الخميس 26 ديسمبر 2024 الموافق 24 جمادي الثاني 1446 هـ

بحوث ودراسات

الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم

29 صفر 1439 هـ


عدد الزيارات : 9798
محمد حسين الذهبي

 


هذا البحث: (الخوارج وموقفهم من تفسير القرآن الكريم) عبارة عن جزء مستلّ من كتاب "التفسير والمفسرون" للدكتور: محمد حسين الذهبي رحمه الله، وهو جزء يتحدّث فيه مؤلفه عن الخوارج ومنهجهم في التعامل مع كتاب الله تعالى، ويوضّح -من خلال ما وصَلَنَا في بطون الكتب من أمثلة تفسيرهم للقرآن، ثم من خلال استعراض أحد تفاسير الإباضية المطبوع والمتداول- منهجَ القوم في تأويل القرآن الكريم، والذي يغلب عليه السطحية، والتعصّب الأعمى، واتباع الهوى، والإعجاب بالرأي والنفس، وتقديس الجماعة والطعن في المخالف؛ ليصدق فيهم وصف الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم: (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة)

ومن أهم ما جاء في هذا البحث من مسائل:

- تفرّق الخوارج، وأهم عقائد بعض فرقهم، وعلاقتها بفهمهم للقرآن.
- أدلّة التعصب للمذهب في تفسير الخوارج للقرآن.
- أمثلة لسخافات الخوارج في فهمهم المغلوط للقرآن الكريم.
- أثر ردّهم للسنّة وإجماع الأمة في انحرافهم عن التفسير الصحيح للقرآن.
- الانتاج التفسيري للخوارج، وأسباب قلّته.
- التعريف بأحد تفاسير الإباضية (هميان الزاد إلى دار المعاد) واستعراض منهج الخوارج في التفسير من خلاله، مع بيان ما فيه من طوامّ. 

لتحميل الملف كاملاً.. اضغط هنا


 

مقدّمة:

بعد يأس الخوارج من رجوع علي -رضي الله عنه- إليهم، اجتمعوا في منزل أحدهم، وخطب فيهم خطبة حثَّهم على التمسك بمبدئهم والدفاع عنه، وطلب منهم الخروج من الكوفة إلى قرية بالقرب منها يقال لها "حروراء"، فخرجوا إليها وأمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبينسبة إلى راسب، حي من الأزد.، ووقعت بينهم وبين عليٍّ حروب طاحنة هزمهم فيها، ولكن لم يقض عليهم، وأخيرًا دبّروا له مكيدة قتله، فقتله عبد الرحمن بن ملجم.

وجاءت دولة الأُمويين، فكان الخوارج شوكة في جنبها، يهدّدونها ويحاربونها، حتى كادوا يقضون عليها.

ثم جاءت الدولة العباسية، فكان بينهم وبينها حروب كذلك، ولكن لم يكونوا في قوتهم الأولى، لتفرق كلمتهم وتشتّت وحدتهم، وضعف سلطانهم، وخَوَر قواهم.

دبَّت في وحدة الخوارج جرثومة التفرق، وأُصيبوا بداء التحزّب، فبلغ عدد أحزابهم عشرين حزبًا، كل حزب يفارق الآخر في المبدأ والعقيدة... ولكن يجمع الكل على مبدأين اثنين:

أحدهما: إكفار علي، وعثمان، والحَكَمين، وأصحاب الجمل، وكل مَن رضي بتحكيم الحَكَمين.

وثانيهما: وجوب الخروج على السلطان الجائر.

وهناك مبدأ ثالث يقول به أكثر الخوارج، وهو: الإكفار بارتكاب الكبائرانظر الفرق بين الفرق، ص (55)..

هذا... وقد وضع الخوارج مبدأ للخلافة فقالوا: "إنّ الخلافة يجب أن تكون باختيارٍ حرّ من المسلمين، وإذا اختير الخليفة فليس يصحّ أن يتنازل أو يُحَكِّم، وليس بضروري أن يكون الخليفة قرشيًا، بل يصحّ أن يكون من قريش ومن غيرهم، ولو كان عبدًا حبشيًا، وإذا تم الاختيار كان رئيس المسلمين، ويجب أن يخضع خضوعًا تامًا لما أمر الله، وإلا وجب عزله، ولهذا أمَّروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي، ولم يكن قرشيًا"فج الإسلام (1 / 317)..

وعلى هذا حكموا بصحة خلافة أبي بكر وعمر، وبصحة خلافة عثمان في سنيّه الأولى، فلما غيَّر وبدَّل ولم يسر سيرة الشيخين -كما زعموا- وجب عزله، وأقرّوا بصحة خلافة عليّ أولًا، ثم خرجوا عليه بعد أن أخطأ في التحكيم، وكفر به، كما يزعمون!!

ولا يسعنا في تلك العُجالة إلا أن نطوي الحديث عن التعرّض لكل فرقة من فرق الخوارج، ولكن نكتفي بالكلام عن أشهرها، وهي ما يأتي:

 

أولاً: الأزارقة:

وهم أتباع نافع بن الأزرق، وهم يُكَفِّرُون من عداهم من المسلمين، ويُحَرِّمُون أكل ذبائحهم ومناكحتهم، ولا يُجيزون التوارث بينهم، ويعاملونهم معاملة الكفار من المشركين: إما الإسلام، وإما السيف، ودارهم دار حرب، ويحلّ قتل نسائهم وأطفالهم، ولا يقولون برجم الزاني المحصن، ولا يقولون بحدّ مَن يقذف المحصنين من الرجال، أما قاذف المحصنات فعليه الحد قطعًا، ولا يرون جواز التقية.

 

ثانيًا: النجدات:

وهم أتباع نجدة بن عامر، وهم يرون أنّه لا حاجة للناس إلى إمام قط، بل عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم، فإن رأوا أن الحاجة تدعو إلى إمام أقاموه، وإلا فلا. كما أنهم يُكَفِّرون من يقول بإمامة نافع ابن الأزرق، ويُكَفِّرون مَن يُكَفِّر القاعدين عن الهجرة لنافع وحزبه، ويقولون: إن الدين أمران:

أحدهما: معرفة الله تعالى، ومعرفة الرسول e، والإقرار بما جاء به جملة، فهذا واجب معرفته على كل مُكلَّف.

وثانيهما: ما عدا ما تقدم، فالناس معذورون بجهالته إلى أن تقوم عليهم الحُجَّة.

فمَن استحل شيئًا حرامًا باجتهاد فله عذره، وهم يعظمون جريمة الكذب، ويجعلونها أكبر جُرْمًا من شرب الخمر والزنا.

ومن بِدَع "نجدة" أنه تولّى أصحاب الحدود من موافقيه، وقال: لعل الله يعذبهم بذنوبهم في غير نار جهنم، ثم يُدخلهم الجنة، وزعم أن النار يدخلها مَن خالفه في دينه.

 

ثالثاً: الصفرية:

وهم أتباع زيادة بن الأصفر، وهم يقولون بأنّ أصحاب الذنوب مشركون، غير أنهم لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم كما ترى الأزارقة ذلك. ومن الصفرية مَن يخالف في ذلك فيقول: كل ذنب له حدّ في الشريعة لا يسمى مرتكبه مشركًا ولا كافرًا، بل يُدعى باسمه المشتق من جريمته، يقال: سارق، وقاتل، وقاذف.

كل ذنب ليس فيه حدّ معلوم في الشريعة مثل الإعراض عن الصلاة فمرتكبه كافر، ولا يُسمى مرتكب واحد من هذين النوعين جميعًا مؤمنًا، ومنهم مَن يقول: إنّ صاحب الذنب لا يُحكم عليه بالكفر حتى يُرفع إلى الوالي فيحدّه ويحكم بكفره.

 

رابعًا: الإباضية:

وهم أتباع عبد الله بن إباض، وهم أعدل فِرَق الخوارج، وأقربها إلى تعاليم أهل السُّنَّة، وهم يُجمعون على أنّ مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ولا مؤمنين، ولكنهم كفار. ويُروى عنهم أنهم يُريدون: كفر النعمة، وأجازوا شهادة مخالفيهم من المسلمين، ومناكحتهم، والتوارث معهم، وحرَّموا دماءهم في السر دون العلانية، لأنهم محاربون لله ولرسوله، ولا يدينون دين الحق، ودارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان، واستحلّوا من غنائمهم: الخيل والسلاح، وكلّ ما فيه قوة حربية لهم. ولم يستحلّوا غنائم الذهب والفضة، بل يردونها لأهلها.

واختلفوا في النفاق على ثلاثة أقوال:

  1. فريق يرى أن النفاق براءة من الشرك والإيمان معًا، ويحتج بقوله تعالى: {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ}[النساء:143].
  2. وفريق يرى أن كل نفاق فهو شرك، لأنه ينافي التوحيد.
  3. وفريق ثالث يرى أن النفاق لا يُسمى به غير القوم الذين سمَّاهم الله -تعالى- منافقين.

وهناك مخالفة لبعض الإباضية في بعض المسائل، لا نعرض لها هنا، مخافة التطويل.

هذه هي أهم فِرَق الخوارج، وهذه هي أهم ما لهم من تعاليم وعقائد، نضعها بين يدي القارئ قبل أن نتكلم عن موقفهم من التفسير، ليكون على علم بها، وليعلم بعد ذلك مقدار الصلة بينها وبين ما لهم من تفسير.

 

مواقف الخوارج من تفسير القرآن الكريم:

تعدّدت فِرَق الخوارج، وتعدّدت مذاهبهم وآراؤهم، فكان طبيعيًا -وهم ينتسبون إلى الإسلام، ويعترفون بالقرآن- أن تبحث كل فرقة منهم عن أُسس من القرآن الكريم، تبني عليها مبادئها وتعاليمها، وأن تنظر إلى القرآن من خلال عقيدتها، فما رأته في جانبها -ولو ادعاءً- تمسكت به، واعتمدت عليه. وما رأته في غير صالحها حاولت التخلص منه بصرفه وتأويله، بحيث لا يبقى متعارضًا مع آرائها وتعاليمها.

 

سلطان المذهب يغلب على الخوارج في فهم القرآن:

والذي يقرأ تاريخ الخوارج، ويقرأ ما لهم من أفكار تفسيرية، يرى أن المذهب قد سيطر على عقولهم، وتحكَّم فيها، فأصبحوا لا ينظرون إلى القرآن إلا على ضوئه، ولا يدركون شيئًا من معانيه إلا تحت تأثير سلطانه، لا يأخذون منه إلا بقدر ما ينصر مبادئهم ويدعو إليها.

فمثلًا: نرى أن أكثر الخوارج يُجمعون على أن مرتكب الكبيرة كافر، ومخلَّد في نار جهنم، ونقرأ في الكتب التي تكلّمت عن الخوارج فنجد ابن أبي الحديد -وهو ممن تعرض لهم في كتابه "شرح نهج البلاغة"- يسوق لنا أدلتهم التي أخذوها من القرآن، وبنوا عليها رأيهم في مرتكب الكبيرة، كما نجده يناقش هذه الأدلة، ويفندها دليلًا بعد دليل.

ونرى أن نمسك عن مناقشة ابن أبى الحديد لهذه الأدلة، ويكفي أن نسوق للقارئ الكريم هذه الآيات التي استندوا إليها، ووجهة نظرهم فيها، فهي التي تعنينا في هذا البحث، وهي التي ترينا إلى أي حدّ تأثر الخوارج بسلطان العقيدة في فهم نصوص القرآن، فمن هذه الأدلة ما يأتي:

  1. قوله تعالى: {وَللَّهِ عَلَى الناس حِجُّ البيت مَنِ استطاع إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ العالمين}[آل عمران:97]، قالوا: فجعل تارك الحج كافرًا.

  2. ومنها قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون}[يوسف:87]، قالوا: والفاسق -لفسقه وإصراره عليه- آيسٌ من روح الله، فكان كافرًا.

  3. ومنها قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون}[المائدة:44]، قالوا: وكل مرتكب للذنوب فقد حكم بغير ما أنزل الله.

  4. ومنها قوله تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى*لاَ يصلاها إِلاَّ الأشقى*الذي كَذَّبَ وتولى}[الليل:14-16]، قالوا: وقد اتفقنا مع المعتزلة على أنّ الفاسق يصلى النار، فوجب أن يُسمى كافرًا.

  5. ومنها قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الذين اسوّدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}[آل عمران:106]، قالوا: والفاسق لا يجوز أن يكون ممن ابيضت وجوههم، فوجب أن يكون ممن اسودت، ووجب أن يُسمى كافرًا، لقوله: {بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}.

  6. ومنها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ*ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ*وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ*تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ*أولئك هُمُ الكفرة الفجرة}[عبس:38-42]، قالوا: والفاسق على وجهه غبرة، فوجب أن يكون من الكفرة الفَجَرة.

  7. ومنها قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُواْ وَهَلْ نجازي إِلاَّ الكفور}[سبأ:17]، قالوا: والفاسق لا بد أن يُجازى، فوجب أن يكون كفورًا.

  8. ومنها قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين}[الحجر:42]، وقال: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}[النحل:100]، قالوا: فجعل الغاوي الذي يتبعه مشركًا.

  9. ومنها قوله تعالى: {وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار كُلَّمَآ أرادوا أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ النار الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}[السجدة:20]، قالوا: فجعل الفاسق مُكَذِّبًا.

  10. ومنها قوله تعالى: {ولكنّ الظالمين بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ}[الأنعام:33]، قالوا: فأثبت الظالم جاحدًا، وهذه صفة الكفار.

  11. ومنها قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلك فأولئك هُمُ الفاسقون}[النور:55]، ومنها قوله تعالى:  {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فأولئك هُمُ المفلحون * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فأولئك الذين خسروا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النار وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تتلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}[المؤمنون:102-105]، قالوا: فنصّ -سبحانه- على أن مَن تخف موازينه يكون مكذِّبًا، والفاسق تخف موازينه فكان مكذِّبًا، وكل مكذِّب كافر.

  12. ومنها قوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ}[التغابن:2]، قالوا: وهذا يقتضي أنّ مَن لا يكون مؤمنًا فهو كافر، والفاسق ليس بمؤمن، فوجب أن يكون كافرًاانظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2 / 307 – 308)..

هذه بعض الآيات التي تمسَّك بها الخوارج في موقفهم من مرتكب الكبيرة الذي لم يتب، والتي حسبوا أنها حجج دامغة لمذهب مخالفيهم من المسلمين! ولا يسع الذي يعرف سياق هذه الآيات وسباقها، ويعرف الآيات والأحاديث الواردة في شأن عصاة المؤمنين، ويتأمل قليلًا في هذه التخريجات والاستنتاجات التي يقولون بها، لا يسعه بعد هذا كله إلا أن يحكم بأن القوم متعصبون، ومندفعون بدافع العقيدة، وسلطان المذهب.

وهناك نصوص من القرآن استغلّها أفراد من الخوارج، لتدعيم مبادئهم التي يشذّون بها عمن عداهم من بعض فِرَق الخوارج، وهي في مظهرها التفسيري أكثر تعصّبًا، وأبلغ تعنّتًا، فمن ذلك: أن نافع بن الأزرق كان لا يرى جواز التقيّة التي هي في الأصل من مبادئ الشيعة، ويستدلّ على حُرْمتها بقوله تعالى: {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ الناس كَخَشْيَةِ الله}[النساء:77].

ويرى نجدة بن عامر جواز التقية، ويستدل على ذلك بقوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}[غافر:28].

وأظهرُ من هذا: أنّ نجدة بن عامر كان لا يُصَوِّب نافع بن الأزرق فيما يقول به من إكفار القَعَدة، واستحلال قتل أطفال مخالفيه، وعدم ردّ الأمانات إلى مخالفيه، وغير ذلك من آرائه التي شذَّ بها، فأرسل نجدة إلى نافعٍ رسالة يقول له فيها:

"... وأكفرتَ الذين عذرهم الله -تعالى- في كتابه من قعدة المسلمين وضعفتهم. قال الله عَزَّ وجَلَّ، وقوله الحق ووعده الصدق: {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ}[التوبة:91]، ثم سمّاهم -تعالى- أحسن الأسماء فقال: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ}[التوبة:91]، ثم استحللتَ قتل الأطفال وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قتلهم، وقال الله جَلَّ ثناؤه: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى}[الأنعام:164]، وقال -سبحانه- في القَعَدة خيرًا فقال: {وَفَضَّلَ الله المجاهدين عَلَى القاعدين أَجْراً عَظِيماً}[النساء:95]، فتفضيله المجاهدين على القاعدين لا يدفع منزلة مَن هو دون المجاهدين، أَوَما سمعت قوله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي القاعدون مِنَ المؤمنين غَيْرُ أُوْلِي الضرر}[النساء:95]، فجعلهم من المؤمنين. ثم إنّك لا تؤدي الأمانة إلى مَن خالفك، والله -تعالى- قد أمر أن تُؤدَى الأمانات إلى أهلها، فاتق الله في نفسك، واتقِ يومًا لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا، فإنّ الله بالمرصاد، وحكمه العدل، وقوله الفصل. والسلام".

فرد عليه نافع بكتاب جاء فيه: "... وعِبتَ ما دِنْتُ به من إكفار القَعَدة وقتل الأطفال، واستحلال الأمانة من المخالفين، وسأفسّر ذلك إن شاء الله.

أما هؤلاء القَعَدة: فليسوا كمن ذكرت ممن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنهم كانوا بمكة مقصورين محصورين لا يجدون إلى الهرب سبيلًا، ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقًا، وهؤلاء قد تفقهوا في الدين وقرأوا القرآن والطريق لهم نهج واضح، وقد عرفتَ ما قاله الله -تعالى- فيمن كان مثلهم إذ قالوا: {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرض}[النساء:97]، فقال: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}[النساء:97]، وقال سبحانه: {فَرِحَ المخلفون بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ الله وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله}[التوبة:81]، وقال: {وَجَآءَ المعذرون مِنَ الأعراب لِيُؤْذَنَ لَهُمْ}[التوبة:90]، فأخبر بتعذيرهم، وأنهم كذبوا الله ورسوله، ثم قال: {سَيُصِيبُ الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:90]، فانظر إلى أسمائهم وسماتهم.

وأما الأطفال: فإنّ نوحًا -نبي الله- كان أعلم بالله مني ومنك، وقد قال: {رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يلدوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً}[نوح:26-27]، فسمَّاهم بالكفر وهم أطفال وقبل أن يُولدوا، فكيف كان ذلك في قوم نوح ولا نقوله في قومنا، والله تعالى يقول: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر}[القمر:43]؟ وهؤلاء كمشركي العرب لا يُقبل منهم جزية، وليس بيننا وبينهم إلا السيف أو الإسلام.

وأما استحلال أمانات مَن خالفنا: فإن الله -تعالى- أحلَّ لنا أموالهم كما أحلَّ دماءهم لنا، فدماؤهم حلال طلق وأموالهم فيء للمسلمين"شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1 / 382)..

ولا شك لدينا في أنّ نافع بن الأزرق متعصب في فهمه للآيات على النحو الذي جاء في رسالته هذه، وهو تعصب بلغ به إلى درجة المغالطة، وإلا فهو جهل منه بمواقع كلام الله، ومدلول آياته.

 

مدى فهم الخوارج لنصوص القرآن:

هذا.. وإنّ الخوارج عندما ينظرون إلى القرآن لا يتعمقون في التأويل، ولا يغوصون وراء المعاني الدقيقة، ولا يكلِّفون أنفسهم عناء البحث عن أهداف القرآن وأسراره، بل يقفون عند حرفية ألفاظه، وينظرون إلى الآيات نظرة سطحية، وربما كانت الآية لا تنطبق على ما يقصدون إليه، ولا تتصل بالموضوع الذي يستدلون بها عليه، لأنّهم فهموا ظاهرًا معطلًا، وأخذوا بفهم غير مراد.

ولقد يعجب الإنسان ويدهش عندما يقرأ ما للقوم من سخافات في فهمهم لبعض نصوص القرآن، أوقعهم فيها التنطّع والتمسك بظواهر النصوص.

ولكي لا أُتهم بالقسوة في حكمي هذا، أضع بين يدى القارئ الكريم بعض ما جاء عن القوم، حتى لا يجد مفرًّا من الحكم عليهم بمثل ما حكمت به.

"رُويَ أن عبيدة بن هلال اليشكري اتُهِمَ بامرأةِ حدَّاد رأوه يدخل منزله بغير إذنه، فأتوا قَطَريًاهو قطري بن الفجاءة، الزعيم الثالث للأزارقة. فذكروا ذلك له، فقال لهم: إنّ عبيدة من الدين بحيث علمتم، ومن الجهاد بحيث رأيتم، فقالوا: إنَّا لا نقارّه على الفاحشة، فقال: انصرفوا، ثم بعث إلى عبيدة فأخبره وقال: إنَّا لا نقارّ على الفاحشة، فقال: بهتوني يا أمير المؤمنين، فما ترى؟ قال: إني جامع بينك وبينهم، فلا تخضع خضوع الـمُذنب، ولا تتطاول تطاول البريء، فجمع بينهم فتكلموا، فقام عبيدة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّ الذين جَآءُوا بالإفك عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} الآيات [11] وما بعدها من سورة النور، فبكوا وقاموا إليه فاعتنقوه وقالوا: استغفر لنا.. ففعل"الكامل للمبرّد (2/236).!.

"ويُروى أن واصل بن عطاء وقع هو وبعض أصحابه في يد الخوارج فقال لأصحابه: اعتزلوا ودعوني وإياهم -وكانوا قد أشرفوا على العطب- فقالوا: شأنك، فخرج إليهم فقالوا: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله ويعرفوا حدوده، فقالوا: قد أجرناكم، قال: فعلِّمونا، فجعلوا يُعلِّمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلتُ أنا ومَن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنكم إخواننا، قال: ليس ذلك لكم، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}[التوبة:6]، فأبلِغونا مأمننا. فنظر بعضهم إلى بعض ثم قالوا: ذلك لكم، فساروا بأجمعهم حتى بلّغوهم المأمن"الكامل للمبرّد (2/106)..

ومن الخوارج مَن أدَّاه تمسكه بظاهر النصوص إلى أن قال: "لو أن رجلًا أكل من مال يتيم فِلْسَيْن وجبت له النار، لقوله تعالى: {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}[النساء:10]، ولو قَتَل اليتيم أو بَقَرَ بطنه لم تجب له النار، لأنّ الله لم ينصّ على ذلك"تلبيس إبليس، ص (95)..

وهذا هو ميمون العجردي زعيم الميمونيةيعدّهم صاحب الفرق بين الفرق من غير المسلمين. من الخوارج، يرى جواز نكاح بنات الأولاد، وبنات أولاد الإخوة والأخوات، ويستدل على ذلك فيقول: "إنما ذكر الله -تعالى- في تحريم النساء بالنسب الأُمهات، والبنات، والأخوات، والعمَّات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأُخت، ولم يذكر بنات البنات، ولا بنات البنين، ولا بنات أولاد الإخوة، ولا بنات أولاد الأخوات"الفرق بين الفرق، ص (264-265).!

ويُروى أن رجلًا من الإباضية أضاف جماعة من أهل مذهبه، وكانت له جارية على مذهبه قال لها: قدّمي شيئًا، فأبطأت، فحلف ليبيعها من الأعراب، فقيل له: تبيع جارية مؤمنة من قوم كفار، فقال: {وَأَحَلَّ الله البيع وَحَرَّمَ الربا}[البقرة:275]التبصير في الدين، ص (35)..

وأيضًا نرى أن الخوارج خرجوا على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وقالوا: لِمَ خرجت من بيتها، والله تعالى يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب:33]التبصير في الدين، ص (36).؟

وأيضًا فإن الأزارقة قالوا: مَن قذف امرأة محصنة فعليه الحد، ومن قذف رجلًا محصنًا فلا حد عليهالتبصير في الدين، ص (29)... وهذا لأن الله -تعالى- نصّ على حدّ قاذف المحصنات، ولم ينصّ على حدّ قاذف المحصنين.

وقالوا -أيضًا- بأنّ سارق القليل يجب عليه القطعالتبصير في الدين، ص (29).، أخذًا بظاهر قوله تعالى: {والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله}[المائدة:38].

وغير هذا كثير نجده عندهم في بطون الكتب، وهو لا يدع مجالًا للشك في أنّ الخوارج قومٌ سطحيون في فهمهم لآيات القرآن الكريم، وإدراك معانيه.

 

موقف الخوارج من السُّنَّة وإجماع الأمة، وأثر ذلك في تفسيرهم للقرآن:

ولقد كان من أثر جمود الخوارج عند ظواهر النصوص القرآنية: أنّهم لم يلتفتوا إلى ما جاء من الأحاديث النبوية ناسخًا لبعض آيات الكتاب، أو مخصّصًا لبعض عموماته، أو زائدًا على بعض أحكامه، ويظهر أنّ هذا المبدأ قد تملَّك قلوب الخوارج، وتسلَّط على عقولهم، فنتج عنه أنْ وضع بعضهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الحديث، وهو: (إنّكم ستختلفون من بعدي، فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب الله، وما خالفه فليس عنّي)، فقد قال عبد الرحمن المهدى: "الزنادقة والخوارج وضعوا حديث: ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله... إلخ"انظر: القول الفصل للشيخ مصطفى صبري، ص (64-65) هامش. وقد اغترّ بهذا الحديث الموضوع كثير من المسلمين، وكان ذريعة لتشكيك بعض الناس في عقائدهم..

كما كان من أثر هذا الجمود عند ظواهر القرآن أيضًا: أنّهم لم يلتفتوا إلى إجماع الأمة، ولم يقدِّروه عند فهمهم لنصوص القرآن، مع أنّ الإجماع في الحقيقة يستند إلى أصل من الكتاب أو السُّنَّة، وليس أمرًا مبتدعًا في الدين، أو خارجًا على قواعده وأُصوله.

وفي هذا كله نجد العلامة ابن قتيبة يحدثنا عن بعض أحكامٍ احتجّ بها الخوارج، وهي مخالفة لإجماع الأُمة، ومناقضة لما صحّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يُبْطلها القرآن، فيقول:

"قالوا: حكمٌ في الرجم يدفعه الكتاب! قالوا: رويتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجم، ورجمت الأئمة من بعده، والله -تعالى- يقول في الإماء: {فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب}[النساء:25]، والرجم إتلاف للنّفس لا يتبعّض، فكيف يكون على الإماء نصفه؟ وذهبوا إلى أن المحصنات: ذوات الأزواج. قالوا: وفي هذا دليل على أن المحصنة حدها الجَلْد"تأويل مختلف الحديث، ص (241)..

"قالوا: حكمٌ في الوصية يدفعه الكتاب! قالوا: رويتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا وصية لوارث)، والله تعالى يقول: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الموتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الوصية لِلْوَالِدَيْنِ والأقربين}[البقرة:180]، والوالدان وارثان على كل حال لا يحجبهما أحد عن الميراث. وهذه الرواية خلاف كتاب الله عَزَّ وجَلَّ"تأويل مختلف الحديث، ص (242)..

"قالوا: حكمٌ في النكاح يدفعه الكتاب! قالوا: رويتم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تُنكح المرأة على عمَّتها، ولا على خالتها)، وأنّه قال: (يُحَرِّم من الرضاع ما يُحَرِّم من النسب)، والله -عَزَّ وجَلَّ- يقول: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}[النساء:23]... إلى آخر الآية، ولم يذكر الجمع بين المرأة وعمَّتها وخالتها، ولم يُحَرِّم من الرضاع إلا الأُم المرضعة والأخت بالرضاع. ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}[النساء:24] فدخلت المرأة على عمتَّها وخالتها، وكل رضاع سوى الأم والأُخت فيما أحلَّه الله تعالى"تأويل مختلف الحديث، ص (243-244)..

يحدثنا ابن قتيبة بهذا عنهم، ثم يتولى بنفسه الرد عليهم في ذلك كلّه ردًا مسهبًا، فيه إزالة كل شبهة، ودفع كل حُجَّة وردت على ألسن القوم، ولا نطيل بذكر ذلك. ومَن أراد الوقوف عليه، فليرجع إليه في تأويل مختلف الحديث ص (241–250).

 

الإنتاج التفسيري للخوارج:

لم يكن للخوارج من الإنتاج التفسيري مثل ما كان للمعتزلة أو الشيعة أو غيرهما من فرق المسلمين، التي خلَّفت لنا الكثير من كتب التفسير، وكل ما وصل إلينا من تفسير الخوارج الأُوَل لم يزد عن بعض أفهام لهم لبعض الآيات القرآنية تضمّنها جَدَلُهم، واشتملت عليها مناظراتهم، وذكرنا لك منها كل ما وصل إلى أيدينا، وجميع ما استخلصناه من بطون الكتب المختلفة.

ولكن، هل هذا هو كل ما كان للخوارج من تفسير؟ وهل وقف إنتاجهم عند هذا المقدار الضئيل؟ أو كان لهم مع هذا كتب مستقلة في التفسير، ولكن فقدتها المكتبة الإسلامية على طول الأيام ومر العصور؟

الحق أني وجّهت لنفسي هذا السؤال، وكدْتُ أعجز عن الجواب عنه، ولكنْ هيأ الله لي ظرفًا جمعني مع رجل من الإباضية المعاصرينهو الشيخ إبراهيم إطفيش، الموظف بالقسم الأدبي بدار الكتاب المصرية. يقيم في القاهرة، فوجّهت إليه هذا السؤال نفسه، فأفهمني أن الإنتاج التفسيري للخوارج كان قليلًا بالنسبة لإنتاج غيرهم من فِرَق الإسلام، ومع هذا فلم تحتفظ المكتبة الإسلامية من هذا النتاج القليل إلا ببعض منه، لبعض العلماء من الإباضية في القديم والحديث.

فسألته: وهل تذكر شيئًا من هذه الكتب؟ فذكر لي من الكتب ما يأتي:

  1. تفسير عبد الرحمن بن رستم الفارسي، من أهل القرن الثالث الهجري.
  2. تفسير هود بن محكم الهواري، من أهل القرن الثالث الهجري.
  3. تفسير أبي يعقوب، يوسف بن إبراهيم الورجلاني، من أهل القرن السادس الهجري.
  4. داعي العمل ليوم الأمل، للشيخ محمد بن يوسف إطفيش، من أهل القرن الحاضر.
  5. هميان الزاد إلى دار المعاد، له أيضًا.
  6. تيسير التفسير، له أيضًا.

فقلت له: وهل يوجد شيء من هذه الكتب إلى اليوم؟

فقال لي: أما تفسير عبد الرحمن بن رستم، فغير موجود، وأما تفسير هود بن محكم، فموجود ومتداول بين الإباضية في بلاد المغرب، وهو يقع في أربع مجلدات، وقد أطلعني منه على جزأين مخطوطين عنده، وهما الأول والرابع. أما الأول: فيبدأ بسورة الفاتحة، وينتهي بآخر سورة الأنعام. وأما الرابع: فيبدأ بسورة الزمر، وينتهي بآخر القرآن.

قال: وأما تفسير أبي يعقوب الورجلاني، فغير موجود، ويذكر المحققون من علمائنا أنّه من أحسن التفاسير بحثًا، وتحقيقًا، وإعرابًا.

وأما تفسير داعي العمل ليوم الأمل، فلم يتمّه مؤلفه، لأنّه عزم على أن يجعله في اثنين وثلاثين جزءًا، ثم عدل عن عزمه هذا، واشتغل بتفسير هميان الزاد إلى دار المعاد.

وقد أطلعني محدثي على أربعة أجزاء من تفسير داعي العمل، في مجلدين مخطوطين بخط المؤلف، أما أحد المجلدين: فإنه يحتوي على الجزء التاسع والعشرين، والجزء الثلاثين من أجزاء الكتاب، وهو يبدأ بسورة الرحمن، وينتهي بآخر سورة التحريم، وأما المجلد الثاني: فإنه يحتوى على الجزء الحادي والثلاثين، والجزء الثاني والثلاثين، وهو يبدأ بسورة تبارك، وينتهى بآخر القرآن. وقد وجدت بالمجلد الأخير بعض ورقات فيها تفسير أول سورة (ص)، ويظهر -كما قال محدثي- أنّ المؤلف قد ابتدأ تفسيره هذا بسورة الرحمن إلى أن انتهى إلى آخر سورة الناس، ثم بدأ بسورة [ص] ووقف عندها ولم يتم.

وأما تفسير هميان الزاد، فموجود ومطبوع في ثلاثة عشر مجلدًا كبارًا، ومنه نسخة في دار الكتب المصرية، ونسخة أخرى عند محدثي.

وأما تيسير التفسير، فموجود ومطبوع في سبع مجلدات متوسطة الحجم، ومنه نسخة بدار الكتب المصرية، وأخرى عند محدثي أيضًا.

 

أسباب قِلَّة إنتاج الخوارج في التفسير:

وأنت ترى أنّ هذه الكتب المذكورة -ما وُجِد منها وما لم يُوجد- كلها للإباضية وحدهم، ولعل السرّ في ذلك: أنّ جميع فِرَق الخوارج ما عدا الإباضية بادت ولم يبق لها أثر.

أمّا الإباضية فموجودون إلى يومنا هذا، ومذهبهم منتشر في بلاد المغرب، وحضرموت، وعُمان، وزنجبار.

ولكن بقي بعد هذا سؤال يتردد في نفسي، ولعلّه يتردد في نفس القارئ أيضًا وهو: ما السر في أن الخوارج قَلَّ إنتاجهم في التفسير؟

والجواب عن هذا السؤال -كما أعتقد- ينحصر في أُمور ثلاثة وهي ما يأتي:

أولًا: أنّ الخوارج كان أكثرهم من عرب البادية، ومن قبائل تميم على الأخصّ، وقليل منهم كان يسكن البصرة والكوفة مع احتفاظه ببداوته، فكانوا لغلبة البداوة عليهم أبعدَ النّاس عن التطور الديني، والعلمي، والاجتماعي، وكانوا يمثّلون الإسلام الأوّل في بساطته، وعلى فطرته، بدون أن تشوبه تعاليم الأُمم الأُخرى، أضف إلى ذلك: احتفاظهم بأهم خصائص أهل البدو من سذاجة التفكير، وضيق التصور، والبُعْد عن التأثر بحضارة الأمم المجاورة لهم.

ثانيًا: أنهم شُغِلوا بالحروب من مبدأ نشأتهم، وكانت حروبًا قاسية وطويلة ومتتابعة، أسلمتهم حروب علي t إلى حروب الأمويين، وأسلمتهم حروب الأمويين إلى حروب العباسيين التي تركتهم في حالة تُشبه الاحتضار، وتؤذن بالفناء، فكان من الطبيعي أن لا تدع الحرب لهم من الوقت ما يتسع للبحث والتصنيف.

ثالثًا: أنّ الخوارج -مع ما هم عليه من شذوذ- كانوا يخلصون لعقيدتهم، ويتمسّكون بإيمانهم إلى حدٍّ كبير، ويرون أنّ الكذب جريمة من أكبر الجرائم، وبه -عند جمهورهم- يخرج الإنسان من عِداد المؤمنين، فلعلّ هذا دعاهم إلى عدم الخوض في تفسير القرآن، وجعلهم يتورّعون عن البحث وراء معانيه، مخافةَ أن لا يصيبوا الحق فيكونوا قد كذبوا على الله، وقد سُئِل بعضهم: لِمَ لَمْ تُفسِّر القرآن؟ فقال: "كلما رأيت قوله تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأقاويل * لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين}[الحاقة:44-46] أحجمت عن التفسير".

من أجل هذا كله لم يكن يُنتظر من الخوارج أن يُؤلِّفوا لنا في التفسير كما ألفَ غيرهم، وليس التفسير وحده هو الذي حُرِم من تصنيف الخوارج وتأليفهم، بل كل العلوم في ذلك سواء، وما وُجِد لهم من مؤلفات في علم الكلام، أو الفقه، أو الأُصول، أو الحديث، أو التفسير، أو غير ذلك من العلوم فكله من عمل الإباضية وحدهم، لأنّ هذه الفِرْقة هي التي عاشت وانتشرت في كثير من بلاد المسلمين، واستمرت إلى يومنا هذا، وتأثرت بتعاليم المعتزلة وغيرهم، وسايرت التطور العلمي والاجتماعي.

وبعد.. فهذا هو تراث الخوارج في التفسير، وهو تراث نادر عزيز، وما وُجِد منه أندر وأعزّ، وأرى أن أكتفي بالكلام عن "هميان الزاد إلى دار المعاد" وحده، وعذري في ذلك: أنّ ما وجدناه من تفسير هود بن محكم، لم يتيسر لنا الاطلاع عليه الاطلاع الكافي الذي يعطينا فكرة واضحة عنه، وعن مؤلِّفه، وذلك راجع إلى رداءة خطه، وضياع بعض أوراقه، وتآكل بعضها.

وما وجدناه من تفسير "داعي العمل ليوم الأمل"، لم يكن أكثر حظًا من تفسير هود بن محكم.

وأما "تيسير التفسير"، فهو في الحقيقة خلاصة لما تضمنه "هميان الزاد" فلم يكن الكلام عنه بمعطينا فكرة جديدة عن التفسير عند الإباضية أو عند مُفسِّره على الأقل.


 

  • هميان الزاد إلى دار المعاد

التعريف بمؤلف هذا التفسير(اعتمدنا في هذه الترجمة على ما حدثنا به الشيخ إبراهيم إطفيش، وهو تلميذ المؤلف وابن أخيه.):

مؤلف هذا التفسير هو محمد بن يوسف بن عيسى بن صالح إطفيش الوهبينسبة إلى عبدالله بن وهب الراسبي، الزعيم الأول للخوارج. الإباضي، وهو من وادي ميزاب بصحراء الجزائر من بلاد المغرب. نشأ بين قومه، وعُرِف عندهم بالزهد والورع، واشتغل بالتدريس والتأليف وهو شاب لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وانكبَّ على القراءة والتأليف، حتى قيل إنه لم ينم في ليلة أكثر من أربع ساعات، وله من المؤلفات في شتَّى العلوم ثروة عظيمة تربو على الثلاثمائة مؤلَّف.

فمن ذلك: نظم المغني لابن هشام في خمسة آلاف بيت، وكان ذلك في شبابه.

وشرح كتاب التوحيد للشيخ عيسى بن تبغورين، وهو من أهم مؤلفاته في علم الكلام.

وشرح كتاب العدل والإنصاف في أُصول الفقه، لأبى يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني.

وله في الحديث: وفاء الضمانة بأداء الأمانة، وهو مطبوع في ثلاثة مجلدات.

وجامع الشمل في حديث خاتم الرسل، وهو مطبوع في مجلد واحد.

وله في الفقه شرح كتاب النيل، وهو مطبوع في عشر مجلدات.

وله مؤلفات أخرى في النحو والصرف، والبلاغة، والفلك، والعروض، والوضع، والفرائض، وغيرها.

وأما التفسير فله فيه "داعي العمل ليوم الأمل"، لم يتم، و"هميان الزاد إلى دار المعاد"، وهو ما نحن بصدده، و"تيسير التفسير"، وهو مختصر من السابق.

هذا، وقد توفي المؤلف سنة 1332 هـ (اثنين وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة)، وله من العمر ست وتسعون سنة.

 

التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:

يعتبر هذا التفسير هو المرجع المهم للتفسير عند الإباضية من الخوارج، غير أنه لا يُصور لنا حالة التفسير عندهم في عصورهم الأولى، وذلك لقرب عهد مؤلفه، وتأخّره عن زمن كثير من علماء التفسير الذين وافقوه على مذهبه، والذين خالفوه فيه.

ولقد جرت سُنَّة الله بين المؤلفين أن يأخذ اللاحق من السابق، وأن يستفيد المتأخر من المتقدم، وصاحبنا في تفسيره هذا، استمد من كتب مَن سبقه من المفسِّرين على اختلاف نِحَلهم ومشاربهم، وإنْ كان يدَّعي في مقدمته أنه لا يُقلِّد فيه أحدًا إلا إذا حكى قولًا، أو قراءة، أو حديثًا، أو قصة، أو أثرًا لسَلَف. وأما نفس تفاسير الآيِ والرّد على بعض المفسِّرين والجواب فمن عنده، إلا ما نسبه لقائله.

كما يَدَّعي أنّه كان ينظر بفكره في الآية أوّلًا، ثم تارة يوافق نظر جار الله الزمخشري، والقاضي البيضاوي وهو الغالب، وتارة يخالفهما، ويوافق وجهًا أحسن مما أثبتاه أو مثله.

ومهما يكن من شيء فلا يسعنا إلا أن نقول: إنّ الرجل -وقد قرأ الكثير من كتب التفسير- تأثّر بما جاء فيها، واستفاد الكثير من معانيها، مما يدعونا إلى القول بأنّ تفسيره يمثل التفسير المذهبي للخوارج الإباضية في أواخر عصورهم فقط، وبعد أن خرجوا من عزلتهم التي مكثوا فيها مدة طويلة من الزمن.

نقرأ في هذا التفسير، فنجد أنّ صاحبه:

  • يذكر في أول كل سورة عدد آياتها، والمكي منها والمدني، ثم يذكر فضائل السورة، مستشهدًا لذلك في الغالب بالأحاديث الموضوعة في فضائل السور، ثم يذكر فوائد السورة بما يشبه كلام المشعوذين الدجَّالين!

  • ثم بعد ذلك كله يشرح الآيات شرحًا وافيًا، فيُسهب في المسائل النحوية، واللُّغوية، والبلاغية، ويفيض في مسائل الفقه والخلاف بين الفقهاء، كما يتعرّض لمسائل علم الكلام ويفيض فيها، مع تأثرٍ كبيرٍ بمذهب المعتزلة، كما لا يفوته أن يعرض للأبحاث الأصولية والقراءات، وهو مكثر إلى حدٍّ كبيرٍ من ذكر الإسرائيليات التي لا يؤيدها الشرع، ولا يصدّقها العقل، كما يطيل في ذكر تفاصيل الغزوات التي كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  • ثم هو بعد ذلك: لا يكاد يمرّ بآية يمكن أن يجعلها في جانبه إلا مال بها إلى مذهبه، وجعلها دليلًا عليه، ولا بآية تصارحه بالمخالفة إلا تلَّمس لها كل ما في طاقته من تأويل، ليتخلّص من معارضتها، وقد يكون تأويلًا متكلّفًا وفاسداً، لا ينجيه من معارضة الآية له، لكنّه التعصب الأعمى، يدفع الإنسان إلى أن ينسى عقله، ويطرح تفكيره الصائب، ليمشي مع الهوى بعقل فارغ وتفكير خاطئ!!.. وإليك بعض ما جاء في هذا التفسير، لتقف على مسلك صاحبه في فهمه لآيات القرآن الكريم:

 

حقيقة الإيمان:

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة:2-3]، نراه يقرر: أن الإيمان يُطلق على مجموع الاعتقاد، والإقرار، والعمل، ثم يقول: "فمَن أخلَّ بالاعتقاد وحده أو به وبالعمل فهو مشرك من حيث الإنكار، منافق أيضًا من حيث أنّه أظهر ما ليس في قلبه، ومَن أخلَّ بالإقرار وحده أو بالإقرار والعمل فهو مشرك عند جمهورنا وجمهور قومنا. وقال القليل: إنه إذا أخلَّ بالإقرار وحده مسلمٌ عند الله من أهل الجنة، وإن أخلَّ به وبالعمل ففاسق كافر كُفْر نعمة، وإن أخلَّ بالعمل فقط فمنافق عندنا، فاسق ضال كافر كفرًا دون شرك غير مؤمن الإيمان التام"..

ثم قال: "واختلف الخوارج، وهم الذين خرجوا عن ضلالة عليّ، فقالت الإباضية الوهبية وسائر الإباضية فيمن أخلَّ بواحد من الثلاثة ما تقدم من إشراكه بترك الاعتقاد، أو بترك الإقرار، وينافق بترك العمل، ويثبتون الصغيرة. وقال الباقون كذلك وإنه لا صغيرة، ومذهب المحدثين أن انضمام العمل والإقرار إلى الاعتقاد على التكميل لا على أنه ركن، ونحن نقول: انضمامها إليه ركن، وهما جزءُ ماهيته" ا.هجزء (1) صفحة (200)..

ومثلًا عند تفسيره لقوله تعالى: {وَبَشِّرِ ٱلَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ}[البقرة:25]، نراه يحاول محاولة جدية في تحقيق أن العمل جزء من الإيمان، ولا يتحقق الإيمان بدونه. فيقول: "ترى الإنسان يقيّد كلامه مرة واحدة بقيد، فيحمل سائر كلامه المطلق على هذا التقييد، فكيف يسوغ لقومنا أن يلغوا تقييد الله -عَزَّ وجَلَّ- الإيمانَ بالعمل الصالح مع أنه لا يكاد يذكر الفعل من الإيمان إلا مقرونًا بالعمل الصالح! بل الإيمان نفسه مفروض لعبادة مَن يجب الإيمان به وهو الله تعالى، إذ لا يخدم الإنسان مثلًا سلطانًا لا يعتقد بوجوده وثبوت سُلْطته، فالعمل الصالح كالبناء النافع المظلل المانع للحر والبرد والمضرات، والإيمان أساس، ولا ينفع الأساس بلا بناء عليه، ولو بنى الإنسان أُلوفًا من الأُسس ولم يبن عليها لهلك باللصوص والحر والبرد وغير ذلك، فإذا ذُكِر الإيمانُ مفردًا قُيّدَ بالعمل الصالح. وإذا ذكر العمل الصالح، فما هو إلا فرع الإيمان، إذ لا نعمل لمن لا نقرّ بوجوده، وفي عطف الأعمال الصالحات على الإيمان دليل على أن كلًا منهما غير الآخر، لأن الأصل في العطف المغايرة بين المتعاطفين، ففي عطف الأعمال الصالحات على الإيمان إيذان بأن البشارة بالجنَّات إنما يستحقها مَنْ جمع بين الأعمال الصالحات والإيمان" ا.هجزء (1) صفحة (360-361)..

 

موقفه من أصحاب الكبائر:

كذلك نجد المؤلف يحاول أن يأخذ من القرآن ما يدلّ على أن مرتكب الكبيرة مخلَّد في النار وليس بخارج منها.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:81].. يقول: "{سَيِّئَةً} خصلة قبيحة، وهي الذنب الكبير، سواء كان نفاقًا أو إشراكًا، ومن الذنوب الكبيرة: الإصرار، فإنّه نفسه كبيرة، سواء كان على الصغيرة أو الكبيرة، والدليل على أن السيئة: الكبيرة قوله: {فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ}، ويحتمل وجهًا آخر وهو أن السيئة: الذنب صغيرًا أو كبيرًا، ثم يختَص الكلام بالكبيرة بقوله: {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ} وإن قلّت. روى قومنا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن السيئة هنا الشرك، وكذا قال الشيخ هود -رحمه الله- إنها الشرك.

قلت: ما ذكرته أولى مما ذكراه، فإنّ لفظ السيئة عام، وحمله على العموم أولى، إذ ذلك تفسير منهما لا حديث، ولا سيما أنّهما وقومنا يعترفون بأنّ الكبيرة تُدْخِل فاعلها النار، ولم يحصروا دخولها على الشرك، ومعترفون بأنّ لفظ الخلود يُطلق على المكث الكبير، سواء كان أبديًّا، أو غير أبدى، وادعاء أن الخلود في الموحِّدين بمعنى المكث الطويل، وفي الشرك بمعنى المكث الدائم، استعمال للكلمة في حقيقتها ومجازها، وهو ضعيف، وأيضًا ذكر إحاطة الخطيئات ولو ناسب الشرك كغيره، لكنه أنسب بغيره، لأن الشرك أقوى. {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ} ربطته ذنوبه وأوجبت له دخول النار، فصار لا خلاص له منها، كمن أحاط به العدو، أو الحرق، أو حائط السجن، وذلك بأن مات غير تائب". ا.هجزء (2) صفحة (140)..

 

حملته على أهل السُّنَّة:

ونرى المؤلف كلما سنحت له الفرصة للتنديد بجمهور أهل السُّنَّة القائلين بأن صاحب الكبيرة من المؤمنين يُعذَّب في النار على قدر معصيته، ثم يدخل الجنة بعد ذلك، ندَّد بهم ولمزهم.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}[البقرة:4]،  يقول: "وترى أقوامًا ينتسبون إلى المِلَّة الحنيفية يضاهئون اليهود في قولهم: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات"جزء (1) صفحة (228).!!.

 

مغفرة الذنوب:

ثم إنّ المؤلف حمل كل آيات العفو والمغفرة على مذهبه القائل: بأن الكبائر لا يغفرها الله إلا بالتوبة منها والرجوع عنها، ويحمل على الأشاعرة القائلين بأن الله يجوز أن يغفر لصاحب الكبيرة وإن لم يتب.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}[البقرة:284]، يقول: "ولا دليل في الآية على جواز المغفرة لصاحب الكبيرة الميت بلا توبة منها، كما زعم غيرنا، لحديث: (هلك المُصِّرون)" ا.هجزء (3) صفحة (443)..

وعند قوله تعالى: {وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}[آل عمران:129]، يقول: "يغفر لمن يشاء الغفران له بأن يوفقه للتوبة، ويُعذِّب مَن يشاء تعذيبه بأن لا يوفقه، وليس من الحكمة أن يُعذِّب المطيع الموفى، وليس منها أن يرحم العاصي المُصِّر، وقد انتفى الله من أن يكون ظالـمًا، وعدّ من الظلم: النقص من حسنات المحسن، والزيادة في سيئات المسيء، وليس من الجائز عليه ذلك، خلافاً للأشعرية في قولهم: يجوز أن يدخل الجنة جميع المشركين، والنار جميع الأبرار، وقد أخطأوا في ذلك..." ا.هجزء (4) صفحة (240-241)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ}[الزمر:53] يقول: "بشرط التوبة منها، بدليل التقييد بها في مواضع من القرآن والسُّنَّة، والمطلق يُحمل على المُقَيَّد. وقد ذُكِرَت في القرآن مرارًا شرطًا للغفران، فذكْرُها فيما ذُكِرَت: ذِكْرٌ لها فيما لم تُذكر، وإنما تحذف لدليل، والقرآن في حكم كلام واحد لا يتناقض، حاشاه. وأيضًا لا يليق أن يذكر لهم أنه يغفر الكبائر بلا توبة مع أنه ناه عنها، لأن ذلك يؤدى بهم إلى الاجتراء عليها. وقد أخفى الصغائر لئلا يُجترأ عليها من حيث أنه غفرها. ويدل لذلك تعقيب الآية بقوله: {وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ} لئلا يطمع طامع كالقاضي -يريد البيضاوي- في حصول المغفرة بلا توبة. ويدل له أيضًا قراءة ابن مسعود وابن عباس: "يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء" أي لمن يشاؤه بالتوبة.. وأما قوله: {إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} فاستئناف معلل لمغفرة الذنوب بالتوبة، أي يغفرها، ويقبل التوبة منها، لأنّ من شأنه الغفران العظيم والرحمة العظيمة، وملكه وغناه واسع لذلك. والمراد بالآية: التنبيه على أنه لا يجوز لمن عصى الله -أيّ عصيان كان- أن يظنّ أنه لا يغفر له، ولا يقبل توبته، وذلك مذهبنا معشر الإباضية، وزعم القاضي وغيره: أنّ الشرك يُغفر بلا توبة، ومشهور مذهب القوم: أن الموحِّد إذا مات غير تائب: يُرجى له، وأنه إن شاء عذَّبه بقدر ذنبه وأدخله الجنة، وإن شاء غفر له. ومذهبنا: أن مَن مات على كبيرة غير تائب: لا يُرجى له" ا.هـجزء (12) صفحة (72)..

 

رأيه في الشفاعة:

ويرى المؤلف: أن الشفاعة لا تقع لغير الموحدِّين، ولا لأصحاب الكبائر، ومن خلال رأيه هذا ينظر إلى آيات الشفاعة فلا يرى فيها إلا ما يتفق ومذهبه.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ}[البقرة:48] يقول: "وإن قلت: فهل الشفاعة والفداء بالعدل واقعان ولكن لا يُقبلان؟ أم غير واقعين؟ قلت: غير واقعين، أما مَن تأهّل للشفاعة من الملائكة والأنبياء والعلماء والصالحين فلا يتعرضون بها لمن ظهرت شقاوته لهم. فإن تعرَّضوا بها لهم قبل أن تظهر لهم، قيل لهم: إنهم بَدَّلُوا وغيَّروا، وليسوا أهلًا لها، فيتركوا التعرض لها، وأما من لم يتأهل لها فمشغول بنفسه ولا يدرى ما يُفعل به" ا.هـجزء (2) صفحة (17)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ}[البقرة:123] يقول: "{وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} لعدمها هناك، فالمراد أنه لا شفاعة تنفعها، فالشفاعة هنالك منفيّة من أصلها، وليس المراد أنه هناك شفاعة لا تُقبل، وإنما ساغ ذلك، لأنّ القضية السالبة تصدق بنفي الموضوع، كما تصدق بنفي المحمول، فكما تقول: ليس زيد قاعدًا في السوق، وتريد أنه فيها لكنه قائم، كذلك تقول: ليس زيد قاعدًا فيها، وتريد أنه ليس فيها أصلًا، وذلك مخصوص بالمشرك، فإنه لا شفاعة له هنالك إلا شفاعة القيام لدخول النار، ولا نفع له في دخول النار، وإنما الشفاعة للموحِّد التائب" ا.هـجزء (2) صفحة (299)..

وعند قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام:159] يقول: "فالآية نصّ -أو كالنص- في أن لا شفاعة لأهل الكبائر. أي أنت برئ منهم على كل وجه، وقد علمت عن عمر وأبي هريرة أنّ الآية في أهل البدع من هذه الأمة" ا.هـجزء (6) صفحة (274)..

 

رؤية الله تعالى:

ويرى صاحبنا: أن رؤية الله -تعالى- غير جائزة ولا واقعة لأحد مطلقًا، ويُصرِّح بذلك في تفسيره لآيات الرؤية، ويرد على أهل السُّنَّة الذين يقولون بجوازها في الدنيا، ووقوعها للمؤمنين في الآخرة.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة:55] نراه يذكر ما ورد من الروايات في هذا الباب، ومن الروايات رواية تفيد: أنّ موسى سأل ربه أن ينظر إليه بالمجاهرة، يُعقّب عليها فيقول: "وهذه الرواية تقتضي أنّ موسى يجيز الرؤية، حتى سألها ومُنعَها، وليس كذلك، بل إن صح سياق هذه الرواية فقد سألوه الرؤية قبل ذلك، فنهاهم عن ذلك وحرَّمه، أو سكت انتظارًا للوحي في ذلك، فلما فرغ وخرج، عاودوه ذِكْر ذلك، فقال لهم: قد سألته على لسانكم كما تحبّون، لأخبركم بالجواب الذي يقمعكم، لا لجواز الرؤية، فتجلَّى للجبل بعضُ آياته فصار دكًا، فكفروا بطلب الرؤية، لاستلزامها اللون، والتركيب، والتحيز، والحدود، والحلول! وذلك كله يستلزم الحدوث، وذلك كله محال على الله، وإذا كان ذلك مستلزمًا عقلًا لم يختلف دنيا وأخرى، فالرؤية محال دنيا وأخرى، ولا بالإيمان، والكفر، والنبوة، وعدمها" ا.هـجزء (2) صفحة (42)..

وعند قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ}[النساء:153]، يقول: "إذ سألوا رؤية الله -جَلَّ وعَلا- الموجبة للتشبيه، وقالت الأشعرية: الصاعقة إنما هي من أجل امتناعهم من الإيمان بما وجب إيمانه إلا بشرط الرؤية، لا من أجل طلب الرؤية، وهو خلاف ظاهر الآية، مع أنّ الرؤية توجب التحيز، والجهات، والتركيب، والحلول، واللون، وغير ذلك من صفات الخلق! ويدلّ لما قلته قوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ}[الأنعام:103]، والأشعرية لما أُفحموا قالوا: بلا كيف، وحديث الرؤية -إنْ صحَّ- فمعناه: يزدادون يقينًا بحضور ما وعد الله في الآخرة، فلا يشكّون في وجود الله وكمال صدقه، وقدرته، كما لا يشكّون في البدر" ا.هـجزء (5) صفحة (173)..

 

أفعال العباد:

وإذا كان المؤلف يتأثر بآراء المعتزلة أحيانًا، فإنّه يُصرِّح بمخالفتهم في بعض المسائل، فمثلًا نراه يقرّر: أنّ أفعال العباد كلها بإرادة الله تعالى، وأنّ العبد لا يخلق أفعال نفسه، ونراه يردّ على المعتزلة ولا يرضى موقفهم من هذه المسألة، فمثلًا عندما فسَّر قوله تعالى: {وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}[الأنعام:107]، يقول: "ولو شاء الله عدم إشراكهم بالله -تعالى- ما أشركوا به -تعالى- شيئًا، فالآية دليل على أنّ إشراكهم بإرادة الله ومشيئته، وفيه ردّ على المعتزلة في قولهم: لم يرد معصية العاصي، وزعموا أنّ المعنى: لو شاء الله لأكرههم على عدم الإشراك، ولزم عليهم أن يكون مغلوبًا على أمره إذا عُصي ولم يُرد المعصية، بل أراد الإيمان منهم ولم يقع، تعالى الله عن ذلك، والحقّ أن المعصية بإرادته ومشيئته، مع اختيار العاصي، لا جبر، للذم عليها والعقاب والنهى عنها" ا.هـجزء (6) صفحة (68)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ}[الزمر:62] يقول: "من إيمان، وكفر، وخير، وشر، مما هو كائن دنيا وأُخرى" ا.هـجزء (12) صفحة (77)..

 

موقفه من المتشابه:

كذلك نجد المؤلف يقف من المتشابه موقف التأويل، ويعيب على مَن يقول بالظاهر، وإن فوَّض علمه وكيفيته لله.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ}[البقرة:210]، يقول: "{إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ} على حذف مضاف: أي أمر الله، بدليل قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ}[النحل:33]، والحاصل، أن مذهبنا ومذهب هؤلاء -يريد المعتزلة ومن وافقهم- تأويل الآية عن ظاهرها إلى ما يجوز وصف الله به" ا.هـجزء (2) صفحة (157)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ}[المائدة:42] نراه يذكر الحديث القائل: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين)، ثم يقول: "ويمين الرحمن عبارة عن المنزلة الرفيعة، والعرب تذكر اليمين في الأمر الحسن، ودلّ لذلك قوله: "وكلتا يديه يمين"، والتأويل في مثل ذلك هو الحق، وأما قول سَلَف الأشعرية في مثل ذلك: إنَّا نؤمن به وننزهه عن صفة الخلق، ونكل معناه إلى الله، ونقول: هو على معنى يليق به... وكذا طوائف من المتكلمين، فجمود وتعامٍ عن الحق" ا.هـجزء (5) صفحة (339)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ}[الأعراف:54] يقول: "واستوى: بمعنى استولى بالملك، والغلبة والقوة، والتصرّف فيه كيف شاء، و"العرش": جسم عظيم، وذلك مذهبنا ومذهب المعتزلة وأبي المعالي وغيره من حُذَّاق المتكلمين، وخصّ العرش بذكر الاستيلاء لعظمته" ا.هـجزء (6) صفحة (361)..

 

موقفه من تفسير الصوفية:

ونجد المؤلف يبدي رأيه في تفسير الصوفية بصراحة تامّة، ويحمل على مَن يُفسِّر هذا التفسير، فيقول عند تفسيره لقوله تعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[البقرة:3]: "قيل: ويحتمل أن يُراد الإنفاق من جميع ما رزقهم الله من أنواع الأموال، والعلم، وقوة البدن، والجاه، وفصاحة اللسان، ينفعون بذلك عيال الله -سبحانه وتعالى- على الوجه الجائز. وقيل: المعنى: ومما خصصناهم به من أنوال معرفة الله -جَلَّ وعَلا- يفيضون، وهذا القول والذي قبله أظنهما للصوفية أو لمن يتصوف، وليس تفسير الصوفية عندي مقبولًا إذا خالف الظاهر، وكان تكلّفًا، أو خالف أُسلوب العربية، ولا أعذر من يُفسِّر به ولا أقبل شهادته، وأتقرّب إلى الله -تعالى- ببغضه والبراءة منه، فإنّه ولو كان في نفسه حقًّا لكن جعله معنى للآية أو للحديث خطأ، لأنه خروج عن الظاهر وأساليب العرب التي يتخاطبون بها، وتكلف من التكلف الذي يبغضه الله، فإنّ القولين وإن ناسبهما قوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ علمًا لا يقال به ككنز لا يُنفق منه) الذي رواه الطبراني في الأوسط، لكن لا يصحان تفسيرًا للآية، إذ لا يتبادر ذلك ولا يجري على أسلوب العرب، والقول الأخير أبعد، وأنا أعد اعتقادي ذلك نورًا ومعرفة أفاضها الله الرحمن الرحيم عليَّ. وقد أقبل القول الذي قبله لأنه قريب من أُسلوب العرب، قليل التكلف، والصحيح أن المراد: النفقة الواجبة وغير الواجبة من المال" ا.هـجزء (1) صفحة (220)..

 

موقفه من الشيعة:

وصاحبنا لا يُسلِّم للشيعة استدلالهم على إمامة عليّ بقوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة:55] بل نراه يفنّد احتجاجهم بالآية فيقول: "وزعم الشيعة أن: {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ} إلى: {رَاكِعُونَ} المراد به عليّ بن أبى طالب، وأنّ جملة {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حال من واو {يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ} وهي مقارنة، وأنّه أعطى الزكاة وهو في الصلاة راكع! سأل سائل وهو في ركوع الصلاة فأعطاه خاتمه في حال ركوعه وأراد به الزكاة، وعبَّر عنه بالجمع تعظيمًا، وهي دعوى بلا دليل عليها، والأصل العموم، والأصل أن لا يُطلق لفظ الجمع على المفرد. ومن دعوى الشيعة أنّ المراد بالولي -في الآية- المتولي للأمور المستحق للتصرف فيها، وأنّ هذه الآية دليل على إمامة عليّ، وهذا أيضًا تكلّف بلا دليل" ا.هـجزء (5) صفحة (376)..

 

رأيه في التحكيم:

ونرى المؤلف يتأثر في تفسيره هذا بعقيدته في مسألة التحكيم بين عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، فيفرّ من الآيات التي تعارضه، ويمكن أن تكون مستندًا لمخالفيه.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ}[النساء:35] نراه يقول: "ولا دليل في الآية على جواز التحكيم، لأن مسألة الحال إنما هي ليتحقق بالحَكَمين ما قد يخفى من حال الزوجين، بخلاف ما إذا ظهر بطلان إحدى الفرقتين بأن الله قد حكم بقتالها، وأيضًا المراد هنا: الإصلاح مثلًا لا مجرّد بيان الحق" ا.هـجزء (4) صفحة (478)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا}... إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:9-10] يقول: "والإصلاح بالنصح والدعاء إلى حكم الله، ثم يقول: وسمع عليّ رجلاً يقول في ناحية المسجد: لا حكم إلا لله، فقال: كلمة حق أريد بها باطل... لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم في أيدينا، ولا نبدأكم بقتال. قلت: الحق أنّه إذا حَكَم اللهُ بحكم في مسألة فلا حكم لأحد فيها سواه، فالحق مع الرجل، ولو كان عليّ أعلم عالِم.

ثم قال: قيل: وفي الآية دليل على أن البغي لا يزيل اسم مؤمن، لأنّ الله سماهم مؤمنين مع كونهم باغين، وسمّاهم إخوة مؤمنين. قلت: لا دليل، أما: {وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} فتسميتهم فيه مؤمنين: باعتبار ما يظهر لنا قبل ظهور البغي، أما: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} فتسميتهم فيه مؤمنين إخوة: باعتبار ما ظهر لنا قبل البغي، فقوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} في معنى اهدوهم إلى الحال التي كانوا عليها قبل. أو المراد بالمؤمن: الموحد لا الموفي، بدليل: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن). وأما لفظ: آمن وإيمان، فلا يختصان بالموفي" ا.هـجزء (12) صفحة (517)..

 

إشادته بالخوارج، وحطّه من قدر عثمان وعليّ ومَن والاهما:

ثم إنه لا تكاد تأتي مناسبة لذكر الخوارج إلا رفع من شأنهم، ولا لذكر عليّ أو عثمان، أو مَن يلوذ بهما إلا وغضَّ من شأنهم، ورماهم بكل نقيصة.

فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران:105-106]، نراه يعيب على مَن يقول من المفسِّرين: إنّ الذين تفرَّقوا واختلفوا هم مَن خرج علَى عليّ عند قبوله التحكيم، ويقول: "إنّ أمر الحَكَمين لم يكن حين نزلت الآية، بل في إمارة عليّ، و{تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ} صيغتان ماضويتان، ولا دليل على صرفها للاستقبال، ولا على التعيين لمن ذكر، بل دلَّت الآية على خلوصهم من ذلك، وعلى أنهم المحقون الذين تَبْيَضُ وجوههم، فمَن خالفهم فهو داخل في قوله تعالى: {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ}، وهو يعمّ كل مَن كفر بعد إيمانه. واعلم أنه قد خرج على عليّ حين أذعن للحكومة صحابة كثيرون -رضي الله عنهم- وتابعون كثيرون، فترى المخالفين يذمّون ويشتمون مَن خرج عنه، ويلعنونه، غير الصحابة الذين خرجوا عنه. والخروج واحد: إما حق في حق الجميع، وإما باطل في حق الجميع. فإذا كان حقًّا في جنب الكل، فكيف يشتمون مَن خرج عليه غير الصحابة، وإن كان باطلًا في جنب الكل، فقد استحق الصحابة الشتم أيضًا، عافاهم الله. ونرى المخالفين يروون أحاديث لم تصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يصح الحديث ويزيدون فيه. وقد يصح ويؤولونه فينا وليس فينا".

ثم سرد المؤلف بعض الأحاديث التي حملت عليهم، وردّها بعدم صحتها، أو بحملها على غلاة الخوارج كالصفرية، أو بحملها على من قبل التحكيم. ثم قال: "والدليل الأقوى على أن تلك الأحاديث ليست فينا ولا فيمن اقتدينا بهم، وأن الراضين بالتحكيم هم المبطلون، ما رواه أبو عمر، وعثمان بن خليفة: أن رجلًا من تلاميذ أبي موسى الأشعري -عبد الله بن قيس- لقيه بعد ما وقع فيما وقع من أمر التحكيم، فقال له: قف يا عبد الله بن قيس أستفتك، فوقف، وكان التلميذ قد حفظ عنه أنه حكى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "سيكون في هذه الأمة حَكَمان ضالّان مُضلان يضلان ويضل مَن اتبعهما" قال: فلا تتبعهما وإن كنتُ أحدهما. ثم قال له التلميذ: إنْ صدقت فعليك لعنة الله، وإن كذبت فعليك لعنة الله!!

ومعنى ذلك: إنْ كانت الرواية التي رواها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحيحة ثم وقع فيها، فعليه لعنة الله، وإن كان كاذبًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعليه لعنة الله، لنقله الكذب عن رسول الله، لا محيص عن الأمرين جميعًا"!! ا.هـجزء (4) صفحة (185-186)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ}[التوبة:39]، نراه يحاول الغضّ من شأن عثمان الذي بذل ماله في غزوة تبوك دفاعًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونُصْرة لدين الله، فيقول: "وعن عمران بن حصين أنّ نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إنّ هذا الرجل الذي يَدَّعي النبوة هلك، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم، فبعث رجلًا من عظمائهم، وجهَّز معه أربعين ألفًا، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يكن للناس قوة، وكان عثمان قد جهَّز عيرًا إلى الشام، فقال: يا رسول الله، هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أُوقية. قال صاحب المواهب: قال عمران بن حصين: فسمعته يقول: (لا يضرّ عثمان ما عمل بعدها) -والعُهْدة على القسطلاني وعمران- فإنْ صحّ ذلك فمعنى ذلك: الدعاء له بالخير، لا القطع بأنه من أهل الجنة! وعن عبد الرحمن بن سمرة: جاء عثمان بن عفان بألف دينار في كمّه حين جهَّز جيش العُسرة، فنثرها في حجره صلى الله عليه وسلم، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقلّبها في حجره ويقول: (ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم)، فإن صحّ هذا فذلك أيضًا دعاء، وإنما قلت ذلك لأخبار سوء وردت فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" ا.هـجزء (7) صفحة (313)..

وعند تفسيره لقوله تعالى في الآية [103] وما بعدها من سورة الكهف: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً}... الآيات إلى قوله: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً}، يقول: "وزعم عليّ أنّهم أهل حروراء، وهم المسلمون الذين خرجوا عنه، لعدم رضاهم بالتحكيم فيما كان لله فيه حكم. وسأله ابن الكواء فقال: منهم حروراء. وسُئل: أهم مشركون؟ فقال: لا، فقال: أمنافقون؟ فقال: لا، بل إخواننا بغوا علينا. وذلك خطأ تشهد به عبارته، لأنه ليس الإنسان إلا مؤمنًا أو مشركًا أو منافقًا، فإذا انتفى الشرك والنفاق عن أهل حروراء فهم مؤمنون. والمؤمن لا يُوصف بالبغي وهو مؤمن، ومَن بغى دخل في حدود النفاق.

وأيضاً الباغي مَن يرى التحكيم فيما كان لله فيه حكم، والسافك دماء مَن لم يتبعه على هذه الزلَّة.

وأيضاً أهل حروراء لم يكفروا بآيات الله، ولا بلقائه، بل مؤمنون بآيات الله وبالبعث. والأخسرون أعمالًا قد وصفهم الله -سبحانه وتعالى- بكفر الآيات واللقاء، ولست أقول ذلك معجبًا بنفسي، ولا متعجّبًا ممن عصى، بل حق ظهر لي فصرَّحتُ به" ا.هـجزء (10) صفحة (183-184)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ}[النور:55] يقول: "قال المخالفون عن الضحاك: إنّ الذين آمنوا هم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ. وإنّ استخلافهم: إمامتهم العظمى، وسيأتي ما يدل على بطلان دخول عثمان وعليّ في ذلك... ثم قال: وفي أيام أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وبعدهم، كانت الفتوح العظيمة، وتمكين الدين لأهله، لكن لا دليل في ذلك على إصابة عثمان وعليّ، فإنهما وإن كانت خلافتهما برضا الصحابة، لكن ما ماتا إلا وقد بدَّلا وغيَّرا، فسحقًا... كما في أحاديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنهما مفتونان"! ا.هـجزء (10) صفحة (280-281)..

وعند تفسيره لقوله تعالى في آخر الآية السابقة: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} يقول: "أقول -والله أعلم بغيبه- إنّ أوّل مَن كفر بتلك النعمة وجحد حقها: عثمان بن عفان، جعله المسلمون على أنفسهم، وأموالهم، فخانهم في كل ذلك: زاد في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووسَّعه، وابتاع من قوم وأبى آخرون فَغَصَبَهم، فصاحوا به فسيَّرهم للحبس، وقال: قد فعل بكم عمر هذا فلم تصيحوا به، فكلَّمه فيهم عبدالله بن خالد بن أسد فأطلقهم من السجن، وقد جمع في ذلك: غصبَ المال، وقذفَ عمر رضي الله عنه. واستعمل أخاه لأُمه وهو الوليد بن عُقبة.

ونزل: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً} بحضرة أبي بكر، وعمر -رضي الله عنهما- وعثمان، وعليّ، فقال لعثمان: (بك تُفتح وبك تُشَب)، وقال لعليّ: (أنت إمامها وزمامها وقائدها، تمشى فيها مشي البعير في قيده)، وقال: (لَضرس بعض الجلوس في نار جهنّم أعظم من جبل أُحُد). وقال: (يثور دخانها تحت قدمي رجل يزعم أنّه منّي وليس منّي، ألَا إنّ أوليائيَ المتّقون)..." إلى آخر ما ذكره من النقائص في حق عليّ وعثمان رضي الله عنهما ا.هـجزء (10) صفحة (282-283)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ}[الشورى:23] يقول: "فموَدَّة قرابته صلى الله عليه وسلم، مَن لَم يُبدِّل منهم ولم يُغيِّر، مثل فاطمة، وحمزة، والعباس، وابنه رضي الله عنهم: واجبة".. ثم ذكر روايات كثيرة في الحث على حبّ آل البيت وموَدَّتهم، وبعدما فرغ منها قال: "لكن المراد بآله: آلُه الذين لم يُبَدِّلوا، فخرج عليّ ونحوُه ممن بَدَّل، فإنه قتل مَن قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل قاتله الجنة). ولم يصحّ عندنا معشر الإباضية رواية: أنّه لما نزلت قيل: مَنْ قرابتك الذين تجب علينا موَدَّتهم؟ فقال: "عليّ، وفاطمة، وابناهما" ا.هـجزء (12) صفحة (227)..

 

اعتداده بنفسه، وحمْلتُه على جمهور المسلمين:

هذا... وإنّ المؤلف ليفخر كثيرًا في مواضع من تفسيره بنفسه وبأهل نِحْلته، ويرى أنّه وحزبه أهل الإيمان الصادق، والدين القويم، والتفكير السليم، وأمّا مَن عداهم: فضالون مضلّون، مبتدعون مخطئون.

فمثلاً نجده عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ}[البقرة:170] يقول ما نصّه: "واعلم أنّ الحقّ هو القرآن والسُّنَّة، وما لم يخالفهما من الآثار، فمَن قام بذلك فهو الجماعة والسواد الأعظم، ولو كان واحدًا، لأنّه نائب النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين الذين اهتدوا وكلِّ مهتد. ومَن خالف ذلك فهو مبتدع ضال ولو كان جمهورًا. هذا ما يظهر لي بالاجتهاد، وكنت أقرره للتلاميذ عام تسع وسبعين ومائتين وألف، فأصحابُنا الإباضية الوهْبية هم الجماعة والسواد الأعظم وأهل السُّنَّة ولو كانوا أقلّ الناس، لأنّهم المصيبون في أمر التوحيد، وعلم الكلام، والولاية، والبراءة، والأصول دون غيرهم" ا.هـجزء (2) صفحة (455-456)..

وعند تفسيره لقوله تعالى: {فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ}[هود:112]، يقول ما نصّه: "واعلم يا أخي -رحمك الله- أنّي استقريت هذه المذاهب المعتبرة كمذهبنا معشر الإباضية، ومذهب المالكية، ومذهب الشافعية، ومذهب الحنفية، ومذهب الحنبلية، بالمنقول والمعقول، فلم أر مستقيمًا منها في علم التوحيد والصفات سوى مذهبنا، فإنّه مستقيم خالٍ عن التشبيه والتعطيل، حُججه لا تقاومها حُجَّة ولا تثبت لها، والحمد لله وحده" ا.هـجزء (8) صفحة (213)..

هذا هو مُفسِّرنا الإباضي! وهذا هو تفسيره الذي ملأه بالدفاع عن العقيدة الزائفة، والتعصب للمذهب الفاسد! وهو بعد -كما ترى- لا يسلم من مجاراة المعتزلة في بعض عقائدهم، كما لم يسلم من الأحاديث الموضوعة التي جرت على ألسن وُضَّاع الخوارج، لينصروا بها مذهبهم، ويُرَوِّجوه بين الناس.

 

المصدر: كتاب: التفسير والمفسرون،  (2/ 211 - 235)

 


 

1 - نسبة إلى راسب، حي من الأزد.
2 - انظر الفرق بين الفرق، ص (55).
3 - فج الإسلام (1 / 317).
4 - انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (2 / 307 – 308).
5 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1 / 382).
6 - هو قطري بن الفجاءة، الزعيم الثالث للأزارقة.
7 - الكامل للمبرّد (2/236).
8 - الكامل للمبرّد (2/106).
9 - تلبيس إبليس، ص (95).
10 - يعدّهم صاحب الفرق بين الفرق من غير المسلمين.
11 - الفرق بين الفرق، ص (264-265).
12 - التبصير في الدين، ص (35).
13 - التبصير في الدين، ص (36).
14 - التبصير في الدين، ص (29).
15 - التبصير في الدين، ص (29).
16 - انظر: القول الفصل للشيخ مصطفى صبري، ص (64-65) هامش. وقد اغترّ بهذا الحديث الموضوع كثير من المسلمين، وكان ذريعة لتشكيك بعض الناس في عقائدهم.
17 - تأويل مختلف الحديث، ص (241).
18 - تأويل مختلف الحديث، ص (242).
19 - تأويل مختلف الحديث، ص (243-244).
20 - هو الشيخ إبراهيم إطفيش، الموظف بالقسم الأدبي بدار الكتاب المصرية.
21 - اعتمدنا في هذه الترجمة على ما حدثنا به الشيخ إبراهيم إطفيش، وهو تلميذ المؤلف وابن أخيه.
22 - نسبة إلى عبدالله بن وهب الراسبي، الزعيم الأول للخوارج.
23 - جزء (1) صفحة (200).
24 - جزء (1) صفحة (360-361).
25 - جزء (2) صفحة (140).
26 - جزء (1) صفحة (228).
27 - جزء (3) صفحة (443).
28 - جزء (4) صفحة (240-241).
29 - جزء (12) صفحة (72).
30 - جزء (2) صفحة (17).
31 - جزء (2) صفحة (299).
32 - جزء (6) صفحة (274).
33 - جزء (2) صفحة (42).
34 - جزء (5) صفحة (173).
35 - جزء (6) صفحة (68).
36 - جزء (12) صفحة (77).
37 - جزء (2) صفحة (157).
38 - ـجزء (5) صفحة (339).
39 - جزء (6) صفحة (361).
40 - جزء (1) صفحة (220).
41 - جزء (5) صفحة (376).
42 - جزء (4) صفحة (478).
43 - جزء (12) صفحة (517).
44 - جزء (4) صفحة (185-186).
45 - جزء (7) صفحة (313).
46 - جزء (10) صفحة (183-184).
47 - جزء (10) صفحة (280-281).
48 - جزء (10) صفحة (282-283).
49 - جزء (12) صفحة (227).
50 - جزء (2) صفحة (455-456).
51 - جزء (8) صفحة (213).
ملف للتنزيل: 

إضافة تعليق جديد