عوامل ظهور الغلو المعاصر وتطوره
لتحميل الملف بجودة عالية.. اضغط هنا
ملخّص البحث:
بدأ الكاتب بمناقشة الأسباب التي ذُكرت لظهور جماعات الغلو، وهي: الظلم والاضطهاد، والجهل، والفهم الخاطئ للفكر والتراث العقدي والفقهي. وأوضح أن هذه الأسباب وإن أدّت إلى اعتناق بعض الأفراد لفكر الغلو والانتساب لجماعات الغلاة، لكنها ليست السببَ المباشر لظهور هذه الجماعات المعاصرة وانتشارها، بدليل أنَّ الغلو الأول الذي ظهرت بوادره في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم استعلن في عصر الصحابة، واستمر في عهد الدولتين الأموية والعباسية، لم يكن دافعه الظلم، أو ردَّة الفعل على الجهل أو الانحرافات الموجودة في المجتمع، ولا كان ناتجًا عن مشكلة فكرية أو موروثات فقهية أو عقدية، وإنما كانت له دوافع وعوامل أخرى تتعلَّق بشخصية الغلاة أنفسهم.
ثم ناقش العوامل التي أثّرت في نشأة جماعات الغلو المعاصرة، والتي تتنوع إلى عوامل فكرية ومادية.
فأما العوامل الفكرية: فهناك تأثر واضح لدى جماعات الغلو المعاصرة بالثورة الخمينية والثورة الشيوعية! فهاتان الثورتان تقومان على مبادئ الثورة على الدول والمجتمعات باستخدام العنف، ثم إعادة تشكيلها بالقوة، وتتميز الثورة الخمينية بتكفير كافّة دول العالم الإسلامي، والسعي لإدخال الشعوب في العنف، وممارسته بأقصى درجاته، بهدف الانتقام من المخالفين، وتهيئة الظروف لخروج المهدي. والعجيب أن مستوى التأثر وصل لدى جماعات الغلو إلى درجة الاعتقاد بأنهم الطائفة المنصورة التي سيخرج بينهم المهدي، وتصريح بعض منظري هذه الجماعات بضرورة اللجوء للعنف لتحقيق غاياتها!
وأما العوامل المادية: فيمكن تلخيصها فيما يلي:
-
تحكّم الأنظمة بجماعات الغلو: من خلال مراقبة رؤوس الغلاة ومنظّريهم في السجن، والسماح لهم بنشر كتبهم وأفكارهم بين المساجين ودعوتهم إليها، وتمكينهم من التواصل مع أتباعهم خارج السجن، ثم إطلاق سراح كثيرٍ من هؤلاء الرؤوس والمنظّرين دون أسباب مقنعة، ليكملوا مخططاتهم خارج السجن، ومن ثم يُعاد اعتقالهم ومَنْ تأثر بهم، أو تتم تصفيتهم، وفي كثير من الأحيان يجري السماح بهروب أعداد كبيرة من الغلاة من سجون شديدة الحراسة، ليتوجهوا إلى مناطق الصراع ويحققوا أهدافًا تسعى إليها الأنظمة، كما حصل في سجن "لامبيز"، و"التسفيرات" و"التاجي" و"أبو غريب" وغيرها.
-
تقاطع عمليات الغلاة وتحركاتهم مع أهداف الأنظمة الحاكمة، حيث تجري عملياتهم بعلم تلك الأنظمة، وبتسهيلاتها التي تقدم لهم بطرقٍ غير مباشرة، بهدف الوصول إلى أغراض مشتركة، كاغتيال شخصيات لا يرضى عنها الطرفان، أو القيام بعمليات ذات خسائر محدودة تحقق للغلاة كسبًا إعلاميًا، وتعطي في الوقت نفسه مكاسب هائلة للأنظمة كاحتلال أفغانستان والعراق بعد أحداث 11 سبتمبر.
-
ما يتبع ذلك من تسهيل سفر الغلاة وتنقلهم بين البلدان، وتقديم التسهيلات العسكرية والمالية بطرق غير مباشرة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
-
اختراق الأنظمة لهذه الجماعات، وما يتبع ذلك من معرفتها لأفكارها ومعتقداتها، وطريقة عملها. سواء كان ذلك ناتجًا عن المراقبة والتجسس على هذه الجماعات، أو ناتجًا عن نشر جماعات الغلو لأفكارها ومخططاتها عبر الإنترنت.
-
الإعلام: الذي كان له دور في الترويج لأفكار الغلاة وبثّ شبهاتهم، وتلميع صورتهم، وتضخيم عملياتهم، وسواءٌ في ذلك إعلام جماعات الغلو، أو إعلام المتعاطفين معهم، أو إعلام الأنظمة التي تهدف لاستمرار عملهم لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية.
ثم أجاب الباحث عن تساؤل قد يرد على ذهن القارئ: هل جماعات الغلاة عميلةٌ للأنظمة تابعةٌ لها؟
وبيّن أن ما سبق تقريره لا يعني أنَّ الأنظمة تتحكم في كافة تفاصيل هذه الجماعات، أو أنها خططت منذ البداية للوصول بها إلى ما هي عليه اليوم، أو أنها ترسم المخططات ودور هذه الجماعات هو التنفيذ فقط. ولكنّ الأنظمة وجدت أنّ لدى هذه الجماعات أفكارًا مدمّرة، وأنَّها مشروع تكفير وقتل وتدمير، وتحمل عداوةً كبيرةً للمشاريع الإسلامية الأخرى، فأيقنت أنها هي السلاح الأنسب لضرب الحركات والجماعات الإسلامية، وأنها الطريقة الأفضل لتقويض المشروع الإسلامي بأكمله، فعمدت إلى استغلالها، وعملت على وضع الشخصيات المؤثرة في هذه الجماعات تحت التوجيه والضغط، وتعاملت مع المخرجات بطريقة الاحتواء والتوجيه. ومن الأمثلة التي ذكرها على ذلك: نشأة جماعة المسلمين (التكفير والهجرة)، ونشأة تنظيم القاعدة. ثم أجاب عن بعض التساؤلات أو الاعتراضات التي قد تَرِدُ -في هذا الخصوص- على الأذهان.
وفي ختام البحث تطرّق لمسألة ارتباط فكر الغلو المعاصر بأفكار الجماعات والتيارات الأخرى، حيث وُجِد مِن بعض الكتّاب والباحثين مَن يربط بين الغلاة وبعض المدارس الإسلامية، أو بعض المفكرين الإسلاميين، بحجة استشهاد الغلاة ببعض أقوالهم، أو بحجّة انتساب بعض الغلاة لهذه المدراس في السابق.
وبيّن أن هذه النسبة باطلةٌ، وقائلها إما أن يكون جاهلًا بحقيقة الغلو والغلاة وحقيقة هذه المدارس، أو لديه رغبة ما في الإساءة إليها، لكونها مخالفة له فكريًا أو سياسيًا.
فغالب الغلاة المعاصرين لم يُعرفوا بسابق علم، ولا اشتغالٍ فيه، بل أغلبهم من الجهلة بالدين، بل كثير منهم له سابقةُ انحرافٍ عن الدين، ومَن طلب العلم منهم في السابق تمرّدَ على شيوخه وخالفهم.
واستشهاد الغلاة بأقوال مَن سبقهم: كاستشهادهم بأقوال الأئمة الأربعة والمفسّرين، ثم بكتابات أبي الأعلى المودودي وسيد قطب، ثم الانتساب للسلف، ثم استشهادهم بكتابات أئمة الدعوة النجدية، يدل على أنّ أفكار جماعات الغلو المعاصرة وأصولها العامة ثابتة، وليست نابعة من أقوال أهل العلم ولا من هذه المدارس، وأن ذكر أقوال هؤلاء العلماء والمفكّرين لا يعدو كونه محاولةً من الغلاة للانتساب إليهم لإضفاء الشرعية عليهم وعلى أفكارهم، ولتلبيس أمرهم على الناس.
البحث:
-
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد سلَّطت البحوثُ والدراساتُ الضوءَ على العديد من الأسباب الشرعية والنفسية لظهور الغلو لدى الأفراد، كالجهل بالدين، والخلل في مصدر تلقي الدين، والأهواء والرغبات الشخصية، وغير ذلك، لكنّ هذا لا يُفسِّر سبب ظهور جماعات الغلاة المعاصرة، وسرعة تطور أفكارها وانتشارها، وتضخمها السريع، وامتلاكها الإمكانيات الكبيرة على المستوى الإعلامي والعسكري والمادي وغيرها، مع النظر لظروف نشأة هذه الجماعات، وعلاقاتها بالحراك الثقافي في المجتمعات التي ظهرت فيها، ومشروعها في إقامة الدولة، وعلاقتها بالدول والشخصيات التي يفترض أنها تناصبها العداء.
وهذا يدعو إلى طرح الكثير من الأسئلة والاستفهامات، ويتطلّب البحث في العوامل الحقيقة المؤثرة في تشكُّل فكر هذه الجماعات وظهورها وانتشارهادراسة هذه المسألة أمر في غاية الأهمية لاستكمال تقييم أفكار جماعات الغلو المعاصرة، وفهم ظروف نشأتها وتطورها، والتنبيه على العوامل المشابهة التي قد توضع فيها مختلف الجماعات الإسلامية لحرف مسارها أو التأثير فيها دون أن تنتبه لها. وحق هذا الموضوع الإفراد بدراسات متعمقة، ولعل دراسات أخرى تستكمل الموضوع من نواحٍ تاريخيةٍ واجتماعية أوسع وأشمل..
وفي هذا البحث المختصر كشف عن أهم عوامل ظهور الغلو المعاصر وانتشاره، وأثر المذاهب الفكرية التي أثرت في نشأته، ودور الأنظمة في تمكين جماعات الغلو ودعمها.
وهو جزء من كتاب قيد الإعداد حاليًا عن "تصوّر الغلاة لمفهوم الدولة في الإسلام".
أسال الله تعالى أن ينفع به، وأن يجعله خالصًا لوجه الكريم،،
والحمد لله رب العالمين
* * * * *
- أهم عوامل ظهور الغلو المعاصر وانتشاره
بدايةً لابد من الإجابة عن السؤال التالي:
هل كان الظلم الواقع على الناس، أو الجهل المنتشر في المجتمعات الإسلامية، أو الفكر الإسلامي والتراث العقدي والفقهي: دافعًا لظهور أفكار الغلو المعاصرة وانتشارها؟
أما الاضطهاد: فعلى الرغم من الواقع الذي كان يعيشه العالم الإسلامي من تخلّفٍ وجهلٍ واضطرابٍ أيام حقبة الاستعمار، ثم المآسي الرهيبة التي خلّفها، وخيانات بعض أبناء المسلمين وتأمرهم معه ضد بلدانهم، إلا أن حركات الغلو لم تنشأ في صفوف المجاهدين الذين هبّوا لمقاومة الاستعمار، وإنما نشأت بعد سنوات طويلة، في ظل حكوماتٍ مستقرة وظروف مختلفة، مع أنَّ المنطق يقتضي أن تنشأ في تلك الظروف نظرًا لوجود مسوغات أشد لظهورها.
ثم إنَّه على الرغم من مرور سنوات طويلة من حكم الأنظمة الحالية والتي تعرّضت الشعوب تحت حكمها للكثير من صور الاضطهاد والانتهاك السياسي والاجتماعي والاقتصادي والديني، وقتْلِ آلاف الشباب المتدين وتعذيبهم، وسجن عشرات آلاف آخرين، إلا أنَّ الغلو لم يعمّ تلك الشعوب، ولم يظهر بين أولئك المضطهدين على وجه الخصوصففي سورية مثلًا: شهدت سنوات الثمانينيات من القرن الماضي أعمال اضطهاد ممنهجة وفي غاية العنف والبشاعة على المعتقلين، والتي استمرت سنوات طويلة، ومع ذلك لم تشهد تلك السجون أو المفرج عنهم حركات غلو كالتي ظهرت أثناء الثورة.، بل كان ظهور الغلو في مجتمعات معيّنة وفي فئات لم يطلها الاضطهاد غالبًا.
فمّما يُلحظ: أنَّ غالب أتباع الجماعات التي حققت انتشارًا واسعًا كتنظيمي (القاعدة)، و(الدولة) قدموا إليها من مناطق تتمتّع بالاستقرار، وربّما الرفاهية العالية، ولا يوجد فيها حروب أو اضطهاد، كحال القادمين من أوربا وعددٍ من دول الخليج. وكذا كان غالب المنضمّين لجماعات الغلو الأولى كجماعة التكفير والهجرة، كانوا من طلاب المدارس والجامعات وعامة الناس.
وبالعودة بالتاريخ إلى ما عانته المجتمعات الإسلامية خلال محنتي التتار والحروب الصليبية، سنجد أن هذه الحروب لم تنتج الغلو بين المسلمين عمومًا والمجاهدين على وجه الخصوص، بينما كان الغلاة الموجودون وقتها هم سليل جماعات الخوارج الذين ظهروا قبل ذلك بعصور طويلة.
وجميع ما سبق يعني أنَّ الظلم والاضطهاد ليس هو المحرك الأول ولا الأهمّ لظهور فكر الغلو وجماعاته وانتشارها على مرّ التاريخ، وإنْ كان من أسباب اعتناق بعض الأفراد لفكر الغلو.
وأمَّا ردة الفعل على الجهل: فقد مرّت الأمة -عبر العصور- بفترات من الانحراف والتخلف والجهل، واشتدَّ أثره خلال الغزو الفكري المصاحب للغزو الصليبي، وانشقاق الدويلات المنحرفة في آخر زمن الخلافة العباسية، ثم عهد الاستعمار، ومع ذلك لم تُنتج تلك الأحداث ظهور أفكار الغلاة وجماعاتهم، على الرغم من وجود أفكار الغلاة وتلبيساتهم في الكتب وذاكرة المجتمعات، إلى أن خرجت في ظروفٍ أخرى كما سيأتي بيانها، مما يعني أنَّ ردّة الفعل على الجهل والانحراف ليس هو المحرك الرئيس للغلو المعاصر.
وأما الفكر والتراث العقدي والفقهي: فليس سببًا في الغلو، وإن أساء المنحرفون عن الدين الصحيح -من الرافضة، والباطنية، والمعتزلة، والخوارج، وغيرهم- التعامل معه والاستشهاد به، فانحرافهم ناتج عن جهل، أو سوء فهم، أو سوء نيّة، ولا تتحمّل نصوص القرآن والسنة، ولا أقوال العلماء مسؤولية هذا الانحراف!
وهذا ما حذَّر منه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حق الخوارج خصوصًا فقال: (يَقْرَؤونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ)أخرجه البخاري (4/137، برقم 3344)، ومسلم (2/742، برقم 1064).، وقال: (يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ)أخرجه البخاري (9/16، برقم 6930)، ومسلم (2/746، برقم 1066)..
فقد حذَّر من الانخداع بهم بسبب كثرة استشهادهم بالآيات القرآنية وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، كما حذَّر من منهجهم في حفظ النصوص دون فهمها الفهم الصحيح.
فمجرد الاستدلال والاستشهاد لا يعني المسؤولية، فما من كلام أو قول إلا وهناك من يسيء استخدامه أو يفهمه على غير وجهه، ولو جاز الطعن بأحكام (الخلافة، والولاء والبراء، والمهدي، والتكفير ...إلخ) بسبب خطأ الغلاة فيها، لجاز الطعن في أحكام الصلاة والصيام والحج، والحلال والحرام، وسائر أمور الدين لوقوع الخطأ والاختلاف فيها!
ويشهد لما سبق: أنَّ الغلو الأول الذي ظهرت بوادره في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ثم استعلن في عصر الصحابة، واستمر في عهد الدولتين الأموية والعباسية، لم يكن دافعه الظلم أو ردَّة الفعل على الجهل أو الانحرافات الموجودة في المجتمع، ولا كان ناتجًا عن مشكلة فكرية، أو موروثات فقهية أو عقدية، وإنما كانت له دوافع وعوامل أخرى تتعلَّق بشخصية الغلاة أنفسهم.
ولا يعني هذا أننا ننفي أن يكون للاضطهاد أو الانحراف أثر في اعتناق بعض الأفراد للغلو والانتساب لجماعات الغلاة، لكنه ليس بالقطع السببَ المباشر لظهور هذه الجماعات المعاصرة وانتشارها.
* * * * *
- العوامل التي أثّرت في نشأة جماعات الغلو المعاصرة
من المعروف في علم الأديان والفِرَق أن لنشأة أي فرقة أسبابًا داخلية وخارجية، مباشرة أو غير مباشرة، تسهم في تكوينها الثقافي والمادي، وفي هذا الموضع سأكتفي بالإشارة لنوعين من العوامل كان لها أكبر الأثر في نشأة الغلو المعاصر وانتشاره، وهي العوامل الفكرية والعوامل المادية.
أولاً: العوامل الفكرية:
بدراسة التاريخ المعاصر وتياراته الفكرية يتبين أنَّ ظهور تنظيمات الغلو المعاصرة واكبَ نوعين من الأفكار المشابهة -وخاصة في مصر، مهد جماعات الغلو المعاصر- والتي تقوم على مبادئ الثورة على الدولة والمجتمع باستخدام العنف، ثم إعادة تشكيله بالقوة بما يشبه أدبيات هذه الجماعاتورد تفصيل هذه الأفكار والمصطلحات وكامل مشروع الغلاة لإقامة الدولة في كتاب: تصور الغلاة لمفهوم الدولة في الإسلام، كتكفير كافة أنظمة الحكم في العالم الإسلامي، وحصر مشروع التغيير والإصلاح في العالم الإسلامي بحمل السلاح ضد الأنظمة، وإسقاط كافة علماء الأمة وتخوينهم، وتضليل جميع الجماعات الدعوية والمجاهدة، مع حصر الحق والطائفة المنصورة في أنفسهم، واستغلال أحوال المجتمعات ومقدراتها للقيام بمشروعها، ثم الزج بالشعوب الإسلامية وتوريطها في الصراعات الدموية لإجبارها على الانخراط في مشروعهم وحمله، والاستهانة بما يراق من دماء في سبيل إنجاح هذا المشروع، وبذل كل وسيلة -ولو كانت غير مشروعة- لأجله.، وهذان الفكران هما:
الفكر الأول: الثورة الخمينية الرافضية: التي افتتن بها الكثيرون في العالم الإسلامي في بداية ظهورها، واتّخذها بعض المنادين بالمشروع الإسلامي مثالًا يُحتذى لدولة الإسلام المنشودة، فشاعت أفكار هذه الثورة وأدبياتها ومؤلفاتها، وتناقلتها الأقلام والألسُن داخل الصف الإسلامي.
فمن مبادئ الثورة الخمينية:
1. تكفير كافّة دول العالم الإسلامي، واعتبارها أنظمة كفر وردّة وطواغيت، بالإضافة لكل ما يتعلق بها من مؤسسات عسكرية، أو أمنية، أو علمية، ونحو ذلك.
2. الثورة على أنظمة الحكم في دول العالم الإسلامي وقلْبها، وإعادة تشكيل مجتمعاتها لإقامة حكم إسلامي يمهّد لعوة المهدي المنتظر.
3. إقامة هذا الحكم على أسس المذهب الرافضي وفق نظرية (الولي الفقيه)، والتي تنحصر إقامتها في طبقة شخصيات فارسية إيرانية، تتولى صياغة كافّة أمور الدولة السياسية، والاقتصادية، والتاريخية، والعلمية ...إلخ.
4. الزجّ بالمنطقة والشعوب في العنف، وممارسته بأقصى درجاته، بهدف الانتقام من المخالفين، وتهيئة الظروف لخروج المهدي، وعمل أي شيء في سبيل تحقيق هذا الحلم، ولو كان بالتحالف مع من يدّعون أنهم أعداءٌ لهم.
وبالرجوع لأدبيات الثورة الخمينية يتَّضح التشابه الكبير مع أفكار ومصطلحات الغلاة، ومن الأمثلة على هذا التشابه قول الخميني:
"الشرع والعقل يفرضان علينا ألّا نترك الحكومات وشأنها ... توجد نصوصٌ كثيرة تصف كلّ نظامٍ غيرِ إسلاميّ بأنّه شرك، والحاكم أو السلطة فيه طاغوت ...
في ظلِّ حُكمٍ فرعونيّ يتحكّم في المجتمع ويُفسده ولا يُصلحه: لا يستطيع مؤمن يتّقي الله أن يعيش ملتزمًا ومحتفظًا بإيمانه وهديه، وأمامه سبيلان لا ثالث لهما: إمّا أن يُقْسَرَ على ارتكاب أعمال مُردِيَة، أو يتمرّد على حُكم الطاغوت ويُحاربه، ويُحاول إزالته، أو يُقلِّل من آثاره على الأقل. ولا سبيل لنا إلّا الثاني، لا سبيل لنا إلّا أن نعمل على هدم الأنظمة الفاسدة المفسدة، ونُحطِّم زمر الخائنين والجائرين من حكّام الشعوب.
هذا واجب يُكلَّف به المسلمون جميعًا أينما كانوا، من أجل خلق ثورة سياسيّة إسلاميّة ظافرة منتصرة"الحكومة الإسلامية في فكر الخميني ص (47)، ومعنى: (يُقْسَرَ): يُجبر، و(مُردِيَة): أي مهلكة. ومما يُذكر في سيرة حياة "صالح سرية" رائد فكرة العمليات المسلحة والانقلاب على أنظمة الحكم، وواضع مؤلف (رسالة الإيمان) التي سار على منوالها سائر الغلاة بعد ذلك، أنَّه كان من المتأثرين بفكر "علي شريعتي" الذي يُعدّ أهم المنظريين الفكريين للثورة الإيرانية. فقد أصبح "صالح سرية" مُلهم شخصيات الغلاة، وسارت جماعاتهم على أفكاره التي وضعها، وحملوا مشروعه الذي حاول القيام به، ومن أشهر من تأثر به واعتبره مثله الأعلى: المؤسس الحقيقي لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري، فقد أثنى على علمه، وجعله قدوة له -أثناء دراسته الجامعية، حيث كانت الجامعات المصرية تعجّ بالتيارات الفكرية المختلفة- قائلاً: " كان صالح سرية محدثًا جذابًا، ومثقفًا على درجة عالية من الاطلاع والمعرفة، وكان حاصلًا على درجة الدكتوراه في التربية من جامعة عين شمس، كما كان متضلعًا في عدد من العلوم الشرعية، وقد رأيته مرة واحدة أثناء إحدى المعسكرات الإسلامية في كلية الطب، حين دعاه أحد المشاركين في المعسكر إلى القاء كلمة في الشباب، وبمجرد استماعي لكلمة هذا الزائر أدركت أن لكلامه وقعًا آخر، وأنّه يحمل معانٍ أوسع في وجوب نصرة الإسلام. وقررت أن أسعى للقاء هذا الزائر، ولكن كل محاولاتي للقائه لم تفلح". ومما عُرف عن "صالح سرية" أنَّه كان غامض المنهج، ومثيرًا للشك في علاقاته ومشاريعه؛ فقد أسس مع رفاقه جبهة التحرير الفلسطينية عام 1959م والتي انضمت لاحقًا إلى حركة فتح، كما ارتبط بعلاقة قوية مع النبهاني مؤسس حزب التحرير، وقيل إنه انضم للحزب، كما ذكر أنَّه انضم إلى الإخوان المسلمين في العراق، وكان قائدًا في جناحها العسكري، وضابطًا برتبة نقيب في فوج التحرير الفلسطيني الذي شكّله الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في 1961م. غادر إلى مصر بعد مشاركته بمحاولة فاشلة للانقلاب على أحمد حسن البكر، وكان مجهولًا للتيار الإسلامي فيها، فتعرّف على قيادات العمل الإسلامي عن طريق السيدة زينب الغزالي التي قدمته لهم، ولـمّا لم يجد عندهم رغبة في حمل السلاح ضد النظام، عمل على تأسيس تنظيم مستقل يهدف للانقلاب على السادات، واستغل علاقته بقيادات الحركة الإسلامية للتواصل مع شباب حركتهم واستمالتهم لتنظيمه..
الفكر الثاني: الثورة الشيوعية: التي انتشرت أفكارها في القرن الميلادي الماضي، حتى أصبح المدَّ الشيوعي الماركسي يشكّل تهديديًا حقيقيًا لاستقرار عددٍ من الدول الإسلامية، وافتتن بها الناس، وانتشرت أفكارها لدرجة تبنّي عددٍ من المنادين بالمشروع الإسلامي ببعض أدبياتها، ونسبتها للإسلام!
فمن مبادئ الشيوعية:
1. الثورة على العالم وقلب أنظمة الحكم لتتولى طبقة البروليتاريا الحكم المستبد (الديكتاتوري)، فتعيد إصلاح المجتمع وتشكّله على أسس الفكر الماركسيالبروليتاريا: مصطلح ماركسي يدل على طبقة العمال الأُجراء الذين يشتغلون في الإنتاج الصناعي، ومصدرُ دخلهم هو بيع ما يملكون من قوة العمل..
2. الوصول للحكم عن طريق العنف، والزجّ بالعالم في الحروب والصراعات لتحقيق هدف الثورة.
3. في سبيل تحقيق هذا الهدف يمكن القيام بأي عمل مهما كانت بشاعته، قال لينين: "إن هلاك ثلاثة أرباع العالم ليس بشيء، إنما الشيء الهام هو أن يصبح الربع الباقي شيوعيًّا". وأحداث التاريخ شاهدة على بشاعة ضحايا الشيوعية.
4. في سبيل تحقيق الأهداف يمكن استعمال الغدر والخيانة والاغتيالات لإزاحة الخصوم ولو كانوا من الشيوعين أنفسهمينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي (2/910)..
ويُلحظ التشابه الكبير بين هذه المبادئ وما سبق إيراده من أفكار الغلاةعرضَ "د. رفعت سيد أحمد" وثائقَ وأفكارَ أوائل جماعات الغلاة في كتابه: "وثائق الغضب الإسلامي في السبعينات: عرض، دراسة، ونقد"، ومع أنَّ الكتاب مؤلف من سنواتٍ طويلة إلا أنَّه لحظ هذا التشابه والتأثر، فوضَّح ذلك في العديد من مواضع كتابه، بل كانت تسمية الكتاب نابعة من ذلك. والقارئ لأدبيات أوائل هذه الجماعات يلحظ استعمالهم لمصطلحات تدل على هذه الأفكار والتي هجرها اللاحقون إلى مصطلحات دينية تناسب تطور فكرها، كهجر كلمة (ثورة) إلى كلمة (جهاد).، بل وُجِد عند العديد من منظري هذه الجماعات الاستشهاد بكلام ومنظري الشيوعية على مشروعهم وخطواته، كما تكرر ذلك من عمر محمود (أبو قتادة الفلسطيني)، ومن ذلك استشهاده بقول لينين: (العنف هو الدَّايةتطلق الداية في اللغة على المرضعة، والحاضنة، ينظر: تاج العروس مادة "ظأر" (12/465)، ومادة "حضن" (34/443)، كما تطلق على القابلة التي تتولى توليد المرأة، ينظر: المعجم الوسيط، مادة "دوي" (1/306)، وهي المقصودة هنا.للتاريخ)" ثم عقَّب بقوله: "إذا أردنا أن نصنع التاريخ، وإذا أردنا أن نولّد منه الحقائق يجب أن يكون هناك ثمة عنف"في شريطه: مناقشة كتاب الحرب العالمية الرابعة..
ثانيًا: العوامل المادية التي أثّرت في نشأة جماعات الغلو المعاصرة:
وهي مجموعة من العوامل التي تشابكت وتداخلت عبر الزمن، وبتدخّل وتسيير من أنظمةِ حكمٍ وأجهزةِ استخباراتٍ، حتى وصلت أفكار هذه الجماعات إلى ما هي عليه، ويمكن إجمال هذه العوامل بما يلي:
1. ارتباط حركات الغلو المعاصرة بحياة السجون التي تتحكم بها الأنظمة وتشرف عليها:
أ- فبداية ظهور هذه الجماعات كان في أقبية السجون، كما هو حال الجماعات المصرية الأولى. ولا تكاد توجد شخصيةٌ من شخصيات الغلاة المؤثرة إلا وقد تعرضت للاعتقال، ويُكثر الغلاة من الحديث عن أثر السجن عليهم من ناحية الاستفادة الفكرية من الآخرين، وتبلور مشروعهم المستقبلي الذي يعملون عليهومما يُذكر في تقلبات عمر محمود (الفلسطيني) الذي ابتدأ عضوًا في جماعة التبليغ، ثم موظفًا في دائرة الإفتاء التابعة للجيش الأردني: أنَّه تولى الإمامة في أحد السجون لأربع سنوات التقى فيها بكافة التيارات والمناهج كالبعثيين والتنظيمات الفلسطينية ذات الفكر اليساري، كما التقى بعددٍ من الغلاة، ودارت بينهم نقاشات وحوارات، ترك على إثرها الوظيفة وخرج لأفغانستان للقاء بمنظري الغلاة، ثم بدأ فكره يتبلور حتى وصل إلى ما هو عليه الآن..
ومع ما كان يلاقيه سائر المعتقلين في هذه السجون من تضييق، وتقييد حريات، ومنع تجمعات، وغير ذلك، إلا أنَّ تحركات الغلاة وخلافاتهم وتحالفاتهم ونقاشاتهم كانت تجري بحريّة أكبر، وتحت أنظار إدارات السجون ومراقبتها!
ب- عمدت الأنظمة إلى تمكين الغلاة من نشر أفكارهم بين السجناء، وخلطت رؤوسهم ودعاتهم بسجناء غير منتمين لهذه الجماعات حتى يتأثروا بهم، حتى وصل الحال إلى غضّ الطرف عن تداول كتب الغلاة وتوزيعها على المساجين، كما هو في سجون الاحتلال في العراقسمحت إدارات السجون الأمريكية في العراق بدخول وتداول كتب منظري الغلو، وعملت على الزج بآلاف الشباب السني في السجون مع قيادات تنظيم القاعدة لسنوات طويلة، "وكلما حضر سجين جديد، كان زملاؤه يعلمونه، ويلقنونه، ويعطونه توجيهاتٍ، فيغادر المعسكر كأنه لهبٌ مشتعل"، ينظر مقال: السيرة الكاملة للبغدادي، موقع قاسيون الإخباري. ومقال: الحياة مع الجماعات المسلحة داخل السجون الجزائرية، جريدة الحياة اللندنية، العدد (13515) بتاريخ 12/3/2000م. كما شهدت العديد من سجون الأنظمة العربية أمورًا مشابهة بدرجات متفاوتة.، وتمكين منظري الغلاة من التواصل مع أتباعهم خارج السجن، و(تهريب)! الأسئلة والإجابة عنها بين كلا الطرفين، كما في حال البرقاوي والفلسطيني.
ج- إطلاق كثيرٍ من المتهمين بـ (الإرهاب) من السجون دون أسباب مقنعة، مع معرفة الأنظمة بأفكارهم وارتباطاتهم.
وهؤلاء المطلق سراحهم: إما أن يُعاد اعتقالهم مع الشباب الذين التفّوا حولهم، ليكملوا في السجن تعليمهم وتلقينهم كما تقدّم، مما يدل على أنَّ المقصود هو تحفيز هؤلاء على نشر أفكارهم وتكوين جماعات تنتشر في المجتمع.
أو ينجح بعضهم في الخروج من البلاد إلى مناطق الصراع على الرغم من منعهم من السفر! أو يقومون بتنفيذ اعتداءات مسلّحة رغم الرقابة عليهم! وكثيرًا ما أشارت التقارير الإعلامية لذلك، وحملت تصريحات بعض المسؤولين اتهامات لتلك الجهة أو أخرى لمسؤوليتها عن إطلاقهم، على الرغم من المعرفة التامة بارتباطاتهم وتدريباتهم، وتنتهي عند هذا الحد!
بل وصل الأمر ببعض الأنظمة إلى إطلاق عدٍد من السجناء المتهمين بالإرهاب بشرط توجههم إلى مناطق الصراع في سورية والعراق.
وقد أطلق النظام السوري عام 2005م شاكر العبسي المتهم بالتخطيط لعمليات إرهابية، وعلاقات مع كبار زعماء الجماعات الإرهابية، مع تسهيل وصوله إلى لبنان، مع وجود أنباء عن دعمه بالمال والسلاح للقيام بعمليات ضد (إسرائيل) واستغلال ما يثيره من اضطراب في عودة النظام السوري إلى لبنان، وما تبع ذلك من أحداث نهر البارد عام 2007م.
كما أطلق النظام السوري في بدايات الثورة الحالية عددًا من المعتقلين بتهم الإرهاب، والذين تكونت منهم عدد من المجموعات المسلحة المغالية، وفعل النظام اليمني الأمر ذاته عند بدايات عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين، مما مكنهما من دعم مجموعاتهم والانتشار في البلاد.
وممن أُطلق سراحهم بعد اعتقالهم لمددٍ طويلة، بحجّة عدم التعرف على هويتهم الحقيقية، وانتحالهم أسماء وهمية: القاري سعيد في الجزائروكان قد اشترك بعملية عسكرية على الأميرية البحرية في الجزائر، واعتُقِل، ثم قاد عملية الهروب من السجن، ثم أسس الجماعة الإسلامية المسلحة! ينظر: التجربة الجزائرية، لأبي مصعب السوري، ص (4).، وأبو عمر البغدادي وأبو بكر البغدادي زعيمي القاعدة في العراق، وأبو محمد الجولاني زعيم القاعدة في سورية، بعد اعتقال لعدة سنوات في سجون الاحتلال في العراق.
والواقع يدل على أنَّ هذه الأنظمة تعرف تفاصيل شخصيات وتاريخ الغلاة، بما تملكه من وسائل التعرف على الهويّة، وبالاستعانة بالجواسيس الذين تدسّهم في صفوف السجناء، ومن الأدلة على ذلك أنها تسارع إلى نشر صورهم وأسمائهم الحقيقية بمجرّد قيامهم بأعمال مسلحة كـ (جون الجهادي) الذي يقوم بعمليات الذبح في تنظيم (الدولة)، أو مجرد توليهم لمنصب معين، كأبي عمر وأبي بكر البغدادي، والجولاني، وبتوقيت يسبق إعلان هذه التنظيمات بوقتٍ طويل، مما يدل على أنَّ إطلاقهم كان بهدف استغلال تحركاتهم لاحقًا، ولا يُستبعد تتبع تحركاتهم بعد إطلاقهم بطريقةٍ وأخرى، مما يجعلهم تحت رقابة تلك الأجهزة ومتابعتهاشكّل عددٌ من عمليات اغتيال بعض قادة القاعدة في سورية مفاجأة كبيرة، حيث كشفت عن وجود شخصيات لم يُعرف وجودها في البلاد حتى من أتباع تلك التنظيمات نفسها، ومثل ذلك اغتيال شخصيات من قادة تنظيم (الدولة) غير المعروفة لعامة الناس وأتباع التنظيم، مما يؤكد أنَّ حقيقة هذه الجماعات وأفرادها معروفةٌ لأجهزة الاستخبارات العالمية، وأنَّ سريتها إنما هي عن الشعوب فحسب..
ومن ذلك: إطلاق أكبر شخصيتين منظرتين للفكر التكفيري وتأييد العمليات الإجرامية من السجون الأردنية: عصام البرقاوي، وعمر محمود، وتمكينهما من إصدار الفتاوى والتوجيهات عبر وسائل الاتصالات المختلفة دون رقابة أو محاسبة محلية أو عالمية، بدلالة واضحة على استثمار فتاوى وتأثير هؤلاء في مجريات الأحداث على الساحة الساحةبل إنَّ هاتين الشخصيتين شهدتا توجيهًا مباشرًا من الأجهزة الأمنية في عددٍ من المواقف، ومن أشهرها خروج البرقاوي من السجن إلى شاشة تلفزيونية مباشرة لتوجيه انتقاد لتنظيم (الدولة) في حادثة الطيار معاذ الكساسبة، ، على الرغم من تكفيره للدولة وأجهزتها، ويرفض التعاون معها ويعد ذلك من موالاة الكفار، إلا أنه قبل القيام بهذا الدور مقابل إطلاقه من السجن..
د- شهدت مختلف السجون (هروب) مئات المعتقلين من أفراد هذه التنظيمات حصرًا، في عمليات مريبة تكررت على مدى عقودٍ طويلة، على الرغم من شدّة تحصين هذه السجون، والرقابة المفترضة على هذه الشخصيات الخطيرة، وتبع هذا (الهروب) تصاعد نشاط هذه الجماعات وتوسع عملياتها، ومن الأمثلة على ذلك:
- هروب 1400 سجين من الجماعة الإسلامية (الجيا) في الجزائر من سجن "لامبيز" بولاية باتنة عام 1994م، وما تبعها من تقوية الجماعة ودخولها في تحالفات، وتصاعد عملياتها.
- عمليات هروب القاعدة في اليمن، ومن أشهرها: هروب 23 سجينًا عام 2006م، بعضهم من قيادات القاعدة، وبعضهم ممن شارك في تفجير حاملة الطائرات الأمريكية كول.
- عمليات هروب القاعدة في العراق، ومن أشهرها: هروب 14 سجينًا من سجن التسفيرات بكركوك عام 2012م، بعضهم محكوم بالإعدام، وهروب ما بين 500 - 1000 سجين بينهم شخصيات كبيرة من سجني التاجي وأبو غريب عام 2013م.
وقد أثبتت العديد من الأخبار والتحقيقات وجود تواطؤ على هذا (الهروب)، مع الاكتفاء بإلقاء المسؤولية على موظفين صغار، دون محاسبة أو متابعة.
وإذا أُضيف إلى ذلك إدراك مدى تحكم الأنظمة بالسجون من خلال المراقبة والجواسيس، ودراستها لنفسيات وطبائع السجناء، وتحكمها بظروف سجونهم، ووضعهم في ظروف مختلفة من العقوبة أو المكافأة: فإنَّ ذلك يجعلها على معرفة كبيرة بشخصيات السجناء وأفكارهم، ومن ثم توقّع خطواتهم القادمة، وعلاقاتهم، وردود أفعالهم، مما يُسهل التحكم بها والتأثير عليها.
2. تقاطع عمليات الغلاة وتحركاتهم مع أهداف الأنظمة الحاكمة، فكانت عملياتهم تجري بعلم تلك الأنظمة، وبتسهيلاتها التي تقدم لهم بطرق غير مباشرة، بهدف الوصول إلى أغراض معينة، ومن أشهر تلك العمليات:
- حادثة قتل الشيخ الذهبي وزير الأوقاف في حكومة السادات، فقد كان الشيخ الذهبي عازمًا على محاربة الفساد، وتحدي النظام بمحاسبة المتلاعبين والمتورطين، مما شكل إحراجًا للحكومة وقتها، ثم سرعان ما انتهت القضية باختطاف الشيخ واغتياله بطريقة غامضة على يد جماعة شكري مصطفى، ثم قُبض على كافة أعضاء الجماعة، وأعدم عددٌ منهم، وقد وجدت دلائل على تورط الأجهزة الأمنية بتسهيل عمل الجماعة، بالإضافة إلى إدعاءات أعضاء الجماعة أثناء محاكمتهم بمسؤولية أجهزة الأمن عن العملية.
- نفَّذت (الجيا) في الجزائر غالب عملياتها ضد أعضاء جبهة الإنقاذ والجماعات المعارضة لنظام الانقلاب، وفي مناطق شعبية الإسلاميين خصوصًا، مما أدى إلى التخلص من قيادات تلك الجماعات، وضرب حاضنتها، ما سهَّل على الانقلابيين إحكام السيطرة على الحكم وإيقاف حركة الرفض والاحتجاجات، وقد تبيّن مدى اختراق جماعة (الجيا) والتسهيلات المقدمة لأفرادها في التنقل بين المناطق، والحصول على السلاحينظر تفاصيل ذلك على سبيل المثال كتابَي: "مَن قَتَل في بن طلحة"، لنصر الله يوس، و"الحرب القذرة"، لحبيب سويدية..
- أحداث 11 سبتمبر / أيلول التي انطلق منفذوها عبر إيران، وبعلم السلطات الأمريكية ومراقبتها كما تشير إلى ذلك العديد من الدراسات، ومسارعتها لنشر صور وأسماء منفذيها بُعَيد العملية مباشرة، مما برّر لأمريكا احتلال أفغانستان والعراق، وتغيير خارطة التعامل مع مختلف القضايا في العالم الإسلامي: فكريًا، واقتصاديًا، وغير ذلك.
- سيطرة تنظيم (الدّولة) على الموصل منتصف 2014م بعد أن كان محصورًا في بضع مناطق صحراوية، وقد استولى خلال هذه العملية على كمياتٍ هائلةٍ مِن أموال البنوك، والأسلحة الحديثة، استُخدمت فيما بعدُ في حصار وضرب الفصائل المجاهدة في سورية، وكذلك استيلاؤهم على مدينة تدمر السورية، ومعسكراتها الروسية المدججة بالأسلحة، واستعمالها في التصدي لعملية درع الفراتينظر مقال: من الموصل إلى تدمر .. الرهان على "حصان" داعش، للكاتب، موقع هيئة الشام الإسلامية..
- إفراج إيران عن عدد من قادات القاعدة وتسهيل وصولهم إلى سورية مقابل إطلاق دبلماسي إيراني مختطف في اليمن، وسرعان ما استلم هؤلاء المفرج عنهم مناصب قيادية في التنظيم.
- انتقال عشرات من أفراد القاعدة -بينهم قياديون كبار- في سورية من حوران جنوب البلاد إلى إدلب شمالها في شهر كانون الأول - ديسمبر من العام 2015م، وقد انتقل هؤلاء بعشرات السيارات عبر حواجز النظام وميليشيات حزب الله اللبناني، في صفقة شملت إطلاق ضباط إيرانيين، وقد تحول هؤلاء إلى رأس حربة في مشروع القاعدة في الشمال السوري.
3. تسهيل سفر الغلاة وتنقلهم بين البلدان على الرغم من معرفة أشخاصهم وانتماءاتهم، وإجراءات السفر على المشتبه بهم، وإلى مناطق الحروب، فقد سافر الكثير من الغلاة إلى أفغانستان بطرق واضحة رغم انتمائهم المعروف، وغُضّ النظر عن سفر آلاف الأوربيين إلى العراق وسوريا للالتحاق بتنظيم (الدولة)، كما تنقل عدد من قادة تنظيم (الدولة) من العراق وصولاً إلى ليبيا ثم الرجوع إليها.
وهذا التقاطع جعل الأنظمة على معرفة كبيرة واطلاعٍ شبه تامٍ بتحركات هذه الجماعات، وأفرادها، وقادتها، ومن ثم التحكم فيها أو التأثير عليها بطرقٍ شتى.
4. تقديم التسهيلات العسكرية والمالية بطرق غير مباشرة:
فقد عملت الأنظمة على تزويد هذه الجماعات بما تحتاج إليه من أسلحة وأموال للقيام بعملاتها وتوسيع نطاق دعوتها، في دعم مباشرٍ لهذه الجماعات، وحرص على تفوقها عسكريًا على باقي الجماعات الجهادية والثورية.
ومن الأمثلة على ذلك:
- الشبهات المثارة حول تسهيل وصول السلاح لقتلة السادات.
- المال والسلاح الذي كانت توصله أجهزة الاستخبارات لجماعة (الجيا) الجزائرية.
- المال والسلاح الذي سيطر عليه تنظيم (الدّولة) أثناء استيلائه على الموصل منتصف 2014م، ثم في تدمر، وما كشفت عنه العديد من التقارير من إسقاط طائرات التحالف لكميات من السلاح (بالخطأ) على مواقع التنظيم!
وفي سورية:
هاجمت القاعدة عددًا من الفصائل واستولت على أسلحتها ومقدراتها المالية، على مرأى ومسمع دون أي تدخل من الحلف الذي يدّعي الحرب عليهاحملت الأنباء وصول تهديدات دولية جدية لعدد من الفصائل والقوى الأخرى في حال تدخلها ضد اعتداءات القاعدة على عدد من الفصائل الأخرى ابتداء من ثوار سوريا )جمال معروف(، وحركة أحرار الشام مؤخرًا.، بل إنَّها استولت على أسلحة لفصائل درَّبها الحلف وزوَّدها بأسلحة حديثة بمجرد دخولها للأراضي السورية دون أي رد فعل.
كما فرضت القاعدة على الفصائل الصغيرة والمتناحرة نسبةً "إتاوة" معينة من الأسلحة التي تستلمها من غُرَف الدعم الدولية التي تشرف عليها الحكومات الداعمة للثورة، والتي تتراوح بين 20- 50 % مما تحصل عليه هذه الفصائل، في مقابل عدم مهاجمة هذه الفصائل وإنهائهاومع ذلك تتبجح القاعدة وزعيمها الجولاني أنها لا تتلقى أي دعم دولي، وأن تمويلها ذاتي فحسب؛ ذاتي فحسب؛ فالقاعدة تخوّن من يتلقى دعمًا دوليًا وتكفّره، وتستبيح قتاله بذلك، وأخذها للمعونات بهذه الطريقة من جنس تحايل اليهود على شرائعهم، ولا يُغير من الواقع شيئًا في حقيقته أو حكمه، قال صلى الله عليه وسلم: (قَاتَلَ اللَّهُ اليَهُودَ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) أخرجه البخاري (2/84، برقم 2236)، ومسلم (3/1207، برقم 1581)..
بل عمدت القاعدة إلى دعم إنشاء فصائل عسكرية مبايعة لها في السر، لتشترك في غرف العمليات التي تشرف عليها الحكومات الداعمة للثورة، وتستلم أسحلة ومعدات، ثم تُعطي للقاعدة نصيبًا من هذه الأسلحةلا شك أنَّ هذه الفصائل شريكة للقاعدة في تمويلها وتقويتها في اعتداءاتها، ولا يعفيها دفعها لنصيب من الأسلحة والأموال للقاعدة خوفها من الاعتداء عليها؛ فقد كان يمكنها التنازل لفصائل أخرى لأجل الاندماج أو الشراكة معها، لكنها فضّلت تزويد هذه الجماعات بما يقويلها في اعتداءاتها، وهي مسؤولة عن هذا الاختيار..
على أنَّ أصرح تمويلٍ دوليٍ حصلت عليه القاعدة: تكرار قيامها باختطاف عدد من الأشخاص ثم إطلاقهم مقابل ملايين الدولارات، فقد اختطفت القاعدة في سورية عددًا من الراهبات، والإعلاميين، والإغاثيين، ليُطلقوا بعد ذلك باتفاقيات دولية مليونية، وكذلك فعل فرع تنظيم القاعدة في كل من اليمن، والمغرب العربي.
مع أنَّ المعتاد في مثل هذه الحالات ومع هذه التنظيمات عدم القبول بالمفاوضات أو التنازل لدفع مقابل هذه الاختطافات.
5. اختراق الأنظمة لجماعات الغلاة:
تتميز جماعات الغلاة بسهولة اختراق الأنظمة الاستخباراتية لها، وذلك لسببين:
الأول: اتباعها منهج السِّرية في التعريف بالأشخاص، مما مكّن الملتحقين بهذه الجماعات من إخفاء هوياتهم الحقيقية. لكنّ هذا الأمر سهّل -في الوقت نفسه- على الأدعياء وعملاء الاستخبارات الالتحاقَ بهم واختراق صفوفهم، ابتداء بمصر، ومرورًا بالجزائر وأفغانستان، ثم العراق وسورية، وغيرهاحماية الصف الإسلامي من الاختراق من قبل الأعداء أو ذوي الأهواء والأهداف الشخصية مسألة في غاية الأهمية، ينظر: مساجد الضرار- كيف نحصِّن الصف الإسلامي من المنافقين، للشيخ محمد سرور زين العابدين..
الثاني: طريقة اعتماد التزكية والترشيح لأعضائها وقياداتها، فللأوضاع الأمنية التي تعيشها هذه الجماعات، وطابع السرية فيها، وتباعد أماكنها، وجهالة القيادة بالكثير من أفرادها، فإنها تعتمد في قبول الأعضاء وترقيتهم في المناصب على تزكيات آخرين قد يكونون مُزَكَّين بالطريقة نفسها، وغالبًا ما يكون مدار التزكية: دخول السجن، أو ادعاء مقارعة الطواغيت! ونحو ذلك مما لا يحصل به علم، ولا ترتفع به جهالة، فيدخل في هذه الجماعات من أخلاط أهل الأهواء والمصالح والاستخبارات الشيء الكثيرفقد زكَّت قيادة القاعدة العامة قادة القاعدة في العراق، واليمن، وسورية، وأعطتهم حق الولاية، وأوجبت على الآخرين بيعتهم والانضمام لهم، وخلعت عليهم أعظم الألقاب بناء على أخبار متناقلة، وهي لا تعرف أسماءهم ولا أشخاصهم، أو سيرة حياتهم، ومن أشهرهم: أبو بكر البغدادي الذي أعلن الخلافة! ينظر مقال: حول إمارة جبهة النصرة (5): القيادة السياسية لجبهة النصرة، للكاتب..
وهذا ما مكّن الأنظمة من زرع استخبارات وصلت في أحيان كثيرة لقيادات عليا في صفوف هذه الجماعات، مما مكنهم من توجيه هذه الجماعات أو التأثير في قرارهاومع مرور الزمن تحوَّلت هذه السِّرية في التعامل مع الموافقين والمخالفين من مجرد وسيلة إلى هدفٍ في حدّ ذاتها، ثم أثرت في التكوين الفكري لهذه الجماعات؛ إذ أصبحت تضيف نوعًا من الهيبة والمكانة لعناصر هذه الجماعات، ثم أصبح إخفاء الوجه بالقناع أو اللثام يعطي تميزًا وتفوقًا لمن يلبسه عن بقية الناس، وهو ما يتوافق مع نفسية الغلاة في التكبر وتعظيم النفس وازدراء الخَلق، فظهر الحرص على ارتدائه حتى ولو انتفت الحاجة الفعلية إليه. ثم تطورت هذه السرية وإخفاء الحقائق إلى ظهور الكذب باسم المصلحة وحماية الجماعة، ثم توسَّعوا فيه جدًا حتى أصبحت التقيُّة إحدى أهم سمات جماعات الغلو المعاصرة، وظهر لأول مرة إباحة الكذب في صفوف المنتسبين لأهل السنة بما لم يظهر سابقًا في الخوارج الأولين، مضاهاةً لتقية الرافضة، وربما تأثرًا بها..
ولا يخفى حال محمود قُل أغاسي (أبو القعقاع) في اختراق صفوف الحركات الجهادية في العراق وأنصارها في سورية، وهو عميل الاستخبارات المعروف.
6. معرفة الأنظمة لأفكار هذه الجماعات ومعتقداتها، وطريقة عملها.
فقد عملت هذه الجماعات على نشر أفكارها لأتباعها المتفرقين في العالم عن طريق النشر العام المفتوح على الانترنت، في محاولة لتجاوز إشكالية الاجتماعات والتواصل الصعب والخطِر، ولغرض تجنيد المزيد من الأشخاص وضمّهم إلى صفوفها.
كما أنَّها عندما تبنَّت مبدأ المصادمة مع العالم، واعتبرت أنَّ إعلان كامل أفكارها وخططها هو من الولاء والبراء وتحقيق التوحيد، ومخالفة مشايخ الضلال والسوء، دوَّنت تفاصيل مشروعها الفكري، وكيفية اجتذاب الأعضاء وتجنيدهم، كما دوَّنت خبراتها العسكرية والأمنية بأدق تفاصيلها، فأصبحت كتابًا متفتوحًا أمام أجهزة الاستخبارات، يعرفون تفاصيل خطواتها، ويتوقعون تحركاتها، وأنشؤوا المراكز الخاصة لجمع المعلومات عنها، و(توقع) خطواتها اللاحقة، فأثروا عليها ووجهوا مسارها بافتعال أحداث معينة.
وإذا أُضيف لذلك ما حصلت عليه الأنظمة من معلومات، سواء المتعلقة ببعض أفراد هذه التنظيمات خلال فترة سجنهم، أو من خلال اختراق صفوف هذه الجماعات، أو الوثائق المهمّة -كالخطط والهياكل التنظيمية وغيرها- التي حصلت عليها بعد العمليات الأمنية والمداهمات لمقرّاتهم في شتى أنحاء العالم، كوثائق (بوت آباد) عن القاعدة، ووثائق حجي بكر التي نشرتها مجلة ديرشبيغل عن تنظيم (الدولة): فقد أصبح لدى هذه الأنظمة معلومات وتفاصيل عن هذه الجماعات وقادتها وخططها أكثر مما يملكه كثير من قادتها أنفسهم.
7. سلاح الإعلام:
يُعدُّ الإعلام من أقوى الأسلحة وأشدها فتكًا في الوقت الحالي، ويمكن عن طريقه تحقيق ما تعجز الجيوش عنه، كما أنَّه من أهم أدوات تشكيل ثقافة المجتمع، لذا فإن ما يتم نشره يخضع لسياسات صارمة عالمية، ومع أنَّ جماعات الغلاة تُصنف على أنها جماعات إرهابية، مما يستدعي أن يكون الإعلام حربًا عليها ومتصديًا لها، إلا أنه تحول في العديد من الأحيان إلى مروّج لهذه الجماعات وداعم لها! وذلك من خلال:
1. بث أشرطة وتوجيهات زعماء تنظيم القاعدة، وعقد لقاءات صحفية وتلفزيونية مع منظري الغلاة، واستضافتهم في مختلف البرامج، فأصبحت تلك الأجهزة المصدر الأول –وذلك قبل انتشار الانترنت- للترويج لهذه الشخصيات ومواقفها، ومشوقةً الشباب للبحث عنها والاستماع لتوجيهاها والتأثر بها، وكلّ ذلك تحت شعار المصداقية والموضوعية وحرية الإعلام!.
2. المبالغة في نشر أخبار عمليات القاعدة في كلٍّ من العراق وسوريا على حساب بقية الفصائل والجماعات، مما يوحي لمن لا يعرف الواقع الجهادي أنّ العمل الأكبر والأساس هو للقاعدة، مما يغري مزيدًا من الأشخاص للإعجاب بمنهجهم، أو محاولة اللحاق بهمومن الأمثلة: تعمد إفراد أخبار تحركات القاعدة في سورية والمبالغة فيها، ونسبة الانتصارات لها ولو لم تكن مشاركة في بعض المعارك، وإهمال بقية الفصائل والإشارة لها بطريقة عامة..
3. لم تكتف بعض وسائل الإعلام بإبراز الصورة الإيجابية للقاعدة، بل امتنعت عن الإشارة للصورة السلبية لها، فلم تنشر أخبار اعتداءاتها على الفصائل العسكرية والجهات الثورية والمجتمعية وخاصة في العراق وسورية، مع كثرة هذه الاعتداءات، وإصدار المخالفين لها بيانات وتوثيقات بهذه المخالفات، وشدة أثر هذه الاعتداءات على مصير البلدين.
بل شهد الواقع باصطفاف عدد من مراسلي هذه الوكالات الإعلامية إلى جانب القاعدة، والتحيّز لها في نشر الأخبار والمجريات على الأرض، وترديد التهم والأخبار التي تنشرها القاعدة.
4. تمثل الحرب الإعلامية على هذه التنظيمات بصورتها الحالية، وما تتضمنه من إصدار لوائح للمطلوبين دعمًا كبيرًا لها، فهي تزيد الغلاة غرورًا بأنفسهم واعتقادهم أنَّهم على طريق الحق في الجهاد ومقارعة الطغيان، لذا يكثر في كلامهم مقولة (والحق ما شهدت به الأعداء)، والاستشهاد على صحة المنهج بكثرة الأعداءينظر: شبهات تنظيم الدولة، للكاتب ص (86)..
وتُسهم هذه الإعلانات المبالغ فيها في التعريف بالجماعات وبفكرها، وإيهام الشباب أنَّها الجماعات الحقيقة التي يحاربها الغرب ويخشاها، ويتخذها آخرون مثالًا يُحتذى في القوة والشجاعة.
5. ومن جهةٍ أخرى فإنَّ تصريحات الأنظمة التي تُثني على منافسي هذه الجماعات بـ(الاعتدال والوطنية ومحاربة الإرهاب) تُقدم خدمة كبيرة لهذه الجماعات، حيث إنها تستخدم هذه الأوصاف للاستدلال بها على عمالة وخيانة منافسيها، ومن ثمّ قتالهم، وعلى أنهم المنافس والخطر الحقيقي لهذه الأنظمة.
وبالرجوع إلى بيانات أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر وكلمات الجولاني ومن قبلهم الظواهري وغيره، يلحظ كثرة استشهادهم بتصريحات ومواقف الغربيين واستدلالهم بها على ما يعتقدونه من أحكام، ويتخذونه من تصرفاتومن الأمثلة على ذلك: تضمن تقرير "مايكل راتني" مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا موقف أمريكا من "هيئة تحرير الشام" وخلاصته: أن الولايات المتحدة تَعتبر المكون الأساسي لهيئة تحرير الشام هي جبهة النصرة، وأنها منظّمة مدرجة على لائحة الإرهاب، وأنّ هذا التصنيف ساري المفعول بغضّ النظر عن التسمية التي تعمل تحتها وأي مجموعات أخرى تندمج معها، مؤكّداً أن بلاده ستتعامل مع القاعدة في سوريا بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع داعش. ويُلحظ على التقرير أنَّه أُعد بطريقة مدروسة؛ فقد اقتبس من مخالفي القاعدة أدقّ عباراتهم، وأحكامهم الشرعية؛ زيادة في تحريض أتباع القاعدة على الفصائل الأخرى بتهمة إعانة الكفار على المسلمين..
وبهذا يُعلم كم يسهل توجيه هؤلاء والتلاعب بهم بتصريحات إعلامية ليس إلا!
* * * * *
- هل جماعات الغلاة عميلةٌ للأنظمة تابعةٌ لها؟
ما سبق تقريره لا يعني أنَّ الأنظمة تتحكم في كافة تفاصيل هذه الجماعات، أو أنها خططت منذ البداية للوصول بها إلى ما هي عليه اليوم، أو أنها ترسم مخططات ما يجري من أحداث، ودور هذه الجماعات هو التنفيذ فقط.
ولكنها وجدت أنّ لدى هذه الجماعات أفكارًا مدمّرة، وأنَّها مشروع تكفير وقتل وتدمير، وتحمل عداوةً كبيرةً للمشاريع الإسلامية الأخرى، فأيقنت أنها هي السلاح الأنسب لضرب الحركات والجماعات الإسلامية، وأنَّها الطريقة الأفضل لتقويض المشروع الإسلامي بأكمله، فعمدت إلى استغلال هذه الجماعات لصالحها، ثم استثمرت في هذه الأفكار لما رأت أنّ نتائجها على الأرض تأتي في صالحها، وعملت على وضع الشخصيات المؤثرة في جماعات الغلو تحت التوجيه والضغط المتنوعلأجهزة الاستخبارات طرق كثيرة وخطيرة في التأثير والاحتواء، تارة تكون مباشرة، وتارة غير مباشرة دون أن يشعر بها المتلقي، والتي تأتي بعد بحث عن شخصيات مناسبة تُسرَّب إليها أفكار معينة لتعتنقها وتعمل على تطويرها ونشرها، ومن الأمثلة عليها: أثر الجاسوس الروسي "كينازد الغوركي" والمدعي الإسلام باسم "عيسى النكراني" في بث التبشير بقرب ظهور المهدي المنتظر في إحدى الحلقات العلمية الشيعية، مما أدى بعد ذلك إلى ظهور الديانتين البابية والبهائية، ينظر: الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي (1/409).، وتعاملت مع المخرجات بطريقة الاحتواء والتوجيه، ومع مرور الزمن وتفاعل هذه الأفكار والشخصيات، مع ما سبقت الإشارة له: حدث تطور لأفكار هذه الجماعات لتصير إلى ما هي عليه الآن.
وبما أنَّ هذه الأنظمة لديها القوة المادية المطلوبة، وهي الممسكة بزمام الأمور والمبادرة، فقد حرصت على تطوير وتحديث خططها بما يستجد على الأرض، كما حدث في تدارك الاحتلال الأمريكي لهزيمته في العراق عن طريق تسخير تنظيم القاعدة للقتال ضد الفصائل الأخرى، وكذلك فعل النظام في سورية وحلفاؤه حيث استخدموا تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في إضعاف الثورة ومحاولة إجهاضها.
وقد بلغ من تحكّم الأنظمة بهذه الجماعات: استدراجها لأماكن ومعارك معينة، لتحقيق أهداف محددة، كتسويغ احتلال بلدان، أو تقليم أظافر تلك الجماعات، كما حصل لاستدراج القاعدة في أفغانستان بهدف إنهاء حكم طالبان، واستدراجها في العراق وسورية لضرب المشروع الجهادي السني، واستدراج تنظيم (الدولة) لأكثر تصرفاته كمعركة الموصل، وعين العرب (كوباني)، واستدراجه للاستيلاء على مناطق الأيزيديين مع التخلي عن حمايتهم، وما تبعه من سبيهم واستعبادهم، لتحقيق أهداف فكرية بعيدة المدى.
كذلك تستطيع الأنظمة التحكم في هذه الجماعات -من خلال الأدوات السابقة- ومنعها من تجاوز حدود معينة في الانتشار أو التوسعفقد منعت إيران تنظيم القاعدة من الوصول إلى مناطق الشيعة في العراق فضلاً عن الاقتراب من الحدود الإيرانية على الرغم من مرور السنوات الطويلة على وجوده، وأبقته محصورًا في مناطق السنة، كما فعل النظام السوري والإيراني مع القاعدة في سورية بحصرها في إدلب، وكما منعت أمريكا تنظيم (الدولة) في تجاوز المسموح له بالدخول إلى مناطق حلفائهم الأكراد في العراق وسورية. بل اللافت أنَّ "معرّف أبو عمار الشامي" المتحدث باسم القاعدة في سورية (الذي تغير إلى حسام الشافعي) صرّح: أنَّ النظام لن يستدرجهم إلى معركة الساحل! علما أنَّ الساحل هو معقل النظام..
ومن أبرز الأمثلة على وضع شخصيات وجماعات في ظروف معينة لاستفزازها ودفعها باتجاهٍ معين:
- نشأة جماعة المسلمين (التكفير والهجرة):
فقد اعتقل شكري مصطفى ضمن من اعتقل من الشباب المتديِّن عام 1965م بتهمة تكوين جماعات لقلب نظام الحكم.
كان طالبًا جامعيًا، متوقِّد العاطفة، فصيح اللسان، شاعرًالعل عاطفة "شكري مصطفى" وخياله هي ما أثرت على فكره وعقيدته، فجعلت لديه ردة فعلٍ عنيفة يعتنق بسببها عقائد التكفير من بين أقرانه، كما كان لها الأثر الكبير في التخطيط العسكري لتنظيمه، وخياله المستقبلي لبناء الدولة، وادعائه المهدية، وتعامله مع نصوص آخر الزمان. وهو صاحب أشعار عديدة ما زال يتغنى بها الكثيرون دون أن يعلموا أنه صاحبها، وقد جُمعت في كتاب باسم بـ (ديوان شكري مصطفى)، ممن جهلَ حاله فأثنى عليه، وقدَّمه على أنه قامة فكرية شعرية إسلامية في مقاومة دولةٍ بوليسية!، تعرض في سجنه مع بقية المعتقلين لتعذيب شديد بإشرافٍ من قيادات الدولة، ثم محاولة إجبارهم على تأييد الرئيس جمال عبد الناصر، مما جعله يستهجن صدور هذا التعذيب من مسلمين، فكان يكرر أنَّ هذا التعذيب لا يمكن أن يصدر من مسلمين، وكان هذا بداية ظهور الغلو في تفكيره.
التقى في السجن بعلي إسماعيلهو: علي إسماعيل أحد خريجي الأزهر، شقيق الشيخ عبد الفتاح إسماعيل، أحد الستة الذين تم إعدامهم مع سيد قطب. كان علي إمام هذه الفئة المغالية في السجن، وقد صاغ لهم مبادئ العزلة والتكفير، مستدلاً عليها بنصوص القرآن والسنة متأثرًا بأفكار الخوارج، إلا أنه تراجع عن أفكاره، وأعلن براءته منها، لكنّ شكري مصطفى أخذها عنه وتبنّاها ثم زاد عليها ونشرها. فأعجب بأفكاره التي لاقت هوىً في نفسه، فاعتنقها ونافح عنها حتى أصبح زعيمًا لهذه الجماعة في السجن، ثم اعتزلوا بقية المساجين، وامتنعوا عن الصلاة خلفهم، وبدؤوا بإطلاق أحكام التكفير عليهم لأنهم لم يكفّروا الحكام (المرتدين).
وعلى الرغم مما عُرف به من فكره المغالي وأحكام التكفير وإباحة الدماء إلا أنه أطلق من السجن، مما مكَّنه من التفرغ لصياغة فكره، وإعداد مجموعته، وضمّ الأتباع لها، حتى بويع أميرًا للمؤمنين.
ثم اعتقل مرة أخرى بتهمة التخطيط لأعمال عنف، ورغم اكتشاف مخططه وتنظيمه وأفكاره، إلا أنه أُعيد إطلاق سراحه بقرارٍ رئاسي! ليعمل على نشر جماعته بقوة أوسع، وعلى تجميع المتحمسين من الشباب، وقام بقتل شخصيةٍ مزعجةٍ للدولة وهو وزير الأوقاف الشيخ الذهبي، من خلال خلية يتحدث الكثيرون عن اختراقها وتوجيهها، ثم أُلقي القبض عليه وعلى سائر جماعته، لتمتد الحرب على كامل التيار الإسلامي في البلاد بحجة القضاء على الإرهاب.
فهذا التنظيم (جماعة المسملين): تنظيم مصنوعٌ على أعين السلطات من بدايته لنهايته، وكان فكره وتنظيمه مؤثرًا وملهمًا لتأسيس الجماعات الأخرىينظر: موسوعة العنف في الحركات الإسلامية المسلحة، مختار نوح، الفصل الخامس: خطة الأمن في استدراج جماعة التكفير والهجرة، واستخدامها في ضرب باقي التيارات الإسلامية في مصر، ص (225)..
- نشأة تنظيم القاعدة.
لم تكن "القاعدة" موجودة كـ "تنظيم" في بداية الأمر، ولم تكن أفكارها على ما هي عليه الآن، وإنّما كانت عبارة عن لائحة إدارية (قاعدة بيانات) لتسجيل أسماء الوافدين العرب لأفغانستان وحركتهم عام 1988م، ثم كانت أمريكا هي أول من استخدم اسم "القاعدة" للدلالة على وجودِ تنظيمٍ له قيادة ومُخطط يعمل عليه، فتبناه التنظيم نفسُه وأصبح يسمّي نفسَه به.
قال ابن لادن: "فليس المسألة كما يصوّرها الغرب أن هناك تنظيم خاص باسم كذا، هذا الاسم قديم جدًا ونشأ بدون قصد منا، كان الأخ أبو عبيدة -عليه رحمة الله- البنشيري كوّن معسكرًا لتدريب الشباب للقتال ضد الاتحاد السوفيتي الباغي، الغاشم، الملحد، الإرهابي حقيقة للآمنين، فهذا المكان كنا نسميه القاعدة كقاعدة تدريب ثم نما هذا الاسم"ينظر: لقاء ابن لادن مع تيسير علوني عام 2001م لصالح قناة الجزيرة..
كما لم يكن الأشخاص المنتسبين للقاعدة متجانسي الفكر، نظرًا لتعدّد خلفياتهم، بل كان العديد منهم متنافري الفكر متباعدين، وفي بداية الأمر لم يعتنق ابن لادن ومن كان معه غالب الأفكار والمعتقدات الحالية من تكفير الحكومات والأنظمة، بل كانت علاقته بعدد من رجالات الحكم في العالم الإسلامي معروفة، وكان يطرُدُ من معسكراته من يعتنق هذه الأفكار.
لكن التصنيف الدولي لجميع هؤلاء في إطارٍ واحد، وإعلان الحرب عليهم جميعًا إعلاميًا وفكريًا، وغضّ النظر عن كيفية وصولهم إلى أفغانستان ثم حصارهم فيها، أسهم في تقارب هذه الشخصيات ضد عدوّها المشترك، فصدرت وثيقة (الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين) عام 1998م بين الظواهري وابن لادن، إلى أن تُوّجت ببيعة العديد من زعماء هذه الجماعات لابن لادن عام 2001م، ومن ثَمّ تمازجت الأفكار وتقاربت، ثم أسهمت عوامل أخرى في تطوّر الفكر إلى أن وصل إلى ما هو عليه الآن.
قال أبو مصعب السوري: "أمريكا قد فرضت علينا ولأهدافها الخاصة عن علم وعمد، فرضت على كافة التيار الجهادي وكثير من مكونات الظاهرة الجهادية الحاليين "مسمى القاعدة" وعمّمته عليهم راضين أم كارهين، وجعلته اسمًا شاملاً لكافة مكوّنات التيار الجهادي، وجرّتهم لحربها كذلك طوعًا أو كرهًا"دعوة المقاومة الإسلامية العالمية ص (787)..
* * * * *
- ما الفائدة التي تجنيها الأنظمة من استفزاز الغلو وظهور جماعاته؟
لسائل أن يسأل: ما الفائدة التي تجنيها الأنظمة المحلّية والعالمية من استثمارها في جماعات الغلو؟
إنَّ الفوائد التي تحصل علها الأنظمة من ذلك كبيرة لا تكاد تُقدَّر بثمن، لعلّ من أبرزها:
1. إشغال العالم الإسلامي –والجماعات الإسلامية بخاصّة- بالمعارك الداخلية الفكرية والعسكرية، فيبقى في حمأة الصراع وأتون الحروب، مما يشغله عن النهضة ومنافسة مشروعها، والغلاة بذلك يقدمون خدمة للمشروع الاستعماري لا تقدَّر بثمن، بل إنَه يعجز عن تنفيذها من دون هذه الجماعات.
2- قد تستفيد بعض الأنظمة من هذه الجماعات في القيام بعمليات تصبّ في صالحها عن طريق توجيهها أو إتاحة الفرصة لها للعمل في مسارات معينة، كما فعل النظام الجزائري في استغلال (الجيا) لضرب الحركات الإسلامية المعارضة للانقلاب، واستغلال النظام المصري جماعات (الجهاد) المصرية في تصفية بعض خصومه وضرب الحركة الإسلامية المعتدلة، واستغلال النظام السوري (للقاعدة) للضغط على الوجود الأمريكي في العراق وتجنيد بعض أفرادها لتصفية رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ثم استغلال منطقة إدلب لتجميع القاعدة فيها، وإتاحة الفرصة لها لإقامة إمارتها، وضرب بقية قوى الثورة مما لم يتمكن النظام والقوة المتحالفة معه من تحقيقه.
وإطلاق النظام اليمني المتحالف مع الحوثيين للقاعدة في اليمن وتسليحها لمواجهة قوات التحالف العربي، وقيامها بتلك المهمة إلى جانب تنظيم (الدولة) المدعوم من قبل بعض الأنظمة لإفشال عملية "عاصفة الحزم".
واستغلال النظام العراقي والاحتلال الداعم له للقاعدة في القضاء على الفصائل العراقية وضرب الجهاد، ثم استغلاله مرة أخرى في ضرب الحراك السني السلمي.
والملاحظ أن جميع هذه التنظيمات ظهرت في مناطق سيطرة أهل السنة، فقاتلت الفصائل بحجة التعامل مع الأنظمة والخيانة والفساد، معلنة عن وجودها بطريقة مستفزة للأنظمة، فاستولت على مناطق المجاهدين وأسلحتهم، وفككت جماعاتهم، وشردت أفرادهم، فانهار المجتمع، وتخلخلت تركيبته، ثم لم تستطع الصمود أمام الأنظمة، فانسحبت منهزمة أو باتفاقيات، كما في انسحاب تنظيم (الدولة) من الموصل وتدمر، وانسحاب القاعدة من ريف حلب، ثم مدينة حلب، وحي برزة في دمشق، وعرسال.
3. الكشف عن الراغبين في الجهاد أو المتعاطفين معه، وشبكات دعمهم وتواصلهم، مما يؤدي لفائدتين لهذه الأنظمة:
- التخلص من كل من يسبب لها لإزعاج ممن يحمل عاطفة الجهاد ويحلم بإعادة أمجاد المسلمين، أو يعمل على ذلك، فتعمل على استفزاز عاطفتهم بالسماح لمنتجات الغلاة بالوصول إليهم، ثم تغض الطرف عن سفرهم وتنقّلهم، وتحرص على تجميعهم في منطقة واحدة، مما يُسهل القضاء عليهم مرة واحدةتعرف هذه الخطة في التجميع باسم )تجميع الجرذان - أو الفئران( وهي نظرية تتمتع بدراسات وتوصيات في الدول الغربية.، وهو ما يفسّر ظاهرة الهجرة الكبيرة من آلاف الغربيين وعدم عرقلتها للالتحاق بالقاعدة و(الدولة).
- كما تؤدي هذه الطريقة للكشف عن كل من لديه استعداد للبذل في سبيل الله بالمال أو الإعلام أو الدعوة، مما يمكنها من القضاء عليهم بيسر وسهولة
4. إيجاد ذريعة لضرب المشروع الإسلامي والحركات والجماعات الإسلامية باسم الإرهاب، كما حدث في كل الدول التي خرجت فيها هذه الدول، ومن ثم الاستعلان بحرب الإسلام والدعاة والتضييق عليهم، والعمل على تغريب المجتمع باسم الوسطية ومحاربة الإرهاب.
كما أوجد الغلاة الذريعة للمستعمر الجديد لاحتلال البلاد الإسلامية بحجة القضاء على المنظمات الإرهابية، ودعم الأنظمة المستبدة في العالم الإسلامي.
5. ينتج عن غلو وممارسة هذه الجماعات تطبيقٌ مشوّه لأحكام الإسلام وشعاراته، مما يؤدي لتشويه عامة المشروع الإسلامي وإسقاطه من حسابات الشعوب، لذا فإنَّ حركات الغلو يتبعها عادة موجات تفلُّت من الدين أو زهدٍ فيه، قد تصل في بعض الأحيان إلى الإلحاد.
تساؤل: كيف يقال إن هذه الأنظمة تستثمر في الغلاة وهي تتعرض لخسائر بشرية ومالية هائلة؟
سبق التأكيد على أنَّ الأنظمة لا تتحكم بكافة تفاصيل هذه الجماعات ومجريات أحداثها، ومع ذلك فإنَّ خسائر الدول والأنظمة لا تقاس بالأشهر والأيام، ولا بسقوط ناطحة سحاب أو تفجيرٍ في مطعم أو ملهى، ولا تسقط بذلك.
وبالنظر إلى أهداف هذه الحرب وما أُنجز منها فإنَّ هذه التكاليف الضخمة هي ثمنٌ لأهداف أضخم بكثير، لا يمكن أن تتحقق دون هذه الخسائر الجانبية، وحسابات الدول لا تقاس بعدد القتلى ولا المبالغ المدفوعة، بل بالعائد من هذه العمليات.
فمن غير عملية 11 أيلول - سبتمبر لم يكن لأمريكا أن تحتل أفغانستان والعراق، ولا أن تجهض المقاومة العراقية، ولا أن تمكّن إيران من التسلط على مناطق أهل السنة وتغيّر الخارطة البشرية.
ولولا تمكين القاعدة من الوجود في إدلب شمال سورية لما أمكن القضاء على أكثر من عشرين فصيلًا ثوريًا، وإخراج آلاف المقاتلين من المعركة ضد النظام السوري.
وبالرجوع لما بذلته الأنظمة في الاستثمار في هذه الجماعات فإنه لا يُقارن مع ما بذلته قوى الاستعمار في حملاتها السابقة على العالم الإسلامي بمختلف صورها.
ومن المهم التنبه إلى أنَّ الكلفة الأكبر لهذه الحروب لا تدفعها هذه الدول، فالحروب تقوم في مناطق أهل السنة، والتدمير يقع في مقدراتهم وومتلكاتهم، وغالب الضحايا من المسلمين، سواء منهم من انضم لهذه الجماعات وقتل تحت لوائها، أو من المدنيين الذين يقتلون بحجة الحرب على الإرهاب.
كما أنَّ عددًا من الضحايا هم من أهل تلك المناطق من غير المسلمين كالنصارى، والأيزيديين، والذين لا تجد تلك الحكومات والأنظمة حرجًا في التضحية بهم بهدف الوصول إلى أهدافها.
كما يتبع ذلك ما يُسمى بـ (إعادة الإعمار) والتذي تحتكر تلك الدول والأنظمة القيام به، وتأخذ كلفة إعادة بناء ما دمرته أضعافًا مضاعفة.
تساؤل: ألم يكن بوسع الأنظمة استعمال مشاريع أخرى غير مشاريع الغلاة؟ بدلاً من هذا المشروع الخطير ذي العلاقة بالناحية الدينية التي قد ينفجر في وجهها؟
ما حدث بالفعل: هو عمل الأنظمة على إفساد المجتمعات الإسلامية بمشاريع عديدة: علمانية، تغريبية، وماركسية، وحملة تشويه قادها المستشرقون وأذنابهم على مدى عشرات السنين، بجهود جبّارة وإمكانيات ضخمة، لكنّ هذه الجهود فشلت ولم تحقق النتائج المرجوّة منها، وزادت من تمسك الناس بدينها، وإصرارها على مشاريع تنبع من هويّتها وتمثل دينها ومعتقدها، فسقطت هذه المشاريع.
فكانت الخطة البديلة هي إيجاد مشاريع أخرى تُحارب بها الشعوب في دينها وهويتها، فوقع الخيار على الغلو لمحاربة الدين باسم الدين، وتشويه المشروع الإسلامي باسم الإسلام، والقضاء على دعاته بأيدي من ينتمون إليه، كأنه يقال للشعوب: تريدون الإسلام؟ فتذوقوا طعم الإسلام!
تساؤل: ألا تدرك هذه الجماعات ما تقوم به الأنظمة في التعامل معها؟ وما النتيجة التي تتوقعها من ذلك؟
عندما تقوم جماعات الغلاة باستغلال ما تقدمه الأنظمة لها، أو تتفق معها فيه ولو بطريقة غير مباشرة، فإنَّها تدرك ما تقوم به، وما هي مقدمة عليه، وتندفع فيه لأقصى حدّ، معتبرة ذلك من الجهاد في سبيل الله!
وبالنظر إلى أدبياتها فإنها لا تجد حرجًا في ذلك مهما تناقض مع موقفها من الفعل نفسه إذا قامت به جماعات أخرى، ومهما كانت نتيجة ذلك على البلاد والعباد، والسبب في ذلك أمور:
1. أنَّها ترى نفسها المفوّضة عن الأمة بهذه التصرفات، فهي تتصرف كالحاكم المتمكن والسلطان الفعلي، فتجيز لنفسها ما لا تجيز لغيرها، وترى أنَّ فعلها شرعي وفعل غيرها افتئات على الشرع.
2. لاعتقادها أنها الطائفة المنصورة: فإنَّها تعتقد أنَّها مهما فعلت وأخطأت وتراجعت فإنَّ (الجولة الأخيرة) والنهاية ستكون لصالحها، إيمانًا بالوعد الإلهي لها بالنصر والتمكين! فلا يهمها ما ارتكبت من أفعال وما وقعت فيه من أخطاءمن الغريب أن هذه الفكرة تتكرر عند كل من النصارى واليهود والرافضة، فكل من هؤلاء يزعم أنَّ ملك العالم سيكون له، وأن النهاية ستدور على أعدائه، وأن عاقبة ما يجري من أحداث ستكون في صالحه، فيعملون على استدراج الأحداث وافتعال الأزمات لتتحقق وعود آخر الزمان، ولا مانع لديهم من التعاون المؤقت ضد عدوهم المشترك وهم المسلمون، مع اعتقاد كلٍ منهم أن العاقبة له وحده. ينظر على سبيل المثال: "حمى سنة 2000"، د. عبد العزيز كامل. وجميع هذا من ضمن ما تسلل مؤخرًا للغلاة؛ فأصبح مكونًا أساسيًا في فكرها، وحاكمًا على تصرفاتها..
3. أما ما تؤدي له هذه الأعمال من مآسٍ ونكبات فإنهم يرون أنَّ هذا ضروري لإرغام الشعوب على خوض معركتهم، مهما بلغت هذه التضحيات والمآسي فهي خيرٌ من سيطرة المنافسين عليها.
وبالتالي فإنَّ تأثير الأنظمة على هذه التنظيمات لا يعفيها من المسؤولية الفكرية والجنائية عن تصرفاتها، فهي من اختارت القيام بهذه الأعمال ومباشرتها، وتعاملت -أو استغلَّت- ما قُدم لها من تسهيلات للقيام بها، وكان بإمكانها الانحياز للأمة واللجوء لعلمائها ومفكريها، لكنّها اختارت التمايز عنهم، بل كانت أول من طعن فيهم وسلّط عليهم سلاحها الفكري والعسكري.
وقد فهم الأعداء هذه العقلية، وقاموا باستغلال أصحابها، وتعاملوا معهم بالتوجيه والاحتواء.
ومن الأمثلة العملية على ذلك: ما يُعرف عن هذه الجماعات من بحثها عن أماكن الثورات والجهاد في المناطق السنّية للقيام بمشروعها، ومن ثم إجبارها لأهل السنة على بيعتها والانضمام لها، والذي سرعان ما يتحول لتخوين وتكفير وقتال ينتهي بالقضاء على هذه الجماعات، فقامت الأنظمة بتسهيل وصول هذه الجماعات إلى مناطق الجهاد والثورات السُّنية وتقديم ما تحتاجه بطريقٍ مباشرٍ أو غير مباشر، لتصطدم بالجماعات السنّية الأخرى، وبهذا يتحقق هدف تلك الأنظمة ويُقضى على الجماعات الجهادية والثورية من داخل الصف الإسلامي نفسه، وقد تكرر هذا الأمر في العراق وسورية، حيث حصل القتل والدمار في مناطق أهل السنة وقُضي على المجاهدين والثوار فيها.
* * * * *
- مدى ارتباط فكر الغلو المعاصر بأفكار الجماعات والتيارات الأخرى
يعمد بعض الكتّاب والباحثين إلى نسبة أقوال الغلاة وتصرفاتهم لعددٍ من المدارس الإسلامية، أو بعض المفكرين الإسلاميين، بحجة استشهاد الغلاة ببعض أقوال علماء ومفكري تلك المدارس، أو لقاء بعضهم، أو انتسابٍ سابقٍ لبعض الغلاة لهذه المدراس.
ويشتط آخرون بنسبة الغلو والغلاة لعددٍ من المحاضن التربوية، ومناهج المواد الدينية في المداس والمساجد.
وهذه النسبة باطلةٌ ظاهرةُ التهافت والعوار، وقائلها إما أن يكون جاهلًا بحقيقة الغلو والغلاة وحقيقة هذه المدارس، أو لديه رغبة ما في الإساءة إليها، لكونها مخالفة له فكريًا أو سياسيًا.
فالغلو –القديم منه والمعاصر- ليس نتاج مدرسة فكرية أو ثقافية إسلامية، ولا نتاج حراك فكري، أو تراكم ثقافي فكري، كما سبقينظر ص (3)..
فمن الناحية العلمية: الغالب الأعمّ من الغلاة المعاصرين لم يُعرفوا بسابق علم، ولا اشتغالٍ فيه، بل أغلبهم من الجهلة بالدين، بل كثير منهم له سابقةُ انحرافٍ عن الدينينظر مثلاً: دراسة (القوى العالمية لدولة الخلافة) الصادرة عن كلية واست بوينت العسكرية الأمريكية، ومما جاء فيها: أنَّ 70 % من المقاتلين معرفتهم بالعلوم الشرعية محدودة، وأنَّ عدد المتخصصين في العلوم الشرعية هو 1.2 %..
كما أنَّ من سبق له أن التقى ببعض المشايخ قلة قليلة، وكان لقاؤهم قصيرًا لا يُعد دراسة، ولا يكفي لبناء طالب علم، أو اكتساب منهج، ثم إنهم تمرّدوا على هؤلاء المشايخ، وطعنوا في منهجهم ونكصوا عنه، وسفّهوا طريقتهم وعلمهم، ورموهم بكل النقائص والعيوب، مما يجعله خارجًا عنهم وعن طريقتهم ومنهجهم.
ومن الناحية التاريخية: فعند استعراض أفكار جماعات الغلو المعاصرة وتاريخها يلحظ ثبات الأصول العامة لهذه الجماعات، مع تطوّر تفصيلاتها وتطبيقاتها، ومع ذلك فقد انتسب عددٌ من أتباعها لمدارس مختلفة المنهج:
فقد كانت جماعات الغلو في بداياتها مجرد أفكار عامة لا تنسب لجهةٍ معينة بل تُساق الأدلة الشرعية عليها بأفهامهم ومنظورهم كما ظهر عند محمد عبد السلام فرج.
وفي مرحلة لاحقة ظهر الاستدلال بتراث الخوارج والمعتزلة الأولين كما عند علي إسماعيل وشكري مصطفى.
ثم توسع التأصيل والتفريع لهذه الأصول بالاستدلال بأقوال المذاهب الأربعة والمفسرين وسائر أهل العلم، كما ظهر في كتابات سيد إمام.
ثم ظهر الاستدلال بكتابات أبو الأعلى المودوي وسيد قطب -رحمهما الله- عند سائر جماعات (الجهاد) المصرية، ومن انتسب لهذا التيار من المنشقين عن جماعة الإخوان المسلمين.
ثم ظهر الانتساب للسلف، ومن أشهر من انتسب لها عمر محمود (أبو قتادة الفلسطيني) أثناء تبنّيه للـ (الجيا) الجزائرية، وجهيمان العتيبي، إلى أن انتهى الحال بالاستدلال بكتابات أئمة الدعوة النجدية كما عند البرقاوي (أبو محمد المقدرسي).
فعلى الرغم من ثبات أصول هذه الجماعات واضطرادها في الفروع وتطبيقاتها العملية، إلا أنها انتسبت لمدارس مختلفة عبر عقودٍ من الزمن، مما يدل على أن هذا الانتساب صوريٌ غير حقيقي، وأنَّ هذا الفكر في حقيقته ليس وليد المجتمعات الإسلامية أو مدارسها، ولم يكن نتيجة ثقافةٍ داخلية مجتمعية، أو تطورٍ طبيعي لأفكاره، وإنما هو طارئٌ عليها، مستغلٌ لبعض ما ورد فيها -حتى إن كان خطأً أو اجتهادًا مرجوحًا- بغرض الاستدلال على انحرافهم وغلوهم، اتباعًا لمنهج أسلافهم في تحريف كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
انشقاق عددٍ من الغلاة عن بعض المدارس الإسلامية أو الفكرية العاملة في مجال الدعوة والتعليم والتربية الموجَّه لعامة الناس أمر طبيعيٌ ومتوقع؛ فالانحراف عن الحق يمكن أن يحصل في أي وقتٍ ومكان، وقد خرج الخوارج من بين ظهراني الصحابة، وانشق واصل بن عطاء (رأس المعتزلة) عن الحسن البصري، والأمثلة كثيرة. كما أنَّ موافقة اجتهادات بعض أهل العلم، أو عبارات عددٍ من المفكرين لبعض أحكام الغلاة لا يعني التسوية بينهما؛ لاختلاف الأصول التي بُنيت عليها هذه المسائل، والنتائج العملية المترتبة عليها، فهو تشابهٌ جزئي لفظي في سياق مختلف. فبينما أقوالُ أهلِ العلم مبنيّةٌ على علمٍ واجتهادٍ ونظرٍ، في دائرة جماعة أهل السّنة وإن أخطؤوا في بعض اجتهاداتهم، فإنَّ أقوال الخوارج ومعتقداتهم مبنيّةٌ على أصولٍ بِدعيّة فارقوا بها الجماعةَ، ووالَوا وعادَوا عليها، وهي تنتظمُ في سلسلةٍ مِن الانحرافات والبدع الأخرى. قال الشاطبي في الاعتصام (2/712): "هذه الفرق إنّما تصير فرقًا بخلافها للفرقة الناجية في معنى كُلِّي في الدّين، وقاعدةٍ مِن قواعد الشّريعة، لا في جزئيٍّ مِن الجزئيات ... وإنّما ينشأ التّفرّقُ عند وقوع المخالفة في الأمور الكليّة". وقال ابنُ تيمية في مجموع الفتاوى (3/349): "الطّوائف المنتسبة إلى متبوعِين في أصول الدّين والكّلام على درجاتٍ: منهم مَن يكون قد خالف السّنّةَ في أصولٍ عظيمةٍ، ومنهم مَن يكون إنّما خالف السّنّةَ في أمورٍ دقيقةٍ... ومثلُ هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولًا يفارقون به جماعةَ المسلمين؛ يوالون عليه ويعادون؛ كان مِن نوع الخطأ. والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم في مثلِ ذلك". وإذا أضيف إلى ذلك براءة المشايخ والجماعات والمدارس من هؤلاء المنشقين، وأعمالهم، وتفنيد أفكارهم، والتحذير منها، فلم يبق لنسبتهم إليه وجه، إلا من أراد الإساءة! قال الشّاطبي في "الموافقات" (1/141): "وللعالم المتحقّقِ بالعلم أماراتٌ وعلاماتٌ ... إحداها: العملُ بما علم حتى يكون قولُه مطابقًا لفعله، فإن كان مخالفًا له فليس بأهلٍ لأنْ يؤخذ عنه، ولا أنْ يُقتدى به في علم ... والثّانية: أنْ يكون ممّن ربّاه الشّيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم وملازمته لهم ... والثالثة: الاقتداءُ بمَن أخذ عنه، والتأدّبُ بأدبه كما علمتَ مِن اقتداء الصّحابة بالنّبي r، واقتداء التّابعين بالصّحابة، وهكذا في كلِّ قرن ... فلمّا تُرك هذا الوصفُ رَفعت البدعُ رؤوسَها؛ لأنَّ تركَ الاقتداء دليلٌ على أمرٍ حدث عند التّارك أصْلُه اتّباعُ الهوى"..
* * * * *
- خاتمة
ما دامت أفكار الغلو تجد لها من يؤيددها ويتبنّاها من جهلة المسلمين، نتيجة الدعايات الكاذبة المغرية التي تبثّها جماعات الغلو، ومادام الاستعمار الجديد وأذنابه في المنطقة مستفيدين من الغلو والغلاة في ضرب المشروع الإسلامي، وهم مستمرون في تغذيته، وحريصون على استمراره، فلن يشهد الوقت القريب اختفاءً لهذا الفكر -والعلم عند الله-، لكن قد يشهد ضمورًا وكمونًا في وقتٍ من الأوقات، ثم يعاود الظهور، ليقوم بأداء أدوار تُراد منه، في هذا البلد أو ذاك، بحسب الحاجة إليه ممن يسيّره ويغذّيه ويحتويه.
لذا فإنه الحل الأمثل للتعامل مع انحرافات هؤلاء الغلاة: يكون برفع ظُلمة الجهل والتلبيس عن الشعوب الإسلامية، ونشر العلم الشرعي الصحيح، وبيان الأخطاء العقدية والفقهية التي يرتكبها هؤلاء في حق الأمة والدين، والتصدي بقوةٍ وحزم لهذا الفكر وحملته، مهما رفعوا من شعارات، وتزينوا بوعود، فهم -إلى جانب الرافضة- أداة المستعمر الجديد في تنفيذ مشاريعه في العالم الإسلامي، ولن يتم تقويض هذا المشروع الاستعماري إلا بمحاربة أدواته على أدواته.
مع ضرورة ببيان دور الأنظمة في نشوء هذه الجماعات ورعايتها، وكذب ادعاءاتهم محاربة الإرهاب، ودعم (الإسلام الوسطي) المائع المنهج، الزائغ الطريقة في الحقيقةمن الأمثلة على ذلك: تقارير مؤسسة راند، كتقرير: بناء شبكات مسلمة معتدلة، و: الإسلام المدني الديمقراطي: شركاء، موارد واستراتيجيات، وما كتب عنهما من بحوث ودراسات..
نسأل الله -تعالى- أن يبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا، يُعزّ فيه أهل طاعته، ويؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وأن يهدي شباب المسلمين ويردّهم إليه ردًا جميلًا.
والحمد لله رب العالمين
إضافة تعليق جديد