الخميس 21 نوفمبر 2024 الموافق 19 جمادي اول 1446 هـ

تأريخ الفرق

مصادر الاستدلال والتلقي بين أهل السنّة والرافضة

10 شوال 1438 هـ


عدد الزيارات : 7750
أحمد الصويان

 


هذا البحث عبارة عن جزء من كتاب: "أصول وقواعد منهجية"، وهو كما عبّر مؤلفه: قراءة متأنية في كتاب «منهاج السُّنة النبويّة» لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

ففي كتاب منهاج السنّة: يقارن شيخ الإسلام بين مصادر الاستدلال والتلقي عند أهل السّنة وعند الرافضة في مواضع كثيرة، ويبيّن منهجهم، وأخطاءهم فيه، ويذكر الأمثلة عليه من كتبهم وينقدها، ويبيّن موضع الخلل في المنهج الذي أوصلهم لهذا الانحراف.

وقد اعتنى الباحث بإبراز ذلك كله من خلال هذا البحث القيّم المختصر النافع.

  • وخلاصة هذه المقارنة:

الاستدلال بالقرآن الكريم:

يعتني أهل السنّة بالقرآن الكريم قراءة وفهمًا وتطبيقًا، ويفسّرونه كما جاء عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه.

في حين أنّ الرافضة يقلّ اعتناؤهم بكتاب الله -عزّ وجلّ- وبفهم معانيه ومعرفة دلائله وأحكامه، ويعتمدون في تفسيره على تفاسير المعتزلة والمنقولات الواهية التي توافق أهواءهم، هذا فضلًا عن تحريفهم القرآن.

وقد ذكر الباحث مثالين اثنين للتفاسير الواهية التي أوردها ابن تيمية، وردّه عليها. وبيّن في ثنايا ذلك المنهج العلمي للتعامل مع الكتب التي لا تلتزم بالصحة.

قواعد الاستدلال:

لخّص الباحث ما ذكره ابن تيمية من القواعد العلمية التي تضبط منهج الاستدلال، وذكر من كلامه ما يشرحها ويبيّن المراد منها، وهذه القواعد هي:

  1. جمع النصوص الواردة في الباب الواحد؛ لكي تتضح وتكتمل أجزاؤها. فمن أبرز أسباب انحراف المبتدعة في القديم والحديث: أنهم يأخذون نصَّاً ويدعون نصوصاً أخرى.
  2. تعظيم النصّ الشرعي والوقوف عند حدوده.
  3. ردُّ المتشابه إلى المحكم، بخلاف أهل البدع فإنهم يتّبعون المتشابه ويردُّون المحكم.
  4.  نصوص الشارع كلمات جوامع، فينبغي الاجتهاد في الجزئيات. وهذا الاجتهاد يسمى تحقيق المناط.
  5. الموازنة بين المصالح والمفاسد.
  6. الفتنة من صوارف الاهتداء بالحق: فإنَّها تمنع معرفة الحق أو قصده أو القدرة عليه.
  7. العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
  8. العبادة مبناها على الاتباع لا على الابتداع.

 

من أهم القضايا التي أبرزها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) هي قضية: (الاعتماد على المصادر الشرعية المعتدِّ بها في الاستدلال والتلقي). إذ إنَّ الاضطراب في هذه المسألة العظيمة هو أحد الأسباب الرئيسة في ظهور المبتدعة، وعلى قدر اضطرابهم يكون بعدهم عن الحق.

وقد رسم ابن تيمية في ذلك منهاجاً في غاية المتانة والصفاء، أظهر فيه دقَّة السلف الصالح - رضي الله عنهم -، وأمانتهم، واعتصامهم بالكتاب والسُّنَّة. كما ألزم مخالفيه من الرافضة وغيرهم بذلك المنهاج الشرعي الأصيل. وأبرز -رحمه الله تعالى- من خلال ردِّه على ابن المطهر الرافضي تهافت منهاج الرافضة، وسقوطه في الاستدلال والتلقي. وبيَّن أنَّ قوام هذا المذهب الرافضي، واعتماده مبني على غير أصول شرعية لا نقلاً ولا عقلاً. وإليك بيان ذلك:

  • الأدلَّة القرآنية

يطالب ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بضرورة الرجوع إلى الكتاب والسُّنَّة عند التنازع والاختلاف، وتحكيمهما في المسائل العلمية والعملية. ويقرِّر كفر من لم يعتقد وجوب الحكم بكتاب الله -عزَّ وجلَّ-، وسنَّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في شأنه كلِّه.

قال ابن تيمية: "ولا ريب أنَّ مَن لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر، فمن استحل أن يحكم بين النَّاس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله -سبحانه وتعالى-، كسوالف البادية، وكأوامر المطاعين فيهم، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسُّنَّة.

وهذا هو الكفر، فإن كثيراً من الناس أسلموا، ولكن مع هذا لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً، كمن تقدَّم أمرهم.

وقد أمر الله المسلمين كلَّهم إذا تنازعوا في شيء أن يردُّوه إلى الله والرسول، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء: 59]. وقال -تعالى-: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيماً}[النساء: 65].

فمَن لم يلتزم تحكيم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنَّه لا يؤمن، وأمَّا من كان ملتزماً بحكم الله ورسوله باطناً وظاهراً، لكن عصى واتبع هواه، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة"(5/130-131). وقضية تحكيم شرع الله - تعـــالى - من قضايا النوازل الخطيـــرة التـــي عمَّ شـــررها، وقـــد أشـــار إليها ابــن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه، منها قوله: «ليس لأحد أن يحكم بيـــن أحــد من خلـــق الله، لا بين المسلمين ولا الكفار، ولا الكبار ولا الفتيان، ولا رماة البندق ولا الجيـــش ولا الفـــقراء، ولا غير ذلك، إلا بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله - تعالى -: {أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٠٥]. وقوله - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيماً} [النساء: ٥٦]، فيجب على المسلمين أن يحكِّموا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما شجر بينهم. ومن حكم بحكم البندق وشرع البندق أو غيره مـمَّا يخالف شرع الله ورسوله، وحكم الله ورسوله، وهو يعلم ذلك، فهو من جنس التتار الذين يُقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تعمَّد ذلك فقد قدح في عدالته ودينه..». مجموع الفتاوى (35/407).

موقف الرافضة من كتاب الله -عزَّ وجلَّ-:

وبعد هذا التأصيل يُشير ابن تيمية إلى قلَّة عناية الرافضة بكتاب الله -عزَّ وجلَّ- حفظاً وتعلماً، وإلى ضعفهم في فهم معانيه ومعرفة دلائله وأحكامه، حيث قال: "الرافضة لا تعتني بحفظ القرآن، ومعرفة معانيه وتفسيره، وطلب الأدلَّة الدالة على معانيه"(5/163)..

وليت الحال وقف بهم عند هذا الحدِّ؛ بل تجاوزه بعضهم إلى تحريف القرآن العظيم والعياذ بالله.

قال ابن تيمية: ".. الذين أدخلوا في دين الله ما ليس منه، وحرَّفوا أحكام الشريعة، ليسوا في طائفة أكثر منهم في الرافضة، فإنهم أدخلوا في دين الله من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يكذبه غيرهم، وردُّوا من الصدق ما لم يردّه غيرهم، وحرَّفوا القرآن تحريفاً لم يحرفه غيرهم.." إلى أن قال: "فهم قطعاً أدخلوا في دين الله ما ليس منه أكثر من كلِّ أحد، وحرَّفوا كتابه تحريفاً لم يصل غيرهم إلى قريب منه"(3/403 - 405)، ولعلَّ التحريف المشار إليه هو تحريف المعاني، لا تحريف الألفاظ، مع العلم أنَّ بعض غلاة الرافضة قد حرفوا ألفاظ القرآن، وبعضهم يعتقد أن القرآن قد حُرِّف، حتى ألَّف إمامهم الطبرسي كتاباً في ذلك سمَّاه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب)، وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة 1298هـ..

ومن التحريف: تحريف الكلم عن مواضعه، فالرافضة: "يقولون في تحريف القرآن ما هو من جنس أهل البهتان، ويحرِّفون الكلم عن مواضعه، كقولهم في قوله -تعالى-: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً}[الفتح: ٢]، أي: ذنب آدم وما تأخر من ذنب أمته"(2/401)..

وقال ابن تيمية في معرض حديثه عن القدرية: "وفي تأويلاتهم من تحريف الكلم عن مواضعه، ومخالفة إجماع سلف الأمة وأئمتها: ما يبين بعضه بطلان تحريفاتهم"(3/265)..

اعتماد الرافضة على تفاسير المعتزلة والمنقولات الواهية:

مع ما تقدم فالرافضة يعتمدون في تفسير القرآن العظيم على مصنَّفات المعتزلة.

قال ابن تيمية: "فالجمهور فيهم من العلم بالقرآن ومعانيه وعلومه ما لا يوجد منه شيء عند الشيعة، بعضهم تعلَّمه من أهل السُّنَّة، وهم مع هذا مقصرون، فمن صنَّف منهم تفسير القرآن فمن تفاسير أهل السُّنَّة يأخذ، كما فعل الطوسي والموسوي، فما في تفسيره من علم يُستفاد هو مأخوذ من تفاسير أهل السُّنَّة، وأهل السُّنَّة في هذا الموضع: من يُقرُّ بخلافة الثلاثة، فالمعتزلة داخلون في أهل السُّنَّةقال ابن تيمية هذا الكلام تنزلاً مع اصطلاح الخصم، فأهل السُّنَّة في اصطلاح ابن المطهر، واصطلاح العامة: من سوى الشيعة، لأنهم يُثبتون خلافة الثلاثة؛ انظر منهاج السُّنَّة النبوية (1/134).. وهم إنما يستعينون في التفسير والمنقولات بكلام المعتزلة، وكذلك بحوثهم العقلية، فما كان فيها صواباً فإنَّما أخذوه عن أهل السُّنَّة، والذي يمتازون به هو كلامهم في ثلب الصحابة والجمهور، ودعوى النَّص ونحو ذلك مـمَّا هم به أخلق، وهم به أشبه"(6/379)..

وأشار ابن تيمية في مواضع عديدة إلى تعسف الرافضة في فهم دلالات الآيات القرآنية، وأنَّهم يعتمدون في تفسيرها على منقولات واهية توافق أهواءهم؛ لكنها لا تخضع للميزان العلمي الدقيق، فها هو ذا يُبيِّن منهج ابن المطهر الحلي في نقله لتفسير الآيات من أقوال أهل العلم: "ثم إنَّه يعتمد في تفسير القرآن على قول يُحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون كذباً عليه، وإن كان صدقاً فقد خالفه أكثر الناس، فإن كان قول الواحد الذي لم يُعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهاناً: فإنَّه يُقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله، فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين لا تتناقض!"(7/8)..

والعجيب من منهج ابن المطهر الرافضي أنَّه يستدل في تفسيره لبعض الآيات القرآنية بمرويات واهية توافق هواه، يرويها بعض أهل العلم الثقات الذين لم يلتزموا الصحة في مروياتهم، وإنَّما ينقلون كل شيء، مثل: أبي نعيم الأصبهاني، والثعلبي، والواحدي.. ونحوهم، وقد انتقده شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بشدِّة، وبيَّن أنَّ مجرد وجود النص في مثل كتب هؤلاء العلماء ليس مشعراً بالصحة.

قال ابن تيمية: "وأمَّا ما نقله من تفسير الثعلبي، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أنَّ الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة، كالحديث الذي يرويه في أوَّل كلِّ سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك، ولهذا يقولون: هو كحاطب ليل، وهكذا الواحدي تليمذه، وأمثالهما من المفسرين ينقلون الصحيح والضعيف.

ولهذا: لمَّا كان البغوي عالماً بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، ولم يذكر في تفسيره شيئاً من هذه الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خيرٌ ودين، لكن لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يُميِّز السُّنَّة والبدعة في كثير من الأقوال"(7/12)..

وقال أيضاً: "وأمَّا ما يرويه أبونعيم في الحلية أو في فضائل الخلفاء، والنقاش، والثعلبي، والواحدي، ونحوهم في التفسير، فقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أنَّ فيما يروونه كثيراً من الكذب الموضوع"(7/34)، وانظر أيضاً: (7/90-91، 310 و 355 و 343)..

ولتقريب هذه الفكرة أذكر مثالين اثنين فقط للتفاسير الواهية، التي نقلها الرافضي عن كتب بعض العلماء الثقات الذين لم يلتزموا الصحة في مرويَّاتهم:

المثال الأول:

ذكر الرافضي قول الله -تعالى-: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ 19 بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ}[الرحمن: 19-20] ، ثم قال: "من تفسير الثعلبي وطريق أبي نعيم عن ابن عباس في قوله -تعالى-: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ} قال: علي وفاطمة، {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} : النبي صلى الله عليه وسلم : {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْـمَرْجَانُ}[الرحمن: ٢٢] الحسن والحسين..".

وردَّ ابن تيمية هذا التفسير بقوله: "هذا وأمثاله إنَّما يقوله من لا يعقل ما يقول، وهذا بالهذيان أشبه منه بتفسير القرآن، وهو من جنس تفسير الملاحدة والقرامطة الباطنية للقرآن، بل شرٌّ من كثير منه، والتفسير بمثل هذا طريق للملاحدة على القرآن والطعن فيه، بل تفسير القرآن بمثل هذا من أعظم القدح فيه والطعن فيه"(7/245)، ومن عدل ابن تيمية وإنصافه: رده للتفاسير الباطلة التي يقولها جهال المنتسبين للسنَّة، فهو يقول: «ولجهال المنتسبين إلى السُّنَّة تفاسير في الأربعة، وهي وإن كانت باطلة فهي أمثل من هذا، كقولهم: الصابرين: محمد، والصادقين: أبو بكر، والقانتين: عمر، والمنفقين: عثمان، والمستغفرين بالأسحار: علي...» (7/245)..

المثال الثاني:

ذكر الرافضي في سياق بيان البراهين الدَّالة على إمامة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من الكتاب العزيز: "البرهان الثالث عشر: قوله -تعالى-: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ إنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد: ٧]، ثم قال: "من كتاب الفردوس: عن أبي عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا المنذر، وعليّ الهادي، بكَ يا عليُّ يهتدي المهتدون)، ونحوه رواه أبو نعيم، وهو صريح في ثبوت الولاية والإمامة!".

وردَّ ابن تيمية هذا التفسير بقوله: "والجواب من وجوه:

أحدها: أنَّ هذا لم يقم دليلٌ على صحته، فلا يجوز الاحتجاج به، وكتاب الفردوس للديلمي فيه موضوعات كثيرة أجمع أهل العلم على أنَّ مجرد كونه رواه لا يدل على صحة الحديث، وكذلك رواية أبي نعيم لا تدلُّ على الصحة.

الثاني: أنَّ هذا كذب موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، فيجب تكذيبه ورده.

الثالث: أنَّ هذا الكلام لا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ قوله: (أنا المنذر، وبك يا علي يهتدي المهتدون)، ظاهره أنهم بك يهتدون دوني، وهذا لا يقوله مسلم، فإنَّ ظاهره أن النذارة والهداية مقسومة بينهما، فهذا نذيرٌ لا يُهتدى به، وهذا هاد، وهذا لا يقوله مسلم..."(7/139-140)..

المنهج العلمي للتعامل مع الكتب التي لا تلتزم بالصحة:

يُشير ابن تيمية بعد التقرير السابق إلى منهج علمي لطيف في التعامل مع الكتب التي لا تلتزم الصحة في منقولاتها، فيقول مخاطباً الرافضي: "ما يرويه مثل أبي نُعيم والثعلبي والنقاش وغيرهم: أتقبلونه مطلقاً؟ أم تردونه مطلقاً؟ أم تقبلونه إذا كان لكم لا عليكم، وتردونه إذا كان عليكم؟ فإن تقبلوه مطلقاً، ففي ذلك أحاديث كثيرة في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان تناقض قولكم..".

إلى أن قال: "فإن كان المخالف يقبل كل ما رواه هؤلاء وأمثالهم في كتبهم،فقد رووا أشياء كثيرة تناقض مذهبهم، وإن كان يردُّ الجميع بطل احتجاجه بمجرَّد عزوه الحديث بدون المذهب إليهم. وإن قال: أقبل ما يوافق مذهبي وأردُّ ما يُخالفه، أمكن منازعه أن يقول مثل هذا، وكلاهما لا يجوز أن يحتج على صحة مذهب بمثل هذا، فإنَّه يُقال: إن كنت إنَّما عرفت صحة هذا الحديث بدون المذهب، فاذكر ما يدل على صحته، وإن كنت إنَّما عرفت صحته لأنَّه يوافق المذهب، امتنع تصحيح الحديث بالمذهب، لأنَّه حينئذ صحة المذهب موقوفة على صحة الحديث، وصحة الحديث موقوفة على صحة المذهب، فيلزم الدور الممتنع..".

ثم ذكر ابن تيمية المنهج العلمي لأهل السُّنَّة، فقال: "وأمَّا أهل العلم والدين فلا يُصدِّقون بالنقل ويُكذِّبون به بمجرد موافقة ما يعتقدون؛ بل قد ينقل الرجل أحاديث كثيرة لصحتها، وإن كان ظاهرها بخلاف ما يعتقدونه: إمَّا لا عتقادهم أنَّها منسوخة، وإمَّا لها تفسير لا يُخالفونه، ونحو ذلك.

فالأصل في النقل أن يرجع فيه إلى أئمة النقل وعلمائه، ومن يشركهم في علمهم علم ما يعلمون، وأن يُستدلَّ على الصحة والضعف بدليل منفصل عن الرواية، فلا بُدَّ من هذا وهذا، وإلا فمجرَّد قول القائل: رواه فلان، لا يحتج به لا أهل السُّنَّة ولا الشيعة، وليس في المسلمين يحتج بكلِّ حديث رواه كلُّ مصنِّف، فكل حديث يحتج به نطالبه من أولِّ مقام بصحته"(7/38-42)..

بعض قواعد الاستدلال:

ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- بعض القواعد العلمية التي تضبط منهج الاستدلال، ومنها:

  • القاعدة الأولى: جمع النصوص الواردة في الباب الواحد:

عند دراسة أي مسألة من مسائل العلم، يجب أن تجمع أطراف الأدلَّة في المسألة المرادة، لكي تتضح وتكتمل أجزاؤها، ولعل من أبرز أسباب انحراف المبتدعة في القديم والحديث: أنهم يأخذون نصَّاً ويدعون نصوصاً أخرى، فالخوارج مثلاً أخذوا نصوص الوعيد، وأهملوا نصوص الوعد، والمرجئة أخذوا نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد. ولهذا كان منهج أهل السُّنَّة جمع النصوص كلها وتتبعها في الباب الواحد؛ ليكمل بعضها بعضاً.

ولـمَّا استدل ابن المطهر الرافضي ببعض الآيات التي فيها نسبة الفعل للعبد، مثل قوله -تعالى-: {وَإبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى}[النجم: ٧٣]. {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا}[مريم: 37]. {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: 164]. {ادْخُلُوا الْـجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل: 32].. نحوها.

قال ابن تيمية ردَّاً عليه: "الجواب من وجوه: أحدها: أن يُقال: كلُّ هذا حق، وجمهور أهل السُّنَّة قائلون بذلك، وهم قائلون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة لا مجازاً، وإنَّما نازع في ذلك طائفة من متكلمي أهل الإثبات، كالأشعري ومن اتبعه.

الثاني: أن يقال: والقرآن مملوء بما يدلُّ على أنَّ أفعال العابد حادثة بمشيئة الله وقدرته وخلقه، فيجب الإيمان بكلِّ ما في القرآن، ولايجوز أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، قال الله -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}[البقرة: 253]، وقال -تعالى-: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[الأنعام: 125]، وقال -تعالى-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[الأنعام: 112]"[14].

 

  • القاعدة الثانية: تعظيم النص الشرعي والوقوف عند حدوده:

قال ابن تيمية: "أحمد بن حنبل يستحب المتعة - متعة الحج - ويأمر بها، حتى يستحب هو وغيره من الأئمة - أئمة أهل الحديث - لمن أحرم مفرداً أو قارناً أن يفسخ ذلك إلى العمرة ويصير متمتعاً، لأن الأحاديث الصحيحة جاءت بذلك، حتى قال سلمة بن شبيب للإمام أحمد: أبا عبد الله قوَّيت قلوب الرافضة لـمَّا أفتيت أهل خراسان بالمتعة - متعة الحج -! فقال: يا سلمة كان يبلغني عنك أنك أحمق، وكنت أدفع عنك، والآن فقد ثبت عندي أنك أحمق، عندي أحد عشر حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، أأتركها لقولك؟!"(4/152)..

فالمعيار الذي توزن به الأقوال والأعمال هو النص الشرعي وليس المكايدة المذهبية، ولذا فقد أصل ابن تيمية قاعدة جليلة قال فيها: "كل ما نهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه، سواء أكان فاعله منتسباً إلى السُّنَّة أو إلى التشيع"(1/483)..

  • القاعدة الثالثة: ردُّ المتشابه إلى المحكم:

من مآخذ المبتدعة في الاستدلال: اتباع المتاشبة وردُّ المحكم، كما جاء وصفهم في قول الله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ}[آل عمران: ٧].

وقد تميَّز الرافضة بهذه الصفة، حيث قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان حالهم: "وهؤلاء الرافضة الذين يدفعون الحق المعلوم يقيناً - بطرق كثيرة علماً لا يقبل النقيض - بشُبَه في غاية الضعف، هم من أعظم الطوائف الذين في قلوبهم الزيغ، الذين يتبعون المتشابه ويدعون المحكم، كالنصارى والجهمية وأمثالهم من أهل البدع والأهواء، الذين يدعون النصوص الصحيحة الصريحة التي توجب العلم، ويعارضونها بشُبَه لا تفيد إلا الشك، لو تُعرض لم تثبت، وهذا في المنقولات سفطة كالسفطة في العقليات، وهو القدح فيما عُلم بالحس والعقل بشُبَه تعارض ذلك. فمن أراد أن يدفع العلم اليقيني المستقر في القلوب بالشُبَه، فقد سلك مسلك السفسطة"(7/464)..

  • القاعدة الرابعة: نصوص الشارع كلمات جوامع، فينبغي الاجتهاد في الجزئيات:

قال ابن تيمية: "فإنَّ الشارع نصوصه كلمات جوامع، وقضايا كلية، وقواعد عامة، يمتنع أن ينصَّ على كلِّ فرد من جزئيات العالم إلى يوم القيامة، فلا بدَّ من الاجتهاد في المعيَّنات: هل تدخل في كلماته الجامعة أم لا؟.

وهذا الاجتهاد يسمى تحقيق المناط، وهو مـمَّا اتفق عليه الناس كلهم: نفاة القياس ومثبتته، فإنَّ الله إذا أمر أن يُستشهد ذوا عدل، فكون الشخص المعيَّن من ذوي العدل لا يُعلم بالنصِّ العام بل باجتهاد خاص، وكذلك إذا أمر أن تؤدَّى الأمانات إلى أهلها وأن يولى الأمور من يصلح لها، فكون هذا الشخص المعين صالحاً لذلك أو راجحاً على غيره لا يمكن أن تدلَّ عليه النصوص، بل لا يُعلم إلا باجتهاد خاص"(6/139-140)..

وقال ابن تيمية في موضع آخر: "القياس إن كان حجة جاز إحالة الناس عليه، وإن لم يكن حجة وجب أن ينص النبي على الكليات، وأيضاً فقد قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا}[المائدة: ٣].

وهذا نص في أنَّ الدين كامل لا يحتاج معه إلى غيره، والناس في الأصل ثلاثة أقوال:

منهم من يقول: النصوص قد انتظمت جميع كليات الشريعة فلا حاجة إلى القياس؛ بل لا يجوز القياس.

ومنهم من يقول: بل كثير من الحوادث لا يتناولها النصوص، فالحاجة داعية إلى القياس. ومن هؤلاء من قد يدَّعي أنَّ أكثر الحوادث كذلك، وهذا سرف منهم.

ومنهم من يقول: بل النصوص تناولت الحوادث بطرق جلية أو خفية، فمن الناس من لا يفهم تلك الأدلَّة، أو لا يبلغه النص فيحتاج إلى القياس، وإن كانت الحوادث قد تناولها النصُّ، أو يقول: إن كلَّ واحد من عموم النص القطعي والقياس المعنوي حجة وطريق يسلك السالك إليه ما أمكنه، وهما متفقان لا يتناقضان إلا لفساد أحدهما، وهذا القول أقرب من غيره.

وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النص على أعيانها، بل لا بدَّ فيها من الاجتهاد المسمى بتحقيق المناط، كما أن الشارع لا يمكن أن ينصَّ لكلِّ مصلٍّ على جهة القبلة في حقه، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد، وأمثال ذلك..."(6/411-412)..

  • القاعدة الخامسة: الموازنة بين المصالح والمفاسد:

قال ابن تيمية: "فالأقل ظلماً ينبغي أن يُعاون على الأكثر ظلماً، فإن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشر الشرين، حتى يُقدَّم عند التزاحم خير الخيرين ويُدفعَ شرُّ الشرين"(6/118)..

وقال أيضاً: "الصواب الذي مصلحته أعظم: هو خير وأفضل من الصواب الذي مصلحته أقل"(6/114)..

وقال: "ومما ينبغي أنَّ يُعلم: أن الله -تعالى- بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الناس على غاية ما يمكن من الصلاح، لا لرفع الفاسد بالكلية، فإن هذا ممتنع في الطبيعة الإنسانية، إذ لا بدَّ فيها من فساد"(6/149)..

  • القاعدة السادسة: الفتنة من صوارف الاهتداء بالحق:

قال ابن تيمية: ".. وذلك أنَّ الله -تعالى- بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فبالهدى يُعرف الحق، وبدين الحق يُقصد الخير ويُعمل به، فلا بُدَّ من علم بالحق، وقصد له وقدرة عليه، والفتنة تضادّ ذلك، فإنَّها تمنع معرفة الحق أو قصده أو القدرة عليه، فيكون فيها من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل، حتى لا يتميَّز لكثير من الناس أو أكثرهم، ويكون فيها من الأهواء والشهوات ما يمنع قصد الحق وإرادته، ويكون فيها من ظهور قوة الشر ما يُضعف القدرة على الخير.

ولهذا يُنكر الإنسان قلبه عند الفتنة، فيردُ على القلوب ما يمنعها من معرفة الحق وقصده، ولهذا يُقال: فتنة عمياءُ صمَّاء، ويقال: فتن كقطع الليل المظلم، ونحو ذلك من الألفاظ التي يتبيَّن ظهور الجهل فيها، وخفاء العلم"(4/547-548)..

  • القاعدة السابعة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب:

قال ابن تيمية: "وهو صلى الله عليه وسلم أمره شامل عام لكلِّ مؤمن شاهده أو غاب عنه في حياته وبعد موته، وليس هذا لأحد من الأئمة ولا يُستفاد هذا بالإمامة. حتى أنه صلى الله عليه وسلم إذا أمر ناساً معينين بأمور، وحكم في أعيان معينة بأحكام، لم يكن حكمه وأمره مختصَّاً بتلك المعينات، بل كان ثابتاً في نظائرها وأمثالها إلى يوم القيامة، فقوله صلى الله عليه وسلم لمن شهده: (لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود)أخرجه: مسلم (1/320).، هو حكم ثابت لكلِّ مأموم بإمام ألَّا يسبقه بالركوع ولا بالسجود، وقوله لمن قال: لم أشعر فحلقت قبل أن أرميَ، قال: (ارمِ ولا حرج)، ولمن قال: نحرت قبل أن أحلق، قال: (احلق ولا حرج)، أمر لمن كان مثلهقال المحقق: جاءت أحاديث في جواز عدم الترتيب في المناسك عن عدد من الصحابة، انظر: البخاري (2/173 و 175)، ومسلم (2/948 - 950).. وكذلك قوله لعائشة -رضي الله عنها- لما حاضت وهي معتمرة: (اصنعي ما يصنع الحاج غير ألَّا تطوفي بالبيت)أخرجه: البخاري (2/159).، وأمثال هذا كثير..."(1/81 - 82)..

  • القاعدة الثامنة: العبادة مبناها على الاتباع لا على الابتداع:

قال ابن تيمية: "العبادات مبناها على أصلين:

أحدهما: ألَّا يعبد إلا الله، لا نعبد من دونه شيئاً، لا ملكاً ولا نبيَّاً ولا صالحاً ولا شيئاً من المخلوقات.

والثاني: أن نعبده بما أمرنا به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا نعبده ببدع لم يشرعها الله ورسوله"(2/448)..

وهذه قاعدة عظيمة من قواعد التلقي تعصم المسلم من الزيغ والانحراف والإحداث في دين الله تعالى. ومن عضَّ عليها بالنواجذ سلمت ديانته من تحريف الغالين وانتحال المبطلين.

 

1 - (5/130-131). وقضية تحكيم شرع الله - تعـــالى - من قضايا النوازل الخطيـــرة التـــي عمَّ شـــررها، وقـــد أشـــار إليها ابــن تيمية في مواضع كثيرة من كتبه، منها قوله: «ليس لأحد أن يحكم بيـــن أحــد من خلـــق الله، لا بين المسلمين ولا الكفار، ولا الكبار ولا الفتيان، ولا رماة البندق ولا الجيـــش ولا الفـــقراء، ولا غير ذلك، إلا بحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومن ابتغى غير ذلك تناوله قوله - تعالى -: {أَفَحُكْمَ الْـجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٠٥]. وقوله - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّـمُوا تَسْلِيماً} [النساء: ٥٦]، فيجب على المسلمين أن يحكِّموا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما شجر بينهم. ومن حكم بحكم البندق وشرع البندق أو غيره مـمَّا يخالف شرع الله ورسوله، وحكم الله ورسوله، وهو يعلم ذلك، فهو من جنس التتار الذين يُقدمون حكم الياسق على حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن تعمَّد ذلك فقد قدح في عدالته ودينه..». مجموع الفتاوى (35/407).
2 - (5/163).
3 - (3/403 - 405)، ولعلَّ التحريف المشار إليه هو تحريف المعاني، لا تحريف الألفاظ، مع العلم أنَّ بعض غلاة الرافضة قد حرفوا ألفاظ القرآن، وبعضهم يعتقد أن القرآن قد حُرِّف، حتى ألَّف إمامهم الطبرسي كتاباً في ذلك سمَّاه: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب)، وقد طبع هذا الكتاب في إيران سنة 1298هـ.
4 - (2/401).
5 - (3/265).
6 - قال ابن تيمية هذا الكلام تنزلاً مع اصطلاح الخصم، فأهل السُّنَّة في اصطلاح ابن المطهر، واصطلاح العامة: من سوى الشيعة، لأنهم يُثبتون خلافة الثلاثة؛ انظر منهاج السُّنَّة النبوية (1/134).
7 - (6/379).
8 - (7/8).
9 - (7/12).
10 - (7/34)، وانظر أيضاً: (7/90-91، 310 و 355 و 343).
11 - (7/245)، ومن عدل ابن تيمية وإنصافه: رده للتفاسير الباطلة التي يقولها جهال المنتسبين للسنَّة، فهو يقول: «ولجهال المنتسبين إلى السُّنَّة تفاسير في الأربعة، وهي وإن كانت باطلة فهي أمثل من هذا، كقولهم: الصابرين: محمد، والصادقين: أبو بكر، والقانتين: عمر، والمنفقين: عثمان، والمستغفرين بالأسحار: علي...» (7/245).
12 - (7/139-140).
13 - (7/38-42).
14 - (4/152).
15 - (1/483).
16 - (7/464).
17 - (6/139-140).
18 - (6/411-412).
19 - (6/118).
20 - (6/114).
21 - (6/149).
22 - (4/547-548).
23 - أخرجه: مسلم (1/320).
24 - قال المحقق: جاءت أحاديث في جواز عدم الترتيب في المناسك عن عدد من الصحابة، انظر: البخاري (2/173 و 175)، ومسلم (2/948 - 950).
25 - أخرجه: البخاري (2/159).
26 - (1/81 - 82).
27 - (2/448).

إضافة تعليق جديد