السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادي اول 1446 هـ

بحوث ودراسات

تحرير موقف الصحابة من المرتدين

09 ذو القعدة 1437 هـ


عدد الزيارات : 19778
سلطان العميري

 

يكشف الباحث الدكتور: سلطان العميري في هذا البحث حقيقة موقف الصحابة من حادثة الردة، ويبيّن أبعادها الشرعية.

وقد عالج الموضوع  من خلال دراسة ثلاث قضايا:

الأولى: تحرير موقف الصحابة في حكم المرتدين، وهل كانوا يكفرون كل أصنافهم أم لا؟!

وفيها:

  • بيان حقيقة اسم الردّة، وعلى من يطلق.

  • تحرير أقوال العلماء في موقف الصحابة من تكفير المرتدين. 

  • ذكر الراجح وتأييده بالأدلة.

الثانية: تحرير موقف الصحابة في قتالهم، وهل كانوا مجمعين على ذلك أم لا؟!!

والنتيجة النهائية للبحث في هذه القضية هي: أن وجوب قتال المرتدين ثابت بإجماع الصحابة، فهو من المسائل المجمع عليها التي لا يدخل الخلاف فيها في دائرة الاجتهاد، وأن ما أجمع عليه الصحابة ليس مجرد فعل سياسي مصلحي محض، وإنما هو أمر شرعي له دلالات شرعية عديدة.

الثالثة: بيان السبب المؤثر والمناط الحقيقي الذي دعا الصحابة لقتالهم. وفيها:

  1. ذكر أصناف المرتدين.

  2. دلالات الحوار الذي دار بين أبي بكر وعمر حول المرتدين.

  3. أقوال العلماء الدالة على إجماع الصحابة على قتال المرتدين جميعهم.

  4.  مسألة: إذا اختلف علماء عصر على قولين، ثم رجع المتمسكون بأحد القولين إلى القول الآخر، وصاروا مطبقين عليه؛ فهل يعدّ إجماعاً؟

والنتيجة التي وصل إليها: أن قتال الصحابة للمرتدين إنما كان لأجل البعد الديني، وهو الارتداد عن الإسلام والانخلاع منه، أو لأجل أنهم لم يلتزموا بشعيرة من شعائره الأساسية.
ثم ناقش المؤلف الرؤية المعاصرة التي تفسّر حروب الردة تفسيراً سياسياً، وبيّن أنها رؤية مخالفة للأدلة والشواهد المنقولة، وهي أيضاً لم تعتمد على مبررات صحيحة سالمة من الخلل، وبالتالي فإنها رؤية خاطئة غير مقبولة.


تعد ظاهرة الردة من أكبر الحوادث التي مرَّت بالصحابة، وهي من الحوادث التاريخية المهمة التي لها أبعاد معرفية وشرعية وسياسية عديدة، وهي عبارة عن حال ارتداد واسعة وقعت من بعض قبائل العرب في الجزيرة عن قبولهم الإسلام أو بعض شرائعه، وقام الصحابة -رضي الله عنهم- بمقاومتها ومواجهتها، ودامت الحروب فيها سنة كاملة، وذكر بعض الباحثين أنه قتل فيها من الطرفين ما يُقارب ستون ألفاًانظر: حروب الردة، محمد أحمد باشميل (5)..

وكُتبتْ في تاريخها ومشاهدها كتابات تاريخية كثيرة في القديم والحديث، بل إن بعض المؤرخين أفرد لها مؤلفات خاصة، مثل كتاب: الردة، للواقدي، وكتاب: الردة للمدائني، وكتاب: حروب الردة، للكلاعي، وغيرهاانظر: عصر الخلافة الراشدة أكرم العمري (391)، وأثر التشيع على الراويات التاريخية، عبدالعزيز محمد نور ولي (317)..

واهتم بأخبار الردة وتفاصيلها كبار المؤرخين من علماء المسلمين، وقد تتبعوا كثيراً من تفاصيلها، ورصدوا قدراً من مشاهدها، فتناولوا بداية تاريخها والقبائل المشاركة فيها والأوطان التي ظهرت فيها، والأسباب التي أدت إلى حدوثها، والقيادات المؤثرة فيها.

ولكن أكثر المشاهد التفصيلية المنقولة عن حادثة الردة جاءت على رواة غير موثوقين، فإن أكثر من اعتُمِد عليه في نقل مشاهدها: سيف بن عمر التميمي، وأبو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد، وهشام بن محمد الكلبي، وهؤلاء مقدوح في عدالتهم ومطعون في أخبارهمانظر في دراسة أحوال هؤلاء وغيرهم: أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري عبدالعزيز محمد نور ولي (67-130).، وهذه الحال توجب الاحتياط الشديد في التعامل مع أخبار الردة، وتحوِّل مهمة البحث في كتابة مشاهدها ودلالاتها إلى صعوبة بالغة تتطلب قدراً من الجهد والهدوء في استخلاص النتائج.

ومع ذلك فأخبار أهل الردة متفاوتة فيها بينها، وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على ذلك حيث يقول عمَّا نقل عن تلك الحادثة: «فمن ذلك ما هو متواتر عند الخاصة والعامة، ومنه ما نقله الثقات، ومنه أشياء مقاطيع ومراسيل يحتمل أن تكون صدقاً وكذباً، ومنه ما يعلم أنه ضعيف وكذب»منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (8/325)..

ومن أهم المصادر التي يمكن من خلالها توثيق قدر من مشاهد حادثة الردة، ومعرفة طبيعة عدد من المواقف الغامضة فيها: الأشعار التي قيلت في تلك المرحلة، فهي عادة تتصفُ بالصدق مع أنها لم تسلم من التحريف والكذب أو الضياع، وقد أشار المؤرخون إلى شيء منها، وجمع الأدباء بعضها، وقام بعض المعاصرين، وهو د. علي العتوم، برصد ما نُقل إلينا منها، وأخرجها في كتابه (ديوان الردة)، جمع فيه أكثر من ستمئة بيت، مع أنه أشار إلى أن كثيراً ممَّا قيل في الردة ضاع ولم يصل إليناانظر: ديوان الردة، علي العتوم (15)..

وقد اهتم العلماء بكتابة أصناف المندرجين في ظاهرة الارتداد وبيان الفروق بينها، فمنهم من يجعلهم ثلاثة أقسام، ومنهم من يجعلهم أربعة أقسام، ومنهم من يجعلهم ستة أقسام.

وهذه الحادثة لها تعليقات مختلفة، وفيها تفاصيل مطولة ومسائل متفرعة، ونتيجة لذلك كان لحادثة المرتدين ومشاهدها حضور كثيف ومتنوع في البحث العقدي والفقهي في المدونات الإسلامية المعتمدة.

وقد اختلفت تداولات العلماء لمشاهدها، وتنوعت استدلالاتهم بها واستحضارهم لها، فإن القارئ لكتب الفقه يجد لحادثة الردة ذكراً في أبواب الزكاة وفي أبواب المواريث، وحضوراً في كتاب الردة وفي أحكام القتال وفي أبواب الأسماء والأحكام لدى علماء العقيدة.

ومع طغيان التفسير المادي وضغط مفهوم الحرية الليبرالية، بدأ يطفو على السطح البحث في حادثة الردة وفي مواقف الصحابة منهم، وغدونا نشهد تقريرات وتفسيرات أخرى لمواقف الصحابة من المرتدين، تحاول تفسيرها بطريقة تنسجم مع المستجدات التفسيرية الحديثة.

وهذا كله يدعو بإلحاح إلى الكتابة من جديد في بيان موقف الصحابة من حادثة الردة، ومحاولة الكشف عن أبعادها الشرعية.

وليس المراد من هذا البحث ذكر تفاصيل الأحداث التي مرَّت بها حادثة الردة، ولا رصد تفاصيل مواقف الصحابة منها، وإنما القصد منه دراسة أبرز المواقف الشرعية التي لها تعلق بالفكر والمعرفة.

وأهم القضايا التي ينبغي فيها كتابة موقف الصحابة ثلاث قضايا، وهي:

  1. الأولى: كتابة موقف الصحابة في حكم المرتدين، وهل كانوا يكفرون كل أصنافهم أم لا؟!

  2. والثانية: كتابة موقف الصحابة في قتالهم، وهل كانوا مجمعين على ذلك أم لا؟!

  3. والثالثة: كتابة السبب المؤثر والمناط الحقيقي الذي دعا الصحابة لقتالهم.

​ـــــــــــــــــــــــــــــ

أما القضية الأولى: وهي كتابة موقف الصحابة من حكم المرتدين:

فالوقوف على حقيقة موقف الصحابة من جميع الأصناف التي شملها اسم الردة في زمنهم تكتنفه صعوبات عديدة، وذلك أن الآثار المنقولة تتصف بالإجمال والاقتضاب الشديد، ولا تقدم جواباً بيِّناً في تحديد موقفهم من جهة الحكم عليهم بالكفر والخروج من الإسلام.

وقد اشتُهر عند كثير من المتأخرين القول: إن الصحابة كانوا مجمعين على كفر كل من قاتلوهم في أحداث الردة، وإذا رجعنا إلى مواقف العلماء المتقدمين نجد أنهم لم يتفقوا على نقل موقف واحد، وإنما اختلفت أقوالهم في تحديد موقف الصحابة من هذه القضية على قولين:

  • القول الأول:

من يقول: إن الصحابة كانوا مجمعين على أن كل من دخل تحت اسم الردة كافر خارج عن الإسلام، وإنهم كانوا يحكمون على كلِّ من قاتلوهم بالكفر والردة عن الإسلام، إما لأنهم خرجوا عن جملة الإسلام وتركوا الدين واتبعوا المتنبئين، وإما لأنهم طوائف ممتنعة وقاتلوا الصحابة على أمر ظاهر في الدين.

ومن أقدم من يدلُ ظاهر كلامه على أن الصحابة كانوا مجمعين على كفر كلِّ من اندرج في ظاهرة الردة: أبو عبيد القاسم بن سلام، فإنه لما ذكر قضية الإقرار بالزكاة والامتناع عن أدائها وحكم عليهم بالكفر قال: «والمصدق لهذا: جهاد أبي بكر -رضي الله عنه- بالمهاجرين والأنصار على منع بعض العرب للزكاة، كجهاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهل الشرك سواء، لا فرق بينهما في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام الأموال، فإنما كانوا لها غير جاحدين بها»كتاب الإيمان، أبو عبيد القاسم سلام (17).، فهذا التقرير من أبي عبيد يدلُ في ظاهره على أنه يرى أن الصحابة -المهاجرين والأنصار كانوا يعدّون مانعي الزكاة كفاراً، لأنهم عاملوهم معاملة الكفار.

وممَّن نصَّ على ذلك: أبو يعلى الفراء حيث يقول: «وأيضاً فإنه إجماع الصحابة، وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانع الزكاة، وقاتلوه وحكموا عليه بالردة، ولم يفعلوا مثل ذلك بمن ظهرت منه الكبائر، ولو كان الجميع كفاراً لسَوّوا بين الجميع»مسائل الإيمان، أبو يعلى (330).، ومع هذا فلا بد من التنبيه على أن أبا يعلى له تقريرات أخرى تخالف في ظاهرها ما قرره هناانظر: الأحكام السلطانية، أبو يعلى (53)..

وممَّن يدلُ ظاهر كلامه على نقل إجماع الصحابة على كفر كلِّ المرتدين: الجصَّاص، فإنه قال معلقاً على قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: 65]، قال: «وفي هذه الآية دلالة على أن مَن ردَّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو خارج من الإسلام، سواء أكان ردّه من جهة الشك أم ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة في حكمهم بارتداد من امتنع عن أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم، لأن الله –تعالى- حكم بأن من لم يُسلم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وحكمه فليس من أهل الإيمان»أحكام القرآن، الجصاص (2/268)..

وممَّن يدلُ ظاهر بعض كلامه على أن الصحابة كانوا مجمعين على تكفير كل المرتدين: ابن تيمية، حيث يقول في بعض تقريراته: «وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلّون الخمس ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها وإن أقروا بالوجوب كما أمر الله»مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/519)..

وهناك تقرير آخر أصرح من السابق، ولكن إنما أُخر لأنه لم يوجد في شيء من كتب ابن تيمية المطبوعة، وإنما نقله عنه علماء الدعوة النجدية، وهو قوله: «والصحابة لم يقولوا: أأنت مقرٌّ لوجوبها أو جاحد لها؟ هذا لم يعهد عن الخلفاء والصحابة، بل قد قال الصديق لعمر رضي الله عنهما: والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها، فجعل المبيح للقتال مجرد المنع لا جحد الوجوب، وقد روى أن طوائف منهم كانوا يقرّون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم جميعاً سيرة واحدة، وهي قتل مقاتلتهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعاً أهل الردة»مفيد المستفيد في حكم جاهل التوحيد، محمد بن عبدالوهاب (154)، والدرر السنية (8/131)..

ولكن ابن تيمية له تقريرات أخرى تقتضي في ظاهرها أنه يرى أن الصحابة كانوا يفرّقون بين أصناف المرتدين، فيجعلون بعضهم كفاراً، كأتباع مسيلمة الكذاب، وبعضهم مسلمين لهم أحكام أهل القبلة، ومن تلك التقريرات: أنه جعل قتال مانعي الزكاة من جنس قتال أهل القبلة، فقال: «والعلماء لهم في قتال من يستحق القتال من أهل القبلة طريقان: منهم من يرى قتالاً علي يوم حروراء ويوم الجمل وصفين كله من باب قتال أهل البغي، وكذلك يجعل قتال أبي بكر لمانعي الزكاة، وكذلك قتال سائر من قوتل من المنتسبين إلى القبلة، كما ذكر ذلك من ذكره من أصحاب أبي حنيفة والشافعي ومن وافقهم من أصحاب أحمد وغيرهم»مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/515). رحمهم الله.

وهو كثيراً ما يقرن بين مانعي الزكاة والخوارج، ويجعل قتالهم من جنس واحد، وقد استحضر هذين الصنفين في مقامات عديدة، وأكد على أن نوع القتال فيهما مختلف عن قتال أهل البغي، وكرر الاستدلال بهما على تأسيس مشروعية قتال الطائفة الممتنعة في عدة مواطنانظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/512، 545، 557).، فإذا ضممنا هذا الاطراد في الاقتران مع تصريحه بعدم كفر الخوارج فإنه يفيد في ظاهره أن مانعي الزكاة ليسوا كفاراً كالخوارج لأنه جعل قتالهم من جنس واحد.

ومن النصوص الداخلة في هذا الاتجاه قوله: «فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة، وأقرَّ أولئك بالزكاة بعد امتناعهم منها ولم تسب لهم ذرية، ولا حبس منهم أحد»منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/348).، فهو يقتضي في ظاهره أن الصحابة لم يعاملوا مانعي الزكاة معاملة باقي المرتدين.

وهذه الاعتبارات تجعل نسبة القول إلى ابن تيمية -رحمه الله- بأنه يرى إجماع الصحابة على تكفير كل المرتدين محل تردد، وتؤكد على أن كتابة رأيه في هذه القضية يحتاج إلى مزيد بحث وكتابة وجمعٍ للنصوص وتحليلٍ دقيق لها.

ومن أشهر من تبنى القول بإجماع الصحابة على تكفير كلِّ من قاتلوهم في ظاهرة الردة: كثير من أئمة الدعوة النجدية، فإنهم نصُّوا في مواطن عديدة على أن الصحابة كانوا مجمعين على تكفير من قاتلوهم على منع الزكاة، وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعد نقله عن بعض كلام ابن تيمية: «ومن أعظم ما يحلُّ الإشكال في مسألة التكفير والقتال عمَّن قصده اتباع الحق: إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- على قتال مانعي الزكاة، وإدخالهم في أهل الردة وسبي ذراريهم»مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، محمد بن عبدالوهاب (156).، وكرر التنصيص على نقل الإجماع عدد من علماء الدعوة النجديةانظر: الدرر السنية (10/179)، ومصباح الظلام، عبداللطيف بن حسن آل الشيخ (359-360)، وتبرئة الشيخين، سليمان بن سحمان (127)، ومجموع فتاوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/202)..

وقد بالغ بعض المعاصرين وربط بين القول بتكفير الصحابة لكلِّ المرتدين وبين قول أهل السنة في الإيمان، ووصف القول الآخر الذاهب إلى أن الصحابة لم يكفروا كل المرتدين بأنه متأثر بمذهب المرجئة وجارٍ على مقتضى أصولهم!

ولكن هذا الوصف مشكل جداً، لأن أظهر من تبنى القول الآخر وقرره هو الإمام الشافعي، فكيف يكون متأثراً بمذهب الإرجاء؟!  ثم إن تصرفات المحققين من العلماء - كابن تيمية وغيره- لا تدلُّ على ذلك، فلو كان القول الآخر متأثراً بالمرجئة، فلماذا لم ينبّه عليه ابن تيمية؟ ولو تأملنا طريقة استدلال العلماء في هذه القضية ومنهجية بنائهم لآرائهم لوجدنا أنها منفصلة عن الانطلاق من أصول المرجئة، وكون بعض المرجئة ينطلق في هذه القضية من أصوله في الإيمان، ليس معناه أن كل من وافقه على قوله يكون موافقاً له في أصوله أو منطلقاً منها.

وعند التأمل في تقريرات المتبنين لهذا القول نجد أنهم استدلوا على نسبة الإجماع إلى الصحابة بعدة أدلة ترجع في مجملها إلى ثلاثة أدلة:

♦الدليل الأول: هـو أن أبا بكر والصحابة -رضي الله عنهم- عاملوا المرتدين معاملة الكفار، وطبقوا عليهم أحكامهم من غير تفريق بين أصنافهم.

ومن الآثار التي تدلُّ على ذلك: ما جاء عن طارق بن شهاب، قال: «قدم وفد بزاخة، من أسد وغطفان، على أبي بكر، يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا له: هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية؟ فقال: أن تنزع منكم الحلقة والكراع وتتركوا أقواماً تتبعون أذناب الإبل، حتى يرى اللهُ خليفةَ نبيه والمهاجرين أمراً يعذرونكم به، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردوا إلينا ما أصبتم منا، وتَدُوا قتلانا، وتكون قتلاكم في النار»أخرجه: أبو عبيد القاسم ابن سلام في الأموال (254)، وابن زنجويه في الأموال من طريق أبي عبيد (742)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33400)، وسعيد بن منصور في السنن (2/316)، وإسناده صحيح.، فهذا الأثر يدلُّ على أن الصحابة كانوا يرون المرتدين كفاراً لأنهم حكموا على قتالهم بالنارانظر: المغني، ابن قدامة (4/9)..

وممَّا يدلُّ على ذلك أيضاً: أن الصحابة أسروا المرتدين وغنموا أموالهم واسترقوا نساءهمانظر: تاريخ الطبري (3/316، 318، 330، 342، 378)، والبداية والنهاية، ابن كثير (9/482، 503)، وكتاب الردة، الواقدي (253).، ولو كانوا يرونهم مسلمين ما فعلوا بهم ذلك.

ولكن الاستدلال بهذه الآثار في إثبات أن الصحابة كانوا يكفرون كلَّ المرتدين حتى مانعي الزكاة ليس قوياً، لأنها ليست صريحة في أنهم -رضي الله عنهم- عاملوا كلَّ أصناف المرتدين معاملة الكفار، فمن المعلوم أن المرتدين كانوا أصنافاً كثيرة، وكثير منهم ممَّن ارتدوا عن الإسلام جملة، فهناك احتمال قوي في أن الصحابة إنما تعاملوا بأحكام الكفار مع من حكموا عليه بالخروج من الإسلام وليس مع كلِّ المرتدينانظر في معني هذا الجواب: المغني، ابن قدامة (4/9).، وهذا ما يدلُّ عليه أثر طارق بن شهاب، فإن الذين خاطبهم أبو بكر بقوله ذلك هم قبيلة أسد وغطفان، وهم ممَّن ارتدوا عن جملة الإسلام، واتبعوا بعض المتنبئين وقاتلوا الصحابة على ذلكانظر: تاريخ الطبري (3/253-259)..

ولم يرد ما يدلُّ نصاً على أن الصحابة عاملوا كلَّ المرتدين معاملة الكفار، بل جاء في بعض الآثار ما يدلُّ على أنهم كانوا يقسمون المرتدين إلى صنفين، وأشار ابن تيمية في بعض كلامه إلى أن مانعي الزكاة لم تسب لهم ذرية حيث يقول: «فعمر وافق أبا بكر على قتال أهل الردة مانعي الزكاة وكذلك سائر الصحابة، وأقر أولئك بالزكاة بعد امتناعهم منها، ولم تسب لهم ذرية، ولا حبس منهم أحد»منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/348)..

♦الدليل الثاني: الاستناد إلى قتال المرتدين للصحابة، ووجه ذلك هو أن نصبَ مانعي الزكاة القتالَ للصحابة دليلٌ على عدم إيمانهم وتصديقهم بها، إذ كيف يتصور أن يكونوا مؤمنين بها، ثم يقاتلون من يدعوهم إلى فعلها، فهذه الحال لا تقع إلا ممَّن لم يكن مؤمناً بأصل وجوب الزكاة عليه.

ولكن الاستناد إلى هذا المعنى في إلحاق وصف الكفر والردة بالمانعين لدفع الزكاة في ذلك الزمن غير دقيق، لأن هناك إشارات كثيرة تدلُّ على أن المؤثرات الحقيقة في منعهم الزكاة وقتالهم للصحابة عليها هي الاعتبارات القبلية والنعرات الجاهلية، والمعروف من حال القبائل العربية في تلك الأزمان هو طغيان تلك الاعتبارات على تصرفاتهم ومواقفهم في كثير من الأحوال، وهذه الأحوال تدلُّ على أن السبب الداعي إلى قتالهم الصحابة على منع الزكاة لم يكن عدم الإيمان بها، أو على الأقل يدخل الاحتمال في ذلك، فإنّ من المحتمل جداَّ أن يكون تصلّبهم وتمنّعهم أمام الصحابة إنما كان منشؤه التعصب القبلي لا عدم الإيمان بالزكاة، وهناك إشارات أخرى تدلُّ على أنه إنما منعهم هو بخلهم وشحهم وليس كفرهم بوجوبها.

ولا بد من التأكيد هنا على أن البحث ليس في سبب منعهم للزكاة ولا في سبب ردة العرب، وإنما في سبب إصرارهم وقتالهم للصحابة على فعلهم.

وأما المعنى الذي أشار إليه ابن تيمية في كفر تارك الامتثال للعمل الظاهر مع عرضه على القتل حيث قال: «فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدُعِيَ إليها وامتنع واستتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل، فلم يصلِ حتى قتل، هل يموت كافراً أم فاسقاً؟ على قولين، وهذا الفرض باطل، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط»مجموع الفتاوى، ابن تيمية (7/219)..

فهذا المعنى صحيح ويمكن تصوره في حق المعين الذي يعرض عليه فعل الصلاة أو الزكاة، ويمتنع عن ذلك مع تهديده بالقتل، ولكن هذا المعنى لا يلزم في حق الجماعة الكبيرة الممتنعة إذا عُرض عليها القتال، فإن ورود المعنى الذي أشار إليه ابن تيمية في هذه الحال بعيد، خاصة مع قوة التأثير القبلي في زمن المرتدين والتعصب الجاهلي للأنساب، فمن المحتمل جداً أن ترفض القبيلة الكبيرة دفع الزكاة إلى الصحابة حميةً وتعصباً.


والاحتمال في المقاتلة بالنسبة إلى الجماعة الممتنعة هو أحد الأسباب التي دعت إلى جود الخلاف في تكفير الطائفة الممتنعة، فمن المعلوم أن العلماء أجمعوا على وجوب مقاتلة الطائفة الممتنعة، ولكنهم اختلفوا في إلحاق وصف الكفر بهم، ونبّه عدد من العلماء كابن قدامة وابن تيمية إلى ذلك الخلاف، وفي هذا يقول ابن تيمية حين ذكر اختلاف العلماء في تكفير الخوارج: «كما أن مذهبه في مانعي الزكاة إذا قاتلوا الإمام عليها هل يكفرون مع الإقرار بوجوبها على روايتين»مجموع الفتاوى، ابن تيمية(28/518)، وانظر: المرجع السابق (35/57)، والمغني، ابن قدامة (4/8)..

ولو كان ورود الاحتمال في الطائفة المقاتلة ممتنع لنبّه ابن تيمية على امتناعه كما نبّه على امتناعه في حال الفرد الذي يعرض على القتل.

♦الدليل الثالث: تسمية الصحابة لهم بالمرتدين من غير تفريق بين أصنافهم، واسم الردة يقتضي كونهم كفاراً خارجين عن الإسلامانظر: تبرئة الشيخين، ابن سحمان (56)..

ولكن الاستدلال بهذا الدليل غير صحيح، لأن الردة في اللغة والشرع لا تقتضي بالضرورة الحكم بالخروج من الإسلام، وإنما تستعمل في بعض الموارد بمعنى مطلق الرجوع، وتحديد المقصود منها وضبط معناها يرجع فيه إلى تصرفات الصحابة وتعاملاتهم، وهي تدلُّ في حادثة المرتدين على مطلق النكوص على التسليم للإسلام، وقد نبّه على هذا المعنى الإمام الشافعي وغيره كما سيأتي التنبيه عليه.

  • القول الثاني:

إن الصحابة لم يجمعوا على كفر كل من دخلوا في ظاهرة الارتداد ومن شملهم اسم الردة، وإنما كانوا مجمعين على أن أهل الردة صنفان: صنف كافر خارج عن ملَّة الإسلام، وصنف باق على الملَّة ولكنه بغى بترك بعض شرائعه الكبرى.

وقد نسب هذا التقسيم إلى الصحابة عدد من كبار علماء الإسلام، ومن أولهم وأعلمهم: الإمام الشافعي، فإنه نصَّ على ذلك بوضوح حيث يقول: «وأهل الردة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضربان: منهم قوم كفروا بعد الإسلام، مثل طليحة ومسيلمة والعنسي وأصحابهم، ومنهم قوم تمسكوا بالإسلام ومنعوا الصدقات»الأم، الشافعي (9/204).، ثم أشار إلى أن أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- كانا مجمعين على أن الصنف الثاني ليسوا كفاراً، حيث يقول بعد أن ذكر حوارهما: «معرفتهما معاً بأن ممَّن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان».

وممَّن قرر هذا القول الخطابيُّ حيث يقول: «الذين يلزمهم اسم الردة من العرب كانوا صنفين: صنفاً منهم ارتدَّ عن الدين، ونابذ الملة، وعاودوا الكفر، وهم الذين عناهم أبو هريرة بقوله: «وكفر من كفر من العرب»، وهم أصحاب مسيلمة الكذاب، ومن سلك مذهبهم في إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وصنفاً آخر: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، وهؤلاء على الحقيقة أهل بغي»أعلام السنن، الخطابي (1/741)..

وممَّن ذكر ذلك أيضاً: ابن حزم، فإنه قال في سياق كلامه عن أصناف المرتدين: «والقسم الثاني: قول أسلموا، ولم يكفروا بعد إسلامهم، ولكن منعوا الزكاة من أن يدفعوها إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فعلى هذا قوتلوا»المحلى، ابن حزم (11/193)..

وقد توارد على تأكيد هذا القول عدد من كبار العلماء العارفين بمواطن الإجماع والمدركين للأقوال المختلفة، ومنهم: ابن عبدالبر وابن المنذر والماوردي والقاضي عياض وابن العربي والبغوي والنووي وابن حجر، وغيرهم كثيرانظر: الاستذكار، ابن عبد البر (9/266)، والإشراف على مذاهب أهل السنة، ابن المنذر (3/254)، والحاوي، الماوردي (13/211)، وشرح السنة، البغوي (5/489)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض (1/243)، وعارضة الأحوذي، ابن العربي (10/73)، وشرح صحيح مسلم، النووي (2/202)، وفتح الباري، ابن حجر (12/276)، وإكمال إكمال المعلم، الأبي (1/173)، وغيرها كثير.، ولو أخذنا في نقل أقوالهم لطال بنا المقام جداً.


وقد استدلّ هؤلاء على صحة قولهم من أنه ليس كل من دخل في ظاهرة الارتداد يكون كافراً خارجاً من ملة الإسلام عند الصحابة بعدة أدلة، منها:

الدليل الأول: المناظرة التي وقعت بين عمر بن الخطاب وأبي بكر رضي الله عنهما، فإن طريقة الحوار فيها وطبيعة الاستدلال تؤكد على أن موضوعه لم يكن البحث في حكمهم، وهل خرجوا من الإسلام أم لا؟ وإنما كان في حكم قتال قوم ثبت لهم وصف الإسلام، وقد نبّه الشافعي إلى أهمية هذا الحوار ودلالته حيث يقول: «وقول عمر لأبي بكر: أليس قد قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللهُ؟ فإذا قالوها عصموا مني  دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهُم على الله)، وفي قول أبي بكر: (هذا من حقها لو منعوني عناقاً ممَّا أعطوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه) معرفة منهما معا بأن ممَّن قاتلوا من هو  على  التمسك بالإيمان، ولولا ذلك ما شكَّ عمر في قتالهم، ولقال أبو بكر: قد تركوا "لا إله إلا الله" فصاروا مشركين»الأم، الشافعي (9/206)، وانظر: المحلى، ابن حزم(11/193)..

ويؤكد هذا المعنى قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في آخر الحوار: «فوالله ما هو إلا قد شرح الله صدري للقتال، وعرفت أنه الحق» فهذا القول يدلُّ على أن قضية النقاش والحوار بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- إنما كانت في القتال، وليس في الكفر.

وقد يُعترض على هذا الدليل بأن حوار الصحابة كان قبل أن يحصل من مانعي الزكاة الممانعة والمقاتلة، فلما حصل منهم ذلك تحقق فيهم وصف الكفر.

ولكن هذا الاعتراض غير صحيح، لأنه مبني على اعتقاد كفر الطائفة الممتنعة، وعلى أن الامتناع أحد الأوصاف الموجبة للكفر، وهذا غير صحيح كما سبق التنبيه عليه.

وقد أطلق بعض المعاصرين القول: إن ابن تيمية يكفر الطائفة الممتنعة عن الشرائع الظاهرة والمقاتلة عليهاانظر: نواقض الإيمان الاعتقادية، محمد الوهيبي (2/190)، والحكم بغير ما أنزل الله، عبدالرحمن المحمود (243).، ولكن الإطلاق هذا غير دقيق، فإن المتتبع لتقريرات ابن تيمية يجد أنه لا يكفر كل طائفة قاتلت على الامتناع عن شريعة ظاهرة، فهو لم يكن يكفر الخوارج مع أنهم طائفة ممتنعة عنده قاتلت على أمر ظاهر في الشريعة، وهو تكفير صاحب الكبيرة واستحلال دماء المسلمين، ونصَّ على عدم كفرهم، ونسب ذلك إلى علي -رضي الله عنه- ومن معه من الصحابةانظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/500)..

الدليل الثاني: مخاطبة بعضهم لأبي بكر -رضي الله عنه- بكونهم لم يتركوا الإسلام وإقرار الصحابة لهم، وقد اعتمد الشافعي وابن حزم وابن عبدالبر على هذا الدليل، وفي هذا يقول الشافعي في سياق الاستدلال على قوله: «وذلك بيِّنٌ في مخاطبتهم جيوش أبي بكر، وأشعار من قال الشعر منهم، ومخاطبتهم لأبي بكر بعد الإسار (أي: الأسر)... وقالوا لأبي بكر بعد الإسـار: ما كـفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا»الأم، الشافعي (9/206)، وانظر: التمهيد، ابن عبدالبر (21/282)..

ويؤكد الماوردي قوة هذا الدليل فيقول بعد ذكره لأشعارهم: «فلم يرد عليهم أبو بكر ولا أحد من الصحابة ما قالوه، مع بقائهم على إيمانهم، فدلَّ على ثبوته إجماعا»الحاوي، الماوردي (13/111)..

وممَّا يدخل في هذا الدليل: قصة مالك بن نويرة وقومه، فإنهم ممَّن منعوا دفع الزكاة إلى أبي بكر رضي الله عنه، وكانوا من القبائل التي وجه أبو بكر خالداً إلى قتالها، فلما وصل إليهم  أعلموهم بأنهم باقون على الإسلام، ثم قتل خالد مالك بن نويرة، ولما علم أبو بكر بمقتله جزع من ذلك، ودفع ديته لأهله، وردَّ عليهم المال والسبي، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: «قدمَ أبو قتادة على أبي بكر، فأخبره بمقتل مالكٍ وأصحابه، فجزع من ذلك جزعاً شديداً، فكتب أبو بكر إلى خالد، فقدم إليه، فقال أبو بكر: هل يزيد خالدٌ على أن يكون تأوّل فأخطأ؟ وردَّ أبو بكر خالداً، وَوَدَى مالك بن نويرة، وردَّ السبي والمال»تاريخ خليفة خياط (150)، وانظر: كتاب الردة، الواقدي (106)، وتاريخ البطري (3/279)، والبداية والنهاية، ابن كثير (6/354)، وانظر دراسة مطولة لتحليل موقف خالد: حركة الردة، علي العتوم (222-227).، فهذا الصنيع من أبي بكر يدلُّ على أن بعض من شملهم اسم الردة لم يكونوا كفاراً خارجين من الملة.

وقد ذكر عدد من المؤرخين أخباراً عديدة تدلُّ على أن الصحابة لم يكونوا يحكمون بالكفر على كل من شملهم اسم الردة في زمن أبي بكر رضي الله عنهانظر: كتاب الردة، الواقدي (174-177)..

الدليل الثالث: ظاهر كتاب أبي بكر إلى المرتدين، فإنه -رضي الله عنه- كتب إليهم كتاباً طويلاً اشتمل على بنود عديدة مختلفة في مقتضياتها، وممَّا جاء فيه قوله: «بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى من بلغه كتابي هذا، من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه»انظر نص الكتاب: كتاب الردة، الواقدي (71)، وتاريخ الطبري (3/250).، فهذا يدلُّ على أن بعض أهل الردة بقي على إسلامه ولم يخرج عنه، وذكر في أثنائه ما يدلُّ على أن الذي رجع عن الدين إنما هو صنف من المرتدين فقط.

ولا بدَّ من التنبيه على أنه جاء عند بعض المؤرخين جملة ربما يُفهَم منها خلاف ما سبق  وهي قول أبي بكر: «فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، نُقرّ بما جاء به، (ونكفِّر من أبى ذلك ونجاهده)»تاريخ الطبري (3/250).، وهذه الجملة لم ترد في كل روايات كتاب أبي بكر، ثم إنها لا تقتضي أن أبا بكر كان يحكم على كل من دخل في نطاق الردة بالكفر، لأنها جاءت في سياق بيان الحكم العام على من ترك الدين، والهدي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وليست في سياق بيان موقف أبي بكر من المرتدين.

ولا بدَّ من التنبيه أيضاً على أن بعض العلماء استدلوا على القول: إن الصحابة ليسوا مجمعين على تكفير كلِّ المرتدين بأدلة غير صحيحة، ومن ذلك ما أشار إليه ابن عبد البر من أن عمر خالف أبا بكر في حكم مانعي الزكاة، ولهذا أرجع بعض السبي إليهمانظر: الاستذكار، ابن عبدالبر (3/214).، ومن ذلك أيضاً ما فعله ابن حجر، فإنه احتج بالخلاف الذي وقع بين أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- في بعض أحكام سبي المرتدين كما جاء في أثر طارق بن شهاب على أنهم مختلفون في كفرهمانظر: فتح الباري، ابن  حجر (12/336)..

وهذه الاستدلالات غير صحيحة، فإن عمر بن الخطاب أقر أبا بكر على أن قتلى المرتدين في النار، وأيده على ذلك ولم يخالفه إلا في بعض الجزئيات فقط كما يدلُّ عليه خبر طارق بن شهاب السابق، فإنه ورد عنه أنه قال لأبي بكر: «قد رأيت رأياً، وسنشير عليك، أما أن يؤدوا الحلقة والكراع فنعم ما رأيت، وأما أن يتركوا أقواماً يتبعون أذناب الإبل حتى يرى الله خليفة نبيه -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين أمراً يعذرونهم به، فنعم ما رأيت، وأما أن نغنم ما أصبنا منهم ويردون ما أصابوا منا، فنعم ما رأيت، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة، فنعم ما رأيت، وأما أن لا نَدِي قتلاهم فنعم ما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا فلا، قتلانا قتلوا عن أمر الله فلا ديات لهم»أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (33400)..

وأما إرجاع السبي فهو لا يستلزم أن عمر كان يرى عدم كفرهم، لأنه جائز ومقبول في الشريعة، وقد فعله النبي -صلى الله عليه وسلم- مع بعض قبائل العربانظر في هذا الجواب: منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/349)، وانظر: موقف الصحابة من الردة والمرتدين، فهد القرشي – رسالة ماجستير في جامعة أم القرى – (246).، فكيف يُقال: إنه لا يكفرهم، ثم إن عمر ردَّ السبي على كل المرتدين ولم يقتصر على مانعي الزكاة فقط.

وإذا لم يكن كل من شملهم اسم الردة كفاراً خارجين عن الملة، فلماذا سموا باسم الردة إذاً؟ وقد أوضح العلماء الأسباب الداعية إلى ذلك وأرجعوها إلى سببين، وهما:

السبب الأول: أن هذا الإطلاق يصح في اللغة، إذ معنى الردة في اللغة الرجوع، ومن أقر بالصلاة وأنكر الزكاة بعدما كان مؤمناً بها، فإنه يصدق عليه بأنه رجع عن بعض دينه، ولا يصحُّ لنا أن نحاكم إطلاقات المتقدمين على ما استقر عليه اسم الردة في كتب الفقه المتأخرة، وقد نبّه الشافعي على هذا الوجه إذ يقول: «فإن قال قائل: ما دلَّ على ذلك والعامة تقول لهم: أهل الردة، قال الشافعي رحمه الله تعالى: فهو لسان عربي، فالردة الارتداد عمَّا كانوا عليه بالكفر، والارتداد يمنع الحق، قال: ومن رجع عن شيء جاز أن يقال: ارتد عن كذا»الأم، الشافعي (9/206)..

السبب الثاني: أنهم دخلوا في غمار أهل الردة فأضيف الاسم في الجملة إلى الردة، إذ كانت أعظم الأمرين خطراً وأكبرها جُرماً كما أشار إلى ذلك الخطابيانظر: أعلام السنن، الخطابي (1/742)..

ــــــــــــــــــــــــــ

  • القضية الثانية، وهي تحرير موقف الصحابة في قتال أهل الردة:

انتهينا في بحث القضية الأولى إلى أن الصحابة لم يحكموا بالكفر على كل أصناف طوائف المرتدين، وإنما كانوا يقسّمونهم إلى قسمين، وهذا هو القول الذي اختاره الإمام الشافعي وعدد غير قليل من العلماء كما سبق بيانه.

فأما الصنف الأول الذين كان الصحابة يحكمون بكفرهم، فإنهم لم يختلفوا في وجوب قتالهم، لأنهم مرتدون خارجون عن الإسلام، ولم يبقَ لهم العقد العاصم لدمائهم وأموالهم.

وأما الصنف الثاني الذين لم يحكموا بكفرهم، فهم الذين عَرَضَ الإشكال والتردد في إباحة قتالهم عند عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وغيره من الصحابة، وبادر إلى نقاش أبي بكر -رضي الله عنه- في شأنهم، ثم بعد ذلك اقتنع بصحة قول أبي بكر في وجوب قتالهم.

ومحصّل هذا الكلام: أن الصحابة استقر أمرهم على وجوب قتال كل المرتدين شرعاً، وأنهم أجمعوا على وجوب قتال كل أصنافهم.

وهذا ما يدل عليه الحوار الذي دار بين أبي بكر وعمر، فإن عمر صرّح في آخره بأنّه عرف أن ما ذهب إليه هو الحق، ولهذا وافقه وأخذ برأيه.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان أبو بكر بعده، وكَفَرَ من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر! كيف تُقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله تعالى)؟! قال أبو بكر: والله لأقاتلَنَّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله -عز وجل- قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق" أخرجه البخاري رقم (7285)، ومسلم رقم (32)..

فهذا الحوار بين أكبر رجلين في الإسلام بعد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدلّ على أمرين مهمين، وهما:

الأمر الأول:

أن الإشكال الذي عرض لعمر إنما كان في الصنف الثاني من المرتدين ولم يكن في الصنف الأول، فإن عمر كان يسأل عمّن أقر بالشهادتين ولم يكن يسأل عمّن ترك أصل الدين، وهذا ما فهمه أبو بكر منه، فإنه لم يقل: لأقاتلن من أشرك بالله، وإنما قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، وهذا يدل على أن حوارهم كان في صنف معين من المرتدين كان مقراً بالصلاة، ويدل أيضاً على أنهم مجمعون على وجوب قتال الصنف الآخر وليس لديهم إشكال فيه.

وإنما عرض الإشكال لعمر في الصنف الأول، لأنه يرى أن فعل أبي بكر فيه استباحة للدماء، وهذه الاستباحة أمر عظيم في الشريعة، ولهذا استند عمر بن الخطاب إلى النصّ الذي يدل على حرمة دم المسلم، فبيّن له أبو بكر خطّأ قوله استناداً إلى نصوص شرعية أخرى، فالخلاف بينهما إذن كان على أمر ديني كبير وهو استباحة دماء طائفة من المسلمين، وأمر الدماء عظيم في الإسلام كما هو معلوم، ولم يكن مجرد خلاف على أمر سياسي مصلحي محض يرجع إلى الاعتبارات الواقعية والمرحلية.

وهذا المعنى -أعني أن النقاش لم يكن في كل أصناف المرتدين وإنما في نصف واحد منهم- هو الذي فهمه عدد من كبار العلماء، وفي هذا يقول الشافعي: "وقول عمر لأبي بكر: أليس قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه)؟! وفي قول أبي بكر: "هذا من حقها لو منعوني عناقاً مما أعطوا رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه"، معرفة منهما معاً بأن مِمّن قاتلوا مَن هو على التمسك بالإيمان، ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم، ولقال أبو بكر: قد تركوا لا إله إلا اللَّه، فصاروا مشركين" الأم، الشافعي، (5/516)..

ويقول الخطابي حين ذكر بعض أصناف المرتدين، وهم من أقرّ بالزكاة لكن امتنع عن دفعها لأبي بكر: "في أمر هؤلاء عرض الخلاف، ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه، فراجع أبا بكر رضي الله عنه، وناظره، واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني نفسه وماله)" معالم السنن، الخطابي، (2/165)..

ويقول ابن عبد البر معلّقاً على حديث أبي هريرة: "قوله: -وكفر من كفر من العرب- لم يخرج على كلام عمر، لأن كلام عمر إنما خرج على من قال -لا إله إلا الله محمد رسول الله- ومنع الزكاة، وتأولوا قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}[التوبة: 103]، فقالوا: المأمور بهذا رسول الله لا غيره" الاستذكار، ابن عبدالبر، (3/214).، فابن عبد البر هنا يبيّن أن عمر إنما كان يناظر أبا بكر في صنف محدد من المرتدين.

ويقول الماوردي: "فأما أبو بكر -رضي الله عنه-  فإنه قاتل طائفتين: طائفة ارتدت عن الإسلام مع مسيلمة وطليحة والعنسي، فلم يختلف عليه من الصحابة في قتالهم أحد" الحاوي، الماوردي، (13/101)..

فتحصل مما سبق أن الحوار الذي دار بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكن في جنس قتال المرتدين، وإنما كان في قتال صنف محدد منهم، وأما الصنف الآخر فلم يقع بين الصحابة في قتالهم أي تردد.

والأمر الثاني:

أن عمر بن الخطاب وافق قول أبي بكر حين اتضح له الأمر ورجع إلى قوله، وهذا ما يدل عليه صريح قول عمر: "فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله -عز وجل- قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق"، هذا القول الصريح يدل على أن عمر رجع إلى قول أبي بكر وأخذ به، وهو يدل على أن القضية انتهت إلى الإجماع، ولم يعرف أن أحداً من الصحابة نازع أو تردد في قتال كل أصناف المرتدين بعد ذلك الحوار بين ذينك الرجلين اللذين هما أعلم الصحابة رضي الله عنهم.

ولا بد من التأكيد على أن عمر حين رجع إلى قول أبي بكر لم يرجع إلى قوله لأنه هو الإمام والحاكم السياسي، ولم يرجع إليه لأنه لم يُرد أن يشق عصا المسلمين، وإنما رجع لأنه رأى أن قول أبي بكر هو الحق كما صرح بذلك.

وذلك الحوار والخلاف السابق بين الصحابة لا يضر إجماعهم اللاحق، ولا يقدح في صحته، ولا يجعل المسألة داخلة في نظام المسائل الخلافية، لأن الرجوع عن الرأي المخالف وقع من الطرف المخالف نفسه، فهو في حكم من صرّح بخطأ رأيه السابق، فلا يعد بذلك ناقضاً للإجماع.

وهذا مثله مثل رهط من العلماء اجتمعوا في مجمع ما ودار بينهم خلاف مطوّل في قضية، ثم في نهاية اللقاء أجمعوا على رأي واحد، فإنه لا يقول أحد بأن ما انتهوا إليه لا يعد إجماعاً لأنهم اختلفوا قبل ذلك!

ومثل هذه الحادثة: ما وقع بين الصحابة من خلاف وتباحث في جمع القرآن في عهد أبي بكر، فحين أمر أبو بكر بجمع القرآن عارضه بعض الصحابة، ثم استقر أمرهم على الجمع، فإنه لا يقول أحد بأنه لا يصح القول بأن الصحابة أجمعوا على جمع القرآن بحجة أنهم اختلفوا أولاً، وإنما توارد العلماء على عدِّ قضية جمع القرآن من القضايا المجمع عليها بين الصحابة. وكذلك اختلاف الصحاب في موضع دفن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن المعلوم أنهم اختلفوا في أول الأمر، ثم استقر رأيهم على دفنه -صلى الله عليه وسلم- في بيته. وكذلك اختلف الصحابة في تعيين الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استقر أمرهم على اختيار أبي بكر، فلا يصح أن نعدّ تلك المسائل داخلة في مسائل الخلاف التي تسوغ المخالفة فيها، وإنما هي من مسائل الإجماع بين الصحابة.

وهذا ما فهمه عدد من كبار العلماء، فإنهم تواردوا على القول بأن الصحابة أجمعوا على قتال المرتدين، ولم يكيّف أحد منهم موقف الصحابة من المرتدين على أنه مسألة خلافية، وإنما جعلوه داخلاً في نطاق المسائل الإجماعية المنقولة عن الصحابة.

وممّن نص على ذلك ابن عبدالبر، حيث يقول: "وكانت الردة على ثلاثة أنواع: قوم كفروا وعادوا إلى ما كانوا عليه من عبادة الأوثان، وقوم آمنوا بمسيلمة، وهم أهل اليمامة، وطائفة منعت الزكاة وقالت: ما رجعنا عن ديننا، ولكن شححنا على أموالنا وتأولوا ما ذكرناه".

ثم قال: "بدأ أبو بكر رضي الله عنه قتال الجميع ووافقه عليه جميع الصحابة بعد أن كانوا خالفوه في ذلك، لأن الذين منعوا الزكاة قد ردّوا على الله قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة: 43]، وردوا على جميع الصحابة الذين شهدوا التنزيل وعرفوا التأويل في قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ}[التوبة: 103]، ومنعوا حقاً واجباً لله على الأئمة القيام بأخذه منهم، واتفق أبو بكر وعمر وسائر الصحابة على قتالهم حتى يؤدوا حق الله في الزكاة، كما يلزمهم ذلك في الصلاة"الاستذكار، ابن عبدالبر، (3/214)..

ويقول القاضي عياض عمّن منع الزكاة من المرتدين: "فرأى أبو بكر والصحابة – رضي الله عنهم – قتالهم جميعهم"إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، (1/244).، يعني جميع أصناف المرتدين.

ويقول ابن قدامة: "واتفق الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعيها"المغني، ابن قدامة، (4/5).، ثم استدل بحديث قصة أبي بكر وعمر.

ويقول الماوردي عن المرتدين: "وطائفة أقاموا على الإسلام ومنعوا الزكاة بتأويل اشتبه، فخالفه أكثر الصحابة في الابتداء، ثم رجعوا إلى رأيه، ووافقوه عليه في الانتهاء حين وضح لهم الصواب، وزالت عنهم الشبهة، ونحن نذكر شرحه من بعد مفصلاً، فكان انعقاد الإِجماعِ معه بعد تقدمِ المخالفة له أوكد"الحاوي، الماوردي، (13/101)..

ويقول ابن تيمية: "وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا سيصلون وسيصومون شهر رمضان"الفتاوى، ابن تيمية، (28/519)..

ويؤكد ذلك في موطن آخر فيقول: "كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة -رضي الله عنهم- مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر رضي الله عنهما، فاتفق الصحابة -رضي الله عنهم- على القتال على حقوق الإسلام عملاً بالكتاب والسنة"الفتاوى، ابن تيمية، (28/502)..

وحاصل الكلام السابق: أن الموقف من قتال مانعي الزكاة قضية إجماعية بين الصحابة، ومن ثم فهي ليست مما يدخل في قضايا الاجتهاد التي يسوغ فيها الخلاف، فمن اختار قولاً ذهب فيه إلى أن قتال مانعي الزكاة في عصر الصحابة لا يجوز أو يباح خلافه، فقوله خطأ بلا شك، لأنه مخالف لما أجمع عليه الصحابة.

وإلى القول بأن اختلاف الصحابة السابق حول الموقف من قتال المرتدين لا يقدح في صحة إجماعهم اللاحق ولا في إلزاميته، ذهب جمهور الأصوليين، فقد أثاروا في مؤلفاتهم الأصولية مسألة ما إذا اختلف أهل الاجتهاد في قضية ما ثم تراجع طرف من أهل الخلاف واتفقوا على القول الآخر، وذهب أكثرهم وجمهورهم إلى أن هذا إجماع وهو حجة ملزمة.

ويمثلون له بما وقع بين الصحابة في قتال المرتدين وغيرها من القضايا، وفي بيان هذا يقول الجويني: "إذا اختلف علماء عصر على قولين، ثم رجع المتمسكون بأحد القولين إلى القول الآخر، وصاروا مطبقين عليه، فالذي ذهب إليه معظم الأصوليين أن هذا إجماع"البرهان في أصول الفقه، الجويني، (1/453)، وانظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1660).. وجاء في مسودة آل تيمية الأصولية: "إذا اختلف الصحابة على قولين ثم أجمعوا على أحدهما، صحّ وارتفع الخلاف"المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، (629)..

وكان بعض الأصوليين أكثر دقة في مناقشة هذه القضية ففرق بين الخلاف المستقر والخلاف غير المستقر، وبيّن أنه في حالة الخلاف غير المستقر حجة ملزمة، وفي هذا يقول الإيجي في شرح ابن الحاجب: "إذا اختلف أهل العصر ثم اتفقوا هم بعينهم عقيب الاختلاف من غير أن يستقر الخلاف، فإجماع وحجة"شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (125)، وانظر مزيداً من التأكيدات: أصول ابن مفلح (2/111)، وشرح الكوكب المنير لابن المنير (2/276)، والإحكام في أصول الفقه للآمدي (1/399)، وغيرها كثير..

بل إن بعض الأصوليين يحكي الإجماع على ذلك، وفي بيان ذلك يقول الزركشي حين ذكر أن للإجماع الواقع بعد الخلاف حالتين: "إحداهما: أن لا يستقر الخلاف، بأن يكون المجتهدون في مهلة النظر، ولم يستقر لهم قول، كخلاف الصحابة لأبي بكر في قتال مانعي الزكاة وإجماعهم بعد ذلك، قال الشيخ في اللمع: صارت المسألة إجماعية بلا خلاف"البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، (4/530)، وانظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1661)..

وهذه الصورة -الخلاف غير المستقر- هي الألصق بحال الخلاف الواقع بين الصحابة في الموقف من قتال المرتدين، فإن الخلاف لم يستقر بينهم، بل لا يعدو أن يكون نقاشاً مجرداً في القضية، ثم تبيّن الحكم الشرعي فيها وانكشف.

وإجماع الصحابة بعد خلافهم في قضية قتال المرتدين وغيرها من القضايا، استحضره جمهور الأصوليين في الرد على الصيرفي الذي ذهب إلى أنه لا يجوز حصول الإجماع بعد الاتفاق أصلاًانظر: المحصول، الرازي، (4/135)، والتحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1663).، وبيّنوا خطأ قوله بما وقع من حال الصحابة، وفي سياق الاستدلال على ذلك يقول الرازي: "لنا: إجماع الصحابة على إمامة أبي بكر -رضي الله عنه- بعد اختلافهم فيها"المحصول، الرازي، (4/135)..

ويقول المرداوي: «وهو محجوج بالوقوع، كمسألة الخلافة لأبي بكر وغيرها»التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1663).. وهذا يدل على أن جمهور الأصوليين يرون أن خلاف الصحابة السابق على إجماعهم في قتال المريدين لا يصيّر القضية خلافية، وإنما هي إجماعية عندهم.

والنتيجة النهائية للبحث في هذه القضية هي أن وجوب قتال المرتدين ثابت بإجماع الصحابة، فهو من المسائل المجمع عليها التي لا يدخل الخلاف فيها في دائرة الاجتهاد، وأن ما أجمع عليه الصحابة ليس مجرد فعل سياسي مصلحي محض، وإنما هو أمر شرعي له دلالات شرعية عديدة.

وفي الحلقة الثالثة سيكون البحث مركزاً على تحرير المناط الحقيقي الذي من أجله قاتل الصحابة المرتدين، وهل التأثير الأبرز فيه كان للاعتبارات السياسية أم الدينية؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • القضية الثالثة: كتابة السبب المؤثر والمناط الحقيقي الذي دعا الصحابة لقتالهم

سبق التأكيد في الجزأين السابقين على أن من شملهم اسم الردة في عهد الصحابة كانوا صنفين:

صنف ترك الدين وانخلع منه بالكلية ورجع إلى عبادة الأوثان، أو اتبع المتنبئين، وصنف بقي على الدين لكنه أنكر الزكاة أو مانع من دفعها.

وسبق التأكيد أيضاً على أن الصحابة أجمعوا على قتال المرتدين بجميع أصنافهم، أما الصنف الأول فلم يقع بين الصحابة خلاف في كفرهم ووجوب قتالهم، ولم يكن لدى أي أحد منهم إشكال في ذلك، وأما الصنف الثاني فقد عرض لبعض الصحابة إشكال في قتالهم ثم انتهى الحال بهم إلى الاتفاق على وجوب قتالهم.

وفي هذا الجزء سنناقش القضية الثالثة، وهي تحرير السبب الدافع لقتال الصحابة للمرتدين، وتحديد المناط المؤثر في حروبهم تلك.

تدل الدلائل الكثيرة على أن الدافع الأولي الذي دفع بالصحابة إلى قتال المرتدين بكل أصنافهم هو أنهم خرجوا عن الإسلام وخالفوا أصوله الكبرى كلها أو بعضها، ولم يكن البعد السياسي هو الدافع الأولي لهم.

أما الصنف الأول، وهم من ترك التدين بالإسلام جملة واتبع المتنبئين -كبني حنيفة مثلاً- فقد أجمع العلماء على أن موجب قتال الصحابة لهم هو كونهم ارتدوا عن الدين، وأن الصحابة إنما قاتلوهم لأجل ما وقع منهم من النكوص والارتداد.

وقد تتالت مقولات العلماء في تأكيد هذا المعنى، ومما يدل على ذلك: تعليق الإمام الشافعي على الحوار الذي دار بين عمر بن الخطاب وأبي بكر، حيث يقول: "في قول أبي بكر: هذا من حقها لو منعوني عناقاً مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلته عليه: معرفة منهما معاً بأن ممن قاتلوا من هو على التمسك بالإيمان، ولولا ذلك ما شك عمر في قتالهم، ولقال أبو بكر قد تركوا لا إله إلا الله فصاروا مشركين"الأم (4/215).، فهو يؤكد أن المرتدين الذين رجعوا إلى الشرك لا يشك الصحابة في قتالهم لأجل ما وقعوا فيه من الشرك، ويؤكد أن الدافع في قتال الصحابة ليس هو الخروج على الدولة، وإنما هو الخروج من الدين أو عدم الالتزام ببعض أصوله الكبرى.

وفي بيان ذلك يقول القاضي عياض بعد أن ذكر أن المرتدين كانوا ثلاثة أصناف: "فرأى أبو بكر والصحابة -رضي اللّه عنهم- قتال جميعهم، الصنفين الأولين لكفرهم، والثالث لامتناعه بزكاته"إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (1/181)..

ويقول الخطابي حين ذكر بعض أصناف المرتدين، وهم من أقر بالزكاة ولكن امتنع عن دفعها لأبي بكر: "في أمر هؤلاء عرض الخلاف، ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه، فراجع أبا بكر رضي الله عنه، وناظره، واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقول: لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني نفسه وماله)"معالم السنن، الخطابي (2/165)..

وقال فيمن ارتد عن الإسلام: "وهؤلاء سماهم الصحابة كفاراً، ولذلك رأى أبو بكر سبي ذراريهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة، واستولد علي بن أبي طالب جارية من سبي بني حنيفة، فولدت له محمد بن علي، الذي يدعى ابن الحنفية، ثم لم ينقضِ عصر الصحابة حتى أجمعوا على أن المرتد لا يسبى"معالم السنن (2/166).، وما أشار إليه الخطابي في قوله: "وساعده أكثر الصحابة" لا يقصد في الحكم بالكفر والقتال، وإنما في الموقف من السبي، وهذا ما يدل عليه آخر كلامه.

وقد نقل البغوي كلام الخطابي السابق، وفيه إضافة مهمة لا توجد في الأصل، وهي توضح مقصوده بجلاء، حيث يقول عن الصنف الذي ترك الإسلام وارتد عنه: "ولم يشك عمر رضي الله عنه في قتل هؤلاء، ولم يعترض على أبي بكر في أمرهم، بل اتفقت الصحابة على قتالهم وقتلهم، ورأى أبو بكر سبي ذراريهم ونسائهم، وساعده على ذلك أكثر الصحابة"شرح السنة (5/490)..

ويقول ابن عبد البر معلقاً على حديث أبي هريرة: "قوله: «وكفر من كفر من العرب» لم يخرج على كلام عمر، لأن كلام عمر إنما خرج على من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومنع الزكاة، وتأولوا قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]، فقالوا: المأمور بهذا رسول الله لا غيره"الاستذكار، ابن عبدالبر (3/214).، فابن عبدالبر هنا يبين أن عمر إنما كان يناظر أبا بكر في صنف محدد من المرتدين، وسبب منازعته هو أنه لم يحصل منهم كفر، لا أنه لم يحصل منهم خروج على الدولة، وفي بيان أبي بكر له بين أن السبب المبيح قتالهم هو أنهم لم يلتزموا بشعيرة من شعائر الإسلام لا لأجل أنهم خرجوا على الدولة أو شكلوا خطراً على أمنها.

ويقول الماوردي: "فأما أبو بكر -رضي اللَّه عنه- فإنه قاتل طائفتين: طائفة ارتدت عن الإسلام مع مسيلمة وطليحة والعنسي، فلم يختلف عليه من الصحابة في قتالهم أحد"الحاوي، المارودي (13/101)..

ويقول ابن تيمية مؤكداً التقريرات السابقة: "ومعلوم أن مسيلمة الكذاب كان أقل ضرراً على المسلمين من هذا -أحد ملوك التتار- وادعى أنه شريك محمد في الرسالة، وبهذا استحل الصحابة قتاله وقتال أصحابه المرتدين"مجموع الفتاوى (28/522).، وفي تأكيد المعنى نفسه يقول: "أمْر مسيلمة الكذاب وادعاؤه النبوة واتباع بني حنيفة له باليمامة وقتال الصديق لهم على ذلك أمر متواتر مشهور قد علمه الخاص والعام"مناهج السنة النبوية (4/492)، وانظر: المرجع نفسه (4/494).، بل إنه ينقل الإجماع فيقول: "لم نعلم أحداً أنكر قتال أهل اليمامة، وأن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة وأنهم قاتلوه على ذلك"المرجع السابق  (4/492)..

وفي سياق حديثه عن فضائل أبي بكر يقول: "من أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة أولهم وآخرهم أنه قاتل المرتدين وأعظم الناس ردة كان بنو حنيفة ولم يكن قتاله لهم على منع الزكاة بل قاتلهم على أنهم آمنوا بمسيلمة الكذب"منهاج السنة النبوية (8/324)..

وأما الصنف الآخر، وهم من منع الزكاة، فقد ذهب بعض العلماء إلى أن الموجب لقتالهم هو البغي وإعلان الحرابة على الصحابة، وأصبحوا لا يفرقون بين قتال البغاة وقتال الطائفة الممتنعة وقتال الخوارج ويجعلونها من جنس واحد، ويستدلون ببعضها على بعض، ولهذا فإن كثيراً من الفقهاء يستدل على قتال البغاة بقتال الصحابة لمانعي الزكاة وبقتال علي لبعض الصحابة في موقعة الجملانظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، الخطابي (1/742)، وفتح الباري، ابن حجر (12/277)، والحاوي الكبير، الماوردي (13/221)، ومغني المحتاج، الخطيب الشربيني (4/123)،  والكافي في فقه أحمد بن حنبل، ابن قدامة (4/54)، وكشاف القناع، البهوتي (6/158)..

ولكن كثيراً من الفقهاء -وخاصة المتقدمين منهم- يفرّق بين قتال الصحابة لمعاني الزكاة وقتال البغاة، فالطائفة المنكرة لوجوب الزكاة أو غير الملتزمة بإخراجها عندهم يجب قتالها ابتداءً ولو لم تبدأ بقتال، وأما الطائفة الباغية فإنه لا يجوز ابتداء قتالها إلا إذا هي بدأت بذلك.

وفي الكشف عن حقيقة هذا القول يقول ابن تيمية: "وكثير من الأئمة المصنفين في الشريعة لم يذكروا في مصنفاتهم قتال الخارجين عن أصول الشريعة الاعتقادية والعملية، كمانعي الزكاة والخوارج ونحوهم، إلا من جنس قتال الخارجين على الإمام، كأهل الجمل وصفين، وهذا غلط، بل الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فرق بين الصنفين، كما ذكر ذلك أكثر أئمة الفقه والسنة والحديث والتصوف والكلام وغيرهم"مجموع الفتاوى (28/486)..

وفي سياق حديثه عن حكم قتال التتار بيّن أنهم ليس لهم حكم البغاة، وإنما هم من جنس مانعي الزكاة الذين قوتلوا على ما خرجوا به من الدين، فقال: "والصواب أن هؤلاء –التتار- ليسوا من البغاة المتأولين فإن هؤلاء ليس لهم تأويل سائغ أصلاً، وإنما هم من جنس الخوارج المارقين ومانعي الزكاة، وأهل الطائف والخرمية ونحوهم، ممن قوتلوا على ما خرجوا عنه من شرائع الإسلام"مجموع الفتاوى (28/548)..

وأكدّ أن قتال أبي بكر لمانعي الزكاة لم يكن لأجل أنهم امتنعوا عن أدائها لأبي بكر، وإنما لأنهم امتنعوا عن أدائها مطلقاً، حيث يقول: "أما الذين قاتلهم على منع الزكاة فأولئك ناس آخرون، ولم يكونوا يؤدونها وقالوا لا نؤديها إليك، بل امتنعوا من أدائها بالكلية فقاتلهم على هذا، لم يقاتلهم ليؤدّوها إليه، وأتباع الصديق كأحمد بن حنبل وأبي حنيفة وغيرهما يقولون: إذا قالوا نحن نؤديها ولا ندفعها إلى الإمام لم يجز قتالهم، لعلمهم بأن الصديق إنما قاتل من امتنع عن أدائها جملة، لا من قال أنا أؤديها بنفسي"منهاج السنة النبوية (8/324)، وانظر: المرجع نفسه (8/233)..

  • الأدلة على أن الدافع في قتال الصحابة للمرتدين هو البعد الديني:

دلّت القرائن الكثيرة والشواهد المتعددة على أن قتال الصحابة للمرتدين بكل أصنافهم (مَنْ خرج من الدين بالكلية ومَنْ امتنع عن الزكاة: الصنف الأول لأجل ردّتهم وخروجهم من الدين، والصنف الثاني لأجل امتناعهم عن العمل بعبادة ظاهرة)، كان الدافع فيه هو البعد الديني، وتؤكد أنّ قتالهم لم يكن لأجل الغرض السياسي ولا اقتصادي، ولا لأجل كونهم خرجوا عن الدولة، وإنما لأجل أنهم خرجوا عن الإسلام جملة، أو لأجل أنهم لم يلتزموا بشعيرة من شعائره الأساسية، ومن تلك الدلائل:

الدلالة الأولى:

قول أبي بكر للصحابة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"، واستدلاله بقول الله تعالى: {فَإن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: ١١]، وهذا يدل على أن البعد الذي كان له التأثير الحقيقي في قتال الصحابة للمرتدين هو البعد الديني وليس البعد السياسي، ولو كان غير ذلك، لقال: والله لأقاتلن من حاربنا أو من خرج على دولة الإسلام.

ثم إن أبا بكر ربط حكم الزكاة بحكم الصلاة، وهذا يدل على أن الصحابة مجموعون على أنهم لو تركوا الصلاة لاستحقوا المحاربة والقتال، والصلاة ليس فيها بعد اقتصادي أو سياسي.

ثم إنه لو كان سبب قتال مانعي الزكاة هو البغي والحرابة والخروج على الدولة لما تردد عمر بن الخطاب في وجوب قتالهم، لكون ذلك أمراً منصوصاً ظاهراً في القرآن، وهذا يدل على أن مأخذ قتالهم عنده هو ما تركوه من شعائر الدين مع بقائهم على أصله.

الدلالة الثانية:

كتابات أبي بكر للمرتدين، فحين وقعت حادثة الردة قام أبو بكر بكتابة كتاب عام أمر أن يقرأ على كل المرتدين، وجاء فيه: "من أبي بكر خليفة رسول الله، إلى من بلغ كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجعه عنه ... وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به ... وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحداً منكم حتى يدعوه إلى داعية الله ... وألا يقبل من أحد إلا الإسلام"تاريخ الطبري (2/141)، والبداية والنهاية، ابن كثير (6/348)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله (340).، وكذلك جاء نصٌّ مقارب للسابق في كتاب أبي بكر لبني أسدمجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي (347).، وجاء في كتاب أبي بكر لخالد حين أمره بالمسير إلى مسيلمة الكذاب: "فإذا قدمت عليهم فلا تبدأهم بقتال حتى تدعوهم إلى داعية الإسلام، واحرص على صلاحهم ... واعلم أنك تقاتل كفاراً بالله ..."الردة، الواقدي (71)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (349)..

وهذه الكتابات كلها تدل على أن السبب الموجب لقتال الصحابة للمرتدين هو كونهم كفروا بالله وانخلعوا من دين الإسلام، ولو كان موجب قتالهم هو السبب السياسي لقال فادعهم إلى الرجوع إلى سياج الدولة والخضوع لحكم القانون.

الدلالة الثالثة:

عَهْدُ أبي بكر لأمراء الأجناد ووصاياه لهم، فحين خرجت الأجناد من المدينة كتب أبو بكر لهم عهداً جاء فيه: "هذا عهد أبي بكر خليفة رسول الله لفلان حين بعثه فيمن بعثه لقتال من رجع عن الإسلام"تاريخ الطبري (2/142)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (344)..

ولو كان قتالهم للسبب السياسي لقال حين بعثه فيمن بعثه لقتال من خرج على الدولة وخالف القانون.

الدلالة الرابعة:

موقف الصحابة من قتلى حرب المرتدين، فإن أبا بكر حكم عليهم بالنار، فعن طارق بن شهاب، قال: "قدم وفد بزاخة من أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح، فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية والسلم المخزية، فقالوا له: هذه الحرب المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية؟ فقال: أن تنزع منكم الحلقة والكراع، وتتركوا أقواماً تتبعون أذناب الإبل، حتى يري اللهُ خليفةَ نبيه والمهاجرين أمراً يعذرونكم به، ونغنم ما أصبنا منكم، وتردوا إلينا ما أصبتم منا، وتَدُوا قتلانا، وتكون قتلاكم في النار"أخرجه: أبو عبيد، القاسم ابن سلام في الأموال (254)، وابن زنجويه في الأموال من طريق أبي عبيد (742)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33400)، وسعيد بن منصور في السنن (2/316)، وإسناده صحيح..

ومن كان سبب قتاله هو الخروج على الدولة لا يحكم على قتلاه بالنار، لأنه لا يلزم أن يكون كافراً.

فهذه الشواهد كلها تدل على معنى واحد، وهو أن قتال الصحابة للمرتدين إنما كان لأجل البعد الديني، وهو الارتداد عن الإسلام والانخلاع منه، أو لأجل أنهم لم يلتزموا بشعيرة من شعائره الأساسية.

ولا بد من التنبيه هنا إلى أن جعل الدافع الأول لحروب الصحابة في الردة هو البعد الديني، لا يمنع أن يكون لحرب المرتدين أهداف أخرى سياسية واقتصادية، ولكنها تبقى أهدافاً تابعة وليست أولية.

  • التفسير السياسي لقتال الصحابة للمرتدين:

مع وضوح الأدلة ووفرة الشواهد الدالة على أن البعد الديني هو الدافع الأولي للصحابة في قتالهم للمرتدين إلا أن هناك رؤية مختلفة تشكلت في العصر الحديث، واشترك في بنائها بعض الخطاب العلماني كعلي عبدالرازق وغيرهانظر: الإسلام وأصول الحكم، علي عبدالرازق (114-117).، وكثير من الإسلاميين ممن تبنى رؤية معاصرة في قضية الحرية، تأول من خلالها كل ما يخالفها من أحكام الشريعة الثابتة، كقضية جهاد الطلب وحدّ الردة وغيرهما، وتتلخص هذه الرؤية في أن الدافع الأولي لقتال الصحابة للمرتدين لم يكن البعد الديني، وإنما كان البعد السياسي، فحروب الردة في نظرهم لم تكن لأجل إعادة من غيّر اعتقاده وخرج من الإسلام أو لأجل إلزام من امتنع عن أداء فريضة من فرائض الإسلام الأساسية، وإنما هي في نظرهم لأجل أنهم مواطنون تخلوا عن التزاماتهم وواجباتهم باعتبارهم أعضاء في الدولة، ولأنهم سعوا إلى الانفصال عن جسد الدولة وأعلنوا الحرب عليها، وأمسوا يشكلون خطراً على أمنها واستقرارهاانظر: لا إكراه في الدين، طه جابر العلواني (149)، والحريات العامة، عبدالحكيم العيلي (431)، والحقوق والحريات السياسية في الإسلام، رحيل غرابية (355)، والإسلام وحرية الفكر، جمال البنا (205)، وحرية الفكر في الإسلام، عبدالمتعال الصعيدي (65)، وحرية الاعتقاد في القرآن الكريم، عبدالرحمن حللي (125)، وحق الحرية في العالم، وهبة الزحيلي (148)، وقتل المرتد الجريمة التي حرمها الإسلام، محمد منير إدلبي (121)، ونصوص الردة في تاريخ الطبري، محمد حسن آل ياسين (90)..

وحاول بعضهم أن ينكر كون ما حصل من القبائل العربية ردة عن الدين أو خروجاً عنه، فقد ذهب محمد عمارة إلى أن حركة الردة لم تكن ضد دين الإسلام وإنما ضد دولة الإسلام، وفي سياق توضيح ذلك أكّد أن أحداً من المتنبئين لم ينازع في توحيد الله، ولا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر أحد منهم قضية الوحي الإلهي، وإنما أنكروا فقط تفرد النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقلاله بالنبوة، تعصباً منهم وحسداً، «فنحن هنا أمام تمردات قبلية، تشق الوحدة التي أقامتها الدولة العربية الإسلامية الوليدة، التي يحكمها بني قريش، فهي انشقاقات ضد الوحدة، ولأن دولة الوحدة هذه يقودها نبي، فلقد زعم قادة هذه الانشقاقات أنهم هم الآخرون أنبياء... فهي إذن ردة سياسية، حاولت تبرير نفسها وستر عورتها برداء مهترئ من التنبؤ في الدين»الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية (125-126)، وانظر في إنكار حدوث الردة الدينية في القبائل العربية: نصوص الردة في تاريخ الطبري، محمد حسن آل ياسين (92- 101)..

وهذا التفسير السياسي لحروب الردة مصادم لحقيقة ما كانت عليه تلك الحروب، ومتناقض مع حال الصحابة في التعامل معها، فإن هناك نصوصاً كثيرة -كما سبق بيانه- تدل على أن دافعهم في محاربة القبائل المرتدة لم يكن لأجل أنهم أعلنوا الخروج عن حكم الدولة، ولا لأنهم باتوا يشكلون خطراً على أمنها، وإنما لأنهم أعلنوا الخروج عن الدين أو لأنهم أعلنوا عدم الالتزام بعبادة من أصول الإسلام وأركانه الأساسية، وأصحاب التفسير السياسي لحروب الردة لم يقدموا جواباً على تلك الأدلة والشواهد، وإنما أغفلوها وأعرضوا عنها وكأنه ليس لها وجود!


ومع ذلك فقد حاول أصحاب الرؤية الجديدة في تفسير حروب الردة أن يبرروا رؤيتهم تلك فاستندوا إلى عدة تبريرات ترجع في مجلها إلى ثلاثة تبريرات أساسية، وهي:

المبرر الأول:

القول بأنه لو كانت حروب الردة لأجل البعد الديني فإنه هذا يعني أن الصحابة وقعوا في المخالفة للنصوص الشرعية الناهية عن الإكراه، كما في قوله تعالى: {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256].

وهذا المبرر غير صحيح، وهو متضمن لسوء فهم للمراد من الآية، فإن الصحيح أن هذه الآية لا علاقة لها بحالة الردة، وإنما هي متعلقة بحالة الدخول في الإسلام، وقد اختلف المفسرون فيها وذكروا سبعة أقوالانظر: فتح القدير، الشوكاني (1/470).، ولكن كل تلك الأقوال تتمحور حول حالة الدخول في الإسلام، ولم يذكر أحد منهم قولاً يتعلق بحالة الخروج من الدين والارتداد عنه.

وهذا ما يدل عليه سبب نزولها، فعن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً -أي لا يعيش لها ولد- فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا، فأنزل الله عز وجل: {لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]أخرجه: أبو داود في سننه، رقم (2682)، وصححه الألباني..

ثم على التسليم بأن هذه الآية تشمل حتى حالة الخروج من الدين، فإن الأمة مجمعة على تخصيص المرتد منها، وفي نقل الإجماع يقول ابن حزم: "لأنه لم يختلف أحد من الأمة كلها أن هذه الآية ليست على ظاهرها، لأن الأمة مجمعة على إكراه المرتد عن دينه"المحلى (11/195)، وانظر: المحلى أيضاً (7/346)..

المبرر الثاني:

الاعتماد على أن الدافع الذي كان وراء ارتداد القبائل العربية هو البعد القبلي وهو الذي أدّى بهم إلى الثورة على حكم قريش للدولة، ولم يكن لديهم ارتداد حقيقي عن أصل الدين، فبما أن الأمر كذلك فإن الدافع في حروب الصحابة هو إرجاعهم إلى دائرة الدولة الإسلامية الوليدة.

وقد لقي هذا المبرر انتشاراً كبيراً، ويكاد يجمع أصحاب الرؤية الجديدة على الاعتماد عليه، وهو من أغرب المبررات وأعجبها، فهو أولاً مخالف للنصوص الصريحة جداً المنقولة عن الصحابة في بيان حقيقة ما وقع من القبائل العربية، ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: "قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- وكفر من كفر من العرب.."أخرجه: البخاري، رقم (1399).، فها هو أبو هريرة، وهو بلا شك أعلم من المعاصرين بحال المرتدين، يخبر بنص صريح أن ما حصل منهم هو ردة عن الدين وكفر به.

ثم إن في هذا المبرر حكم على قصد الصحابة بناء على قصد المخالفين لهم، فلو سلمنا بأن تلك القبائل العربية خرجت لأجل البعد القبلي فقط، وكان هدفها هو الثورة على الدولة، فما المبرر الذي يجعل قصد الصحابة موافقاً لقصدهم، فهل هناك دليل عقلي أو واقعي يؤكد ذلك؟! وهل هناك دليل يؤكد أن مقاصد المتحاربين لا بد أن تكون متفقة ومتواردة على جهة واحدة دائماً؟!! وكيف نترك مقالات الصحابة أنفسهم ونتجاوز حديثهم وخطاباتهم التي عبروا فيها عن دافعهم لقتال المرتدين، ونعتمد على حالة المرتدين لنفسّر بها دافع الصحابة؟!!

إن الطريقة الصحيحة في تحديد هدف الصحابة من حروب الردة هي أن نرجع إلى مقالاتهم ومواقفهم التي صدرت منها، ونستخرج منها الغاية التي كانت وراء قتالهم للمرتدين، وليس أن نقوم بتحليل مواقف أناس آخرين ونستخرج منها مقاصد أناس مختلفين عنهم في أهدافهم وغاياتهم وعلمهم ومعرفتهم.

المبرر الثالث:

الاعتماد على قول بعض الفقهاء الذين أشاروا إلى أن قتال الصحابة لمانعي الزكاة كان من أجل البغي، كما سبق نقل ذلك.

وإذا تجاوزنا البحث في صحة موقف أولئك الفقهاء في تفسيرهم لقتال الصحابة لمانعي الزكاة، فإن الاعتماد على قولهم في تعميم التفسير السياسي لكل حروب الردة غير صحيح، بل فيه قفز ظاهر على مواقف أولئك العلماء التفصيلية الواضحة، فإن العلماء الذين أشاروا إلى أن قتال الصحابة لمانعي الزكاة كان لأجل البغي لم يجعلوا ذلك عاماً في كل أصناف المرتدين، بل نصّوا بأنفسهم على أن قتال الصحابة لمن ترك الدين واتبع المتنبئين -كبني حنيفة وغيرهم- كان لأجل الردة والخروج من الدين، كما سبق نقل كلامهم.

فهم لم يقولوا إن كل حروب الردة كانت لأجل البغي كما يقول أصحاب التفسير السياسي، وإنما كانوا يتحدثون عن صنف محدد، وهو مانعو الزكاة فقط، ولكن بعض الباحثين استثمر قولهم ذلك فجعل علّة قتال الصحابة لكل أصناف المرتدين هي البغي والخروج عن نظام الدولة، وهذا تعميم خاطئ، وتجاوز في الاستدلال.

فإذا سلّمنا بأن قتال مانعي الزكاة كان لأجل البغي، فهذا لا ينفع أصحاب التفسير السياسي لحروب الردة، لأنهم يقولون إن كل الحروب التي خاضها الصحابة ضد المرتدين كانت لأجل البعد السياسي، وغاية ما يدل عليه حديث بعض الفقهاء عن مانعي الزكاة أن بعض حروب الصحابة كانت لأجل البغي والخروج على الدولة، فالمبرر الذي اعتمدوا عليه إذن أضيق من الدعوى التي يدعونها.

ومن خلال التحليل السابق ينكشف بوضوح أن الرؤية المعاصرة التي تفسر حروب الردة تفسيراً سياسياً رؤية مخالفة للأدلة والشواهد المنقولة، وهي أيضاً لم تعتمد على مبررات صحيحة سالمة من الخلل، وبالتالي فإنها رؤية خاطئة غير مقبولة.

1 - انظر: حروب الردة، محمد أحمد باشميل (5).
2 - انظر: عصر الخلافة الراشدة أكرم العمري (391)، وأثر التشيع على الراويات التاريخية، عبدالعزيز محمد نور ولي (317).
3 - انظر في دراسة أحوال هؤلاء وغيرهم: أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري عبدالعزيز محمد نور ولي (67-130).
4 - منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (8/325).
5 - انظر: ديوان الردة، علي العتوم (15).
6 - كتاب الإيمان، أبو عبيد القاسم سلام (17).
7 - مسائل الإيمان، أبو يعلى (330).
8 - انظر: الأحكام السلطانية، أبو يعلى (53)
9 - أحكام القرآن، الجصاص (2/268).
10 - مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/519).
11 - مفيد المستفيد في حكم جاهل التوحيد، محمد بن عبدالوهاب (154)، والدرر السنية (8/131).
12 - مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/515).
13 - انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/512، 545، 557).
14 - منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/348).
15 - مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد، محمد بن عبدالوهاب (156).
16 - انظر: الدرر السنية (10/179)، ومصباح الظلام، عبداللطيف بن حسن آل الشيخ (359-360)، وتبرئة الشيخين، سليمان بن سحمان (127)، ومجموع فتاوى محمد بن إبراهيم آل الشيخ (6/202).
17 - أخرجه: أبو عبيد القاسم ابن سلام في الأموال (254)، وابن زنجويه في الأموال من طريق أبي عبيد (742)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33400)، وسعيد بن منصور في السنن (2/316)، وإسناده صحيح.
18 - انظر: المغني، ابن قدامة (4/9).
19 - انظر: تاريخ الطبري (3/316، 318، 330، 342، 378)، والبداية والنهاية، ابن كثير (9/482، 503)، وكتاب الردة، الواقدي (253).
20 - انظر في معني هذا الجواب: المغني، ابن قدامة (4/9).
21 - انظر: تاريخ الطبري (3/253-259).
22 - منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/348).
23 - مجموع الفتاوى، ابن تيمية (7/219).
24 - مجموع الفتاوى، ابن تيمية(28/518)، وانظر: المرجع السابق (35/57)، والمغني، ابن قدامة (4/8).
25 - انظر: تبرئة الشيخين، ابن سحمان (56).
26 - الأم، الشافعي (9/204).
27 - أعلام السنن، الخطابي (1/741).
28 - المحلى، ابن حزم (11/193).
29 - انظر: الاستذكار، ابن عبد البر (9/266)، والإشراف على مذاهب أهل السنة، ابن المنذر (3/254)، والحاوي، الماوردي (13/211)، وشرح السنة، البغوي (5/489)، وإكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض (1/243)، وعارضة الأحوذي، ابن العربي (10/73)، وشرح صحيح مسلم، النووي (2/202)، وفتح الباري، ابن حجر (12/276)، وإكمال إكمال المعلم، الأبي (1/173)، وغيرها كثير.
30 - الأم، الشافعي (9/206)، وانظر: المحلى، ابن حزم(11/193).
31 - انظر: نواقض الإيمان الاعتقادية، محمد الوهيبي (2/190)، والحكم بغير ما أنزل الله، عبدالرحمن المحمود (243).
32 - انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية (28/500).
33 - الأم، الشافعي (9/206)، وانظر: التمهيد، ابن عبدالبر (21/282).
34 - الحاوي، الماوردي (13/111).
35 - تاريخ خليفة خياط (150)، وانظر: كتاب الردة، الواقدي (106)، وتاريخ البطري (3/279)، والبداية والنهاية، ابن كثير (6/354)، وانظر دراسة مطولة لتحليل موقف خالد: حركة الردة، علي العتوم (222-227).
36 - انظر: كتاب الردة، الواقدي (174-177).
37 - انظر نص الكتاب: كتاب الردة، الواقدي (71)، وتاريخ الطبري (3/250).
38 - تاريخ الطبري (3/250).
39 - انظر: الاستذكار، ابن عبدالبر (3/214).
40 - انظر: فتح الباري، ابن  حجر (12/336).
41 - أخرجه: ابن أبي شيبة في المصنف (33400).
42 - انظر في هذا الجواب: منهاج السنة النبوية، ابن تيمية (6/349)، وانظر: موقف الصحابة من الردة والمرتدين، فهد القرشي – رسالة ماجستير في جامعة أم القرى – (246).
43 - الأم، الشافعي (9/206).
44 - انظر: أعلام السنن، الخطابي (1/742).
45 -  أخرجه البخاري رقم (7285)، ومسلم رقم (32).
46 -  الأم، الشافعي، (5/516).
47 -  معالم السنن، الخطابي، (2/165).
48 -  الاستذكار، ابن عبدالبر، (3/214).
49 -  الحاوي، الماوردي، (13/101).
50 - الاستذكار، ابن عبدالبر، (3/214).
51 - إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، (1/244).
52 - المغني، ابن قدامة، (4/5).
53 - الحاوي، الماوردي، (13/101).
54 - الفتاوى، ابن تيمية، (28/519).
55 - الفتاوى، ابن تيمية، (28/502).
56 - البرهان في أصول الفقه، الجويني، (1/453)، وانظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1660).
57 - المسودة في أصول الفقه، آل تيمية، (629).
58 - شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (125)، وانظر مزيداً من التأكيدات: أصول ابن مفلح (2/111)، وشرح الكوكب المنير لابن المنير (2/276)، والإحكام في أصول الفقه للآمدي (1/399)، وغيرها كثير.
59 - البحر المحيط في أصول الفقه، الزركشي، (4/530)، وانظر: التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1661).
60 - انظر: المحصول، الرازي، (4/135)، والتحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1663).
61 - المحصول، الرازي، (4/135).
62 - التحبير شرح التحرير، المرداوي، (4/1663).
63 - الأم (4/215).
64 - إكمال المعلم بشرح صحيح مسلم (1/181).
65 - معالم السنن، الخطابي (2/165).
66 - معالم السنن (2/166).
67 - شرح السنة (5/490).
68 - الاستذكار، ابن عبدالبر (3/214).
69 - الحاوي، المارودي (13/101).
70 - مجموع الفتاوى (28/522).
71 - مناهج السنة النبوية (4/492)، وانظر: المرجع نفسه (4/494).
72 - المرجع السابق  (4/492).
73 - منهاج السنة النبوية (8/324).
74 - انظر: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، الخطابي (1/742)، وفتح الباري، ابن حجر (12/277)، والحاوي الكبير، الماوردي (13/221)، ومغني المحتاج، الخطيب الشربيني (4/123)،  والكافي في فقه أحمد بن حنبل، ابن قدامة (4/54)، وكشاف القناع، البهوتي (6/158).
75 - مجموع الفتاوى (28/486).
76 - مجموع الفتاوى (28/548).
77 - منهاج السنة النبوية (8/324)، وانظر: المرجع نفسه (8/233).
78 - تاريخ الطبري (2/141)، والبداية والنهاية، ابن كثير (6/348)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، محمد حميد الله (340).
79 - مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي (347).
80 - الردة، الواقدي (71)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (349).
81 - تاريخ الطبري (2/142)، ومجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة (344).
82 - أخرجه: أبو عبيد، القاسم ابن سلام في الأموال (254)، وابن زنجويه في الأموال من طريق أبي عبيد (742)، وابن أبي شيبة في مصنفه (33400)، وسعيد بن منصور في السنن (2/316)، وإسناده صحيح.
83 - انظر: الإسلام وأصول الحكم، علي عبدالرازق (114-117).
84 - انظر: لا إكراه في الدين، طه جابر العلواني (149)، والحريات العامة، عبدالحكيم العيلي (431)، والحقوق والحريات السياسية في الإسلام، رحيل غرابية (355)، والإسلام وحرية الفكر، جمال البنا (205)، وحرية الفكر في الإسلام، عبدالمتعال الصعيدي (65)، وحرية الاعتقاد في القرآن الكريم، عبدالرحمن حللي (125)، وحق الحرية في العالم، وهبة الزحيلي (148)، وقتل المرتد الجريمة التي حرمها الإسلام، محمد منير إدلبي (121)، ونصوص الردة في تاريخ الطبري، محمد حسن آل ياسين (90).
85 - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية (125-126)، وانظر في إنكار حدوث الردة الدينية في القبائل العربية: نصوص الردة في تاريخ الطبري، محمد حسن آل ياسين (92- 101).
86 - انظر: فتح القدير، الشوكاني (1/470).
87 - أخرجه: أبو داود في سننه، رقم (2682)، وصححه الألباني.
88 - المحلى (11/195)، وانظر: المحلى أيضاً (7/346).
89 - أخرجه: البخاري، رقم (1399).
ملف للتنزيل: 

إضافة تعليق جديد