الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445 هـ

إضاءات فكرية

حول الدولة الحديثة

20 جمادي اول 38 هـ


عدد الزيارات : 2433
رابط الفيديو: 

الحكم بما أنزل الله تعالى: 

يعني أن تكون الشريعة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المصدر والمنطلق لجميع تصرفات الإنسان في جميع مناحي الحياة، وأن يكون التحاكم إليها في حال وقوع النزاع والخلاف، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى:10]، وقال: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}[النساء:59].

ويفهم من هذه الآية أن المسائل الواقعة بين الناس على قسمين: 

  1. مسائل مُجْمَعٌ عليها، ليس فيها خلاف، وهذه تندرج تحت دليل الإجماع وهو من الشريعة.
  2. مسائل مُخْتَلَفٌ فيها: وهذه أمرنا بنص القرآن أن نردّها إلى الشريعة.

فعُلِمَ أنَّ كلّ ما يمكن أن يقع فيه النزاع أو الاتفاق مردّه إلى الشريعة. لكن هذا لا يعني أنَّ كلَّ واقعةٍ لها حكم منصوص بعينه في النصوص الشرعية، فهذه المسائل:

  1. قد يكون فيها نصّ خاص.
  2. أو تندرج تحت نصّ عام.
  3. أو يُتوصل إلى حكمها بالقياس على مسألة ورد فيها نصّ.
  4. أو تندرج تحت القواعد الشرعية والمقاصد المرعية.

الشريعة أعمّ أم الحدود:

تطبيق الشريعة أعمّ من الحدود، وتطبيق الحدود جزءٌ من تطبيق الشريعة، بل في الشريعة الإسلامية ما هو أهمّ من الحدود، كتصحيح عقيدة الناس وعلاقتهم بربهم سبحانه وتعالى، وكذلك تصحيح عبادتهم لله سبحانه وتعالى. وحصر الشريعة الإسلامية بالحدود هو إخراجٌ لها عن عمومها وشمولها الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أنَّ تطبيق الحدود ليس لازمًا في كل حال،  فقد يكون من الشريعة أحيانًا تعطيل بعض الحدود إذا ترتَّبَ على تطبيقها في بعض الأحوال مفسدة تفوق المصلحة الشرعية المعتبرة أو المرادة من تحقيق تلك الحدود أو تطبيقها، فيكون تطبيق الشريعة في تعطيل ذلك الحدّ في تلك الواقعة، وقد تُعَطَّلُ الحدود عند اختلال بعض الشروط والموانع التي تمنع من تطبيقها.

رؤية الشرع للأحزاب والجماعات السياسية التي ترفع شعارات مختلفة في هذا العصر:

قضية تعدّد الجماعات أو الأحزاب في الدولة الإسلامية من المسائل المتعلقة بالسياسة الشرعية، وقد بحثها الباحثون كثيرًا، وتكلّم عليها الفقهاء وأصدروا فيها فتاوى. وهناك فرق كبير بين وجود الأحزاب في دولة غير إسلامية أصلًا، قد يشارك فيها المسلم لرعاية مصلحة أو غير ذلك، وبين وجودها في دولة إسلامية.

فقيام الأحزاب في الدولة الإسلامية أو الدولة التي قامت على أساس شرعي، فيه خلاف بين العلماء والباحثين:

  1. فمنهم من منعها مطلقًا لاعتبارات ولأدلة كثيرة تناولوها واستدلوا بها على منع التعددية السياسية.
  2. ومن أهل العلم والباحثين مَنْ أجازها، لكن تحت سلطان الشريعة والضوابط الشرعية.

ووُجد فريق من الباحثين من أجاز الأحزاب مطلقًا، بمعنى أنه جوّز أن يكون في الدولة الإسلامية أحزاب تقوم على أساس مخالف للإسلام!!

أحكام أهل الذمة:

أهل الذمة هم غير المسلمين الذين يقيمون إقامة دائمة في البلد الإسلامي، ويسمون أهل العهد، وأهل الأمان.

والمقصود بالأمان: تأمينهم على أنفسهم، وصيانة حقوقهم.

والأحكام التي جاءت بها الشريعة بخصوص أهل الذمة متعددة:

فمنها أحكام ثابتة دائمًا لا ترتبط بنفس الدولة، مثل رعاية الحقوق وحفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتمكينهم من مزاولة نشاطهم، فسواء وجدت الدولة أم لم توجد هم معصومون، ودماؤهم معصومة، وحقوقهم محفوظة.

لكن ثمة أمور تتعلق بوجود السلطان وقيام الدولة، فهذه لابد من وجود الدولة الإسلامية الممكنة، ووجود الحاكم الأعظم، مثل قضية الجزية، والحكم بانتقاض الذمة، وما يتعلق بذلك، فهذه لا يقوم بها إلا السلطان أو الإمام أو نائبه، ولا ينوب عنه أفراد الرعية؛ لذلك فإن الجماعات الجهادية لا يمكن أن تخيّر هؤلاء بين الإسلام ودفع الجزية!

مفهوم دار الإسلام:

دار الإسلام مصطلح تحدث عنه أهل العلم وبيّنه الفقهاء، ويعني الدار التي سكنها المسلمون وحكموها بحكمهم، فكما يقول ابن القيم: "فمن لم يحكم في الإسلام فليس بدار الإسلام، وإن جاورها، وإن كان غالبية أهلها مسلمين" وبالمقابل إن كانت الغلبة للمسلمين ومعظم أهلها من غير المسلمين فهي دار إسلام، فالنظر ليس لغالبية السكان، وإنما لغلبة المسلمين وظهور أحكام الشريعة، ويشترط أن يكون ظهور هذه الأحكام بسلطة المسلمين وغلبتهم وليس بإذن من الكفار! إذن: فالاعتبار بغلبة المسلمين وظهورهم على هذه البلاد، وظهور الأحكام الكلية، أمّا قضية الأحكام الجزئية فهذه تختلف من زمن إلى زمن آخر.

أما القول بأن كل بلاد المسلمين اليوم ليست دار إسلام؛ بحجّة أن الأنظمة التي تحكمها -على حدِّ قولهم- ليست أنظمة إسلامية فغير صحيح؛ لأن هذه البلاد وإن حُكمت في بعض الجوانب بغير الشريعة، إلا أن المسلمين فيها يظهرون عقيدتهم وتوحيدهم، ويمارسون حياتهم ويقومون بشعائرهم، وينادى فيها بالأذان من غير إذن من الكفار، وغير ذلك، فالاعتبار بالأحكام الكلية لا بالأحكام التفصيلية، وزوال شيء من تطبيق الشريعة  لا يحوّل دار الإسلام إلى دار كفر!.

مفهوم الشورى في الإسلام:

الشورى يُراد بها مداولة الآراء للوصول بها إلى الرأي الأصوب والأقرب إلى الحق، وهي أصل شرعي وقاعدة مهمة من قواعد النظام الإسلامي السياسي، أمر بها الله سبحانه وتعالى وأثنى على المؤمنين بها فقال: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}[الشورى:38]، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: 59].

الشورى أصل مهم، فلا بد للحاكم و مَنْ وَلِيَ ولايةً من أمور المسلمين أن يلجأ إلى مشاورة الناس لمعرفة الأصل، وقد قال الإمام البخاري في صحيحه: "كان الولاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة، ليأخذوا بأسهلها، فإذا وضح لهم الكتاب والسنة لم يجاوزوا إلى غيره اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم"[صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قوله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}(9/112)].

الهدف من الشورى:

الوصول إلى الحق وإلى الأفضل والأصوب لتحقيق المصلحة. وهذا يقتضي بأن الذين يشاورون هم الذين يحققون هذا الهدف.

صفات أهل الشورى:

  1. الخبرة في الأمر الذي سيتشاورون فيه، لذلك فإن دوائر الشورى تختلف بحسب الاختصاص.
  2. العلم.
  3. الأمانة.

الفرق بين الانتخابات والشورى:

الانتخابات التي يعنى بها جمع الأصوات لاختيار شخص معين لولاية معينة أو منصب معين آلية معاصرة وإن وُجد لها بعض الشبه في بعض التطبيقات التاريخية، ليست شورى، فهي تختلف عن الشورى:

  1. الشورى نظام ديني قررته الشريعة، أما الانتخابات فنظام وضعه الناس تحقيقًا لرغباتهم ومصالحهم، وهناك فرق بين هذا وذاك من عدة وجوه من الفروق بين الشورى والانتخابات.
  2. الشورى لها أهلها، وأمّا الانتخابات عامة لكل أحد، وربما يشارك فيها المجرمون والمجانين والصغار والكبار، والمسلم وغير المسلم أيضًا.
  3. الشورى لا يُنظر فيها إلى قضية الأكثر أو الأقل، إنما ينظر إلى الأصوب،  تُتداول الآراء ويُبحث عن الأفضل، أما في الانتخابات فيقاس الأكثر بغضّ النظر هل هو موافق للحق أو غير ذلك.
  4. الشورى لها حدود، ولا تتجاوز حدود الشريعة وأصول الدين، أما الانتخابات فهي عامة، ومع ذلك لا يعني منع الانتخابات لوجه، فالانتخابات إذا كانت للترجيح بين المتساوين بالصفات فلا بأس.

الحرية في الشرع وحدودها:

الحرية في النظام الإسلامي السياسي هو خلوص الإنسان من تقييد تصرفاته بغير حق، أما إذا كان التقييد بحق فهذا لابد منه، لأن كلمة الحرية صارت مصطلحًا عائمًا يراد به الحق أو الباطل،  فلابد من تقييد هذه الحرية.

حدود الحرية:

الحرية موجودة في الإسلام، لكنها مقيدة بالأحكام الشرعية، وبما لا يضر بالنفس، وبما لا يضر بالآخرين أيضًا، لأنه لابد من المزاوجة والتناغم بين الحرية والمسؤولية، فهناك مسؤولية على الفرد ومسؤولية على الجماعة.

إضافة تعليق جديد