الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

إضاءات فكرية

داعش والحراميّة

24 ذو الحجة 1438 هـ


عدد الزيارات : 2453
مجاهد مأمون ديرانية

 

 

يتداول الناس أحياناً عبارات كأنها قوانين جازمة، من أبعدها عن الصواب قولُهم: "عدوّ عدوّي صديقي"، فما أكثرَ أعداءَ نظام الاحتلال الأسدي الطائفي الذين اكتشف السوريون أنهم أعداء ألدّاء لثورتهم أيضاً. عَلِمَ السوريون ذلك فلم يقعوا في الشّرَك ولم يتخذوا عدواً ولا صديقاً إلا بعد امتحان.

 

وما زادتهم الأيام والتجارب إلا وعياً وإدراكاً، فهم يعلمون اليوم أن داعش عدو لثورتهم، ولكنهم يعلمون أيضاً أن عصابات اللصوص وجماعات أمراء الحرب التي تَسْتَتِر باسم الجيش الحر وتحارب داعش عدوٌّ للثورة أيضاً، ولو أن الاثنين اقتتلا فليس اقتتالُهما دليلاً على أنّ أحدَهما على حق والآخَرَ على باطل، فقد مضت سنّة الله منذ الأزل أن الظالمين يقاتلون الظالمين، فكان دعاء المؤمنين: اللهمّ أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين.

الفرق بين العدوّين أن داعش وحش كبير كان في سبيله إلى التهام الثورة برمّتها، وعصابات اللصوص وحوش صغيرة تنهش الثورة من أطرافها.

تلك العصابات تعيث في الأرض الفسادَ فترهق الحاضنة الشعبية وتؤخر النصر، أما داعش فإنها مشروع واضح كامل الأركان بدأ بتدمير الثورة تدميراً منهجياً متعمَّداً عن طريق ضرب الجماعات المقاتلة والمنظمات الإغاثية والمنشآت الطبية والمؤسسات الإعلامية، وسائر مكونات وأجهزة الثورة العسكرية والمدنية.

إن الثورةَ مطالَبةٌ بأن تكفّ بغيَ داعش وعدوانَها، وأن تفكّك مشروعها وتعيد احتضان مجاهديها الصادقين ضمن باقي الكتائب والفصائل الجهادية (بعد تنقيتهم من الفكر التكفيري وإلزامهم بخطة الجهاد الشامي، فمَن أبى فليَعُدْ من حيث جاء ولا حاجةَ لجهاد الشام به ولا بفتنته)، كما أن الثورة مطالَبةٌ كذلك بكفّ شر عصابات اللصوص والمفسدين وحماية الناس من أذاها، ومَن ظفرت به من مجرميها قبل توبته فحكمُه أن يطبَّق فيه حَدّ الحرابة درءاً لشرّه وعبرةً لأمثاله.

صحيحٌ أن للعلماء مقالاً في إقامة الحدود في أرض الحرب، ولكنه اجتهاد مبني على المصلحة الشرعية ويدور معها، فإذا خُشِيَت الفتنة على مَن وجب عليه الحد وخيف عليه أن يرتدّ ويلحق بالعدو دُفع عنه الحدّ أو أُخِّر فراراً من الضرر المحتمَل الأكبر.

هذا الحكم له وجاهة في حالة الذنوب التي تهدد أمن الأفراد، كالزنا وشرب الخمر، أما الذنوب التي تهدد أمن الجماعة فلا يؤخَّر تطبيقها لأن التأخير يتسبب في ضرر أعظم.

تدخل في هذا الباب جريمة التجسس لأنها نوع من أنواع الخيانة العظمى، كما تدخل فيه جرائم الخطف وقطع الطريق والسرقة والقتل والاغتصاب، لأن ذلك كله من شأنه أن يُضعف الحاضنةَ الشعبية للثورة ويطعنها في ظهرها.

هذا رأيي، وأدعو علماءنا الكرام إلى النظر فيه وإصدار فتوى بشأنه لأهميتها العظيمة في الوقت الحاضر.

 

*   *   *

لقد استغلت عصابات اللصوص وقطّاع الطرق الفوضى التي نشأت عن الاقتتال الواقع بين داعش وسائر جماعات المجاهدين، فاشتغل بعضها بالسلب والنهب والاعتداء على الأبرياء، وبعضُها الآخَرُ قاتل قتالاً جاهلياً فاستهدف المهاجرين لأنهم مهاجرون لا لأنهم بُغاة مقاتلون، مع أن كل السوريين يعلمون أن المهاجرين يقاتلون مع النصرة ومع الأحرار أيضاً ولا يقتصر قتالهم مع داعش، وإن تكن هي حاضنتَهم الكبرى.

ومعلوم أن قتل البريء الذي لم يشارك في البغي والعدوان كبيرةٌ من أكبر الكبائر، وهي تصبح أكبرَ وأعظم حينما يكون الضحية مجاهداً ترك أهله وبلده ونفر للجهاد والانتصار لإخوانه المستضعَفين.

إن القتال اليوم أنواع، وقد اختلط بعضُ تلك الأنواع ببعض والتبس الحق على الناس حتى وجَدْنا مَن يدعو إلى وقف القتال بإطلاق، والصواب أن نفصّل وأن نستبين السبيل.

إن قتالَ جماعة المسلمين لعصابات المفسدين وقطّاع الطرق قتالٌ واجبٌ يستمرّ حتى تنكسر شوكتهم ويتوقفوا عن الشر والفساد، وقتالَ جماعة المسلمين للبغاة الذين بَغَوا واعتدوا ورفضوا الصلح قتالٌ واجبٌ يستمر حتى يقبلوا الصلح ويفيئوا إلى حكم الله، وقتالَ المجاهدين مع المجاهدين من أجل الدنيا (المال والنفوذ والسلطان) قتالٌ محرَّمٌ في كل حال، وقتالَ اللصوص بعضهم مع بعض أو البغاة مع اللصوص قتالٌ باطل لا شأنَ لجماعة المسلمين به، وهو من باب ضرب الظالمين بالظالمين.

 

*   *   *

نشرت قبل خمسة أشهر مقالة عنوانها "أمراء الحرب: هدف عاجل"، سأختم هذه المقالة بنَسْخ جزء منها لأهميته ومناسبته لموضوعها، ولأنه كان ضرورياً يوم نشرها وما يزال كذلك، وربما صار أكثرَ ضرورة في هذه الأيام. جاء في المقالة:

لقد صار "أمراء الحرب" مشكلة من أسوأ المشكلات، وإنّ علاجَها مقدَّمٌ على علاج مشكلة الاحتلال الأسدي نفسها لثلاثة أسباب على الأقل:

أولها أن تلك "العصابات" حوّلت حياة الناس في كثير من مناطق سوريا إلى جحيم، حتى صار كثيرون يتمنَّون عودة النظام إلى مناطقهم للتخلص من شرها!

الثاني أن تلك العصابات صارت عائقاً يعوق وصول الدعم إلى المجاهدين الصالحين الأخيار، لأن كثيراً من الداعمين باتوا يُحْجمون عن تمويل المناطق الموبوءة بهم.

السبب الثالث: صارت تلك العصابات أخيراً عقبة حقيقية في طريق النصر، لأن كثيراً منها يصطدم مع الكتائب الصالحة ويستهلك قُواها في معارك جانبية، ومنها من يتحالف مع النظام ويفتح له ممرات يلتفّ عبرها فيهاجم المجاهدين من وراء ظهورهم، فإن "أمراء الحرب" الفاسدين لا يقاتلون إلا من أجل المال والغنائم، فإذا جاءهم المال من النظام باعوا من أجله إخوانهم في الجبهات ولا يبالون.

 

*   *   *

ذلك ما جاء في مقالة نشرتها قبل خمسة أشهر يوم لم تكن "الجبهة الإسلامية" قد وُلدت بعد، وأضيف إليها اليوم كلمة أختم بها وأوجّهها إلى قادة الجبهة:

تداركوا الناس ووفّروا لهم الأمان.

احموهم من تجاوزات واعتداءات تلك العصابات.

عجّلوا بقتالها وتخليص الناس من شرها ولو تسبب قتالها في تأخير قتال النظام حيناً من الزمان، فإن بقاءها واستمرارها في الإفساد خنجر في ظهر الثورة يوشك أن يشلّها ويجعلها عاجزة عن قتال النظام لا قدّر الله.

إضافة تعليق جديد