تعليق على كلمة العدناني (عذرا أمير القاعدة)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فمن رحمة الله بالأمة وبركات الشام أن عَلت هذه الملاسنات والردود على الملأ لتظهر ما كان ينادي به العديدون من أهل العلم والرأي من زمن طويل، فقُوبلوا بالتكذيب والتخوين والطعن وسيء الكلام والأحكام من حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، وستكشف قادم الأيام مزيدًا من الحقائق حتى تنجلي واضحةً لا لبس فيها.
وبين يدينا كلمة للعدناني المتحدث الرسمي باسم تنظيم (الدولة) في رده على كلمة الظواهري (شهادة لحقن الدماء)، أوضح فيها الكثير مما ينبغي التوقف عنده، كما يلي:
1. أطال العدناني في ذكر أقوال زعماء تنظيم القاعدة للاستدلال بها على منهجه الذي يرتضيه، ويُبيِّن بها طريقه الذي لا يحيدُ عنه..
ولعله تجاهل أنَّ أقوال قادة القاعدة –وغيرهم- تحتاج لأن يُستدل لها من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال السلف الصالح، لا أن تكون هي حجة عليهم.
فمن علامات أهل الضلال والانحراف: التَّعصُّب لأقوال الرجال وتقديسها بجعلها أدلةً شرعية، حاكمة على نصوصِ القرآن والسنة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" : "وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته, ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة, بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يُفرِّقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون".
وقال ابن القيم في "زاد المعاد": "التعصُّب للمذاهبِ، والطرائقِ، والمشايخ، وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية، وكونه منتسبًا إليه، فيدعو إلى ذلك ويوالي عليه، ويعادي عليه، ويزن الناس به، كل هذا من دعوى الجاهلية".
ولو كان ما يدَّعيه حقًا لوجب عليه أن يستدل بالنصوص الشرعية وأقوال سلف الأمة، فكيف والأمة على خلاف ما يدعيه؟
ويقول العدناني: "هذه قاعدةُ الجهاد التي عرفناها، وهذا منهجُها، ومَن بدّلهُ استبدلناه.... وباتَت أنفسُنا لا تُطاوعُ غيرَ قيادَتِها.... قادتُها هُم الرموز، لا نسمحُ لهاجسٍ مجرّد هاجسٍ أن يُراوِدَ أعماقَ أحدِنا فيطعنُ في رمزٍ من رموزِها، أو يُشنّعُ بكلمةٍ على قائدٍ من قاداتِها أو ينتَقِص.
نعَم.. لماذا؟ لأنّهم أصحاب السبق، لأنهم أصحاب الفضل، لأنهم أصحاب التضحيات، لأنهم رموز الأمّة وأئمّتها في هذا العصر، المجدّدون".
وهذا الكلام عين الضلال! فعقد الولاء والبراء على أسماء رجال وتنظيمات من أنواع الغلو والانحراف، قال ابن تيمية في "الفتاوى": "... يجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة، ويجعل من خالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين. فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته في كل ما أمر وليست ذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة".
فشتان بين المنهجين شتان!
2. قرَّر العدناني في كلمته أنَّ القاعدة ومن معها ممن هو على منهجها رفضوا العمل في إيران تاركين "الروافض ينعمون فيها بالأمن امتثالاً لأمر القاعدة للحفاظ على مصالحها وخطوط إمدادها في إيران".
وهذا على الرغم مما يعرفه القاصي والداني من شدة عداء الرافضة لأهل السنة، وجهدهم الخبيث في الحرب على أفغانستان والعراق، ودعم حزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن وغيرها من بلاد المسلمين، بل أصبحوا حلفاء الغرب ورأسِ حربتهم ضد الإسلام والمسلمين، وهم أخطر ما يواجهه المسلمون في تاريخهم المعاصر.
وبالأمس القريب كان أتباع تنظيم (الدولة) ومن على منهجها ينفون أيَّ علاقةٍ لهم بإيران، ويطعنون في كل من أشار إلى تلك العلاقة، ويخوِّنونه، والآن يعترفون بوجود نوع (هدنة) للحفاظ على خطوطِ إمداد (دولتهم)..
وكل مطلعٍ على الأمور السياسة والعسكرية يُدرك أنَّه لا يمكن أن تقوم هذه الهدنة ويستمر هذا الإمدادُ دون علم السلطات الإيرانية والسماح بها، بطريقةٍ من الطرق على طريقة تبادل المصالح والمنافع.
فكم تسبب هذا الحلف الخفي بوبالٍ على الأمةِ الإسلامية، حيث أتاح لإيران حرية التحرك والتفرغ لمهاجمة العالم الإسلامي، ليس في العراق فحسب بل في عددٍ من الدول، ولو أنهم هاجموها في عقر دارها لأشغلوها عن مهاجمة المسلمين، فكيف وقد اجتمع مع ذلك وجود حركةٍ جهاديةٍ سنية في إيران، والبطش بأهل السنة على أشده، ورقاب شهدائهم تعانق المشانق كل صباح.
فأيُّ خذلان لأهل السنة في إيران هذه الهدنة!
بل أيُّ فهم لمصالح الشريعة في ترك المفسدة الكبرى رأس الشر إيران -كما يصفونهم هم- وهو مصدر الدعم والإمدادِ الشرعي والمالي والعسكري لكل الميشليات الرافضية، والانشغال بقتال أعوانهم وأتباعهم من الأفاعي الصغيرة في العراق وسوريا؟
بل أيُّ تعصبٍ تُقدَّم فيه مصالح جماعةٍ على مصالح أمةٍ بأكمها؟
ثم إنَّ الناظر في معتقد تنظيم (الدولة) وأفكارها يدرك أنَّها تحكم بالرِّدة والكفر على كلِّ قدَّم نوعًا من الإعانة والدعم لأعداء المسلمين، أو تخاذل عن نصرةِ المسلمين ،مهما كان مقدار ذلك وحجمه، فما هو حكمهم في مثل هذا التعاون والخذلان في أعظم معارك المسلمين ضد أشرس أعدائهم؟ وهم يوزعون أحكام التكفير والتخوين فيما هو أقل من ذلك بكثير..
3. اشترط العدناني للتصالح مع الظواهري أمورًا منها قوله: "لتصحيح منهجك بأن تصدعَ بتكفير الروافض المشركين الأنجاس، وتصدع بردّة الجيش المصري والباكستاني والأفغاني والتونسي والليبي واليمني وغيرهم من جنود الطواغيت وأنصارهم....
وأن تدعوَ المسلمين لجهاد وقتال أولئك كلّهم دعوةً صريحة ... بألفاظ الجهاد الشرعية الواضحة، والدعوة الصريحة لحمل السلاح ونبذ السلميّة وخصوصاً في مصر لقتال جيش الردّة... وإلى التبرؤ من مرسي وحزبه والصدع بردّته".
وقوله: "أليسَ في المسلمين على وجه الأرض رجلٌ رشيد يختاره المسلمون فيُعلِنَ على الملأ كفرَهُ بالطاغوت والبراءة من الكفر والشرك وأهله ويُعلن بغضاءَهُ لهُم وحربَهُ عليهِم، فنُبايعه على ذلك وننصّبه خليفة".
فما أشبه هذه المطالبات والامتحانات بما كتبه الخوارج لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "فإن شهدتَ على نفسك بالكفر, واستقبلتَ التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك, وإلا فقد نابذناك على سواء {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال: من الآية58]".
ولن يجدوا مثل هذه الشروط والامتحانات في دين المسلمين أو أقوال علمائهم على مرِّ القرون، إلا في الحرورية الخوارج وأشباههم.
كما أنَّ في اشتراط إعلان العداوة الحرب في الدول الإسلامية مناقضة لما سبق من سياسة تنظيم (الدولة) مع إيران، فأيهما أولى بالعداء والحرب؟
4. أمضى العدناني شطرًا كبيرًا من كلمته في نفي تبعية علاقة تنظيم (الدولة) للقاعدة بتدليسٍ وعموميات، ولم يتعرض لما ذكره الظواهري من أدلة مُحدَّدة واضحة، ومن أبرزها:
رسالة مندوبُ شورى دولةِ العراقِ الإسلاميةِ لقيادة القاعدة والتي ذكر فيها:
"أجمع الإخوةُ هنا وفي مقدمتِهم الشيخُ أبو بكرٍ -حفظه اللهُ- ومجلسُ الشورى على أنه لا مانعَ من أن تكونَ هذه الإمارةُ مؤقتةً.
وإنّ إرسالَ أيِ شخصٍ من قبلِ المشايخِ عندكم -إن رأوا أن ذلك من تمامِ تحقيقِ المصلحةِ- ليتسلمَ الإمارةَ فلا مانعَ لدينا، وسيكونُ الجميعُ هنا جنودًا له عليهم واجبُ السّمعِ والطّاعةِ، وهذا الالتزامُ مجمعٌ عليه من مجلسِ الشّورى والشيخِ أبي بكرٍ حفظهم اللهُ".
وهي رسالةٌ واضحةٌ في أنَّ ولاية أبا بكر مؤقتة! وأنهم ينتظرون التعيين الدائم من قيادة القاعدة..
5. وأخيرًا! صدق العدناني في بعض ما أشار له من تناقض مواقف الظواهري من تنظيم (الدولة)، وخاصة قوله: "إذا بقينا في الشام كُنّا من الخوارج والحشّاشين والحروريّة الذين "سيخيبُ في أرض الشآم حفيدهُم". وإذا انسحبنا للعراق مستسلمين هاربين صرنا على السنّة أحفاد الحسين مُجاهدين!".
أخوارج في بلاد الشام مجاهدون في العراق؟ عجبًا!!
والحمد لله رب العالمين
إضافة تعليق جديد