فتوى الاندماج مع فتح الشام تُثير جدلاً واسعاً بين أطياف الثورة وطلبة العلم
لاقت "فتوى وجوب إتمام الاندماج" الصادرة عن 16 شخصية ردود فعل متباينة، حيث جاءت الفتوى مذيّلة بأسماء 16 شخصية من الدعاة والشرعييين في الشام، بعضهم شرعيون فيما سُميّ "جيش الأحرار" الذي شكله أبو جابر الشيخ من بعض الكتائب والألوية التي تتبع حركة أحرار الشام كأبي محمد الصادق، وآخرون يحسبون على تيار "فتح الشام" كمظهر الويس وأبو ماريا القحطاني، وآخرون من مركز دعاة الجهاد الذي يرأسه المحيسني، حيث ذُيّلت الفتوى بتوقيعه وتوقيع كل من مصلح العلياني، وأبو الفتح الفرغلي، إضافة لأعضاء من المكتب الشرعي لحركة نور الدين الزنكي كحسام الأطرش.
حيث أكدت الفتوى وجوب إتمام الاندماج المقترح بين ثمانية من الفصائل، أبرزها "جبهة فتح الشام" و "حركة أحرار الشام الإسلامية" و "حركة نور الدين زنكي"، وبعض الفصائل الصغيرة، مثل: "الحزب التركستاني الإسلامي" و"أجناد الشام" و "لواء الحق" و "أنصار الدين".
ودعت إلى المسارعة في الوفاء بما تم الاتفاق والتوقيع عليه، ورأت في الاندماج المذكور استجلابا للنصر، والتخلف عن إمضائه إثماً.
وبعد صدور الفتوى، تتالت ردود الفعل الرافضة لما ذهبت إليه الفتوى، من إلزام أصحاب الفتوى الساحة باجتهادهم، وتأثيم مخالفيهم.
حيث نشر "أبو البراء معرشمارين" -أحد أبرز القادة العسكريين وعضو مجلس الشوري في حركة أحرار الشام- على حسابه على موقع تويتر مايلي: "الاعتصام مطلب الجميع ولكن سبيله المُختلف فيه هذه أراها فتوى تغلّب وتفكيك ليست فتوى اعتصام" وتابع "هل إذا حصل اندماج آخر سيكون نفس الفتوى منكم، ولماذا المحاولات القديمة لم تأخذ نفس الفتوى وكنتم أنتم من يقودها".
وأكد أبو البراء أن سياسة لَيّ الذراع والتغلّب مرفوضة، والاندماج بهذا الشكل مرفوض أيضاً: "لن نقبل بسياسة ليّ الذراع ولن نمضي باندماج لا يُحقق معظم الساحة ويحقق مطالب شعبنا ويمنع الاستقطاب ويجرنا للتغلب".
فيما اعتبر رئيس الهيئة القضائية في أحرار الشام، الشيخ "أحمد محمد نجيب" أن مثل هذه الفتاوى هي فتاوى مُسيّسة تسعى لتحيق مصالح أصحابها بغطاء الشريعة، فقال:
"تجيير الفتوى لصالح الهوى ليس من سمات طلبة العلم فضلا عن أهله، وأما تسييسها بما يسوّق له بأنه دليل فلا يرقى أن يكون كبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون".
وتابع كلامه معتبراً الفتوى الصادرة نوعاً من الإرهاب الفكري، قائلاً: "ممارسة الإرهاب الفكريّ عمل لا أخلاقيّ يستعمله سماسرةٌ همّهم جلب المنفعة العاجلة، وإن كانت التّجارة فاسدة، وعقدها باطل".
فيما علق أبو عزام الأنصاري، -أحد أعضاء مجلس شورى الأحرار- على الفتوى، قائلاً: "بعض الناس جعل الشرع مطيّة لأهوائه، فإن أراد الانشقاق سماه اعتصاما، وإن أراد التخلص من مشاكله باندماج يزيد الساحة استقطابا سماه أيضا اعتصاماً".
فيما رأى لبيب النحاس، -مسؤول العلاقات الخارجية لحركة أحرار الشام الإسلامية-، أن: "الدين ليس مطيّة ليقوم البعض بفرض مشاريعهم بطاغوت الكهنوتية وبالتغلب، هذه ثورة شعب مسلم ولن نسمح بخطفها أو تدميرها كما فعلوا في ساحات أخرى"
وأكمل قائلاً: "من الغريب استعمال فتاوى لفرض اندماج تم نقده لأسباب موضوعية وواقعية وليس لأسباب شرعية، كلنا مع توحيد الصف".
وهاجم النحاس بعض من وقّعوا على الفتوى، مشيراً إلى قيادات "جيش الأحرار"، قائلاً:
"انقلابات خشنة ثم ناعمة، والآن انقلابات (شرعية) بفتاوى كهنوتية، لم يتركوا سبيلاً لتدمير الساحة إلا وسلكوه".
وأضاف" الكثير من شرعييّ فرض الاندماج بالتغلب والفتاوى هم نفسهم شرعيو الانقلابات وشق الصف، الشرع انتقائي عند هؤلاء، حان الوقت لأن يتصدر الساحة علماء الشام الحقيقيون ونتجاوز أزمة شرعيي الضرورة والصدفة".
أما "خالد أبو أنس" فأكد بدوره أن الاعتصام حق لاريب فيه، والدعوة إليه واجب، ولكن ما صدر هو تدليس وابتزاز، قائلاً:
"أنا مع الاندماج ولم أخفِ موقفي ولكني أرفض أن أساق كالقطيع لأمر اجتهادي فيه سعة وأرفض أسلوب التهديد والتحريض والابتزاز".
كما وجه الشيخ د. أيمن هاروش انتقاداً لاذعاً للفتوى، قائلاً:
"ليّ الذراع وتدمير الجماعة والتغلّب حلال لبعض الفصائل حرام على غيرها، هذه سياسة ومنطق بعض الأفاضل"، وتابع "مخالفة التوقيع على ورقة سبقها اتفاق مع الأكثر حرام وعلى الجنود العصيان وتصدر البيانات ومخالفة اتفاقات في محاكمات ومبادرات يسكت عنها للمصلحة".
ومن الجدير بالذكر أن الفتوى وبعد ساعات من صدورها، تلقت عدة اتهامات بالتزوير والتدليس، بسبب نفي بعض من وضعت أسماؤهم فيها الموافقة أو التوقيع عليها.
حيث أكد "حسام إبراهيم أطرش"، -الشرعي العام لحركة نور الدين زنكي-، بعدة تغريدات عبر حسابه الشخصي على "توتير" أن أسماء شرعيي الحركة الثلاث لم يُستشاروا في الفتوى ولم يُستأذنوا بإدراج أسمائهم فيها. وأكد ذلك الحساب الرسمي للمكتب الشرعي للحركة على تطبيق "تلقرام".
كما نفى أحمد أبو خلف -أحد شرعيي حركة أحرار الشام في القاطع الجنوبي- في رسالة صوتية علمه بالفتوى.
فيما تراجع عدد من شرعيي أحرار الشام في قاطع جبل الزاوية وأريحا عن تأييدهم للفتوى، مؤكدين أن التفاصيل التي وصلتهم ناقصة، ولما وصلهم ما غاب عنهم من تفاصيل تراجعوا.
كما أكد الشيخ عبد الرزاق المهدي رفضه حصر الحق فيها، وتأثيم من رفضها، موضّحاً أن الأمر هو أمر اجتهادي، وليس فيه سعيٌّ للتغلّب أو فرض سلطة على أي طرف، فقال:
"تنبيه: قد يُفهم من الفتوى جواز التغلب والتسلط على من لم ينضم للاندماج الجديد وليس كذلك.. وبالنسبة لي أعذر من عارضها بسبب مخاوف ولكل وجهة وأدلة".
وأضاف: "إخواني الكرام ما وقعت على الفتوى حياء وأنا أظن بطلانها .. بل أرى أن من قال بها له وجهته وأدلته ومن رفضها بسبب مخاوف التصنيف فله وجهته وأدلته".
كما رأى نشطاء وإعلاميون أن صدور الفتوى في هذه المرحلة هو دليل على ضعف موقف أصحابها، فالفتوى توجب الالتحاق باندماج لم يتم أصلاً حتى الآن ولم يُعلن عنه، ورأى أن دافع السرعة في نشرها بهذا التوقيت إنما هو نوع من ممارسة الإرهاب الإعلامي للضغط على بعض الأطراف الرافضة للاندماج مع فتح الشام وفق الصيغة المطروحة، وإحراجهم أمام عناصرهم و أنصارهم، بهدف دفعهم نحو "اندماج" معين دون الآخر.
فيما قال آخرون أن الفتوى سقطت مع ساعاتها الأولى بسبب ما حملته من تدليس في عرض الحقائق وتزوير في الأسماء، فقلل من تأثيرها، وشكك في استجابة الناس لها.
والجدير بالذكر أن الاندماج المطروح مع فتح الشام يشترط تولي "أبو محمد الجولاني" القيادة العسكرية لكل الفصائل المنضوية في الاندماج، والتصرف بكل مقدراتها العسكرية، ورفض عودة أي عسكري قاتل في درع الفرات إلا بعد ثلاثة أشهر، كما يشترط إلى جانب ذلك موافقته على تشكيلة المكتب السياسي للجسم الجديد!
إضافة تعليق جديد