لله ثم للتاريخ .. شهادة حذيفة عزام على حوادث جبهة النصرة
♦ الجزء الأول
مقدمات هامة، وأحداث دركوش وحارم وحفسرجة والبارة واستئصال جبهة ثوار سوريا وحركة حزم
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم..
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه والتابعين ومن سار على هديهم إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي.
اللهم اعصم لساني من الخلل والزلل فلا ينطق إلا صدقاً واعصمه من الخطأ والخطل فلا ينبس إلا حقاً.
وبعد:
لطالما وددت أن يصلح الله الأحوال ويفيد الإخوة من أخطائهم فلا يكرروها ويمكن الله الإصلاحيين من إحداث تغيير من الداخل وما زال أملنا بالله ثم بهم قائماً، ولكن ذوات الأخطاء التي تتكرر بحذافيرها، وليتها من اللمم فيغض عنها الطرف وليتها توقفت عند حد فيسكت عنها ثم نحمد الله على نعمه وآلائه بتغير الأحوال، بل هي من أكبر الكبائر التي لا يمكن تصنيفها في إطار الأخطاء الفردية بل تأكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها منهج تبناه القوم وربوا عليه أتباعهم.
وقبل أن أبدأ حديثي، الذي لن يلقى قبولاً لدى من غشى حب جماعته على بصره وطغى على بصيرته وسيجيش جيوشه الإلكترونية للتشغيب والتشويش عليه، وسيتبعهم ألتراس الخارج قبل أن أبدأ حديثي هذا أود أن أعتذر سلفاً من أطراف كثيرة.
فأعتذر ابتداء من كافة الفصائل الثلاثة عشر التي قوتلت وفككت وأخرجت عن الخدمة وصودر سلاحها ومقراتها وجميع أملاكها دون أن تملك لها الفصائل شيئاً، ودون أن يملك لها الشرعيون شيئاً، وكنت شاهد عيان على معظم ما حل بها.
أعتذر من تلك الفصائل عن خذلاني أولاً لها ولو بكلمة حق ثم خذلان كافة الفصائل وشرعييها لهم وتقاعسهم عن نصرتهم ولو بشهادة أو بكلمة حق أو شهادة.
أعتذر فقد أملنا بالله ثم بالمصلحين من القوم -وهم كثر- أن يفكوا لكم أسيراً أو يردوا لكم مظلمة أو يعيدوا لكم حقاً، وطال انتظارنا دون جدوى. فلا بارقة أمل تلوح في الأفق، وليت الأمر توقف عند حد فنغض الطرف عما مضى بل القوم ماضون في تكرار المظالم ذاتها، والثمن تدفعه الساحة كلها.
أعتذر من كافة الفصائل التي بغي عليها، وأعتذر ممن خذلتهم ولم أتمكن من نصرتهم رغم أنني ما سعيت عندهم في حاجة للفصيل الذي بغى عليهم ولكافة الفصائل وردوني خائباً.
أعتذر من حركة حزم التي فكت لي 93 محتجزاً من جبهة النصرة وجند الأقصى دفعة واحدة ولم أتمكن من إطلاق أسير واحد لهم هو أبو عبدالله الخولي الحمصي.
أعتذر من مثقال العبدالله الذي فك لي 5 محتجزين من جبهة النصرة في المرة الأولى ثم فك لي سبعة من قيادات النصرة منهم أعضاء في مجلس الشورى.
كما أعتذر من جمال معروف الذي فك لي من شباب جبهة النصرة وجبهة أنصار الدين (الكتيبة الخضراء) ولم أستطع أن أفك أحداً من جماعته.
وبعد هذا الاعتذار سأبدأ بالجواب عن سؤال جيش النصرة الإلكتروني ومن ورائهم ألتراس الخارج لماذا تتحدثون عن أخطاء النصرة وتتركون أخطاء بقية الفصائل؟ لماذا تنصحون بقية الفصائل على الخاص وتتحدثون عن أخطاء النصرة على العام؟
أيها السائل الكريم إليك الجواب الذي غصّ في حلقي ردحاً من الزمن وكانت الإجابة عليه تعني فتح الملفات والإدلاء بالشهادات وها أنا ذا أجيبك ولن تطيق جوابي.
كل مشكلة في الساحة السورية ما لم تكن جبهة النصرة طرفاً فيها حلها سهل وهين، تحل على كأس من الشاي أو وجبة غداء أو عشاء نجمع فيها الأطراف وتنتهي المشكلة في نفس المجلس، بل أقسم بالله العظيم أن كثيراً منها تُحلّ باتصال أو مراسلة عبر وسائل التواصل، والله على ما أقول شهيد، وما سعيت في حل مشكلة بين الفصائل إلا نجحت ووفقت فيها إلا حين تكون النصرة طرفاً في الإشكال فلا أنا ولا غيري تمكنّا في يوم من الأيام وخلال السنتين الماضيتين من حل أي إشكال كانت النصرة طرفاً فيه قط. ولذا توقفت عن التدخّل في أي إشكال بعد مشكلة جبهة حق وألوية الأنصار ولم أتدخل بعدها قط ﻷسباب كثيرة، منها ادعاء القوم أنهم لا يقبلون بي وسيطاً وهذا حقهم-إلا حين طلب إلي مركز دعاة الجهاد التدخل لفك الأخ أبي أنس الجزراوي الذي كان محتجزاً لدى حركة حزم، ولكن مدافع النصرة كانت أسرع مني مع الأسف، ومن هنا أقول أنا لا يُقبل بي كوني وسيطاً غير نزيه وهذا من حق القوم فهلا أخبرتموني متى نجح وسيط آخر على الأرض في حل إشكال بينكم وبين أي فصيل؟!
بل متى أقيمت محكمة شرعية بينكم وبين الفصائل الثلاثة عشر التي صفيتموها وأنهيتموها وغنمتم أموالها وسلاحها ومارست المحكمة مهامها وأصدرت حكماً؟!
قبل بضعة أيام وفي مظاهرات إدلب كان ذات السؤال يتكرّر حول الخلاف بين الزنكي والسلطان مراد واعتقال أبي يوشع الحمصي والخلاف بين الشامية وتجمع فاستقم كما أمرت.
ومع الأسف كان السائلون يسألون وأبو يوشع الحمصي قد صار في بيته، والإشكال بين الفصائل قد حُل، وأصدرت الفصائل بياناً مشتركاً تعتذر فيه للشعب السوري وأُحيل المذنبون إلى محاكم شرعيّة ارتضاها القضاء وأُقفلت الملفات كلها في أقل من 48 ساعة.
أنا لا أبالغ فأنا أتكلم من منطلق تجربتي الطويلة على الأرض وأنا أقسم لكم بالله العلي العظيم أن جميع الإشكالات بين الفصائل -ما لم تكن جبهة النصرة طرفاً- تُحل في أقل من 24 ساعة. وجميع الأطراف يسهل التواصل معها ويسهل الوصول إليها ويسهل التراسل معها إلا جبهة النصرة مع الأسف الشديد، فكلهم يجيبك بأن الأمر ليس بيده وأن القرار بيد غيره وهكذا يتقاذفونك وعساكرهم على الأرض ماضية قدماً في الحسم، والشرعي يقول لك لا دخل لي بالعسكري والعسكري يقول لك أوامر ويحيلك إلى عضو الشورى الذي يطلب مهلة فيغيب ولا يعاود الظهور وتحسم الأمور وتنتهي فلا حديث عن صلح أو تحكيم أو رد مظالم أو إعادة حقوق عندهم بعد ذلك.
وسأبدأ اﻵن بالحديث عن الوقائع وأؤكد لكم والله يشهد أن الذي سأنشره لن يتجاوز الـ 30 في المئة مما لدي، ﻷنني استأذنت كل من يمكن أن يرد اسمه في شهادتي وكثير منهم لم يأذن خشية بطش أمنيي جبهة النصرة، ولذا سأضرب صفحا عن شهادات كثيرة لم يأذن أصحابها بنشرها، وسأحاول ما استطعت تجنب ذكر أسماء من أذنوا إلا من اقترنت أسماؤهم بحوادث عامة ولا مجال ﻹخفاء أسمائهم، وسأسعى لذكر الأحداث بالتسلسل حتى يسهل على المتابع فهمها وإدراكها.
تبتدئ هذه السلسلة بأحداث دركوش وسلقين وحارم وهذه في الأيام الأخيرة من عمر قادة حركة أحرار الشام، وقد سببت شرخاً كبيراً بين قادة الحركة والجولاني، وكانت الاجتماعات الأخيرة بين قادة حركة أحرار الشام وبين أمير جبهة النصرة محتدة وكانت النفوس محتقنة تجاوزت حدود الحوار إلى ارتفاع الصوت بين بعض قادة الحركة وبين الجولاني وافترقوا حينها على غير تراض، وما لبث قادة الحركة أن قضوا نحبهم ومضوا إلى ربهم شهداء -كما نحسبهم والله حسيبهم- وكان أخونا الحبيب أبو عيسى الشيخ من استلم ملف قضية سلقين وحارم ودركوش، وتم الإتفاق على محكمة شرعية لم تنشأ إلا على الورق وطوي الملف وانتهى، وأوراق القضية كلها بحوزتي مكتوبة بخط اليد لم تتجاوز الأوراق والحبر الذي كتبت به، وذهبت المنطقة وذهب السلاح وذهبت الأموال وذهبت الحقوق ولم تر المحكمة النور حتى لحظة كتابة هذه السطور، ومازال الشيخ أبو عيسى حفظه الله حياً، وكل ما يهمني من الأمر أن الكلمة الفصل كانت للبندقية ولم تقم محكمة شرعية ولا عادت العجلة إلى الوراء قيد شعرة.
ثم جاءت أحداث حفسرجة وبروما ودماء قادة الأحرار لم تجف ومجلس عزائهم مايزال قائماً وكلمني يومها الأخ الحبيب بلال جبيرو.
ولئلا يفوتني قبل أن أعرج على أحداث حفسرجة وبروما أود أن أذكر لماذا قامت النصرة بالسيطرة على الشريط الحدودي الذي يشمل حارم وسلقين ودركوش وكان فيها مجموعة من الكتائب التي تتبع جبهة ثوار سوريا، والله يشهد ثم أنا أشهد أن كثيراً منهم كانوا من الفاسدين وأنهم كانوا يأخذون أموالاً من الناس الذين يمرون عبر تلك المناطق على حواجزهم، وبتوصيف شرعي كانوا يصولون على أموال الناس ولا غرو فهذا جهاد شعب والشعوب فيها وفيها -ولكنهم لم يكونوا قتلة- يأخذون من السيارات ألفاً أو ألفين ومبالغ أكبر من سيارات المازوت حسب حمولتها، ولقد مررت من تلك الحواجز عشرات المرات وأعرف ما كان يدور فيها وأضيف أن هؤلاء كانت لي ولغيري من الشيوخ على الأرض عليهم دالة.
ومن لم يقرأ فتوى الوالد رحمه الله في حشاشي أفغانستان لن يفهم أصول المدرسة الجهادية التي نشأنا فيها، فقد كان بين مجاهدي أفغانستان حشاشون وكان الكثيرون يأنفون من الجهاد مع من هذا حالهم ويعيرون من يجاهد معهم، فأجاب الوالد بفتواه:
إن الذي يشرب الحشيش ويدفع العدو الروسي الصائل في أفغانستان عن الدين والعرض خير من الصائم القائم المتعبد عند المسجد الحرام وهو تارك للجهاد ﻷن شارب الحشيش يضر نفسه وتارك الجهاد يضر الأمة.
من هنا وحسب قواعد وأصول المدرسة الجهادية التي تربيت فيها فإن التواصل مع هؤلاء ضرورة ملحة قصد دعوتهم وإصلاحهم والحد من ضررهم على الناس، ولقد وجدت عند الكثير منهم استجابة.
والسؤال لماذا اختارت النصرة الاستيلاء على الشريط هل بقصد محاربة الفساد والفاسدين؟! أم أنها بعد عزمها على إنشاء الإمارة وإعلانها بدأت بإيجاد متطلباتها على الأرض وهي منطقة واحدة متصلة -وهي في هذه أفادت من تجربة داعش- أي إيجاد منطقة مركزية لها تجمع فيها قواها وتكون منطلقا لها هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هذه المنطقة تدر أرباحاً يومية من تهريب المازوت تقدر 125 ألف دولار يومياً وكانت كلها تذهب لجبهة ثوار سوريا. وبالفعل تمت السيطرة على المنطقة وانتهى الأمر ولم تقم محاكم شرعية وذهبت كل المحاولات أدراج الرياح، وفي حوار لي مع بعض شرعييهم بعد هذه الأحداث سألتهم عن أولويات القتال وسألتهم أيهما أولى قتال الصائل على النفس أم الصائل على المال؟ فسكتوا، فقلت لهم تركنا قتال الدواعش الصائلين على النفس والذين يذبحون أي مجاهد يقع بين أيديهم على الحواجز ثم جئنا نقاتل من يصول على ألف أو ألفي ليرة سوري!.
هذا أولاً، وسؤال ثان لكم أين تذهب الأموال التي كانت تحتكرها جبهة ثوار سوريا؟ -وأقصد أموال تهريب المازوت- فأجابوا إلى بيت مال المسلمين قلت لهم بل بيت مال النصرة إلا إذا احتكرتم جماعة المسلمين في فصيلكم؟!.
طبعاً لم ينعت أحد جبهة النصرة وشركاءها في أموال المازوت التي آلت إليهم وإلى بعد طرد جبهة ثوار سوريا بالمازوتيين! فحلال على بلابلهم الدوح وحرام على غيرهم مجرد النوح!.
أعود إلى أحداث حفسرجة وبروما وأذكر أنها تزامنت مع استشهاد قيادة الأحرار، وأذكر أن الجولاني لم يعزِّ باستشهاد قادة أحرار الشام وإلى يومنا هذا فبينما أصدر بياناً صوتياً ينعى فيه الشيخ الشهيد -بإذن الله- أبا خالد السوري (ليتك رثيتني...) لم يصدر بياناً صوتياً ولا كتابياً في رثاء قادة الأحرار، وحضر الدكتور عبدالله المحيسني على مدار يومين. وبعد انتهاء مجلس العزاء أرسلت جبهة النصرة إلى الأحرار أنها تريد أن تعزيهم وأنها ستختار الزمان والمكان -ولك أن تتصور سنحدد مكاناً نلتقيكم فيه لتعزيتكم- ولا ألومهم لظروفهم الأمنية، وتوقع الشيخ أبو أنس والشيخ أبو جابر أن يكون الشيخ الجولاني نفسه موجوداً بسبب هذه الإجراءات الأمنية والتكتم ليفاجأ الرجلان أن من حضر هو أبو فراس وأبو الفرج المصري، ومضى الحدث ولم يعز الشيخ الجولاني بقيادة الأحرار والأسباب معروفة لا يجهلها أحد في الساحة فقد وصل الاحتقان ذروته بين الشيخ الجولاني وقيادة الأحرار قبل استشهادهم رحمهم الله.
أعود إلى أحداث حفسرجة وبروما حيث اتصل بي الأخ الحبيب بلال جبيرو ومجلس العزاء لم ينفض بعد وقال لي: إن جبهة النصرة قد حشدت على حفسرجة واقتحمت مزارع بروما والأمور متأزمة جداً فقلت له: على الفور وتحركنا باتجاه المنطقة وبدأنا التواصل مع الفريقين، وبدأ المسلسل المعهود يتكرر شرعي يحيلك إلى عسكري فيحيلك إلى عضو شورى فينقطع الاتصال وبدأنا نطارد من منطقة إلى أخرى ومن منزل إلى آخر بل دخلنا مناطق الاشتباك وبين نيران المشتبكين من بروما إلى حفسرجة إلى مقرات النصرة العسكرية، وكانت المحطة الأخيرة هي طعوم حيث منزل أبي محمد عطون (عبدالرحيم عطون) أو أبو عبدالله الشامي وكلها أسماء لنفس الرجل وهو شقيق الشيخ الشهيد بإذن الله أبي الخير من حركة أحرار الشام وتفاءلت خيراً حين بلغت منزله وكانت صيفاً فكان الرجل يجلس مع والده في حديقة المنزل ودخل عليه الأخ بلال جبيرو وأخونا أبو الحش وشقيق الشيخ أبي أيمن رام حمدان دخلوا لاستئذانه لكي أدخل عليه وأنا واقف في الخارج بيني وبينهم قرابة عشرة أمتار أراهم ويرونني، وكنت أنظر إليهم وأرى معالم وجوههم تتغير وتتبدل وبدأ الوقت يمضي والإخوة يذهب بعضهم يكلمون الرجل ويرجع البعض إلي والخجل والإحراج باد عليهم وانتظرت قرابة ساعة في الشارع وهو في حديقة منزله، يرمقني وأرمقه وتجنباً لمزيد من الحرج ناديت على الإخوة بصوتي وقلت لهم "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا" وكررتها مراراً حتى خرجوا وركبنا السيارات.
وكان أول ما قلت: رحم الله شقيقه أبا الخير والله لو كان حياً لخرج لاستقبالي حافياً والله يشهد أنني لم أقصد منزله إلا من أجل حقن دماء المسلمين ومن أجل إصلاح ذات البين، ورجعنا إلى مقراتنا واستمر تواصلنا واتصلنا بأبي فراس السوري وبأبي الفرج المصري حتى تمكنا بعد منتصف الليل من الحصول على موافقة النصرة بقبول مبادرة الصلح والتهدئة ولم أنم تلك الليلة حتى نشرت جبهة النصرة البيان على المنارة البيضاء وأذيع الخبر في الجزيرة.
ونمت ثم استيقظت لصلاة الفجر ونمت من شدة التعب بعد الصلاة ولم أكد أنم ساعة حتى استيقظت على رنين الهاتف وأخبار لا تسر بأن النصرة اقتحمت بروما، واشتبكت واعتقلت وأصابت وجرحت ولم أكد أصدق، فتحركت من فوري تجاه المنطقة ﻷقف على الحقائق بنفسي وعاينت الجرحى وصورتهم وأثناء ذلك وصل أبو أحمد حرب ودخل المجلس وخاطب حسام الباشا بنبرة التهديد والوعيد وقال له إن لم يكن بيان انفصالك عن جبهة ثوار سوريا منشوراً خلال ساعة سنعاود اعتقالك.
وقفت وتوجهت نحوه للسلام عليه وقام الإخوة للتعريف بي فلما تقدمت نحوه رفض أن يصافحني وحين عرفه الإخوة بي أشار بيده وقد أدار ظهره إشارة ازدراء واحتقار، وكان الإحراج الثاني للإخوة الذين كنت برفقتهم وللتعريف أكثر بأبي أحمد حرب فهو ومجموعة معه من قتلوا القاضي أبا أسيد الجزراوي (اليمني).
وأقيمت محكمة بين الأحرار والنصرة ككافة المحاكم الهزلية وخرجت القضية على أنها قتل بالخطأ رغم أن كل الشهادات تشير إلى أنه هدد قبل تجاوز الحاجز بقتل كل من يحاول منعه وحين تجاوز الحاجز أطلقت النار على دواليب سيارته فرد ومن معه بإطلاق النار وقتل القاضي أبو أسيد رحمه الله وتقبله.
لم تصمد مبادرة الصلح التي أعلنت على المنارة البيضاء 5 ساعات وخرقتها النصرة باقتحام بروما ثم مضت إلى حفسرجة -في ظل حربها على الفساد والمفسدين- وكنت يومها قد عزمت على الخروج على وسائل الإعلام والتحدث عما جرى، ولكن بعد عودتي من بروما ودخولي على النت وجدت رسائل من الدكتور عبدالله المحيسني فتواصلت معه وطلب إلي الحضور، فذهبت إليه وقال لي بأن الشيخ الجولاني قد كلف أبا محمد عطون عن جبهة النصرة رسمياً في ملف الصلح والمحكمة، قلت له كنت بباب بيت الرجل بالأمس ورفض استقبالي. فقال لي: هذا الحديث قبل قليل. قلت له: يا دكتور المبادرة نشرت على المنارة البيضاء وخرقتها النصرة، ولم تصمد 5 ساعات.
فقال لي: هذا الكلام من الشيخ الجولاني وكانت المبادرة تنص على وجود قاض من جبهة النصرة وثان من جبهة ثوار سوريا وثالث محايد.
وقال لي: هل تقبل جبهة ثوار سوريا أن أكون أنا القاضي المحايد؟!
قلت له لا أدري لا بد من العودة إليهم.
قال: من تقترحون من الأسماء البديلة.
قلت: أولاً نأخذ رأيهم ثم بعدها ننظر في الأسماء البديلة.
وافترقنا على أن نعاود اللقاء بعد أخذ جواب ثوار سوريا وبدأت ضربات التحالف واستهدفت جبهة النصرة.
تواصل معي بعدها الدكتور عبد الله المحيسني وقال لي: الآن وبسبب الظروف الأمنية نؤجل موضوع اللقاءات والمحكمة فظروف قيادات النصرة الأمنية لا تسمح بعقد المحكمة، ووافقته على ذلك وقدرت ظروف الإخوة في جبهة النصرة وبلغت الشيخ حسن الدغيم بما جرى، وترك أمر المحكمة بيد جبهة النصرة تقرره حين ترى ظرفها الأمني مواتياً.
وظلّ الأمر معلقاً بظروف النصرة، وبعدها بفترة تواصل معي الشيخ أبو صالح الطحان وأبلغني أن قائداً من الكتيبة الخضراء واسمه عمر سيف معتقل عند جمال معروف وأنه إذا لم يطلقه فستسيل الدماء، والحقيقة أنني لا أعرف الرجل ولا أعلم من هو ولكن يكفي أن أعلم أنه أحد المجاهدين.
تحركت على الفور وذهبت إلى جمال معروف وقلت له هناك معتقل لديك اسمه عمر سيف ولن أغادر جبل الزاوية حتى تطلق سراحه فأجابني: هذا الرجل من داعش.
قلت له: هذا الرجل هو أمير الكتيبة الخضراء ولا علاقة له بداعش ولن أبرح حتى يطلق سراحه.
فقال لي: هو من داعش.
قلت له: بأن أبا صالح الطحان أخبرني بأنه ليس من داعش وأبو صالح عندي من الثقات وشهادته ثقة ولن أخرج من هنا حتى تطلقه حقنا للدماء ودرءاً للفتن، وبالفعل رغم قناعة جمال معروف بأن الرجل من داعش أطلقه وسلمه للإخوة في حركة نور الدين زنكي.
وبعد ثلاثة أيام كان الرجل في الرقة وكانت بيانات داعش تعلن وصوله وبيعته.
ومن تأدب جمال معروف معي اكتفى بإرسال بيانات داعش لي على الواتس أب، وأشهد الله أنه لم يعاتبني ولم يراجعني. ولكن ثبت أن الرجل توجّه إلى الرقة وراسلني بنفسه ذات مرة على التويتر وشكرني لأنني سعيت في خلاصه وفكاكه، رغم أن جبهة النصرة التي أطلقت لها أكثر من مئة لم تشكرني مرة واحدة والله يشهد.
هدأت الأمور لأسابيع ثم جاءت "حادثة البارة" وإليك تفاصيلها وأنا أحد من حقق فيها بنفسه وسعى في إنهائها وإصلاح ذات البين، وأما صاحب الفضل الأكبر فيها فهو الشيخ حسام سلامة (أبو بكر) قائد لواء أهل السنة وهو علم من فوقه نار، وأما الشيوخ الذين سعوا فيها فكثر، منهم من قضى نحبه كالشيخ سفر الصفر ومنهم من ينتظر كالشيخ ياسين علوش والدكتور عبدالمنعم زين الدين وغيرهم من أهل الفضل، وإليك ما جرى يومها: فقد انشق أحد عناصر جبهة ثوار سوريا ويدعى ياسر نصوح فطالبه جمال معروف بتسليم السلاح والأموال لأنها ملك للفصيل وليس ملكاً للكتيبة فرفض الرجل والتجأ إلى البارة وكان يدير فرنا فيها، وبلغ جمال أن ياسر نصوح موجود في البارة، فأرسل رتلاً إلى البارة -وأنا هنا أقص ما جرى ولا أصوّب الفعل- فوضع ياسر نصوح سلاحه عند الأحرار، وكان يقود ذلك الرتل ابن شقيقة جمال معروف، فاتصل بجمال وقال له بأن ياسر وضع السلاح أمانة في مقر الأحرار فأمره جمال بأخذ السلاح بالقوة. وبالفعل قام الرجل باقتحام المقر وذهب ياسر نصوح إلى جماعة النصرة وأخبرهم بالأمر فحركوا رتلاً صوب مقر الأحرار واشتبكوا مع عناصر جمال فقتلوهم ومنهم ابن شقيقة جمال وأما بقية الرتل فقد حملوا الطحين الموجود في المخبز بأمر من جمال معروف الذي يعتبره حقاً لجبهة ثوار سوريا وعادوا به إلى الجبل.
بدأت جبهة النصرة وجند الأقصى بالحشد على جبل الزاوية وعادت المشكلة إلى نقطة الصفر وعادت المبادرات من جديد.
بداية التحقيق سألنا الإخوة في حركة أحرار الشام: هل قتل أو جرح أحد في اقتحام المقر؟ قالوا: لا.
ثم سألناهم إن كانوا قد استعانوا بالنصرة أو طلبوا المؤازرة؟
فأجابوا: لا.
عرفنا بعدها أنهم جاؤوا بناء على استعانة ياسر نصوح بهم. وبالمناسبة ياسر نصوح أحد فسدة جبهة ثوار سوريا ومطلوب لمحاكم شرعية بتهم منها الاغتصاب.
قلنا للإخوة في جبهة النصرة: إذا كان الأحرار لم يطلبوا مؤازرتكم فلماذا ذهبتم؟!
قالوا: كيف يهاجم جمال إخواننا الأحرار ولا ننصرهم؟!
قلنا: هي إذن بين أحرار الشام وجمال معروف ولا دخل لكم بها، وتدخلكم أدى لإراقة دماء.
وبدأت الضغوط تتوالى من قبل الجميع على تشكيل محكمة شرعية تنظر في الأمر.
ومع توالي الضغوطات لتطويق الأزمة وحقن الدماء حصل شيء من اللين من قبل جبهة النصرة، ولكن جند الأقصى هددت جبهة النصرة بالقطيعة وعدم العمل معها بعد هذه اللحظة إن وافقت على محكمة شرعية أو هدنة أو صلح وأنه لا حل مع جبهة ثوار سوريا إلا الحرب والسيف وعلت حدة نبرة جبهة النصرة ثانية، وبدأت بدق طبول الحرب وادعت يومها أنها لم تقبل بالمحكمة الشرعية أو المبادرة لأنني طرف فيها.
وأعلنت رسمياً انسحابي من المبادرة ﻷقطع عليهم الطريق إذا كنت عائقاً في وجه الصلح وحقن الدماء، فالمهم هو حصول المطلوب وليأت على يد كائن من كان، واستمر في المبادرة كل من الأخ حسام سلامة ومعه المقدم أبو بكر قائد جيش المجاهدين وبدأت ذات المأساة تتكرر وذات المشهد المعهود يعاد بحذافيره، العسكر ماضون على الأرض والشرعيون يناورون ويضيعون الوقت، وخاضت النصرة ومعها الجند وحسموا المعركة وشهود العيان معظمهم أحياء والتسجيلات الصوتية موجودة وسعت الفصائل لتشكيل قوات حفظ سلام، واتفق على تسليم الحواجز ونقاط التماس لصالح صقور الشام بقيادة أبي عيسى الشيخ وقاد الشيخ أبو عيسى قوات حفظ السلام للفصل بين المتحاربين وتعرضت القوات ﻹطلاق نار بالأسلحة الثقيلة من قبل جبهة النصرة وجند الأقصى وتسلم أبو عيسى الشيخ جميع حواجز جمال معروف وأبت النصرة والجند أن يسلموا أياً من حواجزهم بل تعاملت مع قوات الفصل على أنها عدو، وأطلقت نيران أسلحتها الثقيلة على الأرتال وحسم عسكر النصرة المعركة، والشرعيون يشاغلون الناس على الأرض وانتهى الأمر، وليته وقف عند هذا الحد، بل سرعان ما نزلوا من جبل الزاوية إلى خان السبل واقتحموا مقر حركة حزم والتهمة هذه المرة الفصائل التي آزرت جمال معروف، فقد طوي ملف الفساد والفصائل الفاسدة، والآن لا بد من البحث عن علل ومبررات جديدة فحركة حزم ليس فيها فساد ولكن كانت التهمة جاهزة فأبو عبدالله الخولي كان من المشاركين في قوات حفظ السلام والفصل بين المشتبكين، وأوقف أرتال المؤازرة القادمة للطرفين من أجل تطويق الأزمة، وبعض الأرتال من جند الأقصى رفضت أن تعود حين أوقفتها الحواجز فأطلقت النيران فوق الأرتال، وزعم حينها أنصار النصرة والجند بأنه قتل بنيران حزم عناصر من الجند والجبهة وأشاعوا ذلك.
وقلت لهم: لم يقتل أحد والله يشهد ثم أنا وجميع من كان على الأرض، وجادلوني بها كثيراً، وسألت أبا ذر الجزراوي أمير الجند بحضور القاضي أبي صلاح وشقيقه والمرافقين أسألك بالله هل قتل منكم أحد بنيران حزم فقال لا ولكن أصيب أخ وبترت يده.
اقتحمت النصرة مقر حزم في خان السبل وبدأت تحركات الفصائل والقادة لتطويق الأمر وكانت المعارك في حلب على أشدها والنظام يوشك أن يحاصر حلب، وخشيت الفصائل من امتداد المعارك إلى حلب فتحركت قيادات الفصائل، وسرعان ما وقع اتفاق بتحييد حلب ونص الاتفاق على إطلاق المحتجزين لدى الطرفين وبالفعل قامت حركة حزم بإطلاق 93 محتجزاً لديها ولم أتحرك باتجاه خان السبل حتى تأكدت من إطلاق الجميع، وكان أربعة من عناصر الجند يحملون معهم بطاقات الهوية الرسمية للدولة الإسلامية في العراق والشام، وأراد مرشد احتجازهم فقلت له صور البطاقات وأطلقهم فهؤلاء الآن محسوبون على الجند.
أطلق المحتجزون عند حزم حتى المنتسبون منهم لداعش، وأقسم بالله العظيم أنني رأيت بطاقات انتسابهم الرسمية بعيني وبلغت أمير الجند بالحادثة.
بعد أن تم إطﻻق جميع المحتجزين في الفوج توجهنا إلى خان السبل من أجل إطﻻق سراح محتجزي حركة حزم وكان الخولي قد سبق إلى خان السبل، وحين وصلنا كان الشيخ سفر الصفر قد وصل أيضاً ودخل إلى المقر ﻹقناع الخولي الذي أبى مغادرة مقر الحركة بالخروج ومنعنا نحن من دخول المقر وسألنا عن عناصر حركة حزم هل تم إطﻻقهم بناء على الاتفاق، وإذا بهم يجيبون بكل برود لقد بايعوا جبهة النصرة (330 عنصراً بايعوا جبهة النصرة في ظرف ساعتين!)
طلبنا مقابلتهم فرفضوا السماح لنا بذلك وخرج الشيخ سفر الصفر من المقر وسألناه عن الخولي فقال بالحرف الواحد هو يرفض الخروج وقد أعطوني عهد الله وذمته وميثاقه أﻻ يمسوه وأنه حر إن بقي فهو في ضيافتهم وإن أراد الخروج فله ذلك متى شاء، وكان كلام الشيخ مطمئناً ومضينا وفي اليوم التالي انقطعت أخبار الخولي وبدأت رحلة البحث عنه حتى استبان لنا بعد أيام أنه معتقل في سجون النصرة رغم عهد الله وميثاقه الذي أعطي للشيخ سفر الصفر ورغم الاتفاق الموقع بشهادة الفصائل ومنهم قيادات في حركة أحرار الشام بإطلاق المحتجزين من الطرفين!
وبدأت معاناة جديدة فلا عناصر حزم الـ 330 أطلقوا وﻻ استطعنا أن نطلق الخولي الذي ستسمعون ما تقشعر له اﻷبدان بخصوص قصته رغم أن هذا الرجل أعطى للنصرة من السلاح ما الله يعلمه ثم يشهد عليه أبو فراس السوري وأبو حمزة الدرعاوي ثم أنا، وإن أنكروا فعند الله تجتمع الخصوم، وهذا ليس حال حزم فحسب بل معظم الفصائل التي اعتدت عليها جبهة النصرة كانت تعطي الجبهة سلاحاً وذخائر والله على ما أقول شهيد.
بدأت بالتواصل مع الدكتور المحيسني وبلغته بشأن ااتفاق وأن اعتقال الخولي كان بعد توقيع الاتفاق وأنهم أعطوه العهد والميثاق واﻷمان وحدثته كم أعطى الخولي للفصائل وأنه ما طلب لجبهة إﻻ استجاب وﻻ سئل سلاحاً إﻻ أعطى.
وقسوت عليه في الكلام يومها -وأسأل الله أن يغفر لي- وتحرك الشيخ المحيسني وغاب عني يومين ثم أجابني وقال لي ذهبت وقابلت الجوﻻني بنفسي وطلبت إليه أن يطلق الرجل ولكنه اعتذر وقال أمره بيد المحكمة قلت يومها للدكتور المحيسني كم أطلقت لك من اﻷسرى والمحتجزين هلا رددتها لي ولو مرة؟!
لم يستطع المحيسني فاستعنت بأبي صالح الطحان وقلت له هل تأخرت عنك يوماً في فك أي محتجز؟ قال لا، قلت له أريد الخولي واستعنت بأبي خزيمة كذلك لكن دون جدوى، وما زال الخولي الذي حاول أمنيو النصرة أن يلصقوا له تهمة قتل الشيخ يعقوب العمر رحمه الله زوراً وبهتاناً قابعاً في سجون النصرة إلى يومنا هذا، رغم أن الشيخ يعقوب العمر رحمه الله كان من أقرب وأحب الناس للخولي وكان يوكله في حل كافة الخلافات مع الفصائل وعلى رأسها النصرة.
ورغم أن الخلية التي قتلت الشيخ الشهيد يعقوب العمر قد ألقى اﻷحرار القبض عليها وسجلوا كافة اعترافاتها وسلموها لجبهة النصرة وحققت معها وأنفذت فيها القصاص، ومع ذلك أرادوا تلفيق تهمة للخولي بقتل الشيخ يعقوب العمر رحمه الله ظلماً وزوراً وبهتاناً، ورد عليهم الشيخ حسام سلامة وفند أقوالهم.
أقف هنا وسأعود ﻻستكمال حديثي المتسلسل غداً ولن أرد على الجيش الإلكتروني ومن تابعهم من ألتراس الخارج فمهمتهم التشويش والتشغيب وليقولوا ما يشاؤون.
وأحيط اﻹخوة المتابعين بأن الحديث لم يبدأ بعد وأن ما سيتم استكماله يحمل من المفاجآت ما ﻻ يعلمه إﻻ الخاصة ولن يحول بيني وبين تمامه إﻻ الموت.
♦ الجزء الثاني
استئصال جبهة حق وألوية الأنصار
قبل أن أبدأ باستكمال شهاداتي أود التنويه إلى أن البعض يرد على التغريدات بغير فحواها ويحرفها عن محتواها كما أسلفت فلست معنياً بالرد وﻻ الالتفات.
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن والاه، اللهم لا سهل إﻻ ما جعلته سهلا، رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهو قولي.
وبعد:
فقد صير القوم الشهادات كلها وسوقوها على أنها للدفاع عن جمال معروف وﻻ غرو فإن الضغوط التي تعرضوا لها في اليومين الماضيين كبيرة فلم يستفق القوم بعد من هول صدمة تصريحات الشيخين الجليلين (الجلاهمة) و(الحصم) حتى أتتهم شهاداتي، وتوالي الضربات على الرأس في آن واحد مؤلمة، ومن ناحية أخرى فإن من سوق نفسه ﻷتباعه وللأمة على أنه ملك مقرب أو بشر معصوم سيؤلمه كثيراً التنزل من منزلة الملك أو المعصوم إلى منزلة البشر الذي يرد عليه ما يرد عليهم ويعتريه ما يعتريهم من الخطأ والصواب، وهنا تسقط المزايدات، ويصبح حاله حال الجميع ﻻ يعدو واحدا من اﻷصناف الثلاثة "فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق للخيرات بإذن ربه" هنا يتساوى الخلق فلا شعارات وﻻ مزايدات وﻻ استعلاء، فكلنا خطاؤون وخيرنا التواب اﻷواب الرجاع إلى الحق وخاب وخسر من أبى إﻻ أن يمضي قدماً في غيه عوضاً عن مراجعة نفسه.
وكما بدأت شهادتي باﻷمس باعتذارات أبدؤها اليوم باعتذارات، فأعتذر ﻷسود جبهة النصرة الرابضين على ثغور المسلمين والمرابطين على نقاط التماس مع العدو، وأعتذر لكل مهاجر صادق خرج من دياره نصرة لدينه والمستضعفين يروم رضا الله والجنة، وأعتذر للصادقين المخلصين من المجاهدين في جبهة النصرة، وأعتذر لتيار بأكمله داخل الجبهة؛ فأعتذر للشيخ الفاضل أبي مارية القحطاني وأعتذر للدكتور مظهر الويس وأعتذر للدكتور أبي البراء وأعتذر للشيخ علي العرجاني أبي الحسن الكويتي وأعتذر للأخ الحبيب عيسى الشامي وليعذرني من فاتني ذكره، أستميحكم عذراً جميعاً فلستم المقصودين بكلامي.
وأشهد الله أنني كنت أود أن أصمت عنها ما حييت لو توقف القوم عن استهداف إخوانهم ولو اقتصرت مدافعهم على التوجه نحو العدو، ولكنهم أبوا فعذراً عذراً أحبابي وإخواني فإن تصفية أربعة عشر فصيلاً وإخراجهم من الساحة وعزمهم على تصفية البقية بذات الطريقة عملاً بدستور (إدارة التوحش) ﻹقامة إمارة المتغلب على حساب دماء المسلمين وأموالهم وعتادهم أمر يأثم فيه شرعاً كل من علمه وسكت عنه وأنا أولهم، عذراً إخواني فدماء المسلمين عند الله أغلى وأعز، والسكوت عليها جريمة، ولو كان اﻷمر خطأ أو اثنين أو ثلاثة وكان إيقافه متاحاً ولم يك (منهجاً) للقوم ما كنتم لتقرؤا هذه الكلمات، ولكنه نهج ومخطط مرسوم وفكر عشعش في رؤوس القوم ودأبوا عليه وساروا فيه ظناً منهم أنه قابل التطبيق ممكن التحقيق والثمن، تدفعه اﻷمة بأسرها ولم نجد طريقة ﻹيقاظهم وهزهم وإيقافهم إﻻ هذه بعد أن صموا آذانهم، إذ غرتهم قوتهم فجعلتهم ﻻ يلقون باﻻً ﻷحد وﻻ يلتفتون لنصح وﻻ وعظ، وهنا كان ﻻ بد من إسماع دوي مدافعهم صوت صرير أقلامنا نصرة لهم ظالمين كما نصرناهم مظلومين، وإيقاظا وتنبيها ومعذرة إلى البارئ جل وعلا ولعلهم يرجعون.
وسيسمعونها دوماً وإن أزعجتهم كلما انحرفت البنادق وتاهت البيادق، وسيسمعها غيرهم بإذن الله تعالى مادام في المصلحين -أسأل الله أن يجعلني منهم- عرق ينبض.
وأعود- عطفاً على بدء- لمن جعل الشهادة تلميعاً لجمال معروف ﻷنقل له ما لن تنقله المنارة البيضاء ولن يحدثه به غلاة جبهة النصرة قط فأقول: ألستم من أوفد اﻷخ (حذيفة الليبي) الشرعي الدعوي -والرجل مازال حياً في منطقة الساحل إلى جمال معروف وكانت مهمته العلنية الدعوة ومهمته السرية اختراق جمال- وهذا ليس من باب الذم أو القدح فنهج مدرسة العراق هو إرسال الدعاة والشرعيبن أوﻻً لنشر الدعوة والتمهيد لقدوم الفصيل إلى المنطقة، ولعل حجي بكر قد كتب ذلك في أوراقه وأجهزته التي وجدت بحوزته في تل رفعت، وكانت عند اﻹخوة في لواء الفتح وتفردت دير شبيغل بنشرها -وأقام اﻷخ حذيفة الليبي قرابة عام ونصف في دير سنبل وكان يخطب الجمعة في دير سنبل والبارة وجبل الزاوية عموماً فما التقرير الذي قدمه لقيادة النصرة عن جمال معروف؟
لماذا ﻻ تخرجون شهادة اﻷخ حذيفة الليبي في جمال معروف وقد عاش عنده عاماً ونصف العام؟! ﻷنها ﻻ تخدمكم وسأذكر شهادته ﻷنكم لم ولن تذكروها: شهد حذيفة الليبي (شرعي جبهة النصرة) لجمال معروف بالعبادة والمواظبة على الصلاة والسنن والصيام وعدم التبعية للغرب واﻷخلاق الحميدة. فهل أخبرت قيادة جبهة النصرة عناصرها بهذه الشهادة؟ هذه ليست شهادتي بل شهادة شرعيكم وهو حي يرزق وقد عاش مع الرجل سنة ونصف السنة.
وأزيدكم ساهم اﻷخ حذيفة الليبي بالتقريب بين جبهة النصرة وجمال معروف ألم يكن (أبو حسن البارة) الذي كان قيادياً في جبهة النصرة قبل أن ينتقل إلى داعش بعد الخلاف بين النصرة وداعش- ألم يكن أبو الحسن البارة يضع على سيارات جبهة النصرة ملصقات (كتائب وألوية شهداء سوريا) قبل أن تتحول إلى جبهة؟؟
فهل ذكرت لك قيادتك يا جندي النصرة هذا اﻹحسان وتلك الشهامة واﻷيادي البيضاء لجمال معروف على جبهة النصرة أم اكتفت بذكر مفاسده ومساوئه وفساد عناصره وتشويل الناس والتحشيك؟؟ وقد يتعدى عند بعض العناصر إلى التكفير، وهو ما ﻻ يخلُ منه فصيل بما فيها النصرة، ولعل أحداث الدانا بين النصرة واﻷحرار قد أثبتت بالدليل القطعي أنه ﻻ يخلُ فصيل من هذه العناصر مع إقراري التام بالنسبة والتناسب، فالنسبة اﻷعلى دون شك كانت في جبهة ثوار سوريا لكنني أقسم بالله العظيم أنها موجودة في كافة الفصائل وهي نتيجة طبيعية ﻷربعة عقود ونصف من حكم النصيرية والبعث سبقها عقود من حكم العلمانية، وكما أسلفت فإن التلفظ بألفاظ كفرية ﻻ يخل منها فصيل بمن فيهم النصرة وحادثة الدانة خير دليل على ذلك وهي موثقة في المحاكم الشرعية.
بقيت قضية أبي عبد العزيز القطري -رحمه الله وتقبله في الشهداء- وسأسرد ما جرى بيني وبين أبي ذر الجزراوي أمير جند اﻷقصى في سرمين بحضور كل من اﻷخ الحبيب حسام أبو بكر والقاضي أبي صلاح وشقيقه وكلهم أحياء فأنا لست شاهد عيان على القضية ولكنني طلبت أن أكون شاهداً على اﻷدلة والحجج والبراهين وقلت للأخ أبي ذر الجزراوي أنا مستعد أن أكون شاهداً على ما تجدونه من قرائن، وأقسم بالله ﻷخرجن بشهادتي أمام اﻹعلام وأفضح جمال معروف، ولكن كعادة القوم أصموا آذانهم وباشروا اﻷمور بأنفسهم وأخرجوا اﻷدلة بمقطع بدائي يصعب على المرء أن يخرج منه بشيء.
ولكي تقر عيون القوم سأنقل شهادة شاهد من أمراء النصرة وقيادييها: كانت العلاقة بين أبي عبدالعزيز القطري وجمال معروف علاقة قوية ومميزة وكان يأتيه كل أسبوع فيعظه وكان جمال معروف يبكي من مواعظ أبي عبدالعزيز القطري وبلغ اﻷمر من قوة العلاقة والثقة بين الرجلين أن أخذ أبو عبد العزيز القطري بيعة سرية من جمال معروف للنصرة والشيخ الجوﻻني يعرف هذا الكلام وأبو الحسن البارة يعرف هذا الكلام وأبو محمد عطون يعرف هذا الكلام وكان حذيفة الليبي موجوداً وشاهداً على هذا الكلام وشهد البيعة السرية التي أخذها أبو عبد العزيز القطري من جمال معروف لجبهة النصرة وبعد ذلك تطورت الكتائب واﻷلوية لتصبح جبهة ثوار سوريا.
وأنتقل إلى شهادة أمير معتبر في جبهة النصرة عن حادثة مقتل أبي عبدالعزيز القطري وهو (أبو الحسن تفتناز) والرواية له بتصرف في اللفظ: عندما بدأت الضغوطات تتوالى على أبي الحسن تفتناز ﻹعداد العدة للثأر من جمال معروف بتهمة قتل أبي عبدالعزيز القطري فأجابهم أبو الحسن تفتناز بالتالي: سمع أبو عبد العزيز القطري بفرية (اغتصاب المهاجرات) وكان في البارة فجن جنونه وركب سيارته ولقوة علاقته وشدة ثقته بجمال معروف لم يصطحب معه المرافقة ووصل إلى دير سنبل وكانت ااشتباكات على أشدها مع داعش والوضع اﻷمني سيئ للغاية، وكان أبو عبدالعزيز رحمه الله قد سمع أيضاً أن جمال معروف يقتل أي مهاجر على الحاجز دون تفرقة بين داعشي وغيره فاستشاط -رحمه الله- غضباً وركب سيارته ولم يصطحب معه أحداً ووصل دير سنبل، وأراد أن يدخل على جمال وكان جمال في اجتماع فمنعه حرس جمال من الدخول فأخذ يرفع صوته ويقول أريد مقابلته فوراً فاﻷمر ﻻ يحتمل التأجيل، وسمع جمال معروف الجلبة والضجة في الخارج وعرف صوت أبي عبدالعزيز فنادى بصوته: اسمحوا للشيخ أبي عبد العزيز بالدخول، فدخل رحمه الله وبدأ يتحدث بأعلى صوته وهو يحترق من الداخل ويقول: اتق الله يا أبا خالد اتق الله في المهاجرين اتق الله في أعراضهم، ما ذنب المهاجرين لتأخذوهم بجريرة بعضهم وكان بجوار جمال معروف رجل من أتباعه ذبحت داعش أخاه بالسكين قبل الاجتماع بساعتين فظن الرجل أن أبا عبدالعزيز من داعش فأطلق عليه النار من مسدسه فقتله -رحمه الله وتقبله في الشهداء- وهنا صعق جمال وأسقط في يده ولم يدر ما يفعل فإن أعلن اﻷمر في هذا الظرف لن يصدقه أحد وسيكون المتهم الرئيس في قتل الشيخ أبي عبد العزيز فقرر أن يكتم اﻷمر وﻻ يعلنه حتى تمر الظروف ويفكر كيف يعمل؟! وهو مدان دون شك ﻹخفائه اﻷمر وعدم إعلانه عنه. هنا تنتهي رواية أبي الحسن تفتناز عن قصة مقتل الشيخ أبي عبد العزيز القطري ولإن صحت هذه الرواية التي لم يعلن عنها من قبل وﻻ يعلمها إﻻ القليل فإن الجزء الذي يتحمل فيه جمال وزر هذا الجرم بيّن أترك تقديره لكل حسب رؤيته وهذه شهادة من داخل جبهة النصرة نقلتها بتمامها.
وأطوي الصفحة وأعود إلى أحداث ما بعد دير سنبل وبذات الذريعة (الفصائل التي آزرت جمال معروف) استمر مشروع (إدارة التوحش) ﻹقامة إمارة قاعدية خالصة وكان الدور على (جبهة حق) و(ألوية اﻷنصار) وجبهة حق يقودها يوسف الحسن ويوسف الحسن من أوائل الذين خرجوا في الثورة ويشهد بشجاعته كل من عرفه وكان في بداية العمل العسكري يناور الدبابة ويقترب منها ويعلوها ثم يقتل الجنود الذين بداخلها ويغنمها لصالح الثورة ونائبه (الرائد مالك) من أفضل الناس خلقاً وأدباً وديناً، شاب هادئ تزين اللحية وجهه ﻻ يتكلم إﻻ حين يكلم، وقصة جبهة حق أن يوسف الحسن كان رجلاً من الجيش الحر لكنه كان يحب حركة أحرار الشام ويميل إليها، وجاء ذات مرة للشيخ الحموي ليبايعه ومعه في المجلس أبو عبد الملك وأبو طلحة الغاب -رحمهم الله- جميعاً، فقال له الشيخ الحموي -رحمه الله-: يا يوسف إذا بايعت اﻷحرار فسيقطع عنك الدعم وأنت تعطينا وتعطي غيرنا من الدعم الذي يأتيك فليكن ظاهرك جيشاً حراً وباطنك أحراراً، وأشار الشيخ الحموي على أبي عبدالملك الشرعي أن يكتب له ميثاقاً واختار أبو طلحة الغاب -رحمهم الله جميعاً- له اسم (جبهة حق) وكان نشاط الجبهة في أرياف حماة وكان يوسف الحسن ﻻ يبخل بالدعم على أي طرف وكان يعطي اﻷحرار والنصرة وجند اﻷقصى وكان يذخرهم في المعارك ضد النظام، وكان مثقال العبدالله أيضاً من العرب الخلص، تجد فيه شهامة البدوي وكرمه وإن كان التزامه بسيطاً لكنه كان محافظاً على الصلاة وهذا أشهد له به.
وطالت هذين الفصيلين ذات التهمة وبدأ الزحف وبدأت محاوﻻت وقف النزيف وثني النصرة عن ذلك، وكان الشيخ حسام سلامة (أبو بكر) هو عراب اﻹصلاح في هذه القضية، فأنا كنت قد أعلنت انسحابي رسمياً ﻷن النصرة عللت عدم قبولها بالوساطة وجودي فيها، وأحسنت الظن وعذرت القوم، واستمر الغيور على دماء المسلمين يجوب المناطق صباح مساء وكنت أرافقه في تنقلاته بين الفصائل إﻻ حين يذهب إلى النصرة فكنا نفترق، وتحركت حركة أحرار الشام محاولة وقف النزيف وعادت قضية التحاكم إلى شرع الله مرة أخرى إلى الواجهة وشكلت محكمة قبلت بها جبهة النصرة على رأسها الشيخين أبي موسى وأبي البخاري، ولكن أذكر أن عراب الحراك هو الشيخ حسام سلامة ولله در هذا الرجل فوالله ما رأيت أغير على دماء المسلمين ومحارم الله في هذه التجربة منه. أسأل الله أن يحفظه وأن يبارك في عمره، وحين كنا نفترق كان يمدني بالمعلومات ساعة بساعة إما عبر التراسل أو حين نلتقي، وﻷول مرة دخل الشيخ أبو صالح الطحان كممثل لحركة أحرار الشام طرفاً ضامناً لتنفيذ قرارات المحكمة -وهو ما أعتبره خطأ تكرر مرتين من قبل الحركة والشيخ أبي صالح غفر الله لهم- وكانت وجهة نظري أﻻ يفعلوا؛ لئلا تقود اﻷحداث باتجاه صدام مع النصرة، ولئلا يحرجوا مع الفصائل اﻷخرى إن كان مصير هذه المحكمة كسابقاتها، ولكنهم دخلوا كطرف ضامن وعادت المعاناة من جديد، العسكر على اﻷرض يتقدمون وﻻ يبالون بالمحاكم، والشرعيون يمرمرون الشيخين أبا موسى وأبا البخاري والشيخ حسام، وكانوا كلما تعطلت اﻷمور استعانوا بالشيخ أبي صالح الطحان الذي اضطر للحضور مراراً ورفع صوته أكثر من مرة وكان يلزمهم ثم ما يلبث أن يمضي حتى يعود القوم من جديد إلى وضع شروط تعجيزية للقبول بالمحكمة التي قبلوا بها ابتداء.
وكان آخر شرط تعجيزي لعدم القبول بالمحكمة هو أن المحكمة ﻻ تكفر جبهة حق وألوية اﻷنصار وهذا كلام شرعيهم (أبي عبدالله طعوم)، ولئلا يختلط اﻷمر فهذا ليس أبو عبدالله الشامي (أبو محمد عطون) ﻷن كليهما من طعوم وكان هذا الشرط التعجيزي بمثابة إطﻻق رصاصة الرحمة على المحكمة وإنهاء لجهد الشيوخ حسام سلامة وأبي موسى وأبي البخاري، وكان أن وضع اﻷحرار حواجز فصل تعرضت ليلاً للغدر فهوجمت سيارة للأحرار في حواجز الفصل بعبوة ناسفة واستشهد عنصر وأصيب آخر، وانسحب اﻷحرار من الحواجز وطويت صفحة المحكمة كسابقاتها، وبدأ عسكر النصرة والجند يزحفون باتجاه كفر سجنة معقل مثقال وعيونهم على معسكر الحرش وأسلحة جبهة حق.
ولما أيقن يوسف الحسن مصير جبهة ثوار سوريا وحزم وكان حسيراً كسيراً حزيناً وجد في قلبه على اﻷحرار لشعوره بأنهم خذلوه، فتواصل معي وقال لي: يا شيخ حذيفة إحنا رايحين رايحين انتهى أمرنا وأنا ما بقى بدي أحكي مع اﻷحرار، تواصل معهم إنت وقل لهم ييجوا ياخدوا السلاح أحسن ما تاخدوا النصرة وتذبحهم فيه بكرة "ذكرتها كما قالها لي بلهجته العامية، وبالفعل تواصلت مع الشيخ أبي أنس وكان خارج التغطية وتركت رسائل للشيخ أبي جابر وكلمت اﻷخ الحبيب أبا يحيى (مهند المصري) وكان قائداً للواء الخطاب الذي كان يعمل بالقرب من مناطق جبهة حق وألوية اﻷنصار وذهبوا واستلموا جميع السلاح، واعتبرته موقفاً رجولياً بطولياً مشرفاً من يوسف الحسن رغم الخذﻻن الذي تعرض له، وهنا أود ذكر حقيقة مرة: أن يوسف الحسن طلب تأمين قيادة الجبهة وإخراجهم من المنطقة.
وكلمت اﻷخ أبا يحيى حفظه الله فقال لي ليس لدي أمر بذلك من القيادة وحاولت التواصل مع الشيخ أبي جابر ولم يكن متاحاً فتحرك شباب الغاب بهبة رجولية ونخوة ارتجالية وأبلغوا رجاﻻت جبهة حق وألوية اﻷنصار مأمنهم، وطويت صفحة فصيلين مشهود لهما بالثورة وبمقارعتهما العدو النصيري.
أقف اليوم عند هذا الحد ومازال في الجعبة الكثير، وأبدأ الحلقة الثالثة من شهادتي مساء الغد إن شاء الله إن كتب الله لي عمر. أستودعكم الله.
♦ الجزء الثالث
استئصال عدد من الفصائل وأهمها الفوج 46
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
كعادة القوم في حرف الكلام وتسويق مضمون الشهادة على أنه تلميع لفصيل أو لشخص بعينه ليُشغلو الناس عن محتوى الشهادة في بيان أن ما يجري ليس سلوكا خاطئا أو تصرفات فردية وإنما منهج (إدارة التوحش) قصد الوصول إلى إمارة المتغلب بالقوة.
وهنا أقول:
هَبو أن كل شهاداتي ﻻ أساس لها من الصحة وأنها كلها من اﻹفتراء والتقول عليكم، أين وكيف تبخر أربعة عشر فصيلا من الساحة؟!
وهل يعقل أن النصرة كانت على حق في قتالها لجميع تلك الفصائل؟! أم هو تكرار لسيناريو العراق بحذافيره؟!
ألم تخطئ النصرة مرة واحدة في كل تلك اﻹقتتاﻻت؟!
إﻻ إذا كانت اﻷرض قد انشقت وابتلعت تلك الفصائل؟! وصدقوني من سكت باﻷمس تكلم اليوم ومن سكت اليوم سيتكلم غدا فهذه ليست أولى جرائمكم ولن تكون اﻷخيرة ﻷنها (منهج) ومن ناصركم باﻷمس تخلى عنكم اليوم ومن يناصركم اليوم سيتخلى عنكم غدا ففتشوا عن الخطأ وأصلحوه خير لكم من المكابرة واﻹصرار.
بعد أن طويت صفحة جبهة حق وألوية اﻷنصار كانت هناك فصائل تنتظر ذات المصير وبذات التهمة (مؤازرة جمال معروف) وهي خط النار وأبو العلمين وصقور الغاب واللواء السابع وهذه كلها فصائل صغيرة وعتادها ﻻ تتلمظ له الشفاه باستثناء جبهة حق التي أعطت سلاحها ﻷحرار الشام فحرمت النصرة هبرة كبيرة كانت عيون جبهة النصرة وحلفائها من الجند على حركة حزم (حلب).
فبعد أن حصلت من حركة حزم في ريف إدلب على عتاد يكفي لتجهيز جيش كانت عيونهم ترنو إلى اغتنام ما تبقى من عتاد الحركة في اﻷتارب في الفوج (46) تحديداً، وكان كل من في الساحة من قادة وفصائل يعلمون ذلك ويئس الجميع من إمكانية وضع حد لغلاة النصرة ونفض الجميع يده من المحاكم الشرعية والوساطات وأقسمتُ يومها أمام الكثير من القادة أنني لن أتدخل في أي صراع تكون النصرة طرفا فيه وكذا كان حال الجميع وحزمت أمتعتي وتركت إدلب وتوجهت إلى حلب وصرت أسمع كما يسمع كل من في الساحة أن غلاة النصرة التهموا الفصيل.
وللتذكير مرة أخرى بأسماء الفصائل التي اندرست على يد غلاة النصرة وصوﻻ إلى هذه المرحلة:
- لواء ذئاب الغاب
- لواء شهداء إدلب
- كتائب شهداء سوريا
- جبهة ثوار سوريا
- حركة حزم خان السبل
- جبهة حق المقاتلة
- ألوية اﻷنصار
- خط النار
- أبو العلمين
- صقور الغاب
- اللواء السابع
ولم يتدخل اﻷحرار إﻻ في مشكلة اللواء السابع وحاولوا جاهدين ودخلوا طرفا ضامنا وحاولوا جاهدين إيقاف هذا التغول دون جدوى، وسُجن قائد اللواء السابع وبعض العناصر بعد تعهدات ومواثيق قدمتها جبهة النصرة للأحرار بعدم المساس بهم وانطوت الصفحة وكان الكل يعلم أن الجائزة الكبرى هي حركة حزم حلب والفوج 46.
وأخذت جبهة النصرة تتحين الفرص وحتى يحين ذلك الموعد فإن أي هدف صغير يأتي في الطريق يُلتهم في غضون ساعات ويُطوى ملفه كما حصل مع كتيبة خالد بن الوليد وكتائب ثوار حمص في الساحل.
بعد القضاء على اﻷلوية والكتائب التي آزرت جمال معروف ولِد تشكيل جديد هو (الجبهة الشامية) وكانت ثلة من الطيبين آكدة من الخطر الذي يتهدد حركة حزم في حلب والتي كان من المقرر تحييدها (حلب) بعد أحداث جبل الزاوية وخان السبل لحساسية الوضع فيها، وكنت واحدا من تلك المجموعة فقد وثق بنا اﻹخوة في الجبهة الشامية وجعلونا من مستشاري الجبهة وأوكلوا إلينا مهمة ضم حركة حزم للجبهة، فقد واجهوا مشكلة في ضم الحركة.
وبالفعل توجهتُ إلى مقر قيادة الحركة في الفوج وبدأت محاولة تذويب عقبات انضمام حركة حزم إلى الجبهة الشامية، ورتبت بين قيادة الجبهة الشامية واﻷخ حمزة الشمالي في مقر جيش المجاهدين وطال اللقاء واستمر بضع ساعات وكانت جلسة مكاشفة ومصارحة وانفض المجلس على أن يرد حمزة الشمالي الخبر بعد مشاورات، وزرت حمزة الشمالي مراراً بعدها في الفوج ثم رتبت موعدا آخر للقاء بينه وبين قيادة الجبهة وعقد اللقاء وكانت قناعة حمزة الشمالي أن الجبهة الشامية عاجزة عن حماية حركة حزم من جبهة النصرة وكان جواب الشيخ أبي جمعة أن الجبهة قادرة على حمايتها شريطة أﻻ تحرج حزم الجبهة الشامية مع جبهة النصرة وأن ترفع أية تظلمات لقيادة الجبهة الشامية لتتولى هي حلها مع جبهة النصرة.
اقتنع الأخ حمزة الشمالي بعد ذلك وأعلنت حزم انضمامها للجبهة الشامية، ولكن الملفات العالقة بين حزم وجبهة النصرة منذ أحداث خان السبل كانت كبيرة وثقيلة وتحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل لحلها،
واحتقان عناصر حزم بسبب أحداث خان السبل وذهاب عناصرهم الـ330 وسلاحهم وذخائرهم بالكامل وأسر قائدهم الخولي ومجموعة من عناصرهم داخل سجون النصرة.
لم يكن من السهل على حركة حزم أن تتريث -وأراها مخطئة في ذلك- وتصبر ريثما تتولى الشامية حل تلك الملفات العالقة الشائكة وكانت الشامية نفسها تعاني من تصدعات وخلافات داخلية،
فمشكلة حزم ليست الوحيدة لديها لتكرّس كل وقتها وجهدها لها وكانت جبهة النصرة مستمرة في استفزازتها لحزم عبر جهازها اﻷمني وجند اﻷقصى وكانت حزم شبه يائسة من تخليص قائدها المعتقل لدى النصرة بعد أن طالت مدة اعتقاله، وهنا بدأت اﻷفعال واﻷفعال المضادة بين جبهة النصرة يساندها الجند وحركة حزم المحسوبة على الجبهة الشامية.
وهنا أود التأكيد أن جبهة النصرة دأبت دوماً على أن تبدأ الرواية من النقطة التي تثبت أحقيتها وتتحدث عن ردود اﻷفعال وتصمت عن اﻷفعال فقد أقامت الدنيا ولم تقعدها على إثر اعتقال جبهة النصرة
للأخ الفاضل أبي أنس الجزراوي، وملأت الدنيا وشغلت الناس إثر جريمة مقتل الشيخ المجاهد الشهيد -بإذن الله- أبي عيسى الطبقة، والذي أدنته وشجبته بأقسى العبارات في حينه دون مجاملة،
لكن جبهة النصرة لم تحدثكم بما سبق هذه الجريمة من جرائم قام بها جهازها اﻷمني والجند ضد حزم.
وهذه نماذج من استهدافات أمنيي جبهة النصرة لحركة حزم قبل استئصال الحركة في أحداث الفوج 46:
- بتاريخ 26-7-2014 تم استهداف أحد مقرات (الفوج 46) بسيارة مفخخة مما أدى إلى استشهاد (النقيب محمد نجم درويش - قيس أصلان - ياسر مصطفى جبرائيل - محمد حمصي).
- بتارخ 1-10-2014 تم استهداف سيارة بلغم أرضي موجه على طريق ريف المهندسين الفوج 46 كان يقودها القائد عمر موسى مما أدى الى استشهاده.
- بتاريخ -11-2014 تم استهداف سيارة تابعة للحركة بلغم أرضي موجه على الطريق الواصل بين المقلع والفوج 46 واستشهد كل من (نجيب البدوي - محمد ديب عكوش - عبدالرحمن عبدالرحمن).
- بتاريخ 11-1-2015 دارة عزة: استشهاد (علي عثمان الديبة - محمد عمر - غريب الحلو) جراء استهداف سيارة بلغم ارضي موّجه.
- بتاريخ 16-2-2015 تم اختطاف أحمد الحكيم قائد قسم الحراسة بالفوج 46 أثناء عودته إلى بيته على طريق باب الهوى، تم التحقيق معه تحت التعذيب في قرية السحارة من قبل حمود ثم أرسلوه إلى رأس الحصن ليقوموا بحرقه وباعتباره ابن المنطقة من خلال معرفته للطرقات والمطبات قام بتقدير المسافة وقام بردة فعل على حاجز تابع لجيش المجاهدين وضرب أحد عناصر النصرة وكسر زجاج السيارة وقفز منها وأطلقو عليه الرصاص ثم تم تخليصه على الحاجز وإسعافه للمشفى.
- بتاريخ 21-7-2015 تم استهداف أحد مقرات الحركة بسيارة مفخخة يقودها انتحاري مما أدى إلى استشهاد كل من (عبدو الحجي - صالح عادل عوض - سمير عمر عوض - مصطفى محمد عابد عوض- واصابة حسان حمروش ابن صالح حيث احترق كامل جسمه).
- وبعدها بأيام استهداف مقر في معر دبسه استشهد فيه١١سته منهم من الفرقه ١٣وخمسه من حزم.
لن يحدثك أحد عن هذه الجرائم فشباب حركة حزم ﻻ يرتدون أفغانيات سوداء وﻻ يرفعون رايات سوداء وﻻ ينتمون إلى حماة المنهج فلا بواكي لهم وﻻ مراثي.
جاءت جريمة مقتل الشيخ أبي عيسى الطبقة -رحمه الله- وكانت النصرة ترتقب ردة فعل مناسبة من حزم لتنقض عليها وجاءتها على طبق من ذهب ووقعت الجبهة الشامية في حرج كبير فأصدرت بيانها بفصل حركة حزم وانقض النمر اﻷسود على الفوج وقتل خيرة شباب الحركة وانطوى ملف حزم كسابقاتها دون ردة فعل من أحد وغنم أسود النصرة والجند من الفوج 46 ما غنموا وعادوا إلى عرينهم ينتظرون اﻷوامر من غلاتهم للإنقضاض على فريسة جديدة في الساحة.
أتوقف هنا اليوم على أن أعاود استكمال شهادتي غدا إن شاء الله إن كتب الله لي عمرا وسيكون حديثي عبارة عن أحداث متفرقة جرت.
♦ الجزء الرابع
حوادث متفرقة لبغي جبهة النصرة:
الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات والصلاة والسلام على من بهديه صلاح الحياة وبعد: قبل أن أبدأ فإن إخوة المنهج جعلوا مظاهرات اليوم التي خرجت في جميع أنحاء سوريا موجهة ضدي!
فقد سقط بشار ولم يبق من مصائب أهل الشام إﻻ حذيفة عبدالله عزام! ليتظاهر الشعب ضده! وهذا من المضحك المبكي! فأنا إخواني من أخرجت مظاهرات الجمعة الماضية في إدلب وغيرها وأنا من قمع المتظاهرين واعتقل الناشطين وكسر آﻻت التصوير وأنا وأنا وأنا.....
ودعوني أروي لكم الحكاية على غير رواية إخوة المنهج فقد جعلتهم شهادات من سبقوني ومن تشجع من الناس وبدأ يتكلم ثم شهاداتي حذرين في أية خطوة يخطونها حتى تمر الموجة كعادتهم في كل حدث ولذا حرصوا في مظاهرات اليوم على أن تكون الراية التي يعقدون عليها الوﻻء والبراء ويقيمونها مقام الغاية من الجهاد في سبيل الله حرصوا على تسميتها على لسان أحدهم في مظاهرات اليوم ب(الخرقة) وبات علم الثورة الذي كان فيما مضى (راية عمية) جاهلية علمانية ديمقراطية الخ بات راية كسائر الرايات يجوز رفعها وبات عناصرهم وجيشهم اﻷلكتروني وألتراس الخارج يجمعون الصور ويصدرونها باسمي وكأن سائر مظاهرات اليوم كانت موجهة ضدي! وكأن الذي رأيناه اليوم ليس ما كنت وغيري ندعو إليه منذ سنوات! لكن بعض المناهجة يصعب عليه أن يتمالك نفسه فسرعان ما تفضحه فلتات لسانه وتخرج خبيئة صدره رغم تشديد أمرائه عليه وتنبيههم له.
ففي مظاهرة الدانا اليوم -على سبيل المثال- انقلبت المظاهرة إلى تمجيد وتقديس لتنظيم القاعدة وهتفوا بخيانة اﻹئتلاف وكفره! ونادوا بتحكيم شرع الله وهذا ليس بمستغرب أو جديد لو توقف المشهد عند هذا الحد أخذت أحدهم الحماسة والحمية فنسي نفسه وأخذ ينشد (جايينكم نحنا الدولة) فنزعوا الميكرفون من يده بسرعة وأسكتوه ولسان حالهم (فضحتنا).
ومشهد اﻷمس الذي جرى في سرمين جعلني أفكر في عدم التزام التسلسل في اﻷحداث وفتح ملف ربيبة النصرة المدللة التي عقدت البيعة والوﻻء لداعش جند اﻷقصى بعد استفزازها للشعب والفصائل باﻷمس وضربها لمشاعر الناس عرض الحائط وفتحها بيت عزاء لحسان عبود قائد لواء داوود والتحرك الفوري من قبل عناصر اﻷحرار وإزالتهم لبيت العزاء وإنهائه وما كان لها أن تفعل ذلك لوﻻ أنها تشد ظهرها بغلاة جبهة النصرة المسيطرين على مفاصل التنظيم وسآتي على إثبات ذلك من خلال اﻷحداث ولكن سأمضي كما كنت عقدت العزم منذ البداية بالتسلسل وسآتي على العلاقة من خلال سرد ملف اغتيال الشيخ الشهيد بإذن الله مازن قسوم والذي فضح أسرار كثيرة سأذكرها بالتفصيل في موضعها إن شاء الله.
وكنت قد أنهيت قصة استئصال حركةحزم (حلب) وذكرت أنني سأسرد بعض المتفرقات ثم أدخل إلى بيت النصرة الداخلي، ومن هذه المتفرقات اقتحام عناصر النصرة بيت عنصر من صقور الغاب وطعنهم له وﻷخيه حيث قتل أحدهما طعنا بالسكاكين وأصيب اﻵخر بجروح بالغة وأدخل غرفة اﻹنعاش واتصل بي المقدم جميل رعدون يومها واتصلت بالشيخ المحيسني وكنت في الساحل والحادثة في ريف حماه وتحرك الشيخ الهمام حسام أبو بكر وكما أسلفت فإن هذا الشاب من أغير من رأيت على حرمات الله والدماء وما رافقته يوما في قضية إصلاح إﻻ وبكى حرقة على أحوالنا المتردية ومازلت أذكر كلمات كان يرددها دوما وهو يبكي في كل محاولة إصلاح فاشلة ومحاكم شرعية تذهب أدراج الرياح كان يردد وهو يبكي: "والله لست حزينا على شيء قدر حزني على حاكمية الله التي تداس باﻷقدام"
وقد صدق فالمحاكم الشرعية والتحاكم لشرع الله باتت جنة يتستر بها الغلاة ويلفلفون بها جرائمهم ويسربلونها سربال الدين ويغطونها بغطاء الشرع وحاشا شرع الله أن تستباح به الحرمات وتستحل المحارم.
كان الشيخ حسام سلامة هو اﻷقرب فتصدر للأمر وأتمه بارك الله فيه حقنا للدماء وسلم عناصر دار القضاء لدار القضاء !! وماتت القضية كما مات غيرها ومن تلكم القضايا التي ديس بها التحاكم لشرع الله باﻷقدام قضية حصلت بين (المفسد) خالد حياني وجبهة النصرة ولجئوا للتحاكم لشرع الله وتواصل معي اﻷخ الفاروق قائد لواء العباس من حركة أحرار الشام وطلب إلي أن أكون عونا له في اﻹصلاح بين المتخاصمين فقلت له أخي الحبيب إن جبهة النصرة ﻻ تقبل بي وسيطاً فتواصل معهم فإن قبلوا فعلى الرأس والعينين ولكن اعتبرني معينا لك ومستشارا وما أستطيع تقديمه لن أتوانى به وكان يتواصل معي باستمرار ويطلعني على المجريات وانقطع التواصل بيننا وشغل وشغلت ومرت اﻷيام والتقينا قدرا في باب الهوى فقص علي القصص وقال لم نبق وسيلة وﻻ وسيطاً إﻻ وسطناه للقوم وكان اﻹتفاق أن تسلم النصرة عناصرها ويسلم خالد حياني عناصره وقام خالد حياني بتسليم عناصره للجهة المحايدة وبدأت قصة المطاردات وراء جبهة النصرة ويعدون الوسطاء اليوم غدًا بعد غد وعناصر حياني موقوفون وعناصر النصرة يسرحون ويمرحون رغم الحكم الصادرواﻻتفاق الموقع وليت اﻷمر وقف عند هذا الحد من عدم الرضوخ للشرع والنزول لحكم الله بل بلغ استخفافهم حد مطالبتهم تسلم عناصر حياني الموقوفين قلت له ثم ماذا قال ذهبت القضية أدراج الرياح ولم تسلمنا النصرة أيا من عناصرها وانتهى اﻷمر هنا.
خالد حياني المفسد يرضخ لشرع الله وتتفلت منه جبهة النصرة تفلت اﻹبل من عقلها!
واﻷخ الحبيب الفاروق أطال الله عمره لم يزل حيا ولكم أن تسألوه إن شاء أن يشهد أما أنا فلن أحرج أحدا بطلبه للشهادة إﻻ بعض الناس الذين سأطلبهم في شهادات حساسة تبين منهج القوم وكذلك بعض القضاة فمن استجاب فهلا وحيا ومن لم يستجب فله اﻷمر وألتمس له العذر ﻷن الشهادة على النصرة أو الجند تعني ﻻصقة أو مفخخة أو كاتما ومن في الساحة يعي جيدا ما أقول.
ومن اﻷحداث مداهمة مقرات عصبة المظلوم ﻷنهم رفضوا أن يكون قاضي جبهة النصرة هو المخول بتوزيع الغنائم فأصدر أحد قضاتهم في دار العدل بمحاصرة مقر العصبة ومداهمته بحجة أنهم (طائفة ممتنعة بشوكة) ولك أن تتخيل مقدار التعمق الشرعي لدى هذا القاضي! وتواصل معي اﻹخوة في العصبة وناشدوني ووجهوا لي النداءات مرات وكرات وأنا أجيبهم وأعتذر بأن القوم ﻻ يقبلون بي بل إن تدخلت ستزداد أموركم تعقيدا ومن بساطة القوم وسلامة فطرتهم أنهم لم يعرفوا معنى طائفة ممتنعة بشوكة ولم يعرفوا تهمتهم!
وناشدوني أن أكلم الشيخ المحيسني وكان حينها مصابا إثر معارك جسر الشغور وزرته في البرناص وهو في جراحه وآﻻمه ولوﻻ أمانة التبليغ ما بلغته إشفاقا عليه فقلت له يا شيخ حاول القوم التواصل معك وكأن هاتفك مغلق وأنت معذور وقد تواصلوا معي وحملوني أمانة التبليغ، كان اﻷخ قد قال لي: إن الشيخ يعرفني وهو صديقي فقط قل له أبو دياب -حسب ما أذكر- وبلغت الشيخ فتألم لما سمع (وحسبل وحوقل) وقضيت معه يومي ثم عدت إلى حلب.
ومنها إساءاتهم للمجاهدين من الفصائل اﻷخرى على حواجزهم وفي مناطقهم وسأكتفي بذكر حادثتين اﻷولى حصلت مع أخينا الشهيد بإذن الله عقيل من حركة أحرار الشام قبل أن ينتقل إلى الفرقة الأولى، وأخونا عقيل تشهد له الجبهات فهو من أوائل المنغمسين في تحرير القمة 45 وبها أصيب وكان في طريقه بين سرمدا والساحل ومعه سيارة محملة بالسلاح فأنزلوه وأهانوه ومن معه وجردوه من سلاحه والسلاح الذي كانوا معه وفعلوها مع أمجد البيطار.
وتعاملهم هذا على الحواجز نابع من نظرة اﻹستعلاء التي يأخذ المنتسب إليهم فيها دورات تنمي فيه أنك بمجرد أن انتسبت للتنظيم فقد أصبحت فوق الجميع.
وأذكر أنه في أحد اﻹجتماعات بين النصرة وبعض الفصائل إحتدم النقاش بين الحاضرين وإذا بأحدهم يرفع صوته مخاطباً أحد القادة الحاضرين "تأدب حين تكون بحضرة القاعدة" نعم قالها لقائد فصيل كما ذكرتها أعلاه بالحرف ولم ينبس قائد الفصيل ببنت شفة.
ولعل من يراجع تغريدات قادة اﻷحرار الشهداء -بإذن الله- قبيل استشهادهم يلمس تركيزا واضحا على صفة اﻹستعلاء في الخطاب مع اﻵخرين والتعامل معهم على حد سواء وقد نشرت بعضا منها في اليومين الماضيين وسأستمر في النشر بإذن الله في قادم اﻷيام وقد حاولوا جاهدين رحمهم الله علاج هذه الظاهرة والتخفيف منها قدر ما استطاعوا.
وأنتقل اﻵن للحديث عن البيت الداخلي لجبهة النصرة فقد مرت النصرة بمراحل وأطوار جعلت الناظر في أمرها يحتار في فهم هذا اﻹنقلاب الذي اعتراها فقد بدت جبهة النصرة في السنتين اﻷوليين من عمر الثورة بصورة مختلفة عما بدت عليه بعد منتصف عام 2013 وما تلاه فما سر هذا اﻹنقلاب المفاجئ؟!
ﻻ ينكر منصف أن جبهة النصرة بدت في السنتين اﻷوليين في أبهى حللها وأجمل صورها وأنها بالفعل التصقت بالناس والتصقوا بها وأحبوها وأنها كانت تخفض جناحها للناس وتمد أيديها إليهم وأنها جاهدت وقدمت خيرة أبنائها وقادتها وأنها كانت تتقدم الصفوف وتبذل النفس والنفيس في الثورة، إذن ﻻ بد من خطب جرى بل خطوب أدت إلى هذا التحول الذي يصعب على العقل أن يستوعبه ويجعل قارئ هذه السطور ﻻ يصدق شيئاً منها ولعلي أسعى لتجلية ما جرى بسرد خلاصة الحكاية.
الفاتح الجوﻻني أمير جبهة النصرة ينتمي إلى مدرسة قاعدة العراق وهي اﻷكثر غلوا بين أجنحة القاعدة على اﻹطلاق وقد انتدبه البغدادي بعد الثورة السورية إلى الشام ليؤسس فيها فرعا أوكل إليه مهمة قيادته ووصل إلى الشام في 21 رمضان عام 2011م ومعه حاجي غانم وهو اﻹداري العام لجبهة النصرة آنذاك وبعد 15 يوما تقريباً تبعه أبو جليبيب اﻷردني وأبو عماد الجزراوي الذي انضم لداعش فيما بعد وصار واليها على البادية وقتل مع اﻹشارة إلى أن الفاتح الجوﻻني دخل سوريا في شهر5 (مايو) سنة 2011 أي بعد الثورة بثلاثة أشهر تقريباً ومكث بضعة أيام ثم عاد إلى العراق ورجع في شهر رمضان من نفس السنة واستقر في الشام وممن دخلوا في بداية اﻷمر كذلك فيصل التركماني الذي قتل رحمه الله في معارك الساحل وسميت صواريخ النصرة (فيصل) على اسمه وكان رحمه الله العسكري العام وكان أبو جليبيب مسؤول المفخخات وحاجي غانم اﻹداري العام مع اﻹشارة إلى أن حاجي غانم عراقي وقد قتل في غارة في الموصل السنة الماضية وكذلك فيصل عراقي تركماني قتل رحمه الله في معارك الساحل وكان أول من بايعه من أهل سوريا الشيخ صالح الحموي في27 رمضان عام 2011 وقام فيما بعد بحشد البيعات من كافة أنحاء سوريا ومنهم 5 من أمراء الشام وعلى رأسهم أبي مالك التلي وهو من أتى بأول أمير لدرعا وأتى بأبي محمد عطون وأتى بأول أمير لقاطع حمص وكذلك أمير الللاذقية والشيخ أبي عبدالعزيز القطري رحمه الله تعالى إستقبل الشيخ صالح الحموي الشيخ الجوﻻني ومضى الجوﻻني مباشرة إلى الشام ومضى صالح إلى حماة والتقى الشيخ الجوﻻني قدرا بأبي مارية القحطاني وكان الشيخ أبو مارية يعالج في الشام وحين لحق الشيخ صالح بالشيخ الجوﻻني إلى الشام عرفه بالشيخ أبي مارية القحطاني فكان الرجلان من ألصق الناس به وكان الشيخ الجوﻻني قد تعرف إلى الشيخ أبي مارية أيام السجن في العراق ومن أوائل الذين بايعوا الشيخ الجوﻻني في سوريا وهو الثاني من أبناء سوريا ممن بايعوا الشيخ الجوﻻني الدكتور أبو البراء الشامي حيث بايع في 27 رمضان ولم يسبقه إلى البيعة إﻻ الشيخ صالح في 23 رمضان 2011م إﻻ أن الدكتور أبا البراء الشامي حفظه الله كان في دير الزور فكان بعيدا عن الشام أي لم يكن ضمن الحلقة الضيقة التي تحيط بالشيخ الجوﻻني.
أتوقف هنا الليلة على أن أتم الجزء الرابع غداً بحول الله وقوته إن كتب الله لي عمراً
في أمان الله وحفظه ورعايته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
♦ الجزء الخامس
بداية الخلاف بين البغدادي والجولاني وبدء سيطرة الغلاة في جبهة النصرة:
الحمد لله القائل في كتابه: {إنا عرضنا اﻷمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها اﻹنسان إنه كان ظلوما جهوﻻ} وصلى الله وسلم على الصادق اﻷمين القائل: (لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم) اللهم ﻻ علم لنا إﻻ ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، وﻻ فهم لنا إﻻ ما فهمتنا إنك أنت الجواد الكريم، اللهم إني أستغفرك من ظلمي وجهلي وأستهديك فاهدني وقومني وارزقني اﻹخلاص في القول والعمل يا رب.
كنت أتحدث باﻷمس عن بيت النصرة الداخلي وبدايتها على أرض الشام المباركة وأستأنف اليوم من حيث انتهيت باﻷمس.
من البطانة (الصالحة الناصحة) التي أحاطت بالشيخ الجوﻻني، الشيخ الشهيد بإذن الله عمار السيد (أبو محمد الشرعي) شرعي حلب وهو صاحب نهج قويم وفكر سليم وكان يُعارض الجوﻻني في كثير من اﻷمور.
إذن دائرة الشيخ الجوﻻني الخاصة التي كانت حوله في البداية من المهاجرين أبو مارية القحطاني وأبو عماد الجزراوي ومن أهل سوريا صالح الحموي والشيخ عمار السيد رحمه الله.
ثم جاءت الحلقة الثانية حيث التحق أبو أحمد (ذكور) وبعدها بقرابة سبعة أشهر التحق (عبدالله) وهذه الدائرة التي كانت حول الفاتح الجوﻻني قبل دخول البغدادي، ﻷن دخوله سيؤسس لحقبة جديدة ويخلط الحابل بالنابل إضافة إلى من ذكرت في أواخر الجزء الرابع من شهادتي، وأذكّر به وهو الشرعي (أبو محمد عطون) الذي لم يكن عضو مجلس شورى ولم يكن عضو لجنة شرعية بل بدأ بروزه قبل إعلان الدولة اﻹسلامية بشهرين.
وأقصد قبل إعلان البغدادي حل جبهة النصرة وإعلان دمجها في الدولة اﻹسلامية في العراق تحت مسمى (الدولة اﻹسلامية في العراق والشام) بشهرين، حيث بدأ الخلاف بين البغدادي والجوﻻني قبل إعلان البغدادي بشهرين أما أبو هاجر الحمصي فقد كان مسؤوﻻً للمضافة في إدلب ثم تم نقله -ﻻحقاً- إلى حلب، وممن كان يرافق الشيخ الجوﻻني مثل ظله ﻻ يفارقه (أبو أحمد حدود) فهو المسؤول عن تنقلاته اليومية واستئجار البيوت له، وممن كان يلازمه وﻻ يفارقه شاب صغير السن هو (أبو عائشة) وكان اﻹعلامي العام آنذاك.
وما يهمنا من جميع اﻷسماء التي ذكرت الشيخ أبو مارية القحطاني والشيخ صالح الحموي والشيخ عمار السيد وأبو عماد الجزراوي حيث أن البقية ليسوا حملة فكر بل إن بعضهم أميون، ومن حملة الفكر المؤثرين أيضاً وإن كان متأخراً عمن ذكرت أعلاه الشيخ الشهيد -بإذن الله- معاوية حاج أحمد المشهور بالدكتور (أبي خالد)، وكان الشيخان عمار السيد والدكتور أبو خالد يختلفان مع الجوﻻني في قضايا؛ منها أنهما كانا ﻻ يُكفران عوام الشيعة، وينتقدان نهج وسلوك الدولة اﻹسلامية في العراق، وينتقدان التبعية لخراسان، واحتدم الخلاف بينهما وبين (أبي عماد الجزراوي) حين عينه الشيخ الجوﻻني أميراً على إدلب -وكان الجوﻻني ﻻ يزال في الشام آنذاك لم ينتقل بعد إلى الشمال السوري- فعين أبا عماد الجزراوي- وهو كما ذكرتُ آنفاً ممن التحق بالبغدادي بعد الخلاف وعُين أميراً للبادية ثم قتل- أميراً على إدلب، وكان أن أرسل أبو عماد الجزراوي مفخخات إلى مدينة إدلب استهدفت المخابرات الجوية وكان معظم قتلاها وجرحاها من المدنيين، فاحتدم الخلاف بين الشيخين أبي عمار وأبي خالد وبين أبي عماد الجزراوي ورُفع اﻷمر للجوﻻني وكان في الشام فأمر بنقل الشيخين إلى حلب -فضاً للنزاع- وقادا المعارك في صلاح الدين وسيف الدولة في حلب فقتل الدكتور أبوخالد (معاوية حاج أحمد) بطلقة قناص وبعد أسبوع تبعه توأم روحه وحبيبه الشيخ عمار السيد رحمهما الله تعالى.
وهنا نلحظ أن تيار الغلو الذي جاء من العراق كان مكبلاً، وحين كان يتفلت كان أهل العلم والفكر من أهل الشام والمهاجرين يهبّون في وجهه ويوقفونه عند حده، وسارت اﻷمور على هذا النحو وكانت جبهة النصرة في جل تحركاتها منضبطة بالشرع، وكان الغلاة الذين قيدهم أهل الرأي والفكر في الشام يرفعون التقارير للبغدادي أوﻻً بأول عن هذا التوجه الجديد الذي لم يألفوه ولم يعرفوه في العراق، وعدوه خروجاً على نهج الدولة في العراق وسلوكها وتنكباً من الجوﻻني لذلك الطريق، وخروجاً عن مخطط الدولة اﻹسلامية في العراق الذي أرسل الجوﻻني إلى الشام قصد إتمامه وتوسيع رقعة الدولة وامتدادها الجغرافي نحو الشام.
ولم ينتظر البغدادي طويلاً -بعد توالي التقارير المرفوعة من (الغلاة المقيدين)- فحزم أمتعته ودخل إلى سوريا سراً ومكث ستة أشهر يتنقل بين المناطق، فضمن البيعات واستوثق من وﻻء اﻷمراء ثم أعلن عن وجوده وأرسل إلى الجوﻻني أنه سيحل جبهة النصرة ويعيدها إلى حاضرة الدولة، وطالبه بالانصياع له وإعادة جميع ممتلكات النصرة للدولة صاحبة المشروع وداعمة الفرع الجديد لها في الشام، وأقصد جبهة النصرة.
وهنا ابتدأت حقبة جديدة من التاريخ في عمر الثورة السورية، فالجوﻻني إما أن يُسلم جميع ما لديه وإما أن يصادم الدولة، فرفع ملف الخلاف للظواهري وطلب إليه أن يفصل في اﻷمر، ولم ينتظرالبغدادي رد الظواهري فبدأ يستولي على المقرات والسلاح بالقوة، وأمر الجوﻻني أتباعه ومن تبقى معه بعدم الصدام، وبالفعل سلمت مستودعات ومقرات دون قتال، وبت الظواهري في الخلاف وأمر ببقاء النصرة في الشام وعودة الدولة إلى العراق فهذا فرع وذاك فرع.
اعتبر البغدادي أن الظواهري انتصر للجوﻻني وأنه يحرض الجند على أمرائهم وأنه خالف ببته في اﻷمر على هذه الشاكلة الشرع.
كان لهذا الحدث أثر بالغ على الثورة السورية المباركة لن تتضح آثاره في اﻷيام اﻷولى للخلاف والنزاع ﻷن النصرة خرجت منه ضعيفة مضعضعة، فقد حاز البغدادي على معظم عتادها وسحب منها أمراء وخبراء وكانت بحاجة إلى فترة نقاهة لتلملم شعثها وتجمع شتاتها وتقف على أقدامها من جديد، وكانت بأمس الحاجة للانفتاح على الفصائل لتستعين بهم في مصابها وما ألم بها.
هنا يستطيع القارئ أن يلمس بوضوح أن وجود البطانة الصالحة الناصحة من أهل سوريا ومن خارجها حالت دون أن تسير النصرة بمنهج الدولة وفكرها الذي تشرّبه عناصر ممن دخلوا مع الجوﻻني وتشبعوا به وتأثر به آخرون ومنهم الشيخ الجوﻻني نفسه، ووقف آخرون في وجهه وكانوا اﻷكثرية في البدايات، وكان الشيخ الجوﻻني ينزل على رأيهم ودفع ومعه جبهة النصرة ثمن ذلك غالياً على يد البغدادي ودولته.
رفض البغدادي قرار الظواهري وبدأت مرحلة صراع بين جناحي تنظيم القاعدة، وهو أول صراع فكري على أرض الشام تسيل فيه الدماء في عمر الثورة السورية المباركة، وهنا بدأ الضخ والتحشيد واﻻستنصار من كلا الفريقين ﻹثبات أنه على الحق وصلت حد المباهلة، وبدأ الجوﻻني بتوزيع من تبقى معه من كوادر على المحافظات للحفاظ على استمرارية العمل وعلى عناصر الجبهة في ظل تغول البغدادي على جبهة النصرة واستمرار حملته على مقدراتها، فأوفد الجوﻻني أبا مارية إلى الشرقية وعين صالح الحموي أميراً للبادية شرق حمص، وكان الشيخان أبو محمد وأبو خالد قد استشهدا قبلها بعام تقريباً في معارك حلب، وبدأ الصف الثاني يأخذ مكان الصف اﻷول في جبهة النصرة، وبدأ الوافدون يفدون من الخارج زرافات ووحداناً ويلتحقون بكلا الفريقين، وكانت النصرة بحاجة إلى كل صوت وإلى فتح باب اانضمام على مصراعيه، فالتحق أبو فراس نموس في الشهر السابع عام 2013، والتحق أبو الفرج المصري في الشهر الثالث من عام 2014، وهؤلاء اعتبرتهم النصرة مكسباً كبيرا لها لما للرجلين من سابقة.
في هذه الحقبة اختلط الحابل بالنابل، فالنصرة مضطرة للتجنيد لتصمد في وجه حملة البغدادي الشرسة ولتعوض النقص الحاصل، أضف إلى ذلك ماكينة البغدادي الإعلامية التي كانت تسعى ﻻستقطاب من تبقى من عناصر النصرة بتشويهها بأن الجوﻻني ناقض بيعة، وأنه ومن حوله مفرّطون مميّعون تخلوا عن الثوابت وتنكبوا طريق الجهاد السوي وتركوا نهج القادة، وصوﻻً إلى الخطاب التكفيري المغالي الهادف ﻹحراج النصرة أمام أتباعها.
مما مضى نخلص إلى أسباب جوهرية أدت إلى انقلاب دراماتيكي سيكون له انعكاس سلبي على مسيرة النصرة في قادم أيامها:
أولها: البغدادي ودخوله للشام.
وثانيها: ذهاب الكوادر التي كانت تحيط بالجوﻻني بين شهيد وموفد لتغطية النقص الحاصل الذي نجم عن تغول البغدادي.
وثالثها: مزايدات الدولة في خطاباتها ﻹحراج النصرة أمام عناصرها ومحاولة غسل أدمغتهم وجرهم إلى خطاب مزايدات، وقد حصل هذا بالفعل وبدأت خطابات النصرة -مضطرة أو مختارة- تجنح نحو الغلو واستُعين ﻷجل هذه المهمة بأصوات جديدة ووجوه جديدة، وأدت المهمة على أكمل وجه وتغيرت نبرة الخطاب ولهجته؛ مما ترك أبلغ اﻷثر على عناصر النصرة، ولم تستطع النصرة منذ تلك اللحظة وإلى يومنا هذا أن تعيد نبرة خطابها سيرته اﻷولى، بل ما زال سجال خطاب الغلو بينهم وبين داعش على أشده.
أتوقف هنا وأتم غداً بمشيئة الله تعالى إن كتب الله لي عمراً ﻷتحدث عن انعكاسات هذه اﻷحداث على منهج النصرة وصوﻻً إلى سيطرة الغلاة على مفاصلها.
♦ الجزء السادس
الجولاني يصرح بتكفير الطيب أردوغان والائتلاف السوري ويتبنى كذب المصلحة:
الحمد لله القائل في كتابه {ﻻ يحب الله الجهر بالسوء من القول إﻻ من ظلم} وصلى الله وسلم على البشير النذير القائل (إتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة).
وبعد:
دخلت النصرة مرحلة جديدة كما ذكرت آنفاً وتفرق الكوادر في المناطق وقطع النظام وداعش أوصال المناطق ولم يبق حول الفاتح أبي محمد الجوﻻني سوى أبي عائشة وأبي محمود حدود وكان الجوﻻني بحاجة لتعويض الكوادر حوله فلمع نجم أبي محمد عطون وبات من الدائرة المقربة من الجوﻻني ودخل الدائرة المقربة أيضاً أبو يوسف حماة وأبو علي القصير وأبو علي القصير من عتاولة الغلاة وعين أبو عبدالله طعوم شرعيا لحماة وأبو عبدالله طعوم كما ذكرت آنفاً هو الذي عطل التحاكم للشرع أيام مشكلة جبهة حق وألوية اﻷنصار بحجج كان آخرها أننا ﻻ نعترف باللجنة ﻷنها ﻻ تُكفر جبهة حق وألوية اﻷنصار.
كان الصدام اﻷول بين الفاتح الجوﻻني والفريق اﻷول الذي كان يحيط به ولم يتبق منه سوى الشيخ أبي مارية والشيخ صالح الحموي حين قررت جميع الفصائل قتال داعش بعد صبر الفصائل على بغيها أكثر من عام واستشار الفاتح الجوﻻني من حوله فكان رأي القحطاني والحموي قتال الدولة وكان رأي الفاتح الجوﻻني عدم قتالها واتجه القحطاني للشرقية واتجه الحموي للبادية وأجمعت داعش أمرها وشركاءها وسيطرت على الشرقية وخسرت النصرة البادية كذلك وهنا شعر الفاتح الجوﻻني بالخطر يتهدد التنظيم فبخسارة الشرقية خسرت واحدا من أهم مصادرها اﻹقتصادية في الشرقية.
واتُخذ القرار داخل جبهة النصرة باستنساخ تجربة داعش وهو البحث عن منطقة مركزية تستجمع فيها القوى وتعد نقطة انطلاق تماماً كما فعلت داعش إثر معاركها مع الفصائل حيث جمعت قواها في الرقة ومنها بدأت الزحف تجاه المناطق وضمنت منطقة غنية لتمويل التنظيم وكذلك فعلت جبهة النصرة حيث نظرت فوجدت منطقة الشريط الحدودي هي اﻷنسب وفيها مصدر دخل من تهريب المازوت كانت كلها تذهب إلى جبهة ثوار سوريا وكما أسلفت مراراً فإن نسبة الفساد داخل جبهة ثوار سوريا كانت هي اﻷعلى بين الفصائل ووجدت جبهة النصرة من هذه النقطة مدخلا لتسويغ إنهاء اﻷلوية التابعة لجبهة ثوار سوريا من تلكم المناطق.
وبذريعة تطهير المنطقة من الفساد والفاسدين بدأت جبهة النصرة خطواتها الثلاث المعهودة في تصفية الفصائل وهي:
شيطنة الخصوم عبر توجيه جميع أنشطتها اﻹعلامية نحو الخصم وتسليط الضوء على كافة أخطائه ومفاسده حتى تُهيئ الرأي العام لتقبل أي مصير يمكن أن يحل به ويصبح هذا الخصم حديث الخواص والعوام وحديث المجالس والشوارع وهنا تكون قد هيأت الرأي العام لتقبل أي عقوبة يمكن أن تنزل به وتظهر بمظهر من طهّر اﻷرض من أرجاس المفسدين فتكون قد حققت أكثر من غاية بضربة واحدة
بعد أن تستيقن شيطنة الخصم تنتقل إلى الخطوة الثانية وهي التحييد والعزل وهنا تأتي إلى حلفاء الخصم فتبدأ بتحييدهم حتى تجرده من أسباب القوة وعناصر المؤازرة وتضمن سكوت حلفائه أو القسم اﻷكبر منهم وتكون بذلك قد حيّدت حلفاءه وعزلته وفور تأكدها من عزلته تأتي الخطوة الثالثة فتنقضّ على الخصم وهذا مارسته مع الجميع باستثناء الفرقة 13 فبين بيان جبهة النصرة وهجومها وربيبتها جند اﻷقصى ساعات معدودات.
نجحت النصرة في الحصول على الشريط الحدودي بخيراته وأعني سلقين وحارم ودركوش وبعدها انتقلت إلى التوسع نحو اﻷقرب فاﻷقرب والذي يعرف المناطق جيدا يفهم ما أعنيه فبعد سلقين وحارم ودركوش حفسرجة وبروما ثم جبل الزاوية ومن الجبل نزلوا إلى خان السبل ثم زحفوا نحو ريف حماة.
والخلاصة أننا أمام مرحلة جديدة هي السعي ﻹيجاد منطقة مركزية تكون نقطة ارتكاز والعمل على التمدد والتوسع ولو على حساب الفصائل اﻷخرى.
وهذه السياسة جديدة تماماً على جبهة النصرة لم تكن معهودة عنها في الحقبة التي سبقت دخول البغدادي والخلاف الذي دب بين الفريقين وهنا يُظهر خطاب جديد ونهج جديد نجم عنه سلوك غير معهود لعبت فيه البطانة الجديدة التي أحاطت بالفاتح الجوﻻني دورها ولم يقتصر عليها فحسب بل تعداها إلى شخص أمير جبهة النصرة نفسه وتصرفاته وسأورد ذلك باﻷدلة والبراهين.
فقد خرج الفاتح الجوﻻني ببيان صوتي كفر فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسألت يومها شيخنا الشهيد -بإذن الله- أبا عبدالله الحموي عن فائدة مثل هذا النوع من البيانات في هذه المرحلة الحرجة التي تحتاج فيها الثورة لتركيا حاجة الرئة للأكسجين -وإن كانت هذه قناعته الشرعية- فليس من المصلحة إظهار ذلك فأجابني الشيخ رحمه الله بقوله: ﻻ أعلم لكنني سأسأله عن وجهة نظره.
ومرت اﻷيام والتقيت الشيخ الحموي -رحمه الله- فأخبرني بأنه سأل الشيخ الجوﻻني عن وجهة نظره فأجابه: بأنه رأى قلوب شباب اﻷمة متعلقة بهذا الصنم فأراد هدمه.
والشيخ الجوﻻني ﻻ يرى كفر الحكومات والبرلمانات فحسب بل يرى كفر أعيان نواب البرلمانات بمجرد أدائهم القسم.
وكان الشيخ الجوﻻني ينتقد في سنين الثورة اﻷولى توسع دولة العراق أعوام 2008 / 2009 / 2010 في قتل المصلحة فهو ﻻ يرفض قتل المصلحة ويأخذ به للضرورة، ومعنى قتل المصلحة أن من ﻻ يُدفع شره إﻻ بالقتل يقتل ومعنى التوسع فيه هو قتل جميع المخالفين لك في مشروعك ومنهجك فالشيخ الجوﻻني يرفض التوسع في قتل المصلحة ويأخذ بفتوى قتل المصلحة.
ومن التغير الذي ظهر جليا على شخصية أمير النصرة بعد دخول البغدادي أنه كان قبل دخول داعش الشام يعمل بالسياسة الشرعية، ومن أمثلة ذلك أن الشيخ الجوﻻني ﻻ يرى نصارى الشام في حالة أمان عرفي وبالتالي فإن أصل الحكم الشرعي يجيز استهدافهم ويمنع من استهدافهم ترتب مفاسد شرعية على ذلك ويرى كذلك جواز استهداف نساء وأطفال النصيرية ويرى عدم فعل ذلك للمفاسد المترتبة على اﻷمر وظل الفاتح يأخذ بهذه السياسة الشرعية حتى دخلت داعش فقبل دخولها ظلت معامل النصارى في الشيخ نجار آمنة في ظل وجود النصرة حتى دخلت داعش وبدأت بمصادرتها وهنا أجاز أخذها لئلا تذهب إلى داعش.
فدخول داعش ومزايداتها على النصرة ولد تغيرا جذريا في المنهج ولغة الخطاب لدى أمير النصرة وهو ما انعكس سلبا على أداء وسلوك عناصر النصرة.
ومن أمثلة الخطاب الجديد أن الفاتح الجوﻻني في كلمته الصوتية في رثاء الشيخ الشهيد -بإذن الله- أبي خالد السوري (ليتك رثيتني ولم أرثك) صرح الجوﻻني بكفر اﻹئتلاف واﻷركان رغم أنه أعلن في لقائه على قناة الجزيرة مع تيسير علوني أنه لا يكفر بالعموم ولعل من أهم ما تجدر الإشارة إليه في هذه الحقبة التوسع في اﻷخذ بكذب المصلحة فقد أعلن الفاتح الجوﻻني في أكثر من بيان ولقاء أنه قاتل حركة حزم وجبهة ثوار سوريا بذريعة اﻹفساد في اﻷرض وأنا أقسم بالذي رفع السماء بلا عمد أن جبهة النصرة وجند اﻷقصى قاتلوهم قتال (ردة) وأقسم بالله العظيم أن الفاتح الجوﻻني نفسه قاتل جبهة ثوار سوريا وحركة حزم قتال ردة وسأطلبه للمباهلة عليها عقب انتهائي من الشهادة وإليك اﻷدلة:
حين كنت أحد الساعين في اﻹصلاح وحقن الدماء مع ثلة من اﻷخيار اﻷغيار كانت تقع اﻹشتباكات أثناء تنقلنا وكان الطرفان المقتتلان يتخاصمان على القبضات فكان عناصر جبهة ثوار سوريا يشتمون أعراض عناصر النصرة والجند فيما يعرف باللهجة السورية (بالتحشيك) وكان عناصر الجبهة والجند يجيبون يا مرتدون وأحسنت الظن يومها وقلت هو جهل من الجند وهي حمية المعركة وفورة الدم ولم آخذ باﻷمر حتى جاءت قضية جبهة حق وألوية اﻷنصار وكان آخر عائق وضعه شرعيهم أبو عبدالله طعوم هو أننا ﻻ نعترف باللجنة الشرعية ﻷنها ﻻ تكفر جبهة حق وألوية اﻷنصار والشيخان أبو موسى وأبو البخاري مازاﻻ أحياء وكذلك الشيخ حسام أبو بكر وكلهم أحياء ولله الحمد وقد ينكر معشر كذب المصلحة كل هذه اﻷحداث وقد يتجرأون على المباهلة تبعا لفتوى كذب المصلحة وهي خطوة -أي المباهلة- قادمة ﻻ محالة ولينزل الله تبارك وتعالى في الكاذب منا سخطه وعذابه ولعناته ونقماته.
ومع وضوح صريح مطالبة اللجنة الشرعية بتكفير جبهة حق وألوية اﻷنصار للاعتراف بها والقبول بها رغم قبولهم بها سلفا، إﻻ أن اﻷمر مرّ ومُرر كما مُرر غيره من قبل وخرجت النصرة بما تريد ودون أدنى مساءلة ولم تكن اﻷدلة التي مرت كافية ﻹثبات أن قتال النصرة للفصائل كان قتال (ردة) وليس قتال إفساد في اﻷرض وطويت الصفحة ويأبى الله إﻻ أن يكشف ذلك ويفضح سريرتهم فجاءت قضية مقتل الشيخ مازن قسوم -التي سآتي على ذكرها بالتفصيل- وسأذكر هنا فقط الجانب المتعلق بأنهم قاتلوا الفصائل المذكورة قتال ردة.
ففي اللجنة الشرعية أو المحكمة التي أوكل إليها محاكمة قتلة الشيخ الشهيد -بإذن الله- مازن قسوم والتي كان الدكتور عبدالله المحيسني على رأسها في البداية ثم انسحب واعتذر وظل الشيخ أبو الحارث المصري والشيخ عبدالرزاق مهدي والشيخ القاضي أبو عزام الجزراوي قبل أن ينسحب الشيخان أبو الحارث المصري والشيخ عبدالرزاق مهدي في النهايات أيضا -وسآتي على ذكر ذلك مفصلا في موضعه من الشهادة إن شاء الله-
أخرج مندوب جند اﻷقصى أمام الشيوخ وثيقة ممهورة من دار القضاء يحكم بردة جمال معروف وكل من تعاون معه وآزره وبما أن الشيخ مازن قسوم كانت علاقته طيبة بجمال فهو بناء على فتوى دار القضاء مرتد حلال الدم.
وحين أخرج مندوب الجند كتاب دار القضاء أمام القاضي أبي عزام الجزراوي مسؤول دور القضاء شعر الرجل بالحرج الشديد وأراد أن يبرر أمام الشيوخ فقال:
هذه فتوى أصدرها بعض الشيوخ كي ﻻ يتردد أحد في قتال جبهة ثوار سوريا ومن عاونها وآزرها وظاهرها أثناء قتال جبهة النصرة وجند اﻷقصى لها.
والقاضي أبو عزام الجزراوي لم يزل حياً وكذلك الشيوخ المذكورون وأنا أدعوهم جميعا للشهادة ولن أحرج أيا منهم ولكن إذا استدعى اﻷمر فسأدعوهم للمباهلة.
كل هذه اﻷدلة ومازال الشيخ الجوﻻني وأعيان النصرة يتخذون من كذب المصلحة جُنة ويمارسون (التقية) ويخشون الصدع بمنهجهم على رؤوس الأشهاد يقنعون عناصرهم بأمر ويظهرون أموراً حقيقتها فيما يبطنون لئلا يكتشف الناس حقيقة عوار منهجهم قبل تمكنهم وتمام مشروعهم الذي ما انفك يجرّ على أهل الشام الطوام {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
أقف هنا اليوم على أن أتم شهادتي غدا وعند تمامها سأطلب من أختار منهم للمباهلة ولتنزل بالكاذب منا اللعنات.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
♦ الجزء السابع
سيطرة التيار الأردني على النصرة، والجولاني: خلافنا مع داعش خلاف أفراد البيت الواحد:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
توقفت في الجزء السابق من شهادتي عند الدليل الثالث من أدلة قتال جبهة النصرة وجند اﻷقصى للفصائل قتال (ردة) ﻻ قتال إفساد في اﻷرض كما زعموا، وفصلت القول في أثر تغير البطانة -إثر دخول البغدادي الشام وتغوله على النصرة- التي كانت حول أمير النصرة على ما أصاب النصرة فيما بعد.
وذكرت وقوف الفصائل إلى جوار النصرة حتى التقطت أنفاسها واستعادت قوتها ولوﻻ الله ثم الفصائل ﻻ انتهت جبهة النصرة ولم تقم لها قائمة ولكن الفصائل مدّت لها يد العون ووقفت إلى جوارها حتى استعادت عافيتها واستردت قواها وعادت من جديد قوة منافسة على اﻷرض.
ولكن هل حفظت النصرة الجميل؟! أم باتت ﻻ ترى على اﻷرض معها أحدا؟! وباتت ترى فساد مناهج أقرب الفصائل إليها؟!
ولن أجيب عن هذا السؤال وسأدع الجواب لما مضى من أحداث ولما هو آت في قابل اﻷيام إﻻ أن يفتح الله على القوم ويلهمهم رشدهم ويردهم إلى صوابهم رداً جميلا.
كان مما أشرت إليه أن الخلاف بلغ ذروته بين الفاتح الجوﻻني والبطانة التي حوله إثر قرار الفصائل قتال داعش بعد صبر دام عاماً ونيف وأذكر بأن رأي البطانة كان الانحياز إلى إجماع الفصائل ومؤازرتهم في قتال داعش وكان رأي الجوﻻني أﻻ تقاتل النصرة إلى جوار الفصائل وهذا ما حصل ابتداء فلم تقاتل النصرة داعش بل سعت وكثير من أمراء وعناصر الفصائل الأخرى إلى إيواء عناصر داعش وإبلاغهم مأمنهم ورُفعت أعلام جبهة النصرة على مقرات داعش ووجد عناصر داعش لهم في مقرات النصرة ملجأ ومأوى وكما أسلفت ومن باب اﻹنصاف فإن هذا لم يكن حكرا على جبهة النصرة وحدها بل فصائل كثيرة شاركت في ذلك وما يهمني هو أن جبهة النصرة سارت على رأي أميرها ﻻ على رأي البطانة فيما يتعلق بقتال داعش.
فالفاتح الجوﻻني مازال يراهم إخوة منهج بل تعدى ذلك إلى وصف الخلاف بين النصرة وداعش إلى خلاف اﻷسرة الواحدة في لقائه على قناة الجزيرة.
واستمرت اﻷمور على هذا النحو حتى جاءت أحداث دير الزور وكان التيار المتواجد هناك تيار الشيخ أبي مارية القحطاني فقرر أن يتصدى لبغي داعش وصيالها مع بقية الفصائل وبالفعل وقع القتال وكان على أشده ولم تستطع داعش حسم المعركة حتى استعانت بما جلبته من الموصل وطوال تلك المدة والنصرة وبقية الفصائل ينتظرون وعود أمرائهم لهم بالمدد والعون وفك الحصار لكنها كانت مجرد وعود ذهبت أدراج الرياح وحسمت داعش المعركة في دير الزور وفي البادية وتوجه أبو مارية مع أسود الشرقية جنوبا وكذلك فعل صالح الحموي.
وهنا صدرت قرارات مفاجئة من قبل أمير النصرة فعزل صالح الحموي وأبا مارية من مجلس الشورى وعزل أبا مارية من مركزه كشرعي عام للنصرة وعين مكانه الدكتور سامي العريدي ولم يسبق له أن قابله فالرجل في الجنوب وأمير النصرة في الشمال ومعرفته به لم تتجاوز التواصل والتراسل عن بعد ولو سأل الثقات من أهل اﻷردن أو كلف خاطره أن يقلب صفحات اليوتيوب لعرف أن الدكتور سامي العريدي معروف بفكره التكفيري فقد كان من المقربين للشيخ أبي همام في اﻷردن وهو من رموز التكفير وكان أبو همام يعمل راقيا للناس وكان الدكتور سامي ساعده اﻷيمن ومن أقرب المقربين إليه.
والخلاصة أن حقبة جديدة ستبدأ بسيطرة التيار اﻷردني على مفاصل القيادة داخل جبهة النصرة وهذا التيار هو عرّاب التكفير ورأس حربته اﻵن داخل جبهة النصرة.
وأدخل الفاتح الجوﻻني أبا الوليد اﻷردني مكان صالح الحموي في مجلس الشورى كما أدخل أبا الحسن تفتناز أو أبا جليبيب اﻷردني -إن لم تخني الذاكرة- مكان الشيخ أبي مارية.
وبمرور اﻷيام باتت الدائرة المقربة من الجوﻻني كلها من الغلاة وإليك بعضا من هذه النماذج:
يقود التيار اﻷردني داخل جبهة النصرة اليوم أبو القسام اﻷردني وأبو القسام من أصحاب أبي مصعب الزرقاوي وهو ممن خرج من سجون إيران مؤخراً بصفقة التبادل بين أنصار الشريعة وإيران وذكرت أن الدكتور سامي العريدي وهو الشرعي العام وأبو جليبيب اﻷردني الذي عُين أميراً للاذقية مؤخراً وأبو حسين اﻷردني أمير إدلب وأبو اليمان اﻷردني قائد جيش النصرة وأبو الوليد اﻷردني أمير البادية وأبو خديجة اﻷردني قاضي اﻷمنيين في النصرة وأبو حفص اﻷردني (الحلبي) وهو أردني النشأة من أصول حلبية أمني عام وهو أميّ ﻻ يقرأ وﻻ يكتب وإلى جانب هذا التيار اﻷردني خليط من جنسيات أخرى ممن بلغوا في الغلو شأواً ومنهم أبو عبدالله المصري مسؤول دار القضاء في اللاذقية واستلم محكمة دركوش مؤخراً وأبو عمرو التونسي وهو كبير المحققين بدار القضاء في اللاذقية وأبو الزبير المهاجر (أبو حيدرة التونسي) شرعي إدلب ومما فاتني ذكره أنهم أتوا بعديل الشيخ أبي محمد المقدسي (أبو القاسم اﻷردني) ومما بلغني أنهم يجهزونه ويهيئونه ليجعلوه على القضاء وإلى جانب هؤﻻء غلاة من (اﻷنصار) كنت قد ذكرتهم آنفا وأذكّر بأهمهم وأقربهم من الفاتح الجوﻻني: أبو علي القصير مسؤول إمارة الحدود - أبو محمد عطون (أبو عبدالله الشامي) -أبو أحمد ذكور- عبدالله اﻷمني أبو هاجر الحمصي - أبو عبدالله طعوم - أبو يوسف حماه، وأبو يوسف مشهود له أنه كان من طلبة العلم المعتدلين الوسطيين حتى عُين أبو عبدالله طعوم شرعياً على حماه فتأثر به أبو يوسف وبدأ فكره ينحى نحو الغلو وممن فاتني ذكره من المهاجرين أبو أسامة الليبي أمني إدلب.
وهنا نلحظ أن المناصب السيادية كلها باتت بيد الغلاة وأن التيار اﻹصلاحي داخل جبهة النصرة بات بعيداً عن مركز القرار والتأثير وقد اعتبروها -كما يقولون- متطلباً ضرورياً من مقتضيات المرحلة للحفاظ على بيتهم الداخلي وعلى جنودهم من الالتحاق بجند اﻷقصى وداعش.
وهذا ورد على لسان الفاتح أبي محمد الجوﻻني نفسه مراراً، كان آخرها أمام لجنة مبادرة أهل العلم حين نقلوا إليه طلب الفصائل فك ارتباط جبهة النصرة بالقاعدة كشرط مسبق للتوحّد والاندماج فكان جواب أبي محمد الجوﻻني أنه لا يستطيع فك الارتباط بالقاعدة ﻷن فك الارتباط بها سيجعل كثيراً من عناصر جبهة النصرة يلتحقون بجند اﻷقصى وداعش وهذا اعتراف خطير من الفاتح الجوﻻني أن جنوده على شفا (دعشنة) وأنهم قاب قوسين أو أدنى منها وأنهم يتحينون الفرص لترك جبهة النصرة إن هي تخلت عن نهج الغلو.
وقد يكون هذا العذر مقبوﻻً لو لم تنقل النصرة هذا النهج من دائرة الخطابات والتنظير -التي هي للاستهلاك المحلي كما يقولون- إلى دائرة التطبيق، ولكنها انتقلت مع اﻷسف الشديد وانعكست على سلوك العناصر والجند وترتب عليها ظلم كبير لفصائل بأكملها وسالت على إثرها الدماء وانتُهبت اﻷموال وسُلب السلاح والعتاد.
كل هذا في ظلال السجال مع داعش التي باتت تشكل عقدة للنصرة وأمرائها وجندها وكلما عيرتهم داعش بأمر كتطبيق الشريعة المنحصر عندهم بإقامة الحدود -مع العلم بوجود خلاف كبير بين الفقهاء حول تطبيق الحدود في دور الحرب- أقول كلما عيرتهم داعش في إصدار من إصداراتها التي تظهر تطبيق داعش للحدود تسعى النصرة بكل ما أوتيت من قوة ﻹظهار مشهد مماثل لعناصرها وهم يطبقون الحدود، وأكتفي بمثال واحد فلم يسبق للنصرة أن طبقت الحد على امرأة زانية أو تدير بيتا للزنا -حسب توصيفهم- حتى ظهرت داعش في إصدارها وهي ترجم زانية ثيباً وما هي إلا أسابيع حتى ظهر إصدار النصرة وهي تقتل امرأة خمسينية بطلقة مسدس في رأسها بتهمة إدارة بيت للدعارة وبعدها بمدة قُتلت فتاة عشرينية بتهمة الزنا في رسالة واضحة لداعش مفادها إن كنتم قد رجمتم زانية واحدة فقد قتلنا زانيتين.
ومما يجدر التنويه له أن الرجل الذي كان يقف فوق رأس المرأة المقتولة مطلوب لمحاكم حلب الشرعية حسب ما أخبرني الإخوة القائمون على القضاء في محاكم حلب لكن أحداً ﻻ يجرؤ على محاكمة عنصر انتسب إلى جبهة النصرة أو جند اﻷقصى فقد حصل على الحصانة الكاملة بمجرد أن أصبح أخا منهجياً.
إذن نحن أمام بطانة جديدة يعرف القاصي والداني أنها تشربت الغلو حتى تمكن منها وأمام أمير يخشى انشقاق عناصره وانضمامهم للجند وداعش وهذه المرحلة ﻻ يناسبها إﻻ تقريب غلاة الغلاة وإطلاق ألسنتهم وإطلاق أيدي الجند من غير رقيب وﻻ حسيب.
وما يدور في أروقتهم الداخلية يهون أمام ما يظهر في خطاباتهم ومقاﻻتهم فالفاتح الجوﻻني وأبو محمد عطون يريان أن وثائق (أبت أباد) ووثيقة (أزواد) هي وثائق مخالفة للشريعة الإسلامية وأبو محمد عطون (أبو عبدالله الشامي) قالها صريحة بأن ميثاق حركة أحرار الشام المعروف بـ (ميثاق الشرف الثوري) هو(ميثاق كفري) وأما أبو فراس السوري فقد صرح في مقالته النذير العريان بكفر اﻷحرار ناهيك عن اﻷوصاف المقذعة التي وصف بها اﻷحرار في مقاله والتي أستحيي من ذكرها وليت اﻷمر وقف عند هذا المقال فقد تبعه ثان وثالث وليت اﻷمر وقف عند حد التصرف الفردي ﻷبي فراس لهان اﻷمر ولكن تبيّن فيما بعد -حين اشتدت الحملة على أبي فراس- أن أبا فراس قد عرض المقال على أبي محمد عطون قبل نشره وأنه صادف استحسانه ونال إعجابه وحين نشر أبو فراس المقال وضجت الصفحات بمعارضته وخرج أبو محمد عطون يريد أن يرقع اصطدم به أبو فراس على العام وقال له لقد عرضت عليك المقال وأبديت إعجابك به وﻻقى استحسانا منك وسكت أبو محمد عطون ولم ينبس ببنت شفة.
وليت اﻷمر وقف هنا لهان فهذا ما صرح به أبو فراس على العام ولكن ما لم يُفصح عنه على العام وذكره في المجالس الخاصة في معرض دفاعه عن نفسه -إثر الحملة الشرسة التي تعرض لها الرجل- أنه عرض المقال على أعضاء في الشورى وعلى الفاتح الجوﻻني نفسه وكلهم أبدى إعجابه بها واستحسنها وقد شهد على ذلك شهود ثقات من النصرة وحين أقول شهود فإنني أعني أنهم جمع وليسو فرداُ أو اثنين وليت اﻷمر وقف عند هذا الحد إذن لهان.
فحين وصف أبو محمد عطون ميثاق الشرف الثوري بأنه ميثاق (كفري) وواجه حملة مضادة وسئل كيف حكمت عليه بأنه ميثاق كفري؟ أجاب أمام جمع من قادة اﻷحرار بأن الذي حكم عليه وأفتى بأنه ميثاق كفري هو الشيخ أبو قتادة هكذا أجاب أبو محمد عطون بكل صراحة.
ومن أسباب الانقلاب الفكري والمنهجي الذي اعترى مسيرة النصرة سبب مهم ﻻ يمكن إغفاله وهو إقصاء تيار الخراسانيين رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء وهم سبعة إخوة قدموا من إيران أوائل عام 2013م قبيل إعلان البغدادي حل جبهة النصرة ودمجها في الدولة تحت مسمى الدولة اﻹسلامية في العراق والشام وسبب قدومهم أنهم واجهوا ضغوطا أمنية كبيرة من الجانب اﻹيراني فقرروا اﻹنتقال إلى الشام واستطاعوا أن يخرجوا بطرق غير رسمية ووصلوا بواكير عام 2013م وكان لهم وللشيخ أبي خالد السوري الفضل بعد الله عز وجل في الحكم الذي أصدره الدكتور الظواهري لصالح جبهة النصرة ولم يقبل به البغدادي آنذاك وكان بيني وبين أحدهم -رحمه الله- تواصل عبر المراسلة رغم قرب المسافة وقد وصفهم البغدادي -في الخلاف بين النصرة والدولة- بأنهم منحازون لجبهة النصرة وقد كانوا -رحمهم الله- فريق عمل متكامل مكوّن من سبعة أشخاص من أولي الخبرة والتجربة ولم يكونوا يطمحون لمناصب أويطمعون في تحقيق مكاسب بل كانوا يرغبون في رفع مستوى العمل فحسب ولذا كانوا يتوقعون -على اﻷقل- أن يجدوا التعاون التام من قبل قيادات النصرة خاصة بعد أن أتى رد الدكتور الظواهري.
وبالفعل توجه الفريق إلى حلب وفتحوا معسكرات للتدريب ولكن أمراء حلب -آنذاك- (عبدالله) و(ذكور) لم يتفاعلوا معهم بل همّشوهم ويبدو أن اﻷمر كان متعمداً فهؤﻻء أقدم منهم تنظيمياً بل أقدم من الشيخ الجوﻻني نفسه وذووا خبرة وكفاءة ولهم سابق تجربة، وشَكوا تهميشهم أكثر من مرة ولم يجدوا آذانا صاغية فتفرقوا في المحافظات فأبو محمد الشامي توجه إلى رأس العين وقتل -رحمه الله- في معركة رأس العين وأما أميرهم أبو أسماء الكوبي فقد قتل في سرمدا وكان قد أقام معسكرا مع أبي يوسف التركي رحمهما الله قبل مقتله وأما سنافي النصر-رحمه الله- فكان قد استلم ملف المهاجرين بعد منتصف عام 2013م.
وأعود لذكر قصتهم قبل أن يتفرقوا ويقضوا نحبهم -رحمهم الله- فبعد أن سئم سنافي النصر ومل من الخلافات التي وقعت بينه وبين قيادات النصرة بخصوص ملف المهاجرين واشتدت الخلافات فعُزل سنافي النصر وهنا قرر الفريق أن يُعاود التكتل من جديد وأن يعملوا كفريق وظلوا كذلك حتى جاءت حادثة انشقاق جند اﻷقصى عن جبهة النصرة وذهب فريق الخراسانيين مع الجند فور انشقاقهم وكان أمير جبهة النصرة في محافظة (.....) أخرى وحين علم بالخبر عاد وزار فريق الخراسانيين في مزرعتهم في (....) وطيّب خواطرهم وأكرمهم وأعادهم إلى جبهة النصرة وعرض على سنافي النصر إمارة حماه فرفض وعرض على أبي أنس الجزراوي إمارة اللاذقية فوافق واشترط أن يصطحب معه طاقم خراسان فذهبوا جميعاً إﻻ أبا أسماء الكوبي فقد ظل يُدير المعسكرات مع أبي يوسف التركي ولم يتفاعل أبو أسماء مع العودة لجبهة النصرة بل ظل يعمل بشكل شبه مستقل مع أبي يوسف التركي ويُدرب الكوادر وأما بقية الطاقم فقد توجّهوا إلى اللاذقية باستثناء أبي محمد الشامي الذي كان قد لقي ربه شهيداً بإذن الله.
وفي ظل إمارة أبي أنس الجزراوي لللاذقية كانت العلاقة مع الفصائل اﻷخرى بما فيها الجيش الحر وثيقة وكانت وشائج اﻷخوة في أعلى مستوياتها وسادت روح المحبة بين الفصائل وبلغ التعاون أشده وتبادلت الفصائل الخبرات والفضل بعد الله جل في علاه يعود لهذا الفريق وأمير اللاذقية آنذاك وكان أبو أنس يوزع الصواريخ التي يصنعها هذا الفريق (الغفاري) على الجيش الحر وأثمرت هذه الروح اﻷخوية وهذه اﻷجواء فتوحات عظيمة على رأسها فتح كسب وقمة الـ (45) ولم يعهد الساحل وفصائله حقبة أفضل من تلك التي توجه فيه أبو أنس بصحبة أربعة من الفريق للساحل وظل الحال كذلك حتى جاءت حادثة فرار 700 داعشي كانوا محاصرين في اللاذقية ووصلوا إلى الرقة بسياراتهم عبر حلب وقسم منهم دخل متخفيا إلى اﻷراضي التركية وتوجه إلى الرقة وهنا اتُهم أبو أنس الجزراوي وطاقمه بالتقصير في أخذ الإجراءات لمنع خروج هؤﻻء ووصولهم إلى اللاذقية رغم أنني ومعظم الفصائل نعرف أنه لا علاقة للرجل وطاقمه بما حصل ولعل معظم قادة الفصائل يعرفون الطرف المتواطئ ولست أراها إﻻ مكيدة كادها له أقرانه وأنداده من غلاة النصرة ليوقعوا به وليُعزل عن إمارة اللاذقية وهذا ما كان -خاصة بعد انخراط هذا العدد الكبير من الدواعش في قتال الفصائل في دير الزور- حيث أقيمت محكمة شرعية ﻷبي أنس وعُزل عن إمارة اللاذقية وعُزل نائبه أبو إلياس معه وتمت تلك المحاكم في ظل غياب سنافي النصر فقد كان -رحمه الله- يعالج من إصابته في معارك كسب وبعد أشهر تعافى سنافي النصر عاد واستلم منصب أمني في اللاذقية وبقي فيها حتى قتل وكان متذمراً جداً من النصرة فهو أمني باﻹسم فقط من باب اﻻسترضاء واﻹسكات ليس إﻻ ولم يك -رحمه الله- راضياً عن سياسات النصرة.
وأما أبو أنس الجزراوي الذي استطاع أن يخلق جواً منقطع النظير من اﻷلفة والمحبة واﻷخوة بين النصرة وبقية الفصائل فقد أقسم منذ ذلك اليوم أنه لن يعمل مع أمير جبهة النصرة الفاتح الجوﻻني ﻻ ﻷنه عزله من إمارة اللاذقية ولكن ﻷنه وعده بمنصب أمني إدلب فأجابه أبو أنس بأنه يقبل أن يكون في أي مكان يراه الفاتح الجوﻻني وبدأ يؤجل وعوده وفوجئ أبو أنس بعد أيام بتعيين شخص بديل عنه كأمني ﻹدلب وهكذا استبعدوا -رحمهم الله- بما لديهم من خبرات وكفاءات ومياسرة لشركائهم في طريق الجهاد ولم يستمع لهم ولنصائحهم وحل مكانهم الغلاة.
أتوقف هنا الليلة وللشهادة بقية إن كتب الله لي عمرا في أمان الله وحفظه ورعايته السلام عليكم ورحمة الله.
♦ الجزء الثامن
جبهة النصرة ومؤازرتها لداعش للتخلص من أكناف بيت المقدس في مخيم اليرموك:
الحمد لله القائل في كتابه {يستخفون من الناس وﻻ يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما ﻻ يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا} وصلى الله وسلم على من جعل الله سره كعلانيته وظاهره كباطنه وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه واستن بسنته إلى يوم الدين وبعد:
توقفت في الجزء الماضي من شهادتي عند قصة إخواننا الخراسانيين واستبعادهم عن دائرة التأثير ومركز القرار كما استُبعد كثيرون قبلهم وكيف أمسك الغلاة بمفاصل التنظيم.
ومازال للحديث بقية وهو حديث ذو شجون تغصّ الكلمات في الحلق قبل أن تخرج والله يشهد أنني ترددت كثيراً وتأخرت في إخراج هذه الحقائق ولوﻻ أن القوم أكرهوني بأفعالهم التي تسير بشكل منتظم ومتسلسل ومخطط له من غير وازع وﻻ رادع مما يدل بشكل قاطع على أنها أفعال (ممنهجة) ما تكلمت بكلمة وﻻ تلفظت بحرف.
أودّ اليوم أن أعرّج على أحداث مخيم اليرموك ليُدرك كل عاقل راشد أو قارئ نابه كيف كان القوم يفعلون فعلتهم ثم يقوم إعلامهم (الساحر) بقلب الحقائق وتسويقها وترويجها وتمريرها للناس على الشاكلة التي يريدها التنظيم وكانت تنطلي على الناس ويكذّب الرواة الثقات ممن يخالفون رواية القوم وقد أدليت بشهادتي حينها بعد أن آثرت السكوت حتى خرج بيان المنارة البيضاء يزيف الأحداث ويقلب الحقائق ويعكس مجريات ما حدث على اﻷرض وقد كنت على تواصل مع المخيم لحظة بلحظة ﻷسباب أبوح بها للمرة الأولى وهي:
أن الشباب القائمين على فصيل أكناف بيت المقدس هم من خيار قدامى المجاهدين في أفغانستان ممن عشنا ونشأنا وترعرعنا معاً إلى أن انتهى الجهاد في أفغانستان ووقعت الفتن فاجتنبوها ولم يخوضوا فيها وبدأوا يبحثون عن أرض يعبدون الله فيها عبادة الجهاد فساحوا في اﻷرض وخدموا ودرّبوا وربوا وانتهى بهم المطاف في سوريا فقدّموا ما يعلمه الله ثم أعلم الكثير منه ويكفي أن تسألوا فصائل دمشق وضواحيها كبراها وصغراها عن فضل هؤﻻء الذين كانوا يعملون بصمت تام ويخدمون الجميع ويبتغون اﻷجر من الله إلى أن جاءت أحداث المخيم وكنت أتابع رفاق الدرب وعشرة العمر لحظة بلحظة وأنقل الشهادات المسجلة والموثقة لقادة الفصائل وغردت قبل بيان المنارة البيضاء تغريدتين طالبت فيهما حركة أحرار الشام قبل جبهة النصرة ببيان وتوضيح موقفها مما يجري في مخيم اليرموك وطالبت النصرة بعد اﻷحرار ببيان موقفها من أحداث المخيم وأرسلت كافة الشهادات لقيادة حركة أحرار الشام وانتظرت ولم أنبس بعدها ببنت شفة حتى صدر بيان جبهة النصرة الذي زيّف الحقائق وقلبها.
وهنا خرجت عن صمتي وكتبت ما جرى بالتفصيل وخلاصته أن عناصر جبهة النصرة كانوا رأس الحربة في هجوم داعش على أكناف بيت المقدس وأن مقاتلي حركة أحرار الشام أدخلوا الدواعش من نقاطهم كما فعل مقاتلو النصرة ومنع أمير اﻷحرار في المخيم عناصر اﻷكناف من الالتفاف على الدواعش وقطع خطوط إمدادهم ومنعت جبهة النصرة جميع الفصائل من دخول المخيم لمؤازرة اﻷكناف.
وانظر يا رعاك الله إلى الفارق الهائل في تعامل حركة أحرار الشام مع ملف القضية وتعامل غلاة النصرة معها.
نقلت جميع الشهادات لقيادات في اﻷحرار وباشروا على الفور التحقيق فيما جرى من أحداث ولم تمض أسابيع قليلة حتى صدر قرار اﻷحرار بفصل تلك المجموعة دون مكابرة أو استعلاء أو سجال أو جدال أو سباب أو لعن أو طعن بل حقّقوا في اﻷمر وعرفوا الحق ولزموه وقاموا بواجبهم على أكمل وجه.
أما جبهة النصرة فلم تكتف بقلب الحقائق وتزويرها بل بدأت في تلفيق تهم لمجاهدي أكناف بيت المقدس واستمرت الحملة ﻷسابيع على مواقع التواصل هدفها اﻷول واﻷخير تشويه وحرق سمعة اﻷكناف لتبرير قتال النصرة إلى جانب إخوانهم في المنهج (داعش) وتعدت حملة التشويه اﻷكناف يومها ونالني من اﻷذى ما نالني في تلك الحملة وسوقوا فراهم وانتظروا قرابة ثمانية أشهر تقل قليلا أو تزيد حتى استوثقوا من أن وﻻء أمرائهم في المخيم أبي جهاد وأبي خضر -وما أدراك من أبو جهاد وأبو خضر؟!- لداعش أكثر منه للنصرة فبدأوا يتحدثون بلهجة مختلفة ونبرة منقلبة وبدأت حساباتهم ومعرفاتهم تتحدث عن أبي خضر وأبي جهاد ثم قامت النصرة بفصلهم ولم تستطع أن تستعيد منهم قطعة سلاح واحدة وحين انقلبوا على أبي خضر وأبي جهاد فعلوا ذلك بهدوء تام وسكون لم يحس به إﻻ من يتابع معرفاتهم خشية أن يقال لهم أنكم كنتم على خطأ وكان غيركم على صواب في أحداث المخيم وخشية أن يذكرهم أحد ببياناتهم وحملاتهم.
وكان يكفيهم أن يقولوا أخطأ عناصرنا وسيحاسبون كما فعل إخواننا في حركة أحرار الشام ولكن استعلاءهم ومكابرتهم حالت دون ذلك ولم يعتذروا عن حملات التشويه بحق إخوانهم في اﻷكناف ولو التزموا الشرع لفعلوا ولكن هيهات لم يفعلوها سابقاً ولن يفعلوها ﻻحقا مادامت تلك العقول (الممنهجة) هي الممسكة بالزمام واﻵخذة بالخطام.
وأسأل الله أن يهديني وإياهم وأن يصلح أحوالي وأحوالهم وهم يعلمون أن من يسيء ﻹخوانه على الملأ فإن من واجبه شرعا أن يعتذر على الملأ ويصوب ما أشاعه عنهم وقاله فيهم على الملأ وربك عدل ما كان له سبحانه أن يضيع مظلوما وأن ﻻ ينتصر له من ظالمه حاشاه سبحانه فلم يمض عام حتى سلط الله بعضهم على بعض ومن أعان ظالماً سلطه الله عليه فتفرقوا واختلفوا وقتل بعضهم بعضاً واغتال بعضهم بعضاً وقبل أسبوعين أو يزيد هاجمهم الدواعش في المخيم وطلبوا المؤازرة فمُنعت عنهم كما منعوها عن اﻷكناف من قبل "وما كان ربك نسيا" سبحانه جزاؤه من جنس العمل فافعلوا ما شئتم كما تدينون تدانون.
بقيت عدة محاور في الشهادة سأحاول استيفاءها وسأسعى للاختصار قدر المستطاع وهي آثار ما فعله غلاة النصرة من تصفية للفصائل على الجبهات والذي ظهر على المدى البعيد وعلاقة غلاة النصرة بجند اﻷقصى وحمايتهم لها وتغطيتهم على جرائمها وضمان عدم معاقبة مجرميها.
وسآخذ قصة مقتل الشيخ الشهيد بإذن الله مازن قسوم رحمه الله نموذجاً على ذلك وسأوردها مفصلة ففيها من الدﻻﻻت والعبر والبراهين والحجج ما ﻻ يتمنى المناهجة بروزه للعيان وسأختمها بإيراد بعض من جرائم الجهاز اﻷمني والرعب الذي زرعه في عموم الناس والفصائل والشرعيين بل الرعب الذي زرعه على الصعيد الداخلي وهو السبب الرئيس في صمت معظم الناس عن قول كلمة الحق -إﻻ من رحم ربك وقليل ما هم- سواء من داخل الجبهة أو خارجها.
وبعد استيفاء تلك المحاور آتي للرد على ما أراه يستحق الرد وسأوجه كلمة لمجاهدي جبهة النصرة علّها تجد آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة وإن كان سادتهم وقادتهم قد حالوا بيني وبينهم ولكن معذرة إلى ربكم، ثم سأوضح بعض اﻷمور التي ربما أسيء فهمها ثم أطلب بعض الشهود.
وسأدعو بعضهم للقسم وبعضهم للمباهلة مادام شبابهم ﻻ يفهمون إﻻ لغة المباهلة.
أكتفي بهذا القدر اليوم وأتم المحاور غداً بإذن الله تعالى في أمان الله وحفظه ورعايته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
♦ الجزء التاسع
الحمد لله القائل في كتابه {ها أنتم هؤﻻء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا} وصلى الله وسلم على الهادي البشير القائل: (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إﻻ أوتوا الجدل ثم قرأ ما ضربوه لك إﻻ جدﻻ بل هم قوم خصمون) وبعد:
لم يكن يدور بخلد غلاة النصرة وهم يَعدون على الفصائل ويستبيحونها ويفككونها، اﻵثار الكارثية التي ستخلفها هذه اﻷفعال على الثورة السورية برمتها فقد كانوا سادرين بزهو الانتصارات (الوهمية) التي حققوها تائهين في جو القوة التي انضافت إلى قوتهم بسيطرتهم على عتاد تلك المجموعات ولكم صرخت بأعلى صوتي وكررت وكتبت المقاﻻت بأن المنتصر في تلك المعارك خاسر ﻷنه كسر سنده وشل عضده ولكن:
وقد أسمعت لو ناديت حيا *** ولكن ﻻ حياة لمن تنادي.
وصوتي كان أدنى أصوات حكماء وعقلاء وعلماء الساحة الذين ﻻ أبلغ مد أحدهم أو نصيفه دون جدوى.
ونارا لو نفخت بها أضاءت *** ولكن أنت تنفخ في رماد.
فغرور القوة قد أصاب القوم وتمكّن منهم وسوّلت لهم أنفسهم أنهم باستئصالهم لفصائل (الردة) سينتصرون وزيّن لهم الشيطان أعمالهم بعدة انتصارات حقّقوها بعد قضائهم على تلك الفصائل فراحوا يسوقون للعالم: بأن تلك الانتصارات ما كان لها أن تتحقق لوﻻ القضاء على فصائل الفساد حسب خطابهم الظاهر وفصائل (الردة) بحسب قناعاتهم ولم يكونوا يشعرون بأنهم -ربما- كانوا في طور الاستدراج أو مرحلة الإملاء فعزوا السبب في جميع تلك الانتصارات ﻹفنائهم فصائل الردة ففتوحات وادي الضيف والحامدية وإدلب والمسطومة وجسر الشغور وسهل الغاب... الخ ما كان لها أن تتحقق بوجود تلك الفصائل حسب زعمهم.
وكنت أثناء الحملات على تلك الفصائل أتواصل معهم عبر الغرف كلما سنحت الفرصة وعبر التليجرام و(الواتس أب) ﻷنني قبل انتقالي إلى الشمال السوري كنت قد عطّلت حسابي على التويتر وما كان يخطر ببالي أنني سأضطر لتفعيل حساب جديد والله يشهد أنني نادراً ما كنت أجد الوقت للتواصل كلما سنحت الفرصة وفي الوقت الذي كنت برفقة ثلة من اﻷخيار اﻷغيار نطارد بين أزيز الرصاص ودوي المدافع سعياً لحقن الدماء وإصلاح ذات البين.
كانت أقلامهم وحساباتهم تنوشنا وتنتقص منا وتتّهمنا وكلما رجعنا إلى المقرات التف حولنا الأخوة يسألوننا هل قرأتم ما كتب عنكم وما قيل فيكم فنغفوا قبل أن يشرعوا في حديثهم ونصحوا ونصلي وننطلق على الفور حتى بدأ الأخوة يتواصلون معي من الخارج ويحثونني على تفعيل حساب التويتر للرد على ما يُثار حولنا -وأنا أقصد فريق العمل وﻻ أعني نفسي ولذا أتحدث بصيغة الجمع- ومع ذلك لم أُفعّل الحساب إﻻ في الشهر الثالث أو الرابع من العام المنصرم.
أعود فأقول: كنت على تواصل معهم عبر الغرف وكنت أُحذّر على العام والخاص من عواقب ما يجري ومن انعكاساته على المدى البعيد فأقابَل بالسخرية ويُقابل قولي باﻻزدراء ومن تلك الغرف غرفة أنشأها -مشكورا- الدكتور عبدالله المحيسني على التليجرام سماها (نوازل الشام) وانسحبت منها على إثر أحداث جبل الزاوية وريف حماه كثرة ما نالني فيها من اﻷذى وكان مما دار بيننا من حوار فيها وفي غيرها.
هل ستستطيعون تغطية أماكن الرباط التي كانت ترابط فيها تلك الفصائل (المرتدة) وهل لديكم العدد الكافي لسد ذلك الفراغ وكانوا يجيبون بكل ثقة أنهم قادرون على فعل ذلك وكنتُ على يقين أنهم سيعجزون عن تعويض العجز الناجم عن تفريغ تلك المناطق وكان الدليل واضحاً كالشمس في قارعة النهار فنداءات التحريض لشباب العالم الإسلامي للهجرة إلى الشام والالتحاق بصفوفهم ﻻ تكاد تهدأ لحظة متكئين على خطاب العاطفة ﻹقناع الشباب بالهجرة والالتحاق بصفوفهم وكانوا يصرحون فيها بالحاجة الماسة إلى المجاهدين والمرابطين على الثغور وأن المناطق المُحرّرة تسقط نتيجة العجز عن تغطية نقاط الرباط رغم أن من شردوهم وشتتوهم يعيشون بالجوار على الحدود التركية السورية وتعدادهم باﻵﻻف وفيهم من الخبرات والكفاءات والقادة الكثير ولكن أنّى للقوم أن يأذنوا لمرتد بالعودة أو يستعينوا (بتارك لدينه) فصاروا يُحرضون شباب اﻷمة ويستقطبونهم من كل حدب وصوب والنداءات تُوجّه إليهم بعد حملات إيران والمليشيات والنظام المسعورة على المناطق وتساقطها، المنطقة تلو الأخرى كانت النداءات توجه إليهم من داخلهم وخارجهم واﻷصوات تتوالى وتتعالى أن ائذنوا للقوم بالعودة والقوم يكابرون ويأبون ودعاتهم يحرضون ويناشدون ويستجدون نفير الشباب من أقاصي البلاد رغم زوال نشوة القوة وذهاب سكرة الانتصارات اﻵنية التي كنت أراها -حسب اجتهادي الذي ربما أكون مخطئاً فيه- إملاءً واستدراجاً وكانوا يرونها انتصارات ساحقة بل ويصرحون "اليوم نغزوهم وﻻ يغزونا".
ومع شراسة الحملة وشدتها وتساقط المناطق خاصة بعد التدخل الروسي وفقر الجبهات للمجاهدين والمرابطين وكثرة الشهداء والجرحى تكشّفت أخطاء ما عملته أيديهم وتبدّت لهم آثار جناياتهم على الثورة وليتهم وقفوا قليلاً مع ذواتهم فراجعوا تلك اﻷخطاء وتداركوا ما يمكن تداركه وتلافوا تكرار ما مضى من أخطاء إذن لتناسى الجميع كل تلك اﻷحداث ولفتحت صفحة جديدة في الثورة تُعيد لها روحها وتسعفها من حالة الاحتضار التي تمر بها وتبعث فيها الحياة واﻷمل لكن القوم ازدادوا عناداً وإصراراً بل في عزّ الهزائم كرّروا ذوات اﻷخطاء فهاجموا فصائل ﻻ ينكر أحد جهادها ورباطها ونكايتها بالعدو.
وهنا لئلا يضيع مغزى الحديث وتذهب الفائدة المرجوة منه أحاول حصر آثار إنهاء تلك الفصائل: فقد أدت على المدى البعيد -وإن كنت ﻻ أراه بعيدا- فقد ظهرت آثاره خلال عام واحد فقط.
- وأول اﻵثار تساقط الجبهات بسبب نقص عدد المقاتلين والمرابطين الذي نجم عن تفكيك تلك الفصائل وطرد مقاتليها.
- وثانيها خسارة قسم كبير من الحاضنة الشعبية وخلق جو مشحون بين جبهة النصرة والحاضنة الشعبية وارتفاع وتيرة الاحتقان الذي يزداد يوماً بعد يوم فقد خلفت تلك اﻷحداث مآسي في معظم البيوت فما من بيت إﻻ وفيه قتيل أو طريد أو شريد أو معتقل أو ذهبت أملاكه أو مصادر رزقه إثر تلك اﻷحداث وهم ساكتون صامتون خوفاً من بطش القوم وخشية ملاحقة أذرعتهم اﻷمنية لكنهم محتقنون ناقمون يتحينون الفرص التي إن ﻻحت لن يوفروها -واﻷيام بيننا- وإن سنحت لن يضيعوها بل سينقضون على من ظلمهم وتسبب في أذيتهم وسيسعون لاسترداد حقوقهم التي سلبت منهم بمسوغات زعم القوم أنه (شرعية) وشرع الله منها براء.
- وثالث تلك اﻵثار وأخطرها صناعة الصحوات ومن راقب تجربة العراق عن كثب ورأى ظلم المناهجة الذي كان السبب الرئيس في صناعة الصحوات يدرك صواب ما أقول ولقد تنبه شيخنا الشهيد بإذن الله أبو عبدالله الحموي لهذه الكارثة مبكراً ولفت اﻷنظار إليها وحذّر من عواقبها قبل أن يلقى ربه ويقضي نحبه فنبّه رحمه الله إلى أحد أهم أسباب صناعة الصحوات في العراق وهو ظلم المناهجة ولو قُدّر له أن يعيش لرآه واقعاُ على أرض الشام.
وسأكتفي بإيراد مثال واقعي عشت أحداثه بنفسي وحاولت وآخرين منع حدوثه دون جدوى فإصرار المناهجة كان أقوى منا جميعاً وإليك تفاصيل الخبر: فحين وقعت أحداث جبل الزاوية وانتهت بتفكيك جبهة ثوار سوريا وذهب عناصرها بين قتيل وأسير وطريد وشريد كان ممن فرّ من بطش جبهة النصرة والجند (أبو علي برد) أحد القادة العسكريين في جبهة ثوار سوريا وهو ممن انحاز بمجموعته وسلاحه إلى مناطق اﻷكراد فراراً من النصرة وجند اﻷقصى.
ولئلا يُزايد علي المناهجة كعادتهم ويفتروا فسأبدأ بما غردت به عن جيش الثوار حين سئلت عنه: "لو كان ابني في جيش الثوار لقاتلته" ﻷن واحداً ممن صدق نفسه أنه من منظري المناهجة ممن يعيشون في لندن كان قد افترى علي -وتغريدته موجودة- بأنني حظرته ﻷنه تكلم في جيش الثوار وزعم أنني كنت أدافع عنه وحين هاجم جيش الثوار حظرته والله يشهد ثم حسابي أنه افترى علي وقد قدمت بإبداء رأيي في جيش الثوار لقطع الطريق على المزايدات وسد أبواب السجاﻻت والجداﻻت.
بعد انحياز (أبي علي برد) إلى مناطق اﻷكراد بدأ بمراسلة من يعرف من أهل الساحة لمناشدة جبهة النصرة السماح له بالعودة للمرابطة على جبهات النظام -وكنت أحد الذين راسلهم- وتعنتت النصرة ورفضت ثم طلب أن يبايع جبهة النصرة فكان الجواب أن يسلم نفسه وسلاحه ثم تنظر المحاكم الشرعية في أمره فلم يأمن الرجل وخاف على نفسه في ظل نماذج ماثلة أمامه عانت وتعاني في سجون القوم اﻷمرين ومرت اﻷيام حتى جاءت الحملة الشرسة على حلب وبدأ تساقط المناطق وظهر العجز الكبير في عدد المجاهدين والمرابطين وصادف ذلك وصول رموز في جبهة النصرة من الجنوب إلى الشمال وهم من الأخوة المشهود لهم وبدأ بعضهم بالتغريد وتحريض من أجبروا من الجيش الحر على الخروج بالعودة في ظل الحملة الشرسة التي تتعرض لها المناطق المحررة بعامة و(حلب) بخاصة فتواصلت مع هؤﻻء الأخوة وقلت لهم: أنا على أتم اﻹستعداد أن أعيد العناصر ومن ترونه من القادة من تركيا ولكن توسطوا لدى قيادتكم واحصلوا على إذن منهم أو كتاب خطي يتعهد بعدم التعرض لهؤﻻء وأعجب القوم بالفكرة وتحمسوا لها وكانت حلب تشهد معارك لم تشهد الساحة لها مثيلا طوال سنين الثورة وانتظرت جواب الأخوة وعادوا إلي بعد بضعة أيام بأنهم لم يتمكنوا من الحصول على موافقة قيادة النصرة بعودتهم ولم يتمكنوا من الحصول على تعهد بعدم التعرض لهم!
فتساقط المناطق -عندهم- بيد النظام أهون من عودة (المرتدين) للدفاع عنها.
وليت اﻷمر وقف عند هذا الحد فعندما بدأت تحركات اﻷكراد لنصرة النظام وكان ﻻ بد من السعي لشق صفهم وكان ذلك ممكنا لو أبدت النصرة شيئاً من المرونة أعدت التواصل مع الأخوة الذين قدموا من الجنوب وقلت لهم ما تزال الفرصة سانحة لشق أبي علي برد عن قوات سوريا الديمقراطية فاسعوا في الحصول على أمان للرجل ومن معه لنشقهم عن اﻷكراد ولم أكن وحدي من يتواصل مع أبي علي برد آنذاك فقد كان اﻷخ يامن الناصر (أبو بكر) ممن يتواصلون معه بهذا الصدد وهو يشهد على ما أقول والمراسلات الصوتية والكتابية تشهد على ما أقول وأثناء انتظار جواب الأخوة من جبهة النصرة كثّفت من تواصلي مع أبي علي برد وذكرته بالله وقلت له لو قتلت اﻵن وأنت في ذلك الصف فأي مصير ينتظرك وكيف ستلقى ربك أما تخشى سوء الخاتمة والعاقبة والمرد؟؟!! والرجل يحدثني عن الظلم الذي لحق به ومطالباته المتكررة بتركه على جبهات النظام بل مطالبته بمبايعة جبهة النصرة على أن يتركوه ومن معه في مناطقه على جبهات النظام وكيف قوبل ذلك كله بالرفض والتعنت وطلبوا إليه تسليم نفسه وسلاحه ثم تنظر المحاكم في أمره فطمأنته بأن الأخوة الذين جاءوا من الجنوب قد وعدوا خيراً وهم يسعون في عودة المقاتلين والقادة ولأن الرجل أعطى موافقة مبدئية وانتظرت جواب الأخوة الذين تواصلت معهم وبعد بضعة أيام جاء الرد من الأخوة بأنهم لم يتمكنوا من الحصول على ضمان أو عهد أمان ﻷبي علي برد ومن معه.
وتسارعت اﻷحداث وتساقطت المناطق ولم نستطع إدخال مقاتل أو قائد عسكري من أصحاب الكفاءات وشارك جيش الثوار في المعارك ضد المجاهدين إلى جانب النظام واﻷكراد وتسبب القوم في صناعة صحوات جديدة في الشام كما صنعوها من قبل في العراق فالقوم يعتقدون أنهم من النخب -وليتهم كذلك- ويفترضون أنهم يتعاملون مع شعوب نخبوية أو زمرة من الملائكة سيتصرفون ككعب بن مالك رضي الله عنه وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع حين قاطعهم المجتمع كله بأمر من رسول الله لتخلفهم عن غزوة تبوك فجاءه كتاب من ملك الغساسنة فيه علمنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان وﻻ مضيعة فالحق بنا نواسك فسجر كتاب الملك في التنور ليسد باب الوساوس.
عذراً بني قومي فأنتم تتعاملون مع زمرة من عوام الناس فتنتموهم في دينهم ورميتموهم في أحضان العدو ثم بتم تلعنونهم وتشمتون!!
أتوقف هنا اليوم وأتم ما بدأته غدا -بحول الله وقوته- إن كتب الله لي عمرا.
♦ الجزء العاشر
حماية جبهة النصرة لجند الأقصى رغم تورطهم في اغتيالات ومفخخات استهدفت قيادات الجهاد:
الحمد لله الذي علم بالقلم علم اﻹنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على النبي اﻷكرم المبعوث رحمة للأمم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
أنتقل اليوم للحديث عن المحور الثاني من المحاور المتبقية وهو علاقة غلاة النصرة بجند اﻷقصى وحمايتهم لهم ومنع المساس بهم رغم ضلوعهم في معظم جرائم القتل والاغتيالات التي وقعت وتقع في الشمال السوري ورغم توفيرهم الملاذ اﻵمن للدواعش الذين ينتوون تنفيذ عمليات التفجير في مختلف الفصائل.
ورغم إمساك خلايا منهم مسك اليد أكثر من مرة إﻻ أن الجند آمنون مطمئنون فظهرهم مشدود بغلاة النصرة الذين لن يسمحوا ﻷحد باﻻقتراب منهم أو المساس بهم.
وفصيل جند اﻷقصى انشق عن جبهة النصرة في الشهر الثامن من عام 2013 م أي قبل اقتتال الفصائل وداعش بخمسة أشهر تقريباً على إثر خلافات مع النصرة حيث قدّموا ﻻئحة لقيادة جبهة النصرة من عشر طلبات أبرزها الخلل والفساد اﻹداري وتهميش المهاجرين كما طالبوا بتعيينات لهم وتفعيل الشورى وتلك هي اﻷسباب الظاهرة -التي أبدوها- لكن السبب الرئيس كان إعلان حل جبهة النصرة من قبل البغدادي ودمجها في الدولة تحت مسمى الدولة اﻹسلامية في العراق والشام، فحدث انشقاقهم قبل أن يأتي رد الدكتور أيمن الظواهري وبعد أن أعلن البغدادي حل جبهة النصرة حيث اعتزل قسم من المهاجرين في كل قاطع فلم ينضووا تحت راية الجبهة وﻻ الدولة حتى يأتي رد الدكتور الظواهري وحين أتى الرد قالوا لقيادة النصرة لن نعود حتى تحققوا المطالب العشر التي طلبناها وحتى تلبوا شروطنا وكان أكبر تجمع لهم في جبل الزاوية (60 عنصرا تقريبا) وفي حلب (80 عنصرا تقريبا) وفي حماه (10عناصر) وهكذا رأى القوم أن قيادة النصرة لم تحقق شروطهم ولم تلب مطالبهم فخرجوا بتشكيل جديد يحمل اسم (جند اﻷقصى) وكان من الفصائل التي أظهرت الحياد واعتزلت القتال الذي نشب بين الفصائل وداعش ابتداء مع أن ميولهم لداعش لم تكن تخفى على من يزورهم أو يتردد عليهم.
وكبر الفصيل حين انضم إليه سرايا القدس بعد أن نشب خلاف على الغنائم بين (أبي مصعب سراقب) وجبهة النصرة فانشق عن الجبهة وظل مستقلا ﻷشهر ثم بايع جند اﻷقصى وعيّنوه أميراً عليهم وقُتل -رحمه الله- في معارك الخزانات قبيل تحريرها وكانت اﻷخبار تتوالى عن التصاق الفصيل بداعش وعن وجود بيعة سرية في عنق الجند لداعش إﻻ أن أحداً لم يعر اﻷمر انتباهاً ولم تُلق الفصائل له باﻻ.
وكنت قد أشرت في اﻷجزاء اﻷولى من الشهادة أنهم كانوا العائق الرئيس في محاولة نزع فتيل أحداث جبل الزاوية وأنهم هدّدوا النصرة إن قبلت بالصلح أو التحاكم فإنها ستكون خاتمة المطاف في علاقتهم بها وأن طلاقاً بائناً سيقع بين النصرة والجند.
كثيراً ما كانت التحقيقات تكشف أن المفخخات التي كانت تنفجر هنا وهناك تخرج من مقرات الجند وأن فرق الاغتيالات والكواتم تخرج من مناطق الجند وأن العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرق وتستهدف القادة -وحصدت أرواح الكثيرين خاصة من قيادات اﻷحرار تخرج من مناطق الجند ولم يحرك أحد ساكناً أو ربما لزخم اﻷحداث وتسارعها كان يصعب تسليط الضوء على الجند أو فتح باب شر جديد أو إشعال نار فتنة مع فصيل جديد.
وظلت فعالهم طي الكتمان ونشاطاتهم في الظل إلى ما بعد أحداث جبل الزاوية فما قبل أحداث الجبل مجرد اتهامات وقرائن.
وسأورد نموذجا لحادثة وقعت قبل أحداث جبل الزاوية وأثبتت التحقيقات أن المفخخة التي يقودها انتحاري خرجت من مناطق الجند لكن القضية نُسيت أو أنسيت مع تراكم اﻷحداث وتزاحمها فقبل هجوم النصرة والجند على جبل الزاوية بشهرين ونيف زار موفدون من النصرة قائد لواء شهداء إحسم وعرضوا عليه الانشقاق عن جبهة ثوار سوريا وهم جاهزون لدعمه وتعويضه عن أي نقص يحصل بسبب انشقاقه عن الجبهة.
وهذا يدخل في الركيزة الثانية من ركائز تفكيك الفصائل وهي عزل الخصم وتحييده بقصد إضعافه قبل اﻹجهاز عليه.
رفض قائد اللواء العرض وبعد مرور شهر أي قبل أحداث جبل الزاوية بشهر هاجمت سيارة مفخخة مقر اللواء أثناء استعداد عناصر اللواء للتوجه نحو مورك وقُتل ثمانية عناصر من بينهم القائد العسكري ودُمر المقر بالكامل كما دمُر قسم كبير من سلاح اللواء وآلياته وتبين أن المفخخة خرجت من مناطق الجند إﻻ أن ملف القضية طوي كما طوي غيره وكما أسلفت فإن نشاطاتهم ظلّت سرية وطي الكتمان ولم يُسلط عليها الضوء حتى انتهت أحداث جبل الزاوية وخان السبل وبدأت بعدها وتيرة الاغتياﻻت والعبوات في الازدياد بمحاذاة مناطق سيطرة الجند ولعل من تابع اﻷجزاء اﻷولى للشهادة قد قرأ أننا حين سعينا في اﻹفراج عن عناصر النصرة والجند المحتجزين لدى حركة حزم استخرج عناصر حزم من جيوب بعض عناصر الجند بطاقات هوية اﻹنتساب للدولة اﻹسلامية في العراق والشام وكان اﻷخ مرشد (أبو المعتصم ﻻ يريد إطلاقهم فطلبت إليه إطلاقهم وتصوير بطاقات الهوية ﻷنهم محسوبون على جند اﻷقصى وبلغت أمير الجند أبا ذر الجزراوي الخبر ﻻحقا.
لكن مع مرور اﻷيام بدأت اﻷخبار تتواتر أن أكثر من نصف الجند مبايعون للدولة وأن ثلثهم يرونهم إخوة الجهاد والدرب وأن عشرة في المئة فقط ﻻ يؤيدون الدولة وهذا شأنهم وهم أحرار في رؤيتهم ما لم تجلب ضرراً على بقية الفصائل لكن أن تصبح مقراتهم خلايا أمنية لتنفيذ الاغتياﻻت وتسيير المفخخات وتجهيز العبوات ﻻغتيال القيادات وضرب المقرات وزعزعة اﻷمن في المناطق المحررة فتلك لعمر الله قاصمة الظهر.
وكما ذكرت فإن الجند فصيل صغير ﻻ يتجاوز تعداد مقاتليه في أحسن الأحوال ألفا ونيفا من المقاتلين لكنهم يستمدون قوتهم من غلاة النصرة ويحتمون بهم ومع اﻷسف الشديد فإن غلاة النصرة جاهزون كلما وقع الجند في أزمة ﻹخراجهم منها.
وسأتناول قضية اغتيال الشيخ الشهيد -بإذن الله- مازن قسوم كمثال يوضح بجلاء اختباء الجند وراء غلاة النصرة واحتمائهم بهم وقيام غلاة النصرة بمهامهم وواجبهم تجاه الجند على أكمل وجه.
وقد يسّر الله لي الاطلاع على خبايا ملف القضية ووقفت على تفاصيله فرأيت ما تشيب له نواصي الولدان وأدركت أن شرع الله الذي يتدثر به القوم ﻻ يعدو أكثر من كونه شعارات ﻻ وجود لها على اﻷرض وإعلانات سرعان ما تكتشّف زيفها ودعايات لبضاعة القوم المزجاة المتفلتة من عقل الشريعة.
وإليك تفاصيل الخبر: ذهب الشيخ مازن قسوم إلى سراقب ليلقي نظرة على سيارة له كان قد أرسلها للإصلاح والصيانة وأثناء الحوار بين أحد العاملين في مركز الصيانة ويدعى (عبدو نصار) والشيخ مازن ذكر له الشيخ الطريق التي يسلكها وهي بعيدة فتعجب الرجل من لجوء الشيخ لهذا الطريق في ظل وجود طرق أقصر فأجابه الشيخ بأنه يتحاشى المرور من حواجز الجند وذهب عبدو نصار لمقر الجند وأخبرهم بأن رجلا يتردد على الورشة ويتحاشى المرور من نقاط سيطرتهم وحواجزهم فما كان من الجند إﻻ أن سلموا الفتى قبضة وطلبوا إليه أن يتواصل معهم فور حضور الشيخ مازن قسوم إلى الورشة فحدّد عبدو نصار موعداً للشيخ مازن وفور وصوله تواصل مع الجند عبر القبضة وأخبرهم ولم يتأخر عناصر الجند بالوصول وحين وصلوا كان الشيخ مازن قد أدار محرك سيارته وفتح باب السيارة -وكان فتى الورشة يُشاغله ويُؤخره ريثما يصل عناصر الجند- وفوجئ الشيخ بسيارة تقف خلفه يترجل منها ثلاثة مسلحين هم حنان رستم وأبو أسامة البانياسي وأبو الشيخ السراقبي وتوجهوا نحو الشيخ مازن للإمساك به فدفعهم وركب سيارته وهي ذات غيارات أوتوماتيكية وركب الغيار وانطلق ففتح الثلاثة نيران رشاشاتهم دفعة واحدة ولم تتحرك سيارة الشيخ أكثر من خمسة أمتار وتوقفت وكان بإمكانهم أن يطلقوا النار على اﻹطارات لو لم تكن لديهم أوامر بتصفية الرجل -كما حاولوا أن يوهموا لجنة القضاء وتبين كذبهم من خلال لجنة التحقيق وسآتي على ذكر ذلك مفصلا-.
لكن أوامر أميرهم أبي الفاروق كانت تصفية (أستاذه) وقتله وﻻ تعجبوا فالشيخ مازن قسوم هو أستاذ أبي الفاروق ومعلمه والتلميذ هو اﻵمر بقتل أستاذه ومعلمه!!!
وأصيبت السيارة بأكثر من 15عيارا ناريا وكان نصيب الشيخ منها أربع إصابات مباشرة في الجزء العلوي من جسده 3 إصابات واضحات ورابعة لم تك واضحة وفور توقف سيارة الشيخ توجهوا نحو السيارة وفتحوا الباب وتأكدوا من مفارقة الشيخ الحياة فجمعوا السلب (من قتل قتيلا فله سلبه!!!) وهو كل ما كان بحوزة الشيخ (رشاشه ومسدسه وما كان يحمله من متاع) وركبوا سيارتهم من نوع (كيا ريو) وفروا وقدّر الله أن يتعرضوا لحادث سير وكان التعميم قد تم على السيارة ومواصفاتها فتم القبض على السيارة والعناصر من قبل عناصر جبهة ثوار سراقب وحركة أحرار الشام وهنا تدخّل الجند وخلصوا عناصرهم بالقوة وهنا ازدادت حالة الاحتقان لدى فيلق الشام فتدخلت جبهة النصرة على الفور من أجل تهدئة الفيلق وتعهدت باحتجاز القتلة لديها كطرف ثالث حيادي! إلى حين تقديمهم لمحكمة شرعية تقضي بشأنهم وأرادوا إحراج فيلق الشام فسألوهم هل تقبلون بشرع الله؟! فأجاب الأخوة على الفور بالقبول واستلمت جبهة النصرة العناصر وكان الفيلق يستعد لخوض معركة ضد النظام بمشاركة جند اﻷقصى في ذلك اليوم ورغم اغتيال قائدهم وشيخهم الذي أسأل الله أن يتقبله في الشهداء داسوا على جراحاتهم وقدموا مصلحة الجهاد واشتركوا مع الجند في المعركة ودماء شيخهم لم تزل رطبة لما تجف.
لم تنته قصة الشيخ مازن بعد فهي تختصر المشهد الطويل كله لقصة تحاكم المناهجة لشرع الله ولكن أقف الليلة عند هذا الحد وأتمم غداً إن شاء الله.
♦ الجزء الحادي عشر
فضيحة محاكمة قتلة مازن قسوم وحقيقة تحاكم المناهجة للشرع!
مازلنا في قصة اغتيال الشيخ الشهيد -بإذن الله- مازن قسوم وأشرتُ في الجزء الماضي ﻷسماء من باشروا القتل وبقيت لفتة تستحق اﻹشارة وهي أنّ أبا الفاروق الصغير الذي أعطى اﻷوامر للخلية بتصفية أستاذه كان قد أشرف على عملية الاغتيال بنفسه حيث كان يستقل سيارة أخرى برفقة كل من المدعو أبي خالد البانياسي وأبي فواز سراقب وكانوا يراقبون سير عملية تصفية الشيخ عن قرب وحين تمت تصفية الشيخ وفرّ العناصر وتم التعميم على السيارة وبدأت مطاردتها وتعرضت لحادث سير وتم إلقاء القبض على الخلية التي باشرت القتل. عن طريق الأخوة في حركة أحرار الشام وجبهة ثوار سراقب سرعان ما حضر أبو الفاروق وكان برفقته أبو ذر إﻻ أنه لم ينزل من السيارة وبصحبة عناصر من الجند وخلّصوا الخلية من بين يدي من اعتقلها مما زاد اﻷمر سوء ورفع من وتيرة الاحتقان لدى الفيلق وبدأوا بالتجهز لتطويق جند اﻷقصى.
وهنا تدخلت جبهة النصرة على الفور وأخبرت الفيلق أن القتلة صاروا عندها وأنهم سيقدمون لمحاكمة شرعية وتعهدت بتسليمهم للمحكمة فور تشكلها وقبل الفيلق بالتحاكم لشرع الله ومضى في معركته ضد النظام مع جند اﻷقصى كما كان مخططاً لها مقدماً مصلحة الدين واﻷمة على جرحه النازف وآملاً أن يلقى القتلة جزاء ما اقترفت أيديهم.
وبعد شهر تشكلت اللجنة -ابتداءً- من الدكتور عبدالله المحيسني والشيخ عبدالرزاق مهدي والشيخ أبي الحارث المصري والشيخ أحمد علوان وبدأ النقاش حول القضية فكان رأي اللجنة الشرعية أنّ مجرد الاستماع لمندوب الفيلق ومندوب الجند ﻻ يكفي للخروج بحكم منصف صائب.
فمندوب الجند يتهم الشيخ مازن بعلاقته بمعروف وأنه محسوب عليه ومندوب الفيلق ينفي ذلك جملة وتفصيلا ويؤكد أنه أحد رموز الفيلق وأعمدته منذ نشأته وأن العلاقة الطيبة بينه وبين معروف يمتد عمرها إلى ما قبل عمر الثورة وهنا رأت اللجنة انتداب لجنة تحقيق تقوم بالتحقيق بملابسات القضية وكشف خباياها.
وأسندت مهمة التحقيق للأخوين أبي سارية من جبهة النصرة وأبي نجيب من الهيئة اﻹسلامية وباشرت لجنة التحقيق عملها الذي امتد شهراً وبضعة أيام وبعد أن أنهت لجنة التحقيق عملها وسلمت النتائج للجنة القضائية.
اِعتذر الدكتور المحيسني عن الاستمرار في اللجنة القضائية وقال للأخوة في اللجنة بأنه يقف من جميع الفصائل على مسافة واحدة وأنه صمام أمان للساحة وأن القضاء يثير الشحناء وأنه لا يريد أن يخسر أحداً وانسحب ووكل مكانه القاضي أبا عزام الجزراوي وحُددت جلسة بعد شهر من تاريخ استلام نتائج التحقيق.
اجتمعت اللجنة القضائية (الشيخ أبو الحارث المصري والشيخ عبدالرزاق مهدي والقاضي أبو عزام الجزراوي والشيخ أحمد علوان والشيخ سهل من الجند) واستمرت الجلسات قرابة شهرين وفي الجلسة اﻷولى فور الاطلاع على نتائج التحقيق صدر أمر من اللجنة القضائية بتوقيف أبي الفاروق وأبي فواز سراقب وأبي خالد البانياسي واعتقالهم -ظناً منهم أن عناصر الخلية الذين باشروا القتل معتقلون لدى جبهة النصرة كما تعهدت الجبهة للفيلق بادئ اﻷمر- ولكن تبين لدى اللجنة أن عناصر الجند كانوا في ضيافة النصرة وأنه لم يتم توقيفهم -ولو شكلياً- بل كانوا يتولون تعذيب المسجونين اﻵخرين لدى النصرة أي أنهم أوكلت إليهم القيام بمهام السجان وتعذيب المسجونين اﻵخرين! فلا الذين قتلوا الشيخ كانوا معتقلين وﻻ استطاعت اللجنة التي أصدرت أوامرها بجلب أبي الفاروق والبقية أن تجلبهم أو تعتقلهم! ولم تطلب اللجنة القضائية أبا الفاروق يوماً للمثول أمامها مرة وحضر! بل إن اللجنة القضائية كانت تطلب المعتقلين الذين باشروا القتل للمثول أمامها كانوا ﻻ يجدونهم وتكرّر هذا مع اللجنة مراراً فقد كان هؤﻻء يذهبون إلى بيوتهم ويجيئون ويتحركون بحرية تامة حتى أن اللجنة حين كانت تطلبهم لم يكونوا يجدونهم -وهؤﻻء من المفترض أنهم معتقلون- وكان القاضي أبو عزام الجزراوي يشعر بالحرج الشديد أمام اللجنة القضائية كلما طلبتهم للمثول أمامها ولم تجدهم وقال أمامهم: لست أدري لما يضعنا أبو هاجر الحمصي في مواقف محرجة؟!
فقد كان أبو هاجر الحمصي من حلب يتواصل مع مقر النصرة الذي من المفترض أنهم محتجزون فيه ويأمر بتركهم يذهبون إلى بيوتهم أو لقضاء أعمالهم.الخ
حاول الجند جاهدين ابتداءً أن يلصقوا بالشيخ مازن قسوم تهمة أنه من أعوان معروف وأنه من أمنيّي معروف وأنه مؤازر لمعروف وبطل كل ذلك باﻷدلة والحجج والبراهين وشهادات الشهود حتى أن اللجنة استجلبت نصف أهالي كفر بطيخ وأهالي مرديخ الذين فنّدوا مزاعم الجند بحق مازن قسوم وشهدوا ببطلان ادعاءاتهم بحق الشيخ، ولم يفلح الجند بالتشويش على اللجنة القضائية وظهر تقرير لجنة التحقيق الذي أكد بما ﻻ يدع مجاﻻً للشك بأن القتل عمد وقامت حيث كان الجند يأملون بأن تخرج الحادثة على أنها قتل خطأ وحاول القتلة بشهاداتهم الزائفة تضليل اللجنة القضائية فادّعوا بأن أبا الفاروق لم يعطهم أمراً بتصفية الرجل وإنما أمرهم باعتقاله وادّعوا بأنهم حين أطلقوا النار أطلقوها على إطارات السيارة ولكن المعاينة الميدانية لمكان الجريمة وفحص سيارة الشيخ والطلقات التي في الجدار والحائط أثبتت أن إطلاق النار كله كان في الجزء العلوي ولم يطلقوا أيّة رصاصات تجاه الإطارات وبعد صدور تقرير لجنة التحقيق ومعاينة اللجنة القضائية وثبوت بطلان ادعاءات الشهود كانت اللجنة القضائية معنية بأمرين:
أولهما توصيف القتل وقد وصفته اللجنة باﻹجماع على أنه قتل عمد وهنا انتقل الجند إلى مناورة أخرى وهي إثبات عصمة الدم!! وهل الشيخ مازن قسوم -رحمه الله- معصوم الدم؟!! أم لا ؟! وحاولوا إحراج مسؤول دور القضاء القاضي أبي عزام الجزراوي.
فأخرج مندوب الجند أمام اللجنة وثيقة ممهورة من دار القضاء فيها فتوى وحكم بقتال جبهة ثوار سوريا ومن آزرها وناصرها وظاهرها قتال ردة وأن الشيخ مازن قسوم من أعوان معروف وبناء عليه فهو مرتد ودمه غير معصوم وأحرج هذا التصرف القاضي أبا عزام وحاول أن يجد تبريراً لهذا الكتاب فقال: هذه فتوى استصدرها شيوخ دار القضاء أو قضاة دار القضاء من أجل الجنود المترددين في قتال جبهة ثوار سوريا آنذاك !!! واستمرت اللجنة أكثر من شهر وهي تناقش مسألة عصمة دم الشيخ مازن قسوم وهل دمه معصوم أم مهدور؟!
تخيل يا رعاك الله رجل مسلم موحّد داعية إلى الله مجاهد في سبيله ذو شأن في قومه قائد في فصيله يحتاج ﻹثبات إسلامه أكثر من شهر عند لجنة قضائية.
والحمد لله بعد أخذ ورد ومداوﻻت وجلسات ثبت أن الشيخ مازن قسوم مسلم !! وأن دمه معصوم وهنا كانت اللجنة معنية بتوصيف القتل هل هو عمد أم شبه عمد أم خطأ؟
وتم توصيف القتل على أنه قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد والتصميم ﻻ خلاف فيه وﻻ شبهة لرجل مسلم قائد مجاهد معصوم الدم.
وفي الجلسات اﻷخيرة التي كان ينبغي فيها أن يُستدعى الموقوفون للنطق بالحكم فوجئ الشيخ أبو حارث المصري وأعضاء اللجنة بأن الموقوفين قد أخلي سبيلهم بأمر من أبي هاجر الحمصي وهنا اعتذر الشيخ أبو الحارث المصري عن متابعة القضية وقرر الانسحاب ووصف حال المحكمة بالمهزلة وقال إذا لم تكن لدينا سلطة لتوقيفهم أو جلبهم كيف يمكننا محاكمتهم وهل نملك سلطة تطبيق الحكم عليهم فيما لو حكمنا؟؟!!
وصرّح بأن هذا عبث وأنه لن يتابع مهما تكن الظروف وانسحب الشيخ أبو الحارث المصري بعد أكثر من خمسة أشهر من المطاردات الماراثونية وراء صبية المناهجة وعلى إثره انسحب الشيخ عبد الرزاق مهدي معتذراً بأنه ﻻ يستطيع الاستمرار بعد انسحاب الدكتور المحيسني في الشهر الثاني وانسحاب الشيخ أبي الحارث المصري في آخر المطاف ولم يبق إﻻ الشيخ أحمد علوان والقاضي أبا عزام الجزراوي وماذا بوسع الرجلين أن يفعلا بعد أن انسحب معظم قضاة اللجنة وأخلي سبيل القتلة؟!!
كان يُراد لهذه الجريمة أن تمرّ دون أن ينكشف الجناة كما مرت كثير من جرائم القتل والاغتياﻻت التي سبقتها دون أن يتكشف الجناة مع أن أصابع الاتهام فيها جميعاً تُشير إلى جانٍ واحد، ولكن شاء الله أن يكشف خباياهم ويسدل الستار عن حلقة من مسلسل طويل من جرائمهم بحق الموحدين والمجاهدين وكان يمكن لهذه الجريمة أن تُظهر خبايا الجرائم التي سبقتها ولكن غلاة النصرة سارعوا لتخليص القتلة وحرصوا على عدم وقوعهم بيد أية جهة حتى ﻻ تتكشف خفايا وتُحل ألغاز جرائم قُيدت ضد مجهول ودُفنت ملفاتها مع ضحاياها وحين وقع القتلة بيد القضاء لم يتمكّن القضاء من محاكمتهم أو معاقبتهم وها هم أحرار طلقاء، بل ترقّوا إلى مناصب أعلى فعُين أبو الفاروق أمنياً عاماً على سراقب وكان أبو الشيخ -أيام المظاهرات التي تزامنت مع تظاهرة إدلب في سراقب والمعرة وغيرها- وهو ممن أطلقوا النار على الشيخ مازن قسوم- يتبجّح ممسكاً بكاميرته ويقوم بتصوير المتظاهرين ليقوموا فيما بعد باعتقالهم أو اختطافهم وتعذيبهم وربما قتلهم!
لم تكن هذه المحكمة محاكمة لقتلة الشيخ مازن قسوم بل كانت محاكمة (لمنهج) يستبيح الدماء المعصومة ويستحل اﻷموال المحرمة وعُطلت المحكمة لتظل شاهداً على أن تحكيم شرع الله شعار يتدثّر به القوم ويتخذونه جُنة وصدق الله جل في علاه إذ يقول: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون، إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون}.
أتوقف هنا الليلة ولم يتبق على الشهادة إﻻ القليل وأحاول إتمام ما تبقى غدا بحول الله وقوته في أمان الله وحفظه ورعايته السلام عليكم ورحمة الله.
وثيقة بتوقيع أبي الفاروق بعد أن رقي إلى أمني عام سراقب مكافأة له على قتله الشيخ مازن قسوم.
هذه صورة لأبي الشيخ السراقبي الذي أطلق وصاحبيه النار على الشيخ مازن قسوم وهو يلتقط الصور للمتظاهرين.
♦ الجزء الثاني عشر
أبو هاجر الحمصي المسؤول الأول عن تصفية فصائل الجيش الحر:
الحمد لله الذي قدّر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى والصلاة والسلام على معلم الناس الهدى إمام التضحية والفدا وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وبسنته اهتدى وبعد:
بقي مسألة واحدة تصلح أن تكون قفلة للحلقة الماضية من الشهادة ومقدمة للجزء اﻷخير منها فقد أشرت إلى ما قام به أبو هاجر الحمصي من اﻹفراج عن قتلة الشيخ مازن قسوم -رحمه الله- رغم أن جند اﻷقصى يوم قرّروا الانشقاق عن جبهة النصرة ووضعوا مطالبهم العشرة كان من بين تلك المطالب عزل (أبي هاجر الحمصي) ولم تلب مطالبهم وانشقوا وشكلوا فصيل جند اﻷقصى فسبحان مغير اﻷحوال ومجمع أهل الغلو من شتى المنابت واﻷشتال ومقرب الغلاة من مختلف اﻷصناف واﻷشكال!!
وأبو هاجر الحمصي اسم يستحق الوقوف عنده طويلاً ولئلا تثور الثوائر وتُدار -بالباطل- علي الدوائر فإنني سأتجنب ذكر اﻷسماء -مع معرفتي إياها- رغم أن من ذكرتهم في الحلقات الماضية قُتل معظمهم -رحمهم الله- وأما اﻷحياء فمن ذكرت اسمه فمعروف مشتهر باسمه الصريح وأما من ذكرت كناهم من اﻷحياء فعوام الناس يعرفونهم وأصحاب البقاﻻت والمحال التجارية والصرافين يعرفونهم ولكن القوم وجدوها فرصة ذهبية لحرف الشهادة عن مقصودها ولصرف أنظار أتباعهم ومؤيديهم عن محتواها بالتهجم على شخصي وإسقاطي، وبإسقاطي يسقط كل ما صدر عني -وﻻ ضير- رغم أن القوم يعلمون في قرارة أنفسهم أنني لم أهتك سِتراً أو أكشف سراً فيما ذكرت والسرّ الوحيد يكمن في كشف كبائر أقدموا عليها وصوروها ﻷتباعهم وزينوها ﻷنصارهم -عبر إعلامهم- وسوقوها على أنها مناقب ومفاخر وانتصارات للدين واﻷمة!
ويكفي أن أُذكّر من انطلى عليه كلامهم بالخطوط الساخنة المفتوحة 24 ساعة بينهم وبين المنظرين في لندن وكندا وعمان فهل يا ترى يتواصلون مع المشيخة عبر (القاعدة (Sat أو عبر (النصرة نت)؟!! أترك لكم الجواب.
أعود ﻷبي هاجر الحمصي الذي ترقى سريعاً في المناصب حتى استلم إمارة إدلب وقد استلمها على حقبتين أولها ما قبل أحداث الدولة ودخول البغدادي والثانية بعد حوادث اقتتال الفصائل وداعش وهذا الرجل مسؤول مسؤولية مباشرة عن تصفية فصائل الجيش الحر في إدلب وأريافها وصوﻻ إلى سهل الغاب وهو المسؤول عن اعتقال أبي عبدالله الحمصي (الخولي) ومسؤول عن تأخير اﻹفراج عنه، فبعد أن حاول اﻷمنيون إلصاق تهمة قتل الشيخ يعقوب العمر بالخولي والضجة التي أعقبت هذا (اﻹفك) أراد الفاتح الجوﻻني اﻹفراج عن أبي عبدالله الخولي فقال له أبو هاجر الحمصي: "إما هو أو أنا" فأحجم الفاتح الجوﻻني عما كان قد أزمع عليه ولقد ذكر أبو محمد الجوﻻني مراراً أمام شهود كثر أن اعترافات الخولي انتزعت تحت التعذيب ومع ذلك لم يملك الفاتح الجوﻻني أمر اﻹفراج عنه بسبب معارضة أبي هاجر الحمصي.
وحين نظف أبو هاجر الحمصي إدلب من معظم فصائل الجيش الحر وسلمها خالصة لجبهة النصرة على طبق من ذهب نقله الفاتح الجوﻻني إلى حلب لتكرار ما فعله في إدلب ولكن النظام وحلفاءه كانوا أسرع إليها ولم تمهل اﻷحداث أبا هاجر لتكرار واستنساخ تجربة إدلب في حلب.
وأبو هاجر الحمصي مسؤول مسؤولية مباشرة عما جرى (ﻷبي حسين رحال) فكل الناس سمعوا رواية غلاة النصرة حول اعتقال الرجل ومفاد الرواية أن الرجل كان فاسداً ظالما وأن المظالم المسجلة عليه أكثر من أن تحصى وخرجت الرواية لصالح جبهة النصرة فهي تحاسب المفسدين ولو كانوا أمراء فيها! وهكذا خرجت الرواية وهكذا سُوقت ولست هنا بصدد الدفاع عن الرجل أو نفي أو إثبات ما نسبوه إليه ولكنني بصدد سرد حقيقة ما جرى.
تبتدئ الحكاية من أحداث معارك خان طومان إبان الحقبة اﻷولى من تولي أبي هاجر الحمصي مقاليد اﻷمور في إدلب حيث كان أبو حسين رحال من المشاركين في معارك خان طومان وفتح الله على المجاهدين بغنائم كثيرة وخيرات وفيرة وانتظر المشاركون -ومنهم أبو حسين رحال- توزيع مغانم خان طومان وخيراتها وتأخر توزيع الغنائم وبدأ أبو حسين رحال يراجع أبا هاجر الحمصي ويطالبه بنصيبه من الغنائم وأبو هاجر يعِد ويؤجل ويؤخر ويماطل وطال أمد الانتظار فما كان من أبي حسين رحال إﻻ أن ذهب ﻷبي هاجر مُغضباً وشدد عليه في المسألة واحتد النقاش بينهما واستعصى أبو هاجر فقال له أبو حسين رحال بلهجته السورية: "إذا ما بتعطيني نصيبي من الغنائم بشولك" أي سآخذ نصيبي ولو أدى اﻷمر إلى سرقته منك، ولم ينسها له أبو هاجر فبدأ يحفر للرجل ويكيد له وانتظر أبو هاجر حتى عاد أميراً ﻹدلب في الحقبة الثانية وتمكن، وبدأ يوغر صدر الجوﻻني عليه ويحدثه عن فساد أبي حسين رحال وعن مظالمه وعن قضايا مرفوعة ضده في دار القضاء حتى اقتنع الجوﻻني باعتقال الرجل.
وبقيت مسألة واحدة وهي أن الرجل ذو شأن في قومه وذو منزلة في بلدته (معردبسة) وصاحب قوة في جبهة النصرة وﻻ يمكن اعتقاله بالطرق الاعتيادية، فكاد له القوم وغدروا به وأخبروه أن الفاتح الجوﻻني يود لقاءه فما كان من الرجل إﻻ أن توجه إلى المكان الذي حُدد له للقاء أميره وحين وصل وعلى غير العادة أخبروه أن ينزع حزامه الناسف ويسلم سلاحه بناء على إجراءات أمنية جديدة لضمان سلامة قيادة النصرة واستجاب الرجل دون تردد فالرجل يثق بأميره فقد كان أبو حسين رحال يزور أمير النصرة في بيته لقوة ومتانة العلاقة بين الرجلين، وبالفعل نزع حزامه وسلم سلاحه ودخل الحجرة التي كان من المفترض أن يقابل فيها أميره ولكنه وجد اﻷمنيين في انتظاره فوضعوا (الكلبشات) في يديه وأودعوه غياهب السجون وكانت هذه بداية مأساة الرجل التي ستظل وصمة تلاحق أمراء النصرة وعلى رأسهم أبو هاجر الحمصي، فقد بحثوا عن أشد الناس عداوة ﻷبي حسين رحال فوجدوا حسين عبدالرزاق وهو من آل العمر من (معر دبسة) وهي بلدة أبي حسين رحال وبين آل رحال وآل العمر عداء تاريخي يتجاوز عمره الثلاثين عاماً، وحين وقع الخلاف بين النصرة والدولة بايع آل العمر الدولة ومنهم حسين عبدالرزاق ولكنه رجع بعد خطاب الدكتور الظواهري وانضم لجبهة النصرة وعين أمنياً لقاطع سراقب الممتد من (سراقب إلى معرة النعمان) ثم رقّاه أبو هاجر الحمصي إلى أمني عام إدلب.
وﻷن أبا هاجر كان يريد أن ينتقم من أبي حسين رحال ويلقنه درساً قاسياً ويُنزل به أشد العقوبة -انتقاماً لما كان من أبي حسين رحال تجاه أبي هاجر وتهديده له بتشويله- فقد أوكل مهام التحقيق معه لحسين عبدالرزاق لما بينهما من ثأر تاريخي وﻷن أبا هاجر له يد على حسين عبدالرزاق حيث رقّاه إلى أمني عام إدلب وبالفعل باشر مهمة التحقيق مع الرجل -ملثما ﻷن أبا حسين رحال يعرفه وقد عرفه من صوته- ولم يوفر حسين عبدالرزاق وسيلة تعذيب وﻻ طريقة تنكيل إﻻ واتبعها.
ولتدركوا الوحشية التي مورست على الرجل سأكتفي بذكر وسيلة تعذيب عُذّب بها الرجل وهي الكهرباء التي كانوا يضعونها في اﻷماكن الحساسة للرجل، نعم بلغ اﻷمر بحسين عبدالرزاق أن يعلق الكهرباء في (العضو الذكري) للرجل -عافاني الله وإياكم- كل هذا كان يحدث في (مسالخ حارم) التي تسمى زوراً سجونا وهي مسالخ يمارس فيها ما يمارس في معتقلات المخابرات الجوية وأكثر، وكم دخل هذه المسالخ رجاﻻً يمشون على أقدامهم وخرجوا جثثا هامدة.
وأثناء هذه الممارسات الوحشية على الرجل كان أبو هاجر وعصبته ينسجون بقية الحكاية ويحيكون نهاية مؤلمة للرجل فقد أعدّوا له ملفاً يضمن لف حبل المشنقة على عنقه بعد أن جعلوه يطلب الموت مئة مرة في اليوم فلا يجده! وبالفعل صدر الحكم بإعدام الرجل ونُقل الرجل من سجون حارم إلى سجن (أريحا) في انتظار تنفيذ حكم الإعدام الذي صدر بحقه ورُفع الحكم إلى مفتي (الجيا) الشيخ أبي قتادة الفلسطيني ﻹبداء رأيه فيه فلم يكتف بالمصادقة على حكم اﻹعدام بل أضاف إلى الحكم كلمة وهي أن الرجل يُقتل (استفاضة) أي لكثرة جرائمه ومظالمه وأقر مفتي (الجيا) الحكم بإعدام الرجل ولكن الفاتح الجوﻻني أوقف تنفيذ الحكم.
ويذكرني تدخل الفاتح الجوﻻني في شؤون القضاء هنا بحكايتين كنت شاهداً عليهما وهما أنني حين طلبت من الدكتور المحيسني أن يتوسط في فك أسر الخولي ذهب مشكوراً إلى الفاتح الجوﻻني وبقي عنده بضع عشرة ساعة، واعتذر له الشيخ الجوﻻني بأن أمر الرجل بيد القضاء وأنه ﻻ يتدخل في شؤون القضاء!!! والثانية أنني حين بدأت بتوجيه رسائل يومية إلى أمير جبهة النصرة بفك الخولي بدأ أعيان النصرة يتصدون لي ويقولون إن الشيخ الجوﻻني ﻻ يتدخل في شؤون القضاء وﻻ يشفع ﻷحد!!!!
أخيراً وبينما أبو حسين رحال في سجن أريحا ﻻ يدري ما يُفعل به أعانه قوم على الهرب وساعدوه وأدخلوه إلى تركيا في حالة صحية يرثى لها وكما أسلفت فإن الرجل عزيز في قومه لم يستطع احتمال ما فعله به القوم وأصيب بقهر الرجال من شدة التفكر فيما كيد له وما أصابه ولم يستطع احتمال ما فعله به إخوة المنهج فأصيب بسرطان في القولون وهو حتى تاريخ كتابة هذه السطور يعالج وقد أجريت له جراحة استأصلوا له فيها جزءاً من القولون، ومما أصيب به من شدة التعذيب أنه حتى اللحظة ﻻ يستطيع اﻹخراج بشكل طبيعي وﻻ حول وﻻ قوة إﻻ بالله العلي العظيم أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يشفيه ويعافيه، هذا جانب من ممارسة اﻷمنيين في حق رجل منهم فكيف بمن ليس من النصرة وﻻ ينتسب إليها؟!
هذه الحكاية أردت لها أن تكون قفلة وفاتحة في آن معاً عسى الله أن يصلح أحوال القوم فيتداركوا السفينة قبل أن تغرق بنا جميعا.
أقف هنا الليلة ولم يتبق إﻻ الجزء اﻷخير أعانني الله على إتمامه إن شاء، في أمان الله وحفظه ورعايته السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لتحميل الملف كاملاً بجودة عالية من المرفقات أعلاه |
إضافة تعليق جديد