الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادي اول 1446 هـ

فتوى: هل البلادُ الإسلاميةُ اليومَ دارُ كفر؟

15 ذو الحجة 1437 هـ


عدد الزيارات : 4846
هيئة الشام الإسلامية

  • السؤال:

هناك مَن يحكم على البلادِ الإسلاميّةِ في هذا الزّمن بأنّها ديارُ كفرٍ؛ لأنهم يقولون:  إنّ حكوماتِها كافرةٌ مرتدّةٌ تحكم بغير ما أنزل الله، وبناءً على ذلك: يوجبون على أهلِها الهجرةَ إلى مناطقَ أخرى لا تخضع لهذه الحكومات، ويستهينون بدماءِ وأموال المسلمين المقيمينِ فيها. فهل هذا الحكمُ صحيحٌ؟

ومتى يُحكم على الدّار بأنها دارُ إسلامٍ أو كفرٍ؟ وما حكمُ الأراضي التي ما زالت تخضع لحكم النّظام السّوري؟

  • الجواب:

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه أجمعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدّين، أمّا بعدُ:

فالحكمُ على الدّيار مِن المسائل الدّقيقةِ التي كان لها صدىً كبيرٌ في السّاحاتِ الفكرية والجهاديةِ المعاصرة، ونتج عن الفهمِ المغلوطِ لها مفاسدُ علميةٌ وعمليةٌ: كاستباحةِ الدّماءِ والأموالِ المعصومة، والحكمِ على جميع البلاد الإسلاميةِ بأنّها دارُ كفرٍ، وكلُّ هذا منكرٌ وباطلٌ؛ فديارُ الإسلامِ لا تتحوّلُ إلى دار كفرٍ بمجرّد اختلافِ بعضِ أحوالها، أو تغيّر النّظام الحاكم لها -ولو حُكم بكفره-، وفيما يلي تفصيلُ ذلك:

  • أولًا:

المُراد بالدّارِ: البلدُ والوطنُ الذي يسكنه مجموعةٌ مِن النّاس، ويعيشون تحتَ سلطةٍ واحدة، وأقرب ما يُقابل الدارَ في الاصطلاح السّياسي المعاصر لفظُ: "الدّولة".

ولا بدَّ في الدّار مِن وجود: الإقليم الجغرافي، والسكّان، والسُّلطة الحاكمة.

وقد اتّفق أهلُ العلم مِن حيث الجملة على أنّ الدّيارَ تنقسم إلى دارين: دار إسلامٍ، ودار كفرٍ، ووردت بذلك الأحاديثُ النّبوية وآثارُ الصّحابة:

- ففي حديث بُرَيْدة رضي الله عنه: أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أرسل سريّةً أو جيشًا أوصى قائدَها قائلًا: (... ثمّ ادعهم إلى الإسلامِ، فإنْ أجابوك، فاقبلْ منهم، وكُفَّ عنهم، ثمّ ادعهم إلى التّحوّل مِن دارهم إلى دار المهاجرين ...)رواه مسلم.

-وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يَقبلُ اللهُ عز وجل مِن مشركٍ بعدما أسلم عملًا، أو يفارقَ المشركين إلى المسلمين)رواه النّسائي وابنُ ماجه بإسنادٍ حسن.

-ووصف صلى الله عليه وسلم بلادَ الشام بأنها: (عُقْرُ دارِ الإسلام)رواه الطبراني في المعجم الكبير. أي: أصلُه وموضعُه.

-وصحَّ عند النّسائي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان مِن الأنصار مهاجرون؛ لأنّ المدينةَ كانت دارَ شرك، فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةَ العقبة".

-وكتب خالدُ بنُ الوليد رضي الله عنه لأهل الحِيرة -كما في كتاب "الخراج" لأبي يوسف- في حقوق أهلِ الذّمة أنّ مَن أصابه منهم الضّعف أو الافتقار: "طرحْتُ جزيتَه، وعِيل -أي: كُفِل وأُنفق عليه- مِن بيت مال المسلمين وعيالُه ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام؛ فإنْ خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام؛ فليس على المسلمين النّفقةُ على عيالهم..".

فدلّت هذه النّصوصُ وغيرُها على وجود دارَين: دارٌ تشرع الهجرةُ إليها، وهي ديار المسلمين، ودارٌ تشرع الهجرة منها، وهي ديارُ الكفار.

ويُستأنس في ذلك بالآيات الدالة على الهجرة إلى دار الإسلام، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}[الحشر: 9].

  • ثانيًا:

(دارُ الإسلام): هي البلادُ التي نزلها المسلمون وخضعت لهم، وجرت فيها أحكامُ الإسلام، وكانت المنعةُ والقوةُ فيها للمسلمين، وإن أقام بها غيرُ المسلمين مِن ذمّيين أو مؤتمنين.

قال ابنُ القيم في كتابه "أحكام أهل الذّمّة": "قال الجمهور: دارُ الإسلام هي التي نزلها المسلمون، وجرت عليها أحكامُ الإسلام".

فالعبرةُ في الحكم للدّار بكونها دارَ إسلام -ابتداءً- هو خضوعُها لسلطةِ المسلمين، وجريانُ أحكامهم فيها، ولا يُشترط أن يكون سكانُ هذه الدّار كلُّهم أو معظمُهم مِن المسلمين.

و(دارُ الكفر): هي الدّار التي تجري فيها وتعلوها أحكامُ الكفر، ولا يكون فيها السّلطانُ والمنعةُ بيد المسلمين، وإنْ أقام بعضُهم بها. وتنقسم دارُ الكفر إلى قسمين:

1- دار الحرب: وهي دار الكفر التي ليس بينها وبين المسلمين عهدٌ ولا أمان، ولا يلزم أن تكون الحربُ قائمةً بين الكفّار والمسلمين، بل يكفي عدمُ وجود ما يمنعها مِن عهدٍ أو أمان.

2- ودار العهد: وهي دارُ الكفر التي بينها وبين المسلمين عهدٌ بترك القتال مِن صلحٍ أو هدنة.

قال ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "كان المشركون على منزلتين مِن النّبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: كانوا مشركي أهلِ حربٍ، يقاتلهم ويقاتلونه، ومشركي أهلِ عهدٍ، لا يقاتلهم ولا يقاتلونه"رواه البخاري في صحيحه.

  • ثالثًا:

الحكمُ على الدّار بإسلامٍ أو كفرٍ ليس وصفًا لازمًا لا ينفكّ عنها أبدًا، بل قد تتغيَّر الأحكامُ وتتبدَّل بين زمنٍ وآخرَ باختلافِ الحُكمِ والسُّلطة فيها، وطبيعةِ مَن يسكنُها، فقد تكون الدّولةُ دارَ كفرٍ في زمنٍ، وتتحوّلُ إلى دار إسلامٍ في زمنٍ آخر، وبالعكس أيضًا.

قال ابنُ تيمية في "الفتاوى": "وكونُ الأرضِ دارَ كفر ودارَ إيمان أو دار فاسقين ليست صفةً لازمةً لها؛ بل هي صفةٌ عارضةٌ بحسب سكانها ..، فإنْ سكنها غيرُ ما ذكرنا وتبدّلت بغيرهم فهي دارُهم".

وقال: "والبقاعُ تتغير أحكامُها بتغيُّر أحوالِ أهلِها، فقد تكون البقعةُ دارَ كفرٍ إذا كان أهلُها كفارًا، ثم تصير دارَ إسلامٍ إذا أسلم أهلُها كما كانت مكةُ -شرفها الله- في أول الأمر دارَ كفرٍ وحربٍ..، ثمّ لـمّا فتحها النبيُّ صلى الله عليه وسلم صارت دارَ إسلام".

وقد اتفق أهلُ العلم على أنَّ (دارَ الكفرِ) تصيرُ وتنقلب (دارَ إسلامٍ) بظهور أحكام الإسلام فيها، وتسلُّطِ المسلمين عليها.

قال الكاساني في "بدائع الصّنائع": "لا خلافَ بين أصحابنا في أنّ دارَ الكفر تصير دارَ إسلامٍ بظهور أحكامِ الإسلام فيها".

  • رابعًا:

تعدَّدت أقوالُ الفقهاء وآراؤهم في تحوّل (دار الإسلام) إلى (دار كفر) ومتى يُحكم بتحوّلها، ولهم في هذه المسألةِ خمسةُ أقوالٍ مشهورة:

أولها: أنّ الدّارَ التي ثبت كونُها دارًا للإسلام لا تصير دارَ كفرٍ مطلقًا، وإن استولى عليها الكفارُ، واندرست منها معالمُ الدِّين.

وهو ما نصَّ عليه جمعٌ مِن علماء الشافعية.

فذكر النّووي في روضة الطّالبين أنّ لدار الإسلامِ ثلاثَ صورٍ: "دَارٌ يسكنها المسلمون... ، ودارٌ فتحها المسلمون وأقَرُّوها في يد الكفّار ِبِجزيةٍ... ، ودَارٌ كان المسلمون يسكنونها ثم جَلَوْا عنها، وغَلَبَ عليها الكفاّر".

وقال ابنُ حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج": "ما حُكم بأنّه دارُ إسلامٍ لا يصير بعد ذلك دارَ كفرٍ مطلقًا".

وقال الرّملي في "نهاية المحتاج": "ومِنها -أي: مِن دار الإسلام- ما عُلم كونُه مسكنًا للمسلمين، ولو في زمنٍ قديمٍ، فغلب عليه الكفّارُ كقرطبةَ؛ نظرًا لاستيلائنا القديم".

وثانيها: أنّ (دارَ الإسلام) لا تتحوّل إلى (دار كفرٍ) إلا باجتماعِ شروطٍ ثلاثةٍ تدلُّ على تمام القهر والغلبة للمشركين عليها.

وهو قول الإمام أبي حنيفة.

قال التّمرتاشي الحنفي في "تنوير الأبصار": "لا تصيرُ دارُ الإسلامِ دارَ حربٍ إلا: بإجراء أحكام أهلِ الشّركِ، وباتّصالها بدارِ الحرب، وبأنْ لا يبقى فيها مسلمٌ أو ذميٌّ آمنًا بالأمانِ الأوّلِ".

وثالثها: أنّ (دارَ الإسلامِ) لا تتحوّل إلى (دارِ كفرٍ) بمجرّد استيلاء الكفّار عليها، وإظهار أحكامهم فيها ما دام المسلمون يقيمون شعائرَ الإسلام فيها.

قال الدّسوقي -مِن المالكية- في حاشيته على "الشّرح الكبير": "بلادُ الإسلام لا تصير دارَ حربٍ بمجرَّد استيلائِهم عليها، بل حتى تَنقطعَ إقامةُ شعائرِ الإسلامِ عنها، وأمّا ما دامت شعائرُ الإسلامِ أو غالبُها قائمةً فيها: فلا تصيرُ دارَ حرب".

ورابعها: أنّ (دار الإسلام) تتحول إلى (دار كفر) إذا استولى عليها الكفّارُ، وأظهروا أحكامَ الكفر فيها.

وهو قول أبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة، وقال به بعضُ الحنابلة.

قال الكاساني في "بدائع الصنائع": "وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: إنَّها تصيرُ دارَ الكفر بِظهورِ أحكامِ الكفرِ فيها... فإذا ظهرَ أحكامُ الكفر في دارٍ فقد صارت دارَ كفر".

وخامسها: أنّ الدّيارَ الإسلاميةَ التي استولى عليها الكفّارُ، وأظهروا فيها أحكامَهم، ولكن بقي أهلُها مِن المسلمين: لا تتحوّل إلى دار كفرٍ ولا تكون دارَ إسلام، بل تكون دارًا مركّبة مِن الأمرين.

وهو قولُ ابنِ تيمية كما في فتواه الشّهيرة في أهل "ماردين"، وهي بلدةٌ أهلُها مِن المسلمين، ودخل جندُها وحكامُها تحت سلطة التّتار.

قال ابن تيمية في "الفتاوى": "وأمّا كونها دارَ حربٍ أو سِلْمٍ فهي مركَّبةٌ: فيها المعنيان؛ ليست بمنزلةِ دارِ السِّلمِ التي تجري عليها أحكامُ الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلةِ دارِ الحربِ التي أهلهُا كفّارٌ، بل هي قسمٌ ثالثٌ، يُعامَل المسلمُ فيها بما يستحقُّه، ويقاتَل الخارجُ عن شريعة الإسلام بما يستحقّه".

هذا مجملُ أقوال الفقهاء في المسألة، وهي مِن مسائل الاجتهاد النازلة بعد عهد الصّحابة والتّابعين، وليس فيها نصٌّ شرعيٌّ حاسم.

والذي يظهر أنّه أقربُ لأصول الشّريعة ومقاصدها: أنَّ (دارَ الإسلام) لا تتحوُّل إلى (دارِ كفرٍ) إلا إذا غلب عليها الكفّارُ أو المرتدّون، وظهرت فيها أحكامُ الكفر، واندرست منها معالمُ الدّين وشعائرُ الإسلام الظّاهرة، كالأندلس.

أمّا إذا لم تكن أحكامُ الكفر هي الظّاهرة، أو بقيت شعائرُ الإسلام ظاهرةً مِن أذانٍ وصلاةِ جماعةٍ وجمعة وصيام وأعياد ونحوها، والمسلمون هم أهل البلد: فلا تكون دارَ كفرٍ، ولو كان حكامُها وذوو السّلطان فيها لا يحكمون بشريعة الإسلام.

وقد سُئل الأمير الصنعاني (ت 1182 هـ) عن عَدَن هل هي دارُ كفرٍ أم إسلام؟ مع أنّ أكثرَ أهلِها مِن المسلمين تُقام فيهم الجمعة والجماعة، ولكن الشّوكة فيها للإفرنج، وكذلك نظائرها مِن بلاد الهند.

فقال: "أمّا الأقطار التي استولى عليها المسلمون، وغلبوا عليها منذ الفتوحات الإسلامية أيام الدّولتين الأموية والعبّاسية وهلمّ جرّا، فبعد ظهور كلمة الإسلام بهذا المعنى هي دارُ الإسلام ... فمتى علمنا يقينًا ضروريًا بالمشاهدة أو السّماع المتواتر أنّ الكفّارَ استولوا على بلدٍ مِن بلاد الإسلام التي تليهم، وغلبوا عليها وقهروا أهلَها، بحيث لا يتمُّ لهم إبرازُ كلمة الإسلام إلا بجوارٍ مِن الكفّار: صارت دارَ حرب وإن أقيمت فيها الصّلاة".

ثمّ قال: "وبما حرّرناه تبيّن لك: أنّ عدن وما والاها إنْ ظهرت فيها الشهادتان والصّلوات -ولو ظهرت فيها الخصال الكفرية - بغير جوار: فهي دارُ إسلامٍ، وإلا فدار حرب، وكذا سائر بلاد الهند وما والاها، الحكم عليها بهذا الاعتبار".

نقله عنه صدّيق حسن خان في كتابه "العبرة بما جاء في الغزو والشّهادة والهجرة".

ومقصودُ كلامه: أنّ الشّعائرَ الإسلاميّةَ إذا كان يفعلها المسلمون بقوّتهم ونفوذهم: فهي دارُ إسلامٍ، بخلاف البلادِ التي لا يستطيع المسلمون إظهارَ شعائرِ دينهم إلا بإذن الحاكم وحمايته.

وقال أحمد الرّومي الحنفي (1041 هـ) في كتابه "مجالس الأبرار ومسالك الأخيار": " وكان عند المائة السّادسة خروجُ التّتار، وعمومُ فسادهم حتى إنّ العلماءَ حكموا بكفرهم، واختلفوا في البلاد التي استولوا عليها : هل هي مِن بلاد الإسلام أم لا؟".

وقالوا: البلاد التي في أيديهم اليوم لا شكَّ أنها مِن بلاد الإسلام؛ لعدم اتّصالها بدار الحرب، ولم يُظهروا فيها أحكامَ الكفر ..وأمّا البلاد التي عليها ولاة كفارٌ -يعني مِن جهة التتار-: فيجوز فيها أيضًا إقامةُ الجمعة والعيدين، والقاضي قاضٍ بتراضي المسلمين؛ إذ قد تقرر أنّ بقاءَ شيءٍ مِن العلة يُبقي الحكمَ، وقد حكمنا بلا خلافٍ بأنّ هذه الدّيارَ قبل استيلاء التتار مِن ديار الإسلام، وبعد استيلائهم : إعلانُ الأذان، والجمع والجماعات، والحكمُ بمقتضى الشّرع والفتوى : ذائعٌ ، بلا نكيرٍ مِن ملوكهم، فالحكمُ بأنها مِن بلاد الحرب لا جهةَ له.

وإعلانُ بيعِ الخمر، وأخذُ الضّرائب والمكوس برسم التّتار : كإعلان بني قريظة في المدينة بالتّهوُّد، وطلب الحكم مِن الطّاغوت في مقابلة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كانت المدينةُ بلدةَ الاسلام بلا ريب".

  • خامسًا:

بناءً على ما سبق، فإنّ البلادَ الإسلاميّةَ اليوم بمجملها (دارُ إسلام)؛ لأنها تحت سلطان المسلمين وهم المالكون لها، وتظهر فيها أحكامُ الإسلام وشعائره، ولا يُخرجها عن ذلك ما فيها مِن حكمٍ بالقوانين الوضعية؛ فالحكم على الدّار ليس حكمًا بالضّرورة على السُّلطة الحاكمة لها.

ويدلُّ على ذلك:

1- أنّ الأصلَ في الشّرع بقاءُ ما كان على ما كان، ولا يُنتقل عن حُكم الأصل حتى يثبت ما ينقله، فالبلدُ الذي ثبت كونُه مِن دار الإسلام بيقينٍ لا يتغيّر حكمُه حتى يثبت الدّليلُ السّالمُ مِن المعارض المقتضي لذلك.

وكما ينبغي التّحرُّز في الحكم على المسلم بكفرٍ طرأ عليه، فكذلك ينبغي التّحرُّز في الحكم على البلاد حتى يتحقّق الموجِب الشّرعي لذلك، وينتفي المانع.

قال الكاساني في "بدائع الصّنائع": "فلا تصيرُ دارُ الإسلامِ بيقينٍ: دارَ الكفرِ بالشّكِّ والاحتمالِ، على الأصلِ المعهود: أنّ الثّابتَ بِيَقينٍ لا يزولُ بالشّكِّ والاحتمالِ".

وهذه البلادَ كانت (دارَ إسلام) في السّابق بالاتفاق، ولم يثبت ما يوجب تحوّلها إلى ديار كفرٍ.

2- أنّ الشّرعَ عدَّ الشّعائر الظّاهرة مِن العلامات الفارقة التي يُستدلّ بها على دار الإسلام.

ولاشكَّ أنّ ظهورَ شعائر الدّين كالأذان وصّلاة الجمعة والجماعة، والحضّ على فعلِها يدلُّ دلالةً واضحةً على تمكّن الإسلام في تلك الدّيار.

قال أبو بكر الإسماعيلي في "اعتقاد أئمة أهل الحديث": "ويرون -يعني أهلَ السّنة- الدّارَ دارَ الإسلامٍ، لا دارَ الكُفر -كما رأته المعتزلةُ-: مادام النّداءُ بالصّلاةِ والإقامةُ ظاهرَينِ، واهلُها متمكّنين منها آمنين".

وقال ابنُ عبد البر في "الاستذكار": "ولا أعلمُ خلافًا في وجوبِ الأذانِ جملةً على أهل الأمصار؛ لأنّه مِن العلامة الدّالة الـمُفرِّقةِ بين دار الإسلام ودار الكفر".

وقال ابنُ رجبٍ في "فتح الباري": "إنه صلى الله عليه وسلم كان يجعل الأذانَ فَرْقَ ما بين دار الكفر ودار الإسلام، فإنْ سمع مؤذنًا للدّار ... كفَّ عن دمائهم وأموالهم".

وقال ابنُ تيمية في كتابه "النّبوات": "ومِن الدّلائل: الشّعائر؛ مثل شعائر الإسلام الظّاهرة، التي تدلّ على أنّ الدّار دارُ الإسلام؛ كالأذان، والجُمَع، والأعياد.

وفي الصّحيحين: عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يُغِرْ حتى يصبحَ، فإن سمع أذانًا أمسك، وإنْ لم يسمع أذانًا أغار بعدما يصبح".

3- أنّ هذه البلادَ كانت (دارَ إسلام) في السّابق بالاتفاق، ولا يزال غالبُ سكانها يعلنون الإسلامَ جهارًا نهارًا، فكيف يُحكم بتحوّلها لديار كفرٍ وهذا حالهم؟

قال ابنُ تيمية في "الفتاوى": "فكلُّ أرضٍ سكّانُها المؤمنون المتقون هي دارُ أولياءِ الله في ذلك الوقت، وكلُّ أرضٍ سُكّانها الكفّار فهي دارُ كفرٍ في ذلك الوقت".

4- أنّ المسلمين آمنون في هذه البلاد على دمائهم وأموالهم وأنفسهم بنفوذهم، وإذا أمن المسلمون في الدّار فذلك علامةٌ على ملكهم للدّار.

وفي ذلك يقول السّرخسي في "شرح السِّيَر الكبير": "إنَّ دارَ الإسلامِ اسمٌ للموضع الذي يكون تحتَ يدِ المسلمين، وعلامةُ ذلك أنْ يأمنَ فيه المسلمون".

5- أنّ التّغيُّرَ الحاصل للأحكام الشّرعية بالقوانين الوضعية ليس كاملًا، ولا غالبًا في كثير مِن تلك البلاد، فالأحكامُ الشّرعيةُ تُطبّق ويُقضى بها في مجالاتٍ متعدّدة؛ منها: أحكامُ الأسرة والأحوال الشّخصية بشكلٍ عام، وما يتعلق بالشّؤون الإسلامية والأوقاف والمؤسسات الشّرعية ونحوها، كما أنَّ بعضَ تلك البلاد يُحكم فيه بمقتضى الفقه الإسلامي في كثير ِمِن المعاملات المالية تحت ما يُعرف بالقانون المدني، وإن كان فيها ما هو وضعي كالربا ونحوه. فتطبيقُ هذه الأحكام وظهورُها مع بقاء غالب الشّعائر الإسلامية، ومظاهر الدّين في المجتمع، وسعي المسلمين لتطبيق دينهم، والدّعوة إليه، ومدافعة ما يخالفه: كافٍ في بقاء وصف الإسلام للدّار.

6- أنّ أحكامَ الكفّار ليست ظاهرةً في هذه البلاد، بل الظّاهرُ هو أحكام الإسلام، ومِن الخطأ قصرُ أحكام الإسلام على الحدود والقوانين فهي جزءٌ مِن أحكام الإسلام، وليست كلَّه.

فظهورُ أحكام الشّريعة يشمل كلَّ ما أمر به الشّارعُ، وكان مِن معالم الدّين، وأعلام الملّة كتوحيد الله تعالى، والإقرار بدين الإسلام، والرّسالة، ورفع الأذان، وبناء المساجد، وإقامة الجمع والجماعات، والدّعوة إلى الله وتعليم الدِّين، والصّوم، والحج، والحجاب، وأحكام الأسرة، والمعاملات وغيرها، ووجودُ النّقص أو الضّعف في تطبيق أحكام الشّرع أو التّضييق في بعض جوانبه، والتّفاوت فيه مِن بلدٍ لآخر: لا يجعل تلك البلادَ ديارَ كفرٍ.

قال القاضي أبو يعلى في "المعتمد في أصول الدّين": "كلُّ دارٍ كانت الغلبةُ فيها لأحكام الإسلام دون الكفرِ فهي دارُ الإسلام".

وقال الحصكفي في "الدّر المحتار" موضحًا معنى ظهور الأحكام: "ودارُ الحربِ تصيرُ دارَ الإسلامِ بإجراءِ أحكامِ أهلِ الإسلام فيها :كجمعةٍ وعيدٍ".

ثم إنّ "ظهور الأحكام" الذي هو مناطُ الحكم على الدّار: متفاوتٌ في الدّرجة، ومما تختلف به الأزمنة والأمكنة، فالعبرةُ بغلبة الأحكام الشّرعية على أهل الدّار، وظهور الشّرائع بينهم، مع مراعاة اختلاف الأزمنة والعصور، وحال التَّمكُّن والاضطرار، ومِن أعظم تلك الأحكام: الصّلاة، وهي ذاتُ أثرٍ عظيمٍ في تحديد هوية الدّار، ولذا جعل الشّرعُ تركَ إقامتِها هو المسوِّغَ للخروج على الحاكم لأنها آخرُ ما يفقده المسلمون مِن دينهم .

ولم يزل الأمرُ منذ الخلافة الرّاشدة في تراجعٍ ونقصٍ، كما أخبر النّبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي أُمامة رضي الله عنه بقوله: (لتُنقضَنَّ عرى الإسلامِ عُروةً عُروةً، فكلّما انتقضت عروةٌ تشبّث النّاسُ بالتي تليها، وأوّلُهنّ نقضًا الحُكمُ، وآخرُهنّ الصّلاة)رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم.

قال الصّنعاني في "التّنوير شرح الجامع الصّغير "في معنى قولِه (فأوّلُهنّ نقضًا الحكمُ): "إبطالُ ما أبرمه الله وأوجبه مِن الأحكام الشّرعية كما قد وقع ذلك، وقيل : نقضُ القضية بعد إبرامِها على الوجه الشّرعي، فتنتقض مرّاتٍ على قدرِ الدّراهم، وتبديل الأحكامُ الإِسلامية بالأحكام الطّاغوتية".

فمع إخبار النّبي صلى الله عليه وسلم بأنّ أولَ ما تفقد أمّتُه مِن عرى الإسلام الحكمُ لم يخبرْهم أنّ بلادَ المسلمين ستتحول بذلك إلى دار كفرٍ.

7- أنّ مَن قال مِن الفقهاء إنّ (دارَ الإسلام) تتحوّل إلى (دار كفر) بظهور أحكام الكفر فيها، إنّما مرادُه بذلك استيلاء الكفار على الدّيار، وفرض سيطرتهم الكاملة عليها مع تعطيل الشّعائر الإسلامية، وتطبيق الأحكام الجاهلية بحيث يكون لهم الحكم والأمر والنّهي، وليس مجردَ تطبيق بعض أحكام الكفر كالقوانين الوضعية؛ فمِن الخطأ أنْ يُنزّل هذا الحكم على بلادٍ الغلبةُ فيها والسّلطانُ للمسلمين.

جاء في "الفتاوى الهندية": "وصورةُ المسألةِ على ثلاثةِ أوجهٍ: إمّا أن يغلب أهلُ الحرب على دارٍ مِن دُورنا، أو ارتدّ أهلُ مصرٍ وغَلَبوا وأجروا أحكامَ الكفر، أو نقض أهلُ الذّمّةِ العهدَ، وتغلّبوا على دارهم".

ويوضّح ابنُ قدامة الصّورة الثّانيةَ في "المغني" بقوله: "ومتى ارتدّ أهلُ بلدٍ، وجرت فيه أحكامُهم، صاروا دارَ حرب" ، فهو يتحدّث عن ارتدادٍ لجميع أهل البلد كما فعل أتباع مسيلمة.

وواضحٌ أنّ هذه الصّورَ لا تنطبق على بلاد المسلمين اليوم: فلم يهاجم أهلُ الحرب البلاد الإسلامية، ويستولوا عليها، ويفرضوا عليها أحكامَهم، ويمنعوا المسلمين مِن تطبيق دينهم وأحكامهم، ولم يرتدّ أهلُ البلاد الإسلامية، ويعلنوا خلعَهم للإسلام، ويُظهروا أحكامَ الكفر الذي ارتدّوا إليه، ولم يتغلّب أهلُ الذّمة على بلاد المسلمين، فظهر بذلك اختلافُ هذه الصّوَر عن البلاد الإسلامية التي تُحكم بالقوانين الوضعية في بعض الجوانب أو معظمها.

ثمّ إنّ ظهورَ الكفّار على بلدٍ مِن البلدان في السّابق يعني قهرَهم وإخراجهم منها، أو إجبارَهم على تركِ دينهم، أو منعَهم مِن شعائره وأحكامه، كما كان الحال في الأندلس وغيرها، وهذا يختلف عن الدّار التي حكمها بعضُ أهلها مِن غير المسلمين، وما زال المسلمون فيها على دينهم ظاهرين مستعلنين.

والحاصلُ: أنّ عمومَ بلادِ المسلمين اليوم لم يتحوّلْ إلى دار كفرٍ، مع التّسليم بوقوعِ تغيّرٍ كثيرٍ في أحوالها، واختلاطِ حُكْمِ كثيرٍ منها بالقوانين الوضعية.

  • سادساً:

القولُ بتحوّل جميعِ بلاد المسلمين إلى دارِ كفرٍ مِن الأقوال المنكرة المخالفة للشّريعة، ولا يتّفق مع أيٍّ مِن أقوال أهلِ العلم السّابقة في تحوُّل دار الإسلام إلى دار الكفر.

لا سيما وأنّ القائلين بأنّ ديارَ المسلمين اليوم دارُ كفرٍ يعمّمون ذلك، ولا يستثنون شيئًا مِن البلاد، ولا حتى مكة والمدينة، وقد دلّت الأدلةُ الشرعية، وأقوالُ أهل العلم على بقاء الحرمين دارَ إسلامٍ إلى يوم القيامة.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا هجرةَ بعد الفتح، ولكن جهادٌ ونيّةٌ، وإذا استُنفرتم فانفروا)متفق عليه.

قال ابن حجر في "فتح الباري": "وتضمّن الحديثُ بشارةً مِن النبي صلى الله عليه وسلم بأنّ مكةَ تستمرُّ دارَ إسلامٍ"، وقال: "وفي الحديث بشارةٌ بأنَّ مكةَ تبقى دارَ إسلامٍ أبدًا".

وقال النّووي في "شرح صحيح مسلم": "وهذا يتضمّن معجزةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها تبقى دارَ الإسلامِ، لا يُتصوّر منها الهجرةُ".

وذكر ذلك أيضًا شرّاحُ الحديث كالطّيبي، والكرماني، والعيني، والسيوطي، والمناوي وغيرهم.

وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النّبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنّ الشّيطانَ قد أيس أن يعبده المصلّون في جزيرة العرب، ولكن في التّحريش بينهم)رواه مسلمٌ.

قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي": "ولك أنْ تقولَ: معنى الحديث أنّ الشّيطانَ أيس مِن أن يتبدّلَ دينُ الإسلامِ، ويظهرَ الإشراك ويستمرّ، ويصيرَ الأمرُ كما كان مِن قبل، ولا ينافيه ارتدادُ مَن ارتدّ..".

وعن الحارث بن مالك ابن البرصاء قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يقول: (لا تُغزى هذه بعدَ اليومِ إلى يوم القيامة)رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.

قال سفيانُ بن عيينة: "تفسيرُه أنهم لا يَكفرون أبدًا, ولا يُغزَون على الكُفرِ" أسنده الطّحاوي في "شرح مشكل الاثار"، وقال: "لا تعودُ مكةُ دارَ كفرٍ تُغزى عليه".
 

  • سابعاً:

اتفق أهلُ العلم على أنّ العصمةَ تتعلّق بالسّكان، لا بالدّور، فالمسلمُ معصومُ الدّم والمال سواء كان في دار الإسلام أو دار الكفر.

قال الإمامُ الشّافعي في "الأم": "فأمّا المسلمُ فحرامُ الدّمِ حيثُ كان، ومَن أصابه أَثِمَ بإصابته إن عَمَده، وعليه القودُ -أي القِصاص- إنْ عرفه فعَمَد إلى إصابته، والكفارةُ إن لم يعرفْه فأصابه".

وقال: "وإنّما يحرم الدّمُ بالإيمان كان المؤمنُ في دار حربٍ أو دار إسلامٍ".

وقال ابنُ تيمية: "دماءُ المسلمين وأموالُهم محرّمةٌ حيث كانوا".

وقال الشّوكاني في "السّيل الجرّار": ".. مال المسلم ودمه معصومان بعصمة الإسلام في دار الحرب وغيرها".

ولا تلازمَ بين الحكمِ على الدّار أو الرّاية وبين الحكمِ على السّكّان مِن حيث الإيمان والكفر، فقد تكون الدارُ دارَ إسلام ومعظمُ أهلِها مِن غير المسلمين، كحال خيبرَ بعد فتحها، وكذلك مصر التي كان يسكنها الأقباط بعد فتحها في زمان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وقد تكون دارَ كفرٍ مع أنّ كثيرًا مِن سكانها مِن المسلمين كبعض المدن والأحياء التي يكثر فيها المسلمون في بلاد الغرب.

وذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنه لا فرق بين (دار الإسلام) و(دار الكفر) فيما شرعه اللهُ مِن أحكامٍ، فما حرّمه اللهُ سبحانه أو أوجبه على عبادِه لا يختلف حكمُه باختلاف الدّار، فالمسلمُ المقيم في دار الكفر يحرم عليه ما يحرم في بلاد الإسلام مِن معاملات ومحرمات ونحوها.

قال الإمام الشافعي في الأم: "مما يَعقِلُه المسلمونَ ويجتمعون عليهِ: أنَّ الحلالَ في دارِ الإسلامِ حلالٌ في بلادِ الكفرِ، والحرامَ في بلادِ الإسلامِ حرامٌ في بلادِ الكفر".

وقد وقع الخلافُ بين أهل العلم في بعض الفروع الفقهية المتعلّقة بطبيعة الدّار كالمنع من نكاح الكتابية في دار الكفر، والقِصاص مِن الذّمي الذي قتل ذمّيًا في دار الكفر إذا رجع إلى بلاد الإسلام.

  • ثامناً:

وقع الغلوُّ والانحراف عند بعض الجماعات المعاصرة في مسائلَ عديدةٍ تتعلّق بالدّيار، منها:

1- اعتبارُ جميع ديار الأرض -إلا الأراضي التي تغلّبوا عليها- ديارَ كفرٍ وحربٍ حتى مكّة والمدينة كما سبق، وإعلانُ القتال على جميع بلاد المسلمين باعتبارها ديارَ كفرٍ وردّة، مع تكفير حكوماتها، وجيوشها، ورجال أمنها، ومَن يرضى بها، وإيجاب حمل السّلاح لمواجهتها وحربها على كلّ قادرٍ داخلَها وخارجَها، ثمّ زادوا على ذلك فلم يعتبروا شروط الاستطاعة والقدرة، ومراعاة المآلات.

2- فرضُ الهجرة على مَن كان خارجَ مناطقهم إلى بلادهم، مع أنّ الهجرةَ لا تجب على مَن يعيش في بلاد الكفار إلا في حالاتٍ معينة بضوابطها، وللوقوف عليها يمكن مراجعة

فتوى: حكم هجرة السّوريين إلى بلاد غير المسلمين، والتجنس بجنسيتها.

وفتوى: حكم مَن أُكره على الالتحاق بحملة التجنيد الإجباري لجيش النّظام السّوري.

3- زعمهم أنّ مِن أوجب الواجبات إقامةَ إمارةٍ إسلامية على أيِّ جزءٍ مِن الأرض لتشكّل (دارَ الإسلام) المفقودة اليوم؛ لتطبّقَ فيها الشّريعة، وينفر إليها المهاجرون، ومنها تخرج الجيوش وتفتح الأرض بعد ظلام الجاهلية ابتداءً مِن بلاد الرّدة (بلاد المسلمين) وانتهاءً ببلاد الكفار الأصليين، وقد سبق بيانُ عدم خلوّ الأرض مِن ديار الإسلام.

4- استحلالُ الدّماء والأموال المعصومة والتّهاون بقتل المسلمين بحجّة التترّس تارةً، ولمصلحة الجهاد تارةً أخرى، وتجويزُ قصدِ شرائحَ واسعةٍ مِن المسلمين بالقتل؛ لحكمهم بكفرهم وردّتهم تحت دعاوى مظاهرة الحكّام كعناصر الجيش والشرطة، وحثّهم على الغدر بهم، والخيانة لهم.

5- استباحةُ دماء المعاهدين مِن الذّمّيين والمستأمنين بحجّة عدمِ صحّة عقد الذمّة أو الأمان مِن الحكومات؛ لأنها كفرية طاغوتية بزعمهم، وللمزيد تراجع فتوى: هل يجوز الاعتداء على النصارى من أهل البلاد الإسلامية؟.

  • وأخيرًا:

فالصّوابُ عدمُ التّسليم بكون بلاد المسلمين التي يُحكم فيها بالقوانين الوضعية، أو التي يحكمُها غيرُ المسلمين كالمناطق الخاضعة للنّظام السّوري دارَ كفرٍ، وعدمُ صحة ما يُبني على ذلك مِن مسائل، كالقول بوجوب الهجرة العامة مِن تلك المناطق، أو جواز استهداف الآمنين فيها بدعوى التّترس، أو مهاجمتها بما يعمُّ قتلُه.
والحمد لله رب العالمين.

1 - رواه مسلم
2 - رواه النّسائي وابنُ ماجه بإسنادٍ حسن
3 - رواه الطبراني في المعجم الكبير
4 - رواه البخاري في صحيحه
5 - رواه أحمد وصححه ابن حبان والحاكم
6 - متفق عليه
7 - رواه مسلمٌ
8 - رواه الترمذي وقال: حسن صحيح