شبهات تنظيم الدولة وأنصاره والرد عليها: الشبهة الثالثة عشرة: لماذا المسارعة إلى إعلان الحرب على تنظيم (الدّولة) قبلَ محاورته؟
-
تقول الشُّبهة:
سارعت الكتائبُ والفصائل في بلاد الشّام إلى قتال التّنظيم قبل محاورته والنّقاش معه، وكان الواجبُ الحوارَ ومحاولةَ التّوصل معه إلى اتفاقٍ يحقن الدّماء، ويمنع الحرب. ثم إنَّ الحقيقة التي لا ينبغي إنكارُها أنَّ تنظيم (الدّولة) لم يعلن الحربَ على الفصائل، بل إنَّ الفصائل الأخرى هي مَن أعلن القتالَ والحرب عليه، فهي المسؤولةُ عن سفك الدّماءِ، وما آلت إليه الأمور، وكان بإمكانها الانشغالُ بالدّفاع عن المسلمين، وقتال النظام المجرم ، وخاصة أنّ قادة التنظيم أعلنوا مرارًا أنهم لا يرغبون في القتال، وطالبوا الفصائل بالتّخلية بينهم وبين الأعداء!
-
الإجابة عن هذه الشّبهة:
ما حصل بالفعل في بداية الأمر هو الحوار، و المناصحة، والدعوة إلى التّحاكم للشريعة، لكنّ موقفَ التّنظيم الرافض، والمستمر في الاعتداء هو الذي أوصل الأمورَ إلى ما هي عليه، ويتَّضح هذا الأمر مِن خلال النقاط التالية:
-
أولًا:
أعلن تنظيمُ (الدّولة) عن مشروعه -وذلك بعد انطلاق الجهاد، وتأسيس الجماعات- دون مشورةٍ مِن أيّ فصيل عسكري أو هيئة شرعية، ممّا أثار الكثيرَ مِن التّساؤلات لدى عامّة النّاس، فقامت الهيئاتُ الشّرعيةُ، والروابط العلمية السورية ببذل جهدها في احتواء هذه المسألة، فأصدرت موقفًا علنيًا مِن هذه الخطوة؛ إجابةً للنّاس على تساؤلاتهم، وبيانًا للموقف الشّرعي ِمن هذه الحادثة، وذلك في بيان (حول الدّولة الإسلامية في العراق والشام وبيعة جبهة النّصرة)، والذي وضَّحت فيه أسبابَ رفض هذا الإعلان المتمثلة في:
-
الافتئات على أهل الحلّ والعقد في بلاد الشّام بإعلان دولةٍ وبيعة دون استشارةٍ لأحدٍ مِن أهلها، فضلًا عن إشراك علمائها و مجاهديها.
-
المخاطر المستقبلية المترتِّبة على هذا الإعلانوللمزيد ينظر بيان: (حول الدّولة الإسلامية في العراق والشام وبيعة جبهة النصرة) http://islamicsham.org/letters/824 ..
ورافق ذلك تواصلُ عشرات الشّرعيين والمهتمين مع أطرافٍ عديدةٍ مِن قيادات التّنظيم؛ لمحاولة احتواء هذا الإعلان، أو التّخفيف مِن آثاره، وإيجاد السّبل لرأب الصّدع، لكنّها لم تلق أيَّ تجاوب أو اهتمام.
ومع استمرار التّنظيم في اعتدائه على المجاهدين والدّعاة بالاعتقال، والتّعذيب، والقتل، واحتلال المناطق، تتالت المواقف والخطابات حسب تطور مواقف التّنظيم، واعتدائه على الكتائب:
حيث صدر (بيان إلى الفصائل والكتائب المجاهدة في سوريا) والذي حثّ بأسلوبٍ عامٍّ على:
-
دعوة كافّة الفصائل إلى توحيد الصّفّ تجاه الهدف الأساس، وهو إسقاط النّظام.
-
التّحذير مِن التّفرق وخطورته.
-
الحث على إصلاح ذات البَين، وإن لم تتمكن الفصائلُ مِن الصّلح فيكون الاتفاقُ على هيئة شرعية مِن العلماء والحكماء للاحتكام لها، والالتزام بما تُصدره.
-
التّحذير مِن تكفير الفصائل الأخرى، واستباحة دمائهم، وأنَّ ذلك ينذر بشرٍّ خطير، ويوقع في فتنة عمياء تأتي على الأخضر واليابسينظر (بيان إلى الفصائل والكتائب المجاهدة في سوريا) 1312 http://islamicsham.org/letters/..
ثم صدر (بيانٌ حول تصرفات تنظيم الدّولة الإسلامية في العراق والشام) والذي فصَّل أهمّ المخالفات التي وقع فيها التّنظيم، ثم قرَّر:
-
دعوة قيادات تنظيم (الدّولة) إلى أنْ تفيء إلى الحق، وتستمع إلى الناصحين المخلصين، وتصحّح هذه المخالفات والأخطاء.
-
تحميل تنظيم (الدّولة) مسؤولية الانتهاكات والجرائم نتيجة استمرارها في بغيها وعدوانها.
-
مناشدة أهل العلم ممّن لم تزل لهم كلمة مسموعة عند تنظيم (الدّولة) أن يقولوا كلمة الحقّ دون مواربة.
-
دعوة داعمي الجهاد في سوريا أنْ يتقوا اللهَ، ويتحرّوا في توجيه أموالهم وأموال المسلمين؛ لئلا تكون سببًا في سفك دماء المسلمين، والفتِّ في عضد المجاهدينينظر (بيان حول تصرفات تنظيم (الدّولة الإسلامية في العراق والشام) http://islamicsham.org/letters/1431..
ورافق هذه البيانات والخطابات الكثير مِن المناصحات والمناقشات سرًّا وعلنًا مع قادة التّنظيم كما سبق بيانه، لكن ذلك لم يزد هذا التّنظيم إلا غلوًا وبعدًا عن الحقّ.
ثم كان للعديد مِن شخصيات تيار (السّلفية الجهادية) وقفات وحوارات مع تنظيم (الدّولة) لمدّةٍ طويلة، وتمتازُ هذه الوقفات بالأهمية لطبيعة العلاقة الفكرية والتّنظيمية بينهما، وقد سبقت الإشارة إلى بعضهاص ()..
وقد كان مصيرها جميعها الرفضُ وعدمُ الاستجابة مِن التّنظيم، ومنها: (مبادرة الهدنة بين الفصائل) التي أعلنتها أربعةَ عشر شخصية مِن تيار (السّلفية الجهادية) قبيل عيد الأضحى في ذي الحجة عام 1435هـ، وكان مِن أهم بنودها: "ندعو جميع الفصائل في الشّام والعراق إلى كفّ القتال فيما بينها على أن يبدأ ذلك في موعد أقصاه ليلة عرفة لعلّ الله –تعالى- يُنزل رحماته على الشّام وأهله بدعاء حشود المسلمين في هذا اليوم العظيم .. على أن يتولى الإخوةُ في أنصار الدّين الرباط على الحدود بين الطرفين لتُضبط تلك الحدودُ، وتهدأ نقاط التّماس ..." انتهى.
وقد تمّ تمديدُ وقت المبادرة لعشرة أيام، ثم انتهت جميعهًا دون أيِّ موافقةٍ مِن تنظيم (الدّولة)، ثم انتهى الموعد الآخر دون موافقة التّنظيموقد أصدر أصحاب الهدنة بيانًا بعد فشل المبادرة ينصّ على أنَّ المبادرة كانت: "استجابة لنداء إخواننا مِن الداخل السوري، رغبة في حقن دماء المجاهدين وتفريغهم لرد هجمة التحالف الصليبي المرتد؛ فبادرنا بذلك حرصًا على توجيه البنادق والمدافع إلى وجهتها الصحيحة، وتجاوب معنا وراسلنا إخوة أفاضل تلبية للمبادرة، وصمت آخرون، وانتقد الهدنة غيرهم، وفهمنا مِن بيانات البعض رفضها، وذكر لنا إخوة ممن راسلونا أنّ ما طلبناه في هذه الهدنة موجود بالفعل حاليًا على أرض الواقع، وأن القتال اليوم بينهم وبين الدّولة يكاد يكون معدومًا حتى ما كان في ريف حلب الشمالي صار جبهة شبه هادئة، وأن تبادلًا لأسارى مفعل بين الأطراف، وأن هناك أطرافًا رئيسة مهمة معروفة لن تؤيد أيّ هدنة، ومِن ثَمّ فلن تؤتي الدعوة إليها ثمارها" انتهى. دون تحديد لاسم الطّرف الرافض! بل قام صلاح الدين الشيشاني –قائد جيش المهاجرين والأنصار- أحد التشكيلات الأساسية لجبهة أنصار الدين بمبادرةٍ منه لوقف القتال بين تنظيم (الدّولة) والأطراف الأخرى، فكانت الإجابة بالرفض؛ والسّبب أنّ التّنظيم يعتقد فعليًا بكفر الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة. ينظر المقابلة http://www.youtube.com/watch?v=qoNPvnFrkEU&feature=youtu.be.!
فهل بعد كل هذه المبادرات والمراسلات من أطراف عديدة يُقال لماذا لم تناقشوا؟ أم لم تحاوروا؟ وماذا قدم التنظيم في مقابل هذه المبادرات غير الرفض والتعنُّت؟
-
ثانيًا:
بينما كان التنظيم يُعلن على الملأ شروطًا للقبول بهذه المبادرات، أو الجلوس للمحكمة، مثل إعلان الموقف من بعض دول العالم، أو بيان الحكم الشرعي في "الديمقراطية" ونحوها، كان يُسِرُّ في هذه المراسلات بالسبب الحقيقي للامتناع عن القبول بها، وهو أنَّه يرى نفسَه (دولة) لها حاكم شرعيٌ واجب الطاعة على الجميع، بينما بقيةُ خصومه مجرد فصائل خارجة عن طاعته، والطّريقةُ الوحيدة -في نظره- لحلّ النزاع: هي حلُّ الفصائل لنفسها، وإعلان الولاء للتنظيم، ومِن ثَمّ التّرافع لمحاكمه!
ومع ما في هذا من كذبٍ وخداعٍ وتقيِّة، وغلوٍّ في نزع الشّرعية والمصداقية عن بقية الفصائل، واحتكارها، فإنَّ فيه جهلًا ببديهيّات القضاء وفصل النّزاعات، والتّعامل مع الخصوم؛ فالخلاف بين شخصين أو جهتين إنَّما يُحلُّ بِطرفٍ ثالث ولو كان أحدهما حاكمًا، وما زال خُلفاءُ المسلمينَ وحكامهم وسلف الأمة يجلسون أمامَ القضاء مع خصومهم من عامة الناس الذين تحت حكمهم،، ولا يمنعهم مِن ذلك شيء، فكيف بمن لا يٌقرّ لهم بهذا السلطان؟
ثمّ أظهر التنظيم بعد ذلك سببًا آخر كان يخفيه، ألا وهو تكفير هذه الفصائل، والحكم عليها بالرّدّة والخروج مِن الدّين، وأنّ الطريقة الوحيدة لحلّ الأزمة بإعلان توبتها ومبايعتها للتّنظيم!
-
ثالثًا:
تنظيم (الدّولة) هو مَن بدأ بإعلان الحرب على الفصائل الأخرى فكريًا وعسكريًا:
فأمّا فكريًا: لأنَّ مشروعُ تنظيم (الدّولة) يقوم على إلغاء أيِّ مشروعٍ آخر، جهاديًا كان، أو سياسيًا، أو اجتماعيًا أو مدنيًا، ويرى أنّ تنظيمَه هو التّنظيم الوحيد الذي يُقيم شرعَ الله، وأنَّ كلَّ تنظيم آخر هو مشروع عمالةٍ وحربٍ على الإسلام! وبالتّالي فإنَّه يحكم عليه بالعمالة والخيانة، والكفر والرّدّة.
فوجودُ أيِّ تنظيم آخر هو بمثابة إعلان الحرب عليه، والعداء له ابتداءً؛ لذا فإنَّه يَصرف معظم جهده في القضاء على التّنظيمات الأخرى، واستهداف القيادات المجتمعية بالاغتيال والتّصفية.
ومِن الأدلة على ذلك ما يلي:
1. قال العدناني في كلمته (لـن يضرّوكم الاّ أذىً):
"إنّ مشروعنا هذا يقابله مشروعان؛ الأول: مشروع دولة مدنيّةٍ ديمقراطية، مشروع علماني تدعمه جميع مللِ الكفر قاطبةً ...خوفًا مِن إعادة سلطان الله إلى أرضه، وإقامة الخلافة الإسلامية..
وأمّا المشروع الثاني؛ فمشروعُ دولة محلّية وطنيّة تسمّى إسلامية ... إنّ هذا المشروع ظاهرُه: إسلامي، وحقيقته: مشروعُ دولةٍ وطنيّة، تخضع للطّواغيت في الغرب، وتتبع لهم في الشّرق، يهدف لحرف مسار الجهادِ، وتوجيه ضربةٍ له في الصّميم ...".
ثمّ يقول:" وإنّ الدّولة الإسلامية في العراق والشام تواجه على هذا الصّعيد أشرسَ الحروب؛ إذ إنّ لها في هذا المضمار ثلاثةَ خصوم؛ الكفار بجميع أبواقهم ... والمرتدّون مِن بني جلدتنا بكلّ أطيافهم وعلماء سوئهم، وأهلُ الأهواء وأرباب البدع وأصحاب المناهج المنحرفة مِن المسلمين ... بل وحتى مِن بعض مَن يُحسَب على المجاهدين" انتهى.
2. وما إنْ أعلن التّنظيمُ عن (خلافته) حتى سارع إلى تجديد موقفِه مِن الفصائل الأخرى، فقال العدناني في كلمته (هذا وعد الله): "وننبّه المسلمين: أنّه بإعلان الخلافة؛ صار واجبًا على جميع المسلمين مبايعةُ ونصرة الخليفة إبراهيم حفظه الله، وتبطل شرعيّةُ جميع الإمارات والجماعات والولايات والتّنظيمات، التي يتمدّد إليها سلطانُه، ويصلها جندُه" انتهى.
وهذا البيان وحدَه إعلانُ حربٍ على جميع الفصائل العسكرية، والهيئات الشّرعية، والمنظّمات الاجتماعية في جميع الأرض، ولو لم يرفع عليهم سلاحًا، ولم يقتل منهم أحدًا، فكيف وقد فعل ما هو أشنع من ذلك؟
وبناءً على إعلان الحرب هذا فإنَّ تنظيم الدولة يَعتبر تمدَّده لأيّ مناطقَ جديدةٍ دخولًا لمناطقَه التابعةِ له شرعًا، وأنّ الآخرين هم البغاة والمعتدون!
أمّا على أرض الواقع: فقد بدأ التّنظيم فور الإعلان عن نفسِه العمل على تطبيق أفكاره المنحرفة، فبدأ باعتقال القيادات الثّورية (الإعلامية، والإغاثية، والدّعوية)، وقتَلَ العديدَ منها بزعم التّكفير والرّدّة، مع التّوسع والاستيلاء على أراضي وممتلكات الفصائل الأخرى التي حرّرت المناطق مِن النّظام، متّخذًا في سبيل ذلك كلَّ وسيلةٍ حتى ولو كانت غيرَ مشروعة، مِن غدرٍ بالمجاهدين، ونقضٍ للعهود بعد إعطاء الأمان، مستغلًا تورُّعَ الكثيرِ مِن المجاهدين عن مدافعته, لظنهم ابتداءً أنه قتالُ فتنة!
وعلى الرغم مِن كلّ المناشدات والمطالبات لم تتوقف هذه التّصرفات، بل ازدادت مع مرور الزّمن، وما هذه التّصرفات إلا إعلانُ حربٍ مِن التّنظيم في حقيقة الأمر، ولو نفى ذلك.
فالشُّبهة التي ذُكرت مبنيّة على تصوّرٍ غير صحيح لمعنى إعلان الحرب، ومغالطةٌ لسير الأحداث وتسلسلها؛ فالحربُ مع هذا التّنظيم قائمةٌ بالفعل لمجرِّد وجوده، فضلًا عن قيامه باستباحة دماء وأموال المسلمين، ونقض العهود والمواثيق، ورفض التّحاكم للشّرع، ولو لم ينطق بكلمةِ (إعلان الحرب).
وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم نقضَ العهود والمواثيق، وقتلَ الرّسل، إعلانًا للحرب مِن المشركين، ولو لم يرفعوا شعاراتٍ بإعلانها، فاستباح بذلك قتالهم ودماءهم، بل إنَّه قد عدَّ قتلَ مشركٍ مِن حلفائه نقضًا للعهد وإعلانًا للحرب، فكيف بقتل مسلم؟
فقد روى أصحابُ السير والسّنن أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم لـمّا عقد صلحَ الحديبية، دخلت قبيلةُ خُزاعةَ في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل بنو بكر في عهد قريش، ثمّ ما لبث بنو بكر أن غدروا ببني خزاعة، وأعانت قريشٌ بني بكر بالسّلاح والرّجال، فانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له عليه الصلاة والسلام: (نُصرتَ يا عمرُو بنَ سالمٍ)، وجمع جيشَه، وتوجّه لفتح مكّة، وعلى الرغم مِن محاولة قريش للاعتذار عمّا حصل، وإرسال أبي سفيان لتجديد الصّلح إلا أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أبى ذلكأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9/390، برقم 18859)..
- ما فعلته الفصائلُ الأخرى مِن الرد على بيانات التنظيم -المليئة بإعلان الحرب، والتّخوين والتّكفير- ببيانات التّحذير وفضح الممارسات، وبيان الحكم الشّرعي في هذه التّصرفات، والردِّ على عدوانه بالمدافعة والقتال إنّما جاء تاليًا لفعله، ولم يصدر ابتداءً.
مع أنَّ ابتداء قتال الخوارج مشروعٌ ولو لم يبدؤوا بالقتال كما سبق تقريرهسبق ص ().، فكيف بمن بالغ في الولوغ في الدماء؟
ولو قيل: إنَّ تنظيم (الدولة) يقاتل الفصائل، وهم يقاتلونها، فالقتال حاصلٌ واقعًا، وكون من بدأ لا يؤثر في حقيقةِ أنَّ كل طرف يرى أن الآخر يقاتله.
فهذا باطلٌ ومردود؛ إذ لا مساواةَ بين مُحق يطالب بإقامة الشرع على المعتدين، وبين مُعتدٍ مستمرٍ في عدوانه وانتهاك حرمات الله.
-
رابعًا:
لا ينبغي أن تكون الحوارات، والتّرفق بالنقاش سببًا لسفك الدّماء المحرمة، والغدر بالمجاهدين، وذريعةً لتمرير الباطل والبغي والعدوان، فلا تناقضَ بين إقامة الحجة على المعتدين وبين دفع عدوانهم.
فقد أرسل عليُّ بنُ أبي طالب عبدَ الله بنَ عباسٍ رضي الله عنه إلى الخوارج فحاورهم، وأقام عليهم الحجّة، ثمّ أمر بقتالهم، وهكذا كان حالُ المسلمين مع الخوارج في كلّ عصرٍ ومصرٍ.
وفي الوقت الذي كانت تُوجَّه فيه الدّعوات إلى التّنظيم للحوار والنقاش وعدم القتال، وتُعقد المبادرات، وتُطلق النّداءات، وتُرسل الرّسائل، كان التّنظيم يتمادى في غدره وخيانته، ويوجّه مفخّخاته وانتحارييه لاستهداف مقرّات الكتائب الأخرى، مستخدمًا حضورَ اللّقاءات والمفاوضات غطاءً لهجماته بعد أخذ الأمان وإعطاء العهود، فاستشهد عددٌ مِن القادة والدّعاة بذلك الغدر. كما كان يوجه الأرتالَ لاحتلال المناطق والبلدات موهمًا المجاهدين برغبته في الخروج مِن المنطقة، أو الرّغبة في التّوجه لمناطق النّظام، وإذا به يغدر بهم، ويفاجئهم في مقراتهم. فهو بذلك قد نقض العهود والمواثيق والهدن التي كان يُسعى لإقامتها بين الطّرفين، وعمل بعكس ما ينادي به، فقتل وحارب أثناء الدّعوات للحوار والإصلاح المزعوم!
-
خامسًا:
أمّا مرادُ التّنظيم مِن قوله: (خَلُّوا بيننا وبين أعدائنا، خلوا بيننا وبين الرافضة): أن لا يكون لأيِّ تنظيم مشروعٌ منافس، وأن لا يرتكب ما يعدُّه التّنظيم عمالةً أو خيانة، بل أن تدخل كافّةُ التّنظيمات في طاعته وإمرته! لا -كما يفهمها السذَّج- طلبُ تركِ قتاله، والتّفرُّغ لقتال النّظامتقترن هذه المقولات في خطاباتهم بادعاءت المظلومية (لك الله أيتها الدّولة المظلومة)، (كفّوا عنا)، (جئنا لنصرتكم، رفدناهم بما في بيت المال مناصفة...) في عويل ولطم يشابه لطميات وادعاءات اليهود في (الهولوكوست النازي)، والرافضة في (اللطميات الكربلائية)، ولعلّ مِن أسوئها ادعاءات اغتصاب نساء (المهاجرين)، والتي ثبت كذبها وبطلانها، في استغلال بشعٍ للعواطف، بالكذب والبهتان.. وترديد هذا العبارات وما فيها من دعاوى لا يعني أنّهم مصيبون فيها، أو أنَّهم على حقٍّ، فليس كلُّ صاحب دعوى مصيبًا، كما في نفيهم صفة الخارجية عن أنفسهم.
-
والخلاصةُ:
أنَّ تنظيمَ (الدّولة) قد أعلن الحربَ على سائر الفصائل المجاهدة، والمكوّنات الثّورية، وبادرها بالإلغاء والإبطال، ثم التّكفير والقتل والاعتقال بالغدر والخيانة، ورفض كلَّ نصيحةٍ له، أو حوارٍ معه، وطعن في جميع مَن ناقشه وجادله، وجميعُ ذلك إعلانٌ صريحٌ للحرب وإن راوغَ وخادَع وزعم غير ذلك.
المصدر: كتاب "شُبهات تنظيم "الدولة الإسلامية" وأنصاره والرَّد عليها" الشبهة الثّالثةَ عشرةَ، د. عماد الدين خيتي