّ الكويتي) الذي قُتل لاحقًا في غارة على السجن الذي كان معتقلًا فيه.
وقد أرسل عدد من قيادات وشرعيي التنظيم أمثال: (تركي البنعلي)وإليه ينسب التيار الآخر في التنظيم، ويسمّى: (التيار البنعلي).، وكاتب هذه النصيحة (أبو محمد الحسيني الهاشمي) وغيرهما رسائل إلى (البغدادي) يحذّرونه من تبعات هذه اللجنة وما تقوم به، والفكر الذي تتبناه، فعقدَ (البغدادي) مناظرةً بين الطرفين، أسفرت عن حلّ اللجنة، واعتقال قياداتها ونقلهم إلى سجن سرّي!
مضمون النصيحة وأهم ما جاء فيها:
مضمون النصيحة -كما قدّمنا- إنكار ما تحمله (اللجنة المفوّضة لإدارة الولايات) من أفكار، وما تقوم به وليدتها (لجنة الرقابة المنهجية) من أعمال، فقد فاق أعضاء هاتين اللجنتين سائر أعضاء التنظيم في الغلو والإجرام، فقد جاؤوا بمكفّرات مبتدعة، ووجّهوا سهامهم إلى أشقائهم في التنظيم، فكفّروهم بها، وعاقبوهم -عندما تمكّنوا وقدروا- بالسجن والتعذيب والقتل.
بدّأ الكاتب رسالته بالتحذير من عِظَم خطر "الادعاء الكاذب": ادعاء الخلافة دون القيام بحقّها، وضَرَب مثالين لمن ادعوا حمل راية الإسلام ثم لم يقوموا بحقّها: (حكّام الدولة السعودية) و(الإخوان المسلمون) فابتلاهم الله بالكفر وأنواع الشقاء، كما زعم"والكاتب -باعتباره أحد كبار شرعيي التنظيم- يسير على منهج التنظيم في التكفير بغير وجه حق ولا إقامة حجّة، وقد صرّح في ثنايا نصيحته بكفر وردّة تنظيم (جبهة النصرة)، الهامش رقم (1) ص (14). كما أنّه يرى كفّر الأحرار، والجيش الحر، وغيرهم.!
وقد تضمّنت نصيحته هذه بيان مواضع الخلل في "الدولة الإسلامية" المزعومة، والتي تؤذن بأن يجعلها الله "آية وعبرة"، ومن أهم ما ذكره من طوامّ ومخازي هذا التنظيم (وسنحاول الاقتباس من كلامه والمحافظة على نصّه ما أمكن):
-
انحراف الراية، وتغيّر المنهج، والاعتماد على "فروع لم يؤسس لها أصول، وأصول لم تُشرع على نهج الرسول" صلى الله عليه وسلّم.
-
إحلال "منهج الدولة" مكان "منهج الإسلام، واتّباع الكتاب والسنّة".
-
تغلغل البدعة وانتشار سُعَار الغلو، واتباع الآراء المشبوهة، والأهواء الفاسدة، والوساوس المنحولة، واتخاذ الرؤوس الجهال الذين ضلّوا وأضلوا.
-
تسلّط الخوارج الحرورية الأزارقة عليهايقصد الكاتب بهذا الوصف: تيار (الحازمية)، وعلى رأسهم قيادات (اللجنة المفوّضة لإدارة الولايات). فالغلوّ درجات، وقد فاق أعضاء (تيار الحازمية) باقي أعضاء التنظيم والذين يعرفون بـ (البنعلية) في الغلو؛ لذا وصفهم كاتب هذه النصيحة بهذه الأوصاف؛ فالأزارقة من أشد فِرق الخوارج غلوًّا..
-
تولية أهل البدع والجهل وقلة الورع والعلم أخطرَ المناصب والولايات الشرعية، وتركهم دون رقابة أو محاسبة.
-
اختلال توحيد الحاكمية لدى الجند لدرجة التصريح بطاعة الأمير ولو أمر بالشرك أو بقتل بريء.
-
محاربة أهل العلميقصد الكاتب بـأهل العلم فريقين: الأول: علماء أهل السنّة المتقدّمين، والثاني: مَن يعتبرهم التنظيم من العلماء ممن وافقه على منهجه وأيّده وبايعه، وكذلك شرعييه. وسبّهم، ورميهم بالتهم والشبه، و"تبديع الأسلاف، وتكفير الأخلاف".
-
فساد جهاز القضاء في (التنظيم)، وتعيين قضاة من صغار السنّ ممن لا علم له ولا خبرة.
-
فشل "الحسبة" وضياعها وتمييعها والحرب الشعواء عليها.
-
انتشار الظلم والتكذيب والتخوين.
-
كثرة فظائع (لجنة الرقابة المنهجية) من امتحان الناس في عقائدهم وتبديعهم وتكفيرهم.
-
أكل الحقوق وفشوّ الظلم ومنع الغنائم وغَصْب الفيء، حتى جاع آل البيت واستحق أهل الثغور الزكاة، وتسوّل أبناء (المهاجرين)، وساوم ضعاف النفوس الأرامل على أعراضهن من العَوَز!
-
ما يجري في السجون من تعذيب وإهانة وتشبيح وتحرّش! وقتل بغير حجّة ولا برهان تحت اسم القتل تعزيرًا، وحقّه أن يسمّى: "القتل تشهّيًا وغرورًا وإرهابًا ورعبًا وظلمًا وجورًا".
وقد اتهم كاتب هذه النصيحة (البغدادي) بأنّه تولّى أمر الدولة فأضاعها ولم يقم بها حق قيام،
وشهد عليه شهادتين:
قال في إحداهما: "اللهم إنّا ما نراه يعدلُ، وإّنه لجائرٌ، وإنّه ليستعمل الظَّلَمَة ويدعُ أهل َالخيرِ والفضل".
وقال في الثانية: "فنشهد بالله -الذي استشهد أولي العلم على أعظم شهادة- أنّك غششت الأمّة، ولم تُحطها بنصحك، بل أبعدت الناصحين وقرّبت الغشاشين، واللهُ الموعدُ".
كما اتّهمه بالكذب والخداع بقوله: "كفانا كذبًا على الله وخداعًا للبشر"، واتّهمه بعدم الوفاء لمن بايعوه ودافعوا عنه فقال: "فليكتب التاريخ يا إبراهيم أنّ العلماء وطلبة العلم يُقتلون في سجون الخليفة".
واتّهمه -في الوقت نفسه- بأنّه يعلم مُعظم ما ذكره في رسالته هذه، وسبق أن نصحه الناصحون بالحسنى، لكنّه لم يأخذ بنصائحهم، وقال له: "فصدق فيك وفي بطانتك قول الله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} ... وتحقق فيكم قول الصادق المصدوق: (الكِبْرُ بَطَرُ الحَقّ وغَمْطُ النَّاسِ)، فاستكبرتم عن قبول النصيحة وبطرتموها، وازدريتم قائليها".
وبشّره بقرب زوال حكمه وذهاب دولته إن لم يتب، فقال له: "ولا تعجب يا إبراهيم، فبعض أُمرائك علينا، سجد الجنودُ شكرًا لله يومَ شاعَ نبأُ مقتله، وبعضهم -ممن لا زال حيًّا- يقنُتُ عليه القائمون، ويدعو عليه الساجدون بأن يُلحقه بسلفه، ولستَ يا إبراهيم -والله- من سهام هؤلاء الصالحين بسالم ولا بعيد". ثم بشّره مرّة أخرى بقرب تحقق رؤى الصالحين فيه بأن الله سيبتليه ويستبدل به غيره.
***
إنّ هذه الرسالة تكشف في طياتها واقع هذا التنظيم من الداخل، وتبيّن هشاشة بنيانه، والباطل الذي قام عليه. وتبيّن بجلاءٍ -أيضًا- المصير الذي ينتظر هذا التنظيم المارق بإذن الله، والذي أنطق الله -سبحانه- به المتحدّث الرسمي السابق للتنظيم، حينما دعا فقال: "اللهم إن كانت هذه الدولةُ دولةَ خوارج: فاقصم ظهرها، واقتل قادتها، وأسقط رايتها، واهد جنودها إلى الحق"، وكاتب هذه النصيحة أورد هذا الدعاء في نصيحته، وذكَّر (البغداديَّ) به، وعقّب عليه بأنّه يرى هذا الدعاء يتحقق بقدر ما يوجد في التنظيم من بدعة الخوارج.
إضافة تعليق جديد