السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادي اول 1446 هـ

منهج وتأصيل

قواعد في التكفير

15 شوال 1438 هـ


عدد الزيارات : 7054
أحمد الصويان

 


مقدمة:

مسائل التكفير من أصعب وأدقّ المسائل، وهي مظنَّة مزلَّة الأقدام، وتحتاج قبل التصدر لها إلى علم كبير وورع وفير، وهي من أوائل المسائل التي أدت إلى التفرق والاختلاف في هذه الأمَّة، وفي هذا العصر وقع كثير من الناس في التكفير والتبديع والتفسيق بغير علم ولا تثبُّت ولا رويَّة، وقابلهم آخررون فتساهلوا في هذه المسائل ولم يقيموا لها وزناً، وقصَّروا في بيان حكم الله -تعالى- في التكفير والتبديع. والحق -ولله الحمد والمنَّة- وسط بين طرفين.

ولعلَّ مِن أجمع العلماء الذي تحدَّثوا في مسائل التكفير، فوضحوا السبيل القويم والصراط المستقيم، هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد أصّل رحمه الله في كتابه «منهاج السُّنة النبويّة» لمسألة التكفير، وتكلّم عنها بكلام متين غاية في القوّة والاتقان، وقد اعتنى الباحث بما ذكره شيخ الإسلام، ورتّبه على هيئة قواعد ليسهل فهمها وضبطها.

وهذه القواعد هي:

القاعدة الأولى: خطورة التكفير

القاعدة الثانية: التكفير حقٌ لله تعالى.

القاعدة الثالثة: الكفر حكم شرعي وليس حكماً عقليَّا.

القاعدة الرابعة: أهل العلم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون.

القاعدة الخامسة:  المجتهد المخطئ لا يُكفَّر.

القاعدة السادسة: المتأوِّل المخطئ مغفور له.

القاعدة السابعة: ليس كلّ من نطق بالكفر أو فعله يُعدُّ كافراً.

القاعدة الثامنة: الذنب -ما دون الكفر- لا يوجب كفر صاحبه.

القاعدة التاسعة: لا نشهد لمعيَّن بالنَّار.

القاعدة العاشرة: لا ينبغي لُعن الفاسق المعيِّن.

القاعدة الحادية عشرة: العدلُ في الحكم على المبتدعة.

القاعدة الثانية عشرة: التفريق بين رؤوس المبتدعة وعامتهم.

القاعدة الثالثة عشرة: تكفير غلاة الرافضة.

القاعدة الرابعة عشرة: النص على تكفير القائل ببعض أقوال الرافضة.

القاعدة الخامسة عشرة: الرافضة الإمامية أتباع المرتدين لا أعيانهم.

 

البحث:

مسائل التكفير من أصعب وأدق المسائل، وهي مظنَّة مزلَّة الأقدام، وتحتاج قبل التصدر لها إلى علم كبير وورع وفير، ومن أوائل المسائل التي أدت إلى التفرق والاختلاف في هذه الأمَّة كانت في مسائل تكفير أهل القبلة، ففي خلافة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- خالفه الخوارج وكفَّروا بالذنوب، وكفَّروا من خالفهم في بدعتهم واستحلُّوا دمه وماله.

وفي هذا العصر كثر الاضطراب والاختلاف، وتجارت الأهواء بأصحابها، بسبب كثرة الجهل، واندراس العلم، وضعف الحرص على طلبه، وهجر القرآن والسنن النبوية، وأصبح بعض النَّاس يقع في التكفير والتبديع والتفسيق، بدون علم ولا تثبُّت ولا رويَّة، وقابلهم آخررون فتساهلوا في هذه المسائل ولم يقيموا لها وزناً، وقصَّروا في بيان حكم الله -تعالى- في التكفير والتبديع. والحق -ولله الحمد والمنَّة- وسط بين طرفين، وهو الطريق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون وسلفنا الأبرار -رضي الله تعالى عنهم أجمعين-.

ولعلَّ مِن أجمع العلماء الذي تحدَّثوا في مسائل التكفير، فوضحوا السبيل القويم والصراط المستقيم، هو شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) تكلَّم -رحمه الله تعالى- كلاماً متيناً في غاية القوة والاتقان، وقد رتبته على هيئة قواعد ليسهل فهمها وضبطها إن شاء الله تعالى.

  • القاعدة الأولى: خطورة التكفير:

تأتي خطورة التكفير من عدَّة جوانب، من أهمها:

1. أنَّ من أطلق حكم الكفر على أحد بدون تثبت - ولم يكن كذلك- رجع عليه الحكم، فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء به أحدهما)أخرجه البخاري: (8/32)، ومسلم (1/79)، والترمذي (4/132)، ومالك في الموطأ (2/984)، وأحمد (6/314)..

وعن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- أنَّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (.. من دعا رجلاً بالكفر، أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه)أخرجه البخاري: (8/18)، ومسلم (1/79)..

2. الحكم على الإنسان بالكفر كقتله، فعن ثابت بن الضحاك -رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملَّة غير الإسلام كاذباً، فهو كما قال، ومن قتل نفسه في شيء عُذِّب به في نار جهنم، ولعن المؤمن كقتله، ومن رمى مؤمناً بكفر كقتله)أخرجه البخاري: (8/32)..

3. أنَّ الحكم على أحد بالكفر له لوازم كثيرة تتبع ذلك، مثل: إقامة حدّ الردّة عليه بعد استتابته، والتفريق بينه وبين زوجه، وإذا مات لا يُغسَّل، ولا يُكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدفن في مقابر المسلمين.. ونحو ذلك.

من أجل ذلك: حذَّر علماء الأمة من إطلاق حكم الكفر بدون تثبت ولا تورع، فها هو ذا شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "قتال المسلمين بعضهم بعضاً بتأويل، وسب بعضهم بعضاً بتأويل، وتكفير بعضهم بعضاً بتأويل: بابٌ عظيم، ومن لم يعلم حقيقة الواجب فيه وإلا ضلَّ"(4/471)، وفي هذا الباب يقول الإمام الشوكاني: "واعلم أنَّ التكفير لمجتهدي الإسلام لمجرَّد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبة كؤود؛ لا يصعد إليها إلا من لا يُبالي بدينه ولا يحرص عليه، لأنَّه مبني عليه شفا جرف هار، وعلى ظلمات بعضها فوق بعض" (إرشاد الفحول، ص 26)..

  • القاعدة الثانية: التكفير حقٌ لله -تعالى-:

قال ابن تيمية في معرض حديثه عن الخوارج: ".. ومع هذا: فقد صرَّح علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بأنَّهم مؤمنون ليسوا كفاراً ولا منافقين. وهذا بخلاف ما كان يقوله بعض الناس كأبي إسحاق الإسفراييني ومن اتبعه، يقولون (لا نُكفِّر إلا من يُكفِّر)، فإنَّ الكفر ليس حقاً لهم، بل هو حق لله، "وليس للإنسان أن يكذب على من يكذب عليه، ولا يفعل الفاحشة بأهل من فعل الفاحشة بأهله، بل ولو استكرهه رجل على اللواطة لم يكن له أن يستكرهه على ذلك، ولو قتله بتجريع خمر أو تلوّط به، لم يجز قتله بمثل ذلك، لأنَّ هذا حرام لحق الله تعالى، ولو سبَّ النصارى نبينا، لم يكن لنا أن نسبَّ المسيح، والرافضة إذا كفروا أبا بكر وعمر فليس لنا أن نُكفِّر عليَّاً"(5/244)..

وقال أيضاً: "الخوارج تُكفر أهل الجماعة، وكذلك أكثر المعتزلة يُكفِّرون من خالفهم، وكذلك أكثر الرافضة، ومن لم يُكفِّر فَسَّق، وكذلك أكثر أهل الأهواء يبتدعون رأياً، ويُكفِّرون من خالفهم فيه، وأهل السُّنَّة يتبعون الحق من ربهم الذي جاء به الرسول، ولا يُكفرون من خالفهم فيه، بل هم أعلم بالحق وأرحم بالخلق، كما وصف الله به المسلمين بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: 110]،قال أبو هريرة: كنتم خير النَّاس للناس. وأهل السُّنَّة نقاوة المسلمين، فهم خير الناس للناس"(5/158)..

  • القاعدة الثالثة: الكفر حكم شرعي وليس حكماً عقليَّاً:

إذا كان تكفير الناس أمر عظيم، فكذلك تعطيل حكم الله الشرعي في تكفير من يستحق التكفير أمر عظيم، والواجب أن يوضع كل أمر في موضعه اللائق به شرعاً، بالدليل الواضح والحجة البينة.

قال ابن تيمية: "الكفر والفسق أحكام شرعية، ليس ذلك من الأحكام التي يستقل بها العقل، فالكافر من جعله الله ورسوله كافراً، والفاسق من جعله الله ورسوله فاسقاً، كما أنَّ المؤمن والمسلم من جعله الله ورسوله مؤمناً مسلماً، والعدل من جعله الله ورسوله عدلاً، والمعصوم من جعله الله ورسوله معصوم الدم، والسعيد في الآخرة من أخبر الله ورسوله عنه أنَّه سعيد في الآخرة، والشقي فيها من أخبر الله ورسوله عنه أنَّه شقي فيها، والواجب من الصلاة والصيام والصدقة والحج ما أوجبه الله ورسوله، والحلال ما أحلَّه الله ورسوله، والحرام ما حرَّمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسوله، فهذه المسائل كلها ثابتة بالشرع...

وإذا كان كذلك: فكون الرجل مؤمناً وكافراً وعدلاً وفاسقاً هو من المسائل الشرعية لا من المسائل العقلية"(5/92)..

  • القاعدة الرابعة: أهل العلم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون:

قال ابن تيمية: "من عيوب أهل البدع: تكفير بعضهم بعضاً، ومن ممادح أهل العلم أنَّهم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون"(5/251)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «والخوارج هم أوَّل من كفَّر المسلمين، يُكفِّرون بالذنوب ويُكفِّرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع: يبتدعون بدعة ويُكفرون من خالفهم فيها، وأهل السُّنَّة يتبعون الكتاب والسُّنَّة، ويُطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق» (مجموع الفتاوى، 3/279)..

وهذه القاعدة تعني: أنَّ أهل العلم الراسخين، أهلَ الورع والدين، لا يُسارعون في التكفير لكلِّ مخطئ أو مبتدع، ولكن من ثبت كفره بيقين لتوافر شروط التكفير وانتفاء موانعه: فإنَّهم يُطلقون لفظ الكفر عليه، تطبيقاً لأمر الله -تعالى-.

  • القاعدة الخامسة: المجتهد المخطئ لا يُكفَّر:

من عقيدة أهل السنة أنَّ المجتهد الذي يملك أدوات الاجتهاد إذا أخطأ يردّ عليه خطؤه، لكن يلتمس له العذر ويحسن به الظن، ولا يكفَّر أو يفسق لخطئه. وفي هذا حفظ لمقادير العلماء، ورعاية لمنازلهم. أما الجهلة وأهل الأهواء فإنهم يتطاولون على أعراض العلماء بالتفسيق والتكفير دون اعتبار لقواعد الشرع وعوارض الأهلية.

قال ابن تيمية: "من شأن أهل البدع أنَّهم يبتدعون أقوالاً يجعلونها واجبة في الدين، بل يجعلونها من الإيمان الذي لا بدَّ منه، ويُكفِّرون من خالفهم فيها ويستحلِّون دمه، كفعل الخوارج والجهمية والرافضة والمعتزلة وغيرهم.

وأهل السُّنَّة لا يبتدعون قولاً ولا يُكفرون من اجتهد فأخطأ، إن كان مخالفاً لهم، مكفراً لهم، مستحلاً لدمائهم، كما لم يكفِّر الصحابةُ الخوارجَ، مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما، واستحلالهم لدماء المسلمين المخالفين لهم"(5/95)..

وقال أيضاً: "المتأوِّل الذي قصده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لا يُكفِّر، بل ولا يفسق - إذا اجتهد فأخطأ - وهذا مشهور عند الناس في المسائل العملية، وأمَّا مسائل العقائد: فكثير من النَّاس كفَّر المخطئين فيها، وهذا القول لا يُعرف عن أحد من أئمة المسلمين، وإنَّما هو في الأصل من أقوال أهل البدع الذين يبتدعون بدعة ويُكفِّرون من خالفهم، كالخوارج والمعتزلة والجهمية، ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمة، كبعض أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم"(5/239 - 240)..

وقال في سياق الكلام في ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر وفي الدعاء لسلطان الوقت، ونحو ذلك: "إذا تكلم في ذلك العلماء أهل العلم والدين، الذين يتكلمون بموجب الأدلة الشرعية، كان كلامهم في ذلك مقبولاً، وكان للمصيب منهم أجران، وللمخطئ أجر على ما فعله من الخير، وخطؤه مغفور له"(4/167)..

  • القاعدة السادسة: المتأوِّل المخطئ مغفور له:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مـمَّا ينبغي أن يُعلم أنَّ الأمَّة يقع فيها أمور بالتأويل في دمائها وأموالها وأعراضها، كالقتال واللعن والتكفير، وقد ثبت في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أنَّه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلاً فعلوته بالسيف، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فقتلته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟) قال: قلت يا رسول الله، إنَّما قالها خوفاً من السلاح، قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها خوفاً من السلاح أم لا؟!) فما زال يكررها حتى تمنيتُ أني أسلمتُ يومئذأخرجه: مسلم (1/96 - 97)، وأبو داود (3/61)..

وفي الصحيح عن المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- قال: قلت يارسول الله: أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي فقطعها ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت، أفأقتله بعد أن قالها؟، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله). فقلت: يا رسول الله إنَّه قطعها، ثم قال ذلك بعد أن قطعها، أفأقتله؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقتله، فإنَّك إن قتلته فإنَّه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنَّك بمنزلته قبل أن يقول كملته التي قالها)أخرجه: البخاري (5/85)، ومسلم (1/95)، وأبو داود (3/61 - 62), وأحمد (6/5 6)..

فقد ثبت أنَّ هؤلاء قتلوا مسلمين لا يحل قتلهم، ومع هذا فلم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ضمن المقتول بقود ولا دية ولا كفارة، لأن القاتل كان متأولاً، وهذا قول أكثر العلماء، كالشافعي وأحمد وغيرهما. ومن الناس من يقول: بل كانوا أسلموا ولم يهاجروا، فثبت في حقهم العصمة المؤثِّمة دون المضمِّنة، بمنزلة نساء أهل الحرب وصبيانهم كما يقوله أبو حنيفة وبعض المالكية، ثم إنَّ جماهير العلماء كمالك، وأبي حنيفة، وأحمد في ظاهر مذهبه، والشافعي في  أحد قوليه، يقولون: إنَّ أهل العدل والبغاة إذا اقتتلوا بالتأويل لم يضمن هؤلاء ما أتلفوا لهؤلاء من النفوس والأموال حال القتال، ولم يضمن هؤلاء ما أتلفوه لهؤلاء.

كما قال الزهري: وقعت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم متوافرون، فأجمعوا أنَّ كل دم أو مال أصيب بتأويل القرآن فإنَّه هدر، وأنزلوهم منزلة الجاهلية، يعني بذلك: أنَّ القاتل لم يكن يعقتد أنَّه فعل محرماً، وإن قيل: إنَّه محرم في نفس الأمر، فقد ثبت بسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم المتواترة واتفاق المسلمين أنَّ الكافر الحربي إذا قتل مسلماً أو أتلف ماله ثم أسلم، لم يضمنه بقود ولا دية ولا كفارة، مع أنَّ قتله كان من أعظم الكبائر، لأنَّه كان متأولاً، وإن كان تأويله فاسداً..".

إلى أن قال ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "والمتأوِّل المخطئ مغفور له بالكتاب والسُّنَّة، قال الله -تعالى- في دعاء المؤمنين: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286]، وثبت في الصحيح: أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قال: (قد فعلت)أخرجه: مسلم (1/116).​، وفي سنن ابن ماجه وغيره أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي الخطـأ والنسيان)أخرجه: ابن ماجة (1/659)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/102)."(4/452 - 458)..

وقال في موضع آخر: "وكذلك من كان متأولاً، في محاربته مجتهداً لم يكن كافراً، كقتل أسامة بن زيد لذلك المسلم متأولاً لم يكن به كافراً، وإن كان استحلال قتل المسلم المعصوم كفراً، وكذلك تكفير المؤمن كفر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما)تقدَّم تخريجه.، ومع ذلك: إذا قالها متأولاً لم يكفر، كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: دعني أضرب عنق هذا المنافق، وأمثاله، وكقول أسيد بن الحضير لسعد بن عبادة: إنَّك لمنافق تُجادل عن المنافقين، في قصة الإفك"(4/505 - 506)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «وكثر من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنَّوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم. وإذا اتقى الرجل ربَّه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٦٨٢] وفي الصحيح: أنَّ الله قال: (قد فعلت)» (مجموع الفتاوى، 19/192). وقال أيضاً: «ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً؛ فإنَّ المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة،وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإن كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك، فهذا أولى؛ بل موجب هذا الكلام أنَّ من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً، وقد لا يكون ناجياً، كما يُقال: من صمت نجا» (مجموع الفتاوى 3/179، وانظر: المرجع نفسه 12/180). .

وهذه القاعدة من المسائل الدقيقة التي قد تخفى على بعض الجهلة، وقد بينها ابن تيمية بياناً شافياً يزيل اللبس.

  • القاعدة السابعة: ليس كلّ من نطق بالكفر أو فعله يُعدُّ كافراً:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان قول بعض أتباع الأئمة الأربعة: "منهم من يُكفِّر أهل البدع مطلقاً، ثم يجعل كلّ من خرج عمَّا هو عليه من أهل البدع. وهذا بعينه قول الخوارج والمعتزلة والجهمية، وهذا القول أيضاً يوجد في طائفة من أصحاب الأئمة الأربعة، وليس هو قول الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وليس فيهم من كفَّر كل مبتدع، بل المنقولات الصريحة عنهم تناقض ذلك، ولكن قد يُنقل عن أحدهم أنَّه كفَّر من قال بعض الأقوال، ويكون مقصوده أنَّ هذا القول كفر ليُحذر، ولا يلزم إذا كان القول كفراً أن يُكفّر كل من قاله مع الجهل والتأويل، فإنَّ ثبوت الكفر في حقٍ الشخص المعيَّن، كثبوت الوعيد في الآخرة في حقه، وذلك له شروط وموانع، كما بسطناه في موضعه"(5/240)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «وقوع الغلط في مثل هذا [يعني علو الله على خلقه] يوجب ما نقوله دائماً: إنَّ المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق، فإنَّ الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يُطلق القول: إنَّ هذا الكلام كفر، كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية، مثل القول بخلق القرآن، أو إنكار الرؤية، أو نحو ذلك مـمَّا هو دون إنكار علو الله على الخلق، وأنَّه فوق العرش، فإنَّ تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور، فإنَّ التكفير المطلق، مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجَّة التي تُكفِّر المطلق، مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجَّة التي تُكفِّر تاركها، كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال: إذا أنا مت فاحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله عليَّ لُيعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. فهذا الرجل اعتقد أنَّ الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنَّه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يردُّه= =عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله، وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذِّبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأمَّا تكفير شخص - عُلم إيمانه - يمجرَّد الغلط في ذلك فعظيم؛ فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن المؤمن كقلته، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله)..» (الاستقامة، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، 1/163 - 165)، وانظر (مجموع الفتاوى (28/500 - 501).

  • القاعدة الثامنة: الذنب - ما دون الكفر - لا يوجب كفر صاحبه:

قال ابن تيمية: "الذنب لا يوجب كفر صاحبه، كما تقوله الخوارج، بل ولا تخليده في النار ومنع الشفاعة فيه، كما يقوله المعتزلة"(5/239)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية: «إنَّه قد تقرَّر من مذهب أهل السُّنَّة والجماعة ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة: أنَّهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا يُخرجونه من الإسلام بعمل، إذا كان فعلاً منهياً عنه، مثل الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، ما لم يتضمن ترك الإيمان وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به، مثل: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، فإنَّه يكفر به، وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة» (مجموع الفتاوى، 20/90)..

  • القاعدة التاسعة: لا نشهد لمعيَّن بالنَّار:

قال ابن تيمية: "لا نشهد لمعيَّن بالنار، لإمكان أنَّه تاب، أو كانت له حسنات محت سيئاته، أو كفّر الله عنه بمصائب أو غير ذلك كما تقدم، بل المؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً، الذي قصد اتباع الحق وما جاء به الرسول - إذ أخطأ ولم يعرف الحق - كان أولى أو يعذره الله في الآخرة من المعتمد العالم بالذنب، فإنَّ هذا عاصياً مستحق للعذاب بلا ريب، وأمَّا ذلك فليس متعمداً للذنب بل هو مخطئ، والله قد تجاوز لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، والعقوبة في الدنيا تكون لدفع ضروره عن المسلمين، وإن كان في الآخرة خيراً ممَّن لم يعاقب، كما يُعاقب المسلم المتعدي للحدود ولا يُعاقب أهل الذمَّة من اليهود والنصارى، والمسلم في الآخرة خير منهم"(5/250)..

  • القاعدة العاشرة: لا ينبغي لُعن الفاسق المعيِّن:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لعنة الفاسق المعيَّن ليست مأموراً بها، إنَّما جاءت السُّنَّة بلعنة الأنواع، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده)أخرجه: البخاري (8/159) و (8/161)، ومسلم (3/1314)، والنسائي (8/58 - 59)، وابن ماجة (2/862).، وقوله: (لعن الله من أحدث أو آوى محدثاً)أخرجه: مسلم (3/1567)، والنسائي (7/204 - 205)، وأحمد (2/156 و 197 و 326 - 327).. وقوله: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه)أخرجه الجزء الأول من حديث أبي جحيفة: البخاري (7/169)، وأخرجه بتمامه من حديث جابر: مسلم (3/1219)..

وقد تنازع الناس في لعنة الفاسق المعيَّن، فقيل: جائز، كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيره، كأبي الفرج بن الجوزي وغيره، وقيل: إنَّه لا يجوز، كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم، كأبي بكر عبد العزيز وغيره، والمعروف عن أحمد كراهية لعن المعيَّن كالحجاج بن يوسف وأمثاله، وأن يقول كما قال الله -تعالى-: {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِـمِينَ}[هود: 18]، وقد ثبت في صحيح البخاري: أنَّ رجلاً كان يُدعى حماراً وكان يشرب الخمر، وكان يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيضربه، فأتي به إليه مرَّة، فقال رجل: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه، فإنَّه يُحبُّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم)أخرجه: البخاري (8/158).، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لعنة هذا المعيَّن الذي كان يُكثر شرب الخمر معللاً ذلك بأنَّه يحبُّ الله ورسوله، مع أنَّه صلى الله عليه وسلم لعن شارب الخمر مطلقاً، فدلَّ ذلك أنَّه يجوز أن يُلعن المطلق، ولا تجوز لعنة المعيَّن الذي يُحب الله ورسوله، ومن المعلوم: أنَّ كل مؤمن فلا بدَّ أن يحب الله ورسوله، ومن علم حال الواحد من هؤلاء لم يصلِّ عليه إذا مات، لقوله -تعالى-: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}[التوبة: 84].

ومن جوَّز من أهل السُّنَّة والجماعة لعنة الفاسق المعيَّن، فإنَّه يقول: يجوز أن أصلي عليه وأن ألعنه، فإنَّه مستحق للثواب مستحق للعقاب، فالصلاة عليه لاستحقاقه الثواب، واللعنة له لاستحقاقه العقاب، واللعنة: البعد عن الرحمة، والصلاة عليه سبب للرحمة، فيُرحم من وجه، ويُبعد عنها من وجه...

ولو كان كلُّ ذنب لُعن فاعله يُلعن المعيَّن الذي فعله، للُعن جمهور الناس، وهذا بمنزلة الوعيد المطلق: لا يستلزم ثبوته في حق المعين إلا إذا وُجدت شروطه وانتفت موانعه، وهكذا اللعن.."(4/567 - 574)..

  • القاعدة الحادية عشرة: العدلُ في الحكم على المبتدعة:

من تمام إنصاف أهل السُّنَّة: أنهم على الرغم من بغضهم للمبتدعة، وردهم عليهم، وتحذير الأمة منهم، إلا أنهم لا يظلمونهم، ولا يتجاوزون الحدَّ الشرعي في معاملتهم.

قال ابن تيمية: "ومـمَّا يدلّ على أنّ الصحابة لم يُكفِّروا الخوارج: أنَّهم كانوا يُصلّون خلفهم، وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وغيره من الصحابة يُصلون خلف نجدة الحروري، وكانوا أيضاً يُحدِّثونهم ويفتونهم ويخاطبونهم، كما يخاطب المسلم المسلم، كما كان عبد الله بن عباس يُجيب نجدة الحروري لـمَّا أرسل إليه يسأله عن مسائل، وحديثه في البخاريأخرجه: مسلم (3/1444 - 1445)، وقال المحقق: لم أعرف مكان الحديث في البخاري.، وكما أجاب نافع بن الأزرق عن مسائل مشهورة، وكان نافع يناظره في أشياء بالقرآن، كما يتناظر المسلمان.

وما زالت سيرة المسلمين على هذا، ما جعلوهم مرتدين كالذين قاتلهم الصديق -رضي الله عنه-، هذا مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم في الأحاديث الصحيحة، وما روي أنهم: (شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتيل من قتلوه) في الحديث الذي رواه أبو أمامة، رواه الترمذي وغيرهأخرجه: الترمذي (4/294)، وابن ماجة (1/62)، وأحمد (5/253 و 256).. أي: أنَّهم شرٌّ على المسلمين من غيرهم، فإنَّهم لم يكن أحد شرَّاً على المسلمين منهم، لا اليهود ولا النصارى، فإنَّهم كانوا مجتهدين في قتل كلِّ مسلم لم يوافقهم، مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم، مكفِّرين لهم وكانوا متدينين بذلك لعظم جهلهم وبدعتهم المضلَّة، ومع هذا فالصحابة -رضي الله عنهم- والتابعون لهم بإحسان لم يكفروهم، ولا جعلوهم مرتدِّين، ولا اعتدوا عليهم بقول أو فعل، بل اتقوا الله فيهم، وساروا فيهم السيرة العادلة، وكذا سائر فرق أهل البدع والأهواء من الشيعة والمعتزلة وغيرهم"(5/247 - 248)..

  • القاعدة الثانية عشرة: التفريق بين رؤوس المبتدعة وعامتهم:

قال ابن تيمية: "أمَّا أولئك [يعني: الإسماعيلية الذي يقولون بعصمة بني عبيد] فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية: زنادقة منافقون، وأمَّا عوامهم الذين لم يعرفوا باطن أمرهم فقد يكونون مسلمين"(2/452 - 453)..

وقال أيضاً: "وليس في الطوائف أكثر تكذيباً بالصدق وتصديقاً بالكذب من الرافضة، فإنَّ رؤوس مذهبهم وأئمته الذين ابتدعوه وأسسوه كانوا منافقين زنادقة، كما ذُكر ذلك عن غير واحد من أهل العلم، وهذا ظاهر لمن تأمَّله، بخلاف قول الخوارج، فإنَّه كان عن جهل بتأويل القرآن، وغلو في تعظيم الذنوب، وكذلك قول الوعيدية والقدرية، كان عن تعظيم الذنوب، وكذلك قول المرجئة، كان أصل مقصودهم نفي التكفير عمَّن صدَّق الرسل، ولهذا: رؤوس المذاهب التي ابتدعوها لم يقل أحد إنهم زنادقة منافقون، بخلاف الرافضة، فإنَّ رؤوسهم كانوا كذلك، مع أنَّ كثيراً منهم ليسوا منافقين ولا كفاراً، بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب ذنب يُرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث شامل لهم كلهم، فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين"(6/302 - 303)..

وقال في موضع آخر: "ولا يطعن على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إلا أحد رجلين: إمَّا رجل منافق زنديق ملحد عدو للإسلام يتوصل بالطعن فيهما إلى الطعن في الرسول ودين الإسلام، وهذا حال المعلِّم الأول للرافضة، أول من ابتدع الرفض، وحال أئمة الباطنية، وإمَّا جاهل مفرط في الجهل والهوى، وهو الغالب على عامَّة الشيعة، إذا كانوا مسلمين في الباطن"(6/115)..

  • القاعدة الثالثة عشرة: تكفير غلاة الرافضة:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: ".. والذين قدحوا في علي -رضي الله عنه- وجعلوه كافراً وظالماً ليس فيهم طائفة معروفة بالردَّة عن الإسلام، بخلاف الذين يمدحونه ويقدحون في الثلاثة، كالغالية الذين يدَّعون إلهيته من النصيرية وغيرهم، وكالإسماعيلية الملاحدة الذين هم شرٌّ من النصيرية، وكالغالية الذين يدَّعون نبوته، فإنَّ هؤلاء كفار مرتدُّون، كُفْرُهم بالله ورسوله ظاهر لا يخفى على عالم بدين الإسلام، فمن اعتقد في بشر الإلهية، أو اعتقد بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبيَّاً، أو أنَّه لم يكن نبياً بل كان عليٌّ هو النبي دونه وإنَّما غلط جبريل، فهذه المقالات ونحوها مـمَّا يظهر كفر أهلها لمن يعرف الإسلام أدنى معرفة"(5/8 - 9)..

وقال أيضاً: "قد عرف كل أحد أنَّ الإسماعيلية والنصيرية هم من الطوائف الذين يُظهرون التشيع وإن كانوا في الباطن كفاراً منسلخين من كلِّ ملَّة، والنصيرية هم من غلاة الرافضة الذين يدَّعون إلهية عليّ، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى باتفاق المسلمين.

والإسماعيلية الباطنية أكفر منهم، فإنَّ حقيقة قولهم التعطيل، أمَّا أصحاب الناموس الأكبر والبلاغ الأعظم، الذي هو آخر المراتب عندهم، فهم من الدهرية القائلين أن العالم لا فاعل به: لا علة ولا خالق، ويقولون: ليس بيننا وبين الفلاسفة خلاف إلا في واجب الوجود، فإنهم يثبتونه، وهو شيء لا حقيقة له، ويستهزئون بأسماء الله -عزَّ وجلَّ-، خاصة هذا الاسم الذي هو الله، فإنَّ منهم من يكتبه على أسفل قدميه ويطـؤه!..."(3/452 - 453)..

وقال ابن تيمية أيضاً: "الردة قد تكون عن أصل الإسلام، كالغالية من النصيرية والإسماعيلية، فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السُّنَّة والشيعة، وكالعباسية، وقد تكون الردة عن بعض الدين، كحال أهل البدع، الرافضة وغيرهم"(7/221 - 222)، وانظر في هذا الباب: (4/38 و 519 - 521 و 579) و (6/ 342 - 343 و 437) و (8/59).. وغيرها..

  • القاعدة الرابعة عشرة: النص على تكفير القائل ببعض أقوال الرافضة:

أثنى ابن المطهر الرافضي في كتابه: (منهاج الكرامة) على قول بعض الناس: "شرٌّ من إبليس: من لم يسبقه في سالف طاعته، وجرى معه في ميدان معصيته"، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية ردَّاً عليه: "هذا الكلام فيه من الجهل والضلال والخروج عن دين الإسلام وكل دين، بل وعن العقل الذي يكون لكثير من الكفار ما لا يخفى على من تدبره... ثم هل يقول من يؤمن بالله واليوم الآخر: إنَّ من أذنب من المسلمين يكون شرَّاً من إبليس؟، أو ليس هذا مـمَّا يُعلم فساده بالاضطرار من دين الإسلام؟!، وقائل هذا كافرٌ كفراً معلوماً بالضرورة من الدين.."(4/507 - 508)..

وفي موضع آخر زعم ابن المطهر الرافضي أنَّ علياً -رضي الله عنه- قال: "أنا أعلم بطرق السماء من طرق الأرض!"، فردَّ عليه ابن  تيمية مبيناً أنَّ هذا: "كلام باطل لا يقوله عاقل، ولم يصعد أحد ببدنه إلى السماء من الصحابة والتابعين، وقد تكلَّم الناس في معراج النبي صلى الله عليه وسلم هل هو ببدنه أو بروحه؟ وإن كان الأكثرون على أنَّه ببدنه، فلم ينازع السلف في غير النبي صلى الله عليه وسلم، أنَّه لم يعرج ببدنه، ومن اعتقد هذا من الغلاة في أحد من المشايخ وأهل البيت فهو من الضُّلَّال، منجنس من اعتقد من الغلاة في أحد من هؤلاء النبوة، أو ما هو أفضل من النبوة، أوالإلهية، وهذه المقالات كلها كفر بيِّن لا يستريب في ذلك أحد علماء الإسلام، وهذا كاعتقاد الإسماعيلية أولاد ميمون القداح، الذين كان جدهم يهوديَّاً ربيباً لمجوسي، وزعموا أنهم أولاد محمد ابن إسماعيل بن جعفر، واعتقد كثير من أتباعهم فيهم الإلهية أو النبوة، وأنَّ محمد بن إسماعيل بن جعفر نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك طائفة من الغلاة يعتقدون الإلهية أو النبوة في علي وفي بعض أهل بيته، إما الاثنا عشر وإما غيرهم"(8/58 - 59)..

وقال ابن تيمية في موضع آخر: "قول القائل: (إنَّ مسألة الإمامة أهم المطالب في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين) كذب بإجماع المسلمين سُنِّيهم وشيعيهم، بل هذا كفر"(1/75)..

وقال أيضاً: "وقد حكى طائفة عن بعضهم أنَّه يُحرِّم لحم الإبل، وكان ذلك لركوب عائشة الجمل، وهذا من أظهر الكفر، وهو من جنس دين اليهود"(5/175)..

وذكر ابن تيمية في قوله -تعالى-: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}[طه: 32]: أنَّ الرافضة: "صرحوا هنا بأنَّ عليَّاً كان شريكه في أمره، كما كان هارون شيريك موسى، وهذا قول من يقول بنبوته، وهذا كفر صريح، وليس هو قول الإمامية، وإنما هو من قول الغالية"(7/276)..

  • القاعدة الخامسة عشرة: الرافضة الإمامية أتباع المرتدين لا أعيانهم:

وصف ابن تيمية الرافضة الإمامية بأنهم أتباع المرتدين لا أعيانهم، حيث قال: "الرافضة الإمامية هم من أتباع المرتدين، وغلمان الملحدين، وورثة المنافقين، لم يكونوا أعيان المرتدين الملحدين"(7/220)..

وقال أيضاً بعد أن نقل كلاماً مستنكراً لابن المطهر الرافضي: "الحمد لله الذي أظهر من أمر هؤلاء إخوان المرتدين ما تحقق به عند الخاص والعام أنهم إخوان المرتدين حقَّاً، وكشف أسرارهم وهتك أستارهم بألسنتهم، فإنَّ الله لا يزال يطلع على خائنة منهم، تبيِّن عدواتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولخيار عباد الله وأوليائه المتقين، ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً"(8/318)..

وقال في معرض الذبِّ عن أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه-: ".. فهذا ونحوه مـمَّا يُبيِّن أن حال الصديق عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في غاية المخالفة لما هي عند هؤلاء الرافضة المفترين الكذابين، والذي هم ردء المنافقين، وإخوان المرتدين والكافرين، الذين يُوالون أعداء الله، ويُعادون أولياءه"(8/579)..

وقد وصفهم بالكفر في موضع آخر قائلاً: ".. لكن الاثني عشرية يجعلون المعصوم أحد الاثني عشر، وتجعل الحاجة إليه في حفظ الشريعة وتبليغها، وهؤلاء ملاحدة كفَّار.

والإمامية في الجملة يعتقدون صحة الإسلام في الباطن، إلا من كان منهم ملحداً، فإنَّ كثيراً من شيوخ الشيعة، هو في الباطن على غير اعتقادهم: إما متفلسف ملحد، وإمَّا غير ذلك.

ومن النَّاس من يقول: إنَّ صاحب هذا الكتاب ليس هو في الباطن على قولهم، وإنَّما احتاج أن يتظاهر بهذا المذهب، لما له في ذلك من المصلحة الدنيوية، هذا يقوله غير واحد مـمَّن يحب صاحب هذا الكتاب ويُعظمه.

والأشبه: أنَّه وأمثاله حائرون بين أقوال الفلاسفة وأقوال سلفهم المتكلمين، ومباحثهم تدل في كتبهم على الحيرة والاضطراب، ولهذا: صاحب هذا الكتاب يُعظم الملاحدة كالطوسي وابن سينا وأمثالهم، ويُعظم شيوخ الإمامية، ولهذا، كثير من الإمامية تذمّه وتسبه، وتقول: إنَّه ليس على طريق الإمامية"(6/437 - 438)..

وفي موضع آخر يذكر ابن تيمية أن الرافضة ارتدوا عن بعض الدين، فيقول: "والردَّة قد تكون عن أصل الإسلام، كالغالية من النصيرية والإسماعيلية، فهؤلاء مرتدون باتفاق أهل السُّنَّة والشيعة، وكالعباسية، وقد تكون الردَّة عن بعض الدين، كحال أهل البدع، الرافضة وغيرهم. والله -تعالى- يُقيم قوماً يُحبهم ويحبونه، ويجاهدون من ارتدَّ عن الدين أو عن بعضه، كما يُقيم من يجاهد الرافضة المرتدين عن الدين، أو عن بعضه في كلِّ زمان"(7/222)..

ورغم أنَّ الشيعة يكفّرون النصيرية إلا أنهم يتحالفون معهم كما يتحالفون مع اليهود والنصارى لحرب أهل السنة، وينصرونهم بشتى ألوان النصرة، وتأمل ما تفعله إيران وحزبها في لبنان والميليشيات الشيعية العراقية، من تواطئهم واجتماعهم لحرب أهل السنة في بلاد الشام، ويتعامى عن الواقع من يفسر ذلك تفسيراً سياسياً ويلغي البعد العقدي المحرك لتصرفاتهم السياسية!

  • الخاتمة

في خاتمة هذا الكتاب أرى أنه من المفيد الإشارة إلى أنه منذ بدايات الثورة الإيرانية، وانطلاق مشروع تصدير الثورة في العالم الإسلامي، والمشهدُ الفكري يعاني لبساً شديداً في تقويم الثورة وتوصيف أهدافها وأبعادها العقدية والسياسية، ولعل من أبرز أسباب ذلك:

أولاً: إغفال البُعد العقدي الذي يصوغ العقلية الشيعية، ويحرك خيوطها السياسية.

ثانياً: القراءة الجزئية أو الانتقائية للمشروع الإيراني، فعندما تقوَّم الثورة بعقلية الانبهار بشعارات الحرب على أمريكا - الشيطان الأكبر! -، ومواجهات حزب الله مع العدو الصهيوني فحسب، ونعزل ذلك عن سياق المنظومة السياسية للمشروع، فإننا سنصاب بحالة من القصور والاضطراب.

وقد نلتمس العذر لبعضهم في بدايات الثورة الإيرانية، والتباس الشعارات ودعوات الوحدة والتقارب التي قد تأخذ ببعض العواطف بادي الرأي، أما بعد انكشاف مخازيهم في تعاملهم مع أهل السنة في إيران، وحربهم الضروس على أهل السنة في العراق وسورية، وإثارتهم الفتن في اليمن والبحرينأصدرت مجلة البيان سلسلة من الدراسات السياسية عن المشروع الإيراني، ومنها: 1 - حزب الله.. وسقط القناع، تأليف أحمد فهمي. 2 - صراع المصالح في بلاد الرافدين، تأليف أحمد فهمي. 3 - البحرين بركان على جزيرة، تأليف أحمد فهمي. 4 - العرب السنة في العراق.. تاريخهم، واقعهم، مستقبلهم، تأليف د. عبد الرحمن الرواشدي وآخرون.، واختراقهم دول أهل السنة في مناطق كثيرةمن المفيد الرجوع إلى كتاب خريطة الشيعة في العالم، تأليف أمير سعيد.، فهذا أمر غير مقبول.

إنَّ ثمة حقيقة مهمة يغفل عنها بعض المعاصرين، وهي أن دوافع الصراع العسكري والتوسع الإيراني في المنطقة ليست سياسية محضة، بل تستثيرها محركات عقدية قوية، وتغذيها أدوات طائفية بغيضة. وأحسب أن كتاب (منهاج السنة النبوية) وثيقة علمية في غاية الأهمية تبرز البعد العقدي المغيب في تقويم الفكر الإيراني المعاصر، بل تكشف جذور التحالف الشيعي مع اليهود والنصارى وغيرهم من أعداء الملَّة.

ختاماً:

أرجو أنني استطعت أن أضع بين يدي القارئ الكريم بعض الأصول والقواعد المنهجية التي استخلصتها من الأصل، ولا شك أنه قد فاتني بعض تلك الأصول والقواعد، وأعوذ بالله من العجز والقصور، وأتمنى من القارئ الكريم أن يسدد النقص ويدلني على ذلك القصور، كي أستدركه في الطبعة القادمة - بإذن الله عز وجل -. جعلنا الله من المتعاونين على البر والتقوى. وأسأله - عز وجل - أن يعيذنا من مضلات الأهواء والفتن.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

1 - أخرجه البخاري: (8/32)، ومسلم (1/79)، والترمذي (4/132)، ومالك في الموطأ (2/984)، وأحمد (6/314).
2 - أخرجه البخاري: (8/18)، ومسلم (1/79).
3 - أخرجه البخاري: (8/32).
4 - (4/471)، وفي هذا الباب يقول الإمام الشوكاني: "واعلم أنَّ التكفير لمجتهدي الإسلام لمجرَّد الخطأ في الاجتهاد في شيء من مسائل العقل عقبة كؤود؛ لا يصعد إليها إلا من لا يُبالي بدينه ولا يحرص عليه، لأنَّه مبني عليه شفا جرف هار، وعلى ظلمات بعضها فوق بعض" (إرشاد الفحول، ص 26).
5 - (5/244).
6 - (5/158).
7 - (5/92).
8 - (5/251)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «والخوارج هم أوَّل من كفَّر المسلمين، يُكفِّرون بالذنوب ويُكفِّرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع: يبتدعون بدعة ويُكفرون من خالفهم فيها، وأهل السُّنَّة يتبعون الكتاب والسُّنَّة، ويُطيعون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق» (مجموع الفتاوى، 3/279).
9 - (5/95).
10 - (5/239 - 240).
11 - (4/167).
12 - أخرجه: مسلم (1/96 - 97)، وأبو داود (3/61).
13 - أخرجه: البخاري (5/85)، ومسلم (1/95)، وأبو داود (3/61 - 62), وأحمد (6/5 6).
14 - أخرجه: مسلم (1/116).​،
15 - أخرجه: ابن ماجة (1/659)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (2/102).
16 - (4/452 - 458).
17 - تقدَّم تخريجه.
18 - (4/505 - 506)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «وكثر من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة، ولم يعلموا أنه بدعة، إما لأحاديث ضعيفة ظنَّوها صحيحة، وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإما لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم. وإذا اتقى الرجل ربَّه ما استطاع دخل في قوله: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: ٦٨٢] وفي الصحيح: أنَّ الله قال: (قد فعلت)» (مجموع الفتاوى، 19/192). وقال أيضاً: «ليس كل من خالف في شيء من هذا الاعتقاد يجب أن يكون هالكاً؛ فإنَّ المنازع قد يكون مجتهداً مخطئاً يغفر الله خطأه، وقد لا يكون بلغه في ذلك من العلم ما تقوم به عليه الحجة،وقد يكون له من الحسنات ما يمحو الله به سيئاته، وإن كانت ألفاظ الوعيد المتناولة له لا يجب أن يدخل فيها المتأول والقانت وذو الحسنات الماحية والمغفور له وغير ذلك، فهذا أولى؛ بل موجب هذا الكلام أنَّ من اعتقد ذلك نجا في هذا الاعتقاد، ومن اعتقد ضده فقد يكون ناجياً، وقد لا يكون ناجياً، كما يُقال: من صمت نجا» (مجموع الفتاوى 3/179، وانظر: المرجع نفسه 12/180).
19 - (5/240)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية أيضاً: «وقوع الغلط في مثل هذا [يعني علو الله على خلقه] يوجب ما نقوله دائماً: إنَّ المجتهد في مثل هذا من المؤمنين إن استفرغ وسعه في طلب الحق، فإنَّ الله يغفر له خطأه، وإن حصل منه نوع تقصير فهو ذنب لا يجب أن يبلغ الكفر، وإن كان يُطلق القول: إنَّ هذا الكلام كفر، كما أطلق السلف الكفر على من قال ببعض مقالات الجهمية، مثل القول بخلق القرآن، أو إنكار الرؤية، أو نحو ذلك مـمَّا هو دون إنكار علو الله على الخلق، وأنَّه فوق العرش، فإنَّ تكفير صاحب هذه المقالة كان عندهم من أظهر الأمور، فإنَّ التكفير المطلق، مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجَّة التي تُكفِّر المطلق، مثل الوعيد المطلق، لا يستلزم تكفير الشخص المعين حتى تقوم عليه الحجَّة التي تُكفِّر تاركها، كما ثبت في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي قال: إذا أنا مت فاحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله عليَّ لُيعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فقال الله له: ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك، فغفر له. فهذا الرجل اعتقد أنَّ الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنَّه لا يبعثه، وكل من هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يردُّه= =عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته. فمن أخطأ في بعض مسائل الاعتقاد، من أهل الإيمان بالله وبرسوله، وباليوم الآخر والعمل الصالح، لم يكن أسوأ حالاً من هذا الرجل، فيغفر الله خطأه، أو يعذِّبه إن كان منه تفريط في اتباع الحق على قدر دينه، وأمَّا تكفير شخص - عُلم إيمانه - يمجرَّد الغلط في ذلك فعظيم؛ فقد ثبت في الصحيح عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن المؤمن كقلته، ومن رمى مؤمناً بالكفر فهو كقتله)..» (الاستقامة، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، 1/163 - 165)، وانظر (مجموع الفتاوى (28/500 - 501).
20 - (5/239)، وفي هذا الباب يقول ابن تيمية: «إنَّه قد تقرَّر من مذهب أهل السُّنَّة والجماعة ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة: أنَّهم لا يُكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا يُخرجونه من الإسلام بعمل، إذا كان فعلاً منهياً عنه، مثل الزنى، والسرقة، وشرب الخمر، ما لم يتضمن ترك الإيمان وأما إن تضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به، مثل: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد الموت، فإنَّه يكفر به، وكذلك يكفر بعدم اعتقاد وجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وعدم تحريم المحرمات الظاهرة المتواترة» (مجموع الفتاوى، 20/90).
21 - (5/250).
22 - أخرجه: البخاري (8/159) و (8/161)، ومسلم (3/1314)، والنسائي (8/58 - 59)، وابن ماجة (2/862).
23 - أخرجه: مسلم (3/1567)، والنسائي (7/204 - 205)، وأحمد (2/156 و 197 و 326 - 327).
24 - أخرجه الجزء الأول من حديث أبي جحيفة: البخاري (7/169)، وأخرجه بتمامه من حديث جابر: مسلم (3/1219).
25 - أخرجه: البخاري (8/158).
26 - (4/567 - 574).
27 - أخرجه: مسلم (3/1444 - 1445)، وقال المحقق: لم أعرف مكان الحديث في البخاري.
28 - أخرجه: الترمذي (4/294)، وابن ماجة (1/62)، وأحمد (5/253 و 256).
29 - (5/247 - 248).
30 - (2/452 - 453).
31 - (6/302 - 303).
32 - (6/115).
33 - (5/8 - 9).
34 - (3/452 - 453).
35 - (7/221 - 222)، وانظر في هذا الباب: (4/38 و 519 - 521 و 579) و (6/ 342 - 343 و 437) و (8/59).. وغيرها.
36 - (4/507 - 508).
37 - (8/58 - 59).
38 - (1/75).
39 - (5/175).
40 - (7/276).
41 - (7/220).
42 - (8/318).
43 - (8/579).
44 - (6/437 - 438).
45 - (7/222).
46 - أصدرت مجلة البيان سلسلة من الدراسات السياسية عن المشروع الإيراني، ومنها: 1 - حزب الله.. وسقط القناع، تأليف أحمد فهمي. 2 - صراع المصالح في بلاد الرافدين، تأليف أحمد فهمي. 3 - البحرين بركان على جزيرة، تأليف أحمد فهمي. 4 - العرب السنة في العراق.. تاريخهم، واقعهم، مستقبلهم، تأليف د. عبد الرحمن الرواشدي وآخرون.
47 - من المفيد الرجوع إلى كتاب خريطة الشيعة في العالم، تأليف أمير سعيد.

إضافة تعليق جديد