القاعدة في سوريا .. الولادة الثانية
(مجموعة تغريدات عن مسيرة التنظيم في سوريا بعد التطورات الأخيرة)
لمعرفة جذور تنظيم "قاعدة الجهاد في سوريا" سنأخذكم بدايةً إلى عام 2004 حيث شهد هذا العام حدثين ألقيا بظلالهما لاحقًا على مستقبل هذا التنظيم ومسيرته في سوريا.
الحدث الأول: إلقاء السلطات الإيرانية القبض على أبرز قادة "تنظيم قاعدة الجهاد" بعد دخولهم إلى إيران قادمين من أفغانستان، من بينهم: (سيف العدل المصري) المسؤول العسكري العام لتنظيم قاعدة الجهاد، و(أبو الخير المصري) مسؤول العلاقات الخارجية في التنظيم، و(أبو محمد المصري) القيادي البارز وعضو شورى تنظيم قاعدة الجهاد [ابنته متزوجة من حمزة بن لادن نجل أسامة بن لادن]، إضافةً إلى (أبو عبدالكريم المصري) عضو مجلس شورى التنظيم أيضًا، و(أبو قسّام الأردني -خالد العاروري) نائب (أبو مصعب الزرقاوي) ومرافقه في أفغانستان، وأحد قادة معسكر هيرات الشهير؛ حيث توجّه (أبو القسام الأردني) برفقة (أبو مصعب الزرقاوي) إلى أفغانستان عام 1999، دون الانضمام لتنظيم قاعدة الجهاد، وشكّلا بالقرب من الحدود الإيرانية ما يعرف بمعسكر هيرات للمقاتلين العرب.
بعد الغزو الأميركي لأفغانستان وانحياز معظم قادة القاعدة من أفغانستان، إما باتجاه باكستان -منطقة القبائل- أو إلى إيران: توجّه كل من (الزرقاوي) و (أبو القسام الأردني) إلى إيران، ومنها توجّه (الزرقاوي) إلى العراق وبقي (أبو القسام) في إيران.
في العراق أسس (الزرقاوي) ما يُعرف بجماعة "التوحيد والجهاد" وهي جماعة لم يقتصر وجودها على العراق، فقد امتدت لتشمل سوريا "وبلاد الشام"، وكان مسؤولها في فترة ما (أبو محمد الصادق)، المسؤول الشرعي لأحرار الشام سابقًا، ذا الأصول الكردية.
الحدث الثاني: في عام 2004 هو توجه (الجولاني) من سوريا إلى العراق، في فترة شهدت ذهاب آلاف الشباب السوريين للانخراط في صفوف المقاومة العراقية، إبّان الغزو الأميركي للعراق.
التحق (الجولاني) في بداية مسيرته في العراق بفصيل مغمور يدعى سرايا المجاهدين، بزعامة (أبو طلحة العراقي) و(أبو بكر خاتون)، والذي بايع لاحقًا تنظيم قاعدة الجهاد في العراقهنا تجد تفاصيل أكثر عن مسيرة الجولاني في تغريدات لي سابقًا ... http://syrianoor.net/article/17774، وفي أولى مهام (الجولاني) الميدانية تم إلقاء القبض عليه من قبل القوات الأمريكية بالقرب من الفلّوجة أثناء زراعته للعبوات الناسفة، و تم إيداعه في سجن بوكا، الذي حوى أبرز الشخصيات التي تزعّمت لاحقًا تنظيم داعش.
في عام 2011 ومع انطلاق شرارة الثورة السورية، أفرجت القوات الأمريكية عن مئات المعتقلين المتشددين، من بينهم (الجولاني) وكبار الشخصيات التي شكّلت لاحقًا عماد تنظيم داعش أمثال (أبو مسلم التركماني) و(أبو أيمن العراقي) وغيرهم.
كلّف (البغدادي) زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (الجولاني) بتأسيس جبهة النصرة في سوريا أثناء الحراك الثوري فيها، ثم أرسل (البغدادي) (أبا علي الأنباري - العفري) إلى سوريا للاطلاع على واقع جبهة النصرة وقائدها (الجولاني) بعد شهور من تأسيسها.
(الأنباري) جاء إلى سوريا والتقى عددًا من الشخصيات، وزار عدّة مقرّات لجبهة النصرة، ثم جمع تقريرًا مفصّلًا للبغدادي أبرز ما جاء فيه: "أنّ (الجولاني) شخص ماكر يحب نفسه ولا يبالي بدين جنوده، يطير فرحًا كالأطفال إذا ذكر اسمه على الفضائيات، وهو على استعداد ليضحي بدماء جنوده من أجل الظهور والشهرة"!
وبعد الخلاف الشهير الذي وقع بين (البغدادي) و(الجولاني)، اضطر (الجولاني) لإعلان ارتباطه مباشرة بالقاعدة الأم؛ حيث وجد (الجولاني) في القاعدة "ركناً شديداً يأوي إليه" بعد انفضاض معظم قادة وجنود جبهة النصرة عنه لصالح (البغدادي).
كما قامت أحرار الشام بإيواء (الجولاني) ومده بمبلغ مالي كبير لمساعدته على النهوض مجددًا، وخشيةً من التحاق المقاتلين بداعش: حاول (البغدادي) السيطرة على قطاعات جبهة النصرة لصالحه، تارة بالقوة والبطش، وتارة بالإغراءات.
لم يصمد من تلك القطاعات مع (الجولاني) إلا قطاع درعا الذي يتزعّمه (إياد الطوباسي -أبو جليبيب الأردني)، وهو مقاتل سابق في دولة العراق الإسلامية، وقطاع القلمون بزعامة (أبو مالك التلّي - جمال زينية)
لم يكن (أبو مالك التلّي) من أنصار تنظيم القاعدة قبل أن تعتقله قوات النظام عام 2004 بتهمة الانتماء لجماعة الدعوة والتبليغ، والتي كانت على خلاف كبير مع منهج القاعدة، وبعد سنوات في سجن صيدنايا خرج (أبو مالك التلّي) قاعديًّا قُحًّا.
قَبِل (أيمن الظواهري) بيعة (الجولاني) -رغم أنّ الأخير مجهول تمامًا بالنسبة له- بعد تراجع تأثير التنظيم عالمياً وخفوت نجمه، وذلك اعتمادًا على مراسلات (الظواهري) مع (أبي خالد السوري)، الذي تم تكليفه من قِبَل (الظواهري) بالتحكيم بين (البغدادي) و(الجولاني).
ورغم دور (أبو خالد السوري) -القيادي السابق في أحرار الشام- بتثبيت قدم (الجولاني) لدى القاعدة الأم، إلا أنّ الأخير كان يرى في (أبي خالد السوري) مصدر قلق وتهديد بسبب اسمه اللامع وحظوته عند (أيمن الظواهري)؛ فكان (الجولاني) أوّل من كشف اسم (أبي خالد السوري) -الذي كان يعرف في سوريا باسم: أبي عمير الشامي - أمير أحرار الشام في حلب- مما سهّل اغتياله لاحقاً من قبل داعش.
لم يكن (أبو خالد السوري) مصدر القلق الوحيد لـ(الجولاني)، فقد شكّل قدوم "جماعة خراسان" (وهي عدة شخصيات قدمت إلى سوريا أبرزهم: الكويتي (محسن الفضلي)، والسعودي (سنافي النصر)، والسوري (أبو أسامة الشهابي)، و(أبو يوسف التركي) إلى سوريا مصدر قلق جديد؛ نظرًا "للتاريخ الجهادي الكبير لتلك الشخصيات، وتأثيرها في صناعة قرار القاعدة الأم، فـ(الجولاني) ذو "المخزون الجهادي الضحل" والتجربة الضعيفة والاسم المغمور كان يخشى دائمًا من الشخصيات ذات الوزن الجهادي الكبير.
ولعل هذا ما دفع (الجولاني) إلى تهميش "جماعة خراسان" داخل جبهة النصرة، والتضييق عليهم في بعض الأحيان، فقد تم اعتقال بعضهم من قبل جبهة النصرة في قطاع الحدود، الذي كان يتزعّمه حينها (أبو أحمد زكّور)، وزج بعضهم في معارك عبثية مع الكُرد.
وخلال فترة قصيرة تمكّنت أمريكا من تصفية جميع الخُراسانيين -رحمهم الله- عدا واحد منهم، عبر ضربات جوية دقيقة، رغم أنّ أسماءهم وصورهم مجهولة لمعظم قادة جبهة النصرة، فضلًا عن عناصرها، فضلًا عن بقية فصائل الثورة أو حتى الشعب السوري!
كما نجى (أبو الهمام السوري) أحد أبرز وجوه القاعدة من أكثر من محاولة اغتيال. وما كان هذا ليحدث لولا وجود اختراق على أعلى المستويات داخل جبهة النصرة، سهّل لأمريكا تصيّد تلك الشخصيات بدقة!
بمقتل (أبو خالد السوري) وجماعة خراسان -رحمهم الله- تنفّس (الجولاني) الصعداء، وخلت ساحة القاعدة في سوريا من أية أسماء أو شخصيات قد تشكّل خطرًا على زعامة (الجولاني) للقاعدة، واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 2015
في عام 2015 حدث منعطف هامٌّ في مسيرة تنظيم قاعدة الجهاد في سوريا، حيث أفرجت السلطات الإيرانية عن عدد من كبار قادة تنظيم القاعدة ممن كانت تحتجزهم لديها، أبرزهم: (سيف العدل)، (أبو الخير)، (أبو محمد)، (أبو عبدالكريم) -وكلهم مصريون- إضافة إلى (أبو القسّام الأردني).
جاء إفراج السلطات الإيرانية عن هؤلاء القادة عبر صفقة مع تنظيم القاعدة في اليمن، وقد تضمن الاتفاق أيضًا السماح لبعض هؤلاء القادة بالسفر إلى سوريا، فجاء منهم (أبو الخير) و(أبو عبدالكريم) المصريين ، و(أبو القسّام الأردني).
يعتبر (أبو الخير المصري) المرشح السابق لتولي قيادة تنظيم القاعدة خلفًا لـ(أسامة بن لادن)، كونه من مؤسسي تنظيم القاعدة مع (ابن لادن) في مطلع الستعينيات، قبل أن يلتحق (الظواهري) مع جماعته "الجهاد" بالتنظيم ويصبح اسمه تنظيم قاعدة الجهاد. وبعد الإفراج عنه من قبل السلطات الإيرانية قامت جهة ثالثة بإدخاله إلى سوريا، ولم يكن (الجولاني) حينها يعلم بقدومه أو بدخوله، أو ملمًّا بأي شيء عنه.
مع وصول قيادات القاعدة من إيران تم تعيين مجلس شورى للتنظيم في سوريا، ضمَّ في عضويته كلاً من (أبو الخير) و (أبو عبدالكريم) المصريَيْن، و (أبو القسّام) الأردني، وبدأ هذا المجلس في التضييق على (الجولاني) والتدخل في صلاحياته، ولم يكن راضيًا عن الكثير من تصرفات (الجولاني).
بدأت المشاكل فعليًّا بين (الجولاني) وقادة القاعدة الوافدين حديثًا عندما بدأ "مجلس القاعدة" يميل إلى (أبي هاجر الحمصي)، أحد أبرز قادة جبهة النصرة، وقائد جيش الفتح؛ لتصديره ليكون بديلًا لـ(الجولاني) في زعامة النصرة.
لم يُخفِ (أبو هاجر الحمصي) طمعه "بكرسي (الجولاني)" وبدأ التخطيط للإطاحة به، إلا أنّ أحد المقربين منه وشى به لـ(الجولاني)؛ فقام (الجولاني) بعزله وحبسه ثم أفرج عنه قبيل أن يلقَ حتفه بغارة لطيران التحالف بحسب إعلام النصرة؛ فتخلص (الجولاني) مجدّدًا من أحد منافسيه ومصادر قلقه، أيضًا بالصدفة!.
بينما كانت هذه الأحداث على مسرح الشمال السوري، كان الجنوب السوري ساحة لأحداث مهمة ألقت بظلالها أيضًا على مسيرة التنظيم؛ ففرع القاعدة في الجنوب السوري والذي كان يتزعمه كل من (أبو جليبيب الأردني) كمسؤول عام، و(سامي العريدي) كمسؤول شرعي، و(أبو المقداد الأردني) كمسؤول أمني، بدأ بالتصدّع إثر خلافات حادّة بين (أبو جليبيب) و(سامي العريدي) أسفرت عن اعتزال الأخير لمهامّه. ومع وصول (أبو ماريا القحطاني) إلى درعا إثر طرده من قبل داعش في ديرالزور: ازدادت التصدعات والصراعات في التنظيم، فقد سرّب (أبو المقداد الأردني) -المسؤول الأمني للقاعدة في الجنوب- للقحطاني تسجيلًا صوتيًّا يثبت تورط (أبو جليبيب الأردني) في محاولة اغتياله، فيما اتّهم (أبو جليبيب) (القحطاني) بالفساد ومحاولة تأليب جنود جبهة النصرة عليه في درعا.
ومع تعاظم الخلافات داخل فرع القاعدة في الجنوب السوري، استدعى (الجولاني) جميع الأطراف من الجنوب إلى الشمال، لكن (أبو جليبيب) لم يُبد تحمّسًا للخروج من درعا، حتى حفّزه (الجولاني) وأخبره بأنه سيتم تكليفه بمهمة هامة في الشمال.
مع خروج أبرز شخصيات القاعدة إلى الشمال السوري بمرافقة قوات الأسد وحمايته، شكّل (الجولاني) محكمة للفصل بين (القحطاني) و(أبو جليبيب)، اتهم فيها (القحطاني) (أبا جليبيب) بمحاولة اغتياله، واتهم (أبو جليبيب) (القحطاني) بالفساد على إثر بيع الصحفي الأمريكي بيتر إلى أمريكا بعد خطفه من تركيا.
حرص (الجولاني) على إرضاء طرفي الخلاف والحكم عليهم وفق شريعته! فقام بإسقاط التهم عنهما، وبتكليف عصبة (القحطاني) بإمارة قطاع البادية ، وتكليف (أبو جليبيب) بإمارة قطاع الساحل.
شعر (أبو جليبيب) أنه تمّ خداعه من قبل (الجولاني)، حيث أنّ قطاع الساحل كانت قد خسرته جبهة النصرة في معظمه لصالح النظام، ولم يعد له أي أهمية تذكر، فقدّم (أبو جليبيب) استقالته بعد أسبوعين من تكليفه فقط وجلس في بيته.
مع ضغوط "مجلس القاعدة" على (الجولاني)، ووصول تحذيرات جدّية إلى (الجولاني) من "دول معينة" عبر وسطاء، تؤكّد نية التحالف ضرب مواقع جبهة النصرة بشكل مكثّف، بدأت تنضج فكرة "فك الارتباط عن القاعدة" في عقل (الجولاني).
عرض (الجولاني) المقترح على قادة القاعدة في سوريا الذين أبدوا تحفظهم على الأمر، فبدأ (الجولاني) بالضغط على (أبو الخير المصري) الذي أرسل رسائل أيضًا إلى كل من (سيف العدل) و(أبو محمد المصري) واللذان أبْدَيا تحفّظًا على خطوة (الجولاني)، وأشارا لضرورة موافقة (الظواهري) شخصيًّا على هذا المقترح.
استمر (الجولاني) بالضغط على (أبي الخير المصري) مستغلًا انقطاع التواصل بين قادة القاعدة و(الظواهري) لأكثر من سنتين. (أبو الخير) أخبر (الجولاني) أنّه ليس من صلاحياته اتخاذ هذه الخطوة، فأكّد (الجولاني) له و(لأبي الفرج المصري) أنّه إذا رفض (الظواهري) هذه الخطوة سوف يتراجع عنها نهائيًّا.
تمكن (الجولاني) أخيرًا وبعد شهور من المحاولات والضغوط من انتزاع موافقة مبدئية من (أبو الخير المصري) الذي أكد لـ(الجولاني) أنه سيشكل "ستين قاعدة" في حال أمر (الظواهري) بذلك وعارض فكرة فك الارتباط.
إصرار (الجولاني) على أخذ موافقة (أبو الخير) في خطوة فك الارتباط مردّه إلى علم (الجولاني) أنّ فك الارتباط دون موافقة قادة القاعدة سيؤدي إلى انشقاقات كبيرة داخل جبهة النصرة، وأنّ فك الارتباط حين يصدر من (أبي الخير) شخصيًّا سيخفّف من حدّة الاعتراضات داخل جبهة النصرة، ومع ذلك -وكإجراء احترازي- فقد أمر (الجولاني) قبيل إعلان فك الارتباط بسحب السلاح الثقيل من كافة قواطع جبهة النصرة في الشمال ووضع يده عليه؛ خشيةً من حدوث انشقاقات داخل تلك القطاعات.
خطوة فكّ الارتباط لاقت معارضة كبيرة من "الجناح الأردني" الذي يتزعمه (أبو القسّام) داخل جبهة النصرة، بحكم تواصله مع قيادات القاعدة في إيران؛ فأعلن مع (أبي جليبيب) وعدد من القادة الأردنيين ترك العمل في جبهة النصرة.
بعد خطوة فكّ الارتباط عاد التواصل مجدّدًا بين قيادات القاعدة و(الظواهري)، الذي أبدى رفضه الشديد لخطوة فكّ الارتباط، وأمر (الجولاني) العودة بجبهة النصرة إلى ما كانت عليه، ووبخ (أبا الخير المصري) وأكّد له أن ليس من صلاحياته اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية.
(الجولاني) حاول التملّص من ضغوط (الظواهري) بالقول إنّ خطوة فك الارتباط "إعلامية تكتيكية" فقط، وإنّه ما يزال يدين ببيعة سرية لـ(الظواهري) والقاعدة الأم.
تطمينات (الجولاني) لم تلقَ آذان صاغية عند (الظواهري) وبقية مجلس شورى التنظيم في إيران؛ فطالبوا (الجولاني) بشريط فيديو يؤكّد فيه (الجولاني) بيعته للقاعدة؛ حتى لا تقع القاعدة فيما وقعت فيه سابقًا من تنصّل البغدادي من بيعتها. مطالب (الظواهري) وضعت (الجولاني) في موقف محرج، فقرر الهروب إلى الأمام عبر تشكيل "هيئة تحرير الشام" وقطع ارتباطه بشكل كامل بالقاعدة.
خطوة (الجولاني) تلك زادت التوتر بين (الجولاني) و(الظواهري)، خاصّةً أنّ تشكيل "هيئة تحرير الشام" لم يستشر بها (الجولاني) قادة تنظيم القاعدة في سوريا أو إيران، وسمعوا بها من الإعلام فقط، فقرّرت القاعدة التصعيد ضد (الجولاني) عبر مسارين:
الأول: مسار إعلامي: حيث خرجت عدة تسجيلات للظواهري أكّدت بطلان خطوة (الجولاني) بفك الارتباط عن القاعدة، وأنّه ناكث للبيعة. وعبر خطب ومحاضرات ومقالات من منظّري وشيوخ القاعدة كالمقدسي وغيره هاجمت فيها (الجولاني).
الثاني: مسار ميادني: حيث قام عدد من قادة القاعدة في سوريا كـ (أبي القسام الأردني) و(العريدي) بجولات على مقرات ومواقع "هيئة تحرير الشام"، محرّضين عناصرها على الانشقاق عن (الجولاني) والرجوع إلى بيعة القاعدة.
في هذه الأثناء أصبحت شرعية قرار (الجولاني) بفك الارتباط عن القاعدة -والتي أضفاها كل من (أبو الخير المصري) و(أبو الفرح المصري)- في خطر بعد عودة التواصل مع (الظواهري)، وتأكيد كل من (أبو الخير) و(أبو الفرج) التزامهما بأوامر (الظواهري) كليًّا.
وبالصدفة أيضاً: تم اغتيال كل من (أبو الخير المصري)، و(أبو الفرج المصري)، بغارة جوية - عبوة ناسفة؛ فتنفّس (الجولاني) الصعداء مجدّدًا بتخلّصه من الشهود الوحيدين على مراسلاته ووعوده للظواهري بالرجوع إلى القاعدة!
تصعيد القاعدة ضد (الجولاني) ردّ عليه الأخير بتصعيد إعلامي مماثل عبر عدد من شيوخ وقادة الهيئة، فقد أتّهم (الغزّي) -أحد شرعيي الهيئة- فرع القاعدة في الصومال بالانحراف وارتكاب الجرائم كما وصف (أبو الحارث المصري) -أحد شرعيي الهيئة- (الظواهري) في مقال له "بالأمير المسردب"!، كما شكّك (عبدالرحيم عطّون) -حَبْر (الجولاني) الأعظم- بحكمة توجيهات (الظواهري)، واتهم مسؤولي الارتباط في القاعدة بخيانة الأمانة وتحريف الرسائل؛ فتحوّل (الظواهري) بين ليلة وضحاها لدى (الجولاني) والنصرة من "حكيم الأمة" إلى "سفيهٍ، وأميرِ مسردب"!
وتحوّل (الجولاني) في نظر القاعدة من "الشيخ الفاضل" و"القائد المظفّر" و"الحكيم" إلى ناكث للعهد وغادر، كما وصفه البغدادي سابقًا! ولا عجب من ذلك في جماعات يكون الولاء والبراء فيها على التنظيم!
تصعيد (الجولاني) و"كهنته" ضد القاعدة لم يقتصر على الإعلام فقط، فقد أمر (الجولاني) باعتقال رموز القاعدة في سوريا ممن يشكّلون خطرًا على تماسك هيئة تحرير الشام، كما أراد (الجولاني) إيصال رسالة للخارج أنّه يحارب التطرّف، وقد خلع ثوب الجهاد العالمي، ويمكن التفاهم معه.
حملات اعتقال قادة القاعدة في سوريا جرت على عدّة مراحل، انتهت باعتقال كل من (خلّاد السعودي)، و(أبو جليبيب الأردني)، و(سامي العريدي)، فيما فشل أمنيو (الجولاني) في اعتقال (أبو القسام الأردني)، واكتفوا بمصادرة محتويات منزله وسرقة مراسلاته مع القاعدة.
حملات الاعتقال التي نفّذها (الجولاني) بحق رموز القاعدة في سوريا أدّت إلى نتائج عكسية على غير ما يشتهي (الجولاني)؛ فقد أدّت إلى موجة سخط عارمة في صفوف "هيئة تحرير الشام"، وانشقاقات واسعة على مستوى القادة والتشكيلات داخلها.
من أبرز تلك الانشقاقات: (جيش الملاحم)، (جيش البادية)، (قاطع البادية)، (أنصار الفرقان)، (جيش النخبة)، كما أسفرت عن انشقاق عدد من القيادات منهم: (أبو المقداد الأردني)، (أبو القسّام)، (حسين الكردي)، (عبدالرحمن الشيشاني)، (أبو بصير البريطاني)، و(أبو مالك التركماني). وكان قد انشق سابقًا أيضًا: (أبو أنس السعودي)، (أبو مختار التركي)، و(أبو الهمام السوري)، إضافة إلى عدد من القيادات العسكرية والميدانية لا يتسع المجال لذكرهم جميعاً.
حجم الانشقاقات تلك وتهديد قيادات أخرى بالانشقاق عن (الجولاني)؛ دفعت الأخير إلى إطلاق سراح قيادات القاعدة المعتقلين، والاستجابة لمبادرة "والصلح خير" التي تمّ تشكيلها لحل الخلاف بين (الجولاني) والقاعدة، وكان من أبرز أعضاء تلك المبادرة: (أبو قتادة الألباني)، (أبو عبدالكريم المصري)، (أبو الهمام السوري)، إضافةً إلى (أبي مالك التلّي) كممثل عن (الجولاني) في المحادثات، حيث اتفق الجانبان على وقف التصعيد الميداني بينهما، وعدم سعي القاعدة لأخذ بيعات جديدة من عناصر "هيئة تحرير الشام"؛ لوقف النزيف الحاصل لصالح القاعدة، كما قدّم (الجولاني) مبلغًا جيّدًا من المال لقادة القاعدة في سبيل إنفاذ هذا البند.
مؤخّرًا: تمّ تكليف (أبو الهمام السوري) زعيماً لتنظيم القاعدة في سوريا المتمثل في "جيش البادية"، على أن يكون (أبو القسام الأردني) قائدًا عسكريًّا للتنظيم، و يضم في مجلس شوراه كلًّا من (أبي عبدالكريم المصري، و(سامي العريدي)، و(أبي جليبيب الأردني).
يبلع العدد الكلي للقاعدة: جيش البادية وبقية المجموعات: 1700 عنصر، بدون أسلحة ثقيلة؛ حيث قام (الجولاني) بالتضييق على القاعدة وسحب سلاح جيش البادية، ومنع "الحزب التركستاني" من مؤازرتهم في ريف حلب الجنوبي أثناء هجوم النظام، كما منع أحد فصائل "الموم" من إعارة دبابة لجيش البادية.
وإن بدت اليوم تتوضح ملامح "القاعدة الجديدة" في سوريا، فقد بدأ (أبو الهمام السوري) أيضًا في مواجهة متاعب -كما هو متوقع- من التيار الأردني داخل التنظيم، الأمر الذي قد يهدّد تماسك القاعدة الوليدة في المستقبل.
فالتنظيم الوليد أمام تحديين كبيرين:
أولهما: العلاقة مع (الجولاني): فالمبادرة التي تمّ تشكيلها للصلح بين الطرفين هشّة، ومن المحتمل أن تنفجر الصراعات بينها في أي وقت، خاصة مع تعنّت كل من (الجولاني) من طرف الهيئة والتيار الأردني من طرف القاعدة. ومحاولة القاعدة العودة مجدّدًا إلى الجنوب السوري من بوابة درعا، وهو ما يرفضه (الجولاني) بشكل قاطع، حيث إنّ القاعدة تطمع بالعودة إلى الجنوب مستغلّةً علاقات (أبو جليبيب) سابقًا بالمحافظة التي بقي أميرًا عليها لسنوات.
التحدي الثاني: وهو قدرة (أبو الهمام السوري) على كبح جماح "التيار الأردني" المتشدّد داخل التنظيم، فرموز القاعدة من الأردنيين لم يكونوا راضين عن تسمية (أبو الهمام) أميرًا للقاعدة، ثم قبلوا به على مضض. كما تبرز خلافات بين الجانبين: (أبو الهمام) والتيار الأردني، حول المرجعية الشرعية للتنظيم، حيث يرى التيار الأردني في (المقدسي) مرجعًا شرعيًّا له، في حين يرى (أبو الهمام) خلاف ذلك.
المشاكل التي يسببها التيار الأردني متوقّعة، ولعلّ هذا ما دفع أحرار الشام سابقًا لرفض انتساب أيّ مقاتل أردني إلى صفوفها -على خلاف بقية الجنسيات- بأمر من (حسّان عبّود) رحمه الله؛ لغلبة الغلو أو الاختراق المخابراتي فيهم.
أخيرًا: فإنّ "جماعة الملاحم" -المنشقّة عن (الجولاني)- بقيادة كلٍ من (أبي حمزة اليمني) و(أبي عبدالرحمن المكّي) السعودي، وإن كانت مقرّبة من القاعدة، إلا أنّها لم ترتبط بها بشكل رسمي بعد، وهو أمر متوقّع أن يحصل لاحقًا.
المصدر: حساب الكاتب على تويتر
إضافة تعليق جديد