الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

بيانات ووثائق

تعليق الدكتور أيمن هاروش على اتفاق الفوعة وكفريا.. وتهجير أهالي مضايا والزبداني

04 رجب 1438 هـ


عدد الزيارات : 3237
أيمن هاروش

شغلت قضية قريتي الفوعة وكفريا حيّزاً كبيراً من الرأي العام في سورية، ولاقى جيش الفتح على وجه العموم وجبهة النصرة سابقاً المتمثلة حالياً بـ "جبهة تحرير الشام" –على وجه الخصوص- انتقادات واسعة بسبب سوء إدارة ملف القريتين، إلى أن سُرِبت مؤخراً أخبار تفيد بأن "جبهة تحرير الشام وحركة أحرار الشام" عقدتا اتفاقاً مع إيران بخصوصهما، بعد محادثات جرت في الدوحة بوساطة قطرية.

شمل الاتفاق وقفاً لإطلاق النار وهدنة في بعض مدن محافظة إدلب وأحياء جنوب دمشق، مدتها تسعة أشهر، مقابل السماح لأهالي "الفوعة وكفريا" المواليتين لنظام الأسد بالخروج من قريتيهما في محافظة إدلب على دفعتين اتجاه دمشق في غضون ستين يوماً.

لاقى الاتفاق ردود فعل غاضبة، ورأى فيه نشطاء وشرعيو وإعلاميو الثورة اتفاقا مجحفا، وأنه يخدم مشروع التغيير الديمغرافي في سورية، كما أنه يسحب من يد قوى الثورة ورقة مهمة، كان يجب أن يتخذ القرار فيها من قبل قوى الثورة مجتمعة، لا أن ينفرد بها فصيل أو اثنين، ليطلق العنان لقوات الأسد والميليشيات الإيرانية لبدء أعمالها العسكرية في الغوطة الشرقية وإدلب دون خوف من أي عواقب.

د. أيمن هاروش أصدر بياناً حول هذه النازلة، ناشد فيه، أهالي بلدتي الزبداني ومضايا رفض الاتفاق، وفضل لهم المصالحة مع النظام والبقاء في مدنهم على أطراف دمشق على القبول بالتهجير القسري والتغيير الديمغرافي حول عاصمة الأمويين دمشق، مبيناً أهم أسباب اجتهاده في البيان التالي:

 

 • بيان د. أيمن هاروش:

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا تعليق وتعقيب على ما قلته ناصحا به أهلنا في الزبداني ومضايا أذكره تلبية لطلب بعض الأفاضل حيث استشكل عليهم المراد.

بداية من النافلة أن ننبه أن النوازل التي تمر بالساحة الشامية ليست قليلة وتحتاج لتضافر النظر فيها، وكانت رغبتي من فترة وما زالت أن نعبر عما نراه تجاه أي نازلة بصورة رأي ووجهة نظر، ولا نلبسها ثوب الحكم الشرعي عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم للأمراء الذين كان يعينهم في الحرب (وَإِذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللهِ فِيهِمْ أَمْ لَا) أخرجه مسلم.

لأن الجهاد ساحة تتشابك وتتزاحم فيها المصالح والمفاسد، ولهذا قلت في كلمتي لأهلنا في الزبداني (أنصح) ولم أستعمل مصطلحاً شرعياً ولا فقهياً يفهم منه حكم شرعي.

 

ولكن لا يدرك هذا من منهجه أن يلبس أراءه بل أهواءه حكم الله تعالى، وربما يجعلها عقيدة ودينا يكفر ويقاتل عليها، كما نراه في الساحة ممن ابتليت بهم من شيوخ المطويات والدورات الشهرية، ومجاهيل الحال والنسب العلمي أو العين أو كليهما.

وأذكر أنني تكلمت عن حكم مصالحة بعض المناطق للنظام منذ 3 سنوات عندما راسلني بعض أهالي ريف دمشق وشرح وضعهم، فبينت ذلك في حلقة تلفزيونية على برنامجي فقه الثورة الذي كان يذاع في قناة صفا، ومن أحب الاستماع فهذا رابط الحلقة كاملة.

https://youtu.be/0e0tB3p_hDU

أما فيما يخص نازلة الزبداني ومضايا ومثلها ما حصل لمن قبلها وربما يحصل لما بعدها، فكنا نظن أن نازلة داريا هي الأولى والأخيرة فسكتنا وتابعنا السكوت فيما بعدها خشية أن يتاجر بكلامنا من يصطاد في الماء العكر وهدفه التشويش وليس طلب الحق كما فعلوا اليوم، وكذلك ظننا أن حلقات المسلسل تقف، ولكن بلغ الأمر حالة ما عاد يسع الصمت والسكوت ولا بد من بيان مخرج لهذه الخطوة الخطيرة والعظيمة والسنة السيئة التي فعلها النظام ودراسة المصالح والمفاسد والمآلات من كل النواحي، بعيدا عن لغة العواطف ومشاعر الجمهور، فمن جعل مرتكزه عواطفه، ومقياس الصواب عنده ارتفاع أسهمه في بورصة جماهيره سيكون ضلاله أكثر من هداه وخطؤه أكثر من صوابه، ولهذا كسرت في هذه التغريدة حاجز الصمت ولا أبالي وفي حياتي بفضل الله ما باليت برأي الجمهور، ورأينا سكوتنا على تفرد الفصائل في بعض الأمور الحساسة أوردنا المهالك وعلى سبيل المثال لا الحصر معركة حلب التي كنت وما زلت ضدها، ويوم دحر المجاهدون الجيش الى منطقة الحاضر وذهب الخطر، قلت لعدد من القادة فلتبدأ معركة الساحل وذهبنا مع يعضهم واتفقنا على إنشاء غرفة عمليات لمعركة الساحل ووافقت كل الفصائل إلا النصرة يومها كانت تريد حلب، وكانت النتيجة خسارة حلب كاملاً وخسارة أكثر من 2000 شهيد من المجاهدين فقط دون الجرحى والمعاقين ودون الشهداء المدنيين، وأظن أن عدد الشهداء هذا كان كافيا لنصل إلى قبر حافظ في القرداحة أو عقر النظام في الساحل، والعجيب أن بعض الشرعيين الذين عليهم أن يعترفوا بصواب رؤيتنا يومها وأحقية معارضتنا وأن يخجلوا لسياستهم التي فرقت الصف في حلب وتسببت في شرخ بين الفصائل ولو كان هناك فصائل تحترم دماء شهدائها لقدموا هؤلاء لمحكمة، فالعجيب أن يتطاول علينا بلسانه ويعتبر ذما ومنقصة فينا ما نراه محمدة ونعمة نشكر الله علينا، ولكن هؤلاء حالهم عندنا معلوم وسرهم مكشوف ولكن إلى الله نشكو ساحة تولى أمرها من يقرب من يطبل له ويمسح جوخه ويهجر ويحارب من ينقده وينصحه!!!

ومثلها معركة حماه التي دعونا للمجاهدين فيها مع تخوفنا الشديد لظروفها وملابساتها وكم من فاضل صرح وآخر لمح بهذه المخاوف ولربما يظهر غدا أن معركة حماه لا تقل مراهقة عن معركة حلب إن كانت بالخطة التي نراها تسير فيها.

أقول هذا لأنبه أن على العقلاء والحكماء أن يتكلموا ويخرجوا الكلام من دائرة المجالس الضيقة إلى دائرة الفضاء لعل الساحة تنقذ من الغرق والبوصلة تتعدل وجهتها، ويكسروا عقدة الخوف من الجمهور وحملات السفهاء، فنحن نعمل فيما يريده الله لا فيما يطلبه الجمهور.

وعودا على نازلة الزبداني فهي حلقة من مسلسل تهجير أهل السنة من المناطق المهمة، بدأت بحمص لأنها عاصمة الدولة العلوية التي ربما تكون آخر ورقة في لعبة النظام، وحاربوا عليها يوم كانت لهم دولة في العهد الفرنسي، ولتصبح كلها شيعية وهي نقطة حساسة ومهمة لقربها من لبنان ولكونها بوابة لمناطق حاضنة النظام، وعقدة ربط بين كل المدن السورية، ونجح فيها إلى حد بعيد.

ثم انتقل إلى دمشق وهي العاصمة ومن صالح النظام أن تتحول العاصمة إلى شيعية ليجعل منهم حاضنة شعبية قوية وليشكل طوق حماية للعاصمة بحيث تبقى عصية على السقوط بيد المجاهدين ولو حاصروها أكثر من حصار صلاح الدين لعكا.

وهذه خطة لا يجوز أن يهملها العسكريون فهم عجزوا عن اقتحام قرية كفريا والفوعة بعد حصار مطبق لـ 3 سنوات كما يزعمون، وعن اقتحام نبل والزهراء فكيف سيقتحمون دمشق، وكل هذه القرى لا تشكل حارة في دمشق، فتحويل المناطق السنية إلى شيعية وتغيير الديمغرافية ليس بكاء على رقعة أرض فالأنبياء هاجروا وتركوا أوطانهم، لكن القضية ترسيخ وتقوية ترسانة النظام والشيعة في العاصمة، ولهذا نرى من الخطأ الفادح والنظر القاصر قياس المسألة على هجرة من أرض كفر لدار إيمان.

وهؤلاء الشيعة الذين غزوا أحياء دمشق وتملكوها واستوطنوها لا يمكن طردهم منها لاحقاً ولا تستطيع حكومة فعل ذلك لأنهم تملكوها برضى أهلها في مقايضة ومعاهدة أبرمتها الفصائل، وقد يخرج مراهق أسكرته بندقيته ليقول سنخرجهم بقوة السلاح ونغنم أموالهم ونسبي نساءهم فأقول له كانت الفوعة وكفريا قريبة منك ورأينا رجولتك وسمعنا صولاتك وجولاتك، فاذهب وفقس بيضك خارج عشنا.

ومن ناحية أخرى أين يذهب هؤلاء النازحون من أرضهم فهم مهاجرون إلى المجهول بل المعلوم منه لا يسر صديقا ولا يفرح عدوا، فسألوا أهل داريا وحمص ومن سبقوكم ماذا وجدوا من ثمرات التهجير ولن أتكلم هنا بشيء والباحث عن الحق يتحقق بنفسه.

وما زلت أذكر شبابا من داريا لقيتهم في إسطنبول فعرفوني عن أنفسهم بأنهم مجاهدون هجروا من داريا إلى إدلب ثم تركوا الجهاد وجاؤوا إلى تركيا فقلت لهم هل ندمتم على هجرتكم قالوا نعم وبنفس مليء بالحرقة، فعنتريات الفيس والتويتر والخطب الرنانة والجمل المنمقة لا يجمل واقعا سيئا ولكن تصنع من صاحبها بطلا جهاديا هوليوديا عند الغارقين بأوهام الخيال.

هذا نظر للمسألة من ناحية وزاوية، ومن زاوية أخرى علينا أن نفهم طبيعة المصالحة التي تبرم مع النظام، فحسب متابعتنا للمصالحات التي تمت نرى أنها كانت اتفاقا يتضمن إنهاء العمل المسلح والمعارضة للنظام، وتحول عناصر تلك المناطق إلى لجان شعبية لحماية المنطقة، وعفو عن كل المطلوبين وعودة مؤسسات النظام إلى تلك المنطقة، أي ستصبح المنطقة خارج خارطة الثورة وضمن خارطة النظام، ولكن ليست ضمن خارطة التشبيح، وهذا حال مناطق كثيرة تحت سيطرة النظام كمحافظة السويداء، فإذا كانت المقارنة بين هذه الصورة وبين التهجير، فأيهما تكون مفاسده أقل، لأن الخيار هنا بين أقل المفسدتين، ولا يوجد مصالح فيها، فرأيي واجتهادي أن المصالحة أقل مفسدة من التهجير، ولهذا نصحت أهلنا به.

وأما إذا كانت المصالحة تقتضي أن يصبح هؤلاء ضمن خارطة التشبيح أي يجبر شبابها على اللحاق في الجيش وقتال المجاهدين فهنا نظر آخر، والمفارنة بين اللحاق بالجيش وبين الهجرة، ولا شك أن مفسدة الهجرة أقل وأهون، ولكن هذه حالة تنطيق على الشباب ضمن سن الخدمة فليهاجروا هم فقط كما فعل الكثير من شباب بعض المناطق التي تقع سيطرة النظام، ولماذا تهجر العوائل والرجال، أي إن المفسدة تذهب بهجرة الشباب وبقاء الرجال والعوائل يحتمل لدفع مفسدة التغيير الذي سبق، وهذا الحال رغم أنه لم تتضمنه وثيقة مصالحة فيما أعلم بل وقع خروقات من النظام مع بعض مناطق المصالحة لكنه حري بالنظر والتأمل.

والبعض يرى أن المصالحة هي تسليم المجاهدين للقتل والنساء للاغتصاب والشباب للسجن أو التشبيح، ورغم أن هذه الصورة غير حقيقية لكن نقول إن كانت المصالحة كذلك فبديهي أن الهجرة ليست خيارا بل تصبح واجبة وفرضاً.

ومن الواضح أن المسألة تحتمل وجهات عدة وصورا متعددة ولا شك أهل البلد وعلماؤه أقدر عن تحديد الأفضل والأحسن، ولهذا قلت لهم نصحي من زاوية أراها لأنبههم عليها، ولصورة من صور المصالحة أعلمها، وإن ثبت غير ما أعلم فلكل صورة حكمها، وما يقرره أهل الزبداني وعلماؤها نحترمه بل نراه ونؤيده وهم أهلنا، وليرح نفسه من دمر مناطق قبلها وتاجر بها من المتاجرة بقضية الزبداني أيضاً.

وأخيرا أليس من الدين والمنطق أن قضية حساسة كهذه لا يتخذ بها قرار إلا بعد مشاورة من أهل العلم والسلاح والسياسة والحكمة، لتقليب النظر والوصول للأفضل؟ أليس انفراد فصيلين فيها وربما فصيل واحد هو تسيير للساحة على هواهم وتغلب سياسي أسوأ من التغلب العسكري، لقد خونوا وقاتلوا من ذهب للأستانة وسموه تغلبا سياسيا وسألوهم من ولاكم أمر الأمة؟ مع أن جماعة الأستانة ذهبوا بعد مشورة عدد كبير من أهل العلم والقادة والسياسة والحكمة، وعلى جدل وبنود وخطة معلومة تكلموا بها على الملأ، فإذا كان هؤلاء عند القوم خونة وباعوا الثورة ومتغلبين سياسياً واستبيحت أموالهم وأسلحتهم وهجرت كوادرهم وحلت فصائلهم وأريقت دماء في سبيل ذلك، فماذا يقال عن عمل قام بها فصيلان فقط وفي الغرفة المظلمة وضمن خطة وبنود مجهولة ولا يعلم على ماذا وبماذا اتفقوا؟ إن كل ما قيل عن أهل الأستانة ليصدق على هؤلاء أضعافا مضاعفة، ونحن لا نقول به ولكن نحاكم القوم إلى قواعدهم ومنهجهم.

إن قضية كهذه من الواجب أن يسأل عنها أهل العلم والفقه وتتدارسها المحافل الشرعية كالمجلس الإسلامي السوري وغيره، وأن يبحث بها خبراء السياسة والقادة العسكريون وأهل النظر، ويصدروا برأي فيها، لا أن ينفرد به فصيل أو فصيلان بل رجل أو رجلان، في غرف مغلقة سرية، إن هذا احتقار وتصغير للعاملين في الثورة وربما يكون أكثر من ذلك.

وصلى الله على نبيا محمد والحمد لله رب العالمين.

إضافة تعليق جديد